المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة السابعة والثلاثون: شهادة الزور والتحذير منها - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٨

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولى: الغيرة على الأعراض

- ‌الكلمة الثانية: إصلاح البيوت

- ‌الكلمة الثالثة: فضل بناء المساجد ورعايتها

- ‌الكلمة الرابعة: الانتحار

- ‌الكلمة الخامسة: حقوق الجار

- ‌الكلمة السادسة: تأملات في سورة الناس

- ‌الكلمة السابعة: آداب الطريق

- ‌الكلمة الثامنة: فضل الوضوء والتيمم وصفتهما

- ‌الكلمة التاسعة: التحذير من قذف المؤمنين والمؤمنات

- ‌الكلمة العاشرة: خطر الفتوى

- ‌الكلمة الحادية عشرة: الإتقان

- ‌الكلمة الثانية عشرة: السرقة

- ‌الكلمة الثالثة عشرة: فضل الأذان والمؤذنين

- ‌الكلمة الرابعة عشرة: شرح حديث «ما ذئبان جائعان»

- ‌الكلمة الخامسة عشرة: فضل العبد التقي الخفي

- ‌الكلمة السادسة عشرة: ولي الأمر .. حقوق، وواجبات

- ‌الكلمة السابعة عشرة: التعليم: قواعد، وفوائد

- ‌الكلمة الثامنة عشرة: الأسواق: نصائح وأحكام

- ‌الكلمة التاسعة عشرة: الأسواق: نصائح وأحكام

- ‌الكلمة العشرون: المستشفيات: واقعها ووسائل إصلاحها

- ‌الكلمة لحادية والعشرون: خطبة الجمعة: فوائد، وتنبيهات

- ‌الكلمة الثانية والعشرون: خطبة الجمعة: فوائد وتنبيهات

- ‌الكلمة الثالثة والعشرون: أحكام العقيقة وفضائلها

- ‌الكلمة الرابعة والعشرون: أحكام الأضحية وفضائلها

- ‌الكلمة الخامسة والعشرون: فضائل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

- ‌الكلمة السادسة والعشرون: سورة العلق

- ‌الكلمة السابعة والعشرون: شرح حديث: «اعدد ستًا بين يدي الساعة»

- ‌الكلمة الثامنة والعشرون: الإمامة: حقوق وواجبات

- ‌الكلمة التاسعة والعشرون: العزلة والاختلاط

- ‌الكلمة الثلاثون: صلاة الاستسقاء

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثون: المسح على الخفين

- ‌الكلمة الثانية والثلاثون: سجود السهو

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثون: صلاة أهل الأعذار

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثون: فضائل أهل البيت وحقوقهم

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثون: الإيمان بالله

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون: من أحكام الأطعمة

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون: شهادة الزور والتحذير منها

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون: الحث على التجارة، وبيان بركتها

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون: تعظيم شعائر الله

- ‌الكلمة الأربعون: خطر الإلحاد وانتشاره في بلاد المسلمين

الفصل: ‌الكلمة السابعة والثلاثون: شهادة الزور والتحذير منها

‌الكلمة السابعة والثلاثون: شهادة الزور والتحذير منها

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..

فإن من أعظم الذنوب عند الله تعالى بعد الشرك به سبحانه: شهادة الزور، ففيها مفسدة للدين، والدنيا، وللفرد والمجتمع، وكذب، وبهتان، وأكل للمال بالباطل، وسبب لانتهاك الأعراض، وإزهاق النفوس. قال القرطبي:«شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام، أو تحريم حلال»

(1)

.

وقد جاء التحذير الشديد من شهادة الزور، فقال تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور} [الحج: 30]. كما جاء المدح لمجتنبيها، فقال تعالى في صفات عباد الرحمن:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ » قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ

(1)

فتح الباري (5/ 426).

ص: 327

النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ»

(1)

.

وروى البخاري ومسلم من حديث أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ » (ثَلَاثًا)، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ:«أَلَا وَقَولُ الزُّورِ» . قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيتَهُ سَكَتَ

(2)

.

«ففي هذين الحديثين الصحيحين عظم النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الزور غاية التعظيم، وحذر منها غاية التحذير بقوله، وفعله، حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئًا، فلما ذكر شهادة الزور جلس ليبيِّن فداحتها وعظمها، وجعل يكرر القول بها حتى قال الصحابة: لَيتَهُ سَكَتَ، وعظمها أيضًا حين صدر القول عنها بأداة التنبيه: (أَلَا؟ )، وحين فصلها في الحديث السابق عما قبلها من الكبائر وقال: «أَلَا وَقَولُ الزُّورِ»

(3)

».

قوله: وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، قال الحافظ ابن حجر: «يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئًا، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه، وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور، أو شهادة الزور أسهل وقوعًا على الناس والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرفه عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة

(1)

صحيح البخاري برقم (2653)، وصحيح مسلم برقم (88).

(2)

صحيح البخاري برقم (2653)، وصحيح مسلم برقم (87).

(3)

الضياء اللامع من الخطب الجوامع، للشيخ ابن عثيمين (4/ 451) بتصرف.

ص: 328

كالعداوة، والحسد، وغيرهما؛ فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعًا، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد، بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبًا»

(1)

. اهـ

وشهادة الزور قرينة الشرك بالله، قال عبد الله بن مسعود: تُعدل شهادة الزور بالشرك، وقرأ:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور} [الحج]

(2)

. ومن الفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقع في آخر الزمان: شهادة الزور.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ»

(3)

.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ بَعْدَكُم قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ»

(4)

.

وفي رواية: «ثُمَّ يَجِيءُ أَقوَامٌ تَسبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ،

(1)

فتح الباري (5/ 263).

(2)

تفسير ابن كثير (10/ 52).

(3)

(6/ 416) برقم (3870)، وقال محققوه: إسناده حسن.

(4)

صحيح البخاري برقم (2651)، وصحيح مسلم برقم (2535).

ص: 329

وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ». قَالَ إِبرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالعَهدِ

(1)

.

وقد استشكل هذا الحديث مع قول النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَاتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا»

(2)

.

ذكر العلماء رحمهم الله وجوهًا كثيرةً للجمع بين الحديثين السابقين، قال ابن حجر رحمه الله:«وأحسن الأجوبة أن المراد بحديث زيد: من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلم بها صاحبها، فيأتي إليه فيخبره بها، أو يموت صاحبها العالم بها ويخلف ورثة، فيأتي الشاهد إليهم، أو إلى من يتحدث عنهم فيعلمهم بذلك»

(3)

.

«ومن شهادة الزور: أن يشهد الإنسان بما لا يعلمه علمًا يقينًا مثل الشمس، أو بما يعلم أن الواقع بخلافه، سواء شهد للشخص، أو عليه»

(4)

.

وليست شهادة الزور مقتصرة على الشهادة بالكذب أمام القضاة في المحاكم الشرعية، فإن شهادة الزور صورها كثيرة، ويتساهل كثير من الناس فيها، فمن ذلك:

«أن يشهد المدير لأحد موظفيه بأنه من أحسنهم ويؤدي عمله بجدارة وإخلاص، وقصده بذلك ترقية هذا الموظف إلى مرتبة

(1)

صحيح البخاري برقم (2652)، وصحيح مسلم برقم (2533).

(2)

برقم (1719).

(3)

فتح الباري (5/ 260).

(4)

الضياء اللامع من الخطب الجوامع، للشيخ ابن عثيمين (4/ 451).

ص: 330

أعلى، وهذه الشهادة تقدم للمسؤول الأعلى، أو يشهد للموظف المهمل لوظيفته بمبررات لإهماله لا حقيقة لها، فيشهد له بالمرض وهو غير مريض، أو يشهد له بشغل قاهر وهو غير مشغول، أو يشهد له بنقل أهله إلى مقر عمله الجديد وهو لم ينقلهم، أو باستئجار سيارة وهو لم يستأجرها، أو يشهد بأجرة أكثر مما استأجرها به، أو يشهد بأنه قام بالوظيفة منذ وقت كذا وهو لم يقم بها ولم يباشرها، يزعم الشاهد بذلك أنه يريد الإصلاح بنفع المشهود له، ولم يدر أنه بهذه الشهادة ضر نفسه وضر المشهود له، وأفسد على نفسه، وعلى المشهود له دينه»

(1)

.

ومنها: ما يحصل عليه بعض الناس من الشهادات الدراسية مثل البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، يأخذونها زورًا وبهتانًا بغير حق، وبعضهم للأسف تكون شهادته في الشريعة الإسلامية مع جهله بأبسط الأحكام الشرعية، وقد ينال بهذه الشهادة منصبًا، أو مركزًا اجتماعيًّا، فيفتي الناس بغير علم ويضلهم.

ومنها: الشهادة للشركة، أو المؤسسة التجارية الفلانية بأنها من أفضل الشركات، وأنها أجدر من غيرها، وذلك للحصول على المناقصة الحكومية وإرساء المشروع عليها.

ومنها: الشهادة أن فلانًا من الناس يصلح أن يزوج، أو يؤتمن، أو يشارك في تجارة ونحوها، وهو ليس كذلك.

(1)

الضياء اللامع مع الخطب الجوامع (4/ 450)، للشيخ ابن عثيمين.

ص: 331

ومن مفاسد شهادة الزور:

أولًا: أن صاحبها قد بنى حاله على الكذب، والافتراء، وطمس الحقائق.

ثانيًا: أنه ظلم الذي شهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله، وعرضه، وروحه (أحيانًا).

ثالثًا: أنه ظلم الذي شهد له، بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته، فوجبت له النار، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم:«فَمَنْ قَضَيتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيئًا فَلَا يَأخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»

(1)

.

رابعًا: أنه أباح ما حرم الله تعالى وعصمه: من المال، والدم، والعرض

(2)

.

خامسًا: أن شهادة الزور سبب لزرع الأحقاد، والضغائن في القلوب.

سادسًا: أنها تعين الظالم على ظلمه، وتعطي الحق لغير مستحقه.

سابعًا: أنها سبب لسيطرة الفساق، وتمكنهم، وإبعاد الأخيار عن مواقع التأثير، والإصلاح.

ثامنًا: أنها سبب لفساد البلاد، والعباد.

تاسعًا: أن فيها زعزعة للثقة، والأمانة بين الناس.

(1)

صحيح البخاري برقم 7169، وصحيح مسلم برقم 1713.

(2)

الكبائر، للذهبي (ص: 79).

ص: 332

(1)

الضياء اللامع من الخطب الجوامع (4/ 453)، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

ص: 333