الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع: تدبره من أجل الامتثال له، والعمل بما فيه من الأوامر، واجتناب النواهي:
عن ابن مسعود رضي الله عنه في بيان المراد بقوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} (البقرة: 121)؛ قال: «والذي نفسي بيده، إنَّ حَقَّ تلاوته أن يُحِلَّ حلاله، ويُحرِّم حرامه، ويقرأَه كما أنزله الله» (1).
وعن عكرمة: «يَتَّبِعُونه حَقَّ اتِّباعِه باتِّبَاعِ الأمر والنهي؛ فَيُحِلُّون حلاله، ويُحَرِّمُون حرامه، ويعملون بما تضمنه» (2).
(1) رواه ابن وهب (كما في تفسير القرآن من الجامع لابن وهب ص: 23)، وابن جرير في تفسيره (2/ 567، 569). وينظر: تفسير ابن كثير (1/ 403).
(2)
رواه الطبري في تفسيره (2/ 566) بنحوه مختصرًا.
(3)
رواه سعيد بن منصور (135 التفسير)، وابن المبارك في الزهد (793)، وعبد الرزاق في المصنف (5984)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (371)، وابن نصر في قيام الليل (المختصر ص: 76 - 77)، والفريابي في فضائل القرآن (177)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (34)، والخطيب في اقتضاء العلم العمل (180)، والبيهقي في الشعب (2408).
وبهذا نعلم أن تدبر القرآن يتنوع بحسب تنوع مَطَالِب المتدبرين.
كما يظهر أيضًا ما يقع للناس من التفاوت العظيم في باب التدبر، فمِن مُقِلٍّ ومُكْثِر.
ولكِنْ تأخُذُ الأذهانُ منهُ
…
على قَدْرِ القَرائحِ والفُهُومِ (1)
وفي هذا المعنى يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله: «والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص، وأن منهم من يفهم من الآية حُكْمًا أو حُكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام، أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سِيَاقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره، وأخص من هذا وألطف ضَمُّه إلى نصٍّ آخر مُتَعَلِّق به، فيَفهم من اقترانه به قَدْرًا زائدًا على ذلك اللفظ بمفرده.
وهذا باب عجيب من فهم القرآن لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به؛ وهذا كما فهم ابن عباس رضي الله عنهما من قوله:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (الأحقاف: 15)، مع قوله:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (البقرة: 233): أن المرأة قد تَلِد لستة أشهر» اهـ (2).
(1) ديوان المتنبي ص: 232.
(2)
إعلام الموقعين (3/ 126)، وأثر ابن عباس رضي الله عنهما رواه عبد الرزاق في مصنفه (13446) وغيره.
وإذا عرفت ما سبق، فإن من هذه الأنواع ما يصلح لعموم الناس، ومنها ما لا يُحسِنُه إلا العلماء، وبناء على ذلك فإن من الشَّطَط أن تتوجَّه الأذهان عند الحديث عن التدبر إلى استخراج المعاني واللطائف والنِّكات الدقيقة التي لم نُسْبَق إليها! ! فإن ذلك لا يصلح إلا للعلماء، لكنَّ المؤمن يتدبر ليُرَقِّق قلبه، ويتعرَّف مواطنَ العِبَر، ويَعْرِض نفسَه على ما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم من أوصاف المؤمنين، ويحذر من الاتصاف بصفات غيرهم، إلى غير ذلك مما ينتفع به، ويمكن حصوله لكلِّ من تدبر كتاب الله عز وجل.