الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أنواع الغلط، وأسباب وقوعه
الغلط: إما بزيادة، أو بنقصان، وإما بتقديم وتأخير، وإما بتغيير.
فأما الزيادة: فقد تكون من الناسخ أو المملي إذا كان رجل يُملي وآخر يكتب، إما عمدًا بقصد البيان ــ في زعمه ــ كأن يكون في الأصل حديث من طريق جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيزيد بعد جابر:"بن عبد الله". وفي نفس الأمر أنه جابر بن سمرة صحابي آخر، أو جابر بن يزيد الجعفي من أصاغر التابعين.
أو بقصد الأدب كأن يزيد بعد جابر: "رضي الله عنه". وكما يحكى عن بعضهم أنه وقع في كتاب عنده كلام عن "البتِّي" والمراد به: عثمان البتِّي أحد الفقهاء، فتصحفت عليه، فصارت "النبي"، فصحَّفها كذلك، وزاد:" صلى الله عليه وسلم "
(1)
.
أو بقصد إصلاح غلط ــ في زعمه ــ كأن يقع في الأصل حديث من طريق مالك عن نافع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيعلم أن نافعًا تابعي، وأن عامة روايته عن ابن عمر، فيظن أنه سقط من الأصل "عن ابن عمر"، فيزيدها ولا يبيِّن؛ أو لغير ذلك.
وإما سهوًا، كأن يكون قد عرف في المثال الأخير أن نافعًا يروي عن ابن عمر، فجرى قلمه بقوله:"عن ابن عمر" بدون روية.
وإما غلطًا. وأكثر ما يكون برجوعه إلى نظير الكلمة التي كتبها أو شبيهتها، فينشأ من ذلك التكرار. وكثيرًا ما يتنبه الناسخ بعد كتابة كلمة أو
(1)
انظر: التنبيه على حدوث التصحيف (92) وشرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف (90). ومدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي للطناحي (ص 294).
أكثر لخطائه
(1)
، فيرجع إلى الصواب، وينسى أن يضرب على ما زاده.
وقد ينشأ التكرار بتحوُّل العلامة كأن يُملي أو يكتب إلى موضع، ويضع عليه علامة، فتتحول العلامة إلى ما قبل، فيرجع إلى موضعها. ويكثر تحوُّلُها من موضع من سطر إلى ما يحاذي ذلك الموضع من السطر الذي قبله.
وقد يكون بإعادة المملي ما قد أملاه سابقًا وكتبه الناسخ، ظنًّا أن الناسخ لم يكتبه في المرة الأولى.
وقد يكرر المملي الكلمة أو الجملة توضيحًا للناسخ، فيظن الناسخ أنها مكررة في الأصل.
وقد يتكلم المملي عند الإملاء بكلام يخاطب به صاحبه أو نحو ذلك، ويظن أن الكاتب متنبه لذلك، فيتوهم الكاتب أنه من جملة الإملاء.
وقد وقع لنا شيء من ذلك، كان بعضنا يملي، فمرَّ باسم رجل للكاتب به علاقة، فذكر المملي اسمه، ثم قال:"صاحبك"، فكتبها الكاتب!
بل ربما سها الكاتب، فأدرج كلمة أو جملة تكلَّم بها بعض الحاضرين. وربما سها، فأدرج كلمة أو جملة كانت شاغلة لذهنه.
وكثيرًا ما يكون الغلط بإدراج ما في الحاشية في المتن، على توهم أنه لَحَق. أي أنه سقط على الناسخ الأول من الأصل، فأُلحق في الهامش أو بين السطور، والواقع أنه من تحشية بعض الناظرين على أنه نسخة، أو تفسير، أو
(1)
في الأصل: "كخطائه".
غير ذلك.
[5/أ] وأما النقصان، فقد يكون من المملي ومن الناسخ، إمَّا عمدًا لتوهُّم تكرار، كأن يقع في سنده:"عن خالد عن خالد"، فيظن أن الثانية تكرار، فيحذفها. والواقع أنه لا تكرار، وخالد الثاني غير الأول، بل هو شيخه.
وإما سهوًا، كأن يكون في الأصل:"أبو هريرة عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "، فيريد أن يكتبها، فيجري قلمه بإسقاط "عن الفضل بن عباس" جريًا على الغالب.
وإما غلطًا. وعامة ما تقدم في أسباب الغلط بالزيادة يجيء نظيره في الغلط بالنقصان، فتدبر!
وأما التقديم والتأخير، فقد يكون من المملي ومن الناسخ، إما عمدًا كأن يقع في الأصل:"حديث الجساسة الذي رواه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تميم الداري" فيرى أن هذا غلط، فيقلبه.
وكأن يقع في الكتاب: "العجاج بن رؤبة"، فيرى أن الصواب "رؤبة بن العجاج".
وإما سهوًا، كأن يريد أن يكتب "العجاج بن رؤبة" كما في الأصل، فيجري قلمه:"رؤبة بن العجاج".
وإما غلطًا، كأن ينتقل النظر، أو تتحول العلامة إلى موضع متأخر، ثم يتنبَّه لذلك، فلا يضرب عليه، ولكن يكتب ما فات، ويُعلِم عليه علامة التقديم والتأخير. وقد يغفل عن كتابة العلامة، أو لا تكون واضحة.
وكأن يكون في متن الأصل سقطٌ قد أُلحق بين السطور أو بالهامش،