الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الرابعة والثلاثون: فضائل أهل البيت وحقوقهم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فإن لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مكانة رفيعة، وفضائل كثيرة ثبتت بالكتاب والسنة، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقال:«أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»
(1)
(2)
.
وقد اختلف العلماء في المراد بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ على عدة أقوال: والصحيح أنهم الذين حُرِّمَتْ عليهم الصدقة، وهو قول جمهور
(1)
جزء من حديث في صحيح مسلم برقم (2408).
(2)
العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، بشرح الشيخ ابن عثيمين بتصرف (2/ 274 - 275).
العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم، ورجحه ابن حزم، وابن تيمية، وابن حجر، وغيرهم. واختلفوا في تحديد من تحرم عليه الصدقة؟ على أقوال أشهرها قولان:
القول الأول: إنهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وهو قول ابن حزم، وابن حجر.
القول الثاني: إنهم بنو هاشم فقط، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وابن تيمية.
«والمراد ببني هاشم على الصحيح: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب، وأزواجه صلى الله عليه وسلم يدخلن في مفهوم آل محمد، بدليل قول الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 33 - 34].
فإن هذه الآية تدل على دخولهن حتمًا، لأن سياق الآيات قبلها، وبعدها خطاب لهن»
(1)
.
ولما رواه ابن أبي شبيبة بسنده عَنِ ابنِ أَبِي مُلَيكَةَ: أَنَّ خَالِدَ بنَ سَعِيدٍ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ بِبَقَرَةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَرَدَّتهَا، وَقَالَتْ: إِنَّا آلَ
(1)
فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة، للشيخ عبد المحسن البدر (ص: 8).
مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ
(1)
. واستدلوا أيضًا بما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ، وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ رضي الله عنهما يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ:«أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَاكُلُونَ الصَّدَقَةَ؟ »
(2)
. وفي رواية: «لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ؟ »
(3)
.
وبما رواه مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ
(4)
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ. أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَاتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ
(5)
: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ». فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ
(1)
(2/ 429) برقم (10708)، وحسن إسناده ابن حجر في فتح الباري (3/ 416).
(2)
صحيح البخاري برقم (1485)، وصحيح مسلم برقم 169.
(3)
صحيح مسلم برقم 1069.
(4)
خم اسم موضع غدير، وقال الزمخشري: غدير خم بين مكة والمدينة بالجحفة، وقيل: هو على ثلاثة أميال من الجحفة. اهـ معجم البلدان لياقوت الحموي (3/ 248). وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة.
(5)
سميا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل. قال: وأصل الثقل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون: ثقل، فسماهما ثقلين إعظامًا لقدرهما، وتفخيمًا لشأنهما. النهاية في غريب الحديث (1/ 216)، ولسان العرب (7/ 90).
فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ
(1)
.
ويدخل في ذلك موالي القوم، لما روى الترمذي في سننه من حديث أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ:«إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوَالِيَ القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»
(2)
.
وبما رواه الشيخان من حديث عائشة: أَنَّ فَاطِمَةَ أَرسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكرٍ: تَسأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَاكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا المَالِ - يَعْنِي: مَالَ اللَّهِ -، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى المَاكَلِ»
(3)
.
قال ابن القيم: «فآله صلى الله عليه وسلم لهم خواص، منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه»
(4)
.
(1)
برقم (2408).
(2)
برقم (657)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
برقم (3712)، وصحيح مسلم برقم 1759.
(4)
جلاء الأفهام (ص: 328).
وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن الحارث الهاشمي: أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ بْنَ رَبِيْعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ائْتِيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولَا لَهُ: استَعمِلنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الصَّدَقَاتِ؟ فذكر الحديث، وفيه: فَقَالَ لَنَا: «إِنَّ هاَذِهِ الصَّدَقَاتِ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّها لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ»
(1)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فبين أن ولد العباس وولد الحارث بن عبد المطلب من آل محمد، تحرم عليهم الصدقة.
وأما من أدخل بني المطلب في مفهوم الآل، فاستدل بما روى البخاري في صحيحه من حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا بَنُو المُطَّلِبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ
(2)
.
وعند أبي داود: «إِنَّا وَبَنُو المُطَّلِبِ، لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ» ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ
(3)
.
أما فضائل أهل البيت في كتاب الله فهي كثيرة، فمن ذلك:
(1)
برقم (1072).
(2)
برقم (3140).
(3)
برقم (2980)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2/ 577) برقم 2582.
قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولما بيَّن سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن أهل بيته ويطهرهم تطهيرًا، دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصًا به وهم: علي، وفاطمة رضي الله عنهما، وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير، وبين أن قضى لهم بكمال دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم، نعمة من الله ليسبغها عليهم، ورحمة من الله، وفضل، لم يبلغوها بمجرد حولهم وقوتهم»
(1)
.
وهو يشير إلى حديث مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ
(2)
مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}
(3)
. وذكر أيضًا أنه قد يكون من تمام تطهيرهم: صيانتهم عن الصدقة، التي هي أوساخ الناس
(4)
.
ومنها قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل
(1)
جامع المسائل (3/ 75 - 76).
(2)
قال النووي: المرحل بالحاء وهو الموشى المنقوش عليه صور رحال الإبل، أما المرط فبكسر الميم وهو كساء جمعه مروط. شرح صحيح مسلم (15/ 566).
(3)
برقم 2424.
(4)
منهاج السنة (7/ 81).
لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِين} [آل عمران: 61].
روى مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا، وَفَاطِمَةَ، وَحَسَنًا، وَحُسَينًا، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي»
(1)
.
(2)
.
وقد عدَّ بعض أهل العلم حديث المباهلة من فضائل أهل البيت، قال الزمخشري:«وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء»
(3)
.
ومنها: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29].
فالآيات دلت على فضائل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأنهن خُيِّرْنَ بين إرادة الدنيا وزينتها، وبين إرادة الله ورسوله، والدار الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة رضي الله عنهن.
ويدل على فضلهن أيضًا: قوله تعالى في آية أخرى: {النَّبِيُّ أَوْلَى
(1)
صحيح مسلم برقم (2404).
(2)
منهاج السنة (4/ 13).
(3)
الكشاف (1/ 566).
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]. فقد وصفهن بأنهن أمهات المؤمنين.
أما فضائل أهل البيت من السنة فهي كثيرة، فمن ذلك:
1 -
ما رواه مسلم في صحيحه من حديث واثلة الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ
(1)
، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ
(2)
، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ
(3)
بَنِي هَاشِمٍ
(4)
، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»
(5)
.
(6)
.
2 -
روى أحمد في مسنده من حديث العباس رضي الله عنه قال: بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعضُ مَا يَقُولُ النَّاسَ، فَصَعِدَ المِنبَرَ فَقَالَ:«مَنْ أَنَا؟ » قَالُوا:
(1)
إسماعيل هو ابن إبراهيم الخليل وهو الذي أمر الله إبراهيم بذبحه وقصته في سورة الصافات.
(2)
كنانة هو الأب الرابع عشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
قريش هو الأب الحادي عشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فهر بن مالك؛ وقيل: الأب الثالث عشر، وهو النضر بن كنانة.
(4)
هاشم هو الأب الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5)
صحيح مسلم برقم (2276).
(6)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 419 - 420).
(1)
.
3 -
روى البخاري ومسلم من حديث كعب بن عجرة: أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيفَ نُصَلِّي عَلَيكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»
(2)
. فالصلاة والسلام على آل محمد وأهل بيته، تقتضي أن يكونوا أفضل من سائر أهل البيوت.
4 -
حديث غدير خم وسبق الكلام عليه.
(3)
.
فمن تلك الحقوق: محبتهم، وتقديرهم، وموالاتهم، تنفيذًا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال:«أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»
(4)
.
(1)
(3/ 307) برقم (1788)، وقال محققوه: حسن لغيره.
(2)
صحيح البخاري برقم (3369)، وصحيح مسلم (407).
(3)
أهل البيت عند شيخ الإسلام ابن تيمية، للدكتور عمر القرموشي (ص: 188).
(4)
سبق تخريجه.
ولا ينزلونهم فوق منزلتهم، بل يتبرؤون ممن يغلون فيهم حتى يوصلوهم إلى حد الألوهية، كما فعل عبد الله بن سبأ في علي بن أبي طالب حين قال له: أنت الله! !
(1)
.
وكان أول من امتثل ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمتهم الشيخان أبو بكر، وعمر. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال:«ارقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهلِ بَيتِهِ»
(2)
، والمعنى: احفظوه فيهم، فلا تؤذوهم، ولا تسيئوا إليهم
(3)
.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بكر أنه قال: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَحَبُّ إِلَيَّ أَن أَصِلَ مِن قَرَابَتِي
(4)
.
وكان عمر يقدمهم في العطاء على جميع الناس، ويفضلهم في العطاء على جميع الناس، حتى إنه لما وضع الديوان للعطاء كتب أسماء الناس، قالوا: نبدأ بك؟ قال: لا، ابدؤوا بأقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعوا عمر حيث وضعه الله، فبدأ ببني هاشم، وضم إليهم بني المطلب
(5)
.
(1)
المفهم (6/ 304).
(2)
برقم (3713).
(3)
فتح الباري (7/ 79).
(4)
صحيح البخاري برقم (3712)، وصحيح مسلم برقم (1759).
(5)
منهاج السنة (6/ 33)، وتاريخ الطبري (2/ 570).
ومن حقوقهم: الصلاة عليهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حقًا في الخمس، والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصلاة على آل محمد صلى الله عليه وسلم حق لهم عند المسلمين، وذلك سبب لرحمة الله تعالى لهم بهذا السبب
(1)
.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. وقد تقدم حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن حقوقهم: ما تقدم أن الله جعل لهم حقًا في الخمس، والفيء، قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]. وقال تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7].
فالله تعالى لما حَرَّمَ الصدقة على آل محمد تطهيرًا لهم، عوَّضهم بما يغنيهم من خمس الغنائم، ومن الفيء الذي جُعل منه رزق محمد، حيث قال صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أحمد في مسنده من حديث ابن عمر: «بُعِثْتُ بِالسَّيفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ
(1)
مجموع الفتاوى (3/ 407)، ومنهاج السنة (4/ 606).
عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
المسند (2/ 92)، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/ 509): إسناده صالح. وصححه العراقي في تخريج إحياء علوم الدين (1/ 420).