الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الثامنة والستون: الطلاق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وأَشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له، وأَشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فمن الظواهر الاجتماعية السيئة التي انتشرت بين الناس في هذه الأيام كثرة حالات الطلاق، ففي إحصائية لمعدل حالات الطلاق في مدينة الرياض فقط وصل العدد إلى اثنين وثلاثين وأربعمئة حالة شهريًا، وهذا رقم مرتفع جدًّا يدل على خطورة الأمر، إِن لم يتدارك.
ولذلك وجب على العلماء والدعاة وطلبة العلم تحذير الناس من هذا الأمر، وبيان خطورته، لما يترتب عليه من مفاسد من تشتت الأسر، وضياع الأولاد، وتقطع وشائج الأصدقاء والأرحام وغير ذلك، وقد رغّب الشارع في الإِبقاء على الحياة الزوجية، ونهى عن كل ما يعرضها للزوال، فأَمر بالمعاشرة بالمعروف، ولو مع الكراهة، قال تعالى:
…
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً} [النساء: 19].
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على النساء، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ أَعْوَجَ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ
أَعْلَاهُ، فَإِن ذَهَبْتَ تُقِيْمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَم يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»
(1)
.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيْءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيْءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ» قَالَ الأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ»
(2)
.
ودور المرأة في حدوث حالات الطلاق أكبر من الرجل، فهي تتحمل ما نسبته 65 % من حالات الطلاق تقريبًا، وذلك لعدم الصبر والتحمل والاحتساب عند غالبيتهن، فيقارن أنفسهن بمن هن أحسن منهن حالاً في المعيشة، فيدعوهن ذلك إلى التمرد على أزواجهن، سواء باختيارهن أو بتحريض من الآخرين كالفضائيات، أو بعض وسائل الإِعلام المختلفة، ولجوء هذه الوسائل إلى إفهام الزوجة بين الفينة والأخرى إلى أن الزوج متسلط وظالم، وقد سلبها حقوقها وحريتها، ولم يجعلها تواكب العصر، ومطالبتهم لمن هذه حالها بالتمرد على زوجها ومجتمعها، ودينها، بأساليب خبيثة، فتبدأ بعدم الاستجابة لمطالبه التي أوجبها الله عليها، وتضجره وتشغله بالمشاكل حتى يضيق بها ذرعًا، ويلجأ إلى التخلص من هذه المشاكل بالطلاق.
أما الأسباب الأخرى التي عرفتها بعد السؤال والتحرِّي فهي كالآتي:
أولاً: أن بعض حالات الطلاق في السنة الأولى من الزواج
(1)
صحيح البخاري برقم (5186)، وصحيح مسلم برقم (1468).
(2)
صحيح مسلم برقم (2813).
لعدم المعرفة بين الزوجين من قبل، وذلك لعدم الرؤية الشرعية، أو لإِخفاء العمر أو إخفاء بعض العيوب، أو التسرع في اتخاذ قرار الطلاق وعدم التروي فيه، أو لعدم سؤال أحدهما عن الآخر، فعندما تتكشف الأمور يلجأ أحدهما إلى الانفصال، ولذلك شرع التحري لكل من الزوجين والسؤال عن خلقه ودينه.
ثانيًا: أن يُصاب الزوجان أو أحدهما بالسحر أو بالعين فيصير أحدهما لا يحتمل الآخر ولا يطيق النظر إليه، وفي هذه الحالة ينبغي أن يلجأ كل منهما إلى الله تعالى بإخلاص الدعاء، والمحافظة على الرقى الشرعية والأدعية النبوية.
ثالثًا: أن بعض الشباب المتزوجين في مقتبل العمر، لا يحسون بالمسؤولية لأنهم لم يتحملوا تكاليف الزواج، ولذلك يتسرعون في اتخاذ قرار الطلاق، ولذلك ينبغي على ولي المرأة أن يتحرى عن حال الخاطب قبل الزواج.
رابعًا: تخلي بعض الأزواج عن مسؤولية أولادهم، ورمي الحمل على الزوجات، أو الغياب المتكرر عن المنزل، أو السهر إلى أوقات متأخرة من الليل، أو الانحراف، أو عدم الإِنفاق أو الاضطهاد، فتضطر الزوجة إلى طلب الطلاق أو العكس عندما يكون ذلك من الزوجة.
خامسًا: تدخلات الوالدين أو الأقارب في مشاكل الزوجين، فيفسدون حياتهما بحسن أو بسوء نية.
سادسًا: تحميل الزوجة لزوجها فوق طاقته، وعدم قناعتها بالنفقة والسكن، أو مطالبته بالتغاضي عن مخالفتها، كالخروج من بيته بدون إذنه، أو عدم القيام بواجباتها الشرعية نحوه.
سابعًا: اضطرار بعض المتزوجين بأكثر من زوجة إلى الطلاق لطلب الزوجة الأولى أو أهلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فبعض وسائل الإِعلام تُحرِّض الزوجة على ترك بيتها عندما يلجأ زوجها إلى التعدد، وتعتبر أن ذلك خيانة زوجية وظلم لها ولأولادها حتى لو كان الزوج عادلًا.
ثامنًا: استيلاء بعض الأزواج على رواتب زوجاتهم العاملات، فيؤدِّي ذلك إلى إثارة المشاكل، وبالتالي إلى الطلاق، وهذا لا يجوز.
عن أبي حرة الرقاشي عن عمه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَاّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»
(1)
.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الزوج إذا اضطر إلى الطلاق، فعليه أن يراعي الأمور التالية:
أولاً: أن يستخير الله تعالى، ويستشير الصالحين الناصحين من أقاربه وإخوانه، ولا يقدم على الطلاق إلَا لأسباب واضحة توجب ذلك.
ثانيًا: أن يكون الطلاق في حال طهر لم يجامعها فيه أو حاملاً.
ثالثًا: عليه ألا يزيد في الطلاق على واحدة اتباعًا للسنة.
رابعًا: ألا تخرج المرأة من بيتها، ولا يخرجها زوجها ما دامت في العدة.
فربما كان ذلك سببًا في صلاح حالهما، ومراجعة أحدهما للآخر
(1)
قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (34/ 299 - 300) برقم (20695)، وقال محققوه: صحيح لغيره.
كما أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.