المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌‌ ‌فصل   قَالَ القَاضِي عِيَاض إِذا عرفت مَا ذكر من وُجُوه إعجاز - الخصائص الكبرى - جـ ١

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌فَائِدَة فِي ان رِسَالَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَامَّة لجَمِيع الْخلق والانبياء واممهم كلهم من امته

- ‌لَطِيفَة أُخْرَى فِي أَن اخذ الْمِيثَاق من النَّبِيين لنبينا صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِم كَإِيمَانِ الْبيعَة الَّتِي تُؤْخَذ للخلفاء

- ‌فَائِدَة فِي بَيَان وَفَاة وَالِده صلى الله عليه وسلم وَسنة يَوْم وَفَاته

- ‌فَائِدَة

- ‌فَائِدَة فِي ذكر شعر حليمة مِمَّا كَانَت ترقص بهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي زمَان صباه

- ‌ذكر المعجزات والخصائص فِي خلقه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حَدِيث انس رضي الله عنه

- ‌حَدِيث أبي بن كَعْب ستأتي الْإِشَارَة اليه عقب حَدِيث أبي ذَر

- ‌حَدِيث بُرَيْدَة

- ‌حَدِيث جَابر

- ‌حَدِيث حُذَيْفَة بن الْيَمَان

- ‌حَدِيث سَمُرَة

- ‌حَدِيث سهل بن سعد

- ‌حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس

- ‌حَدِيث صُهَيْب

- ‌حَدِيث ابْن عَبَّاس

- ‌حَدِيث ابْن عمر

- ‌حَدِيث ابْن عَمْرو

- ‌حَدِيث ابْن مَسْعُود

- ‌حَدِيث عبد الله بن اِسْعَدْ بن زُرَارَة

- ‌حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن قرط الثمالِي

- ‌حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه

- ‌حَدِيث عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌حَدِيث مَالك بن صعصعة

- ‌حَدِيث أبي أَيُّوب

- ‌حَدِيث أبي حَبَّة

- ‌ حَدِيث أبي ذَر

- ‌حَدِيث ابي الْحَمْرَاء

- ‌حَدِيث أبي سعيد

- ‌حدث أبي سُفْيَان

- ‌حَدِيث أبي ليلى

- ‌حَدِيث أبي هُرَيْرَة

- ‌حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها

- ‌حَدِيث أَسمَاء

- ‌حَدِيث أم هَانِئ

- ‌حَدِيث أم سَلمَة

- ‌الْمَرَاسِيل

- ‌فَوَائِد فِي تعدد الاسراء والنكات فِيهِ

- ‌ذكر المعجزات الْوَاقِعَة فِي الْغَزَوَات

- ‌فَائِدَة فِي حِكْمَة قتال الْمَلَائِكَة مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌حَدِيث الْإِفْك

- ‌قصَّة إِسْلَام خَالِد بن الْوَلِيد رضي الله عنه

- ‌بَيَان سَبَب ظلمَة اللَّيْل وضوء النَّهَار ومخرج السَّحَاب وَمَوْضِع النَّفس من الْجَسَد

- ‌لِقَاء إلْيَاس مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبَيَان ارْتِفَاع قامته عليه السلام

الفصل: ‌ ‌‌ ‌فصل   قَالَ القَاضِي عِيَاض إِذا عرفت مَا ذكر من وُجُوه إعجاز

‌‌

‌فصل

قَالَ القَاضِي عِيَاض إِذا عرفت مَا ذكر من وُجُوه إعجاز الْقُرْآن عرفت انه لَا يُحْصى عدد معجزاته بِأَلف وَلَا أَلفَيْنِ وَلَا اكثر لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قد تحدى بِسُورَة مِنْهُ فعجزوا عَنْهَا قَالَ أهل الْعلم واقصر السُّور {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} فَكل آيَة اَوْ آيَات مِنْهُ بعددها وقدرها معْجزَة ثمَّ فِيهَا نَفسهَا معجزات على مَا سبق

قلت واذا عددت كَلِمَات سُورَة الْكَوْثَر وَجدتهَا بضع عشرَة كلمة وَقد عد قوم كَلِمَات الْقُرْآن سبعا وَسبعين الف كلمة وَتِسْعمِائَة وأربعا وَثَلَاثِينَ فالقدر المعجز مِنْهُ يكون فِي الْعدَد نَحْو سَبْعَة آلَاف تَقْرِيبًا تضرب فِي ثَمَانِيَة أوجه الْأَوَّلَانِ وَالسَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع والعاشر وَالْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر تبلغ سِتَّة وَخمسين الف معْجزَة ثمَّ يَنْضَم إِلَى ذَلِك فِي بعضه من الْوَجْه الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس جملَة وافرة فتصل معجزات الْقُرْآن بذلك إِلَى سِتِّينَ الف معْجزَة أَو أَكثر وَمن اراد الْوُقُوف على تَفْصِيل إعجاز الْقُرْآن من حَيْثُ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فليمعن النّظر فِي كتَابنَا الاتقان ثمَّ فِي كتَابنَا أسرار التَّنْزِيل يجد فيهمَا مَا يشفي غليله وَقد وَقع لي اني استخرجت من آيَة وَاحِدَة مائَة وَعشْرين نوعا من انواع البلاغة وَهِي قَوْله تَعَالَى {الله ولي الَّذين آمنُوا} الْآيَة وَقد افردتها بتأليف فَليُرَاجع

فصل

روى أَحْمد وَغَيره عَن عقبَة بن عَامر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو كَانَ الْقُرْآن فِي اهاب مَا اكلته النَّار وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حيدث سهل بن سعد بِلَفْظ مَا مسته النَّار وَرَوَاهُ من حَدِيث عصمَة بن مَالك بِلَفْظ لَو جمع الْقُرْآن فِي إهَاب مَا احرقته النَّار

قَالَ ابْن الْأَثِير فِي نِهَايَة الْغَرِيب ذكر بَعضهم أَن هَذَا معْجزَة لَهُ فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَط

ص: 197

بَاب مَا كَانَ يظْهر عِنْد الْوَحْي من الْآيَات

اخْرُج ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب الْمَصَاحِف عَن أبي جَعْفَر قَالَ كَانَ أَبُو بكر يسمع مُنَاجَاة جبرئيل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا يرَاهُ

واخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد جيد عَن عمر ابْن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي نسْمع عِنْده دويا كَدَوِيِّ النَّحْل وَفِي لفظ يسمع عِنْد وَجهه كَدَوِيِّ النَّحْل

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة ان الْحَارِث بن هِشَام سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَيفَ يَأْتِيك الْوَحْي قَالَ أَحْيَانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وَهُوَ أشده عَليّ فَيفْصم عني وَقد وعيت مَا قَالَ وَأَحْيَانا يتَمَثَّل لي الْملك رجلا فيكلمني فأعي مَا يَقُول

وَقَالَت عَائِشَة لقد رَأَيْته ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي الْيَوْم الشَّديد الْبرد فَيفْصم عَنهُ وَأَن جَبينه ليتفصد عرقا

وَأخرج ابْن سعد عَن أبي سَلمَة انه بلغه ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول كَانَ الْوَحْي يأتيني على نحوين يأتيني بِهِ جبرئيل فيلقيه عَليّ كَمَا يلقِي الرجل على الرجل فَذَاك يتفلت مني ويأتيني فِي شَيْء مثل صَوت الجرس حَتَّى يخالط قلبِي فَذَاك الَّذِي لَا يتفلت مني

وَأخرج مُسلم عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي كرب لذَلِك وَتَربد لَهُ وَجهه

وَأخرج ابو نعيم عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَانَ رَسُول الله إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي وجد ثقلا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا}

ص: 198

وَأخرج أَبُو نعيم عَن زيد بن ثَابت قَالَ كَانَ إِذا نزل الْوَحْي على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثقل لذَلِك وتحدر جَبينه عرقا كَأَنَّهُ الجمان وَإِن كَانَ فِي الْبرد

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ كنت اكْتُبْ الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ اذا نزل عَلَيْهِ أَخَذته برحاء شَدِيدَة وعرق عرقا شَدِيدا مثل الجمان ثمَّ سرى عَنهُ وَكنت اكْتُبْ وَهُوَ يملي عَليّ فَمَا أفرغ حَتَّى تكَاد رجْلي تنكسر من ثقل الْقُرْآن حَتَّى أَقُول لَا أَمْشِي على رجْلي أبدا

وَأخرج احْمَد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا انْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْي عرفُوا ذَلِك فِي تَرَبد جلده

وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي تَرَبد لذَلِك وَجهه وَجَسَده وَأمْسك عَنهُ اصحابه وَلم يكلمهُ أحد مِنْهُم

وَأخرج احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَمْرو قَالَ قلت يَا رَسُول الله هَل تحس بِالْوَحْي قَالَ نعم اسْمَع صلاصل ثمَّ اثْبتْ عِنْد ذَلِك وَمَا من مرّة يوحي إِلَيّ إِلَّا ظَنَنْت بِأَن نَفسِي تقبض مِنْهُ

وَأخرج ابو نعيم عَن الفلتان بن عَاصِم قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ دَامَ بَصَره مَفْتُوحَة عَيناهُ وَفرغ سَمعه وَقَلبه لما يَأْتِيهِ من الله تَعَالَى

وَأخرج الشَّيْخَانِ وَأَبُو نعيم عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ نظرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوحى اليه وَله غطيط كغطيط الْبكر محمرة عَيناهُ وجبينه

واخرج ابْن سعد عَن ابي أروى الدوسي قَالَ رَأَيْت الْوَحْي ينزل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنه على رَاحِلَته فترغوا وتفتل يَديهَا حَتَّى أَظن أَن ذراعيها تنفصم فَرُبمَا بَركت وَرُبمَا قَامَت مؤتدة يَديهَا حَتَّى يسري عَنهُ من ثقل الْوَحْي وانه لينحدر مِنْهُ مثل الجمان

ص: 199

واخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قلت إِن كَانَ ليوحى إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ على نَاقَته فَتضْرب بِجِرَانِهَا من ثقل مَا يُوحى إِلَيْهِ وَإِن كَانَ جَبينه لينطف بالعرق فِي الْيَوْم الشاتي إِذا أُوحِي إِلَيْهِ

واخرج ابْن سعد عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي يغط فِي رَأسه ويتربد فِي وَجهه ويجد بردا فِي ثناياه ويعرق حَتَّى ينحدر مِنْهُ مثل الجمان

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي يكَاد يغشى عَلَيْهِ

وَأخرج احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَأَبُو نعيم عَن اسماء بنت يزِيد قَالَت كنت آخذه بزمام نَاقَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين أنزلت عَلَيْهِ الْمَائِدَة فكاد ان ينكسر عضدها من ثقل الشورة

وَأخرج ابو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي صدع فيغلف رَأسه بِالْحِنَّاءِ

وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ إِذا أوحى إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وقذ لذَلِك سَاعَة كَهَيئَةِ السَّكْرَان وقذه النعاس بذال مُعْجمَة غَلبه

وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أوحى اليه لم يسْتَطع اُحْدُ منا يرفع طرفه إِلَيْهِ حَتَّى يَنْقَضِي الْوَحْي

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِرُؤْيَة جبرئيل فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا

اخْرُج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن مَسْعُود ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبرئيل فِي صورته إِلَّا مرَّتَيْنِ أما وَاحِدَة فَإِنَّهُ سَأَلَهُ ان يرِيه نَفسه فَأرَاهُ نَفسه فسد الْأُفق وَأما الْأُخْرَى فليلة الْإِسْرَاء عِنْد السِّدْرَة

ص: 200

وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل فِي صورته وَله سِتّمائَة جناج كل جنَاح مِنْهَا قد سد الافق يسْقط من جنَاحه من التهاويل والدر والياقوت مَا الله بِهِ عليم

وَأخرج احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم جبرئيل ان يرَاهُ فِي صورته فَقَالَ ادْع رَبك فَدَعَا ربه فطلع عَلَيْهِ سَواد من قبل الْمشرق فَجعل يرْتَفع وينتشر

واخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم ير جبرئيل فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا إِلَّا مرَّتَيْنِ رَآهُ منهبطا من السَّمَاء إِلَى الارض سَاد اعظم خلقه مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض

وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة رضي الله عنها ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رَأَيْت جبرئيل منهبطا قد مَلأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض عَلَيْهِ ثِيَاب سندس مُعَلّقا بِهِ اللُّؤْلُؤ والياقوت

وَأخرج ابو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل وددت اني رَأَيْتُك فِي صُورَتك فنشر جنَاحا من اجنحته فسد افق السَّمَاء حَتَّى مَا يرى من السَّمَاء شَيْء

واخرج ابو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ رَأَيْت جبرئيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح من لُؤْلُؤ قد نشرها مثل ريش الطواويس

وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل فِي حلَّة خضراء قد مَلأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض

وَأخرج ابو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل مُعَلّقا رجلَيْهِ عَلَيْهِ الدّرّ كَأَنَّهُ قطر الْمَطَر على البقل

ص: 201

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شُرَيْح بن عبيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما صعد إِلَى السَّمَاء رأى جبرئيل فِي خلقه منظوم اجنحته من الزبرجد واللؤلؤ والياقوت قَالَ فخيل إِلَى ان مَا بَين عَيْنَيْهِ قد سد الْأُفق وَكنت أرَاهُ قبل ذَلِك على صور مُخْتَلفَة وَأكْثر مَا كنت أرَاهُ على صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكنت أَحْيَانًا أرَاهُ كَمَا يرى الرجل صَاحبه من وَرَاء الغربال

وَأخرج ابْن سعد وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ جبرئيل يَأْتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن انس ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَ جبرئيل يأتيني على صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكَانَ دحْيَة رجلا جميلا

وَأخرج الْعجلِيّ فِي تَارِيخه عَن عوَانَة بن الحكم قَالَ اجمل النَّاس من كَانَ جبرئيل ينزل على صورته

بَاب سعي الشَّجَرَة إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

أخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الأعمس عَن أبي سُفْيَان عَن أنس قَالَ جَاءَ جبرئيل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خَارج من مَكَّة قد خضبه اهل مَكَّة بالدماء قَالَ مَالك قَالَ خضبني هَؤُلَاءِ بالدماء فعلوا وفعلوا قَالَ تُرِيدُ أَن أريك آيَة قَالَ نعم أدع تِلْكَ الشَّجَرَة فَدَعَاهَا فَجَاءَت تخط الأَرْض حَتَّى قَامَت بَين يَدَيْهِ قَالَ مرها فَلْتَرْجِعْ قَالَ ارجعي إِلَى مَكَانك فَرَجَعت إِلَى مَكَانهَا قَالَ حسبي

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى بعض شعاب مَكَّة وَقد دخله من الْغم مَا شَاءَ الله من تَكْذِيب قومه إِيَّاه فَقَالَ رب أَرِنِي مَا اطمئن إِلَيْهِ وَيذْهب عني هَذَا الْغم فَأوحى الله اليه ادْع أَي أعصان هَذِه الشَّجَرَة شِئْت فَدَعَا عصنا فَانْتزع من مَكَانَهُ ثمَّ خد فِي الأَرْض حَتَّى جَاءَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

ص: 202

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْجع إِلَى مَكَانك فَرجع الْغُصْن فَخدَّ فِي الأَرْض حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ فَحَمدَ الله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَطَابَتْ نَفسه وَرجع

وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد حسن عَن عَمْرو بن الْخطاب رضي الله عنه ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ على الْحجُون كئيبا لما آذاه الْمُشْركُونَ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَرِنِي الْيَوْم آيَة لَا أُبَالِي من كَذبَنِي بعْدهَا فَأمر فَنَادَى شَجَرَة من جَانب الْوَادي فَأَقْبَلت تخد الأَرْض خدا حَتَّى وقفت بَين يَدَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ ثمَّ أمرهَا فَرَجَعت إِلَى موضعهَا فَقَالَ مَا أُبَالِي من كَذبَنِي بعْدهَا من قومِي

وَأخرج أَبُو نعيم عَن جَابر قَالَ آذَى الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ جبرئيل فَانْطَلق بِهِ الى شَفير وَاد فِيهِ شجر كثير فَقَالَ ادْع اي شَجَرَة شِئْت فَدَعَا شَجَرَة مِنْهَا فَأَقْبَلت حَتَّى قَامَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ جبرئيل انك على الْحق

بَاب در الْجَذعَة بِاللَّبنِ

أخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كنت غُلَاما يافعا ارعى عنما لعقبة بن ابي معيط بِمَكَّة فَأتى عَليّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر وَقد فرا من الْمُشْركين فَقَالَا يَا غُلَام عنْدك لبن تسقينا قلت إِنِّي مؤتمن فَقَالَا هَل عنْدك من جَذَعَة لم ينز عَلَيْهَا الْفَحْل بعد قلت نعم فأتيتهما بهَا فاعتقلها أَبُو بكر وَأخذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الضَّرع فمسحه ودعا فحفل الضَّرع فَأَتَاهُ أَبُو بكر بصخرة مقعرة فَحلبَ فِيهَا ثمَّ شرب هُوَ وَأَبُو بكر وسقاني ثمَّ قَالَ للضرع اقلص فقلص فَعَاد كَمَا كَانَ

ص: 203

بَاب رُؤْيا خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ

أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان قَالَ كَانَ إِسْلَام خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ قَدِيما وَكَانَ أول أخوته أسلم وَكَانَ بدؤ إِسْلَامه انه رأى فِي النّوم انه وقف بِهِ على شَفير النَّار فَذكر من سعتها مَا الله اعْلَم بِهِ وَيرى فِي النّوم كَانَ أَبَاهُ يَدْفَعهُ فِيهَا وَيرى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم آخِذا بحقويه لَا يَقع فَفَزعَ من نَومه وَقَالَ احْلِف بِاللَّه ان هَذِه لرؤيا حق فَأتى أَبَا بكر فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ اريد بك خيرا هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَاتبعهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِلَى م تَدْعُو قَالَ ادعو إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وتخلع مَا انت عَلَيْهِ من عبَادَة حجر لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يضر وَلَا ينفع وَلَا يدْرِي من عَبده مِمَّن لم يعبده فَأسلم خَالِد وَعلم ابوه فَأرْسل فِي طلبه فأنبه وضربه وَقَالَ وَالله لأمنعنك الْقُوت قَالَ إِن منعتني فَإِن الله يَرْزُقنِي مَا أعيش بِهِ

وَأخرج ابْن سعد عَن صَالح بن كيسَان ان خَالِد بن سعيد قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام قبل مبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم ظلمَة غشيت مَكَّة حَتَّى مَا أرى جبلا وَلَا سهلا ثمَّ رَأَيْت نورا خرج من زَمْزَم مثل ضوء الْمِصْبَاح كلما ارْتَفع عظم وسطع حَتَّى ارْتَفع فأضاء لي أول مَا أَضَاء الْبَيْت ثمَّ عظم الضَّوْء حَتَّى مَا بَقِي من سهل وَلَا جبل إِلَّا وَأَنا أرَاهُ ثمَّ سَطَعَ فِي السَّمَاء ثمَّ انحدر حَتَّى أَضَاء لي نخل يثرب فِيهَا الْبُسْر وَسمعت قَائِلا يَقُول فِي الضَّوْء سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ تمت الْكَلِمَة وَهلك ابْن مارد بهضبة الْحَصَا بَين ادرج والأكمة سعدت هَذِه الامة جَاءَ نَبِي الْأُمِّيين وَبلغ الْكتاب أَجله كَذبته هَذِه الْقرْيَة تعذب مرَّتَيْنِ تتوب فِي الثَّالِثَة ثَلَاث بقيت ثِنْتَانِ بالمشرق وَوَاحِدَة بالمغرب فَقَصَّهَا خَالِد بن سعيد على اخيه عَمْرو بن سعيد فَقَالَ رَأَيْت عجبا وَإِنِّي لأرى هَذَا أمرا يكون فِي بني عبد الْمطلب إِذْ رَأَيْت النُّور خرج من زَمْزَم وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي اسماعيل بن ابراهيم بن عقبَة عَن عَمه مُوسَى بن

ص: 204

عقبَة سَمِعت أم خَالِد بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ تَقول فَذكره وَفِي آخِره قَالَ خَالِد فانه لمما هَدَانِي الله بِهِ لِلْإِسْلَامِ قَالَت ام خَالِد فَأول من اسْلَمْ أبي وَذَلِكَ انه ذكر رُؤْيَاهُ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا خَالِد أَنا وَالله ذَلِك النُّور وَأَنا رَسُول الله فَأسلم

بَاب رُؤْيا سعد بن أبي وَقاص

اخْرُج ابْن ابي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام قبل ان اسْلَمْ بِثَلَاث كَأَنِّي فِي ظلمَة لَا أبْصر شَيْئا إِذْ أَضَاء لي قمر فاتبعته فَكَأَنِّي انْظُر الى من يسبقني إِلَى ذَلِك فَأنْظر إِلَى زيد بن حَارِثَة وَإِلَى عَليّ وَإِلَى أبي بكر وَكَأَنِّي أسألهم مَتى أتيتم الى هَا هُنَا قَالُوا السَّاعَة وَبَلغنِي ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو إِلَى الاسلام مستخفيا فَلَقِيته فِي شعب أجياد فَقلت إِلَى م تَدْعُو قَالَ تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَشَهِدت

بَاب معجزته صلى الله عليه وسلم فِي الْجَفْنَة الَّتِي اطعم مِنْهَا أَرْبَعِينَ رجلا من قومه

اخْرُج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه حَدثنِي من سمع عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل عَن ابْن عَبَّاس عَن عَليّ بن ابي طَالب قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَالَ يَا عَليّ اصْنَع لنا رجل شَاة على صَاع من طَعَام وَأعد لنا عس لبن ثمَّ اجْمَعْ بني عبد الْمطلب فَفعلت فَاجْتمعُوا لَهُ وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا يزِيدُونَ رجلا أَو ينقصونه فيهم أَعْمَامه أَبُو طَالب وَحَمْزَة وَالْعَبَّاس وابو لَهب فَقدمت إِلَيْهِم تِلْكَ الْجَفْنَة فَأخذ مِنْهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حذْيَة فَشَقهَا

ص: 205

بِأَسْنَانِهِ ثمَّ رمى بهَا فِي نَوَاحِيهَا وَقَالَ كلوا باسم الله فَأكل الْقَوْم حَتَّى نَهِلُوا عَنهُ مَا نرى إِلَّا آثَار أَصَابِعهم وَالله إِن كَانَ الرجل مِنْهُم يَأْكُل مثلهَا ثمَّ قَالَ اِسْقِهِمْ يَا عَليّ فَجئْت بذلك الْقَعْب فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا وأيم الله إِن كَانَ الرجل مِنْهُم ليشْرب مثله فَلَمَّا أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يكلمهم بدره أَبُو لَهب إِلَى الْكَلَام فَقَالَ لقد سحركم صَاحبكُم فَتَفَرَّقُوا وَلم يكلمهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَ يَا عَليّ عد لنا بِمثل الَّذِي صنعت بالْأَمْس من الطَّعَام وَالشرَاب فَفعلت ثمَّ جمعتهم لَهُ فَصنعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا صنع بالْأَمْس فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى نَهِلُوا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي وَالله مَا أعلم شَابًّا من الْعَرَب جَاءَ قومه بِأَفْضَل مِمَّا جِئتُكُمْ بِهِ إِنِّي قد جِئتُكُمْ بِأَمْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق إِبْنِ اسحاق عَن عبد الْغفار بن الْقَاسِم عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بِهِ

وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق نَافِع عَن سَالم عَن عَليّ قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَدِيجَة فصنعت لَهُ طَعَاما ثمَّ قَالَ أدع لي بني عبد الْمطلب فدعوت أَرْبَعِينَ فَقَالَ هَلُمَّ طَعَامك فأتيتهم بثريدة إِن كَانَ الرجل مِنْهُم ليَأْكُل مثلهَا فَأَكَلُوا مِنْهَا جَمِيعًا حَتَّى أَمْسكُوا ثمَّ قَالَ أسقهم فسقيتهم بِإِنَاء هُوَ ري أحدهم فَشَرِبُوا مِنْهُ جَمِيعًا حَتَّى صدرُوا فَقَالَ أَبُو لَهب لقد سحركم مُحَمَّد فَتَفَرَّقُوا وَلم يدعهم فلبثوا أَيَّامًا ثمَّ صنع لَهُم مثله ثمَّ أَمرنِي فَجمعتهمْ فطعموا ثمَّ قَالَ لَهُم من يؤازرني على مَا أَنا عَلَيْهِ فَقلت أَنا يَا رَسُول الله وَإِنِّي لأحدثهم سنا وَسكت الْقَوْم ثمَّ قَالُوا يَا أَبَا طَالب أَلا ترى ابْنك قَالَ دَعوه فَلَنْ يألوا ابْن عَمه خيرا

وَأخرج ابو نعيم مثله من طَرِيق ربيعَة بن ناجد عَن عَليّ وَمن طَرِيق ميسرَة الْعَبْدي عَن عَليّ وَلَفظه مدا من طَعَام

وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عباد بن عبد الله الْأَسدي عَن عَليّ قَالَ لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ رجلا من أهل بَيته إِن كَانَ الرجل مِنْهُم لشارب فرقا وآكل جَذَعَة فَقرب إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجل شَاة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ جِئْت بِقَعْبٍ من لبن فَشَرِبُوا حَتَّى رووا فَقَالَ أَبُو لَهب مَا رَأينَا كالسحر الْيَوْم ثمَّ قَالَ يَا عَليّ اصْنَع لنا غداء مثل

ص: 206

مَا صنعت فَأَكَلُوا مثل مَا أكلُوا فِي الْمرة الأولى وَشَرِبُوا مثل مَا شربوا ثمَّ عرض عَلَيْهِم مَا عرض

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم آل عبد الْمطلب وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا مِنْهُم من يَأْكُل المسنة وَيشْرب الْعس فَأمر عليا بِرَجُل شَاة فصنعها لَهُم ثمَّ قربهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأخذ مِنْهَا بضعَة فَأكل مِنْهَا ثمَّ تتبع بهَا جَوَانِب الْقَصعَة ثمَّ قَالَ أدنوا عشرَة فَدَنَا الْقَوْم عشرَة عشرَة فَأَكَلُوا حَتَّى صدرُوا ثمَّ دَعَا بِقَعْبٍ من لبن فجرع مِنْهُ جرعا فناولهم وَقَالَ اشربوا بِسم الله فَشَرِبُوا حَتَّى رووا عَن آخِرهم فَقَالَ أَبُو لَهب مَا سحركم مثل هَذَا الرجل ثمَّ دعاهم من الْغَد على مثل ذَلِك من الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ بدرهم بالْكلَام

بَاب نبع المَاء من الأَرْض

قَالَ ابْن سعد نَا اسحاق بن يُوسُف الْأَزْرَق حَدثنَا عبد الله بن عَوْف عَن عَمْرو بن سعيد أَن أَبَا طَالب قَالَ كنت بِذِي الْمجَاز مَعَ ابْن اخي يَعْنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأدركني الْعَطش فشكوت إِلَيْهِ فَقلت يَا ابْن اخي قد عطشت وَمَا قلت لَهُ ذَلِك وَأَنا أرى ان عِنْده شَيْئا إِلَّا الْجزع قَالَ فَثنى وركه ثمَّ نزل فَقَالَ يَا عَم أعطشت قلت نعم فَأَهوى بعقبه إِلَى الأَرْض فَإِذا بِالْمَاءِ فَقَالَ اشرب يَا عَم قَالَ فَشَرِبت أخرجه ابْن عَسَاكِر وَله طَرِيق آخر أخرجه الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق ابْن جرير الطَّبَرِيّ حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع حَدثنَا أَزْهَر بن سعد السمان حَدثنَا ابْن عَوْف عَن عَمْرو بن سعيد بِهِ

بَاب دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم لأبي طَالب بالشفاء

اخْرُج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْهَيْثَم بن حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس أَن ابا طَالب مرض فعاده النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا ابْن اخي ادْع رَبك الَّذِي تعبد ان يعافيني فَقَالَ اللَّهُمَّ اشف عمي فَقَامَ ابو طَالب كَأَنَّمَا نشط من عقال قَالَ يَا ابْن

ص: 207

اخي إِن رَبك الَّذِي تعبد ليطيعك قَالَ وَأَنت يَا عماه لَئِن أَطَعْت الله ليطيعنك تفرد بِهِ الْهَيْثَم وَهُوَ ضَعِيف

بَاب استسقاء أبي طَالب بِهِ صلى الله عليه وسلم

اخْرُج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن جلهمة بن عرفطة قَالَ انْتَهَيْت إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِذا قُرَيْش عزين قد ارْتَفَعت لَهُ ضوضاء يستسقون فَقَائِل مِنْهُم يَقُول اعمدوا للات والعزى وَقَائِل مِنْهُم يَقُول اعمدوا لمناة الثَّالِثَة الْأُخْرَى فَقَالَ شيخ مِنْهُم وسيم قسيم الْوَجْه جيد الرَّأْي أَنى تؤفكون وَفِيكُمْ بَاقِيَة إِبْرَاهِيم وسلالة اسماعيل قَالُوا لَهُ كَأَنَّك عنيت أَبَا طَالب قَالَ ايها فَقَامُوا بأجمعهم وَقمت مَعَهم فدققنا عَلَيْهِ بَابه فَخرج إِلَيْنَا رجل حسن الْوَجْه مصفر عَلَيْهِ إِزَار قد اتَّشَحَ بِهِ فثاروا إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا طَالب قد اقحط الْوَادي وأجدب الْعِيَال فَهَلُمَّ فاستسق فَقَالَ دونكم زَوَال الشَّمْس وهبوب الرّيح فَلَمَّا زاغت الشَّمْس خرج ابو طَالب وَمَعَهُ غُلَام كَأَنَّهُ شمس دجن تجلت عَنهُ سَحَابَة قتماء وَحَوله أغيلمة فَأَخذه أَبُو طَالب فألصق ظَهره بِالْكَعْبَةِ ولاذ بإصبع الْغُلَام وبصبصت الأغيلمة حوله وَمَا فِي السَّمَاء قزعة فَأقبل السَّحَاب من هَهُنَا وأغدق واغدودق وانفجر لَهُ الْوَادي وأخصب النادي والبادي فَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو طَالب شعر

(وابيص يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ

ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل)

(تطيف بِهِ الْهَلَاك من آل هَاشم

فهم عِنْده فِي نعْمَة وفضائل)

(وميزان عدل لَا يخيس شعيرَة

ووزان صدق وَزنه غير هائل)

بَاب رُؤْيَة حَمْزَة جبرئيل عليه السلام

أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمار بن أبي عمار ان حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ يَا رَسُول الله أَرِنِي جبرئيل فِي صورته قَالَ انك لَا تَسْتَطِيع ان ترَاهُ قَالَ بلَى فأرنيه قَالَ اقعد فَقعدَ فَنزل جبرئيل على خَشَبَة كَانَت فِي الْكَعْبَة يلقِي الْمُشْركُونَ عَلَيْهَا ثِيَابهمْ إِذا طافوا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ارْفَعْ طرفك فَانْظُر فَرفع طرفه فَرَأى قَدَمَيْهِ مثل الزبرجد الْأَخْضَر فَخر مغشيا عَلَيْهِ مُرْسل

ص: 208

بَاب انْشِقَاق الْقَمَر

قَالَ الله تَعَالَى {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر}

اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن انس قَالَ إِن أهل مَكَّة سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ان يُرِيهم آيَة فَأَرَاهُم انْشِقَاق الْقَمَر مرَّتَيْنِ

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شقتين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اشْهَدُوا

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْفَلق الْقَمَر وَنحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَصَارَت فرْقَتَيْن فرقة من وَرَاء الْجَبَل وَفرْقَة دونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اشْهَدُوا

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فرْقَتَيْن فرقة فَوق الْجَبَل وَفرْقَة دونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اشْهَدُوا

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رَأَيْت الْقَمَر منشقا شقتين مرَّتَيْنِ بِمَكَّة قبل مخرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فَقَالُوا سحر الْقَمَر فَنزلت {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر}

واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة حَتَّى صَار فرْقَتَيْن فَقَالَ كفار اهل مَكَّة هَذَا سحر يسحركم بِهِ ابْن ابي كَبْشَة انْظُرُوا السفار فان كَانُوا رَأَوْا مثل مَا رَأَيْتُمْ فقد صدق وَإِن كَانُوا لم يرَوا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سحر سحركم بِهِ فَسئلَ السفار وَقدمُوا من كل وَجه وَقَالُوا رَأينَا

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس ان الْقَمَر انْشَقَّ على زمَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

واخرج مُسلم عَن ابْن عمر ان الْقَمَر انْشَقَّ فلقَتَيْنِ فلقَة من دون الْجَبَل وَفلقَة من خلف الْجَبَل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الله اشْهَدْ

ص: 209

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر وَنحن بِمَكَّة على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَار فرْقَتَيْن على هَذَا الْجَبَل وعَلى هَذَا الْجَبَل فَقَالَ النَّاس سحرنَا مُحَمَّد فَقَالَ رجل إِن كَانَ سحركم فَلم يسحر النَّاس كلهم

وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اجْتمع الْمُشْركُونَ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا إِن كنت صَادِقا فشق لنا الْقَمَر فرْقَتَيْن نصفا على ابي قبيس وَنصفا على قعيقعان وَكَانَت لَيْلَة بدر فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ربه ان يُعْطِيهِ مَا سَأَلُوا فأمسى الْقَمَر نِصْفَيْنِ نصفا على أبي قبيس وَنصفا على قعيقعان وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اشْهَدُوا

وَأخرج من وَجه آخر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس انه صَار فرْقَتَيْن إِحْدَاهمَا على الصَّفَا وَالْأُخْرَى على الْمَرْوَة قدر مَا بَين الْعَصْر الى اللَّيْل ينظرُونَ إِلَيْهِ ثمَّ غَابَ

قَالَ الْعلمَاء انْشِقَاق الْقَمَر آيَة عَظِيمَة لَا يكَاد يعدلها شَيْء من آيَات الْأَنْبِيَاء وَذَلِكَ أَنه ظهر فِي ملكوت السَّمَاء خَارِجا من جملَة طباع مَا فِي هَذَا الْعَالم الْمركب من الطبائع فَلَيْسَ مِمَّا يطْمع فِي الْوُصُول اليه بحيلة فَلذَلِك صَار الْبُرْهَان بِهِ أظهر

بَاب مَا خصّه الله تَعَالَى بِهِ من وعده إِيَّاه بالعصمة من النَّاس

اخْرُج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يحرس حَتَّى نزلت هَذِه الأية {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَأخْرج رَأسه من الْقبَّة فَقَالَ لَهُم يَا أَيهَا النَّاس انصرفوا فقد عصمني الله

وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن جعدة قَالَ شهِدت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأتي بِرَجُل فَقيل هَذَا أَرَادَ ان يقتلك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لن تراع لن تراع لَو أردْت ذَلِك لم يسلطك الله عَليّ

ص: 210

بَاب عصمته اياه من ابي جهل وَمَا ظهر فِيهَا من المعجزات

أخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ ابو جهل هَل يعفر مُحَمَّد وَجهه بَين أظْهركُم فَقيل نعم فَقَالَ وَاللات والعزى لَئِن رَأَيْته يفعل ذَلِك لَأَطَأَن على رقبته أَو لأُعَفِّرَنَّ وَجهه فِي التُّرَاب فَأتى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي ليَطَأ على رقبته فَمَا فجأهم مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكص على عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بيدَيْهِ فَقيل لَهُ مَا لَك قَالَ إِن بيني وَبَينه خَنْدَقًا من نَار وَهولا وَأَجْنِحَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو دنا مني لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَة عضوا عضوا وَأنزل الله {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} إِلَى آخر السُّورَة

وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ أَبُو جهل يَا معشر قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد أَتَى مَا ترَوْنَ من عيب ديننَا وَشتم آبَائِنَا وتسفيه احلامنا وَسَب آلِهَتنَا وَإِنِّي اعاهد الله لاجلسن لَهُ غَدا بِحجر فَإِذا جلس فِي صلَاته فضخت بِهِ رَأسه فليصنع بعد ذَلِك بَنو عبد منَاف مَا بدا لَهُم فَلَمَّا اصبح أَخذ حجرا ثمَّ جلس وَقَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَقد غَدَتْ قُرَيْش فجلسوا فِي أَنْدِيَتهمْ ينظرُونَ فَلَمَّا سجد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم احْتمل أَبُو جهل الْحجر ثمَّ أقبل نَحوه حَتَّى اذا دنا مِنْهُ رَجَعَ منبهتا منتقعا لَونه مَرْعُوبًا قد يَبِسَتْ يَدَاهُ على حجره حَتَّى قذف الْحجر من يَده وَقَامَت إِلَيْهِ رجال من قُرَيْش فَقَالُوا مَالك قَالَ لما قُمْت بِهِ إِلَيْهِ عرض لي دونه فَحل من الْإِبِل وَالله مَا رَأَيْت مثل هامته وَلَا قصرته وَلَا أنيابه لفحل قطّ فهم ان يأكلني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَاك جبرئيل لَو دنا مني لأَخذه

وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ ابو جهل لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة لَأَطَأَن على عُنُقه فَبلغ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَلِك فَقَالَ لَو فعل لَأَخَذته الْمَلَائِكَة أعيانا

وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن عَبَّاس عَن ابيه الْعَبَّاس قَالَ كنت يَوْمًا فِي الْمَسْجِد فَقَالَ ابو جهل إِن لله عَليّ إِن رَأَيْت مُحَمَّدًا سَاجِدا أَن أَطَأ على رقبته فَخرجت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرته بقول أبي جهل فَخرج غَضْبَان حَتَّى جَاءَ الْمَسْجِد فَعجل ان يدْخل من الْبَاب فاقتحم

ص: 211

الْحَائِط فَقلت هَذَا يَوْم شَرّ فَأخذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقْرَأ {اقْرَأ باسم رَبك} فَلَمَّا بلغ شَأْن أبي جهل {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} قَالَ إِنْسَان لأبي جهل هَذَا مُحَمَّد فَقَالَ ابو جهل الا ترَوْنَ مَا أرى وَالله لقد سد أفق السَّمَاء عَليّ

وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيقه حَدثنِي عبد الْملك بن أبي سُفْيَان الثَّقَفِيّ قَالَ قدم رجل من أراش بِإِبِل لَهُ مَكَّة فابتاعها مِنْهُ أَبُو جهل بن هِشَام فمطله بأثمانها فَأقبل حَتَّى وقف على نَادِي قُرَيْش فَقَالَ من رجل يعديني على أبي الحكم فَإِنِّي غَرِيب وَابْن سَبِيل وَقد غلبني على حَقي فَقَالَ أهل الْمجْلس ترى ذَلِك الرجل يهوون إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي نَاحيَة الْمَسْجِد لما يعلمُونَ بَينه وَبَين أبي جهل من الْعَدَاوَة إذهب إِلَيْهِ فَهُوَ يعديك عَلَيْهِ فَأَتَاهُ فَذكر لَهُ ذَلِك فَقَامَ مَعَه حَتَّى جَاءَهُ فَضرب على بَابه فَقَالَ من هَذَا قَالَ مُحَمَّد فَخرج إِلَيْهِ وَقد انتقع لَونه فَقَالَ اعط هَذَا الرجل حَقه قَالَ لَا تَبْرَح حَتَّى أعْطِيه الَّذِي لَهُ فَدخل فَخرج إِلَيْهِ بِحقِّهِ فَدفعهُ إِلَيْهِ ثمَّ انْصَرف فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا الحكم جِئْت عجبا من الْعجب قَالَ وَيحكم وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن ضرب على بَابي فملئت رعْبًا ثمَّ خرجت إِلَيْهِ وَأَن فَوق رَأْسِي لفحلا من الْإِبِل مَا رَأَيْت مثل هامته وَلَا قصرته وَلَا أنيابه لفحل قطّ فوَاللَّه لَو أَبيت لأكلني

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق سَلام بن مِسْكين قَالَ حَدثنِي ابو يزِيد الْمدنِي وَأَبُو قزعة الْبَاهِلِيّ ان رجلا كَانَ لَهُ على أبي جهل دين فَلم يُعْطه فَقيل لَهُ أَلا ندلك على من يسْتَخْرج حَقك قَالَ بلَى قَالُوا عَلَيْك بِمُحَمد بن عبد الله فَأَتَاهُ فجَاء مَعَه إِلَى ابي جهل فَقَالَ اعطه حَقه قَالَ نعم فَدخل الْبَيْت فَأخْرج دَرَاهِمه فَأعْطَاهُ فَقَالُوا لأبي جهل فرقت من مُحَمَّد كل هَذَا قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد رَأَيْت مَعَه رجَالًا مَعَهم حراب تلمع لَو لم أعْطه لخفت أَن يبعج بهَا بَطْني

ص: 212

بَاب ستْرَة صلى الله عليه وسلم بالحجاب عَن عين العوراء بنت حَرْب

قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا} وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم فهم لَا يبصرون}

اخْرُج ابو يعلى وَابْن ابي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن اسماء بنت ابي بكر قَالَت لما نزلت {تبت يدا أبي لَهب} اقبلت العوراء بنت حَرْب وَلها ولولة وَفِي يَدهَا فهر وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَالس فِي الْمَسْجِد وَمَعَهُ أَبُو بكر فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بكر قَالَ يَا رَسُول الله قد أَقبلت وَأَنا أَخَاف أَن تراك قَالَ انها لن تراني وَقَرَأَ قُرْآنًا فاعتصم بِهِ فوقفت على أبي بكر وَلم تَرَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا أَبَا بكر أَنِّي اخبرت ان صَاحبك هجاني قَالَ لَا وَرب هَذَا الْبَيْت مَا هجاك فَوَلَّتْ وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن اسماء بِنَحْوِهِ وَفِيه فَقَالَ وَالله مَا صَاحِبي بشاعر وَمَا يدْرِي مَا الشّعْر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قل لَهَا تَرين عِنْدِي أحدا فَإِنَّهَا لن تراني جعل بيني وَبَينهَا حجاب فَسَأَلَهَا أَبُو بكر فَقَالَت أتهزأ بِي وَالله مَا أرى عنْدك أحدا

وَأخرج ابْن ابي شيبَة وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت {تبت يدا أبي لَهب} جَاءَت امْرَأَة أبي لَهب فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله لَو تنحيت عَنْهَا فَإِنَّهَا امْرَأَة بذئة اللِّسَان قَالَ انه سيحال بيني وَبَينهَا فَلم تره فَقَالَت يَا أَبَا بكر هجانا صَاحبك قَالَ وَالله مَا ينْطق بالشعر وَلَا يَقُوله قَالَت انك لمصدق فاندفعت رَاجِعَة فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا رأتك قَالَ كَانَ بيني وَبَينهَا ملك يسترني بجناحه حَتَّى ذهبت

ص: 213

بَاب عصمته صلى الله عليه وسلم من المخزوميين

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى (وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا) قَالَ كفار قُرَيْش غطاء {فأغشيناهم} يَقُول ألبسنا أَبْصَارهم {فهم لَا يبصرون} النَّبِي صلى الله عليه وسلم فيؤذونه وَذَلِكَ أَن أُنَاسًا من بني مَخْزُوم تواصوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليقتلوه مِنْهُم أَبُو جهل والوليد بن مُغيرَة فَبينا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَائِم يُصَلِّي سمعُوا قِرَاءَته فأرسلوا اليه الْوَلِيد ليَقْتُلهُ فَانْطَلق حَتَّى أَتَى الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَجعل يسمع قِرَاءَته وَلَا يرَاهُ فَانْصَرف اليهم فاعلمهم بذلك فَأتوهُ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْمَكَان الَّذِي هُوَ يُصَلِّي فِيهِ سمعُوا قِرَاءَته فيذهبون الى الصَّوْت فَإِذا الصَّوْت من خَلفهم فيذهبون اليه فيسمعونه أَيْضا من خَلفهم فانصرفوا وَلم يَجدوا إِلَيْهِ سَبِيلا فَذَلِك قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم} الْآيَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة مَا يُؤَيّد هَذَا

قلت يُشِير إِلَى مَا اخرجه ابْن جرير فِي تَفْسِيره عَن عِكْرِمَة قَالَ قَالَ ابو جهل لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَن فَنزلت {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالا} إِلَى قَوْله تَعَالَى {لَا يبصرون} فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا مُحَمَّد فَيَقُول ايْنَ هُوَ أَيْن هُوَ لَا يبصره

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقْرَأ فِي الْمَسْجِد فيجهر بِالْقِرَاءَةِ حَتَّى تأذى بِهِ نَاس من قُرَيْش حَتَّى قَامُوا ليأخذوه وَإِذا أَيْديهم مَجْمُوعَة إِلَى أَعْنَاقهم وَإِذا هم عمي لَا يبصرون فَجَاءُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا ننشدك الله وَالرحم فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى ذهب ذَلِك عَنْهُم فَنزلت {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} الْآيَات

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه أَن رجلا من بني مَخْزُوم قَامَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَفِي يَده فهر ليرمي بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَتَاهُ وَهُوَ ساجد رفع

ص: 214

يَده فيبست على الْحجر فَلم يسْتَطع ارسال الفهر من يَده فَرجع إِلَى اصحابه فَقَالُوا اجبنت عَن الرجل قَالَ لَا وَلَكِن هَذَا فِي يَدي لَا استطيع إرْسَاله فعجبوا من ذَلِك فوجدوا أَصَابِعه قد يَبِسَتْ على الْحجر فعالجوا اصابعه حَتَّى خلصوها وَقَالُوا هَذَا شَيْء يُرَاد

بَاب عصمته صلى الله عليه وسلم من النَّضر

أخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ كَانَ النَّضر بن الْحَارِث يُؤْذِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويتعرض لَهُ فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يُرِيد حَاجته نصف النَّهَار فِي حر شَدِيد فَبلغ أَسْفَل من ثنية الْحجُون وَكَانَ يبعد إِذا ذهب لِحَاجَتِهِ فَرَآهُ النَّضر فَقَالَ لَا اجده أبدا اخلى مِنْهُ السَّاعَة فاغتاله فَدَنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ انْصَرف رَاجعا مَرْعُوبًا إِلَى منزله فلقي أَبَا جهل فَقَالَ من أَيْن قَالَ النَّضر اتبعت مُحَمَّدًا رَجَاء أَن أغتاله وَهُوَ وَحده فَإِذا أسود تضرب بأنيابها على رَأْسِي فَاتِحَة أفواهها فذعرت مِنْهَا وَوليت رَاجعا قَالَ أَبُو جهل هَذَا بعض سحره

بَاب عصمته صلى الله عليه وسلم من الحكم

أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مندة وَأَبُو نعيم من طَرِيق قيس بن حبر قَالَ قَالَت ابْنة الحكم قَالَ لي جدي الحكم يَا بنية احدثك مَا رَأَيْت بعيني هَاتين تواعدنا يَوْمًا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لنأخذه فَجِئْنَا إِلَيْهِ فسمعنا صَوتا مَا ظننا انه بَقِي جبل بتهامة إِلَّا تفتت فَغشيَ علينا فَمَا عقلنا حَتَّى قضى صلَاته وَرجع إِلَى أَهله ثمَّ تواعدنا لَهُ لَيْلَة أُخْرَى فَلَمَّا جَاءَ نهضنا إِلَيْهِ فَجَاءَت الصَّفَا والمروة حَتَّى الْتَقت إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى فحالتا بَيْننَا وَبَينه فوَاللَّه مَا نفعنا ذَلِك حَتَّى رزقنا الله الْإِسْلَام وَأذن لنا فِيهِ

بَاب الْآيَة فِي مصارعته صلى الله عليه وسلم ركَانَة

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق قَالَ حَدثنِي وَالِدي إِسْحَق بن يسَار ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لركانة بن عبد بزيد أسلم فَقَالَ لَو أعلم ان مَا تَقول حق لفَعَلت

ص: 215

فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ركَانَة من أَشد النَّاس أَرَأَيْت إِن صرعتك اتعلم ان ذَلِك حق قَالَ نعم فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه فَقَالَ لَهُ عد يَا مُحَمَّد فَعَاد لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَخذه الثَّانِيَة فصرعه على الارض فَانْطَلق ركَانَة وَهُوَ يَقُول هَذَا سَاحر لم أر مثل سحر هَذَا قطّ وَالله مَا ملكت من نَفسِي شَيْئا حِين وضعت جَنْبي إِلَى الأَرْض

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ركَانَة بن عبد يزِيد وَكَانَ من أَشد النَّاس قَالَ كنت أَنا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي عنيمة لأبي طَالب نرعاها فِي اول مَا رأى إِذْ قَالَ لي ذَات يَوْم هَل لَك ان تصارعني قلت لَهُ أَنْت قَالَ أَنا فَقلت على مَاذَا قَالَ على شَاة من الْغنم فصارعته فصرعني فَأخذ مني شَاة ثمَّ قَالَ لي هَل لَك فِي الثَّانِيَة قلت نعم فصارعته فصرعني فَأخذ مني شَاة فَجعلت الْتفت هَل يراني إِنْسَان فَقَالَ مَا لَك قلت لَا يراني بعض الرُّعَاة فيجترؤون عَليّ وَأَنا فِي قومِي من أَشَّدهم قَالَ هَل لَك فِي الصراع الثَّالِثَة وَلَك شَاة قلت نعم فصارعته فصرعني وَأخذ مني شَاة فَقَعَدت كئيبا فَقَالَ مَا لَك قلت إِنِّي ارْجع الى عبد يزِيد وَقد أَعْطَيْت ثَلَاثًا من غنمه وَالثَّانيَِة إِنِّي كنت اظن اني اشد قُرَيْش فَقَالَ هَل لَك فِي الرَّابِعَة فَقلت لَا بعد ثَلَاث فَقَالَ أما قَوْلك فِي الْغنم فَإِنِّي أردهَا عَلَيْك فَرد عَليّ فَلم يلبث ان ظهر أمره فَأَتَيْته فَأسْلمت فَكَانَ مِمَّا هَدَانِي الله عز وجل أَنِّي علمت انه لم يصرعني يَوْمئِذٍ بقوته وَلم يصرعني يَوْمئِذٍ إِلَّا بِقُوَّة غَيره

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي أُمَامَة قَالَ كَانَ رجل من بني هَاشم يُقَال لَهُ ركَانَة وَكَانَ من أَشد النَّاس وأفتكهم وَكَانَ مُشْركًا وَكَانَ يرْعَى غنما لَهُ فِي وَاد يُقَال لَهُ أضم فَخرج نَبِي الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم وَتوجه قبل ذَلِك الْوَادي فَلَقِيَهُ ركَانَة وَلَيْسَ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اُحْدُ فَقَامَ إِلَيْهِ ركَانَة فَقَالَ يَا مُحَمَّد انت الَّذِي تَشْتُم آلِهَتنَا اللات والعزى وَتَدْعُو إِلَى إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم وَلَوْلَا رحم بيني وَبَيْنك مَا كلمتك الْكَلَام حَتَّى أَقْتلك وَلَكِن ادْع إلهك الْعَزِيز ينجيك مني الْيَوْم وسأعرض عَلَيْك أمرا هَل لَك ان أصارعك وَتَدْعُو إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم يعينك عَليّ وَأَنا أَدْعُو اللات والعزى فان أَنْت صرعتني فلك عشر من غنمي هَذِه تختارها فَقَالَ عِنْد ذَلِك نَبِي الله صلى الله عليه وسلم نعم إِن

ص: 216

شِئْت فآخذها ودعا نَبِي الله صلى الله عليه وسلم إلهه الْعَزِيز الْحَكِيم ان يُعينهُ على ركَانَة ودعا ركَانَة اللات والعزى أَعنِي الْيَوْم على مُحَمَّد فَأَخذه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فصرعه وَجلسَ على صَدره فَقَالَ ركَانَة قُم فلست أَنْت الَّذِي فعلت بِي هَذَا إِنَّمَا فعله إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم وخذلني اللات والعزى وَمَا وضع اُحْدُ قطّ جَنْبي قبلك ثمَّ قَالَ ركَانَة عد فَإِن أَنْت صرعتني فلك عشر أُخْرَى تختارها فَأَخذه نَبِي الله صلى الله عليه وسلم الثَّانِيَة ودعا كل وَاحِد مِنْهُمَا إلهه كَمَا فعلا أول مرّة فصرعه نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ على كبده فَقَالَ لَهُ ركَانَة قُم فلست أَنْت الَّذِي فعلت بِي هَذَا إِنَّمَا فعله إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم وخذلني اللات والعزى وَمَا وضع جَنْبي اُحْدُ قطّ قبلك ثمَّ قَالَ ركَانَة عد فان أَنْت صرعتني فلك عشر أُخْرَى تختارها فَأَخذه فصرعه نَبِي الله صلى الله عليه وسلم الثَّالِثَة فَقَالَ لَهُ ركَانَة لست أَنْت الَّذِي فعلت بِي هَذَا وَإِنَّمَا فعله الهك الْعَزِيز الْحَكِيم وخذلني اللات والعزى فدونك ثَلَاثِينَ شَاة من غنمي فاخترها فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا أُرِيد ذَلِك وَلَكِنِّي أَدْعُوك إِلَى الاسلام يَا ركَانَة وأنفس بك ان تصير الى النَّار إِنَّك ان تسلم تسلم فَقَالَ لَهُ ركَانَة لَا إِلَّا ان تريني آيَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الله عَلَيْك شَهِيد إِن أَنا دَعَوْت رَبِّي فأريتك آيَة لتجيبني إِلَى مَا دعوتك إِلَيْهِ قَالَ نعم وَقَرِيب مِنْهُ شَجَرَة سمر ذَات فروع وقضبان فَأَشَارَ اليها نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا اقبلي باذن الله تَعَالَى فانشقت بِاثْنَيْنِ فَأَقْبَلت على نصف شقها وقضبانها وفروعها حَتَّى كَانَت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَين ركَانَة فَقَالَ لَهُ ركَانَة اريتني عَظِيما فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ فَقَالَ لَهُ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْك الله شَهِيد لَئِن انا دَعَوْت رَبِّي وَرجعت تُجِيبنِي إِلَى مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ قَالَ نعم فَرَجَعت بقضبانها وفروعها حَتَّى التأمت لشقها فَقَالَ لَهُ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم أسلم تسلم فَقَالَ لَهُ ركَانَة مَا بِي إِلَّا ان اكون رَأَيْت عَظِيما وَلَكِنِّي رَأَيْت ان تحدث نسَاء الْمَدِينَة وصبيانهم أَنِّي انما جئْتُك لرعب دخل فِي قلبِي مِنْك وَلَكِنِّي قد علمت نسَاء أهل الْمَدِينَة وصبيانهم أَنه لم يضع جَنْبي قطّ أحد وَلم يدْخل قلبِي رعب سَاعَة قطّ لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَلَكِن دُونك فاختر غنمك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لي حَاجَة إِلَى غنمك إِذْ أَبيت ان تسلم فَانْطَلق نَبِي الله صلى الله عليه وسلم رَاجعا فَأقبل ابو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يلتمسانه فأخبرا انه قد توجه قبل وَادي أضم وَقد عرفا انه وَادي ركَانَة لَا يكَاد يخطئه فَخَرَجَا فِي طلبه وأشفقا أَن يلقاه

ص: 217

ركانه فيقتله فَجعلَا يصعدان على كل شرف ويتشرفان مخرجا لَهُ إِذْ نظرا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُقبلا فَقَالَا يَا نَبِي الله كَيفَ تخرج إِلَى هَذَا الْوَادي وَحدك وَقد عرفت انه جِهَة ركَانَة وَأَنه من أفتك النَّاس وأشدهم تَكْذِيبًا لَك فَضَحِك اليهما النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ الْيَسْ يَقُول الله عز وجل {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} انه لم يكن يصل إِلَى وَالله معي فَأَنْشَأَ يحدثهما حَدِيثه الَّذِي فعل بِهِ وَالَّذِي اراه فعجبا من ذَلِك فَقَالَا يَا رَسُول الله أصرعت ركَانَة فَلَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا نعلم انه وضع جنبه إِنْسَان قطّ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنِّي دَعَوْت رَبِّي فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ إِن رَبِّي أعانني ببضع عشرَة وَقُوَّة عشرَة

بَاب مَا وَقع فِي اسلام عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه

اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه قَالَ كنت رجلا مستهترا بِالنسَاء فَإِنِّي ذَات لَيْلَة بِفنَاء الْكَعْبَة قَاعد فِي رَهْط من قُرَيْش إِذْ اتينا فَقيل لنا إِن مُحَمَّدًا قد انكح عتبَة بن أبي لَهب من رقية ابْنَته وَكَانَت رقية ذَات جمال رائع فدخلتني الْحَسْرَة لما لَا أكون سبقت إِلَى ذَلِك فَلم ألبث ان انصرفت إِلَى منزلي فَأَصَبْت خَالَة لي قَاعِدَة وَكَانَت قد تكهنت عِنْد قَومهَا فَلَمَّا رأتني قَالَت

(أبشر وحييت ثَلَاثًا تترا

ثمَّ ثَلَاثًا أُخْرَى)

(ثمَّ بِأُخْرَى كي تتمّ عشرا

أَتَاك خير ووقيت شرا)

(انكحت وَالله حصانا زهرا

وَأَنت بكر وَلَقِيت بكرا)

(وافيتها بنت عَظِيم قدرا

)

قَالَ عُثْمَان فعجبت من قَوْلهَا وَقلت يَا خَالَة مَا تَقُولِينَ فَقَالَت عُثْمَان لَك الْجمال وَلَك اللِّسَان هَذَا نَبِي مَعَه الْبُرْهَان أرْسلهُ بِحقِّهِ الديَّان وجاءه التَّنْزِيل وَالْفرْقَان فَاتبعهُ لَا تغتالك الْأَوْثَان قلت يَا خَالَة إِنَّك لتذكرين شَيْئا مَا وَقع ذكره ببلدنا فأبينيه لي فَقَالَت مُحَمَّد بن عبد الله رَسُول من عِنْد الله جَاءَ بتنزيل الله يَدْعُو بِهِ إِلَى ربه ثمَّ

ص: 218

قَالَت مصباحه مِصْبَاح وَدينه فلاح وَأمره نجاح وقرنه نطاح ذلت لَهُ البطاح مَا ينفع الصياح لَو وَقع الذباح وسلت الصفاح ومدت الرماح قَالَ ثمَّ انصرفت وَوَقع كَلَامهَا فِي قلبِي وَجعلت أفكر فِيهِ وَكَانَ لي مجْلِس عِنْد أبي بكر فَأَتَيْته فَأَخْبَرته بِمَا سَمِعت من خَالَتِي فَقَالَ وَيحك يَا عُثْمَان إِنَّك رجل حَازِم مَا يخفى عَلَيْك الْحق من الْبَاطِل مَا هَذِه الْأَوْثَان يَعْبُدهَا قَومنَا أليست من حِجَارَة صم لَا تسمع وَلَا تبصر وَلَا تضر وَلَا تَنْفَع قلت بلَى وَالله إِنَّهَا كَذَلِك قَالَ فقد وَالله صدقتك خالتك هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُحَمَّد بن عبد الله قد بَعثه الله تَعَالَى برسالته إِلَى خلقه قَالَ فوَاللَّه مَا تمالكت حِين سَمِعت قَوْله أَن أسلمت ثمَّ لم ألبث ان تزوجت رقية فَكَانَ يُقَال أحسن زوج رقية وَعُثْمَان

بَاب مَا وَقع فِي اسلام عمر بن الْخطاب رضي الله عنه من الْآيَات

اخْرُج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن انس قَالَ خرج عمر مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ لَهُ ايْنَ تعمد يَا عمر قَالَ اريد ان اقْتُل مُحَمَّدًا قَالَ وَكَيف تأمن من بني هَاشم وَبني زهرَة فَقَالَ عمر مَا أَرَاك إِلَّا قد صبوت وَتركت دينك قَالَ أَفلا أدلك على الْعجب ان اختك وختنك قد صبوا وتركا دينك فَمشى عمر ذامر أَي غَضْبَان حَتَّى أتاهما وَعِنْدَهُمَا خباب فَلَمَّا سمع خباب بحس عمر توارى فِي الْبَيْت فَدخل عَلَيْهِمَا فَقَالَ مَا هَذِه الهينمة الَّتِي قد سَمعتهَا عنْدكُمْ وَكَانُوا يقرءُون طه فَقَالَا مَا عدا حَدِيثا تحدثنا بِهِ قَالَ فلعلكما قد صبوتما فَقَالَ لَهُ ختنه يَا عمر إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك فَوَثَبَ عمر على ختنه فوطئه وطئا شَدِيدا فَجَاءَت اخته لتدفعه عَن زَوجهَا فنفحها نفحة بِيَدِهِ فدمى وَجههَا فَقَالَ عمر اعطوني الْكتاب الَّذِي هُوَ عنْدكُمْ فاقرأه فَقَالَت لَهُ اخته إِنَّك رِجْس وانه لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْ فَتَوَضَّأ فَقَامَ فَتَوَضَّأ ثمَّ اخذ الْكتاب فَقَرَأَ طه حَتَّى انْتهى إِلَى {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري} فَقَالَ عمر دلوني على مُحَمَّد

ص: 219

فَلَمَّا سمع خباب قَول عمر خرج من الْبَيْت فَقَالَ أبشر يَا عمر فَإِنِّي ارجو ان تكون دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَك لَيْلَة الْخَمِيس اللَّهُمَّ أعز الاسلام بعمر بن الْخطاب أَو بعمر ابْن هِشَام فَخرج حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأسلم

وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عمر بن الْخطاب قَالَ كنت من أَشد النَّاس على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَبينا أَنا فِي يَوْم حَار شَدِيد الْحر بالهاجرة فِي بعض طرق مَكَّة إِذْ لَقِيَنِي رجل من قُرَيْش فَقَالَ لي أَيْن تُرِيدُ يَا ابْن الْخطاب فَقلت أُرِيد إلهي وإلهي وإلهي قَالَ عجبا لَك يَا ابْن الْخطاب إِنَّك تزْعم أَنَّك كَذَلِك وَقد دخل عَلَيْك الامر فِي بَيْتك قَالَ فَقلت وَمَا ذَاك قَالَ أختك قد اسلمت قَالَ فَرَجَعت مغضبا حَتَّى قرعت الْبَاب وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أسلم الرجل وَالرجلَانِ مِمَّن لَا شَيْء لَهُ ضمهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الرجل الَّذِي فِي يَده السعَة فينالا من فَضله طَعَامه وَقد كَانَ ضم إِلَى زوج اختي رجلَيْنِ فَلَمَّا قرعت الْبَاب قيل من هَذَا قلت عمر فتبادروا فاختفوا مني وَقد كَانُوا يقرأون صحيفَة بَين أَيْديهم تركوها أَو نسوها فَقَامَتْ اختي تفتح الْبَاب فَقلت يَا عدوة نَفسهَا صبوت وضربتها بِشَيْء فِي يَدي على رَأسهَا فَسَالَ الدَّم فَلَمَّا رَأَتْ الدَّم بَكت فَقَالَت يَا ابْن الْخطاب مَا كنت فَاعِلا فافعله فقد صبوت قَالَ وَدخلت حَتَّى جَلَست على السرير فَنَظَرت الى الصَّحِيفَة وسط الْبَيْت فَقلت مَا هَذَا ناولينيها فَقَالَت لست من اهلها أَنْت لَا تطهر من الْجَنَابَة وَهَذَا كتاب لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَمَا زلت بهَا حَتَّى ناولتنيها ففتحتها فَإذْ فِيهَا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَلَمَّا مَرَرْت باسم من اسماء الله تَعَالَى ذعرت مِنْهُ فألقيت الصَّحِيفَة ثمَّ رجعت الى نَفسِي فتناولتها فَإِذا فِيهَا {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَلَمَّا مَرَرْت باسم من اسمائه تَعَالَى ذعرت ثمَّ رجعت الى نَفسِي فقرأتها حَتَّى بلغت {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} إِلَى آخر الْآيَة فَقلت أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد ان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَخَرجُوا إِلَيّ متبادرين وَكَبرُوا وَقَالُوا

ص: 220

أبشر يَا بن الْخطاب فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَا يَوْم الِاثْنَيْنِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اعز دينك بِأحب الرجلَيْن اليك اما ابو جهل بن هِشَام واما عمر بن الْخطاب وانا نرجو ان تكون دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَك

وَأخرج أَحْمد عَن عمر بن الْخطاب قَالَ خرجت أتعرض لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان اسْلَمْ فَوَجَدته قد سبقني الى الْمَسْجِد فَقُمْت خَلفه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الحاقة فَجعلت اعْجَبْ من تأليف الْقُرْآن فَقلت هَذَا وَالله شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش فَقَرَأَ {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون} فَقلت كَاهِن قَالَ {وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ تَنْزِيل من رب الْعَالمين} إِلَى آخر السُّورَة فَوَقع الاسلام فِي قلبِي كل موقع

واخرج ابْن ابي شيبَة فِي مُسْنده عَن جَابر قَالَ قَالَ عمر ضرب اختي الْمَخَاض لَيْلًا فَخرجت حَتَّى أتيت الْكَعْبَة فجَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فصلى فَسمِعت شَيْئا لم اسْمَع مثله ثمَّ انْصَرف فتبعته فَقَالَ يَا عمر مَا تتركني لَيْلًا وَلَا نَهَارا فَخَشِيت أَن يَدْعُو عَليّ فَقلت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله

وَأخرج ابو نعيم عَن عمر قَالَ كنت جَالِسا مَعَ أبي جهل وَشَيْبَة بن ربيعَة فَقَالَ ابو جهل يَا معشر قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد شتم آلِهَتكُم وسفه احلامكم وَزعم ان من مضى من آبائكم يتهافتون فِي النَّار أَلا وَمن قتل مُحَمَّدًا فَلهُ عَليّ مائَة نَاقَة حَمْرَاء وسوداء وَألف أُوقِيَّة فضَّة قَالَ عمر فَخرجت مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ متنكبا كِنَانَتِي أُرِيد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فمررت على عجل يذبحونه فَقُمْت أنظر إِلَيْهِم فاذا صائح يَصِيح من جَوف الْعجل يَا آل ذريح أَمر نجيح رجل يَصِيح بِلِسَان فصيح يَدْعُو إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ عمر فَعلمت انه أرادني ثمَّ مَرَرْت بِغنم فَإِذا هَاتِف يَهْتِف وَيَقُول

ص: 221

(يَا أَيهَا النَّاس ذَوُو الْأَجْسَام

مَا أَنْتُم وطائش الأحلام)

(ومسندو الحكم إِلَى الْأَصْنَام

فكلكم أوره كالنعام)

(أما ترَوْنَ مَا أرى أَمَامِي

من سَاطِع يجلود حَيّ الظلام)

(قد لَاحَ للنَّاظِر من تهام

أكْرم بِهِ لله من إِمَام)

(قد جَاءَ بعد الْكفْر بِالْإِسْلَامِ

وَالْبر والصلات للأرحام)

قَالَ عمر فَقلت وَالله مَا أرَاهُ إِلَّا أرادني ثمَّ مَرَرْت بالضمار فاذا هَاتِف من جَوْفه يَقُول

(ترك الضمار وَكَانَ يعبد وَحده

بعد الصَّلَاة مَعَ النَّبِي مُحَمَّد)

(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى

بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي)

(سَيَقُولُ من عبد الضمار وَمثله

لَيْت الضمار وَمثله لم يعبد)

(فاصبر أَبَا حَفْص فَإنَّك آمن

يَأْتِيك عز غير عز بني عدي)

(لَا تعجلن فَأَنت نَاصِر دينه

حَقًا يَقِينا بِاللِّسَانِ وباليد)

قَالَ عمر فوَاللَّه لقد علمت انه أرادني فَجئْت حَتَّى دخلت على أُخْتِي فَإِذا خباب ابْن الْأَرَت عِنْدهَا وَزوجهَا فَقَالَ خباب وَيحك يَا عمر أسلم فدعوت بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأت ثمَّ خرجت الى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لي اسْتُجِيبَ لي فِيك يَا عمر أسلم فَأسْلمت وَكنت تَمام أَرْبَعِينَ رجلا مِمَّن أسلم وَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ}

وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اعز الْإِسْلَام بِأحب هذَيْن الرجلَيْن إِلَيْك بِأبي جهل ابْن هِشَام أَو عمر بن الْخطاب وَأخرج الْبَيْهَقِيّ مثله من حَدِيث عمر نَفسه وَمن حَدِيث أنس

ص: 222

وَأخرج إِبْنِ ماجة وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ اعز الْإِسْلَام بعمر خَاصَّة وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس مثله

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ اعز الاسلام بعمر أَو بِأبي جهل فَجعل الله دَعْوَة رَسُوله لعمر فَبنى عَلَيْهِ ملك الاسلام

واخرج البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مَا زلنا أعزة مُنْذُ أسلم عمر

وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَنهُ قَالَ وَالله مَا استطعنا ان نصلي عِنْد الْكَعْبَة ظَاهِرين حَتَّى أسلم عمر

وَأخرج الْحَاكِم عَن حُذَيْفَة قَالَ كَانَ الاسلام فِي زمَان عمر كَالرّجلِ الْمقبل لَا يزْدَاد إِلَّا قربا فَلَمَّا قتل عمر كَانَ كَالرّجلِ الْمُدبر لَا يزْدَاد إِلَّا بعدا

وَأخرج ابْن سعد عَن عُثْمَان بن الارقم ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعَا اللَّهُمَّ اعز الْإِسْلَام بِأحب الرجلَيْن إِلَيْك عمر بن الْخطاب أَو عَمْرو بن هِشَام فجَاء عمر من الْغَد بكرَة فَأسلم

واخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَا عَشِيَّة الْخَمِيس فَقَالَ اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب اَوْ بِعَمْرو بن هِشَام فاصبح عمر يَوْم الْجُمُعَة فَأسلم

واخرج ابْن سعد عَن صُهَيْب بن سِنَان لما اسْلَمْ عمر ظهر الاسلام ودعي اليه عَلَانيَة وَجَلَسْنَا حول الْبَيْت حلقا وطفنا بِالْبَيْتِ وانتصفنا مِمَّن غلظ علينا ورددنا بعض مَا يَأْتِي بِهِ

واخرج عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ اسْلَمْ عمر بعد أَرْبَعِينَ رجلا وَعشر نسْوَة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أسلم فَظهر الاسلام بِمَكَّة

واخرج الْحَاكِم وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما اسْلَمْ عمر نزل جبرئيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد لقد استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر

ص: 223

بَاب مَا وَقع فِي إِسْلَام ضماد

اخْرُج احْمَد وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم ضماد مَكَّة وَهُوَ رجل من أَزْد شنُوءَة وَكَانَ يرقي من هَذِه الرِّيَاح فَسمع سُفَهَاء النَّاس يَقُولَن ان مُحَمَّدًا مَجْنُون فَقَالَ آتِي هَذَا الرجل لَعَلَّ الله ان يشفيه على يَدي فَلَقِيت مُحَمَّدًا فَقلت إِنِّي أرقي من هَذِه الرِّيَاح وَإِن الله يشفي على يَدي من يَشَاء فَهَلُمَّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ان الْحَمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن بِهِ ونتوكل عَلَيْهِ ونعوذ بِاللَّه من شرور انفسنا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلله فَلَا هادي لَهُ واشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ ضماد اعدهن عَليّ فأعادهن فَقَالَ وَالله لقد سَمِعت قَول الكهنة وَقَول السَّحَرَة وَقَول الشُّعَرَاء فَمَا سَمِعت مثل هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات وَلَقَد بلغن قَامُوس الْبَحْر فَهَلُمَّ يدك أُبَايِعك على الْإِسْلَام فَبَايعهُ

بَاب مَا وَقع فِي اسلام عَمْرو بن عبد الْقَيْس

اخْرُج ابْن شاهين من طَرِيق حُسَيْن بن مُحَمَّد حَدثنَا ابي حَدثنَا جُبَير بن الحكم الْعَبْدي عَن صحار بن الْعَبَّاس ومزيدة ابْن مَالك فِي نفر من عبد الْقَيْس قَالُوا كَانَ الْأَشَج أشج عبد الْقَيْس صديقا لراهب ينزل بدأرين فَلَقِيَهُ عَاما فَأخْبرهُ ان نَبيا يخرج بِمَكَّة يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة بَين كَتفيهِ عَلامَة يظْهر على الاديان ثمَّ مَاتَ الراهب فَبعث الاشج ابْن اخت لَهُ يُقَال لَهُ عَمْرو بن عبد الْقَيْس وَهُوَ على ابْنَته امامة بنت الْأَشَج فَأتى مَكَّة عَام الْهِجْرَة فلقي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرَأى صِحَة الْعَلامَة فَأسلم وَعلمه النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْحَمد لله واقرأ باسم رَبك وَقَالَ لَهُ ادْع خَالك إِلَى الْإِسْلَام فَرجع وَأخْبر الاشج الْخَبَر فَأسلم الْأَشَج وكتم اسلامه حينا ثمَّ خرج فِي سِتَّة عشر رجلا فَقدم الْمَدِينَة فَخرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي اللَّيْلَة الَّتِي قدمُوا فِي صبيحتها فَقَالَ ليَأْتِيَن ركب من قبل الْمشرق لم يكرهوا على الْإِسْلَام لصَاحِبِهِمْ عَلامَة فقدموا وَكَانَ قدومهم عَام الْفَتْح وَذكره ابْن سعد فِي طبقاته بِلَا إِسْنَاد

ص: 224

بَاب مَا وَقع فِي اسلام الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي من الْآيَات

اخْرُج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قدم الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله ان دوسا قد عَصَتْ وأبت فَادع الله عَلَيْهَا فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اهد دوسا وأت بهم

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن اسحاق قَالَ كَانَ الطُّفَيْل بن عمر والدوسي يحدث انه قدم مَكَّة وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم بهَا فَمشى اليه رجال من قُرَيْش وَكَانَ الطُّفَيْل رجلا شريفا شَاعِرًا لبيبا فَقَالُوا لَهُ إِنَّك قدمت بِلَادنَا وَهَذَا الرجل الَّذِي بَين أظهرنَا فرق جماعتنا وشتت امرنا وانما قَوْله كالسحر يفرق بَين الْمَرْء وَأَبِيهِ وَبَين الرجل وأخيه وَبَين الرجل وَزَوجته وَإِنَّا نخشى عَلَيْك وعَلى قَوْمك مَا دخل علينا فَلَا تكَلمه وَلَا تسمعن مِنْهُ قَالَ فوَاللَّه مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجمعت على ان لَا أسمع مِنْهُ شَيْئا وَلَا اكلمه حَتَّى حشوت فِي اذني حِين غَدَوْت إِلَى الْمَسْجِد كرسفا فرق من ان يبلغنِي شَيْء من قَوْله فَغَدَوْت الى الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَائِم يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة فَقُمْت قَرِيبا مِنْهُ فَأبى الله إِلَّا ان يسمعني بعض قَوْله فَسمِعت كلَاما حسنا فَقلت فِي نَفسِي إِنِّي لرجل لَبِيب شَاعِر مَا يخفي عَليّ الْحسن من الْقَبِيح فَمَا يَمْنعنِي من أَن أسمع من هَذَا الرجل مَا يَقُول فَإِن كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حسنا قبلت وَإِن كَانَ قبيحا تركت فَمَكثت حَتَّى انْصَرف إِلَى بَيته فتبعته فَقلت إِن قَوْمك قد قَالُوا لي كَذَا وَكَذَا فاعرض عَليّ امرك فَعرض عَليّ الاسلام وتلا عَليّ الْقُرْآن فَلَا وَالله مَا سَمِعت قولا قطّ احسن مِنْهُ وَلَا أمرا اعْدِلْ مِنْهُ فَأسْلمت وَقلت يَا نَبِي الله إِنِّي امْرُؤ مُطَاع فِي قومِي وَإِنِّي رَاجع إِلَيْهِم فداعيهم إِلَى الاسلام فَادع الله ان يَجْعَل لي آيَة تكون لي عونا عَلَيْهِم فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل لَهُ آيَة فَخرجت إِلَى قومِي حَتَّى إِذا كنت بثنية كداء وَقع نور بَين عَيْني مثل الْمِصْبَاح فَقلت اللَّهُمَّ فِي غير وَجْهي إِنِّي اخشى ان يَظُنُّوا انها مثلَة وَقعت فِي وَجْهي فتحول فَوَقع فِي رَأس سَوْطِي كالقنديل الْمُعَلق ثمَّ دَعَوْت قومِي الى الاسلام فابطأوا عَليّ فَجئْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقلت إِن دوسا غلبتني فَادع الله عَلَيْهِم فَقَالَ اهد دوسا ارْجع إِلَى قَوْمك فادعهم وارفق بهم فَرَجَعت فَلم أزل بِأَرْض دوس

ص: 225

أدعوهم حَتَّى هَاجر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قدمت عَلَيْهِ بِخَيْبَر بِمن أسلم من قومِي سبعين أَو ثَمَانِينَ بَيْتا من دوس

اخرجه ابو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عبد الله بن جَعْفَر عَن عبد الْوَاحِد بن أبي عون الدوسي بِهِ وَوَصله ابْن اسحاق فِي بعض نسخ الْمَغَازِي من طَرِيق صَالح بن كيسَان عَن الطُّفَيْل بن عمرويه وَهُوَ فِي سَائِر النّسخ بِغَيْر إِسْنَاد

وَقَالَ ابو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني أَخْبرنِي عمي حَدثنَا الحزنبل بن عَمْرو ابْن أبي عَمْرو عَن أَبِيه وَاللَّفْظ لَهُ وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد حَدثنِي عمي عَن الْعَبَّاس بن هِشَام عَن أَبِيه ان الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي خرج حَتَّى أَتَى مَكَّة وَقد بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة فأرسلته قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا لَهُ انْظُر لنا هَذَا الرجل وَمَا عِنْده فَأتى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَعرض عَلَيْهِ الاسلام فَقَالَ لَهُ اني رجل شَاعِر فاسمع مَا اقول فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَات فانشده فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وانا اقول فاسمع ثمَّ قرا اعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّحِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} إِلَى آخرهَا ثمَّ قَرَأَ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} وَدعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَعَاد إِلَى قومه فَأَتَاهُم فِي لَيْلَة مطيرة ظلماء فَلم يبصر أَيْن يسْلك فأضاء لَهُ نور فِي طرف سَوْطه فَأتى النَّاس فعلقوا يَأْخُذُونَ بِسَوْطِهِ فَيخرج النُّور من بَين أَصَابِعهم فَدَعَا أَبَوَيْهِ إِلَى الاسلام فَأسلم أَبوهُ وَلم تسلم أمه ثمَّ دَعَا قومه فَلم يجبهُ إِلَّا أَبُو هُرَيْرَة

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ سَبَب تَسْمِيَة الطُّفَيْل بِذِي النُّور أَنه لما وَفد على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِقَوْمِهِ قَالَ لَهُ ابعثني اليهم وَاجعَل لي آيَة فَقَالَ اللَّهُمَّ نور لَهُ فسطع نور بَين عَيْنَيْهِ فَقَالَ يَا رب أَخَاف ان يَقُولُوا مثله فتحول إِلَى طرف سَوْطه فَكَانَ يضيء لَهُ فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة

ص: 226

واخرج ابو الْفرج الاصبهاني فِي الاغاني عَن ابْن الْكَلْبِيّ ان الطُّفَيْل لما قدم مَكَّة ذكر لَهُ نَاس من قُرَيْش أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ فأنشده من شعره فَتلا عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الاخلاص والمعوذتين فَأسلم فِي الْحَال وَعَاد إِلَى قومه وَذكر قصَّة سَوْطه ونوره قَالَ فَدَعَا أَبَوَيْهِ فَأسلم أَبوهُ وَلم تسلم أمه ودعا قومه فَلم يُجِيبُوهُ ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأخْبرهُ فَلَمَّا دَعَا لَهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ الطُّفَيْل مَا كنت أحب هَذَا فَقَالَ إِن فيهم مثلك كثير

بَاب مَا وَقع فِي اسلام عُثْمَان بن مَظْعُون

اخْرُج احْمَد وَابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِفنَاء بَيته بِمَكَّة جَالس إِذْ مر بِهِ عُثْمَان بن مَظْعُون فكشر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ أَلا تجْلِس قَالَ بلَى فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يحدثه إِذْ شخص رَسُول الله ببصره إِلَى السَّمَاء فَنظر سَاعَة إِلَى السَّمَاء فَأخذ يضع بَصَره حَتَّى وَضعه على يَمِينه فِي الأَرْض فتحرف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن جليسه عُثْمَان إِلَى حَيْثُ وضع بَصَره فَأخذ ينغض رَأسه كَأَنَّهُ يستفقه مَا يُقَال لَهُ وَابْن مَظْعُون ينظر فَلَمَّا قضى حَاجته شخص بصر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاء كَمَا شخص اول مرّة فَأتبعهُ بَصَره حَتَّى توارى فِي السَّمَاء فَأقبل الى عُثْمَان بجلسته الأولى فَقَالَ عُثْمَان يَا مُحَمَّد مَا رَأَيْتُك تفعل كفعلك بِالْغَدَاةِ قَالَ وَمَا رَأَيْتنِي فعلت فَأخْبرهُ قَالَ أوفطنت لذَلِك قَالَ نعم قَالَ إِن جبرئيل أَتَانِي آنِفا فَقَالَ فَمَا قَالَ لَك قَالَ {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} قَالَ عُثْمَان فَذَلِك حِين اسْتَقر الاسلام فِي قلبِي وأحببت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 227

بَاب اسلام الْجِنّ وَمَا ظهر فِي ذَلِك من الْآيَات

قَالَ الله تَعَالَى وَإِذ صرفنَا لَك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن الْآيَات وَقَالَ تَعَالَى {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} الْآيَات

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ انْطلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَة من أَصْحَابه عَامِدين إِلَى سوق عكاظ وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب فَرَجَعت الشَّيَاطِين الى قَومهمْ فَقَالُوا مالكم فَقَالُوا حيل بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء فَأرْسلت علينا الشهب قَالُوا مَا حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء إِلَّا شَيْء حدث فاضربوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وانظروا مَا هَذَا الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السما فَانْطَلقُوا يضْربُونَ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا أُولَئِكَ النَّفر الَّذين توجهوا نَحْو تهَامَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بنخلة وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن وَاسْتَمعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَالله الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء فهنالك حِين رجعُوا إِلَى قَومهمْ قَالُوا يَا قَومنَا و {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك بربنا أحدا}

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلت ابْن مَسْعُود من آذن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالجن لَيْلَة اسْتَمعُوا الْقُرْآن قَالَ آذنته بهم شَجَرَة

وَأخرج مُسلم وَاحْمَدْ وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَلْقَمَة قَالَ قلت لِابْنِ مَسْعُود هَل صحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الْجِنّ مِنْكُم أحد قَالَ مَا صَحبه منا أحد لَكنا فقدناه ذَات لَيْلَة بِمَكَّة فَقُلْنَا اغتيل اَوْ استطير مَا فعل بِهِ قَالَ فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم فَلَمَّا كَانَ فِي وَجه الصُّبْح إِذا نَحن بِهِ يَجِيء من قبل حراء فاخبرناه فَقَالَ انه أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فأتيتهم فَقَرَأت عَلَيْهِم فَانْطَلق فأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم

ص: 228

وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي عُثْمَان الْخُزَاعِيّ عَن ابْن مَسْعُود ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لاصحابه وَهُوَ بِمَكَّة من أحب مِنْكُم ان يحضر اللَّيْلَة امْر الْجِنّ فَلْيفْعَل فَلم يحضر مِنْهُم اُحْدُ غَيْرِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى اذا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّة خطّ لي بِرجلِهِ خطا ثمَّ امرني ان اجْلِسْ فِيهِ ثمَّ انْطلق حَتَّى قَامَ فَافْتتحَ الْقُرْآن فَغَشِيتهُ أسوده كَثِيرَة حَتَّى حَالَتْ بيني وَبَينه حَتَّى مَا اسْمَع صَوته ثمَّ انْطَلقُوا فطفقوا يَتَقَطَّعُون مثل قطع السَّحَاب ذَاهِبين حَتَّى بَقِي مِنْهُم رَهْط وَفرغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ الْفجْر فَانْطَلق فبرز ثمَّ اتاني فَقَالَ مَا فعل الرَّهْط فَقلت هم اولئك يَا رَسُول الله فَأخذ عظما وَرَوْثًا فاعطاهم إيَّاهُمَا ثمَّ نهى ان يَسْتَطِيب اُحْدُ بِعظم اَوْ بروث

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عَليّ بن رَبَاح عَن ابْن مَسْعُود قَالَ استتبعنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن نَفرا من الْجِنّ خَمْسَة عشر بني أخوة وَبني عَم يأتوني اللَّيْلَة فاقرأ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَانْطَلَقت مَعَه إِلَى الْمَكَان الَّذِي أَرَادَ فَخط لي خطا فأجلسني فِيهِ وَقَالَ لي لَا تخرج من هَذَا فَبت فِيهِ حَتَّى أَتَانِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ السحر فَلَمَّا أَصبَحت قلت لاعلمن حَيْثُ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذَهَبت فَرَأَيْت مَوضِع مبرك سِتِّينَ بَعِيرًا

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي الجوزاء عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْطَلَقت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الْجِنّ حَتَّى اتى الْحجُون فَخط عَليّ خطا ثمَّ تقدم اليهم فازدحموا عَلَيْهِ فَقَالَ سيد لَهُم يُقَال لَهُ وردان إِنِّي أَنا أرحلهم عَنْك فَقَالَ انه لن يجيرني من الله أحد

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَن ابْن مَسْعُود أبْصر زطا فِي بعض الطَّرِيق فَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الزط قَالَ مَا رَأَيْت شبههم إِلَّا الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ وَكَانُوا مستنفرين يتبع بَعضهم بَعْضًا

وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَة صرف إِلَيْهِ النَّفر من الْجِنّ فَأتى رجل من الْجِنّ بشعلة من نَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ جبرئيل يَا مُحَمَّد أَلا اعلمك كَلِمَات إِذا قلتهن طفئت شعلته وانكب لمنخره قل أعوذ بِوَجْه الله

ص: 229

الْكَرِيم وكلماته التَّامَّة الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَمن شَرّ مَا ذَرأ فِي الارض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمن شَرّ فتن اللَّيْل وَمن شَرّ طوارق اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن

واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابي التياح أَن عبد الرَّحْمَن بن خنبش سُئِلَ كَيفَ صنع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين كادته الشَّيَاطِين قَالَ تحدرت عَلَيْهِ شياطين من الْجبَال والأودية يُرِيدُونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَفِيهِمْ شَيْطَان بِيَدِهِ شعلة من نَار يُرِيد ان يحرق بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ جبرئيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد قل أَعُود بِكَلِمَات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا خلق وذرأ وبرأ وَمن شَرّ فتن اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن شَرّ كل طَارق إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن فقالهن فطفئت نَار الشَّيَاطِين وَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى

واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي زيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّة وَهُوَ فِي نفر من أَصْحَابه اذ قَالَ ليقمْ مِنْكُم معي رجل وَلَا يقومن رجل فِي قلبه من الْغِشّ مِثْقَال ذرة فَقُمْت مَعَه وَأخذت اداوة وَلَا احسبها إِلَّا مَاء فَخرجت مَعَه حَتَّى اذا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّة رَأَيْت أَسْوِدَة مجتمعة فَخط لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثمَّ قَالَ قُم هَهُنَا حَتَّى آتِيك فَقُمْت وَمضى اليهم فرأيتهم يتثورون إِلَيْهِ فسمر مَعَهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طَويلا حَتَّى جَاءَنِي مَعَ الْفجْر فَقَالَ مَا زلت قَائِما يَا ابْن مَسْعُود قلت أَو لم تقل لي قُم حَتَّى آتِيك ثمَّ قَالَ لي هَل مَعَك من وضوء فَقلت نعم ففتحت الأداوة فَإِذا هُوَ نَبِيذ فَقلت وَالله لقد اخذت الأداوة وَلَا احسبها إِلَّا مَاء فَإِذا هُوَ نَبِيذ فَقَالَ ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور ثمَّ تَوَضَّأ مِنْهَا فَلَمَّا قَامَ يُصَلِّي أدْركهُ شخصان مِنْهُم فَقَالَا لَهُ يَا رَسُول الله إِنَّا نحب ان تؤمنا فِي صَلَاتنَا فصفهما خَلفه ثمَّ صلى بِنَا ثمَّ انْصَرف فَقلت لَهُ من هَؤُلَاءِ يَا رَسُول الله قَالَ هَؤُلَاءِ جن نَصِيبين جَاءُونِي يختصمون إِلَيّ فِي امور كَانَت بَينهم وَقد سَأَلُونِي الزَّاد فزودتهم فَقلت مَا

ص: 230

زودتهم قَالَ الرّجْعَة وَمَا وجدوا من رَوْث وجدوه تَمرا وَمَا وجدوا من عظم وجدوه كاسيا وَعند ذَلِك نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ان يستطاب بالروث والعظم

وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق أبي الْمُعَلَّى عَن ابْن مَسْعُود قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل الْهِجْرَة إِلَى نواحي مَكَّة فَخط لي خطا وَقَالَ لَا تحدثن شَيْئا حَتَّى آتِيك ثمَّ قَالَ لَا يروعنك اَوْ لَا يهولنك شَيْء ترَاهُ فَتقدم شَيْئا ثمَّ جلس فَإِذا رجال سود كَأَنَّهُمْ رجال الزط وَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} فَأَرَدْت ان اقْربْ فأذب عَنهُ بَالغا مَا بلغت ثمَّ ذكرت عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَكثت ثمَّ انهم تفَرقُوا عَنهُ فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ يَا رَسُول الله إِن شقتنا بعيدَة وَنحن منطلقون فزودنا قَالَ لكم الرجعى وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من عظم فلكم عَلَيْهِ لحم وَمَا أتيتم من الروث فَهُوَ لكم تمر فَلَمَّا ولوا قلت من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ جن نَصِيبين

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابي ظبْيَان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْطلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَانْطَلق بِي مَعَه حَتَّى أَتَى البرَاز ثمَّ خطّ لي خطا ثمَّ قَالَ لي لَا تَبْرَح حَتَّى أرجع إِلَيْك فَمَا جَاءَ حَتَّى السحر فَقَالَ أرْسلت إِلَى الْجِنّ قلت فَمَا هَذِه الْأَصْوَات الَّتِي أسمعها قَالَ هَذِه أَصْوَاتهم حِين ودعوني وسلموا عَليّ

واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي عبد الله الجدلي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ استتبعني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الْجِنّ فَانْطَلَقت مَعَه حَتَّى بلغنَا أَعلَى مَكَّة فَخط لي خطا فَقَالَ لَا تَبْرَح ثمَّ انصاع فِي الْجبَال فَرَأَيْت الرِّجَال ينحدرون عَلَيْهِ من رُؤُوس الْجبَال حَتَّى حالوا بيني وَبَينه فاخترطت السَّيْف وَقلت لَأَضرِبَن حَتَّى استنقذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ ذكرت قَوْله لَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك فَلم أزل كَذَلِك حَتَّى أَضَاء الْفجْر فجَاء وَأَنا قَائِم فَقَالَ مَا زلت على حالك قلت لَو لَبِثت شهرا مَا بَرحت حَتَّى تَأتِينِي ثمَّ أخْبرته بِمَا أردْت ان اصْنَع فَقَالَ لَو خرجت مَا التقيت أَنا وَلَا أَنْت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

ص: 231

ثمَّ شَبكَ أَصَابِعه فِي أصابعي وَقَالَ إِنِّي وعدت ان يُؤمن بِي الْجِنّ وَالْإِنْس فَأَما الانس فقد آمَنت بِي وَأما الْجِنّ فقد رَأَيْت

واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عَمْرو الْبكالِي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ استتبعني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مَكَان كَذَا وَكَذَا فَخط خطة فَقَالَ لي كن بَين ظهراني هَذِه لَا تخرج مِنْهَا فَإنَّك إِن خرجت مِنْهَا هَلَكت فَكنت فِيهَا فَمضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خذفة ثمَّ انه ذكر هنيئة فَأتوا كَأَنَّهُمْ الزط لَيْسَ عَلَيْهِم ثِيَاب وَلَا أرى سوءاتهم طوَالًا قَلِيلا لحمهم فَأتوا فَجعلُوا يركبون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَجعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقْرَأ عَلَيْهِم وَجعلُوا يأتوني فيجلبون حَولي ويعترضون بِي فَرُعِبْت مِنْهُم رعْبًا شَدِيدا فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُود الصُّبْح جعلُوا يذهبون فَوضع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأسه فِي حجري ثمَّ ان هنيئة اتوا عَلَيْهِم ثِيَاب بيض طوال وَقد أغفي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأرعبت أَشد مِمَّا أرعبت الأولى فَقَالَ بَعضهم لبَعض فلنضرب لَهُ مثلا فَقَالَ بَعضهم اضربوا لَهُ مثلا ونأول نَحن ونضرب نَحن وتأولون فَقَالَ بَعضهم مثله كَمثل رجل سيد ابتنى بِنَاء حصينا ثمَّ ارسل إِلَى النَّاس بِالطَّعَامِ فَمن لم يَأْتِ عذبه عذَابا شَدِيدا قَالَ الْآخرُونَ اما السَّيِّد فَهُوَ رب الْعَالمين وام الْبُنيان فَهُوَ الاسلام وَالطَّعَام الْجنَّة وَهُوَ الدَّاعِي فَمن اتبعهُ كَانَ فِي الْجنَّة وَمن لم يتبعهُ عذب ثمَّ ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم استيقط قَالَ مَا رَأَيْت يَا ابْن أم عبد فَقلت رَأَيْت كَذَا وَكَذَا قَالَ مَا خَفِي عَليّ شَيْء مِمَّا قَالُوا هم نفر من الْمَلَائِكَة

وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابي رَجَاء قَالَ كُنَّا فِي سفر حَتَّى نزلنَا على المَاء فضربنا أخبيتنا وَذَهَبت أقيل فَإِذا انا بحية دخلت الخباء وَهِي تضرب فمددت أداوتي فنضحت عَلَيْهَا من المَاء كلما نضحت عَلَيْهَا من المَاء سكنت وَكلما حبست عَنْهَا اضْطَرَبَتْ فَلَمَّا صليت الْعَصْر مَاتَت الْحَيَّة فعمدت الى عيبتي فأخرجت مِنْهَا خرقَة بَيْضَاء فلففتها وكفنتها وحفرت لَهَا ودفنتها ثمَّ سرنا يَوْمنَا ذَلِك وليلتنا حَتَّى إِذا اصبحت ونزلنا على المَاء وضربنا أخبيتنا فَذَهَبت اقيل فَإِذا انا بِأَصْوَات سَلام عَلَيْكُم مرَّتَيْنِ لَا وَاحِد وَلَا

ص: 232

عشرَة وَلَا مائَة وَلَا الف اكثر من ذَلِك فَقلت مَا انتم قَالُوا نَحن الْجِنّ بَارك الله عَلَيْك قد صنعت إِلَيْنَا مَا لَا نستطيع ان نجازيك فَقلت مَاذَا قَالُوا إِن الْحَيَّة الَّتِي مَاتَت عنْدك كَانَ آخر من بَقِي مِمَّن بَايع من الْجِنّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَأخرج ابو نعيم عَن معَاذ بن عبد الله بن معمر قَالَ كنت جَالِسا عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان فجَاء رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بَينا انا بفلاة كَذَا وَكَذَا إِذا اعصاران قد اقبلتا إِحْدَاهمَا من مَكَان وَالْأُخْرَى من مَكَان فالتقتا فاعتركتا ثمَّ تفرقتا واحدهما اقل مِنْهَا حِين جَاءَت فَذَهَبت حَتَّى جِئْت معتركيهما فَإِذا من الْحَيَّات شَيْء مَا رَأَيْت مثله قطّ فَإِذا ريح مسك من بَعْضهَا فَجعلت أقلب الْحَيَّات أنظر من أَيهَا هَذَا الرّيح فَإِذا ذَلِك من حَيَّة صفراء دقيقة فَظَنَنْت ان ذَلِك لخير فِيهَا فلففتها فِي عمامتي ثمَّ دفنتها فَبينا انا امشي اذ ناداني مُنَاد وَلَا أرَاهُ فَقَالَ يَا عبد الله مَا هَذَا الَّذِي صنعت فَأَخْبَرته بِالَّذِي رَأَيْت فَقَالَ إِنَّك قد هديت هَذَانِ حَيَّان من الْجِنّ من بني شعيبان وَبني أَقيس الْتَقَوْا وَكَانَ من الْقَتْلَى مَا رَأَيْت وَاسْتشْهدَ الَّذِي اخذته وَكَانَ من الَّذين اسْتَمعُوا الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَأخرج ابو نعيم عَن ابراهيم النَّخعِيّ قَالَ خرج نفر من أَصْحَاب عبد الله يُرِيدُونَ الْحَج حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق اذا هم بحية تنثني على الطَّرِيق أَبيض ينفح مِنْهُ ريح الْمسك فَقلت لِأَصْحَابِي امضوا فلست ببارح حَتَّى أنظر إِلَى مَا يصير امْر هَذِه الْحَيَّة فَمَا لَبِثت ان مَاتَت فعمدت الى خرقَة بَيْضَاء فلففتها فِيهَا ثمَّ نحيتها عَن الطَّرِيق فدفنتها وَأدْركت اصحابي فوَاللَّه إِنَّا لقعود إِذْ أقبل ارْبَعْ نسْوَة من قبل الْمغرب فَقَالَت وَاحِدَة مِنْهُنَّ أَيّكُم دفن عمرا قُلْنَا وَمن عمر وَقَالَت أَيّكُم دفن الْحَيَّة قلت انا قَالَت أما وَالله لقد دفنت صواما قواما يَأْمر بِمَا انْزِلْ الله وَلَقَد آمن بنبيكم وَسمع صفته فِي السَّمَاء قبل ان يبْعَث بأربعمائة سنة فحمدنا الله ثمَّ قضينا حجنا ثمَّ مَرَرْت بعمر بن الْخطاب بِالْمَدِينَةِ فأنبأته بِأَمْر الْحَيَّة فَقَالَ صدقت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لقد آمن بِي قبل أَن أبْعث بأربعمائة سنة

ص: 233

وَأخرج الْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل قَالَ خرجنَا حجاجا فَلَمَّا كُنَّا بالعرج إِذا نَحن بحية تضطرب فَلم تلبث ان مَاتَت فلفها رجل فِي خرفة ودفنها ثمَّ قدمنَا مَكَّة فَإنَّا لبالمسجد الْحَرَام إِذْ وقف علينا شخص فَقَالَ ايكم صَاحب عَمْرو بن جَابر فَقُلْنَا مَا نَعْرِف عمرا قَالَ أَيّكُم صَاحب الجان قَالُوا هَذَا قَالَ أما انه آخر التِّسْعَة موتا الَّذين اتوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُون الْقُرْآن

وَأخرج ابو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثَابت بن قُطْبَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى ابْن مَسْعُود فَقَالَ إِنَّا كُنَّا فِي سفر فمررنا بحية مقتولة مشعرة فِي دَمهَا فواريناها فَلَمَّا نزلُوا أَتَاهُم نسْوَة أَو نَاس فَقَالَ أَيّكُم صَاحب عَمْرو قُلْنَا أَي عَمْرو قَالُوا الْحَيَّة الَّتِي دفنتموها امس اما انه كَانَ من النَّفر الَّذين اسْتَمعُوا من النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْقُرْآن قُلْنَا مَا شَأْنه قَالُوا كَانَ بَين حيين من الْجِنّ قتال مُسلمين ومشركين فَقَالُوا إِن شِئْتُم عوضناكم قُلْنَا لَا

وَأخرج ابو نعيم عَن أبي بن كَعْب قَالَ خرج قوم يُرِيدُونَ الْحَج فأضلوا الطَّرِيق فَلَمَّا عاينوا الْمَوْت اَوْ كَادُوا أَن يموتوا لبسوا اكفانهم وتضجعوا للْمَوْت فَخرج عَلَيْهِم جني يَتَخَلَّل الشّجر وَقَالَ انا بَقِيَّة النَّفر الَّذين اسْتَمعُوا على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الْمُؤمن اخو الْمُؤمن عينه وَدَلِيله لَا يَخْذُلهُ هَذَا المَاء وَهَذَا الطَّرِيق ثمَّ دلهم على المَاء وأرشدهم الى الطَّرِيق

وَأخرج الْعقيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي معشر الْمدنِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر قَالَ بَيْنَمَا نَحن قعُود مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم على جبل من جبال تهَامَة إِذْ اقبل شيخ فِي يَده عَصا فَسلم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَرد عليه السلام ثمَّ قَالَ نَغمَة الْجِنّ وغنتهم من أَنْت قَالَ أَنا هَامة بن هيم بن لاقيس بن إِبْلِيس قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنك وَبَين إِبْلِيس إِلَّا أَبَوَانِ فكم أَتَى عَلَيْك من الدَّهْر قَالَ قد افنيت الدُّنْيَا عمرها إِلَّا قَلِيلا ليَالِي قتل قابيل هابيل كنت غُلَاما ابْن اعوام أفهم الْكَلَام وآمر بالآكام وآمر بإفساد الطَّعَام وَقَطِيعَة الْأَرْحَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بئس عمل الشَّيْخ المتوسم

ص: 234

والشاب المتلوم قَالَ ذَرْنِي إِنِّي تائب إِلَى الله إِنِّي كنت مَعَ نوح فِي مَسْجده مَعَ من آمن بِهِ من قومه فَلم أزل أعاتبه على دَعوته على قومه حَتَّى بكي وأبكاني وَقَالَ لَا جرم اني على ذَلِك من النادمين وَأَعُوذ بِاللَّه ان اكون من الْجَاهِلين قلت يَا نوح إِنِّي مِمَّن أشرك فِي دم السعيد الشَّهِيد هابيل ابْن آدم فَهَل تَجِد لي عِنْد رَبك تَوْبَة قَالَ يَا هَامة هم بِالْخَيرِ وافعله قبل الْحَسْرَة والندامة إِنِّي قَرَأت فِيمَا أنزل الله عَليّ أَنه لَيْسَ من عبد تَابَ إِلَى الله بَالغا ذَنبه مَا بلغ إِلَّا تَابَ الله عَلَيْهِ فَقُمْ فَتَوَضَّأ واسجد سَجْدَتَيْنِ فَفعلت من سَاعَتِي مَا أَمرنِي بِهِ فناداني أرفع رَأسك فقد نزلت توبتك من السَّمَاء فَخَرَرْت لله سَاجِدا حولا وَكنت مَعَ هود فِي مَسْجده مَعَ من آمن بِهِ من قومه فَلم أزل اعاتبه على دَعوته على قومه حَتَّى بَكَى عَلَيْهِم وأبكاني وَكنت زوارا ليعقوب وَكنت من يُوسُف بِالْمَكَانِ الْأمين وَكنت ألْقى إلْيَاس فِي الأودية وَأَنا القاه الْآن وَإِنِّي لقِيت مُوسَى بن عمرَان فعلمني من التَّوْرَاة وَقَالَ ان أَنْت لقِيت عِيسَى بن مَرْيَم فاقرأه مني السَّلَام وَإِنِّي لقِيت عِيسَى بن مَرْيَم فاقرأته مِنْهُ السَّلَام وان عِيسَى بن مَرْيَم قَالَ لي إِن انت لقِيت مُحَمَّدًا فَأَقْرَأهُ مني السَّلَام فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَيْنَيْهِ فَبكى ثمَّ قَالَ وعَلى عِيسَى السَّلَام مَا دَامَت الدُّنْيَا وَعَلَيْك السَّلَام يَا هَامة بإدائك الْأَمَانَة قَالَ يَا رَسُول الله إفعل بِي مَا فعل مُوسَى بن عمرَان إِنَّه عَلمنِي من التَّوْرَاة فَعلمه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا وَقعت الْوَاقِعَة والمرسلات وَعم يتساءلون وَإِذا الشَّمْس كورت والمعوذتين وَقل هُوَ الله اُحْدُ وَقَالَ ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتك يَا هَامة وَلَا تدع زيارتنا

قَالَ عمر فَقبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلم ينعه إِلَيْنَا فلست أَدْرِي أَحَي هُوَ ام ميت

قَالَ الْبَيْهَقِيّ أَبُو معشر روى عَنهُ الْكِبَار إِلَّا أَنه ضَعِيف قَالَ وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر هَذَا أقوى مِنْهُ

قلت أخرجه ابو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن بركَة الْحلَبِي عَن عبد الْعَزِيز بن سُلَيْمَان الْموصِلِي عَن يَعْقُوب بن كَعْب عَن عبد الله بن نوح الْبَغْدَادِيّ عَن عِيسَى بن سوَادَة عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر بِهِ

ص: 235

وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق أبي سَلمَة مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن مَالك بن دِينَار عَن أنس وَمن طَرِيق زيد بن أبي الزَّرْقَاء الْموصِلِي عَن عِيسَى بن طهْمَان عَن انس بِهِ بِطُولِهِ

واخرجه عبد الله بن احْمَد فِي زَوَائِد الزّهْد حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح مولى بني هَاشم الْبَصْرِيّ حَدثنِي أَبُو سَلمَة مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا مَالك بن دِينَار عَن أنس بِهِ

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أسيدة قَالَ بَيْنَمَا عمر بن عبد الْعَزِيز يمشي إِلَى مَكَّة بفلاة من الأَرْض إِذْ رأى حَيَّة ميته فَقَالَ عَليّ بمحفار فحفر لَهُ ولفه فِي خرقَة وَدَفنه فَإِذا هَاتِف يَهْتِف لَا يرونه رَحْمَة الله عَلَيْك يَا سرق فاشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول تَمُوت يَا سرق فِي فلاة من الأَرْض فيدفنك خيرا مَتى فَقَالَ لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز من أَنْت يَرْحَمك الله قَالَ أَنا رجل من الْجِنّ وَهَذَا سرق وَلم يكن مِمَّن بَايع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الْجِنّ غَيْرِي وَغَيره وَأشْهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول تَمُوت يَا سرق بفلاة من الأَرْض ويدفنك خير أمتِي

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي رَاشد قَالَ نزل بِنَا عمر بن عبد الْعَزِيز فَلَمَّا رَحل قَالَ لي مولَايَ اركب مَعَه فشيعه فركبت فمررنا بواد فَإِذا نَحن بحية ميتَة مطروحة على الطَّرِيق فَنزل عمر فنحاها وواراها ثمَّ ركب فَبينا نَحن نسير إِذا هَاتِف يَهْتِف يَقُول يَا خرقاء يَا خرقاء فالتفتنا يَمِينا وَشمَالًا فَلم نر أحدا فَقَالَ عمر اسألك بِاللَّه أَيهَا الْهَاتِف إِن كنت مِمَّن يظْهر أَلا ظَهرت وَإِن كنت مِمَّن لَا يظْهر أخبرنَا مَا الخرقاء قَالَ الْحَيَّة الَّتِي دفنتم بمَكَان كَذَا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَهَا يَوْمًا يَا خرقاء تموتين بفلاة من الأَرْض يدفنك خير مؤمني أهل الأَرْض يَوْمئِذٍ قَالَ لَهُ عمر من أَنْت يَرْحَمك الله قَالَ انا من التِّسْعَة الَّذين بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَكَان فَقَالَ لَهُ عمر آللَّهُ انت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ نعم فَدَمَعَتْ عينا عمر وانصرفنا

ص: 236

بَاب قصَّة الرّوم وَمَا ظهر فِيهَا من الْآيَات

قَالَ تَعَالَى {الم غلبت الرّوم} الْآيَات

اخْرُج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم اهل كتاب وَكَانَ الْمُشْركُونَ يحبونَ أَن تظهر فَارس على الرّوم لأَنهم اهل اوثان فَذكر ذَلِك الْمُسلمُونَ لأبي بكر فَذكر أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أما انهم سيظهرون فَذكر أَبُو بكر لَهُم ذَلِك فَقَالُوا أجعَل بَيْننَا وَبَيْنكُم أَََجَلًا إِن ظَهَرُوا كَانَ لَك كَذَا وَكَذَا وَإِن ظهرنا كَانَ لنا كَذَا وَكَذَا فَجعل بَينهم أجل خمس سِنِين فَلم يظهروا فَذكر ذَلِك ابو بكر للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَلا جعلته دون الْعشْرَة فظهرت الرّوم بعد ذَلِك يَوْم بدر

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب قَالَ كَانَ الْمُشْركُونَ يجادلون الْمُسلمين وهم بِمَكَّة يَقُولُونَ الرّوم اهل كتاب وَقد غلبتهم الْفرس وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ انكم ستغلبون بِالْكتاب الَّذِي أنزل على نَبِيكُم فسنغلبكم كَمَا غلبت فَارس الرّوم فَأنْزل الله {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين}

قَالَ ابْن شهَاب فَأَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَنه لما نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ ناحب ابو بكر بعض الْمُشْركين قبل ان يحرم الْقمَار على شَيْء إِن لم تغلب فَارس فِي سبع سِنِين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم فعلت فَكل مَا دون الْعشْر بضع فَكَانَ ظُهُور فَارس على الرّوم فِي تسع سِنِين ثمَّ أظهر الله الرّوم على فَارس زمن الْحُدَيْبِيَة ففرح الْمُسلمُونَ بِظُهُور أهل الْكتاب

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة قَالَ لما انْزِلْ الله هَؤُلَاءِ الْآيَات صدق الْمُسلمُونَ رَبهم وَعرفُوا ان الرّوم ستظهر على أهل فَارس فاقتمروا هم وَالْمُشْرِكُونَ خمس قَلَائِص

ص: 237

وأجلوا بَينهم خمس سِنِين فولي قمار الْمُسلمين ابو بكر وَولي قمار الْمُشْركين أبي بن خلف وَذَلِكَ قبل ان ينْهَى عَن الْقمَار فجَاء الْأَجَل وَلم تظهر الرّوم على فَارس فَسَأَلَ الْمُشْركُونَ قمارهم فَذكر ذَلِك أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لم يَكُونُوا أحقاء ان يؤجلوا أَََجَلًا دون عشر فان الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث الى الْعشْر فزايدوهم ومادوهم فِي الْأَجَل فَفَعَلُوا فأظهر الله الرّوم على فَارس عِنْد رَأس التسع من قمارهم الأول فَكَانَ ذَلِك مرجعهم من الْحُدَيْبِيَة ففرح الْمُسلمُونَ بِظُهُور أهل الْكتاب على الْمَجُوس وَكَانَ ذَلِك مِمَّا شدّ الله بِهِ الاسلام

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزبير قَالَ رَأَيْت غَلَبَة فَارس الرّوم ثمَّ غَلَبَة الرّوم فَارِسًا ثمَّ رَأَيْت غَلَبَة الْمُسلمين فَارِسًا وَالروم وظهورهم على الشَّام وَالْعراق كل ذَلِك فِي خمس عشرَة سنة

بَاب امتحانهم إِيَّاه بالسؤال

اخْرُج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس ان مُشْركي قُرَيْش بعثوا النَّضر بن الْحَارِث وَعقبَة بن أبي معيط إِلَى أَحْبَار يهود بِالْمَدِينَةِ وَقَالُوا لَهما سلاهم عَن مُحَمَّد وصفالهم صفته وأخبراهم بقوله فَإِنَّهُم اهل الْكتاب الاول وَعِنْدهم مَا لَيْسَ عندنَا من علم الْأَنْبِيَاء فَخَرَجَا حَتَّى قدما الْمَدِينَة فسألا أَحْبَار الْيَهُود عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لَهُم أمره فَقَالُوا أسلوه عَن ثَلَاث فَأن أخْبركُم بِهن فَهُوَ نَبِي مُرْسل وَإِن لم يفعل فالرجل متقول

سلوه عَن فتية ذَهَبُوا فِي الدَّهْر الأول مَا كَانَ من أَمرهم فَإِنَّهُ كَانَ لَهُم حَدِيث عَجِيب وَسَلُوهُ عَن رجل طواف قد بلغ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَمَا كَانَ نبأه وَسَلُوهُ عَن الرّوح مَا هُوَ فَأقبل النَّضر وَعقبَة حَتَّى قدما مَكَّة على قُرَيْش فَقَالَا يَا معشر قُرَيْش قد جئناكم بفصل مَا بَيْنكُم وَبَين مُحَمَّد ثمَّ سَأَلُوهُ عَمَّا أمروا بِهِ فَجَاءَهُ جبرئيل بِسُورَة أَصْحَاب الْكَهْف وَخبر مَا سَأَلُوهُ عَنهُ من أَمر الْفتية وَالرجل

ص: 238

الطّواف وَقَوله تَعَالَى {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي}

واخرج احْمَد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَت قُرَيْش للْيَهُود أعطونا شَيْئا نسْأَل عَنهُ هَذَا الرجل فَقَالُوا سلوه عَن الرّوح فَنزلت {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} الْآيَة

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن قُريْشًا بعثوا رهطا إِلَى الْمَدِينَة يسْأَلُون الْيَهُود عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَن أمره وَصفته ومبعثه فأصدقوهم نَعته قَالُوا إِنَّه يزْعم انه نَبِي مُرْسل واسْمه احْمَد وَهُوَ يَتِيم فَقير وَبَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة فَسَأَلُوهُمْ عَنهُ ووصفوا لَهُم صفته فَقَالُوا لَهُم لم نجد نَعته وَصفته ومبعثه فِي التَّوْرَاة وَخَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ فَإِن كَانَ كَمَا وصفتم لنا فَهُوَ نَبِي مُرْسل وَأمره حق وَلَكِن سلوه عَن ثَلَاث خِصَال فَإِنَّهُ يُخْبِركُمْ بخصلتين وَلَا يُخْبِركُمْ بالثالثة إِن كَانَ نَبيا ذِي القرنين وَالروح وَأَصْحَاب الْكَهْف فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة فَسَأَلُوهُ فَأخْبرهُم بِخَبَر ذِي القرنين وَأَصْحَاب الْكَهْف وَقَالَ لَهُم الرّوح من أَمر رَبِّي يَقُول من علم رَبِّي لَا علم لي بِهِ فَلَمَّا وَافق قَول الْيَهُود انه لَا يُخْبِركُمْ بالثالثة قَالُوا سَاحر ان تظاهر ايعنون التَّوْرَاة وَالْفرْقَان وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون

واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام عَن أَبِيه ان عبد الله بن سَلام قَالَ لأحبار الْيَهُود إِنِّي أردْت ان أحدث بِمَسْجِد أَبينَا ابراهيم عهدا فَانْطَلق إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِمَكَّة فوافاه بمنى وَالنَّاس حوله فَقَامَ مَعَ النَّاس فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ أَنْت عبد الله بن سَلام قَالَ نعم قَالَ أدن فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ انشدك بِاللَّه أما تجدني فِي التَّوْرَاة رَسُول الله فَقَالَ لَهُ انعت لنا رَبك فجَاء جبرئيل فَقَالَ لَهُ {قل هُوَ الله أحد} الى آخر السُّورَة فقرأها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابْن سَلام أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وانك رَسُول الله ثمَّ انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة وكتم إِسْلَامه فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقدم الْمَدِينَة قَالَ ابْن سَلام وَأَنا فَوق نَخْلَة لي أَجدهَا فألقيت نَفسِي فَقَالَت لي امي لله أَنْت لَو كَانَ مُوسَى

ص: 239

بن عمرَان مَا كَانَ نرَاك ان تلقي نَفسك من أَعلَى النَّخْلَة فَقَالَت وَالله لأَنا أسر بقدوم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مُوسَى بن عمرَان إِذْ بعث

بَاب مَا ظهر عِنْد أَذَى الْمُشْركين لَهُ صلى الله عليه وسلم من الْآيَات)

اخْرُج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم عَن عُرْوَة قَالَ قلت لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَا أَكثر مَا رَأَيْت قُريْشًا أَصَابَت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَت تظهره من عداوته فَقَالَ لقد رَأَيْتهمْ وَقد اجْتمع اشرافهم فِي الْحجر يَوْمًا فَذكرُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا مَا رَأينَا مثل صَبرنَا عَلَيْهِ سفه أَحْلَامنَا وَشتم آبَاءَنَا وَعَابَ ديننَا وَفرق جماعتنا وَسَب آلِهَتنَا وصبرنا مِنْهُ على أَمر عَظِيم فَبَيْنَمَا هم فِي ذَلِك طلع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأقبل يمشي حَتَّى اسْتَلم الرُّكْن ثمَّ مر بهم طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَغَمَزُوهُ بِبَعْض القَوْل فَعرفت ذَلِك فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمضى فَلَمَّا مر بهم الثَّانِي غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فعرفتها فِي وَجهه فَمضى ثمَّ مر الثَّالِثَة فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَوقف ثمَّ قَالَ اتسمعون يَا معشر قُرَيْش أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد جِئتُكُمْ بِالذبْحِ فَأخذت الْقَوْم كَلمته حَتَّى مَا مِنْهُم من رجل إِلَّا وكأنما على رَأسه طَائِر وَاقع حَتَّى ان اشدهم فِيهِ وضاءة قبل ذَلِك ليرفأه بِأَحْسَن مَا يجد من القَوْل حَتَّى أَنه ليقول انْصَرف يَا أَبَا الْقَاسِم راشدا فَمَا أَنْت بجهول وَأخرجه ابو نعيم من وَجه آخر عَن عبد الله بن عَمْرو وَأخرجه أَيْضا من وَجه آخر عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَفِيه بعد قَوْله مَا أرْسلت إِلَيْكُم إِلَّا بِالذبْحِ فَقَالَ أَبُو جهل يَا مُحَمَّد مَا كنت جهولا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنْت مِنْهُم

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق عُرْوَة حَدثنِي عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ أَكثر مَا نَالَتْ قُرَيْش من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْته يَوْمًا يطوف بِالْبَيْتِ وَفِي الْحجر ثَلَاثَة جُلُوس عقبَة بن أبي معيط وَأَبُو جهل وَأُميَّة بن خلف فَلَمَّا حاذاهم اسمعوه بعض مَا يكره فَعرف ذَلِك فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وصنعوا مثل ذَلِك فِي الشوط الثَّانِي وَالثَّالِث فَوقف وَقَالَ أما وَالله لَا تنتهون حَتَّى يحل الله عِقَابه عَاجلا

ص: 240

قَالَ عُثْمَان فوَاللَّه مَا مِنْهُم رجل إِلَّا وَقد أَخذه أفكل يرتعد ثمَّ انْصَرف إِلَى بَيته وتبعناه فَقَالَ أَبْشِرُوا فَإِن الله مظهر دينه ومتم كَلمته وناصر دينه إِن هَؤُلَاءِ الَّذين ترَوْنَ مِمَّن يذبح الله بِأَيْدِيكُمْ عَاجلا فوَاللَّه لقد رَأَيْتهمْ ذبحهم الله بِأَيْدِينَا

وَأخرج ابو نعيم عَن جَابر قَالَ قَالَ أَبُو جهل ان مُحَمَّدًا يزْعم انكم إِن لم تطيعوه كَانَ لكم مِنْهُ ذبح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَنا أَقُول ذَاك وانت من ذَلِك الذّبْح فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ يَوْم بدر مقتولا قَالَ اللَّهُمَّ قد أنجزت لي مَا وَعَدتنِي

واخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن عَبَّاس عَن فَاطِمَة قَالَت اجْتمع مُشْرِكُوا قُرَيْش فِي الْحجر فَقَالُوا إِذا مر مُحَمَّد عَلَيْهِم ضربه كل وَاحِد منا ضَرْبَة فَسَمعته فَدخلت على أَبِيهَا فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ يَا بنية اسكتي ثمَّ خرج فَدخل عَلَيْهِم الْمَسْجِد فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَا هُوَ ذَا وخفضوا أَبْصَارهم وَسَقَطت أذقانهم فِي صُدُورهمْ وعقروا فِي مجَالِسهمْ فَلم يرفعوا إِلَيْهِ بصرا وَلم يقم إِلَيْهِ رجل مِنْهُم فَأقبل حَتَّى قَامَ على رؤوسهم فَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب فَرمى بهَا نحوهم ثمَّ قَالَ شاهدت الْوُجُوه فَمَا أصَاب رجلا مِنْهُم من ذَلِك الْحَصَى حَصَاة إِلَّا قتل يَوْم بدر كَافِرًا

واخرج الشَّيْخَانِ عَن خباب قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّد بردة فِي ظلّ الْكَعْبَة وَقد لَقينَا من الْمُشْركين شدَّة شَدِيدَة فَقلت يَا رَسُول الله أَلا تَدْعُو الله لنا فَقعدَ وَهُوَ محمر وَجهه فَقَالَ إِن كَانَ من قبلكُمْ ليمشط أحدهم بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون عظمه من لحم اَوْ عصب مَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه وَيُوضَع الْمِنْشَار على مفرق رَأسه فَيشق بِاثْنَيْنِ مَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه وليتمن الله هَذَا الْأَمر حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله

واخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن أبي اسحاق قَالَ مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم على أبي جهل وَأبي سُفْيَان وهما جالسان فَقَالَ أَبُو جهل هَذَا نَبِيكُم يَا بني عبد شمس فَقَالَ أبوسفيان وتعجب ان يكون منا نَبِي فَقَالَ أَبُو جهل عجبت ان يخرج غُلَام من بَين شُيُوخ وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فاتاهم فَقَالَ أما أَنْت يَا أَبَا سُفْيَان فَمَا لله وَرَسُوله غضِبت وَلَكِنَّك حميت الأَصْل وَأما أَنْت يَا أَبَا الحكم فوَاللَّه لتضحكن قَلِيلا

ص: 241

ولتبكين كثيرا قَالَ بئس مَا تعدني ابْن اخي من نبوتك

وَأخرج الْبَزَّار عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ كَانَ نفر من الْمُشْركين حول الْكَعْبَة فيهم ابو جهل فاقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَوقف عَلَيْهِم فَقَالَ قبحت الْوُجُوه فخرسوا فَمَا اُحْدُ مِنْهُم يتَكَلَّم بِكَلِمَة وَلَقَد نظرت إِلَى أبي جهل يعْتَذر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَيَقُول امسك وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا امسك عَنْكُم اَوْ اقتلكم فَقَالَ أَبُو جهل انت تقدر على ذَلِك فَقَالَ الله يقتلكم

وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وَظهر امْرَهْ بِمَكَّة خرجت الى الشَّام فَلَمَّا كنت ببصرى أَتَتْنِي جمَاعَة من النَّصَارَى فَقَالُوا لي أَمن الْحرم أَنْت قلت نعم قَالُوا فتعرف هَذَا الَّذِي تنبأ فِيكُم قلت نعم فَأخذُوا بيَدي فأدخلوني ديرا لَهُم فِيهِ تماثيل وصور فَقَالُوا لي أنظر هَل ترى صُورَة هَذَا النَّبِي الَّذِي بعث فِيكُم فَنَظَرت فَلم أر صورته قلت لَا أرى صورته فأدخلوني اكبر من ذَلِك الدَّيْر وَإِذا فِيهِ تماثيل وصور اكثر مِمَّا فِي ذَلِك الدَّيْر فَقَالُوا لي انْظُر هَل ترى صورته فَنَظَرت فَإِذا انا بِصفة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَصورته وَإِذا انا بِصفة أبي بكر وَصورته وَهُوَ آخذ بعقب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا لي هَل ترى صفته قلت نعم قَالُوا أهوَ هَذَا وأشاروا إِلَى صفة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قلت اللَّهُمَّ نعم أشهد إِنَّه هُوَ قَالُوا أتعرف هَذَا الَّذِي أَخذ بعقبه قلت نعم قَالُوا نشْهد ان هَذَا صَاحبكُم وَأَن هَذَا الْخَلِيفَة من بعده

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من وَجه آخر عَن جُبَير بن مطعم قَالَ كنت أكره أَذَى قُرَيْش رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا ظَنَنْت انهم سيقتلونه خرجت حَتَّى لحقت بدير من الديارات فَذهب أهل الدَّيْر إِلَى رَأْسهمْ فأخبروه فَانْطَلقُوا بِي إِلَى صَاحبهمْ فَذكر قصَّة الصُّورَة قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت صورته قلت مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه بِشَيْء من هَذِه الصُّورَة كَأَنَّهُ طوله وَبعد مَا بَين مَنْكِبَيْه قَالَ فتخاف ان يقتلوه قلت أظنهم قد فرغوا مِنْهُ قَالَ وَالله لَا يقتلونه وليقتلن من يُرِيد قَتله وَأَنه لنَبِيّ وليظهرنه الله

ص: 242

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من وَجه ثَالِث عَن جُبَير بن مطعم قَالَ خرجت تَاجِرًا إِلَى الشَّام فَلَمَّا كنت باد فِي الشَّام لَقِيَنِي رجل من أهل الْكتاب قَالَ هَل عنْدكُمْ رجل تنبأ قلت نعم قَالَ هَل تعرف صورته إِذا رَأَيْتهَا قلت نعم فَأَدْخلنِي بَيْتا فِيهِ صُورَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَبينا انا كَذَلِك إِذْ دخل علينا رجل مِنْهُم فَقَالَ فيمَ أَنْتُم فَأَخْبَرنَاهُ فَذهب بِنَا إِلَى منزله فساعة مَا دخلت نظرت إِلَى صُورَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم لله فَإِذا رجل آخذ بعقب النَّبِي صلى الله عليه وسلم قلت من هَذَا الرجل الْقَائِم على عقبه قَالَ إِنَّه لم يكن نَبِي إِلَّا كَانَ بعده نَبِي إِلَّا هَذَا فَإِنَّهُ لَا نَبِي بعده وَهَذَا الْخَلِيفَة بعده وَإِذا صفة ابي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

بَاب الْآيَة فِي صرف شتم الْمُشْركين عَنهُ

اخْرُج البُخَارِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا تعْجبُونَ كَيفَ يصرف الله عني شتم قُرَيْش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وَأَنا مُحَمَّد

بَاب قَوْله تَعَالَى إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ وَمَا ظهر فِي ذَلِك من الْآيَات

أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ المستهزءون الْوَلِيد بن الْمُغيرَة والاسود بن عبد يَغُوث وَالْأسود بن الْمطلب والْحَارث بن عيطل السَّهْمِي وَالْعَاص بن وَائِل فَأَتَاهُ جبرئيل فَشَكَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاراه الْوَلِيد فَأومى جبرئيل إِلَى اكحله قَالَ مَا صنعت قَالَ كفيته ثمَّ أرَاهُ الاسود بن الْمطلب فَأومى إِلَى عَيْنَيْهِ فَقَالَ مَا صنعت قَالَ كفيته ثمَّ أرَاهُ الاسود بن عبد يَغُوث فَأومى إِلَى رَأسه فَقَالَ مَا صنعت قَالَ كفيته فاما الْوَلِيد فَمر بِهِ رجل من خُزَاعَة وَهُوَ يريش نبْلًا لَهُ فَأصَاب أكحله فقطعها وَأما الاسود بن الْمطلب فَنزل تَحت سَمُرَة فَجعل يَقُول يَا بني الا تدفعون عني فَجعلُوا يَقُولُونَ مَا نرى شَيْئا وَهُوَ يَقُول قد هَلَكت هَا هُوَ ذَا أطعن بالشوك فِي عَيْني فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى عميت عَيناهُ وَأما الاسود بن عبد يَغُوث فَخرج فِي رَأسه قُرُوح فَمَاتَ مِنْهَا وَأما

ص: 243

الْحَارِث فَأَخذه المَاء الْأَصْفَر فِي بَطْنه حَتَّى خرج من فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا وَأما الْعَاصِ فَركب الى الطَّائِف على حمَار فَرَبَضَ على شبْرقَة فَدخل فِي أَخْمص قدمه شَوْكَة فَقتلته لَهُ طرق عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره أوردتها فِي التَّفْسِير الْمسند

بَاب دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم على ابْن ابي لَهب

أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي نَوْفَل بن أبي عقرب عَن أَبِيه قَالَ أقبل لَهب بن أبي لَهب يسب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كلبك قَالَ وَكَانَ أَبُو لَهب يحْتَمل الْبَز إِلَى الشَّام وَيبْعَث بولده مَعَ غلمانه ووكلائه وَيَقُول إِن ابْني اخاف عَلَيْهِ دَعْوَة مُحَمَّد فتعاهدوه فَكَانُوا إِذا نزلُوا الْمنزل ألزقوه إِلَى الْحَائِط وغطوا عَلَيْهِ الثِّيَاب وَالْمَتَاع فَفَعَلُوا ذَلِك بِهِ زَمَانا فجَاء سبع فتله فَقتله فَبلغ ذَلِك أَبَا لَهب فَقَالَ ألم أقل لكم إِنِّي أَخَاف عَلَيْهِ دَعْوَة مُحَمَّد

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة ان عتبَة بن أبي لَهب تسلط على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أما أَنِّي أسأَل الله ان يُسَلط عَلَيْهِ كَلْبه فَخرج فِي نفر من قُرَيْش حَتَّى نزلُوا فِي مَكَان من الشَّام يُقَال لَهُ الزَّرْقَاء لَيْلًا فأطاف بهم الْأسد فَجعل عتبَة يَقُول يَا ويل امي هُوَ وَالله آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّد عَليّ قتلني مُحَمَّد وَهُوَ بِمَكَّة وانا بِالشَّام فَعدا عَلَيْهِ الاسد من بَين الْقَوْم وَأخذ بِرَأْسِهِ فضغمه ضغمة فذبحه

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة ان الاسد لما طَاف بهم تِلْكَ اللَّيْلَة انْصَرف عَنْهُم فَقَامُوا وَجعلُوا عتبَة فِي وَسطهمْ فَأقبل الْأسد يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخذ بِرَأْس عتبَة ففدغه

وَأخرج ابو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عُرْوَة عَن هَبَّار بن الْأسود قَالَ كَانَ ابو لَهب وَابْنه عتبَة قد تجهزا إِلَى الشَّام وتجهزت مَعَهُمَا فَقَالَ ابْن أبي لَهب وَالله لأنطلقن إِلَى مُحَمَّد فلاؤذيته فِي ربه فَانْطَلق حَتَّى أَتَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد هُوَ يكفر بِالَّذِي دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ ابْعَثْ

ص: 244

عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك ثمَّ انْصَرف فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أَي بني مَا قلت لَهُ وَمَا قَالَ لَك فَأخْبرهُ قَالَ أَي بني وَالله مَا آمن عَلَيْك دَعْوَة مُحَمَّد فسرنا حَتَّى نزلنَا السراة وَهِي مأسدة فَقَالَ لنا أَبُو لَهب إِنَّكُم قد عَرَفْتُمْ سني وحقي وَأَن مُحَمَّدًا قد دَعَا على ابْني دَعْوَة وَالله مَا آمنها عَلَيْهِ فَأَجْمعُوا مَتَاعكُمْ إِلَى هَذِه الصومعة ثمَّ افرشوا الأينى عَلَيْهِ ثمَّ افرشوا حوله فَفَعَلْنَا وَبَات هُوَ فَوق الْمَتَاع وَنحن حوله فجَاء الْأسد فشم وُجُوهنَا فَلَمَّا لم يجد مَا يُرِيد تقبض ثمَّ وثب فاذا هُوَ فَوق الْمَتَاع فشم وَجهه ثمَّ هَزَمه هزمة ففضخ رَأسه وَانْطَلق فَقَالَ ابو لَهب قد وَالله عرفت مَا كَانَ لينفلت من دَعْوَة مُحَمَّد

واخرجه ابْن اسحاق وابو نعيم من طرق اخرى مُرْسلَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره وَزَاد ان حسان بن ثَابت قَالَ فِي ذَلِك

(سَائل بني الْأَشْقَر إِن جئتهم

مَا كَانَ ابناء أبي وَاسع)

(لَا وسع الله قَبره

بل ضيق الله على الْقَاطِع)

(رحم بني جده ثَابت

يَدْعُو إِلَى نور لَهُ سَاطِع)

(أسبل بِالْحجرِ لتكذيبه

دون قُرَيْش نهزة القادع)

(فاستوجب الدعْوَة مِنْهُ بِمَا

بَين للنَّاظِر وَالسَّامِع)

(إِن سلط الله بهَا كَلْبه

يمشي الهوينا مشْيَة الخادع)

(حَتَّى أَتَاهُ وسط أَصْحَابه

وَقد علتهم سنة الهاجع)

(فالتقم الرَّأْس بيافوخه

والنحر مِنْهُ فغرة الجائع)

وَأخرج أَبُو نعيم عَن طَاوُوس قَالَ لما تَلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {والنجم إِذا هوى} قَالَ عتبَة بن أبي لَهب كفرت بِرَبّ النَّجْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سلط الله عَلَيْك كَلْبا من كلابه فَخرج مَعَ أَصْحَاب لَهُ إِلَى الشَّام فزار الْأسد فَجعلت فرائصه ترْعد فَقَالُوا لَهُ من أَي شَيْء ترْعد فوَاللَّه مَا نَحن وَأَنت إِلَّا سَوَاء قَالَ إِن مُحَمَّد دَعَا عَليّ وَلَا وَالله مَا أظلت هَذِه السَّمَاء على ذِي لهجة اصدق من مُحَمَّد ثمَّ وضعُوا

ص: 245

الْعشَاء فَلم يدْخل يَده فِيهِ ثمَّ جَاءَ النّوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بَينهم وناموا فجَاء الْأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ فضغمه ضغمة فَفَزعَ وَهُوَ بآخر رَمق وَهُوَ يَقُول ألم اقل لكم أَن مُحَمَّدًا اصدق النَّاس وَمَات

وَأخرج ابو نعيم عَن ابي الضُّحَى قَالَ قَالَ ابْن أبي لَهب هُوَ يكفر بِالَّذِي قَالَ {والنجم إِذا هوى} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَسى ان يُرْسل عَلَيْهِ كَلْبا من كلابه فَبلغ ذَلِك أَبَاهُ فأوصى أَصْحَابه إِذا نزلتم منزلا فَاجْعَلُوهُ وسطكم فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا كَانَت لَيْلَة بعث الله عَلَيْهِ سبعا فَقتله

بَاب دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم على قُرَيْش بِالسنةِ

اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود أَن قُريْشًا لما اسْتَعْصَتْ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأوا عَن الاسلام قَالَ اللَّهُمَّ اعني عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف فَأَصَابَتْهُمْ سنة فحصت كل شَيْء حَتَّى أكلُوا الْجِيَف وَالْميتَة حَتَّى أَن أحدهم كَانَ يرى مَا بَينه وَبَين السَّمَاء كَهَيئَةِ الدُّخان من الْجُوع ثمَّ دعوا رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ فَقيل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّا لَو كشفنا الْعَذَاب عَنْهُم عَادوا فكشف عَنْهُم فعادوا فانتقم مِنْهُم يَوْم بدر فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} إِلَى قَوْله {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون}

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من النَّاس إدبارا قَالَ اللَّهُمَّ سبع كسبع يُوسُف فَأَخَذتهم سنة حَتَّى أكلُوا الْميتَة والجلود وَالْعِظَام فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان وناس من أهل مَكَّة فَقَالُوا يَا مُحَمَّد إِنَّك تزْعم انك بعثت رَحْمَة وَأَن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الْغَيْث فأطبقت عَلَيْهِم سبعا فَشَكا النَّاس كَثْرَة الْمَطَر فَقَالَ اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا فانحدرت السحابة عَن رَأسه فسقي النَّاس حَولهمْ قَالَ لقد مَضَت آيَة الدُّخان وَهُوَ الْجُوع الَّذِي أَصَابَهُم وَآيَة الرّوم وَالْبَطْشَة الْكُبْرَى وانشقاق الْقَمَر

ص: 246

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ خمس قد مضين اللزام وَالروم وَالدُّخَان وَالْبَطْشَة وَالْقَمَر قَالَ الْبَيْهَقِيّ المُرَاد بذلك ان هَذِه الْآيَات قد وجدن فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا أخبر بِهن قبل وجودهن

وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ ابو سُفْيَان الى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد أنْشدك الله وَالرحم قد أكلنَا العلهز الْوَبر وَالدَّم فَانْزِل الله تَعَالَى {وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى فرج عَنْهُم قَالَ الْبَيْهَقِيّ قد رُوِيَ فِي قصَّة أبي سُفْيَان مَا دلّ على أَن ذَلِك كَانَ بعد الْهِجْرَة وَلَعَلَّه كَانَ مرَّتَيْنِ

بَاب الَّتِي عميت من المسلمات ورد عَلَيْهَا بصرها

أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة أَن أَبَا بكر أعتق مِمَّن كَانَ يعذب فِي الله سَبْعَة مِنْهُم الزنيرة فَذهب بصرها وَكَانَت مِمَّن يعذب فِي الله فتأبى إِلَّا الْإِسْلَام فَقَالَ الْمُشْركُونَ مَا أصَاب بصرها إِلَّا اللات والعزى فَقَالَت كلا وَالله مَا هُوَ كَذَلِك فَرد الله عَلَيْهَا بصرها

بَاب مَا وَقع فِي هِجْرَة الْحَبَشَة من الْآيَات

أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ خرج جَعْفَر بن أبي طَالب فِي رَهْط من الْمُسلمين فِرَارًا بدينهم ان يفتنوا عَنهُ إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَبعثت قُرَيْش عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وأمروهما ان يسرعا السّير ففعلا وأهدوا للنجاشي فرسا وجبة ديباج وأهدوا لعظماء الْحَبَشَة هَدَايَا فَلَمَّا قدما على النَّجَاشِيّ قبل هداياهم وأجلس عَمْرو بن الْعَاصِ على سَرِيره فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِن بأرضك رجَالًا مِنْهَا سُفَهَاء لَيْسُوا على دينكُمْ وَلَا على ديننَا فادفعهم إِلَيْنَا فَقَالَت عُظَمَاء الْحَبَشَة للنجاشي اجل فادفعهم اليهم فَقَالَ النَّجَاشِيّ لَا وَالله لَا أدفعهم إِلَيْهِ حَتَّى أكلمهم وَاعْلَم على أَي شَيْء

ص: 247

هم فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ هم أَصْحَاب الرجل الَّذِي خرج فِينَا وسنخبرك بِمَا تعرف من سفههم وخلافهم الْحق إِنَّهُم لَا يشْهدُونَ ان عِيسَى ابْن الله وَلَا يَسْجُدُونَ لَك إِذا دخلُوا عَلَيْك كَمَا يفعل من أَتَاك فِي سلطانك فَأرْسل النَّجَاشِيّ الى جَعْفَر وَأَصْحَابه وَقد أَجْلِس النَّجَاشِيّ عَمْرو بن الْعَاصِ على سَرِيره فَلم يسْجد لَهُ جَعْفَر وَلَا أَصْحَابه وحيوه بِالسَّلَامِ فَقَالَ عَمْرو وَعمارَة ألم نخبرك خبر الْقَوْم فَقَالَ النَّجَاشِيّ أَلا تحدثوني ايها الرَّهْط مَا لكم لَا تحيوني كَمَا يحييني من اتاني من قومكم وأخبروني مَاذَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم وَمَا دينكُمْ أنصارى أَنْتُم قالو لَا قَالَ فيهود انتم قَالُوا لَا قَالَ فعلى دين قومكم قَالُوا لَا قَالَ فَمَا دينكُمْ قَالُوا الاسلام قَالَ وَمَا الْإِسْلَام قَالُوا نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا قَالَ من جَاءَكُم بِهَذَا قَالُوا جَاءَنَا بِهِ رجل من أَنْفُسنَا قد عرفنَا وَجهه وَنسبه قد بَعثه الله إِلَيْنَا كَمَا بعث الرُّسُل إِلَى من قبلنَا فَأمرنَا بِالْبرِّ للْوَالِدين والصدق وَالْوَفَاء وَأَدَاء الامانة ونهانا ان نعْبد الْأَوْثَان وأمرنا ان نعْبد الله وَحده وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا فَصَدَّقْنَاهُ وعرفنا كَلَام الله وَعلمنَا ان الَّذِي جَاءَ بِهِ من عِنْد الله فَلَمَّا فعلنَا ذَلِك عَادَانَا قَومنَا وعادوا النَّبِي الصَّادِق وكذبوه وارادوا قَتله وأرادونا على عبَادَة الْأَوْثَان ففررنا إِلَيْك بديننا ودمائنا من قَومنَا فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَالله إِن خرج هَذَا الامر إِلَّا من الْمشكاة الَّتِي خرج مِنْهَا امْر مُوسَى عليه السلام قَالَ جَعْفَر واما التَّحِيَّة فان رَسُولنَا اُخْبُرْنَا ان تَحِيَّة أهل الْجنَّة السَّلَام فَأمرنَا بذلك فحييناك بِالَّذِي يحيي بِهِ بَعْضنَا بَعْضًا وَأما عِيسَى فَهُوَ عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَابْن الْعَذْرَاء البتول فخفض النَّجَاشِيّ يَده إِلَى الارض وَأخذ مِنْهَا عودا وَقَالَ وَالله مَا زَاد ابْن مَرْيَم على هَذَا وزن هَذَا الْعود فَقَالَ عُظَمَاء الْحَبَشَة وَالله لَئِن سَمِعت هَذَا الْحَبَشَة لتخلعنك فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَالله لَا اقول فِي عِيسَى غير هَذَا أبدا ثمَّ قَالَ ارْجعُوا إِلَى هَذَا هديته يُرِيد عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله لَو رشوني فِي هَذَا دبر ذهب والدبر فِي لِسَان الْحَبَشَة الْجَبَل مَا قبلته وَقَالَ لجَعْفَر وَأَصْحَابه امكثوا فانتم سيوم والسيوم الآمنون وَأمر لَهُم بِمَا يصلحهم من الرزق وَقَالَ من نظر إِلَى هَؤُلَاءِ الرَّهْط نظرة تؤذيهم فقد عرم اي فقد عَصَانِي وَكَانَ الله قد ألْقى الْعَدَاوَة بَين عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة فِي مسيرهما قبل أَن يقدما الى النَّجَاشِيّ ثمَّ اصطلحا حِين قدما على النَّجَاشِيّ ليدركا حاجتهما الَّتِي

ص: 248

خرجا اليها من طلب الْمُسلمين فَلَمَّا أخطأهما ذَلِك رجعا إِلَى شَرّ مَا كَانَا عَلَيْهِ من الْعَدَاوَة فمكر عَمْرو بعمارة فَقَالَ يَا عمَارَة إِنَّك رجل جميل فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَة النَّجَاشِيّ فَتحدث عِنْدهَا إِذا خرج زَوجهَا فَإِن ذَلِك عون لنا فِي حاجتنا فراسلها عمَارَة حَتَّى دخل عَلَيْهَا فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا انْطلق عَمْرو إِلَى النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُ إِن صَاحِبي هَذَا صَاحب نسَاء وَإنَّهُ يُرِيد أهلك فَاعْلَم علم ذَلِك فَبعث النَّجَاشِيّ فَإِذا عمَارَة عِنْد امْرَأَته فَأمر بِهِ فَنفخ فِي أحليله ثمَّ القى فِي جَزِيرَة من الْبَحْر فجن واستوحش مَعَ الْوَحْش وَرجع عَمْرو الى مَكَّة قد أهلك الله صَاحبه وَخيَّب مسيره وَمنعه حَاجته وَورد نَحْو ذَلِك من طرق موصوله عَن ابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَأم سَلمَة

بَاب مَا وَقع فِي قصَّة الصَّحِيفَة من الْآيَات

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ إِن الْمُشْركين اشتدوا على الْمُسلمين كأشد مَا كَانُوا حَتَّى بلغ الْمُسلمين الْجهد وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْبلَاء حِين هَاجر الْمُسلمُونَ إِلَى النَّجَاشِيّ وبلغهم إكرامه إيَّاهُم وَاجْتمعت قُرَيْش أَن يقتلُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَانيَة فَلَمَّا رأى ابو طَالب عمل الْقَوْم جمع بني عبد الْمطلب وَأمرهمْ ان يدخلُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شِعْبهمْ ويمنعوه مِمَّن ارادوا قَتله فَاجْتمعُوا على ذَلِك مسلمهم وكافرهم فَلَمَّا عرفت قُرَيْش ان الْقَوْم قد منعُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَاجْتمعُوا فَأَجْمعُوا امرهم ان لَا يجالسوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يدخلُوا بُيُوتهم حَتَّى يسلمُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للْقَتْل وَكَتَبُوا فِي مَكْرهمْ صحيفَة وعهودا ومواثيق لَا يقبلُوا من بني هَاشم أبدا صلحا حَتَّى يسلموه للْقَتْل فَلبث بَنو هَاشم فِي شِعْبهمْ ثَلَاث سِنِين وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْبلَاء والجهد وَقَطعُوا عَنْهُم الْأَسْوَاق فَلَا يتركون طَعَاما يقدم مَكَّة وَلَا بيعا إِلَّا بادروهم إِلَيْهِ فاشتروه فَلَمَّا كَانَ رَأس ثَلَاث سِنِين تلاوم رجال من بني عبد منَاف وَمن بني قصي وَرِجَاله سواهُم من قُرَيْش قد ولدتهم نسَاء من بني هَاشم وَرَأَوا انهم قد قطعُوا الرَّحِم واستخفوا بِالْحَقِّ وَأَجْمعُوا أَمرهم من ليلتهم على نقض مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ من الْغدر والبراءة مِنْهُ وَبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحست كل مَا كَانَ فِيهَا من عهد وميثاق وَكَانَت معلقَة فِي سقف الْبَيْت فَلم تتْرك إسما لله فِيهَا إِلَّا لحسته وَبَقِي مَا

ص: 249

كَانَ فِيهَا من شرك أَو ظلم اَوْ قطيعة رحم واطلع الله رَسُوله على الَّذِي صنع بصحيفتهم فَذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طَالب فَقَالَ أَبُو طَالب لَا والثواقب مَا كَذبَنِي فَانْطَلق يمشي بعصابة من بني عبد الْمطلب حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد وَهُوَ حافل من قُرَيْش فَلَمَّا رَأَوْهُمْ عَامِدين بجماعتهم أَنْكَرُوا ذَلِك وظنوا انهم قد خَرجُوا من شدَّة الْبلَاء فَأتوا ليعطوهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَتكلم أَبُو طَالب فَقَالَ قد حدثت امور بَيْنكُم لم نذكرها لكم فَأتوا بصحيفتكم الَّتِي تعاهدتم عَلَيْهَا فَلَعَلَّهُ ان يكون بَيْننَا وَبَيْنكُم صلح وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك خشيَة ان ينْظرُوا فِي الصَّحِيفَة قبل ان يَأْتُوا بهَا فَأتوا بصحيفتهم معجبين بهَا لَا يَشكونَ ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعا اليهم فَوَضَعُوهَا بَينهم فَقَالَ ابو طَالب إِنَّمَا أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فِيهِ نصف أَن ابْن أخي قد أَخْبرنِي وَلم يكذبنِي ان الله بَرِيء من هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي فِي أَيْدِيكُم ومحا كل اسْم هُوَ لَهُ فِيهَا وَترك فِيهَا غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا بالظلم فان كَانَ الحَدِيث الَّذِي قَالَ ابْن اخي كَمَا قَالَ فأفيقوا فوَاللَّه لَا يسلم أبدا حَتَّى نموت من عِنْد آخِرنَا وَإِن كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلا رفعناه إِلَيْكُم فقتلتم أَو استحييتم قَالُوا قد رَضِينَا بِالَّذِي تَقول ففتحوا الصَّحِيفَة فوجدوا الصَّادِق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد اخبر خَبَرهَا فَلَمَّا رأتها قُرَيْش كَالَّذي قَالَ قَالُوا وَالله إِن كَانَ هَذَا قطّ إِلَّا سحر من صَاحبكُم فَقَالَ اولئك النَّفر من بني عبد الْمطلب ان الأولى بِالْكَذِبِ وَالسحر غَيرنَا فَإنَّا نعلم ان الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ من قطيعتنا اقْربْ الى الجبت وَالسحر وَلَوْلَا انكم اجْتَمَعْتُمْ على السحر لم تفْسد صحيفتكم وَهِي فِي أَيْدِيكُم طمس الله مَا كَانَ فِيهَا من اسْم لَهُ وَمَا كَانَ من بغى تَركه أفنحن السَّحَرَة أم أَنْتُم فَقَالَ عِنْد ذَلِك النَّفر من بني عبد منَاف وَبني قصي نَحن برءاء من هَذِه الصَّحِيفَة وَخرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم ورهطه فعاشوا وخالطوا النَّاس

وَقَالَ ابْن سعد أَنا مُحَمَّد بن عمر حَدثنِي الحكم بن الْقَاسِم عَن زَكَرِيَّا بن عمر وَعَن شيخ من قُرَيْش ان قُريْشًا لما كتبت الصَّحِيفَة وَمَضَت ثَلَاث سِنِين أطلع الله نبيه على أَمر صحيفتهم وَأَن الأرضة قد أكلت مَا كَانَ فِيهَا من جور وظلم وَبَقِي مَا كَانَ

ص: 250

فِيهَا من ذكر الله فَذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طَالب فَقَالَ وَالله مَا كَذبَنِي ابْن أخي قطّ ثمَّ خرج إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم فجيء بالصحيفة فَوجدت كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسقط فِي ايدي الْقَوْم ونكسوا على رؤوسهم فَقَالَ ابو طَالب يَا معشر قُرَيْش علام نحصر ونحبس وَقد بَان الْأَمر وَتبين انكم اولى بالظلم والقطيعة والإساءة

وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام وَعُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا لما بلغ قُريْشًا فعل النَّجَاشِيّ بِجَعْفَر وَأَصْحَابه وإكرامه إيَّاهُم كبر ذَلِك عَلَيْهِم وَكَتَبُوا كتابا على بني هَاشم ان لَا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يخالطوهم وَكَانَ الَّذِي كتب الصَّحِيفَة مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْعَبدَرِي فشلت يَده وعلقوا الصَّحِيفَة فِي جَوف الْكَعْبَة وحصروا بني هَاشم فِي شعب أبي طَالب لَيْلَة هِلَال الْمحرم سنة سبع من حِين تنبأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَطعُوا عَنْهُم الْميرَة والمادة فَكَانُوا لَا يخرجُون إِلَّا من موسم إِلَى موسم حَتَّى بَلغهُمْ الْجهد فَقَالَ من سَاءَهُ ذَلِك من قُرَيْش انْظُرُوا مَاذَا أصَاب مَنْصُور بن عِكْرِمَة فأماموا فِي الشّعب ثَلَاث سِنِين ثمَّ اطلع الله رَسُوله على أَمر صحيفتهم وَأَن الأرضة قد أكلت مَا فِيهَا من جور وظلم وَبَقِي مَا كَانَ فِيهَا من ذكر الله

وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة وَمُحَمّد بن عَليّ قَالَا أرسل الله على الصَّحِيفَة دَابَّة فَأكلت كل شَيْء فِيهَا إِلَّا اسْم الله وَفِي لفظ إِلَّا بِاسْمِك اللَّهُمَّ

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزبير بن بكار قَالَ قَالَ أَبُو طَالب فِي قصَّة الصَّحِيفَة

(ألم يأتكم أَن الصَّحِيفَة مزقت

وَأَن كل مَا لم يرضه الله يفْسد) فِي أَبْيَات أخر

ص: 251