الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة عشرة: الأسواق: نصائح وأحكام
رقم (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فإن الله قد أحل البيع وحرم الربا، والأسواق هي مكان تجمع الناس للبيع والشراء، وتبادل المنافع، وهي مكان الفتن، وانتشار الشياطين لكثرة المنكرات فيها، وانشغال الناس بالدنيا، وهي أبغض الأماكن إلى الله. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ البِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا»
(1)
.
قال النووي رحمه الله: وقوله: «أَبْغَضُ البِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا» ، لأنها مخصوصة بطلب الدنيا، ومخادعة العباد، والإعراض عن ذكر الله، ومظان الإيمان الفاجر، فالمساجد مواضع نزول رحمة الله وفضله، والأسواق على الضد منها
(2)
.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي عثمان عن سلمان قال: لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ
(1)
برقم (671).
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 584)، باختصار وتصرف.
يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ
(1)
.
وكثرة الأسواق من علامات الساعة. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَتَتَقَارَبَ الأَسْوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ» ، قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ»
(2)
.
والأسواق تنتشر فيها منكرات، ينبغي للمؤمن معرفتها للحذر من الوقوع فيها، وإنكارها بحسب الاستطاعة، فمن تلك المنكرات:
1 -
خروج النساء متبرجات متعطرات إلى الأسواق، وقد وضعن المساحيق وأدوات التجميل، وهذا الفعل باب عظيم من أبواب الفتن التي تؤدي إلى شيوع الفواحش وانتشارها، قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33].
2 -
الاختلاط بين الرجال والنساء، قال ابن القيم رحمه الله: «ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال، فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة. روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا تَرَكْتُ
(1)
برقم (2451).
(2)
(16/ 422) برقم (10724)، وقال محققوه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
بَعْدِي فِتْنَةً، أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»
(1)
. وفي حديث آخر: «عَلَيكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ»
(2)
. ويجب عليه أن يمنع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن فيها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة الرقاق، ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، ولا سيما إذا خرجت متجملة، بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية، والله سائل ولي الأمر عن ذلك، وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهن في الطريق، فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك»
(3)
.
3 -
تسكع الشباب في الأسواق، والقصات، والألبسة الغربية، والسلاسل التي يتزينون بها، والبناطيل الضيقة التي يلبسونها، وغير ذلك من الميوعة والتخنث مما فيه تشبه بالنساء. روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:«لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ»
(4)
.
(1)
صحيح البخاري برقم (5096)، وصحيح مسلم برقم (2740).
(2)
سنن أبي داود برقم (5272)، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير برقم (929).
(3)
الطرق الحكمية (ص: 280 - 281)، باختصار.
(4)
برقم (4098)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير (2/ 907) برقم (5095).
4 -
لبس بعض الفتيات الملابس القصيرة، أو البناطيل، وولي أمرها يتساهل في ذلك بحجة أنها صغيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وعمرها تسع سنين، فالواجب تعويد الفتيات وتنشئتهن منذ الصغر على الحياء والحشمة، ومن شب على شيء شاب عليه، قال الشاعر:
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا
…
عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان يومًا يقسم تمر الصدقة، فأخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كِخٍ، كِخٍ» لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ:«أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَاكُلُ الصَّدَقَةَ؟ ! »
(1)
. ورأى على عبد الله بن عمرو ثوبين معصفرين فقال: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا»
(2)
.
(3)
.
5 -
الصور، والمجسمات المعلقة على زجاج المحلات، وهو ما
(1)
صحيح البخاري برقم (1491).
(2)
صحيح مسلم برقم (2077).
(3)
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين في جملة الدعوة (1709) ص: 35.
يسمى بـ (المانيكان) كدعاية لتلك المحلات، مع ما فيها من التعري والفتنة مما ينافي الحشمة والحياء، وبعضها فاضحة لا يشك مؤمن بحرمتها، وأضرارها على الشباب، والفتيات .. فإلى الله المشتكى.
6 -
الميوعة واللين في الكلام من النساء عند البيع، والشراء مع أصحاب المحلات مما يؤدي إلى الفتنة بهن، قال تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].
7 -
بيع السحر، والشعوذة ومنها سحر الصرف، والعطف، والغالب أن البيع يكون للنساء.
8 -
المغازلات، وترتيب المواعيد بين الشباب، والفتيات وأكثر حالات الإركاب إنما تكون في الأسواق كما حدثني بذلك بعض رجال الهيئة.
9 -
بقاء أصحاب المحلات وقت الصلاة داخل المحلات، والأشد من ذلك المجاهرة بعدم إغلاق المحل وقت الصلاة.
10 -
توظيف الفتيات بائعات في داخل المحلات يبعن على الرجال والنساء، ويشمل ذلك الملابس، والعبايات، وأدوات الزينة .. وغيرها، وقد صدرت فتاوى من علمائنا في هذه البلاد بتحريم بيع النساء على الرجال لما فيه من تعريض المرأة للفتنة
(1)
.
(1)
فتوى سماحة مفتي عام المملكة في خطبته بتاريخ 6/ 2 / 1433 هـ، وفتوى العلامة الشيخ صالح الفوزان بتاريخ 9/ 2 / 1433 هـ.
ومن الوصايا التي يُوصى بها في الأسواق:
1 -
تكثيف رجال الهيئة في الأسواق، والمجمعات التجارية لتغيير تلك المنكرات.
2 -
توجيه النساء وإرشادهن للقرار في بيوتهن، وألا تكثر من الخروج لغير حاجة تدعو لذلك، وإذا خرجت فيقتصر الخروج على حاجتها والحذر من التجول لوقت طويل، فكثير من النساء تتجول في السوق لساعات طويلة تتنقل بين المحلات التجارية بحجة البحث عن الأرخص والأجود، وهذا الوقت تُسأَلُ عنه يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ »
(1)
. وفي رواية: «وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟ »
(2)
.
إضافة إلى اختلاطها بالرجال وفتنتها لهم، وعليها ألا تسرف في شراء الملابس وأدوات الزينة، وألا تتبع الموضة في ذلك، فبعضهن تشتري الملابس بشكل مستمر في كل مناسبة أو عرس، حتى لو كان هذا الثوب لم يستعمل إلا مرة واحدة، وتدفع في ذلك المبالغ المالية الطائلة، بل وصل الأمر إلى شراء حقائب اليد والنعال بآلاف الريالات. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال تعالى: {وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين}
(1)
سنن الترمذي برقم (2417)، وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
سنن الترمذي برقم (2416).
[الأعراف: 31]. وروى النسائي في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُوا وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» . ولتحرص ألا تكون وحدها في السوق، مع التستر والحشمة حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، ولتحذر من التطيب عند الذهاب إلى الأسواق، فقد روى الترمذي في سننه من حديث أبي موسى: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمرَأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِالمَجلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا» ، يَعْنِي: زَانِيَةٌ
(1)
.
سُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن خروج المرأة في الأسواق من غير محرم جائز أم لا؟ ومتى يجوز؟ ومتى يحرم؟
فكان الجواب: «خروج المرأة إلى السوق في الأصل جائز، لا يشترط أن يكون معها محرم إلا أن تخشى الفتنة، فإنه يجب عليها ألا تخرج إلا بمحرم يحميها، ويصونها، ويحفظها، ويشترط لجواز خروجها إلى الأسواق أن تخرج غير متبرجة، ولا متطيبة، فإن خرجت متبرجة أو متطيبة فإنها لا يحل لها ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ
(2)
»
(3)
»
(4)
.
3 -
على من دخل إلى السوق أن يحرص على كثرة الذكر،
(1)
برقم (2786)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
معنى تفلات: غير متطيبات، ولا متجملات.
(3)
سنن أبي داود برقم (565)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 113) برقم (529).
(4)
مطوية بعنوان (أسئلة مهمة تخص نساء الأمة)، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وغض البصر، وعلى إفشاء السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون} [النور: 30].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن رَأَى مِنْكُم مُنْكَرًا فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِن لَم يَسْتَطِعْ فَبِقَلبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيْمَانِ»
(1)
.
4 -
على المسؤولين إيقاع العقوبات الشديدة لمن يثبت عليه إيذاء النساء ومعاكستهن أو البيع وقت الصلاة؟ أو وضع الصور، أو المجسمات الخليعة، أو غير ذلك من المنكرات حماية للأعراض، وقطعًا لدابر الشر.
5 -
على الآباء أن يمنعوا بناتهم من الألبسة القصيرة، أو البنطال، وأن يعودوهن على الحجاب والستر منذ الصغر.
تنبيه: انتشر في الآونة الأخيرة خروج النساء إلى الأسواق، وهن يلبسن النقاب، أو ما يسمى باللثام، وتكتفي بوضع جزء منه على وجهها، ويخرجن العينين والخدين، سُئل الشيخ صالح الفوزان عن النقاب الذي فيه التوسع السابق، فقال: «الواجب على المرأة المسلمة التزام الحجاب الساتر على وجهها وسائر بدنها درءًا للفتنة عنها وعن غيرها، والنقاب الذي تعمله كثير من النساء اليوم نوع من السفور، بل هو
(1)
برقم (49).
تدرج إلى ترك الحجاب، فالواجب على المسلمة أن تُبقي على حجابها الساتر، وترك هذا العبث الذي تفعله بعض السفيهات من النساء اللاتي تضايقن من الحجاب الشرعي، فأخذن يتحايلن على التخلص منه»
(1)
.
وبعد .. فكل ما جاء في التحذير منه في هذه الكلمة، وغيرها إنما هو من كيد أعداء الله متمثلًا ذلك بالغزو الصليبي اليهودي لإفساد المسلمين، ليسهل عليهم السيطرة علينا، واستعمارنا فكريًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وأعانهم على ذلك قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وقلوبهم مع أعدائنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
(2)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان (5/ 331) برقم (446).
(2)
ومن أراد التوسع في الموضوع، فليراجع رسالة المؤلف (التجارة والأسواق. نصائح وأحكام).