المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثانى) سجود الشكر - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٦

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الثانى) سجود الشكر

(وقال) مالك والشافعى وأحمد: يطلب السجود عقب قراءة آية السجدة أو سماعها. فإن أخر السجود وقصر الفصل سجد، وإن طال فات، وفى قضائه قولان (أشهرهما) أنه لا يقضى، لأنه يفعل لعارض وقد زال فأشبه الكسوف ولو قرا آية سجدة فى صلاته فلم يسجد، سجد بعد سلامه إن قصر الفصل. فإن طال ففيه قولان أشهرهما أنه لا يقضى. وإن كان القارئ أو المستمع محدثا حال القراءة. فإن تطهر عن فري سجد وإلا فات على المشهور افاده النووى فى المجموع (1).

(الثانى) سجود الشكر

يسن لمن حدثت له نعمة أو صرفت عنه نقمة أن يسجد الشكر المولاه على ما أولاده " لقول " أبى بكره: كان النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم كان إذا جاءه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى. أخرجه ابو داود والترمذى وقال حسن غريب (2){64}

" ولقول " عبد الرحمن بن عوف: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أن يكون الله قد توفاه فجئت أنظر فرفع راسه فقال: مالك يا عبد الرحمن؟ فذكرت ذلك له فقال: إن جبريل عليه السلام قال لى: ألا أشرك؟ إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه. أخرجه أحمد ورجاله ثقات، والبزار والحاكم وقال: هذا حديث صحيح. وزاد أحمد فى رواية: فسجدت لله عز وجل شكرا (3){65}

(1) انظر ص 71 ج 4 شرح المهذب (ملخص المسالة الثانية من مسائل تتعلق بسجود التلاوة)

(2)

انظر ص 179 ج 2 تيسير الوصول (سجود الشكر).

(3)

انظر ص 184، 185 ج 4 - الفتح الربانى وص 287 ج 2 مجمع الزوائد (سجود الشكر) وص 276 ج 1 مستدرك. و (من صلى عليك) يعنى: أن من طلب النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم زيادة القرب من ربه، تجلى الله عليه بالرحمة والأحسان. ومن دعا للنبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم بالسلامة من المكاره، سلمه الله من كل مكروه. وفى هذا دليل على مزيد فضل النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم وفضل الصلاة عليه. وأفضل صيغها الصلاة الإبراهيمية التى بعد التشهد، وقد تقدم بيانها فى بحث " كيفية الصلاة على النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم " ص 170 ج 2 دين طبعة ثانية.

ص: 95

" ولحديث " البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خر ساجدا حين جاءه كتاب على رضى الله عنه من ليمن بإسلام همدان ثم رفع راسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان. أخرجه

البيهقى من حديث طويل وقال صحيح على شرط البخارى (1){66}

" ولقول " سعد بن أبى وقاص: خرجنا مع النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكه نريد المدينة، فلما كنا ببعض الطريق رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال: إنى سألت ربى وشفعت لأمتى فأعصانى ثلث أمتى فخررت ساجدا شكرا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى. ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتى فأعطانى ثلث الأخر فخررت ساجدا لربى أخرجه أبو داود (2){67} ، وفى سنده موسى بن يعقوب الزمعى وفيه مقال، قاله المنذرى.

(وروى) البيهقى وغيره سجود الشكر من فعل أبى بكر وعمر وعلى رضى الله عنهم (وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر به رجل به زَمانة فنزل وسجد ومر به أبو بكر فنزل وسجد، ومر به عمر فنزل فسجد

(1) انظر ص 369 ج 2 بيهقى (سجود الشكر) و (همدان) بكون الميم بعدها دال قبيلة باليمن وجميع ما فى الصحابة والرواة ومصنفات الحديث هو نسبة لهذه القبيلة.

(2)

انظر ص 179 ج 2 تيسير الوصول (سجود الشكر) و (اللث الآخر) بكسر الخاء أو فتحها، أى أعطائهم أشفع فيهم فلا يخلدون كالأمم السابقة.

ص: 96

أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف (1){68}

(وعن) عُرْ فجة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا به زمانة فسجد، وأن أبا بكر أتاه فتح فسجد، وأن عمر أتاه فتح فسجد، أخرجه الطبرانى فى الأوسط، وفيه محمد بن عبد الله الفهمى ولم يرو عنه غير مسعر (2){69}

(وبهذا) قال جمهور العلماء، منهم أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعى وأحمد وداود الظاهرى والليث بن سعد وإسحاق وابن المنذر.

(وعن) أبى حنيفة ومالك روايتان (الأولى) الإباحة لما تقدم.

(والمشهور) عنهما الكراهة لما تقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو يخطب فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم أغثنا (ثلاثا) فَسقوا فى الحال، ودام المطر إلى الجمعة الأخرى، فقال رجل: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا فأقلعت، أخرجه الشيخان (3){70}

(وجه) الدلالة فيه أنه لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولا. ولا لدفع نفمته آخرا، ولأن الإنسان لا يخلو من نعمة، فإن كلف السجود لذلك لزم الحرج.

(والراجح) القول بمشروعية سجود الشكر للأحاديث المذكورة

(ويجاب) عما استدل به مالك وأبو حنيفة بأن النبى صلى الله عليه وسلم ترك السجود فى وقاعة المطر المذكورة لبيان الجواز. وقولهما إن كلفه لزم الحرج، معارض للنص فلا يعوِّل عليه، ولأنه كان على المنبر وفى السجود حينئذ مشقة فيكتفى بسجود الصلاة.

(1)(أنظر ص 289 ج 2 مجمع الزوائد 0 سجود الشكر) والزمانة بفتح الزاى مرض مزمن.

(2)

(أنظر ص 289 ج 2 مجمع الزوائد 0 سجود الشكر) والزمانة بفتح الزاى مرض مزمن.

(3)

هذا بعض حديث تقدم مطولا رقم 151 ص 135 ج 5 دين (أنواع الاستسقاء).

ص: 97

(قال) النووى فى المجموع: سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة، سواء أخصته النعمة والنقمة أم عمت المسلمين، وكذا إذا رأى مبتلى ببلية فى بدنه أو غيره أو بمعصية، يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى، ولا يشرع السجود لاستمرار النعم لأنها لا تنقطع، وإذا سجد لنعمة أو اندفاع نقمة لا يتعلق بغيره، استحب إظهار السجود، وإن سجد ليليه فى غيره وصاحبها غير معذور كالفاسق، أظهر السجود لعله يتوب، وإن كان معذورا كالزمن ونحوه، أخفاه لئلا يتأذى به، فإن خاف من إظهاره الفاسق مفسدة أو ضررا، أخفاه أيضا.

(ويفتقر) سجود الشكر إلى شروط الصلاة، وحكمه فى الصفات وغيرها حكم سجود التلاوة خارج الصلاة، وفى السلام منه والتشهد ثلاثة أوجه (الصحيح) السلام دون التشهد. (1)

(وكذا) قالت الحنبلية: يشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود التلاوة.

(وقال) الإمام الصنعانى فى سبل السلام: ذهب إلى شرعية سجود الشكر الشافعى وأحمد خلافا لمالك ورواية لأبى حنيفة بأنه لا كراهة فيه ولا ندب والحديث دليل للأولين، وأعلم أنه قد اختلف هل يشترط له الطهارة؟ فقيل يشترط قياسا على الصلاة، وقيل لا يشترط، لأنه ليس بصلاة وهو الأقرب (2)

(وقال) العلامة الشوكانى فى النيل: وليس فى أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان لسجود الشكر، وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى، وذهب النخعى وبعض أصحاب الشافعى إلى أنه يشترط فى سجود الشكر شروط الصلاة (وليس) فى أحاديث الباب أيضاً ما يدل على التكبير

(1) انظر ص 68 ج 4 شرح المهذب و (الزمن) بفتح فكسر ن المريض مرضا مزمنا.

(2)

انظر ص 298 ج 1 سبل السلام (سجود الشكر وما يشترط فيه).

ص: 98

فى سجود الشكر، وفى البحر إنه يكبر، قال الإمام يحيى: ولا يسجد للشكر فى الصلاة قولا واحدا إذ ليس من توابعها (1)

(فوائد)(الأولى) يحرم سجود الشكر فى الصلاة، فإن سجد فيها بطلت صلاته اتفاقا (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: ولا يسجد للشكر وهو فى الصلاة لأن سبب السجدة ليس منها، فإن فعل بطلت صلاته إلا أن يكون ناسياً أو جاهلا بتحريم ذلك، فأما سجدة ص إذا سجدها فى الصلاة وقلنا ليست من العزائم، فيحتمل أن تبطل بها الصلاة لأنها سجدة شكر ن ويحتمل أن لا تبطل لأن سببها من الصلاة وتتعلق بالتلاوة فهى كسجود التلاوة.

(الثانية) يصح سجود الشكر فى السفر على الراحلة بالإيماء كسجود التلاوة، وأما الماشى فى السفر ففيه وجهان (الصحيح) أنه يشترط كرنه على الأرض لعدم المشقة فيه وندوره (والثانى) يجزئه الإيماء.

(الثالثة) يحسن لمن تجددت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة مع سجود الشكر أن يتصدق أو يصلى شكرا لله تعالى.

(الرابعة) لو تقرب إنسان لله تعالى بسجدة بغير سبب يقتضى سجود شكر ففيه وجهان (أصحهما) لا يجوز قياسا على الركوع، فإنه لو تطوع بركوع مفرد كان حراما بالاتفاق، لأنه بدعة - وكل بدعة ضلالة - إلا ما دل دليل على استثنائه، وسواء فى هذا الخلاف فى تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره وليس من هذا ما يفعله كثير من الجهة من السجود بين يدى المشايخ والملوك، بل ذلك حرام قطعا بكل حال ن سواء أكان إلى القبلة أم غيرها، وسواء اقصد السجود لله تعالى أم غفل، وفى بعض صوره ما يقتضى الكفر او يقاربه، عافانا الله الكريم بمنه، قاله النووى فى المجموع (2).

(1) انظر ص 129 ج 3 نيل الأوطار (هل يشترط لسجود الشكر شروط الصلاة؟ ).

(2)

انظر ص 69 ج 4 شرح المهذب. فروع تتعلق بسجود الشكر.

ص: 99