المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الأول) سجدة التلاوة - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٦

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الأول) سجدة التلاوة

(وحاصل) مذهب الحنبلية أن ترك السجود الواجب القبلى عمدا يبطل الصلاة كترك غيره من الواجبات. ولا تبطل بترك السجود البعدى، لأنه جبر للعبادة خارج عنها، فلا تبطل بتركه كجبر الحج، ولأنه واجب لها كالأذان. وفرق بين الواجب فى الصلاة والواجب لها، لأن الأذان واجب للصلاة كالجماعة ولا تبطل بتركه. بخلاف الواجبات فى الصلاة إذا ترك المصلى منها شيئا. افاده الشيخ منصور بن إدريس (1).

(وإن نسى) أن عله سجودا وسلم ثم ذكر، كبر وسجد سجدتى السهو وتشهد وسلم ما دام فى المسجد وإن تكلم، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجد بعد السلام (فقد) قال ابن مسعود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً فلما انفتل تشوش القوم بينهم فقال ما شأنكم؟ قالوا: يار سول الله هل زيد فى الصلاة؟ قال لا. قالوا فإنك قد صليت خمساً. فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم (الحديث) أخرجه مسلم (2){26}

ثم الكلام بعد هذا فى ثمانية أصول:

(الأول) سجدة التلاوة

هى سجدة واحدة بين تكبيرتين يأتى بها القارئ والسامع آيه من آيات السجود الآتى بيانها.

(وهى) مشروعه بالسنة وإجماع الأمة (قال) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ السورة التى فيها السجدة فى غير صلاة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (3){27} .

(1) انظر ص 268 جـ 1 - كشاف القناع قبل (صلاة التطوع).

(2)

انظر ص 65 حـ 5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة والسجود له).

(3)

انظر ص 177 ج 2 تيسير الوصول (سجود التلاوة).

ص: 45

والكلام فيه ينحصر فى اثنى عشر فرعاً:

(1)

سبب سجود التلاوة:

سببه التلاوة من عاقل مميز غير ممنوع من التلاوة فى حق التالى اتفاقا وكذا السامع على ما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

(2)

شرط السجود:

يشترط لصحته ما يشترط لصحة الصلاة ما عدا التحريمة ونية تعيين أنها سجدة آية كذا عند الجمهور، لأن سجود التلاوة كسجود الصلاة فيشترط له ما يشترط للصلاة.

(قال) النووى فى المجموع: حكم سجود التلاوة فى الشروط حكم صلاة النفل فيشترط فيه طهارة الحدث والطهارة عن النجس فى البدن والثوب والمكان، وستر العورة واستقبال القبلة ودخول وقت السجود، بأن يكون قد قرأ الآية أو سمعها. فلو سجد قبل انتهاء آية السجدة ولو بحرف واحد لم يجز (1).

(وقال) الإمام أبو بكر بن مسعود الكاسانى فى البدائع " كل ما هو " شرط جواز الصلاة من طهارة الحدث وهى الوضوء والغسل، وطهارة النجس وهى طهارة البدن والثوب ومكان السجود والقيام والقعود " فهو شرط" جواز السجدة (أى سجدة التلاوة) لأنها جزء من أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة. ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم إلا ألا نجد ثمة ماء أو يكون مريضا. وكذا لا يجوز أداؤها إلا إلى القبلة حال الاختيار إذا تلاها على الأرض ولا يجزيه الإيماء كما فى سجدات الصلاة. فإن اشتبهت عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة فأخطأ القبلة أجزأه، لأن الصلاة بالتحرى إلى غير جهة القبلة جائزة فالسجدة أولى.

(1) انظر ص 63 ج 4 شرح المهذب (شروط سجود التلاوة).

ص: 46

(ولو تلاها) على الراحلة وهو مسافر أو تلاها على الأرض وهو مريض لا يستطيع السجود، أجزأه الإيماء، لأن التلاوة أمر دائم بمنزلة التطوع فكان فى اشتراط النزول حرج بخلاف الفرض والنذر.

(وما وجب) من السجدة فى الأرض لا يجوز على الدابة، وما وجب على الدابة يجوز على الأرض، لأن ما وجب على الأرض وجب تاماً فلا يسقط بالإيماء الذى هو بعض السجود. فأما ما وجب على الدابة وجب بالإيماء، لما روى عن على رضى الله عنه أنه تلا سجدة وهو راكب فأومأ بها إيماء، وروى عن ابن عمر أنه سئل عمن سمع سجدة وهو راكب قال: فليوم إيماء. وإذا وجب الإيماء: فإذا نزل وأداها على الأرض، فقد أداها تامة فكانت أولى بالجواز ولو تلاها على الدابة فنزل ثم ركب فأداها بالإيماء جاز.

(كذا) يشترط لها ستر العورة لما قلنا. ويشترط النية لأنها عبادة فلا تصح بدون النية. وكذا الوقت حتى لو تلاها أو سمعها فى وقت غير مكروه فأداها فى وقت مكروه ولا تجزئه، لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص كالصلاة. ولو تلاها فى وقت مكروه وسجدها فيه أجزأه، لأنه أداها كما وجبت. وإن لم يسجدها فى ذلك الوقت مكروه وسجدها فى وقت أخر مكروه، جاز أيضاً، لأنه أداها كما وجبت، لأنها وجبت ناقصة وأداها ناقصة كما فى الصلاة إلا أنه لا يشترط لها التحريمة عندنا، لأنها لتوحيد الأفعال المختلفة ولم توجد وكذلك كل ما يفسد الصلاة عندنا من الحدث والعمل والكلام والقهقهة فهو مفسد لها وعليه إعادتها كما لو وجدت فى سجدة الصلاة (1).

(وقال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة من الطهارتين من الحدث والنجس، وستر العورة واستقبال القبلة والنية، ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه

(1) انظر ص 186 ج 1 - بدائع الصنائع (شرائط جواز سجدة التلاوة).

ص: 47

فى الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها (وبه) قال سعيد بن المسيب قال: ويقول: اللهم لك سجدت (وعن) الشعبى فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه (ولنا) قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور (1){28} فيدخل فى عمومه السجود، ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كذات الركوع (2) (ثم قال) ولا يسجد فى الأوقات التى لا يجوز أن يصلى فيها تطوعا. وقد سئل أحمد عمن قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد العصر أيسجد؟ قال لا (وبهذا) قال أبو ثور. وروى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق. وكره مالك قراءة السجدة وقت النهى. وعن أحمد رواية أخرى أنه يسجد (وبه) قال الشافعى. وروى ذلم عن الحسن والشعبى وسالم والقاسم وعطاء وعكرمة. ورخص فيه أصحاب الرأى قبل الشمس (ولنا) عموم قوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس (3){29} وروى أبو داود عن أبى تميمة الهجيمى قال: كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد فنهانى ابن عمر فلم أنته ثلاث مرار.

ثم عاد فقال: إنى صليت خلف النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومع أبى بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس أهـ (4){30}

(وقال) القرطبى فى تفسيره: وأما وقته فقيل يسجد سائر الأوقات مطلقاً

(1) هو صدر حديث أخرجه السبعة إلا البخارى عن ابن عمر وتقدم رقم 261 ص 268 ج 1 - دين (الطهارة للصلاة).

(2)

انظر ص 654 ج 1 - مغنى (الطهارة والتكبير لسجود التلاوة).

(3)

أخرجه أحمد والشيخان عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس وتقدم رقم 44 ص 28 ج 2 دين (الأوقات المنهى عن الصلاة فيها).

(4)

انظر ص 656 ج 1 مغنى (سجود التلاوة فى أوقات الكراهة) والحديث ص 38 ج 8 - المنهل العذب (من يقرأ السجدة بعد الصبح).

ص: 48

لأنها صلاة لسبب. وهو قول للشافعى وجماعة (وقيل) ما لم يسفر الصبح أو ما لم تصفر الشمس بعد العصر (وقيل) ولا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر (وقيل) يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر. وهذه الثلاثة الأقوال فى مذهبنا (أى المالكية) وسبب الخلاف " معارضة " ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتب عليها " لعموم " النهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح واختلافهم فى المعنى الذى لأجله نهى عن الصلاة فى هذين الوقتين (1).

(وقال) الشافعى: لا يكره سجود التلاوة فى أوقات النهى عن الصلاة، وبه قال سالم بن عمر والقاسم بن محمد وعطاء والشعبى وعكرمة وحسن البصرى ومالك فى وراية.

(وقالت) طائفة: يكره (منهم) ابن عمر وابن المسيب ومالك فى رواية.

(وقال) الشعبى: لا تشترط الطهارة ورجحه بعضهم.

(قال) العلامة الصنعانى فى سبل السلام: الأصل أنه لا تشترط الطهارة إلا بدليل، وأدلة وجوب الطهارة وردت للصلاة. والسجدة لا تسمى صلاة. فالدليل على من اشترط ذلك (2) وقال العلامة الشوكانى: ليس فى أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئاً.

وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحداً منهم بالوضوء، ويبعد أن يكونوا جميعاً متوضئين.

(وقد وروى) البخارى أن ابن عمر كان يسجد على غيره وضوء " أما ما رواه " البيهقى عنه بإسناد صحيح أنه قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر " فيجمع "

(1) أنظر ص 358 ج 7 - الجامع لأحكام القرآن (الخامسة وقت سجود التلاوة).

(2)

انظر ص 294 ج 1 سبل السلام (هل يشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة).

ص: 49

بينهما بأنه محمول على الطهارة الكبرى أو على حالة الاختبار. والأول على الضرورة أهـ بتصرف (1).

(3)

ركن السجود:

ركنه وضع الجبهة على الأرض كسجود الصلاة أو ما يقوم مقامه كالإيماء للمريض والتالى على الدابة. وهل يقوم مقامه ركوعه الصلاة وسجودهما؟ (قال) الحنفيون: يقومان مقامه إن نوى بركوع الصلاة سجود التلاوة، وكان على الفور من قراءة آية أو آيتين. ويقوم السجود مقامه وإن لم ينوه مستدلين بقوله تعالى: وخر راكعاً وأناب (2)(وعن) أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال: " إذا قرأت " سورة فيها سجدة بين السجدة والخاتمة آية أو آيتان، مثل بنى إسرائيل (3) والأعراف والنجم وإذا السماء انشقت " فأنت " بالخيار، إن شئت ركعت بها وأجزأتك. وإن شئت سجدت بها وقمت فقرأت غيرها ثم ركعت وإن صلت بها سورة فلابد أن تسجد بها. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (4)(5) ولأن المقصود الخضوع.

(وقال) الجمهور: لا يقوم ركوع الصلاة وسجودهما مقام سجود التلاوة فى حال الاختيار قياساً على سجود الصلاة (وأجابوا) على الآية بأن هذا شرع من قبلنا. فإن سلمنا أنه شرع لنا. حملنا الركوع هنا على السجود كما اتفق عليه المفسرون، وأما قولهم: المقصود الخضوع فجوا به أن الركوع ليس فيه من الخضوع ما فى السجود. فأما العاجز عن السجود فيومئ به كما فى سجود الصلاة. أفاده النووى (5).

(1) انظر ص 127 ج 3 نيل الأوطار (فائدة فى بيان أن الطهارة لا تعتبر لسجود التلاوة).

(2)

سورة ص عجز آية 24 وصدرها قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك.

(3)

هى سورة الإسراء.

(4)

انظر رقم 117 ص 24 الاثار (سجود التلاوة).

(5)

انظر ص 72 ج 4 شرح المهذب (السابعة من مسائل سجود التلاوة).

ص: 50

(4)

حكم السجود:

هو سنة " لقول " زيد بن ثابت: قرأت على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم النجم فلم يسجد. أخرجه البيهقى والدار قطنى والسبعة إلا ابن ماجه (1){31} فلو كان السجود واجباً ما تركه النبى صلى الله عليه وسلم " وعن ربيعه بن عبد الله " أنه حضر عمر رضى الله عنه وقرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى إذا جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال: أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب. ومن لم يسجد فلا إثم عليه. أخرجه مالك والبخارى والبيهقى (وفى) رواية للبخارى: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء (2){6}

(وعن) عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عند النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم السجدة فسجد، فسجد النبى صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: قرأ فلان عندك السجدة فسجدت. وقرأت فلم تسجد؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كنت إمامنا فلو سجدتَ سجدتُ. أخرجه الشافعى فى مسنده مرسلا وأبو داود فى المراسيل والبيهقى وقال: ورواه قرة عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة موصولا وقرة ضعيف (3). {32}

(1) انظر ص 324 ج 3 سنن البيهقى (لا يسجد المستمع إذا لم يسجد القارئ) وص 183 ج 5 مسند أحمد، وص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن)

(2)

انظر ص 177 منه (سجود التلاوة) وص 321 ج 2 سنن البيهقى (من لم ير وجوب سجدة التلاوة).

(3)

انظر ص 102 ج 1 بدائع المنن (سجود التلاوة) وص 324 ج 2 البيهقى (من قال لا يسجد المستمع إذا لم يسجد القارئ).

ص: 51

(وجه) الدلالة أن سجود التلاوة لو كان واجبا، لأمر النبى صلى الله عليه وسلم القارئ بالسجود وسجد معه ولم يتركه.

(وبهذا) قال الجمهور منهم عمر بن الخطاب وسلمان الفارسى وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق.

(وقال) الحنفيون: سجود التلاوة واجب على التراخى فى غير الصلاة أما فيها فعلى الفور لصيرورته جزءا منها ن ولذا قالوا: إذا قالوا: إذا قرأ آية السجدة فى الصلاة ولم يركع ولم يسجد حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجدة، لم تكف. وكذا لو نواها فى السجدة الصلبية. ولا تقضى خارج الصلاة، ويكون تاركها آثما. والدليل على وجوبه (حديث) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قرأ ابن آدم السحدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة. وأمرت بالسجود فعصيت فلى النار. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقى (1){33}

(وجه) الدلالة أن الحكيم إذا حكى عن غيره كلاما ولم ينكره، كان دليل الصحة. وهذا ظاهر فى الوجوب (ويدل) عليه أيضاً آيات السجود، لأنها ثلاثة أقسام: قسم فيه الأمر الصريح، وقسم فيه حكاية سجود الأنبياء. وقسم فيه حكاية استنكاف الكفرة من السجود حيث أمروا به. وكل من امتثال الأمر والاقتداء بالأنبياء ومخالفة الكفرة واجب.

(أقول) لا خلاف فى الواقع بين الجمهور والحنفيين، لأن الواجب عندهم بمنزلة السنة المؤكدة عند غيرهم

(5)

آيات السجود:

يطلب سجود التلاوة فى خمسة عشر موضعاً من القرآن (أربعة) فى النصف

(1) انظر ص 177 ج 2 تيسير الوصول (سجود التلاوة) ورقم 791 ص 415 ج 1 فيض القدير.

ص: 52

الأول وهى

(أ) فى آخر الأعراف عقب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (1){206}

(ب) وفى الرعد عقب قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (2){15}

(ج) وفى النحل عند الحنفيين عقب قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (3){49}

(وقال) غيرهم: السجود يكون عقب قوله تعالى {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (4){50}

(1)(إن الذين عند ربك) يعنى الملائكة، والعندية عنديه مكانة لا مكان، أو المراد عند عرش ربك (لا يستكبرون عن عبادته) أى لا يتكبرون عن طاعته (ويسبحونه) أى يعتقدون تنزيهه عما لا يليق به (وله يسجدون) أى يخصونه بالخضوع والتذلل له. فكونوا مثلهم، وخص السجود لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

(2)

الغدو، أول النهار، والآصال جمع أصل بضمتين وهو جمع أصيل، وهو من بعد العصر إلى الغروب، والمراد جميع الأوقات إن أريد بالسجود الخضوع والانقياد وأوقات الصلاة إن أريد حقيقته، والظلال جمع ظل، وهو يسجد حقيقة أو يخضع تبعا لصاحبه، وسجودها كلها طوعا، لخلوها عن النفس التى تحمل الإنسان على عدم الرضا، وكذلك سجود الملائكة وغير العاقل والإنس والجن المؤمنين العارفين بربهم المسلمين لأحكامه، وأما المنافق والجاهل بربه، فسجوده وخضوعه كرها بمعنى أن المقادير تجرى عليه رغم انفه.

(3)

المعنى لله - دون غيره - يخضع كل مخلوق فى السموات والأرض طوعا وكرها على ما تقدم، ولا يستكبرون عن عبادته ولا يتركونها، وخص الملائكة بالذكر تشريفا وتظيما لهم.

(4)

أى أن كل ما ذكر يخافون الله حال كونه مستعليا عليهم وقاهراً لهم، فالمراد بالفوقية الاستعلاء والقهر، لا الجهة لأنها مستحيلة على الله تعالى.

ص: 53

(د) وفى الإسراء عقب قوله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُواْ، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً {107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً {108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} {109} (1)

(وستة) فى الربع الثالث من القرآن وهى:

(أ) فى سورة مريم عقب قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} (2){58}

(1) قل: خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، أى قل للكفار: إن إيمانكم لا يزيد القرآن كمالا، وكفركم لا يورثه نقصا، لأنكم إن تؤمنوا بالقرآن فقد آمن به من هو خير منكم، وهم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسى والنجاشى وإذا تلى عليهم يذلون ويخضعون ساجدين لله على إنجاز وعده الذى وعدهم به أنه يرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن، ويقولون فى سجودهم: ربنا تنزيها لك عن خلف الوعد إن وعد ربنا بنزول القرآن وبعثه النبى صلى الله عليه وسلم لمحقق ومنجز ويبكون فى سجودهم ويزيدهم البكاء خشوعا وتواضعا لله تعالى.

(2)

أولئك، أى الأنبياء المذكورون فى هذه السورة - وهم: زكريا، ويحيى، وعيسى، وابراهيم، واسحاق، ويعقوب، وموسى، وهارون، وإسماعيل، وإدريس عليهم الصلاة والسلام - قد أنعم الله عليهم بالنبوه والصدق وقوة الحجة، وأن منهم من هو من ذرية آدم، وهو إدريس، ومن ذرية من كان مع نوح فى السفينة، وهو إبراهيم فإنه ابن ابنه سام، ومن ذرية إبراهيم وهو إسماعيل وإسحاق ويعقوب، ومن ذرية إسرائيل يعنى يعقوب، وهو موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى، وأنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن سجدوا وبكوا خضوعا وخشوعا.

ص: 54

(ب) الأولى من سورة الحج عقب قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (1){18}

(جـ) الثانية من سورة الحج عقب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2){77}

(1) المراد بسجود الشمس والقمر ونحوهما، خضوعها لله بما يريده منها، وقيل المراد به السجود الحقيقى (فقد قال) أبو العالية: ما فى السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يأذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه، ذكره ابن كثير {7} انظر ص 562 ج 5 - الحج آية 18 (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كتبت عنده سورة والنجم، فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه وسجدت الدواة والقلم، أخرجه البراز بسند رجاله ثقات {34} انظر ص 285 ج 2 مجمع الزوائد (باب ثالث منه) (وعن) أبى ذر قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبىذر حين غربت الشمس: أتدرى أين تذهب؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها ارجعى من حيث جئت حتى تطلع من مغربها (الحديث) أخرجه البخارى {35} انظر ص 188 ج 6 فتح البارى (صفة الشمس والقمر. بدء الخلق)

(وقيل) المراد بسجود الجبال والشجر ك فى ظلالها عن اليمين والشمال. وسيأتى ما يدل على سجود الشجر حقيقة، والمراد بمن حق عليه كلمة العذاب الكفار لامتناعهم من السجود المتوقف على الإيمان.

(2)

المعنى اركعوا واسجدوا فى الصلاة، أوصلوا ن وعبر بالركوع والسجود عن الصلاة، لأنهما أعظم أركانها فالمراد سجود الصلاة لا التلاوة وبه قال الحنفيون والمالكية

ص: 55

(د) وفى سورة الفرقان عقب قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} (1){60}

(هـ) وفى سورة النمل عند الحنفيين عقب قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (2) {24} أَلَاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (3){25}

(1) المعنى إذا قال النبى صلى الله عليه وسلم لكفار مكه وعبدة الأصنام، اعبدوا الرحمن الذى أوجدكم من العدم ورباكم على موائد الكرم، قالوا: لا نعرف الرحمن. وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسم الرحمن (أنسجد لما تأمرنا) استفهام إنكارى، أى لا نسجد للرحمن الذى تأمرنا بعبادته لمجرد قولك يا محمد (وزادهم) هذا القول (نفورا) عن الإيمان، فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الرحمن الرحيم ويسجدون له دون سواه.

(2)

هو من كلام الهدهد يصف عباد الشمس فقال: (وزين لهم الشيطان) حسن (أعمالهم) القبيحة (فصدهم عن السبيل) سبيل التوحيد والهداية الذى جاء به الأنبياء والرسل (فهم لا يهتدون) إلى الحق.

(3)

(ألا يسجدوا) بتشديد ألا، معمول لزين، أى فزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، وقيل منصوب بصد، أى فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا، فحذف الجار وأدغمت النون فى اللام، وقيل إن (لا) زائدة، والمعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا.

ص: 56

(1)(الله لا اله إلا هو رب العرش العظيم) أى هو المستحق للعبادة دون غيره (ولما) كان الهدهد داعيا إلى الخير وعبادة الله تعالى وحده والسجود له دون غيره، نهى عن قتله (فعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد، أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه بسند صحيح] 37 [انظر ص 294 ج 8 نبل الأوطار (باب ما استفيد تحريم قتله).

(والمراد) النمل الكبير ذو الرجل الطوال، لأنه قليل الأذى، أما النمل الصغير فقتله جائز، وكره مالك قتل النمل مطلقا إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل.

والصرد كعمر، طائر ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود، ونهى عن قتله لحومه أكله وكذا الهدهد، لأنه منتن الريح فصار فى معنى الجلالة، وتمامه فى النهاية.

(2)

نزلت هذه الآية تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم لحزنه على بقاء من كفر على كفره ن فكأن الله يقول له: لا تحزن عليهم فإن أهل الإيمان جبلوا على الاتعاظ بالقرآن، والكفار جبلوا على عدم الاتعاظ به (فريق فى الجنة وفريق فى السعير) فهى مستأنفه لبيان من يستحق الهداية إلى الإيمان ومن لا يستحقها. والمعنى: إنما لا غيرهم ممن لا يوعظ بها ولا يتذكر ولا يؤمن بها، ومعنى (خروا سجدا)(سقطوا) على وجوهمم ساجدين تعظيما لايات الله وخوفا من عقابه، أو المعنى اتعظوا بالآيات = واستمعوا لها واعملوا بمقتضاها، وخص السجود بالذكر، لانه غاية الذل والخضوع وهو لا يكون إلا لله 0 وسبحوا بحمد ربهم) أى اعتقدوا أنه سبحانه وتعالى منزه عن كل ما يليف بجلاله وكماله، متلبسين بحمده على ما أولاهم من النعم التى أجلها وأكملها الهداية إلى الإيمان، والمعنى أنهم جمعوا فى سجودهم بين التنزيه والحمد بقولهم: سبحان الله والحمد لله أو سبحان وبحمده، أو سبحان ربى الأعلى وبحمده، أو المعنى صلوا حامدين لربهم (وهم لا يستكبرون) أىلا يتكبرون عن طاعة الله تعالى والانقياد لأوامره ولا يأنفون من العمل بها كما يفعله جهلة الكفرة الفجرة قال تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين (وقال) ابن عباس: نزلت هذه الآية فى شأن الصلوات الخمس (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا) أى أتوها (وسبحوا) أى صلوا بامر ربهم (وهم لا يستكبرون) عن إتيان الصلاة فى الجماعات أخرجه البيهقى فى الشعب (8) انظر ص 246 ج 4 فتح القدير للشوكانى (تفسير سورة السجدة).

ص: 57

(وخمسة) فى الربع الرابع من القرآن وهى:

(1)

فى سورة ص عند الجمهور عقب قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} (1){24}

(1) نزلت هذه الاية فى قصة سيدنا داود عليه الصلاة والسلام مع الخصمين (وحاصلها) أن جماعة من بنى إسرائيل ارادوا قتل سيدنا داود عليه السلام، وكان له يوم يخلو فيه بنفسه ويشتغل بطاعة ربه، فانتهزوا الفرصة فى ضلك وتسوروا المحراب أى تصعدوا محل عبادته من السور، فلما رآهما دخلا عليه لا من الطريق المعتاد، علم أنهم ارادوا به الشر (ففزع منهم، قالوا لا تخف خصمان) أى نحن خصمان (بغى بعضنا على بعض) أى بغى أحدنا على الآخر، ثم قرروا مقصدوهم بثلاث عبارات متلازمة، الأولى (فاحكم بيننا بالحق) أى بالعدل ن والثانية (ولا تشطط) أى لا تبعد عن الحق من الإشطاط وهو والشط، البعد، والثالثة (واهدنا إلى سواء الصراط) أى ارشدنا إلى الصواب، ثم فصلا الخصومة فقال احدهما مشيرا إلى الاخر (إن هذا أخى) فى الدين أو النسب أو الصحبة أو الخلطة (له تسع وتسعون نعجة) وهى الأنثى من الضأن وتطلق على بقر الوحش (ولى نعجة واحدة فقال = أكفليها) أى ملكنيها فاكفلها وأضمها إلى ما تحت يدى (وعزنى فى الخطاب) أى غلبنى فى المخاطبة، لأنه كان أفصح منى وذا قوة وبطش، واقره المدعى عليه على ذلك (قال)(داود عليه السلام (لقد ظلمك بسؤال نعجتك) ليضمها (الى نعاجه، وإن كثيرا من الخلطاء) أى الشركاء الذين خلطوا أموالهم (ليبغى) أى يتعدى (بعضهم على بعض) ويظلمه غير مراع حق الآخر (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإنهم يتحاشون ذلك ولا يظلمون خليطا ولا غيره (وقليل ما هم) أى وهم قليل، فما زائدة للتوكيد، وقليل خبر مقدم، وهم مبتدأ مؤخر " وقيب " ما موصولة، أى وقليل الخلطاء اسوة (وظن) أى أيقن (داود أنما فتناه) أى ابتليناه .. وذلك أنهم لما دخلوا عليه قاصدين قتله، وكان ذا سلطان وقوة شديدة وقد فزع منهم ثم عفا عنهم، فدخل قلبه شئ من العجب ن فجعله على الابتلاء (فاستغفر ربه) أى طلب منه المغفرة من هذه الحالة (وخر راكعا) أى ساجدا أو ركع أولا ثم سجد (وأناب) أى رجع الى الله تعالى واعترف بأن عفوه مع القدرة لم يكن الابتوفيق الله تعالى.

ص: 58

(1)(فغفر له ذلك) الخاطر. ويحتمل أنه هم بإيذائهم ثم تذكر انه لم يقم عنده دليل على انهم قصدوا به سواء فعفا عنهم، ثم استغفر ربه من ظنه بهم الشر (وإن له عندنا لزلفى) أى زيادة خير فى الدنيا (وحسن مآب) أى كمال من الانس وكانت الخصومة على غنم كانت بينهما ـ او كانت الخلطة خلطة الصداقة أو الجوار، وكان احدهماموسرا له غنم كثيرة والآخر معسرا له نعجة واحدة " ولا يرد " عليه أن داود كان ارفع منزلة من أن يتسور عليه بعض آحاد الرعية فى حال تفرغه للعبادة او يتجاسروا عليه بقوله: لا تخف ولا تشطط " لأن هذا " استبعاد محض لا مانع من حصوله " ولا يقال " كيف سارع داود عليه السلام الى تصديق أحد الخصمين على ظلم اللاخر له قبل استماع كلامه " لأنا نقول ط إنه ما حكم إلا بعد اعتراف صاحبه وإن لم يذكر فى القرآن اكتفاء بعلمه (قال) العلامة النيسابورى فى تفسيره: ومما ييد هذا القول =

ص: 59

(ب) وفى سورة فصلت عقب قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ

= ختم ذكر الواقعة بقوله (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) والزلفى القربة، والمأب الحسن، الجنة أهـ.

(وهذا) هو الذى بنفق وسياق القرىن ومنزلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، " وأما " ما قيل من أنه أرسل أوريا ط بضم الهمزة وسكون الراء " إلى الجهاد مرارا وأمر أن يقدم حتى قتل، ليتزوج أمراته " فكذب " وبهتان لا يليق فى حق أى مؤمن فضلا عن نبى رسول مدحه رب العالمين بقوله: واذكر عبدنا داود ذا الإيد إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (قال) الفخر الرازى: والذى أدين الله به وأذهب إليه أن ذلك باطل لودوه (منها) أن هذه الحكاية لا تناسب داود، لأنها لو نسيت إلى افسق الناس واشدهم فجورا لا نتفى منها والذى نقل هذه القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل، لبالغ فى تنزيه نفسه وربما لعن من نسبه إليها، فكيف يليق بالعاقل مسبة المعصية إلى داود عليه السلام (ومنها أن الله تعالى وصف داود عليه السلام بصفات تنافى صدور هذا الفعل منه (فقد) امر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بداود فى الصبر على المكاره فقال: اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب ط فلو قلنا " إن داود عليه السلام لم يصبر على مخالفة النفس بل سعى فى غراقة دم عبد مسلم لغرض شهوته " فكيف " يليق باحكم الحاكمين أن يأمر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بداود فى الصبر (ووصفه) بكونه عبد له والمقصود من هذا الوصف بيان كون الموصوف كاملا فى وصف العبودية حيث تخلى عن المحظورات وابتعد عن الشهوات وامتثل المامورات. ولو قلنا بما قالوا ما كان داود كاملا إلا فى طاعة الهوى والشهوة (ووصفه) الله بقوله (ذا الايد) أى صاحب القوة فى الدين، لأن القوة الكاملة فى اجتناب المحظورات وأداء الواجبات. وأى قوة لمن لم يملك نفسه عن قتل المسلم لرغبة فى زوجته (ووصفه) بكونه (أوابا) أى كثير الرجوع إلى الله تعالى ن فكيف يوصف بهذا من قلبه مشغول بالفسق والفجور، كالرغبة فى قتل المسلم ليتزوج أمراته أهـ ملخصا

(وعلى الجملة) فقد أثنى الله على داود عليه السلام قبل هذه القصة وبعدها. وهو =

ص: 60

وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (1){37}

(وهذا) مذهب المالكية والليث بن سعد وبعض الشافعية والحسن البصرى وإبراهيم النخعى (وروى) عن عمر وابن مسعود وابن عمر كما أخرجه ابن سعد وابن أبى شيبه من طريق نافع.

(وقال) الحنفيون وأكثر الشافعية والحنبليون والثورى وإسحاق: يسجد

= دليل صريح على بطلان ما نسبوه إليه وهو شنيع، فكيف يتوهم عاقل ان يقع بين مدحين ذم. ولو وقع ذلك فى كلام بعض الناس لاستهجنه العقلاء، فكيف بكلام الله تعالى (وقال) ابن كثير فى تفسيره: قد ذكر المفسرون هاهنا أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث يجب اتباعه، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله ن فإن القرآن حق وما تضمنته فهو حق ايضا أهـ بحذف.

(1)

سيقت هذه الاية لبيان بعض الايات الدالة على كمال قدرته تعالى وإحاطة علمه وقوة تصرفه وأنه الواحد القهار الفعال لما يريد، وللرد على من عبدوا غيره كالشمس والقمر. قال (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر) أى أنه خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه، وهما متعاقبان لا يسبق أحدهما الآخر، والشمس وإشراقها، والقمر وضياءه، وقدر منازلهما ومسيرهما " كل فى فلك يسبحون " ثم نهاهم عن عبادتهم فقال (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) لأنهما مخلوقان من مخلوقاته تحت قهره وتسخيره (واسجدوا الله الذى خلقهن) أى خلق الربعة المذكورة وغيرها (إن كنتم إياه تعبدون) كان قوم يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لها السجود لله، فنهوا عن ذلك وعن أن يشركوا به غيره فى العبادة والسجود، فإنه لا تنفعهم عبادتهم لله مع عبادتهم لغيره، فغنه لا يغفر ان يشرك به. ولذا قال سبحانه (فإن استكبروا) أى تكبروا عن إفراد الله بالعبادة وابوا إلا أن يشركوا معه غيره (فالذين عند ربك) يعى الملائكة والعندية عندية مكانه وشرف لا مكان (يسبحون)(أى يصلون. له بالليل والنهار وهم لا يسئمون) أى لا يملون ولا يفترون عن عبادته

ص: 61

عقب قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} {38}

(وروى) عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن سيرين.

(قال) النووى فى المجموع: سجدة حم السجدة فيها وجهان لأصحابنا (أصحهما) عند يسأمون. وبه قطع الأكثرون (والثانى) أنها عند قوله تعالى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} . (وحكى) ابن المنذر هذا المذهب عن عمر بن الخطاب والحسن البصرى وزيد بن الحارث ومالك والليث رضى الله عنهم.

(وحكى) الأول عن ابن المسيب وابن سيرين أيضا والثورى وإسحاق وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد (1).

(جـ) وفى سورة النجم عقب قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ {61} فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (2){62}

(د) وفى سورة الإنشقاق عقب قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (3){21}

(1) انظر ص 60 ج 4 شرح المهذب (باب سجود التلاوة).

(2)

المعنى أتعجبون أيها الكفار من أن يكون هذا القرآن صحيحا منزلا من عند الله (وتضحكون) منه استهزاء وسخرية (ولا تبكون) لسماع وعده ووعيده كما يفعل المؤمنون قال الله تعالى: وإذا اتتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا. مريم: (58) زقال: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا الإسراء: (109)، (وأنتم سامدون) أى لاهون معرضون غافلون عما يطلي منكم (فاسجدوا لله واعبدوا) أى اخضعوا له وأخلصوا له فى العبادة ووحدوه. هذا والمراد بالسجود سجود الصلاة عند مالك وسجود التلاوة عند غيره كما سيأتى بعد إن شاء الله.

(3)

(فمالهم لا يؤمنون) الخ اى بعد ظهور هذه الأدلة العلوية والسفلية الدالة على الخالق العظيم والقادر العليم جل شأنه ماذا يمنع الكفرة الفجرة من الإيمان = بالله ورسوله واليوم الآخر؟ وما لهم إذا تليت عليهم آيات الله وكلامه لا يسجدون إعظاما وإكراما واحتراما؟ فالمراد بالسجود سجود التلاوة عند الجمهور.

(وقال) مالك: المراد به السجود اللغوى وهو الخضوع على ما سيأتى بيانه.

ص: 62

(هـ) وفى سورة اقرأ عقب قوله تعالى: {كَلَا لَا تُطِعهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (1){19}

(1) روى أبو حازم عن ابى هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا نعم. فقال: واللات والعزى لئن رايته يصلى كذلك، لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فى التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه. فقيل له مالك؟ فقال: إن بينى وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لودنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وأنزل الله تعالى (كلا إن الإنسان ليطفى) الخ السورة. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى {38} انظر ص 249 ج 9 تفسير ابن كثير (سورة اقرأ).

(وعن عكرمة) عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى عند المقام فمر بع أبو جهل بن هشام فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره. فقال يا محمد بأى شئ تهددنى؟ أما والله إنى لأكثر هذا الوادى ناديا. فأنزل الله تعالى (فليدع ناديه سندع الزبانية) قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. أخرجه أحمد والنسائى وابن جرير والترمذى وقال حسن صحيح (9) انظر ص 248 ج 9 تفسير ابن كثير.

(وعن عكرمة) عن ابن عباس قال: قال أبو جهل: لئن رابت محمدا يصلى عند الكعبة لاطأن على عنقه فبلغ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: لئن فعل لأخذته الملائكة عيانا. أخرجه البخارى والنسائى والترمذى] 39 [انظر ص 248 ج 9 منه.

(ومنه) يعلم أن قوله تعالى " ارايت الذى ينهى عبد اذا صلى الى آخر السورة نزل فى أبى جهل لعنه الله النبى صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه =

ص: 63

ودليل ذلك حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة فى القرآن: منها ثلاث فى المفصل، وفى سورة الحج

= الله أولا بالحسنى فقال (ارايت) أى أخبرنى (إن كان على الهدى) أى فماظنك إن كان المنهى على الطريق المستقيم فيما يفعل؟ (أو أمر بالتقوى) بقوله، وأنت تزخره وتتوعده على صلاته؟ (ارايت) هى فى المواضع الثلاثة للتعجب، وهو إيقاع المخاطب فى العجب. والخطاب قيل للنبى صلى الله عليه وسلم، وقيل لكل من يتأتى خطابه (إن كذب وتولى) أى إن دوام أبو جهل على تكذيبه النبى صلى الله عليه وسلم وتوليه عن الإيمان (ألم يعلم بأن الله يرى) أى أما علم هذا الناهى لهذا المهتدى أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله الجزاء الأوفى؟

(والمعنى) اعجب منه يا مخاطب حيث ينهى عن الصلاة والمنهى على الهدى آمر بالتقوى والناهى مكذب متول عن الايمان. ثم توعده وهدده الله تعالى بقوله (كلا) ردع وزجر لأبى جهل ونحوه (لئن لم ينته) أى لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والكفر والعناد (لنسفعا بالناصية) السفع القبض على الشئ بشدة، والناصية فى الأصل مقدم الراس أو الشعر المقدم. والمراد هنا الشخص. والمعنى لنأخذنه أخذ عزيز مقتدر بالهلاك فى الدنيا يوم بدر (فقد) قال عبد الرحمن بن عوف: بينا ابا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وشمالى فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة اسنانها تمنيت أن أكون بين اضلع منهما (جمع ضلع) فغمزنى أحدهما فقال: يا عم هل تعرف ابا جهل؟ قلت: نعم ما حاجتك إليه يابن أخى؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لئن رايته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك. فغمزنى الآخر فقال لى مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يجول فى الناس فقلت: ألا إن هذا صاحبكما الذى سالتمانى. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرا هـ فقال: أيكما قتله؟ قال كل واحد منهما أنا قتلته. قال هل مسحتما سيفكما؟ قالا. لا. فنظر فى السيفين فقال: كلا كما قتله وجعل سلبه (بفتحتين أى ما معه من ثيابه وسلاحه ومركبه وغيرها) لمعاذ بن عمرو ابن الجموح وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح. اخرجه أحمد والبخارى] 40 [انظر ص 36 ج 21 - الفتح الربانى. وص 218 ج 7 فتح البارى. =

ص: 64

سجدتان. أخرجه أبو داود وابن ماجه والدار قطنى والبيهقى والحاكم وحسنة المنذرى والنووى وضعفه عبد الحق وابن القطان، لأن فى سنده الحارث بن سعيد العتقى وعبد الله بن منين. متكلم فيهما (1){41}

(وحديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس. أخرجه البخارى والترمذى وصححه (2){42}

(وقول) أبى هريرة: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى

= هذا خزى له فى الدنيا، وله فى الآخرة العذاب الأليم فى نار الجحيم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. وقوله (ناصية) بدل مما قبلها (كاذبة) فى مقالها (خاطئة) فى افعالها (فليدع ناديه) أى قومه وعشيرته لينصروه، ومن لم ينصره الله فلا ناصر له، والنادى فى الأصل المجلس يتحدث فيه القوم، والمراد به هنا أهله (سندع الزبانية) وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أم حزبه؟ وقد تقدم فى الحديث: لو دعا ناديه لأخذته الملائكة عيانا (ملا لا تطعه) خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، أى لا تطعه فيما ينهاك عنه من الطاعة وكثرتها، وصل حيث شئت ولا تبال، فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس واسجد أى سجود التلاوة عند الأئمة الثلاثة (وقال) مالك: معناه صل (واقترب) أى اكتسب القرب من ربك فى السجود، فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لأنه نهاية العبودية والذلة لله تعالى. ولله العزة التامة.

(1)

انظر ص 19 ج 8 - المنهل العذب (كم سجدة فى القرآن) وص 169 ج 1 سنن ابن ماجه (عدد سجود القرآن) وص 156 سنن الدار قطنى (سجود القرآن) و (العتقى) بضم ففتح نسبة الى العتقين وهم عدة قبائل.

(2)

انظر ص 375 ج 2 فتح البارى (سجود المسلمين مع المشركين) وص 398 ج 1 تحفة الأحوذى (السجدة فى النجم).

ص: 65

إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك الذى خلق. أخرجه السبعة إلا البخارى (1){43}

(وحديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال: يكفينى هذا. قال عبد الله: ولقد رايته بعد قتل كافرا وهو أمية بن خلف. أخرجه أحمد والخمسة إلا الترمذى. وهذا لفظ البخارى (2) {

44}

(1) انظر ص 77 ج 5 نووى مسلم (سجود التلاوة) وص 27 ج 8 - المنهل العذب (السجود فى: إذا السماء انشقت واقرأ) وص 398 ج 1 تحفة الأحوذى وقال حديث حسن صحيح وص 169 ج 1 سنن ابن ماجه (عدد سجود القرآن).

(2)

أنظر ص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن) وص 388 ج 1 مسند أحمد.

قال القاضى عياض: كان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود رضى الله عنه أنها أول سجدة نزلت ط وأما ما يرويه " الاخباريون والمفسرون، أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على ىلهة المشركين فى سورة النجم " فباطل ط لا يصح فيه شئ، لا من جهة النقل ولا من جهة العقل، لأن مدح إله غير الله تعالى كفر ن ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يقوله الشيطان على لسانه، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك اهـ انظر ص 75 ج 5 شرح مسلم.

(يشير) القاضى إلى ما ذكره بعض المفسرين والمؤرخين من قصة الغرانيق ورجوع كثير من المهاجرين إلى ارض الحبشة، ظا منهم أن مشركى قربش قد اسلموا وقد ذكرها البغوى فقال: قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظى وغيرهما من المفسرين: لما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى فى نفسه أن ياتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه =

ص: 66

(وبهذا) قال الليث وإسحاق وابن المنذر. وابن حبيب وابن وهب المالكيان. وروى عن أحمد.

= على إيمانهم، فكان يوما فى مجلس لقريش فانزل الله تعالى سورة النجم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يلغ قوله: افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، القى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لتربحى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قراءته، يقرأ السورة كلها وسجد فى آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من فى المسجد من المشركين. فلم يبق فى المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد ين المغيرة وابو سعيد بن العاص، فإننهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها الى جبهتهما وسجدا عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطع السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر. وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق، ولكن ىلهتنا هذه تشفع عنده، فإن جعل لها محمد ماذا صنعت، لقد تلوت على الناس ما لم آتت به عن الله عز وجل، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا، فإنزل الله هذه الآية يعمى (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى وإلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى امنيته) الحج 52 - يعزيه وكان به رحيما، وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش، وقيل اسلمت قريش وأهل مكة. فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا هم أحب غلينا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذى كانوا يحدثونه من إسلام أهل مكة كان باطلا، فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا فلما نزلت هذه الآية قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك وكان الحرفان اللذان القى الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا فى فم كل مشرك، فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من اسلم، انظر ص 600 وما بعدها ج 5 معالم التريل (آية 52 الحج).

(وهى) قصة باطلة مردودة عقلا ونقلا وقد تصدى لردها وتزييفها كثير من علماء السلف والخلف (قال) الفخر الرازى: هذه رواية المفسرين الظاهريين، أما أهل =

ص: 67

(وقال) الحنفيون: آيات السجود أربع عشرة آية، وهى المذكورة إلا ثانية الحج، فإن السجود فيها للصلاة لا للتلاوة، بدليل اقترانه بالركوع

= التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعه، واحتجوا على البطلان بالقرىن والسنة والمعقول أما القرآن فمن وجوه (أحدها) قوله تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46)(نياط القلب) سورة الحافة.

(وثانيهما) قوله: قال ما يكون لى أن ابدله من تلقاء نفسى، إن اتبع إلا ما يوحى إلى. سورة يونس من آية 15.

(وثالثها) قوله: وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحى يوحى (4) النجم فلو أنه قرا عقيب هذه الأية ز تلك الغرانيق لعلا، لكان قد ظهر كذب الله تعالى فى الحال وذلك لا يقوله مسلم.

(ورابعها) قوله تعالى: وإن كادوا ليفتنوك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره، وإذا لا تخذوك خليلا. سورة الإسراء 73 (وكلمة) كاد عند بعضهم معناها قرب ان يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل.

(وخامسها) قوله: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا سورة الإسراء: 74 وكلمة لولا تفيد انتفاء الشئ لانتفاء غيره، فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل.

(سادسها) قوله: كذلك لنثبت به فؤادك من آية 32 - الفرقان.

(وسابعها) سنقرئك فلا تنسى - الأعلى: 6.

(وأما السنة) فهى ما روى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة وصف فيه كتاباً (وقال) الإمام ابو بكر أحمد بن الحسين البيهقى: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم فى أن رواة هذه القصة مطعون فيهم (وايضا) فقد روى البخارى فى صحيحه أن النبى عليه الصلاة والسلام سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والإنس والجن. وليس فيه حديث الغرانيق (وأما المعقول) فمن وجوه (أحدها) أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان، فقد كفر ن لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان فى نفى =

ص: 68

" ولقول" ابن عباس وابن عمر: سجدة التلاوة فى الحج هى الآولى، والثانية سجدة الصلاة. ذكره الزيلعى (وقال) وقرأنها بالركوع يؤيد ما روى عنهما {10}

= الأوثان (وثانيها) أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يمكنه فى أول الأمر أن يصلى ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا ايديهم اليه. وإنما كان يصلى إذا لم يحضروها ليلا او فى أوقات خلوه. وذلك يبطل قولهم.

(وثالثها) أن معاداتهمللرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه أعظم آلهتهم حتى خروا سجدا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.

(ورابعها) قوله فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ىياته وذلك لأن إحكام الايات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول. اقوى من نسخه بهذه الايات التى تبقى الشبهة معها. فإذا اراد الله إحكام الآيات - لئلا يلتبس ما ليس بقرىن بالقرآن - فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى

(وخامسها) وهو اقوى الوجوه أنا لو جوزنا ذلك، ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا فى كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ن ويبطل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تقعل فما بلغت رسالته، والله بعصمك من الناس آية 67 - المائدة فإنه لا فرق فى العقل بين النقصان عن الوحى وبين الزيادة.

(فبهذه) الوجوه عرفنا على سبيل الأجمالى أن هذه القصة موضوعه، وأكثر ما فى الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها ن لكنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة أهـ ص 168 ج 6 مفاتيح الغيب (سورة الحج المسالة الثانية فى كونه صلى الله عليه وسلم هل تكلم فى أثناء قراءته بقوله: تلك الغرانيق العلا؟ ).

(وقال) الأستاذ الشيح محمد عبده فى كلمة له فى مسالة الغرانيق بعد كلام: وأما قصة الغرانيق فمع ما فيها من الاختلاف الذى سبق ذكره، جاء فى تنميمها أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفطن لما ورد على لسانه، وأن جبريل جاءه بعد ذلك فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين قال له ما جئتك بهاتين، فحزن لذلك، فانزل الله عليه =

ص: 69

انظر ص 205 ج 1 تبين الحقائق.

= وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ىياته والله عليم حكيم (52) * ليجعل ما يلقى الشيطان فتنه للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، وإن الظالمين لفى شقاق بعيد (53) * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهادى الذين آمنوا إلى صراط مستقيم (54) * ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغته أو ياتيهم عذاب يوم عقيم (55) الحج كما أنزل لذلك قوله ك وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره، وإذا لاتخذوك خليلا (73) *ولولا أن ثبتناك لقد كدت اليهم شيئا قليلا (74) * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا (75) الإسراء

وفى بعض الروايات: أن حديث الغرانيق فشافى الناس حتى بلغ ارض الحبشة فساء ذلك المسلمين والنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت: وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الآية، 0 قال) القسطلانى فى شرح البخارى: وقد طعن فى هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة حتى قال ابن اسحاق وقد سئل عنها: هى من وضع الزنادقة أهـ.

وكفى فى إنكار حديث ان يقول فيه أبن إسحاق: إنه من وضع الزنادقة، مع حال ابن إسحاق المعروفة عند المحدثين (وقال) الإمام أبو بكر بن العربى - وكفى به حجة فى الرواية والتفسير - إن جميع ما ورد فى هذه القصة لا أصل له أهـ.

(أما ماذكره) ابن حجر من أن القصة رويت مرسلة من ثلاث طرق على شرط الصحيح، وأنه يحتج بها من يرى الاحتجاج بالحديث المرسل، بل ومن لا يراه كذلك، لأنها متعددة يعضد بعضها بعضا أهـ " فقد رده " صاحب الإبريز بقوله: إن العصمة من العقائد التى يطلب فيها اليقين فالحديث الذى يفيد خرمها ونقضها لا يقبل على أى وجه جاء، وقد عد الأصوليون الخبر الذى يكون على تلك الصفة من الأخبار التى يجب القطع بكذبها وهذا لو فرض اتصال الحديث. فما ظنك بالمراسيل، وإنما الخلاف فى الاحتجاج بالمرسل وعدم الاحتجاج به فيما هو من قبيل الأعمال وفروع =

ص: 70

(وعن) أبى يوسف عن أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد فى ص، ولا يسجد فى سورة الحج إلا فى الأولى. أخرجه

= الأحكام، لا فى أصول العقائد ومعاقد الإيمان بالرسل وما جاءوا به، فهى هفوة من ابن حجر يغفرها الله له

هذا ما قاله الأئمة - جزاهم الله خيرا - فى بيان فساد هذه القصة، وأنها لا اصل لها ولا عبرة براى من خالفهم، فلا يعتد بذكرها فى بعض كتب التفسير وإن بلغ اربابها من الشهرة ما بلغوا أهـ ملخصا. ثم قال:

(تفسير الآيات) والآن أفسر الايات على الوجه الذى تحتمله ألفاظها وتدل عليه عباراتها.

(الأول) أن يكون تمنى بمعنى قرا. والأمنية بمعنى القراءة. وهو معنى قد يصح وقد ورد استعمال اللفظ فيه (قال) حسان بن ثابت فى عثمان رضى الله عنهما: تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر

غير أن الإلقاء لا يكون على المعنى الذى ذكروه، بل على المعنى المفهوم من قولك (ألقيت فى حديث فلان) إذا أدخلت فيه ما ربما يحتمله لفظه ولا يكون قد اراده أو نسيت إليه ما لم يقله تطلا بان ذلك الحديث يؤدى إليه. وذلك من عمل المعاجزين الذين ينصبون أنفسهم لمحاربة الحق ن يتبعون الشبهة ويسعون وراء الريبة، فالإلقاء بهذا المعنى دابهم، ونسبة الإلقاء إلى الشيطان، لأنه مثير الشبهات بوساوسه، مفسد القلوب بدسائسه، وكل ما يصدر من اهل الضلال يصح أن ينسب إليه، ويكون المعنى وما ارسلنا قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا حدث قومه عن ربه أو تلا وحيا أنزل فيه هدى لهم، قام فى وجهه مشاغبون يحولون ما يتلوه عليهم عن المراد منه ويتقولون عليه ما لم يقله وينشرون ذلك بين الناس ن ليبعدوهم عنه ويعدلوا بهم عن سبيله، ثم يحق الله الحق ويبطل الباطل، ولا زال الأنبياء يصبرون على ما كذبوا وأوذوا، ويجاهدون فى الحق، ولا يعتدون بتعجيز العجزين، ولا يهزؤ المستهزئين، إلى أن يظهر الحق بالمجاهدة، وينتصر على الباطل بالمجاهدة، فينسخ الله تلك الشبه ويحثها من أصولها، ويثبت آياته ويقررها، وقد وضع الله هذه السنة فى الناس ليتميز الخبيث من =

ص: 71

أبو يوسف فى الآثار {11} انظر رقم 206 ص 40 (وقال) ابن عباس رضى الله عنهما: ليست من عزائم السجود. وقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ويقول سجدها داود توبة ونسجدها شكراً. أخرجه الخمسة

= الطيب، فيفتتن الذين فى قلوبهم مرض وهم ضعفاء العقول بتلك الشبه والوساوس فينطلقون وراءها، ويفتنن بها القاسية قلوبهم من أهل العناد والمجاحدة، فيتخذونها سندا يعتمدون عليها فى جدلهم، ثم يتمحص الحق عند الذين اوتوا العلم ويخلص لهم بعد ورود كل شبهة عليه، فيعلم أنه الحق من ربك فيصدقوا به فتخبت وتطئن له قلوبهم، والذين أوتوا العلم هم الذين رزقوا قوة التمييز بين البرهان القاطع الذى يستقر بالعقل فى قرارة اليقين. وبين المغالطات وضروب السفسطة التى تطيش بالفهم وتطير به مع الوهم، وتأخذ بالعقل تارة ذات الشمال ن وأخرى ذات اليمين " وسواء " ارجعت الضمير فى (أنه الحق) على ما جاءت به الايات المحكمة من الهدى الإلهى أو إلى القرآن وهو أجلها " فالمعنى " من الصحة على ما يراه أهل التمكين.

هؤلاء الذين اوتوا العلم هم الذين آمنوا وهم الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ولم يجعل للوهم عليهم سلطانا فيحيد بهم عن ذلك المنهج القويم "وأما الذين " كفروا وهم ضعفاء العقول ومرضى القلوب، أو أهل العناد وزعماء الباطل، وقساة الطباع الذين لا تلين أفئدتهم ولا تبش للحق قلوبهم " فالئك "لا يزالون فى ريب من الحق أو الكتاب، لا تستقر عقولهم عليه، ولا يرجعون فى متصرفات شئونهم إليه، حتى تأتى ساعة هلاكهم بغته، فيلاقون حسابهم عند ربهم، او اهل العناد وزعماء الباطل، وقساة الطباع الذين لانلين افئدتهم ولا تبش الحف قلوبهم " فأولئك " لا يزالون في ريب من الحق او الكتاب، لا تستقر عقولهم عليه، ولا يرجعون في متصرفات شئونهم إليه، حتى تأتى ساعة هلاكهم بغتة، فيلاقون حسابهم عند ربهم، او إن امتد بهم الزمن ومادهم الاجل فيصيهم (عذاب يوم عقيم) يوم حرب يسامون فيه سوء عذاب القتل والاسر ويقذفون إلى مطارح الذل وقرارات الشر، فلا ينتج لهم من ذلك اليوم خير ولا بركة بل يسلبون ما كان لديهم، ويساقون إلى مصارع الهلكة. وهذا هو العقم في اتم معانية واشام درجاته.

(ما أقرب) هذه الايات في مغازيها الى قوله تعالى في سورة ال عمران: هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا =

ص: 72

إلا مسلما {45} انظر ص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن)

(قال) أبو عبد الله القرطبى فى تفسيره، اختلوا فى عدد سجود القرآن

= الله، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولوا الألباب (7)، وقد قال بعد ذلك: إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، وأولئك هم وقود النار (10) ثم قال الذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) إلخ الآيات. وكأن إحدى الطائفتين من القرآن شرح للأخرى، فالذين فى قلوبهم زيغ هم الذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، والراسخون فى العلم هم الذين أوتوا العلم، وهؤلاء هم الذين يعلمون أنه الحق من ربهم فيقولون آمنا به كل من عند ربتا، فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهاديهم إلى صراط مستقيم، وأولئك هم الذين يفتنون بالتأويل، ويشغلون بقال وقيل بما يلقى إليهم الشيطان ويصرفهم عن مرامى البيان، ويميل بهم عن محجة الفرقان. وما يتكئون عليه من الأموال والأولاد يغنى عنهم من الله شيئا، فستوافيهم آجالهم، وتستقبلهم أعمالهم، فإن لم يوافهم الأجل على فراشهم فسيغلبون فى هراشهم (أى مخاصمتهم) وهذه سنة الأنبياء مع أممهم وسبيل الحق مع الباطل من يوم رفع الله الإنسان إلى منزلة يميز فيها بين سعادته وشقائه، وبين ما يحفظه وما يذهب ببقائه. وكما لا مدخل لقصة الغرانيق فى ىيات عمران، لا مدخل لها فى آيات سورة الحج.

(هذا) هو الوجه الأول فى تفسير آيات (وما أرسلنا) إلى آخرها على تقدير أن تمنى بمعنى قرأ، وأن الأمنية بمعنى القراءة والله أعلم.

(الوجه الثانى فى تفسير الايات) أن التمنى على معناه المعروف. وكذلك الأمنية وهى أفعوله بمعنى. وجمعها أمانى كما هو مشهور.

قال أبو العباس أحمد بن يحيى: التمنى حديث النفس بما يكون وبما لا يكون والتمنى =

ص: 73

فأقصى ما قيل خمس عشرة أو لها خاتمة الأعراف وآخرها خاتمة العلق وهو قول ابن حبيب وابن وهب فى رواية وإسحاق وقيل أربع عشرة قاله. قاله ابن وهب

= سؤال الرب وفى الحديث: إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسال ربه أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن عائشة بسند رجاله رجال الصحيح. انظر رقم 532 ص 319 ج 1 فيض القدير قال ابن الأثير: التمنى تشهى حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون.

(وقال) أبو بكر: تمنيت الشئ اذا قدرته وأحببت أن يصير إلى. وكل ما قيل فى معنى التمنى على هذه الوجه، فهو يرجع إلى ما ذكرنا، ويتبعه معنى الأمنية.

" ما أرسل " الله من رسول ولا نبى ليدعو قوما إلى هدى جديد أو شرع سابق شرعه لهم ن ويحملهم على التصديق بكتاب جاء به نفسه إن كان رسولا أو جاء به غيره إن كان نبيا بعث ليحمل الناس على اتباع من سبقه " إلا وله " أمنية فى قومه وهى أن يتبعوه وينحازوا إلى ما يدعوهم إليه، ويستشفوا من دائهم بدوائه، ويعصوا أهواءهم بإجابة ندائه، وما من رسول أرسل إلا وقد كان أحرص على إيمان أمته وتصديقهم برسالته منه على طعامة الذى يطعم، وشرابه الذى يشرب، وسكنه الذى يسكن إليه ويغدو عنه ويروح عليه، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك فى المقام الأعلى، والمكان الأسمى. قال الله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا. الكهف: 7. يوسف: 103. وقال: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. يوسف: 103 قال: أأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين. عجز آية 99 يونس وصدرها: ولو شاء ربك وفى الآيات ما يطول سرده مما يدل على أمانيه صلى الله عليه وسلم المتعلقة بهداية قومه وإخراجهم من ظلمات ما كانوا فيه إلى نور ما جاء به.

وما من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى هذه الأمنية السامية ألقى الشيطان فى سبيله العثرات، واقام بينه وبين مقصده العقبات، ووسوس فى صدور الناس، وسلبهم الانتفاع =

ص: 74

فى الرواية الآخرى عنه فأسقط ثانية الحج، وهو قول أصحاب الرأى، والصحيح سقوطها، لأن الحديث لم يصح بثبوتها أهـ. انظر ص 357 ج 7 - الجامع لأحكام القرآن (الأعراف).

= بما وهبوا من قوة العقل والإحساس، فثاروا فى وجهه وصدوه عن قصده وعاجزوه حتى لقد يعجزونه (أى فلا يصل إلى مراده من هدايتهم) وجادلوه بالسلاح والقول حتى لقد يقهرونه، فإذا ظهروا عليه - والدعوة فى بدايتها - وسهل عليهم إيذاؤه وهو قليل الأتباع، ضعيف الأنصار، ظنوا الحق من جانبهم. وكان فيما ألقوه من العوائق بينه وبين ما عمد إليه فتنة لهم.

(غلبت) سنة الله فى أن يكون الرسل من أواسط قومهم أو من المستضعفين فيهم ليكون العامل فى الإذعان بالحق، محض الدليل وقوة البرهان. وليكون الاختيار المطلق هو الحامل لمن يدعى إليه على قبوله، ولكى لا يشارك الحق الباطل فى وسائله أو يشاركه فى نصب شراكه وحبائله. وأن أنصار الباطل فى كل زمان هم أهل الأنفة والقوة والجاه، والاعتزاز بالأموال والأولاد والعشيرة والأعوان، والغرور بالزخارف والزهو بكثرة المعارف. وتلك الخصال إنما تجتمع كلها أو بعضها فى الرؤساء وذوى المكانة من الناس، فتذهلهم عن أنفسهم، وتصرف نظرهم عن سبيل رشدهم، فإذا دعا إلى الحق داع عرفته القلوب النقية من أوضار هذه الفواتن. وفزعت إليه النفوس الصافية، والعقول المستعدة لقبوله بخلوصها من هذه الشواغل، وقلما توجد إلا عند الضعفاء وأهل المسكنة، فإذا التف هؤلاء حول الداعى وظافروه على دعوته، قام أولئك المغرورون يقولون: ما نراك إلا بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى. وما نرى لكم علينا من فضل ن بل نظنكم كاذبين. عجز آية: 27 هود وصدرها: فقال الملأ الذين كفروا من قومه. فإذا استدرجهم الله تعالى على سنته وجعل الجدال بينهم وبين المؤمنين سجالا، افتنتن الذين فى قلويهم مرض من اشياعهم، وافتنتوا هم بما أصابوا من الظفر فى دفاعهم. ولكن الله غالب على أمره فيمحق ما ألقاه الشيطان من هذه الشبهات، ويرفع هذه الموانع وتلك العقبات، ويهب السلطان لآياته فيحكمها ويثبت دعائمها، وينشئ من ضعف أنصارها قوة ويخلف =

ص: 75

(وقالت) الشافعية والحنبلية وداود: آيات السجود أربع عشرة آية وهى المذكورة فى حديث عمرو بن العاص بإثبات ثانية الحج وإسقاط سجدة ص

= لهم من ذلتهم عزة، وتكون كلمة الله هى العليا، وكلمة الشيطان هى السفلى. فإما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض، (من آية 17. الرعد وصدرها: أنزل من السماء ماء فسالت أودية).

وفى حكاية هذه السنة الإلهية التى أقام عليها الأنبياء والمرسلين، تسلية لنبينا صلى الله عليه وعلى ىله وسلم عما كان يلاقى من قومه، ووعد له بأنه سيكمل له دينه، ويتم عليه وعلى المؤمنين نعمته، مع استلفاتهم إلى سيرة من سبقهم: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون

ص: 76

فإنها سجدة شكر لا تلاوة. تقدم رقم 41 ص 64 " ولقول " عقبة بن عامر قلت يا رسول الله فى سورة الحج سجدتان؟ قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وقال: هذا حديث ليس إسناده

ص: 77

بالقوى (1){46} واختلف أهل العلم فى هذا (فروى) عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا: فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين. وبه يقول ابن المبارك والشافعى وأحمد وإسحاق (ورأى) بعضهم فيها سجدة. وهو قول سفيان الثورى وأهل الكوفة أهـ (واستدلوا) على أن سجدة ص للشكر بما تقدم فى الحديث رقم 45 ص 74 من قوله صلى الله عليه وسلم: سجدها داود توبة ونسجدها شكرا وبقول أبى سعيد الخدرى: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه. فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما هى توبة نبى ولكنى رأيتكم تَشَزَّنْتُمْ للسجود، فنزل فسجد وسجدوا.

= الملك ملبسًا على النبي كتصوره في صورة النبي ملبسا على الخلق، وتسليط الله له على ذلك كتسليطه في هذا فكيف يسوغ في لب سليم استجازة ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هذيتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. آل عمران آية 8.

(1)

انظر ص 151 ج 4 مسند أحمد، وص 22 ج 8 - المنهل العذب (أبواب السجود وكم سجدة فى القرآن) وص 401 ج 1 تحفة الأحوذى (السجدة فى الحج) وليس إسناده بالقوى، أى لأن فيه ابن لهيعة وشرح (بكسر فسكون) ابن هاعان، وهما ضعيفان جدا، لكن للحديث شواهد تقويه (منها) قول عبد الله بن ثعلبه: صلى بنا عمر بن الخطاب الصبح فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين. اخرجه الطحاوى (12) انظر ص 212 ج 1 شرح معانى الآثار (ومنها) قول نافع إن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال: هذه السورة فضلت بسجدتين أخرجه مالك فى الموطأ (13) انظر ص 372 ج 1 زرقانى الموطإ (سجود القرآن).

(ومنها) قول صفوان بن محرز إن ابا موسى الأشعرى سجد فى الحج سجدتين. أخرجه الطحاوى (14) انظر ص 212 ج 1 شرح معانى الاثار (هل فى للقصل سجود)(وهذه) وإن كانت ىثارا فإنها تقوى حديث الباب، لأنها لا تقال من قبل الرأى.

ص: 78

أخرجه أبو داود والحاكم وابن خزيمة والبيهقى والدار قطنى بسند صحيح على شرط البخارى (1){47}

(وقال) الحنفيون والمالكيون وسفيان الثورى وابن المبارك وإسحاق والجمهور، سجدة ص سجدة تلاوة "لحديث" أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فى ص. أخرجه الطحاوى (2) {48} "ولقول" العوامَّ بن حوشب: سالت مجاهدا عن سجدة ص فقال: سالت ابن عباس فقال: أو ما تقرأ؟ وَمِنْ ذُرَيتِهِ دَاوُدَ وَسُليمْاَنَ. أولَئكَ الذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه: فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقتدى به فسجدها داود فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والبخارى والبيهقى (3){49}

(وعن) السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان رضى الله عنه قرأص على المنبر فنزل فسجد. أخرجه البيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (4){15} وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه رأيت فى المنام كأنى أقرأ سورة ص فلما أتيت على السجدة سجد كل شئ رأيت الدواة والقلم واللوح فغدوت على النبى صلى الله عليه وسلم فأمر بالسجود فيها. أخرجه البيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (5){50}

(1) انظر ص 31 ج 8 - المنهل العذب (السجود فى ص) وص 318 ج 2 سنن البيهقى و (تشزن) بفتحتين وشد الزاى (الناس) أى تهيئوا وتأهبوا (للسجود) أى ليس السجود فيها (من عزائم السجود).

(2)

انظر ص 212 ج 1 شرح معانى الآثار (هل فى الفصل سجود).

(3)

انظر ص 385 ج 8 فتح البارى (سورة ص) وص 319 ج 2 سنن البيهقى (سجدة ص)(ومن ذريته) أى إبراهيم صلى الله عليه وسلم (داود

) من آية 84 - الأنعام.

(4)

أنظر ص 320، 319 ج 2 سنن البيهقى (سجدة ص).

(5)

أنظر ص 320، 319 ج 2 سنن البيهقى (سجدة ص).

ص: 79

(وأجابوا)، (أ) عن حديث أبى سعيد السابق رقم 47 ص 78 بأن عزم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على عدم السجود فى المرة الثانية، يدل على أنها ليست متأكدة فقط، لا على أنها ليست سجدة تلاوة.

(قال) علاء الدين الكاسانى، وما تعلق به الشافعى، فهو دليلنا فإنا نقول نحن نسجد ذلك شكراً لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله، وأناب. بل عقيب قوله مآب، وهذه نعمة عظيمة فى حقنا، فإنه يطعمنا فى إقالة عثراتنا، وغفران خطايانا وزلاتنا فكانت سجدة تلاوة، لوجود سببها. وهو تلاوة هذه الآية. وكذا سجدة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجمعة الأولى فى أثناء الخطبة، يدل على أنها سجدة تلاوة وتركة فى الجمعة الثانية، لا يدل على أنها ليست سجدة تلاوة، بل كان يريد التأخير، وهى عندنا لا تجب على الفور أهـ بتصرف (1).

(ب) وعن قول ابن عباس فى الحديث رقم 45 ص 72: ليس ص من عزائم السجود بأنه رأى له وليس من قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعمل بفعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقدم على العمل بقول ابن عباس.

(جـ) وعن قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن عباس رقم 45 سجدها داود توبة ونسجدها شكرا - بأنه لا يستلزم كونها شكرا ألا تكون للتلاوة لعدم المنافاة بينهما.

(ومشهور) مذهب مالك أن آيات السجود إحدى عشرة آية ليس فى المفصل منها شئ. ولا ثانية الحج. وبه قال ابن عباس وعمر والشافعى فى القديم لحديث أم الدرداء قال: سجدت مع النبى صلى الله عليه وسلم

(1) انظر ص 193 ج 1 بدائع الصنائع (بيان مواضع السجدة فى القرآن).

ص: 80

إحدى عشرة سجدة. ليس فيها من المفصِّل شئ. الأعراف، والرعد ، والنحل. وبنى إسرائيل ومريم، والحج، وسجدها الفرقان، وسليمان سورة النمل، والسجدة، وفى ص وسجدة الحواميم. أخرجه ابن ماجه والبيهقى (1) {51} وفى سنده عثمان بن قائد ضعيف. قال ابن عدى: عامة ما يرويه ليس بمحفوظ. لا يجوز الاحتجاج به " ولحديث " عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسجد فى شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة. أخرجه أبو داود والبيهقى (2){52} ، وفى سنده أبو قدامة الحارث بن عبيد، ومطر الوراف. وهما ضعيفان وإن كانا من رجال مسلم " ولقول" زيد بن ثابت: قرأت على النبى صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها. أخرجه أحمد والخمسة والدار قطنى والبيهقى (3). وقال الترمذى حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح. وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما ترك النبى صلى الله عليه وسلم السجود، لأن زيد بن ثابت حين قرأ فلم يسجد، لم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم (4) وأجاب بعض العلماء أيضا بان تركه صلى الله عليه وعلى آل وسلم للسجود فى هذه الحالة، لا يدل على تركه مطلقا. لاحتمال أن يكون السبب فى الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء. أو لكون الوقت كان وقت كراهة، أو لكون القارئ لم يسجد.

أو كان الترك لبيان الجواز وهذا ارجح الاحتمالات.

(1) انظر ص 169 ج 1 سنن ابن ماجه (عدد سجود القرآن) وص 313 ج 2 بيهقى.

(2)

انظر ص 23 ج 8 - المنهل العذب (من لم يرد السجود فى المفصل) وص 313 ج 2 بيهقى.

(3)

انظر ص 183 ج 5 مسند أحمد، وص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن) وص 313 ج 2 بيهقى.

(4)

انظر ص 399 ج 1 تحفة الأحوذى (من لم يسجد فيه) أى فى النجم.

ص: 81

والرجح ما ذهب إليه القائلون بأن آيات السجود خمس عشرة أو أربع عشرة، لصحة أدلته وكثرتها.

(6)

من يطلب منه سجود التلاوة:

هو واجب عند الحنفيين على من تلا آية من آيات السجود ولو بغير العربية أو أكثرها مع كلمة السجود. ولو لم يسمعها لنحو صمم. ويجب على من سمعها وإن لم يقصد السماع. وبه قال ابن عمر والنخعى وسعيد بن جبير ونافع وإسحاق، لأنه سامع للسجدة كالمستمع.

(وقد) قال ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها. ذكره ابن قدامة فى المغنى (ودليله) حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورة التى فيها السجدة فيسجد ونسجد، حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته فى غير وقت الصلاة. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (1) {53} وفى رواية له عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فى غير الصلاة فيسجد ونسجد معه (2).

(وقال) مالك وأحمد: يشترط قصد الاستماع. وروى عن عثمان وابن مسعود وعمران بن حصين وسلمان الفارسى وابن عباس (قال) عثمان: إنما السجدة على من استمعها. أخرجه البخارى تعليقا، ووصله عبد الرازق عن معمر عن الزهرى عن ابن المسيب أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان. فقال عثمان: إنما السجود على من استمع، ثم مضى ولم يسجد (3){16}

(1)(انظر ص 177 ج 2 تيسير الوصول 0 سجود التلاوة).

(2)

انظر ص 33 ج 8 - المنهل العذب (الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو فى غير صلاة).

(3)

انظر ص 34 منه (الشرح) و (القاص): الذى يقص على الناس الأخبار والمواعظ.

ص: 82

(ويشترط أيضا) عند المالكية أن القصد المستمع تعلم القراءة من القارئ أو أحكامها من إظهار وإدغام ومد وقصر وغيرها وتعلم القراءات أو تعليم القارئ " لقول " ابن عمر رضى الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن فإذا مر بسجود القرآن، سجد وسجدنا معه. أخرجه أحمد وفى سنده عبد الله العمرى وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم من رواية عبيد الله العمرى وهو ثقة، لذا قال على شرط الشيخين (1){54}

(ويشترط) عندهم أيضا ألا يجلس القارئ ليسمع الناس حسن قراءته. فإن جلس لذلك فلا يسجد المستمع له وإن كان هو يسجد.

(والمشهور) عند الشافعية أنه لا يشترط لسجود التلاوة قصد الاستماع، ولكنه فى حق المستمع آكد " لقول " ابن عباس: إنما السجدة على من جلس لها. أخرجه البيهقى بسند صحيح (2){17}

(فوائد)(الأولى) يشترط عند الحنفيين لسجود السامع شرطان.

(أ) أن يكون التالى أهلا للقراءة بكونه عاقلا مميزا، فلا يجب السجود على من سمعها من مجنون وطير وآلة غناء (فونوغراف) بخلاف ما لو سمعها من كافر أو جنب أو حائض أو قارئ فى المذياع (الراديو) فإنه يسجد.

(ب) وأن يكون السامع ممن تلزمه الصلاة ن فيجب السجود على جنب سمعها دون الحائض وغير المكلف والكافر.

(وقالت) المالكية: يشترط لسجود السامع مع شرطان:

(أ) أن يكون القارئ مستكملا لشروط الإمامة، بأن يكون ذكرا مسلما بالغا عاقلا، فلا يسجد المستمع لقراءة امرأة ولا كافر ولا صبى ولا مجنون، وإن طلب من القارئ غير المجنون.

(1) انظر ص 164 ج 4 - الفتح العربى. و (يعلمنا القرآن) أى يعلمهم الأحكام والوعد والوعيد، وأخبار الماضين، وكيف يتلون القرآن.

(2)

انظر ص 324 ج 2 بيهقى (من قال إنما السجدة على من استمعها).

ص: 83

(ب) وأن يكون كل منهما متحليا بشروط الصلاة من طهارة حدث وحيث وستر عورة واستقبال قبلة، فإن كل القارئ هو المحصل لها سجد دون المستمع وإن كان المحصل لها المستمع لم يسجد، لأن سجوده تابع لسجود القارئ ولا سجود عليه لفقد شروط الصلاة.

وهذا ظاهر فى الطهارة. وأما الستر والاستقبال فإن لم يمكنا فكذلك. وإن أمكنا فإنه يطالب بهما ويسجد بأن يستقبل إن كان متوجها لغير القبلة. ويستر عورته إن كان عنده ساتر. قاله العلامة الدرديرى (1).

(وبمثله) قالت الحنبلية إلا إنهم قالوا: يسجد السامع لتلاوة صبى، لأنه يصلح أن يكون إماما فى الناقلة.

(وقالت) الشافعية: يسن للسامع السجود وإن كان القارئ ممن لا تجب عليه الصلاة لصغر أو جنون غير مطبق أو حيض أو نفاس.

(الثانية) هل يشترط لسجود السامع سجود القارئ؟ لا يشترط عند الحنفيين والشافعيين. وهو رواية ابن القاسم عن مالك. فإن ترك القارئ السجود سجد المستمع، لأنه توجه عليهما فلا يترك أحدهما بترك الآخر.

(وقالت) الحنبلية: لا يسجد المستمع إلا إن سجد القارئ ورواه مطرف وابن الماجشون عن مالك. لأن القارئ إمام له فلا تصح مخالفته. ويشهد له ما تقدم عن عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عند النبى صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد، فسجد النبى صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد النبى صلى الله عليه وسلم: كنت إمامنا فلو سجدت سجدت، أخرجه الشافعى فى مسنده مرسلا وأبو داود فى المراسيل والبيهقى (2){55}

(1)(انظر ص 127 ج 1 شرح اقرب المسالك) وسن سجود التلاوة).

(2)

تقدم رقم 32 ص 51 (حكم سجود التلاوة).

ص: 84

(الثالثة) إذا سجد المستمع مع القارئ لا ينوى الاقتداء به، وله الرفع من السجود قبله، والأفضل المتابعة (قال) علاء الدين الكاسانى: إذا قرأ الرجل آية السجدة ومعه قوم فسمعوها، فالسنة أن يسجدوا معه لا يسبقونه بالوضع ولا بالرفع، لأن التالى إمام السامعين، لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال للتالى: كنت إمامنا، لو سجدت لسجدنا معك ، وإن فعلوا أجزأهم، لأنه لا مشاركة بينه وبينهم فى الحقيقة، ولذا لو فسدت سجدته بسبب لا يتعدى إليهم (1).

(الرابعة) لو سجد لتلاوة فقرأ فى سجوده آية سجدة أخرى لم يسجد ثانيا على الصحيح لشهور.

(الخامسة) لو أراد الاقتصار على قراءة آية أو آيتين فيهما سجدة ليسجد ففيه تفصيل بينه النووى بقوله: مقتضى مذهبنا أنه لا يكره إن لم يكن فى وقت كراهة الصلاة ولا فى صلاة. فإن كان فى وقت الكراهة ففيه الوجهان فيمن دخل المسجد فى هذا الوقت ليصلى التحية لا غير.

(وعن) أبى حنيفة ومحمد بن الحسن وأبى ثور أنه لا بأس به. وعن الشعبى والحسن البصرى وابن سيرين وأحمد وإسحاق أنه يكره ذلك أهـ بتصرف (2).

(قال) علاء الدين الكاسانى: ولو قرأ آية السجدة من بين السورة لم يضره ذلك، لأنها من القرآن. وقراءة القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السور، والمستحب أن يقرا معها آيات ليكون قصده إلى التلاوة لا الى مجرد السجود أهـ.

(السادسة) لو قرأ آية السجدة وعنده ناس. فإن كانوا متوضئين متهيئين

(1) انظر ص 192 ج 1 بدائع الصنائع (سنن سجود التلاوة) وما ذكره عن عمر رضى الله عنه تقدم عن عطاء بن يسار ثبوته هذا عن النبى صلى الله عليه وسلم رقم 55، 32.

(2)

انظر ص 73 ج 4 شرح المهذب (الحادية عشرة) من مشاكل سجود التلاوة.

ص: 85

للسجدة قرأها، وإن كانوا غير متهيئين ينبغى الإسرار بها، لأنه لو جهر بها لألزمهم بما قد يشق عليهم أداؤه فيقعون فى المعصية وهذا مذهب الحنفيين.

(وقالت) المالكية لا يطالب بالإسرار، لأن السامع لا يطلب منه سجود التلاوة إلا إذا كان محصلا لشروط الصلاة.

(7)

سجود التلاوة فى الصلاة:

يشرع قراءة آية السجدة فى الصلاة الجهرية والسرية للإمام والمنفرد فى الفرض وغيره " لحديث " أبى رافع نفيع الصائغ قال: صليت مع أبى هريرة صلاة العتمة، أو قال صلاة العشاء، فقرأ " إذا السماء انشقت " فسجد فيها، فقلت يا أبا هريرة ما هذه السجدة؟ فقال: سجدت فيها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجدها حتى ألقاه. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (1){56}

(ونقل) ابن القاسم عن مالك أنه يكره للإمام والفذ قراءة آية السجدة فى الفريضة مطلقا، وروى أشهب عن مالك أنه يكره إلا أن يكون وراءه عدد قليل لا يختلط عليهم إذا سجد، وروى عنه ابن وهب أنه لا بأس أن يقرأ الإمام آية السجدة فى الفريضة.

(وقال) أبو حنيفة وابن حبيب المالكى وبعض الحنبلية: يكره قراءة آية السجدة والسجود لها فى الصلاة السرية خشية التخليط فيها على المأمومين دون الجهرية، لأمن التخليط فيها.

(ويرد) ما ذكر الأحاديث المذكورة فإنها صريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم سجد فى السرية والجهرية ولا حجة لهم فى قول أبى رافع لأبى هريرة

(1) انظر ص 379 ج 2 فتح البارى (من قرأ السجدة فى الصلاة فسجد بها) وص 78 ج 5 نووى مسلم (سجود التلاوة) وص 28 ج 8 - المنهل العذب (السجود فى: إذا السماء انشقت).

ص: 86

فى الحديث رقم 56: ما هذه السجدة؟ ولا فى حديث أبى حديث أبى سلمة قال: رأيت أبا هريرة قرأ " إذا السماء انشقت " فسجد بها فقلت: يا أبا هريرة ألم أرك تسجد؟ قال لو لم أن النبى صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد. أخرجه البخارى (1) وغيره {57} " لأن " أبا رافع وأبا سلمة لم ينكرا على أبى هريرة بعد أن أعلمهما بأن النبى صلى الله عليه وسلم سجد ولا احتجا عليه بعمل يخالفه (قال) ابن عبد البر: وأى عمل يدعى مع مخالفة المصطفى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده أهـ. وقال أبو محمد عبد الله بن قدامة: قال بعض أصحابنا: يكره للإمام قراءة السجدة فى صلاة لا يجهر فيها وإن قرأ لم يسجد. وهو قول أبى حنيفة. ولم يكرهه الشافعى، لأن ابن عمر روى عن النبى صلى الله عليه وعلى أله وسلم أنه سجد فى الظهر ثم قام فركع فرايناه أنه قرأ تنزيل السجدة رواه أبو داود (2){58}

واحتج أصحابنا بأن فيه إيهاما على المأموم. واتباع صلى الله عليه وعلى أله وسلم أولى. وإذا سجد الأمام سجد المأموم. وقال بعض أصحابنا: هو مخير بين ابتاعه وتركه، والأولى اتباعه " لقول " رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجدوا (3) ولأنه لو كان بعيد لا يسمع أو أطروشا فى صلاة الجهر لسجد بسجوده إمامه كذا هاهنا (4).

(1) انظر ص 376 ج 2 فتح البارى (سجدة إذا السماء انشقت).

(2)

تقدم رقم 384 ص 276 ج 2 دين طبعة ثانية (القراءة في الظهر والعصر).

(3)

هو بعض حديث أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اّله وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر. وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع. وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد. واذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد] 59 [انظر ص 69 ج 3 دين طبعة ثانية (متابعة المأموم الإمام).

(4)

انظر ص 658 ج 1 مغنى (فروع في سجود التلاوة).

ص: 87

(وجملة) القول ما ذكره النووى فى المجموع بقوله: لا يكره قراءة السجدة عندنا للإمام كما لا يكره للمنفرد، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية. ويسجد متى قرأها (وقال) مالك: يكره مطلقا (وقال) أبو حنيفة: يكره فى السرية دون الجهرية. قال صاحب البحر: وعلى مذهبنا يستحب تأخير السجود حتى يسلم، لئلا يهوش على المأمومين (1).

(وقال) فى البدائع: وإن تلاها مع ذلك سجد فى الصلاة لتقرر السبب فى حقه وهو التلاوة، وسجد القوم معه، لوجوب المتابعة عليهم فقد سجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسجد القوم معه. ولو تلاها الإمام على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجد معه من سمعها، لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم تلا سجدة على المنبر فنزل وسجد وسجد الناس معه (2) وفيه دليل على أن السامع يتبع التالى فى السجدة أهـ.

(فوائد)(الأولى) يطلب السجود من المؤتم بتلاوة إمامه وإن لم يسمعها منه بأن قرأها الإمام سرا أو جهرا والمأموم ناه عنه، أو اقتدى به بعد قراءتها لما تقدم عن أبى هريرة وابن عمر أن الصحابة رضى الله عنهم سجدوا لسجود المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة، ولو سمعها من إمام فاقتدى به قبل سجوده للتلاوة سجد معه، وإن اقتدى بعد سجوده فى الركعة التى تلا فيها آية السجدة، لا يسجد المأموم لا فى الصلاة ولا بعدها. لأنه أدرك السجدة بإدراك الركعة فكأنه سجد، وأن اقتدى فى غير الركعة التى تليت فيها آية السجدة، سجد خارج الصلاة، لتحقق السبب كما لو لم يقتد بالتالى.

ولا يصلب السجود بتلاوة المؤتم لا فى الصلاة ولا بعدها إلا على سامع ليس معه فى الصلاة فيسجد خارج الصلاة، وكذا لو سمعها مصل ممن ليس معه فى الصلاة فإنه يسجد بعدها لا فيها. فإن سجد فيها لا يجزئه السجود فيعيده ولا تبطل الصلاة على الأصح.

(1) انظر ص 72 ج 4 شرح المهذب (الخامسة) من مسائل تتعلق بسجود التلاوة.

(2)

تقدم فى الحديث رقم 47 ص 78.

ص: 88

(وجملة) القول: أن التالى إما أن يكون فى الصلاة أو خارجها، فمن كان فيها إماما أو منفردا لزمه السجود فورا عند الحنفيين، وإن كان مأموما لا يسجد، لأنه ممنوع من القراءة، ومن كان خارجها لزمه السجود إن وجدت شروطه وإلا فلا.

(وأما) السامع فإن كان إماماً أو مأموما سمعها من مأموم معه، فلا سجود عليه، وإن سمعها المأموم من إمامه فهو تبع له، وإن سمعها المصلى مطلقا ممن ليس معه فى الصلاة سجد خارجها.

(الثانية) لو قرأ آية السجدة فى الصلاة قبل الفاتحة سجد، أما لو قرأها فى الركوع والسجود والتشهد، فإنه لا يسجد، لأنه ليس محل قراءة، ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة؟ سجد للتلاوة ثم عاد إلى القيام فقرأ الفاتحة.

(الثالثة) لو قرأ فى صلاة الجنازة آية سجدة لا يسجد فيها، وهل يسجد بعدها؟ الأصح أنه لا يسجد، لأنها قراءة غير مشروعة، أفادة النووى فىالمجموع (1).

(الرابعة) إذا سجد للتلاوة فى الصلاة فقام، يستحب له أن يقرأ شيئا من القرآن ثم يركع ولو كانت السجدة آخر السورة كالنجم " لقول" أبى هريرة: رأيت عمر بن الخطاب سجد فى النجم فى صلاة الفجر، ثم استفتح بسورة أخرى، أخرجه البيهقى (2){18}

(8)

تكرير آية السجدة:

من كرر آية سجدة أو سمعها أكثر من مرة ولو من متعدد فى مجلس واحد، كفته سجدة واحدة إن أخَّر السجود عن التلاوة الأخيرة اتفاقا، وكذا إن سجد عقب التلاوة الأولى عند الحنفيين وبه قال ابن سريج الشافعى.

(1) انظر ص 73 ج 4 شرح المهذب (العاشرة) من مسائل تتعلق بسجود التلاوة.

(2)

انظر ص 323 ج 2 بيهقى (السجدة إذا كان فى آخر السورة وكان فى الصلاة.

ص: 89

(وقال) مالك وأحمد: يسجد مرة أخرى لتجدد السبب. وهو مشهور مذهب الشافعى (وقيل) إن طال الفصل سجد ثانيا وإلا فلا.

أما إن قرأ آية أخرى أو اختلف المجلس بالانتقال منه بثلاث خطوات، أو بالانتقال من غصن إلى غصن، طلب السجود لكل مرة، وإن كرر آية السجدة فى الصلاة فى ركعة واحدة، فكالمجلس الواحد، وإن كررها فى ركعتين سجد فيهما. (ومن) تلا آية السجدة ولم يسجد ثم دخل فى الصلاة وتلاها ثانيا وسجد فى الصلاة، كفى عن التلاوتين لاتحاد المجلس، والتلاوة الخارجية صارت تابعة للصلوية. وإن كان سجد للأولى قبل الصلاة، سجد للثانية عند الحنفيين، لأن السجود فى الصلاة أقوى فلا يكون تابعا (وبه) قال مالك وأحمد لتجدد السبب وهو وجه للشافعية. وقال ابن سريج وأبو حامد يكفيه السجود الأول.

(9)

كيفية سجود التلاوة:

من طلب منه سجود تلاوة فى الصلاة كبّر للهوى وسجد ثم كبر للرفع، وهذا متفق عليه. وكذا من كان فى غير صلاة عند الحنفيين والمالكيين يسجد سجدة واحدة بشرائط الصلاة مكبراً للهوى والرفع بلا رفع يد ولا تشهد ولا سلام لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا. أخرجه البيهقى وأبو داود وقال: قال عبد الرازق: وكان الثورى يعجبه هذا الحديث، قال أبو داود: يعجبه لأنه كبر أهـ. وفى سنده عبد الله العمرى وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم من طريق عبيد الله العمرى وهو ثقة، ولذا قال: صحيح على شرط الشيخين (1){60}

(1) انظر ص 323 ج 2 بيهقى (سجود القوم بسجود القارئ) وص 34 ج 8 المنهل العذب.

ص: 90

ولم يرد فى الأحاديث ما يدل صريحاً على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كبر للإحرام فى سجود التلاوة ولا تشهد فيه ولا سلم.

(وبه) قال الحنفيون والمالكيون وأكثر العلماء.

(وقالت) الحنبلية: يرفع يديه مع تكبير السجود ويسلم (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: ويرفع يديه مع تكبيرة السجود إن سجد فى غير صلاة، وهو قول الشافعى لأنها تكبيرة افتتاح. وإن كان السجود فى الصلاة فقياس المذهب لا يرفع لأن محل الرفع ثلاثة مواضع ليس هذا منها، ولأن فى حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان لا يفعل فى السجود يعنى لا يرفع يديه. وهو حديث متفق عليه. (1)

(ومشهور) مذهب الشافعية: أنه إذا كان فى غير صلاة نوى وكبر للإحرام رافعا يديه ثم يكبر للهوى من غير رفع ثم يسجد ويكبر للرفع ويسلم ولا يشترط فيه تشهد على الصحيح (قال) النووى فى المجموع: إذا سجد لتلاوة فى غير الصلاة نوى وكبر للإحرام ويرفع يديه حذو منكبيه ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى من غير رفع اليد. وتكبير الهوى مستحب لا شرط، والصحيح المشهور فى تكبيرة الإحرام أنها شرط ثم يرفع رأسه مكبرا. وهذا التكبير مستحب على المذهب. وهل يفتقر إلى السلام. ويشترط لصحة سجوده قولان مشهوران. أصحهما أشترطه. وعليه هل يشترط التشهد؟ الصحيح لا يشترط (2).

(وقال) علاء الدين الكاسانى فى البدائع: وأما سنن السجود (فمنها) أن يكبر عند السجود والرفع منه "لقول " عبد الله بن مسعود للتالى: إذا قرأت سجدة فكبر واسجد، وإذا رفعت رأسك فكبر {19} . ولو ترك التحريمة يجوز عندنا.

(وقال) الشافعى: لا يجوز لأن هذا ركن من أركان الصلاة، فلا يتأدى

(1) انظر ص 655 مغنى (هل يرفع يديه مع تكبيرة السجود؟ ).

(2)

انظر ص 64 ج 4 شرح المهذب (كيفية سجود التلاوة إذا كان خارج الصلاة).

ص: 91

بدون التحريمة (ولنا) أن الأمر تعلق بمطلق السجود فلو أوجبنا شيئاً آخر لزدنا على النص، ولأن السجود وجب تعظيما لله تعالى وخضوعا له، وترك التحريمة ليس بمناف للتعظيم (1).

(10)

ما يقال فى سجود التلاوة:

إن كان سجوده فى الصلاة، قال فيه ما يقال فى سجودها، وإن كان خارجها قال ما شاء مما ورد (ومنه) ما فى حديث عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فى سجود القرآن بالليل: سجد وجهى للذى خلقه وصورة وشق سمعه وبصره بحوله وقوته. أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى، وزاد فتبارك الله أحسن الخالقين. وصححه أبن السكن (2) {61}. (وما) فى حديث ابن عباس قال: كنت عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال: إنى رأيت البارحة فيما يرى النائم كأنى أصلى إلى أصل شجرة فقرأت السجدة فسجدتُ فسجدتَ الشجرة لسحودى فسمعتها تقول اللهم احطط عنى بها وزرا واكتب لى بها أجرا: واجعلها لى عندك ذخرا، قال ابن عباس: فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول فى سجوده مثل الذى أخبره الرجل عن قول الشجرة. أخرجه ابن ماجه والحاكم وابن حبان والترمذى (3) {

62} وفى سنده الحسن بن

(1) انظر ص 192 ج 1 بدائع الصنائع (سنن السجود).

(2)

انظر ص 161 ج 4 - الفتح الربانى - وص 37 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول إذا سجد)(وص 179 ج 2 تيسير الوصول 0 تفصيل سجود القرآن) وص 325 ج 2 بيهقى (ما يقول فى سجود التلاوة).

(3)

انظر ص 168 ج 1 سنن ابن ماجة (سجود القرآن) وص 402 ج 1 تحفة الأحوذى (ما يقول فى سجود القرآن)(فأتاه رجل) خو أبو سعيد الخدرى. وقد روى الحديث عنه قال السندى: كأن النبى صلى الله وعلى آله وسلم أول الشجرة بنفسه الكريمة، لكونه شجرة الدين وأصله. فصلاة الرجل إلى اصل الشجرة هو اقتداؤه به فى الصلاة وغيرها من أمور الدين وقراءة السجدة هو قص هذه الرؤيا عليه .. وقد رأى أن الشجرة سجدت عند ذلك وقالت ما قالت، فسجد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عند قص الرؤيا عليه وقال ما قال و (احطط) أى ضع عنى بسبب هذه السجدة أو فى مقابلتها الوزر ولفظ الترمذى: اللهم اكتب لى بها عندك أجرا وضع عنى بها وزرا، واجعلها عندك ذخرا، وتقبلها منى كما تقبلتها من عبدك داود اهوليس المراد المماثلة من كل وجه بل فى مطلق القبول. فاله السيوطى فى حاشية الترمذى. والأقرب اعتبار التشبيه فى كمال القبول والكمال فى كل بحسب مرتبته.

ص: 92

محمد بن عبيد الله بن أبى يزيد: وفيه جهالة (وليس) ما ذكر من الأوعية متعيناً فى سجدة التلاوة بل له أن يقول فيها ما يقال فى سجود الصلاة.

(قال) الكمال بن الهمام فى فتح القدير: ويقول فى سجدة التلاوة ما يقول فى سجدة الصلاة على الأصح. واستحب بعضهم أن يقول فى سجود التلاوة سُبْحَانَ رَبَّنَا إنْ كَانَ وَعْدَ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً، لأنه تعالى أخبر عن أوليائه بذلك قال تعالى فى سورة الإسراء:{يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} {108}

وينبغى ألا يكون ما ذكر على عمومه، بل إن كانت (أى سجدة التلاوة) فى الصلاة المفروضة قال: سبحان ربى الأعلى، وإن كانت فى النوافل أو خارج الصلاة قال ما شاء مما ورد أهـ بتصرف.

(11)

السجود على الدابة:

من كان راكباً وتلا آية سجدة قاله السجود على الدابة. ولو تعذر أوماً للسجود " لحديث " مصعب بن ثابت عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم، منهم

ص: 93

الراكب والساجد فى الأرض حتى إن الراكب ليسجد على يده. وأخرجه ابو داود والبيهقى والحاكم (1){63} ومصعب بن ثابت، ضعفه غير واحد.

(وبهذا) قال الحنفيون والشافعى وأحمد وقالوا: يومئ بالسجود إن لم يتيسر على الدابة مستدلين بما فى الحديث من وضع الجبهة على اليد، فإنه فيه إيماء وزيادة (وخصة) المالكية بالمسافر سفر قصر وإلا نزل وسجد على الأرض ولا يجزئه الإيماء على الدابة، ومثل الراكب فى ذلك المعذور بنحو زحام فسجد على فخذه أو غيره، ولو وضع كفه على الأرض وسجد عليها بلا عذر جاز عند الحنفية على الصحيح مع الكراهة.

(وقال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وإذا كان على الراحلة فى السفر جاز أن يومئ بالسجود حيث كان وجهه كصلاة النافلة، فعَل ذلك علىّ وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير والمخعى وعطاء ربه قال مالك والشافعى وأصحاب الرأى وذكر حديث ابن عمر (2).

(12)

قضاء سجدة التلاوة:

تقدم أن سجود التلاوة عند الحنفيين واجب على التراخى فى غير الصلاة فلا يفوت بالتأخير، أما فى الصلاة فواجب على الفور، فإذا لم يسجد فيها لا يسجد بعدها، لأنه وجب كاملا فلا يتأدى بالناقص.

(1) انظر ص 32 ج 8 - المنهل العذب (الرجل يسمع السجدة وهو راكب)(وص 325 ج 2 بيهقى 0 قرا سجدة) أى سورة فيها آية سجدة، وفى رواية الطبرانى انه قرا سورة النجم. ويحتمل أنه اقتصر على قراءة ىية السجدة لبيان الجواز. وإن كان خلاف الأولى، لما فيه من تفصيل آية السجدة على غيرهم (منهم الراكب الخ) وفى رواية الحاكم: والساجد على الأرض والمعنى سجد الراكب والماشى سجد على الأرض والراكب على يديه. ولعل هذا لمن لم يتمكن من السجود على السرج.

(2)

انظر ص 658 ج 1 مغنى (فروع فى سجود التلاوة).

ص: 94