الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يلزمه التنبيه على ما في الكتب الأخرى، لأنه غير مكلف بتصحيحها؛ اللهم إلَّا أن يكون وجه صحة ما في الأصل خفيًّا، ويخشى أن يتعقبه متعقب بما في الكتب الأخرى، فينبغي في مثل هذا أن ينبه على ما في الكتب الأخرى، مع بيان الدليل على صحة ما في الأصل.
فأما اختلاف الأصول، فلابد من التنبيه عليه على كل حال، اللهم إلَّا أن يكون منها أصل رديء كثير الأغلاط، فيشق التنبيه عليها تفصيلًا؛ فيكفيه التنبيه الإجمالي في مقدمة الطبع بأن يذكر ذاك الأصل الرديء وكثرة أغلاطه وأنه لم يلتزم التنبيه عليها تفصيلًا.
وكذلك لا يلزمه التنبيه على الاختلافات الصورية، كالاختلاف في الرسم مثل إبراهيم بألف وبدونها، وإهمال النقط ونحو ذلك. والمردُّ إلى اجتهاده، فما رأى أن للتنبيه عليه فائدة نبَّه عليه، وما لا فلا.
تنبيه:
إذا حكى المؤلف عن غيره كلامًا فلابد من رعاية ما عند المحكى عنه وإن خالف ما عند المؤلف
، لأن الظاهر أن المؤلف حكى كلام ذاك الرجل بأمانته. فإذا حكى ابن أبي حاتم مثلًا في كتابه عن البخاري كلامًا يتعلق بعرابي بن معاوية، فالظاهر أن اسم عرابي يكون في ذاك الكلام بالغين المعجمة. فإن وقع في أصل كتاب ابن أبي حاتم بالمهملة وجب إثباته في متن المطبوع بالمعجمة، والتنبيه في الحاشية على ما وقع في الأصل [ص 39] وعلى الحامل على مخالفته. لكن إذا احتمل احتمالًا قويًّا أن يكون ابن أبي حاتم جهل ما عند البخاري، أو تصرف في عبارته فغيَّر بعض ما فيها، ففي
هذا يُثبَت في متن المطبوع كما في الأصل، وينبه في الحاشية على ما عند البخاري.
فصل
الوفاء بما تقدم ليس بالأمر السهل، فينبغي أن نشرح الأمور الضامنة للوفاء به:
1 -
ينبغي أن يكون المصحح متمكنًا من العربية والأدب وعلم رسم الخط، متمكنًا من فن الكتاب، مشاركًا في سائر الفنون، واسع الاطلاع على كتب الفن، عارفًا بمظان ما يتعلق به من الكتب الأخرى، كأن يعرف أن من مظان ضبط الأسماء والأنساب الغريبة:"لسان العرب" و"القاموس" و"شرحه"، وأن من مظان تراجم التابعين:"الإصابة" فإنها تقسم كل باب إلى أربعة أقسام: الأول الصحابة الثابتة صحبتهم، والثلاثة الأخرى غالبها في التابعين.
2 -
ينبغي أن يكون العمل في المُسوَّدة قد جرى على ما تقدم في الباب الأول، لتكون اختلافات النسخ ماثلة أمام المصحح؛ ثم لا يغنيه ذلك عن حضور الأصول أمامه ليراجعها عند الحاجة.
3 -
ينبغي أن يحضر عنده ما أمكن إحضاره من كتب الفن وما يقرب منها. فإذا كان الكتاب في فن الرجال احتيج إلى حضور كتب الحديث والتفسير المسند كـ"تفسير ابن جرير" والسير والتواريخ ــ ولاسيما المرتبة على التراجم ــ[ص 40] و"الأغاني" و"لسان العرب" و"شرح القاموس" ومعاجم الشعراء والأدباء والنحاة والقضاة والأمراء والأشراف والبخلاء
وغيرهم، ومن كتب الأدب ككتب الجاحظ و"كامل" المبرد و"معارف" ابن قتيبة و"عيون الأخبار" له و"أمالي القالي".
وبالجملة ينبغي أن تكون بحضرته مكتبة واسعة في جميع الفنون، ويكون عارفًا بمواضع الكتب منها، ويرتبها في القرب منه على حسب ما يعرف من مقدار الحاجة إليها، فيكون أقربها إليه ما تكثر الحاجة إليه، ثم ما يلي ذلك على درجاته.
الرسالة الثانية
أصول التصحيح العلمي
(مسوَّدة)
[2/أ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله كما يحب ويرضى. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى. وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ورسوله المجتبى.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم. وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإنني عُنيت زمانًا بتصحيح الكتب وإعدادها للطبع، ثم بتصحيحها حال الطبع، فتبيَّن لي بطول الممارسة غالبُ ما يحتاج إليه في هذه الصناعة. وخبرتُ أحوال جماعة من المصححين، وتصفحتُ مع ذلك كثيرًا من الكتب التي تُطبع في مصر وغيرها، وعرفتُ ما اعتمده مصححوها. ورأيتُ مع ذلك أن أكثر الناس متهاونون
(1)
بهذه الصناعة: يرون أنه يكفي للقيام بها اليسيرُ من العلم، واليسيرُ من العمل! فأحببت أن أجمع رسالة في التصحيح، أشرح فيها ما يتعلق به. ومن الله تعالى أستمدُّ المعونة والتوفيق.
(1)
في الأصل: "منهاوتون".