الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الثالثة والعشرون: أحكام العقيقة وفضائلها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فمن الأمور التي حث عليها الشرع ورغب فيها: العقيقة، وهي من حق الولد على والده، وفيها شكر لله على تجدد نعمته على الوالدين بولادة المولود، وتقرب إلى الله تعالى، وتصدق على الفقراء، وفداء للمولود.
والمراد بالعقيقة: ما يذبح أو ينحر من بهيمة الأنعام يوم السابع بنية العقيقة شكرًا لله تعالى على نعمة الولد، وسميت عقيقة لأنها تقطع عروقها عند الذبح. قال النووي:«العقيقة: الشاة المذبوحة عن المولود يوم سابعه»
(1)
. وعند العامة تسمى العقيقة تميمة يقولون لأنها تتمم أخلاق المولود.
«فَقَدْ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ عَقَّ عَنِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ بِكَبْشَينِ كَبْشَينِ
(2)
، وفعل ذلك صحابته الكرام فكانوا يذبحون
(1)
تحرير ألفاظ التنبيه، للنووي (ص: 162).
(2)
سنن النسائي برقم (4219)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (3/ 885) برقم 3932.
عن أولادهم، وفعله التابعون»
(1)
. وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، لما رواه أبو داود من حديث سمرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى»
(2)
. قال الإمام أحمد معناه: «أنه محبوس عن الشفاعة لوالديه»
(3)
. والرهن في اللغة: الحبس، قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة} [المدثر: 38]. فظاهر الحديث أنه رهينة في نفسه، ممنوع محبوس عن خير يُراد به.
وقيل: المعنى أن العقيقة لازمة لا بد منها، فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن»
(4)
، وهذا يؤيد القول بالوجوب. وقال الإمام أحمد بن حنبل:«إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض، أرجو أن يخلف الله عليه، فقد أحيا سنة، قال ابن المنذر: صدق أحمد، إحياء السنن واتباعها أفضل»
(5)
. قال الشيخ عبد الله البسام: «والمهم أن مثل هذه التشبيهات تدل على تأكيد هذه الشعيرة، وأنه لا ينبغي إهمالها، فمن أحياها فقد أحيا سنة أمر بها صلى الله عليه وسلم وعمل بها»
(6)
.
وقال آخرون: إنها سنة مؤكدة، قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ: «الْأَمْرُ
(1)
الملخص الفقهي، للشيخ صالح الفوزان (1/ 452).
(2)
برقم (2838)، والترمذي برقم 1522 وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 547) برقم 2463.
(3)
زاد المعاد (2/ 297 - 298).
(4)
زاد المعاد (2/ 297)، فتح الباري (9/ 508) بتصرف.
(5)
توضيح الأحكام، للشيخ عبد الله البسام (6/ 89 - 90).
(6)
توضيح الأحكام، للشيخ عبد الله البسام (6/ 89 - 90).
عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ: أَنَّ مَنْ عَقَّ فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَيْسَتِ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ، وَلَكِنَّهَا يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا، وَهِيَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا»
(1)
.
(2)
(3)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه أُراه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ فَلْيَنْسُكْ، عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ»
(4)
(5)
. وقالوا أيضًا: «لو كانت واجبة لكان وجوبها معلومًا من الدين؛ لأن ذلك مما تدعو الحاجة إليه، وتعم به البلوى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين وجوبها للأمة بيانًا
(1)
موطأ مالك ص: 320.
(2)
تحفة المودود، لابن القيم رحمه الله (ص: 60).
(3)
صحيح البخاري برقم (5472).
(4)
جزء من حديث برقم (2842)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 547) برقم 2467.
(5)
تحفة المودود (ص: 77)، ونيل الأوطار للشوكاني (5/ 132).
عامًا كافيًا تقوم به الحجة، وينقطع معه العذر»
(1)
، وينبغي للمؤمن أن يحرص عليها ويبادر إلى ذلك خروجًا من خلاف العلماء.
(2)
. اهـ
ومقدار ما يذبح عن الذكر شاتان متقاربتان سنًا، وشبهًا، وعن الأنثى شاة واحدة، لحديث أُمِّ كُرزٍ الكَعبِيَّةِ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ»
(3)
. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: مكافئتان، أي: مستويتان أو مقاربتان.
(4)
.
«ووقت ذبح العقيقة: ينبغي أن يكون في اليوم السابع للحديث
(1)
تحفة المودود (ص: 106).
(2)
تحفة المودود (ص: 77).
(3)
سنن أبي داود برقم (2834)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2/ 546) برقم 2460.
(4)
الملخص الفقهي، للشيخ صالح الفوزان (1/ 453).
السابق تذبح عنه يوم سابعة، فإذا ولد يوم السبت فتذبح يوم الجمعة، يعني قبل يوم الولادة بيوم هذه هي القاعدة، وإذا ولد يوم الخميس فهي يوم الأربعاء .. وهلم جرًّا»
(1)
.
(2)
.
لكن إن خرج الطفل ميتًا قبل نفخ الروح فيه فلا عقيقة له، وإن خرج ميتًا بعد نفخ الروح فيه، فالراجح أنه يُعق عنه، لكن من لم يُعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ؟ قال الإمام البغوي: قال الحسن: إذا علمت أنه لم يُعق عنك فعق عن نفسك. وقال ابن سيرين: عققت عن نفسي ببختية
(3)
(4)
بعد أن كنت رجلًا. وقال الإمام أحمد: ذلك على الأب واستدل من قال: بأن الكبير يعق عن نفسه إذا لم يُعق عنه، بأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة
(5)
. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «فالأفضل أن يعق عن نفسه، إذا لم
(1)
الشرح الممتع، للشيخ ابن عثيمين (7/ 493).
(2)
تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 97) وما بعده.
(3)
الأنثى من الجمال البخت، وهي جمال طوال الأعناق.
(4)
شرح السنة، للبغوي (11/ 264).
(5)
سنن البيهقي (19/ 379) برقم (19300). وقد اختلف العلماء في تصحيحه، وتضعيفه. انظر: السلسلة الصحيحة، للشيخ الألباني برقم (2726).
يعق عنه والده، ولو كان كبيرًا، هذا هو السنة»
(1)
.
(2)
.
قال ابن عبد البر: «ويتقي في العقيقة من العيوب ما يتقي في الضحايا ويسلك بها مسلك الضحايا يؤكل منها، ويتصدق، ويُهدى إلى الجيران»
(3)
.
وأما هل يجوز العقيقة بغير الغنم من الإبل والبقر؟
(4)
ولم ينص على الغنم، وقال آخرون: بل يقتصر على الغنم لقوله صلى الله عليه وسلم: «عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ»
(5)
. وأجيب عن ذلك بأن ما ورد محمول على قصد التخفيف، وقالوا: لا يخفى أن مجرد ذكر الشاة في الأحاديث لا ينفي إجزاء غيرها، والذي يترجح القول الأول، والله أعلم»
(6)
.
واختلف أهل العلم: هل يصح تشريك العقيقة في البدنة والبقرة أم لا؟ على قولين:
(1)
الدرر البازية، لابن باز (5).
(2)
الملخص الفقهي، للشيخ صالح الفوزان (1/ 455).
(3)
التمهيد (2/ 431)، وتحفة المودود (ص: 87).
(4)
سبق تخريجه
(5)
سبق تخريجه
(6)
أحكام العقيقة، للشيخ مازن بن محمد (ص: 159 - 160).
القول الأول: تجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، قياسًا على جوازها في الهدي والأضاحي، وهو اختيار الشافعية. قال النووي:«ولو ذبح بقرة، أو بدنة عن سبعة أولاد، أو اشترك فيها جماعة، جاز، سواء كلهم أرادوا العقيقة، أو أراد بعضهم العقيقة، وبعضهم اللحم كما في الأضحية»
(1)
.
القول الثاني: لا تجزئ البدنة والبقرة إلا عن واحد، بخلاف الهدي والأضاحي، هو مذهب فقهاء المالكية والحنابلة. قال الشوكاني: ونص أحمد على أنه يشترط بدنة، أو بقرة كاملة، قال ابن القيم:«وهذا مما تخالف فيه العقيقة الهدي، والأضاحي، ثم قال: ولما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود، كان المشروع فيه دمًا كاملًا لتكون نفس فداء عن نفس، وأيضًا لو صح الاشتراك لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد، فإنه إراقة الدم عن واحد ويحصل لباقي الولد إخراج اللحم فقط، والمقصود نفس إراقة الدم عن الولد، وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه من منع الاشتراك في الهدي، والأضحية، ولكن سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أحقُّ وأولى أن تُتَّبَعَ، وهو الذي شرع الاشتراك في الهدايا، وشرع في العقيقة عن الغلام دمين مستقلين لا يقوم مقامهما جزور، ولا بقرة»
(2)
.
ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
(3)
.
ويستحب أن يأكل منها، ويُهدي، ويتصدق، أثلاثًا كالأضحية،
(1)
المجموع شرح المهذب (8/ 429).
(2)
نيل الأوطار للشوكاني (3/ 231)، وتحفة المودود ص:135.
(3)
انظر الشرح الممتع (7/ 429).
وأما حلق رأس الغلام الذكر، فإنه يكون في اليوم السابع، لقوله في الحديث:«تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ»
(1)
. قال الخطابي: «ومن السنة حلق رأس المولود في اليوم السابع»
(2)
.
وقال بعض أهل العلم: يوزن شعر المولود، ويتصدق بوزنه فضة، واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة لما ولدت الحسن: «احْلِقِي رَاسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ»
(3)
.
ويُسَمَّى يوم سابعه للحديث السابق، وإن سمَّاه في يوم ولادته فلا بأس، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم على أهله فقال: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ وَلَدٌ، سَمَّيْتُهُ إِبْرَاهِيمَ» فسمَّاه من حين ولادته
(4)
.
وعليه أن يختار لابنه الاسم الحسن، فقد كَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الِاسمَ الحَسَنَ
(5)
وَيُغَيِّرُ القَبِيحَ
(6)
، وهذا من حق الولد على والده. وأحب الأسماء إلى الله (عبد الله وعبد الرحمن)، وأصدقها همام
(1)
سبق تخريجه.
(2)
معالم السنن للخطابي (4/ 265).
(3)
(45/ 163) برقم (27183)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل برقم (1175)، وضعفه آخرون.
(4)
برقم (2315).
(5)
هذا معلوم بالاستقراء ذكره، ابن القيم في زاد المعاد (2/ 336).
(6)
سنن الترمذي برقم (2839)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 372) برقم 2275.
والحارث. روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»
(1)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ، وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ، وَمُرَّةُ»
(2)
. ويحرم أن يسمه بالأسماء المعبدة لغير الله: كأن يسمي عبد الكعبة، وعبد النبي، وعبد المسيح، وعبد علي، وعبد الحسين
(3)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
برقم (2132).
(2)
برقم (4950)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 935) برقم 4140.
(3)
انظر: الهدي، والأضحية، والعقيقة، للشيخ عبد الإله الطيار.