المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال - الدين المعاملة

[منقذ السقار]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول:معاملة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في بيته

- ‌المبحث الأول: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة النساء

- ‌المبحث الثاني: معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال

- ‌المبحث الثالث:معاملة النبي صلى الله عليه وسلم مع الخدم وصغار الموظفين

- ‌الفصل الثاني:معاملة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في حال الخطأ

- ‌المبحث الأول: القود من النفس

- ‌المبحث الثاني: التعامل مع المخطئ

- ‌الفصل الثالث:من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صناعة الشخصية المسلمة

- ‌المبحث الأول: آداب الممادحة

- ‌المبحث الثاني: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المزاح

- ‌المبحث الثالث:الوفاء للزوجة وأهل العشرة والمعروف

- ‌الفصل الرابع:من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صناعة المجتمع المسلم

- ‌المبحث الأول: الميزان في وزن الرجال

- ‌المبحث الثاني: صناعة المعروف

- ‌المبحث الثالث: الهدية

- ‌المبحث الرابع: آداب المداينة

- ‌المبحث الخامس: سلامة المجتمع من الشقاق

الفصل: ‌المبحث الثاني: معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال

‌المبحث الثاني: معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال

وقفنا على صور الحب وحسن العشرة في علاقة النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، ورأينا جملة آداب لم يبخل النبي صلى الله عليه وسلم بمثلها عن زهرات البيوت وزينة الدنيا وبهجتها، وهم أطفالها شموع الأمل الباسم فيها، فلهؤلاء الحظ الأكبر في الرعاية والعناية، ويستحقون النصيب الأوفى من أوقاتنا وجهدنا.

الطريق الأقصر إلى قلوب الصغار هو حسن رعايتهم وملاطفتهم وممازحتهم ومنحهم المزيد من الحنان والاهتمام، وهو ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم مع العديد من الأطفال الذين كانوا يتلألؤون من حوله، ومن هؤلاء ابنه إبراهيم، وحفيداه الحسن والحسين عليهما رضوان الله أجمعين.

يحكي لنا أنس بن مالك عن حنو النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وغيره من الأطفال، فيقول:(ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت .. فيأخذه، فيقبِّلُه ثم يرجع)(1)، هذه العاطفة الدفاقة بالحب والحنان لم

(1) أخرجه مسلم ح (2316).

ص: 24

تشغل النبي صلى الله عليه وسلم عنها زحمة الواجبات وكثرة الأعباء، فلكل وقته، ولكل حقه في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ومستحقه.

ويواصل أنس حكاية حال النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، فيقول:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي)(1)، وهذه المعاني أدركها أنس في طفولته التي قضاها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه عشر سنين، فهو أعرف الناس بها، وهو أحفظ الناس لها.

إن اللغة التي يفهمها الطفل هي لغة الحب، ومفرداتها القبلة الحانية والحضن الدافئ واللعب البريء، وهذه اللغة الرخيصة في تكاليفها عظيمة في قيمتها، والعجب في بخل بعض الناس بها تكبراً وغروراً، بل قسوة وجفاء، من هؤلاء الأقرع بن حابس التميمي، فحين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل حفيده الحسن بن علي؛ قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً. أي فخر يفتخر به هذا؟ أيفخر المرء بقسوة قلبه وجفاء معاملته؟ هل يخدش مكانته ويحط من منزلته لو كان يحنو على طفله بقبلة أبوية؟

(1) أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط ح (6361)، والبيهقي في دلائل النبوة ح (283).

ص: 25

فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال معقباً بكلمات موجزة مؤثرة: «من لا يَرحم لا يُرحم» (1).

وفي مرة أخرى قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم» . قالوا: لكنا والله ما نقبِّل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة!» (2).

ومما يطرب له الطفل ويستأثر بقلبه أن يحمله ذووه، وأن يضموه إلى صدورهم، وهو أمر متعِب أو مضجِر للآباء، لكنه ضروري، ولا غَناء عنه لمن أراد غرس الحب في الطفولة وجني البر في الشباب والرجولة، يقول أبو هريرة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار حتى أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء إلى فِناء بيت فاطمة فقال:«أثمَّ لُكع، أثمَّ لُكع» [أي: أين الصغير، ومقصِدُه الحسن] فحَبَسَته أمه شيئاً، فظننتُ أنها تلبسه سِخاباً أو تغسِّلُه، فجاء الحسن يشتد حتى عانقه وقبَّله وقال:«اللهم أحبِبْه، وأحبَّ من يحبُّه» (3)، نسأل الله أن يجعلنا ممن أحبه وأحب من يحبه.

(1) أخرجه البخاري ح (5997)، ومسلم ح (2318).

(2)

أخرجه البخاري ح (5998)، ومسلم ح (2317).

(3)

أخرجه البخاري ح (2122)، ومسلم ح (2421).

ص: 26

وأما أسامة بنُ زيدٍ الذي كان يلقب بالحِبِّ ابنِ الحِبِّ فيذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمله ويحمل الحسن ويقول: «اللهم أحبَّهما فإني أحبُّهُما» (1).

ولعل من أهم حقوق الطفل ملاعبته وملاطفته، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الأدب الكيل الأوفى، لم يكن صلى الله عليه وسلم يتحرج من ملاطفة الحسن بإخراج لسانه له، فيراه الصبي، فيهش له ويفرح (2).

ودخل جابر يوماً على النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه حاملاً الحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما. فقال جابر لهما: نِعم الجملُ جملُكما، يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم:«ونِعم الراكبان هما» (3).

ومن ملاعبته للأطفال صلى الله عليه وسلم أنه كان يصفّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً بَني العباسِ ثم يقول: «من سبق إليّ فله كذا» . فكانوا يستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبِّلُهم ويلتزمهم صلى الله عليه وسلم (4).

(1) أخرجه البخاري ح (3736).

(2)

أخرجه ابن حبان في صحيحه ح (5596).

(3)

أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ح (2595)، قال الهيثمي:"رواه الطبراني، وفيه مسروح أبو شهاب وهو ضعيف". مجمع الزوائد (9/ 182).

(4)

أخرجه أحمد ح (1739).

ص: 27

ومما يحسن في معاملة الأبناء إهداؤهم، فالهدية سبب في استجلاب محبة الكبار فضلاً عن الصغار، وقد صنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلَقة، فيها خاتم ذهب، فيه فص حبشي، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود وإنه لمعرض عنه، ثم دعا بابنةِ ابنتِه، أمامةَ بنتِ أبي العاص فقال:«تحلَي بهذا يا بنية» (1).

ومن ممازحته صلى الله عليه وسلم لأنس أنه كان يعدل في ندائه عن اسمه الصريح، فيناديه متحبباً:«يا ذا الأذنين» (2).

ومازح صلى الله عليه وسلم أيضاً أخاه، وسأله عن عصفوره الذي كان يلعب به، يقول أنس: إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطُنا حتى يقول لأخ لي صغير: «يا أبا عمير ما فعل النغير؟» .

وفي رواية لأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم سليم [أمِ أنس]، ولها ابن من أبي طلحة يكنى: أبا عمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فرآه حزيناً فقال:«مالي أرى أبا عميرٍ حزيناً؟»

(1) أخرجه أبو داود ح (4235)، وابن ماجه ح (3644)، وأحمد ح (24359).

(2)

أخرجه الترمذي ح (3828)، وأبو داود ح (5002).

ص: 28

فقالوا: مات نُغَرُه الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: «أبا عمير، ما فعل النغير» (1).

وفي الحديث فوائد منها: "جواز تكنية من لم يولَد له، وتكنية الطفل، وأنه ليس كذباً، وجواز المزاح فيما ليس إثماً .. وملاطفة الصبيان وتأنيسهم، وبيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع، وزيارة الأهل، لأن أم سليم والدة أبي عمير هي من محارمه صلى الله عليه وسلم "(2)، أي بالرضاع.

وأما محمود بن الربيع، وهو من صغار الصحابة، فيقول:(عقَلتُ [أي أتذكر] من النبي صلى الله عليه وسلم مجّةً مجّها في وجهي؛ وأنا ابن خمسِ سنينَ من دلو)(3)، والمج "طرح الماء من الفم بالتزريق، وفي هذا ملاطفةُ الصبيان وتأنيسُهم وإكرام آبائهم بذلك، وجوازُ المِزاح"(4).

(1) أخرجه البخاري ح (6129)، وأحمد ح (12545).

(2)

شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 129)، وانظر الآداب الشرعية (2/ 223).

(3)

أخرجه البخاري ح (77)، ومسلم ح (33).

(4)

شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 162).

ص: 29

أدب المعاملة مع الأطفال في وقت الجد:

الطفل لا يعرف عادة وقتاً للعب وآخرَ للجد، وهو يفترض أن كل الأوقات مخصصة له، لذا فالواجب على المربي، أباً كان أو أُماً، أن يراعي مشاعره وطفولته ولو في أوقات الجد، كحضرة الضيوف أو المشاغل المهمة أو حتى وقت العبادات الشرعية، وقد صنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو قتادة: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص بنتُ ابنته على عنقِه، فقام في مصلاه، وقمنا خلفه، وهي في مكانها الذي هي فيه.

قال أبو قتادة: فكبر فكبرنا، حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده، ثم قام أخذها، فردها في مكانها، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته صلى الله عليه وسلم) (1).

ولعلي أحاول مع القارئ الكريم تصور الحال لو حدث مثل هذا في بعض مساجدنا اليوم، فحمل الإمام طفله، أو دخل طفل بعض مساجدنا فجال بين الصفوف؛ فضلاً عن أن

(1) أخرجه أبو داود ح (920)، وأصله في البخاري ح (516)، ومسلم ح (543).

ص: 30

يصل إلى المحراب، فيقف بجوار الإمام، كيف يكون الحال؟ وماذا سنقول عن والده؟ وكيف سنتصرف بعد نهاية الصلاة؟

إجابات تتدافع في ذهني، ولا أجرؤ على البوح بها، لكنها على كل حال ليست كالذي صنعه النبي صلى الله عليه وسلم مع حفيدته في الصلاة.

ويحكي لنا نحوَه شدادُ رضي الله عنه موقفاً مماثلاً: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشِي الظهر أو العصر، وهو حاملُ حسنٍ أو حسينٍ، فتقدم فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها.

قال شداد: رفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة؛ قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهريِّ الصلاة سجدة أطلتَها؛ حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك؟ فقال صلى الله عليه وسلم:«كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أُعجِّله حتى يقضيَ حاجَته» (1).

نعم، لقد انتظره حتي يقضي حاجته من اللعب، فالطفل لا يميز بين وقت الهزل والجد، ولا يتصور أن وقتاً ما ينشغل

(1) أخرجه النسائي ح (1141)، وأحمد ح (15603).

ص: 31

جده عنه، فهو يريد نصيبه من الحب واللعب والدلال، إني لأجزم أن أحداً من الآباء اليوم لا يصنع ما كان محمد صلى الله عليه وسلم يصنعه، لكنه الرحمة المسداة صلى الله عليه وسلم.

وذات مرة، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، وألوف المسلمين تشرئب أعناقهم وهي تستمع إليه؛ إذ جاء الحسن بن علي، فصعد إليه المنبر، فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه، ولم ينهره، بل ضمه إليه، ومسح على رأسه وقال:«ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (1).

ومرة أخرى ماذا نصنع مع مثل هذا الطفل لا يعرف حرمة الصلاة ولا المنبر؟ هل ننهره ونجرح شعوره؟ هل نطرده ونرسله إلى أمه مع رسالة تأنيب لتقصيرها في الإمساك به وحجزه عن مواطن الجد؟ كيف ينبغي أن نتعامل مع مثل هذه الحال؟ أوليس هدي محمد صلى الله عليه وسلم خير الهدي وأحسنه؟ إنه صلى الله عليه وسلم القائل: «إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله» (2).

(1) أخرجه أبو داود ح (4663)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (6233).

(2)

أخرجه الترمذي ح (2612)، وأحمد ح (23684).

ص: 32

الكذب على الأطفال:

ويعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أدباً تحتاجه الكثير من الأمهات اليوم، وهو عدم الكذب على الصبي، ولو في باب المُزاح، فكما حرم الله الكذب في المِزاح مع الكبير، فإنه يحرم مع الصغير بلا تفريق، فعن عبد الله بن عامر أنه دعته أمه يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في البيت، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وما أردت أن تعطيه؟» قالت: تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبتْ عليكِ كذبة» ، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال:«من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة» (1).

فالكذب على الصغير في ممازحته كالكذب على الكبير، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً ليضحك بها القوم، وإنه ليقع بها أبعد من السماء» أي يقع بها في النار أبعد من وقوعه من السماء إلى الأرض".

وهكذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح الأطفال ويمازح أهل بيته، ويتقبل مزاحهم عنده، ولا يستنكف من هذا الخلق الجميل الذي نعجب لاستنكاف كثير من الآباء عنه، ونراه

(1) أخرجه أبو داود ح (4992)، وأحمد ح (9526).

ص: 33

نوعاً من الكبر والترفع على أهله، وهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في المعاملة مع أهل البيت والأطفال.

وما رأينا من لطف النبي صلى الله عليه وسلم بأبنائه وأحفاده وأقرانهم يستوقفنا ويدعونا إلى إعادة بناء علاقاتنا الأسرية على أساس متين من الحب الذي نعبر عنه لأبنائنا بتقبيلهم والحنو عليهم وتملك قلوبهم، وإشباع عواطفهم بضروب الحنان والود الخالص.

ص: 34