الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الحادية والثلاثون: أصل الدين وقاعدته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فإن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإِيمان بالله، قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيدًا} [النساء: 116].
قال الشيخ الإِمام محمد بن عبد الوهاب: «وصفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها، وتكفر أهلها وتعاديهم، وأما معنى الإِيمان بالله: أن تعتقد أن الله هو الإِله المعبود وحده دون ما سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإِخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم، وهذه ملة إبراهيم عليه السلام التي سفه نفسه من رغب عنها» .
وهذا هو توحيد العبادة، وهو دعوة الرسل إذ قالوا لقومهم:{اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
فلا بد من نفي الشرك في العبادة رأسًا والبراءة منه وممن فعله، كما قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26 - 27]، فلا بد من البراءة من عبادة ما كان يُعبد من دون الله، وقال الله عنه:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} [مريم: 48]. فيجب اعتزال الشرك وأهله والبراءة منهما، كما صرح به في قوله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَأَىَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
والذين معه هم الرسل كما ذكره ابن جرير، وهذه الآية تتضمن التحريض على التوحيد، ونفي الشرك، والموالاة لأهل التوحيد، وتكفير من تركه بفعل الشرك المنافي له، فإن من فعل الشرك فقد ترك التوحيد.
والعروة الوثقى: هي شهادة أن لا إله إلا الله، وهي متضمنة للنفي والإِثبات، نفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له»
(1)
. اهـ.
وبيّن في موضع آخر أن أَصل الدِّين وقاعدته أمران:
الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه، وتكفير من تركه، وأدلة هذا في القرآن كثيرةٌ جدًّا، كقوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
فأمر الله تعالى نبيه أن يدعو أهل الكتاب إلى معنى لا إِله إلا الله الذي دعا إِليه العرب وغيرهم، والكلمة هي لا إِله إلا الله، فسرها
(1)
مجموعة التوحيد (ص: 11، 14).
بقوله: {أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ} ، فقوله:{أَلَاّ نَعْبُدَ} ، فيه معنى لا إِله، وهو نفي العبادة عما سوى الله، وقوله:{إِلَاّ اللهَ} ، هو المستثنى في كلمة الإِخلاص، فأمره تعالى أن يدعوهم إلى قصر العبادة عليه وحده، ونفيها عمن سواه». فإنهما ضدان لا يجتمعان، فمتى وجد الشرك انتفى التوحيد، وقال تعالى في حق من أشرك:{وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزمر: 8].
فكفره تعالى باتخاذ الأنداد وهم الشركاء في العبادة، وأمثال هذه الآيات كثير، فلا يكون المرء موحدًا إلا بنفي الشرك والبراءة منه وتكفير من فعله.
الثاني: الإِنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه، وتكفير من فعله، فلا يتم مقام التوحيد إلا بهذا، وهو دين الرسل أنذروا قومهم عن الشرك، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأحقاف: 21].
والشرك محبط لجميع الأعمال صغيرها وكبيرها، ولا يقبل الله من المشرك صرفًا ولا عدلاً ولا فرضًا ولا نفلاً.
قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
وقال عن أنبيائه وأحبابه: {ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].
وإنَّ مما تقشعر منه القلوب والأبدان، وهو منذر بخطر عظيم، يداهم الأمة في أفضل ما تملكه وتعتز به، ألا وهو ما يبثه الكفرة أعداء الإِسلام عبر القنوات الفضائية وغيرها من الوسائل، من الدعايات الهدامة التي تسعى إلى تشكيك المسلمين في دينهم وتدعوهم بمكر ودهاء إلى الانسلاخ منه، فالحذر من ذلك، إضافة إلى الأخطار الكثيرة التي لا يمكن الخلاص منها إلا بما سبق ذكره من تحقيق التوحيد والتمسك به، ومعرفة الشرك والكفر والحذر منهما، والبراءة من أهلهما.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.