المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الثانية والثلاثون: سجود السهو - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٨

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولى: الغيرة على الأعراض

- ‌الكلمة الثانية: إصلاح البيوت

- ‌الكلمة الثالثة: فضل بناء المساجد ورعايتها

- ‌الكلمة الرابعة: الانتحار

- ‌الكلمة الخامسة: حقوق الجار

- ‌الكلمة السادسة: تأملات في سورة الناس

- ‌الكلمة السابعة: آداب الطريق

- ‌الكلمة الثامنة: فضل الوضوء والتيمم وصفتهما

- ‌الكلمة التاسعة: التحذير من قذف المؤمنين والمؤمنات

- ‌الكلمة العاشرة: خطر الفتوى

- ‌الكلمة الحادية عشرة: الإتقان

- ‌الكلمة الثانية عشرة: السرقة

- ‌الكلمة الثالثة عشرة: فضل الأذان والمؤذنين

- ‌الكلمة الرابعة عشرة: شرح حديث «ما ذئبان جائعان»

- ‌الكلمة الخامسة عشرة: فضل العبد التقي الخفي

- ‌الكلمة السادسة عشرة: ولي الأمر .. حقوق، وواجبات

- ‌الكلمة السابعة عشرة: التعليم: قواعد، وفوائد

- ‌الكلمة الثامنة عشرة: الأسواق: نصائح وأحكام

- ‌الكلمة التاسعة عشرة: الأسواق: نصائح وأحكام

- ‌الكلمة العشرون: المستشفيات: واقعها ووسائل إصلاحها

- ‌الكلمة لحادية والعشرون: خطبة الجمعة: فوائد، وتنبيهات

- ‌الكلمة الثانية والعشرون: خطبة الجمعة: فوائد وتنبيهات

- ‌الكلمة الثالثة والعشرون: أحكام العقيقة وفضائلها

- ‌الكلمة الرابعة والعشرون: أحكام الأضحية وفضائلها

- ‌الكلمة الخامسة والعشرون: فضائل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

- ‌الكلمة السادسة والعشرون: سورة العلق

- ‌الكلمة السابعة والعشرون: شرح حديث: «اعدد ستًا بين يدي الساعة»

- ‌الكلمة الثامنة والعشرون: الإمامة: حقوق وواجبات

- ‌الكلمة التاسعة والعشرون: العزلة والاختلاط

- ‌الكلمة الثلاثون: صلاة الاستسقاء

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثون: المسح على الخفين

- ‌الكلمة الثانية والثلاثون: سجود السهو

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثون: صلاة أهل الأعذار

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثون: فضائل أهل البيت وحقوقهم

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثون: الإيمان بالله

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون: من أحكام الأطعمة

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون: شهادة الزور والتحذير منها

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون: الحث على التجارة، وبيان بركتها

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون: تعظيم شعائر الله

- ‌الكلمة الأربعون: خطر الإلحاد وانتشاره في بلاد المسلمين

الفصل: ‌الكلمة الثانية والثلاثون: سجود السهو

‌الكلمة الثانية والثلاثون: سجود السهو

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..

لما كان الإنسان عرضة للنسيان والذهول، وكان الشيطان يحرص على أن يشوش عليه صلاته ببعث الأفكار وانشغال باله بها عن صلاته، وربما ترتب على ذلك نقص في الصلاة، أو زيادة فيها بدافع النسيان والذهول، شرع الله للمصلي أن يسجد في آخر صلاته تفاديًا لذلك، وإرغامًا للشيطان، وجبرًا للنقصان، وإرضاء للرحمن، وهذا السجود هو ما يسميه العلماء سجود السهو

(1)

.

والسهو هو النسيان، وقد سها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وكان سهوه من تمام نعمة الله على أمته، وإكمال دينهم، ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو. قال الإمام أحمد بن حنبل: يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء سلم من اثنتين فسجد

(2)

، وسلم من ثلاث فسجد

(3)

،

(1)

الملخص الفقهي، للشيخ صالح الفوزان (1/ 149).

(2)

صحيح البخاري برقم (1229)، وصحيح مسلم برقم (573).

(3)

صحيح مسلم برقم (574).

ص: 269

وفي الزيادة والنقص

(1)

، وقام من اثنتين ولم يشهد

(2)

. وقال الخطابي: المعتمد عند أهل العلم، هذه الأحاديث الخمسة، يعني: حديثي ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن بحينة، وقال صلى الله عليه وسلم:«فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ»

(3)

(4)

.

حكمه: سجود السهو واجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ»

(5)

. وهو قول جمهور العلماء.

ويشرع سجود السهو لأسباب ثلاثة:

أولًا: إذا زاد في الصلاة سهوًا.

ثانيًا: إذا نقص منها سهوًا.

ثالثًا: إذا حصل عنده شك في زيادة أو نقص.

فإن زاد أو نقص من الأركان أو الواجبات عمدًا، بطلت صلاته بإجماع أهل العلم، أما إن ترك مسنونًا سهوًا، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه سجد للسهو استحبابًا.

«مثال ذلك: لو أن إنسانًا ترك الفاتحة، يجب عليه سجود السهو، ولكن يجب عليه شيء آخر غير سجود السهو، وهو الإتيان بالركن،

(1)

صحيح البخاري برقم (482)، وصحيح مسلم برقم (572).

(2)

صحيح البخاري برقم (829)، وصحيح مسلم برقم (570).

(3)

ابن قدامة (2/ 403).

(4)

صحيح مسلم برقم 572.

(5)

صحيح البخاري برقم (401)، وصحيح مسلم برقم (572).

ص: 270

وسيأتي ماذا يصنع عند نسيانه للركن؟ وكيف يأتي به؟

مثال ثانٍ: لو أن إنسانًا ترك التشهد الأول نسيانًا، يجب عليه السجود فقط، ولا يجب عليه الإتيان به، لأنه واجب يسقط بالسهو.

مثال ثالث: لو أن إنسانًا ترك دعاء الاستفتاح، لا يجب عليه سجود السهو، لأنه لو تعمد تركه لم تبطل صلاته ولكن هل يسن، الصحيح أنه إذا تركه نسيانًا يسن السجود لأنه قول مشروع، فيجبره بسجود السهو، ولا يكون سجود السهو واجبًا، لأن الأصل الذي وجب له السجود ليس بواجب، فلا يكون الفرع واجبًا، فإذا ترك الإنسان سهوًا سنة من عادته أن يأتي بها، فسجود السهو لها سنة، أما لو ترك السنة عمدًا، فهنا لا يشرع له السجود لعدم وجود السبب وهو السهو.

«ويشرع سجود السهو إذا وُجد سببه، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، لعموم الأدلة بشرط أن تكون الصلاة ذات ركوع، وسجود احترازًا من صلاة الجنازة، فإن صلاة الجنازة لا يشرع فيها سجود السهود، لأنها ليست ذات ركوع وسجود.

فإن قال قائل: كيف توجبون سجود السهو في صلاة النافلة، وصلاة النفل أصلًا غير واجبة؟ ! فنقول: إنه لما تلبس بها وجب عليه أن يأتي بها على وفق الشريعة، وإلا كان مستهزئًا، وإذا كان لا يريد الصلاة فمن الأصل لا يصلي، أما أن يتلاعب فيأتي بالنافلة ناقصة ثم يقول: لا أُجبرها، فهذا لا يُوافق عليه»

(1)

.

(1)

الشرح الممتع (3/ 392)، (3/ 338 - 339).

ص: 271

وبوب البخاري باب السهو في الفرض، والتطوع، وروى عن ابن عباس: أَنَّهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ وِتْرِهِ

(1)

.

السبب الأول الذي يشرع فيه سجود السهو: الزيادة في الصلاة، وهي إما زيادة أفعال، أو زيادة أقوال.

أما زيادة الأفعال إذا كانت زيادة من جنس الصلاة: كالقيام في محل القعود، والقعود في محل القيام، أو زاد ركوعًا، أو سجودًا، فإذا فعل ذلك سهوًا فإنه يسجد للسهو، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود:«إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَين»

(2)

. ولأن الزيادة في الصلاة نقص من هيئتها في المعنى، فشرع السجود لها لينجبر النقص.

وكذا لو زاد ركعة سهوًا ولم يعلم إلا بعد فراغه منها، فإنه يسجد للسهو، أما إن علم في أثناء الركعة الزائدة، فإنه يجلس في الحال ويتشهد إن لم يكن تشهد، ثم يسجد للسهو ويسلم.

ويجب على من علم بزيادة الإمام أو نقصه تنبيهه، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَونَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي»

(3)

. وتنبيه الرجال بالتسبيح والنساء بالتصفيق، لحديث سهل بن سعد سعد الساعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نَابَكُم

(4)

أَمْرٌ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّقِ النِّسَاءُ»

(5)

. ويلزم

(1)

صحيح البخاري، كتاب السهو، باب السهو في الفرض والتطوع.

(2)

صحيح مسلم برقم (572).

(3)

صحيح البخاري برقم (401)، وصحيح مسلم برقم (572).

(4)

أي: أصابه شيء يحتاج فيه إلى إعلام غيره.

(5)

صحيح البخاري برقم (684).

ص: 272

الإمام حينئذ الرجوع إلى تنبيههم، إذا لم يجزم بصواب نفسه، لأنه رجوع إلى الصواب، وكذا يلزمهم تنبيهه على النقص.

وأما زيادة الأقوال، فهي على ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يأتي بقول مشروع في الصلاة في غير محله، كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس، وكالتشهد في القيام، فإذا فعل ذلك سهوًا استحب له السجود للسهو، لعموم حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَين»

(1)

. إلا إذا جاء بهذا الذكر مكان الذكر الواجب، ولم يقل الواجب كالتسبيح في الركوع والسجود، فإنه يجب عليه أن يسجد لتركه الواجب، إلا إذا جمع بينهما فلا يجب، بل يستحب لعموم الأدلة

(2)

.

الحالة الثانية: أن يسلم قبل إتمام الصلاة، فإن كان عمدًا بطلت صلاته لأنه تكلم فيها، وإن كان سهوًا وطال الفصل أو نقض الوضوء بطلت صلاته وأعادها، أما إن ذكر قبل أن يطول الفصل أتم صلاته ثم سجد للسهو، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ

(3)

رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا، وَفِي القَومِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ

(1)

صحيح مسلم برقم (572).

(2)

مجموع الفتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ ابن باز رحمه الله (11/ 270).

(3)

الظهر والعصر.

ص: 273

الصَّلَاةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ:«لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ» ، قَالَ: بَلىَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأسَهُ فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ سَلَّمَ

(1)

.

الحالة الثالثة: الكلام من غير جنس الصلاة، فإن كان عمدًا بطلت الصلاة إجماعًا، لحديث زيد بن أرقم قال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ إِلَى جَنبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَت:{وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِين} [البقرة: 238]، فَأُمِرنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الكَلَامِ

(2)

.

وإن تكلم ناسيًا أو جاهلًا بتحريمه، ففيه روايتان إحداهما: يبطلها لأنه كلام من غير جنس الصلاة، فأشبه العمل الكثير، والثانية: لا يفسدها لما روى معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ! مَا شَانُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي! مَا رَأَيتُ مُعَلِمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ، أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَواللَّهِ! مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ

(1)

صحيح البخاري برقم (1229)، وصحيح مسلم برقم (573).

(2)

صحيح مسلم برقم (539).

ص: 274

لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ»

(1)

، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة لجهله، والناس في معناه

(2)

.

وهذا ما رجحته اللجنة الدائمة للإفتاء

(3)

.

السبب الثاني: النقص.

النوع الأول: ترك ركن، كركوع أو سجود، فإن كان عمدًا بطلت صلاته، وإن كان سهوًا، وكان الترك لتكبيرة الإحرام، لم تنعقد صلاته، ولا يغني عنه سجود السهو شيئًا، أما إن كان ركنًا غير تكبيرة الإحرام، فله ثلاثة أحوال:

الحال الأول: أن يذكره قبل أن يصل إلى محله، وفي هذه الحالة عليه أن يرجع ويأتي بالناقص ويتم عليه.

الحال الثاني: أن يذكره بعد أن يصل إلى محله، وفي هذه الحالة يلغي الركعة الناقصة، وتقوم التي هو فيها محلها

(4)

.

الحال الثالث: أن يذكره بعد أن يسلم، وفي هذه الحالة عليه أن يأتي بالركن المتروك وما بعده

(5)

.

(1)

برقم 537.

(2)

الكافي، لابن قدامة (1/ 368 - 369).

(3)

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث (1 / المجموعة الثانية 435) برقم 17211.

(4)

هذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين في رسالة سجود السهو، مع التنبيه إلى أن هناك قول يعتبر كل ما عمل بعد السهو لاغيًا.

(5)

هذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع ص: 375 - 376.

ص: 275

النوع الثاني: ترك واجب من واجبات الصلاة، كالتكبير لغير الإحرام، أو تسبيح الركوع والسجود .. وغير ذلك من الواجبات، فإن كان عمدًا بطلت الصلاة، وإن تركه سهوًا فعلى أحوال:

الحال الأول: إن ذكره قبل الوصول إلى الركن الذي يليه: وجب عليه الرجوع ويأتي به.

الحال الثاني: إن ذكره بعد أن وصل إلى الركن الذي يليه: فلا يرجع وعليه سجود السهو، أما ترك التشهد الأول فله أربع صور:

1 -

أن يذكره قبل أن تفارق فخذاه ساقيه، وبعضهم قال: قبل أن تفارق ركبتاه الأرض، والمعنى متقارب، ففي هذه الحال يستقر وليس عليه سجود، لأنه لم يزد شيئًا في صلاته.

2 -

إذا نهض ولكن في أثناء النهوض ذكر قبل أن يستتم قائمًا، فإنه يرجع ويأتي بالتشهد وعليه سجود السهو.

3 -

إذا نهض واستتم قائمًا فقد وصل إلى الركن الذي يليه، فيكره له الرجوع، فإن رجع لم تبطل صلاته، وعليه سجود السهود، لحديث المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ»

(1)

.

4 -

إذا ذكر بعد الشروع في القراءة فلا يرجع، فإن رجع عمدًا

(1)

مسند الإمام أحمد (30/ 162) برقم (18223)، وقال محققوه: حديث صحيح بطرقه.

ص: 276

عالمًا حرم عليه ذلك وبطلت صلاته، لأنه تعمد المفسد وهو زيادته فعلًا من جنسها.

النوع الثالث: ترك مسنون، فإذا ترك مسنونًا لم تبطل الصلاة بتركه عمدًا ولا سهوًا، ولا سجود عليه.

السبب الثالث: الشك

فإذا كان بعد السلام فلا يلتفت إليه، إلا إذا تيقن النقص أو الزيادة، وإذا كان الشك وهمًا بحيث طرأ على الذهن ولم يستقر فلا يلتفت إليه، وإذا كثرت الشكوك لا يلتفت إليها، وإن لم يكن الشك كذلك فالشك إما أن يكون في زيادة ركن، أو واجب في غير المحل الذي هو فيه فلا يلتفت له، وأما الشك في الزيادة وقت فعلها فيسجد له، وأما الشك في نقص الأركان فَكَتَرْكِهَا، فيأتي بالركن على التفصيل الذي سبق في إكمال الأركان، إلا إذا غلب على ظنه أنه فعل فلا يرجع ولكن عليه سجود السهو، والشك في ترك الواجب بعد أن فارق محله لا يوجب سجود السهو

(1)

.

وإذا حصل له شك بنى على اليقين وهو الأقل، إلا إذا كان عنده غلبة ظن فإنه يتحرى ويبني على غالب ظنه فيأخذ به. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى،

(1)

وقيل: الشك في ترك الواجب كتركه وعليه سجود السهو، إلا إذا غلب على ظنه أنه جاء به فلا سجود عليه، واختار هذا القول ابن عثيمين رحمه الله، كما في الشرح الممتع (3/ 386).

ص: 277

ثَلَاثًا، أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ، كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ»

(1)

.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ» . وفي رواية: «فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ» . وَفِيِ أُخْرَى: «فَلْيَنْظُرِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ» . وَفِيِ أُخْرَى: «فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُسَلِّمْ، ثُمَ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ»

(2)

(3)

.

«ولا سجود على مأموم دخل مع الإمام من أول الصلاة إلا تبعًا لإمامه، فإن قام المأموم المسبوق لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه، فسجد إمامه للسهو بعد السلام، فحكمه حكم القائم عن التشهد الأول إن سجد إمامه قبل انتصابه قائمًا لزمه الرجوع، وإن انتصب قائمًا ولم يشرع في القراءة لم يرجع، وإن رجع جاز، وإن شرع في القراءة لم يكن له الرجوع، ويسجد للسهو بعد قضاء ما عليه

(4)

بعد السلام»

(5)

.

(1)

برقم 571.

(2)

صحيح البخاري برقم (401)، وصحيح مسلم برقم (572)، وأبو عوانه في صحيحه برقم (1927)، والرواية الثانية والثالثة لهم إلا البخاري، والرابعة للنسائي برقم (1244).

(3)

وانظر: تمام المنة في التعليق على فقه السنة، للشيخ الألباني؛ فقد أجاد رحمه الله في الكلام على هذه المسألة (ص: 273 - 274).

(4)

نقل ذلك الشيخ سعيد القحطاني في كتابه سجود السهو (ص: 26)، عن الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على الروض المربع (2/ 171).

(5)

المغني لابن قدامة (2/ 441)، والشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (3/ 526).

ص: 278

مسائل تتعلق بسجود السهو:

1 -

هل السجود قبل السلام أم بعده؟

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو قبل السلام في مواضع، وبعده في مواضع

(1)

، فما سجد فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل السلام أو أمر به يسجد فيه قبله، كسجود السهو لمن ترك التشهد الأول، وسجود السهو لمن شك وبنى على اليقين، وما سجد فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام أو أمر به يسجد فيه بعده، كسجود السهو لمن سلم قبل تمام الصلاة، أو ذكر بالزيادة في صلاته بعد السلام، أو شك وبنى على غالب ظنه، كما دلت على ذلك الأحاديث، فصارت الحالات عندنا على أربع صور:

الأولى: الزيادة في الصلاة ويسجد لها بعد السلام.

الثانية: النقص في الصلاة، ويسجد لها قبل السلام.

الثالثة: الشك في الزيادة أو النقصان مع الترجيح، يسجد بعد السلام.

الرابعة: الشك مع عدم الترجيح، يبني على الأقل، ويسجد قبل السلام.

حكم السجود قبل السلام أو بعده على الأفضلية.

قال القاضي عياض: «ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء - بعد أن ذكر أقوالهم - أنه لو سجد قبل

(1)

زاد المعاد، لابن القيم (1/ 281).

ص: 279

السلام، أو بعده للزيادة أو النقص، أنه يجزئه ولا تفسد صلاته، وإنما اختلافهم في الأفضل»

(1)

.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما جاءت به السنة في كونه قبل السلام فإنه يجب قبله، وما جاءت به بعد السلام فإنه يجب بعده، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية

(2)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

شرح النووي (5/ 56).

(2)

الفتاوى (23/ 36 - 37).

ص: 280