الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الثامنة عشرة: الأسواق: نصائح وأحكام
رقم (1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فما زالت الأسواق منذ القدم هي مجامع الناس يتبادلون فيها البضائع والسلع، وقد تطورت في العهد الجاهلي، خصوصًا الأسواق السنوية كسوق عكاظ، فأصبحت محلًا لتبادل الثقافات وإظهار المناقب، والافتخار بالفضائل، ومع ذلك فقد كانت مضبوطة بقوانين وآداب تكفل الحقوق لمرتاديها، حتى إن الرجل ليلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يهجيه، فلما جاء الله بالإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بأهل السوق فيأمرهم وينهاهم ويقول:«مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»
(1)
. ويأمر بترجيح الميزان، وقد كان الصحابة في عصره والسلف من بعدهم يحتسبون على أهل الأسواق حتى صار ذلك سنة متبعة في أسواق المسلمين، ثم كثرت الأسواق في أزمان متأخرة، وتغيرت الحال، وارتكبت المحرمات، وجرى الخلل في الآداب، وصار الاحتساب على أهل الأسواق من التدخل في الأمور الخاصة، وعظم الأمر إلى أحياء أسواق الجاهلية لكن دون ضوابطها الأخلاقية، فأصبحت مجمعًا للرقص
(1)
صحيح مسلم برقم (101).
والغناء واختلاط الرجال بالنساء، فالله المشتكى من غربة الدين، وقلة الناصرين، وتغلب المفسدين، وإقصاء المصلحين.
وحيث إن الأصل في وجود الأسواق هو التجارة، وفيها ما يحل ويحرم، فإن ما حرم الله منها ممحوق البركة، وخيم العاقبة، قال الله تعالى:{يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث كعب بن عجرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا كَعْبُ! لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ»
(1)
.
ومن أنواع البيوع المحرمة: ما يختص بالنساء من الملابس الظاهرة التي تلبس خارج بيتها كالملابس الشفافة، أو العارية، أو المفتوحة، أو الضيقة كالبنطال، أو القصيرة التي تكشف بعض جسدها، أو الأحذية ذات الكعوب العالية.
روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ
(2)
.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صِنْفَانِ مِن أَهْلِ النَّارِ لَم أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُم سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُوْنَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيْلَاتٌ مَائِلَاتٌ،
(1)
قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (23/ 425) برقم (15284)، وقال محققوه: إسناده قوي على شرط مسلم.
(2)
برقم (4098)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير (2/ 907) برقم (5095).
رُؤُوْسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوْجَدُ مِن مَسِيْرَةِ كَذَا وَكَذَا»
(1)
.
ورد في فتوى اللجنة الدائمة في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ): هي أن تكتسي المرأة ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تلبس الثوب الرقيق الذي يشف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها، أو الثوب القصير الذي لا يستر بعض أعضائها، فالواجب على المسلمة الحرص على التستر والاحتشام، والتزام الهدي الذي عليه أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة والحذر من الوقوع فيما حرمه الله ورسوله من الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات والعاهرات، كما يجب على كل مسلم أن يتقي الله فيمن تحت ولايته من النساء، فلا يتركهن يلبسن ما حرمه الله ورسوله من الألبسة الخالعة والفاتنة، وليعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته يوم القيامة
(2)
. اهـ
ومنها: ما يسمى بالكاب، أو العباءة المزركشة، أو المخصرة.
«والعباءة الشرعية للمرأة وهي الجلباب، لا بد أن يتحقق فيها قصد الشارع من كمال الستر، والبعد عن الفتنة، وذلك أن تتوفر فيها المواصفات التالية:
1 -
أن تكون سميكة لا تظهر ما تحتها، ولا يكون لها خاصية الالتصاق.
(1)
برقم (2128).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 290 - 294)، باختصار.
2 -
أن تكون ساترة لجميع الجسم، واسعة لا تبدي تقاطيعه وتفاصيله.
3 -
أن تكون مفتوحة من الأمام فقط، وتكون فتحة الأكمام ضيقة.
4 -
ألا يكون فيها زينة تلفت إليها الأنظار، وعليه فلا بد من أن تخلو من الرسوم والزخارف، والكتابات، والعلامات.
5 -
ألا تكون مشابهة للباس الكافرات أو الرجال.
6 -
أن توضع العباءة على هامة الرأس ابتداء.
وعلى ذلك، فلا يجوز استيراد هذه العباءة، ولا تصنيعها، ولا بيعها وترويجها بين المسلمين؛ لأن ذلك من التعاون على الاثم والعدوان، والله تعالى يقول:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]»
(1)
.
تنبيه: كل ما يستعمل على وجه محرم أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه، واستيراده، وبيعه، وترويجه بين المسلمين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:«كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، ولهذا كره بيع الخبز، واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر، وبيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين بها على الخمر، والفاحشة، وكذلك كل مباح في الأصل عُلم أنه يستعان به على المعصية»
(2)
.
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 139 - 140) برقم (21352).
(2)
شرح العمدة، لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 386) باختصار.
ومن البيوع المحرمة ما يحرم لذاته، كبيع الدخان، ويلحق به ما يسمى بالشيشة أو الجراك، وآلات الطرب والمخدرات، والمسكرات، وصور ذات الأرواح، فلا يجوز التصوير إلا لضرورة، كصورة البطاقة، أو جواز السفر، أو غيره مما تدعو الضرورة والحاجة إليه. روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس: أن رجلًا جاء إليه وقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها، فقال له: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا حتى وضع يده على رأسه، قال: آتيك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسٌ تُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ»
(1)
. وقال: إن كنت لا بد فاعلًا فاصنع الشجر وما لا نفس له. قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157]. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ»
(2)
.
وإن من كبائر الذنوب المتاجرة بالجرائد، والمجلات، والأجهزة التي تحتوي على الأغاني الماجنة، والصور العارية، والتمثيليات المنحطة التي يختلط فيها الرجال والنساء مما ذاع وانتشر، حتى أفسد على الناس أخلاقهم، وأديانهم، المسلمون منهم والكفار كلهم على حد سواء، فبلغت بهم تلك الرذائل في الانحطاط إلى أنه لم يبق لديهم من الإنسانية إلا صورتها فقط، فأصبحوا محل السخرية، والاستذلال،
(1)
صحيح مسلم برقم (2110).
(2)
(5/ 55) برقم (2865)، وقال محققوه: حسن.
والإهانة من قبل إبليس وجنوده، الذي كان أول البنود في قانونه الذي وضعه لإغواء البشر، كشف العورات، ونزع الحياء منهم، قال تعالى عنه:{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 27].
ومن البيوع المحرمة: ما يباع على الكفار من اليهود، والنصارى، والرافضة وأعداء الإسلام مما يُستعان به على حرب المسلمين وأذيتهم، وقد يمثل ذلك ببيع العقارات، والأراضي، وغيرها من الممتلكات على الرافضة، أو اليهود، أو النصارى .. أو غيرهم من أعداء المسلمين مما يشكل تمكينًا لهم، وبسطًا لنفوذهم، وتقوية لهم في داخل بلاد المسلمين، وبالتالي يكون عونًا لهم في المستقبل على احتلال بلاد المسلمين، والقضاء عليهم كما يخططون، وقد أفتى الشيخ عبد الله ابن جبرين رحمه الله بعدم جواز بيع العقارات للرافضة إذا كانت في محيط أهل السنة، وفي القرى، والمدن التي أهلها من السنة، لأن ذلك يعينهم على إقامة شعائرهم الباطلة، وشركهم، وبدعهم، ويمكنهم من السيطرة على بلاد المسلمين
(1)
، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [المائدة: 2].
ومن البيوع المحرمة: ما كان فيه غش، أو كذب، أو تدليس على المشتري، أو يمين كاذبة. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»
(2)
.
(1)
الفتوى بختم وتوقيع الشيخ بتاريخ 1/ 7 / 1429 هـ.
(2)
برقم (101).
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:«الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ»
(1)
.
ومنها: ما كان فيه دعايات لجذب المشترين إلى المحلات، والأسواق، ويشتري الشخص السلعة لا لأجلها ولكن طمعًا في الحصول على الجائزة، وهو القمار الذي قال الله تعالى فيه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [المائدة: 90]. وكذلك هو أكل لأموال الناس بالباطل، قال تعالى:{وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188].
«سُئلت اللجنة الدائمة عن حكم الجوائز التي تعملها المحلات وبعض الأسواق لجذب الزبائن، فكانت الإجابة: إذا كان الواقع كما ذكر، فجعل ما يُعطى للمشترين باسم هدايا على هذا النظام حرام، لما فيه من المقامرة من أجل توزيع البضاعة وتنمية رأس المال بكثرة البيع، ولو كان ذلك بالأسعار التي تباع بها البضاعة عادة، ولما فيه من المضارة بالتجار الآخرين إلا إذا سلكوا نفس الطريقة فيكون في ذلك إغراء بالمقامرة من أجل رواج التجارة، وزيادة الكسب، ويتبع ذلك الشحناء، وإيقاد نار العداوة والبغضاء، وأكل المال بالباطل.
فمثلًا يشتري بعض الناس بمئتي ريال، ويواتيه حظه في الكرت
(1)
برقم (106).
المسحوب (بمسجل/ أو مكيف/ أو ثلاجة) ويشتري آخر بنفس القيمة ويكون حظه في الكرت المسحوب (ولاعة/ أو زجاجة عطر قيمتها عشرة ريالات أو عشرون ريالًا)»
(1)
.
وبعد .. فقد جرت عادة الدول بإنشاء وزارة تُعنى بأمور التجارة وتسهيل مهمتها فيما يعود على الناس بالنفع، والخير، ومنع ما يضرهم، فعليهم القيام بما يجب عليهم من ذلك، فإن المسؤولية عظيمة أمام الله، قال تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون} [الصافات: 24]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»
(2)
(3)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة (15/ 193) برقم (4005).
(2)
صحيح البخاري برقم (2558)، وصحيح مسلم برقم (1829).
(3)
ومن أراد التوسع في الموضوع، فليراجع رسالة المؤلف (التجارة والأسواق. نصائح وأحكام).