الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة السابعة: آداب الطريق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فإن من الآداب العظيمة التي حث عليها الإسلام ورغب فيها: آداب الطريق. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ» ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ:«فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا» ، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ»
(1)
.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث جملة من الآداب، التي ينبغي أن يتحلَّى بها من جلس في الطريق، فمن تلك الآداب:
غض البصر، وقد أمر الله به في قوله تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]. روى مسلم في صحيحه من حديث جرير ابن عبد الله قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ؟
(1)
صحيح البخاري برقم 2465، وصحيح مسلم برقم 2121.
فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي
(1)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ»
(2)
.
قال الشاعر:
كُلُّ الحَوَادِثِ مَبْدَؤُهَا مِنَ النَّظَرِ
…
وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
والمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا
…
فِي أَعْيُنِ الغِيدِ مَوقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا
…
فَتكَ السِّهَامِ بِلَا قَوسٍ ولَا وَتَرِ
يَسُرُّ نَاظِرَهُ مَا ضَرَّ خَاطِرَهُ
…
لَا مَرحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ
وقال آخر:
وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا
…
لِقَلْبِكَ يومًا أَتعَبَتْكَ المَنَاظِرُ
رَأَيْتَ الَّذِي لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ
…
عَلَيهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ
ومنها: كف الأذى، وإزالته من الطريق. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ»
(3)
. وفي رواية لمسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ»
(4)
.
(1)
برقم 2159.
(2)
برقم 2149، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 403) برقم 1881.
(3)
برقم 2472، وصحيح مسلم برقم 1914.
(4)
برقم 1914، وأخرجه البخاري بنحوه برقم 2472.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: قُلتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، عَلِّمْنِي شَيئًا أَنتَفِعُ بِهِ؟ قَالَ:«اعْزِلِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ»
(1)
.
وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»
(2)
.
ومن كف الأذى: عدم قضاء الحاجة في طريق الناس، أو ظلهم. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»
(3)
.
ومن الأذى الذي يجب كفه: الالتزام بأنظمة المرور في السير، والوقوف، وكذلك استعمال المنبه في غير حاجة.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»
(4)
.
ومنها: هداية السائل. روى البخاري في صحيحه من حديث
(1)
برقم 2618.
(2)
صحيح البخاري برقم 9، وصحيح مسلم برقم 35.
(3)
برقم 269.
(4)
صحيح البخاري برقم 6484، وصحيح مسلم برقم 40 مختصرًا
أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»
(1)
.
ومنها: إعانة الرجل في حمله على دابته، أو رفع متاعه عليها. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ سُلَامَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ»
(2)
.
ومنها: رد السلام، قال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»
(3)
.
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ»
(4)
. وفي رواية: «الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ»
(5)
.
ومنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:
(1)
جزء من حديث في صحيح البخاري برقم 2891.
(2)
برقم 2891، وصحيح مسلم برقم 1009 ببعض الاختلاف.
(3)
برقم 6236، وصحيح مسلم برقم 39.
(4)
برقم 6233، وصحيح مسلم برقم 2160.
(5)
صحيح البخاري برقم 6231.
110]. قال القرطبي رحمه الله: «إنما صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة، لأن المسلمين منهم أكثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى»
(1)
.
وأخبر سبحانه أن الناجين من الأمم هم الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، قال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون} [هود: 117]. قال شيح الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ومن لم يكن في قلبه بغض ما يبغض الله ورسوله من المنكر الذي حرمه من الكفر، والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه»
(2)
. اهـ
(3)
.
ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يحث من رآه متخلفًا عن صلاة الجماعة إليها، وإذا رأى من يشرب الدخان، أو يستمع إلى الغناء والموسيقى نهاه عن ذلك، وإن مرَّ على من يغشُّ في بيعه وشرائه،
(1)
الجامع لأحكام القرآن (5/ 261).
(2)
الفتاوى (7/ 41).
(3)
الفتاوى (28 - 65 - 66).
أنكر عليه ذلك، ومن المنكرات الفاشية التي يجب التعاون على إنكارها لعظيم ضررها، تبرج النساء في الأسواق، والطرق واختلاطهن بالرجال، فالمنكرات إذا كثر إنكارها زالت أو تلاشت، وإن سكت عنها فشت وانتشرت، وبهذا امتازت أمة محمد صلى الله عليه وسلم وفُضِّلَتْ على سائر الأمم، قال تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون} [آل عمران: 110].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.