الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - ما ينبغي أن تكون عليه تصوراتنا ونظرتنا للقرآن:
إن النظرة القاصرة، وفساد التصور تجاه القرآن الكريم، يُقْعِدان صاحبهما عن تدبر كتاب الله تعالى، وطلب الهدى منه، وذلك حينما ينظر بعضهم إلى القرآن باعتبار أنه مجرد كتاب مُقَدَّس يُتلى لتحصيل الأُجور، وربما لمجرد تحصيل البركة، فيضع المصحف في بيته أو مركبته، أو أنه ملجأ أرباب العِلَل والأدواء فَيَسْتَرْقُون به لكشف ما ألَمَّ بهم، أو أنه إنما يُقْرأ مجرد قراءة في المآتم أو افتتاح بعض المناسبات، أو أنه نزل ليعالج بيئة مُتَخَلِّفة يعبد أهلها الأصنام، فدعاهم إلى تركها وعبادة الله وحده دون ما سواه، فهو يعالج تلك الحِقْبَة الغابرة، ولا تَعَلُّق له بالواقع المعاصر وتعقيداته! ! إلى غير ذلك من التصورات الضيقة.
فمن كانت هذه نظرته إلى هذا الكتاب، فلا يُظَن به أنه سَيُقْبِل عليه بتدبر وتفهم؛ ليستخرج من كنوزه وهداياته؛ إذ الناس- كما قيل- أسرى لأفكارهم ومعتقداتهم.
والله تعالى قد وصف هذا الكتاب بقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89).
(1) السابق، ص:302.
واتلُ بفَهمٍ كتابَ اللهِ فيهِ أتَتْ
…
كلُّ العلومِ تَدَبَّرْهُ ترَ العَجَبا (1)
فينبغي النظر إليه باعتبار أنه كتاب هداية: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: 9)، يُحيي الله به موتى الأرواح:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (الأنعام: 122)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24)، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم: 1).
وإذا أردت أن تعرف عظمة هذا القرآن، وتأثيره في النفوس والمجتمعات، فتأمل ما وصفه الله تعالى به في مواضع كثيرة، حيث وصفه بأنه كريم، وحكيم، وعظيم، ومجيد، ومبارك، وعزيز، ومُهيمِن، وعلِيّ، وهُدى، ورحمة، وشفاء، ونور، وذِكْر، وموعظة، ورُوح، وتفصيل كل شيء، وبصائر، وأنه حق، وبرهان، إلى غير ذلك من الأوصاف.
كما سماه بالفرقان؛ لأنه يفرق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، وبالقرآن؛ لأنه جمع ثمرة الكتب قبله.
فالواجب أن يُقبل المسلم على كتاب ربه إقبالًا يليق بهذا القرآن العظيم، «ويعرف أنه سِيق لهداية الخلق كلهم، عالِمِهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم
…
فمن وُفِّق لذلك لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبُّرِه وتَفَهُّمه، وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه، ولوازمه وما تتضمنه
…
وما يدل عليه منطوقًا ومفهومًا، فإذا بَذَلَ وُسْعَه
(1) تفسير القرطبي (1/ 41).