المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الخامسة والأربعون: النهي عن الإسراف - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٢

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الحادية والثلاثون: أصل الدين وقاعدته

- ‌الكلمة الثانية والثلاثون: فوائد من قوله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثون: دروس وعبر من قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثون: أكل المال الحرام

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثون: وقفة مع آيات من كتاب الله

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون: وقفة مع قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ}

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون: شرح حديث: «بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ»

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون: سورة التكاثر

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون: سورة الإِخلاص

- ‌الكلمة الأربعون: وقفة مع قوله تعالى {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ}

- ‌الكلمة الحادية والأربعون: وقفة مع حديث وفاة أبي طالب

- ‌الكلمة الثانية والأربعون: تأملات في قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون: الولاء والبراء في الإِسلام

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون: مقتطفات من سيرة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون: النهي عن الإِسراف

- ‌الكلمة السادسة والأَربعون: وقفة مع قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}

- ‌الكلمة السابعة والأربعون: آفة السهر

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون: الحج وجوبه وفضله

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون: نواقض الإِسلام العشرة

- ‌الكلمة الخمسون: سوء الخاتمة

- ‌الكلمة الحادية والخمسون: الوقت وخطر السفر إلى الخارج

- ‌الكلمة الثانية والخمسون: التوكل

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون: مبطلات الأعمال

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون: الأجل والرزق

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون: الخشوع في الصلاة

- ‌الكلمة السادسة والخمسون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الكلمة السابعة والخمسون: الصلاة ومكانتها في الإِسلام

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون: مقتطفات من سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون: مقتطفات من سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الكلمة الستون: الصبر

- ‌الكلمة الحادية والستون: عذاب القبر ونعيمه

- ‌الكلمة الثانية والستون: فضل الدعوة إلى الله

- ‌الكلمة الثالثة والستون: تربية الأبناء

- ‌الكلمة الرابعة والستون: خطورة الاستهزاء بالدِّين

- ‌الكلمة الخامسة والستون: وقفة مع حديث شريف

- ‌الكلمة السادسة والستون: زكاة الفطر

- ‌الكلمة السابعة والستون: سورة العصر

- ‌الكلمة الثامنة والستون: الطلاق

- ‌الكلمة التاسعة والستون: لذة العبادة

- ‌الكلمة السبعون: أسباب الثبات على الدين

الفصل: ‌الكلمة الخامسة والأربعون: النهي عن الإسراف

‌الكلمة الخامسة والأربعون: النهي عن الإِسراف

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأَشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له، وأَشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:

فمن الصفات المذمومة التي نهى الشارع عنها صفة الإِسراف:

قال الراغب: هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإِنسان وإِن كان ذلك في الإِنفاق أشهر

(1)

.

وقال سفيان بن عيينة: ما أنفقت في غير طاعة الله سرف وإِن كان ذلك قليلاً

(2)

.

قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

والإِسراف يتناول المال وغيره، قال تعالى محذرًا عباده من الإِسراف:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

قال بعض السلف: جمع الله الطب في نصف آية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا

}

(3)

.

وقال تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].

(1)

موسوعة نضرة النعيم (9/ 3884).

(2)

موسوعة نضرة النعيم (9/ 3894 - 3895).

(3)

تفسير ابن كثير (6/ 288).

ص: 251

قال عطاء بن أبي رباح قال: نهوا عن الإِسراف في كل شيء

(1)

.

قال ابن كثير: «أي لا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن»

(2)

.

روى النسائي في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ»

(3)

(4)

.

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ»

(5)

.

وروى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»

(6)

.

وفرَّقَ بعض العلماء بين التبذير والإِسراف الذي جاء النهي عنه في قوله تعالى: {إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 27]. فقالوا: «إن التبذير هو صرف الأموال في غير حقها، إما في المعاصي؛ وإما في غير فائدة لعبًا وتساهلاً بالأموال، أما الإِسراف

(1)

تفسير ابن كثير (6/ 190).

(2)

تفسير ابن كثير (6/ 190).

(3)

مخيلة هي العجب والكبر.

(4)

رواه النسائي برقم (2559)، ورواه البخاري معلقاً مجزوماً به (ص: 1132).

(5)

رواه البخاري معلقاً مجزوماً به (ص: 1132) باب قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32].

(6)

سنن الترمذي برقم (2380) وقال: حديث حسن صحيح، وحسنه الحافظ في فتح الباري (9/ 528).

ص: 252

فهو الزيادة في الطعام والشراب واللباس في غير حاجة».

قال تعالى مادحًا عباده المقتصدين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].

قال ابن كثير رحمه الله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم، فلا يكفونهم، بل عدلاً خيارًا، وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا

(1)

. اهـ.

وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]، وهذا هو التوسط المأمور به، لا بخل، ولا إمساك ولا إِسراف ولا تبذير، لكن بين ذلك، قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى آمرًا بالاقتصاد في العيش ذامًا للبخل ناهيًا عن الإِسراف: لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، أي لا تكن بخيلاً منوعًا لا تعطي أحدًا شيئًا، ولا تبسطها كل البسط، أي: ولا تسرف في الإِنفاق فتعطي فوق طاقتك؛ وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملومًا محسورًا، أَي فتقعد إن بخلت ملومًا يلومك الناس، ويذمونك، ويستغنون عنك، كما قال زهير بن أبي سُلمى في المعلقة:

وَمَنْ كَانَ ذَا مَالٍ فَيَبْخَلُ بِمَالهِ

عَلى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَم

ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه، فتكون كالحسير، وهي الدّابة التي عجزت عن السير. اهـ

(2)

.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، وما تصدقت به فهو لك، وما أنفقت رياء وسمعة

(1)

تفسير ابن كثير (10/ 322).

(2)

تفسير ابن كثير (3/ 63).

ص: 253

فذلك حظ الشيطان

(1)

.

وقال ابن الجوزي: العاقل يدبر بعقله معيشته في الدنيا، فإِن كان فقيرًا اجتهد في كسب وصناعة تكُفّه عن الذل للخلق، وقلل العلائق واستعمل القناعة، فعاش سليمًا من منن الناس عزيزًا بينهم، وإِن كان غنيًا فينبغي له أن يدبر في نفقته، خوفَ أن يفتقر فيحتاج إلى الذل للخلق

» إلى آخر ما قال

(2)

.

وينبغي أن ينتبه لأمر، وهو أن الإِنفاق في الحق لا يُعَدُّ تبذيرًا، قال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مدًّا في غير حق كان مبذرًا

(3)

.

ومن الإِسراف الذي يقع فيه بعض الناس: الإِسراف في الولائم وحفلات الزواج وغيرها من المناسبات صغيرة أو كبيرة، حيث تقدم بها الأطعمة أكثر من الحاجة.

ومنها الإِسراف في استخدام نعمة الماء، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ

(4)

»

(5)

.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يزيد على وضوئه ثلاث مرات.

روى النسائي في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوء ثلاثًا، ثلاثًا، ثم قال: «هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ

(1)

الدر المنثور (5/ 275).

(2)

صيد الخاطر (ص: 404).

(3)

تفسير ابن كثير (8/ 475).

(4)

المد ملء كفي الرجل الممتلئ.

(5)

صحيح البخاري برقم (201)، وصحيح مسلم برقم (325).

ص: 254

أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ

(1)

».

ومنها: الإِسراف في استخدام نعمة المال. روى البخاري في صحيحه من حديث خولة الأنصارية قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(2)

ويدخل في هذا الحديث الذين يسافرون إلى بلاد الكفار، فينفقون المبالغ الطائلة في تلك الرحلات، وهم بهذا جمعوا بين معصيتين الأولى: السفر إلى بلاد الكفار، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

روى الترمذي في سننه من حديث جرير رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا»

(3)

.

الثانية: دعم اقتصاد هذه الدول الكافرة بهذه الأموال التي تنفق فيها.

روى الترمذي في سننه من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ »

(4)

الحديث. وغير ذلك من الصور.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

سنن النسائي برقم (140)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/ 31) برقم (136).

(2)

صحيح البخاري برقم (3118).

(3)

سنن الترمذي برقم (1604)، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (1461).

(4)

سنن الترمذي برقم (2426) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 255