المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهذا إذا علقه تَنجَّز ولم يتوقف على الشرط لقوة نفوذه، - الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق - جـ ١

[ابن تيمية]

الفصل: فهذا إذا علقه تَنجَّز ولم يتوقف على الشرط لقوة نفوذه،

فهذا إذا علقه تَنجَّز ولم يتوقف على الشرط لقوة نفوذه، وهو إذا عَلَّقه تعليقًا يقصد به الأيمان لم يلزم، فالذي لا يتنجز مع التعليق بل يتأخر إلى وجود الشرط= أولى ألا يلزم إذا قصد به اليمين

(1)

.

وإن أراد أنه لو لم يكن مما يجوز تعليقه في الجملة لم تنعقد به اليمين، لأنه حينئذٍ [32/ ب] معلَّق، وما لا يقبل التعليق لا يصير محلوفًا به إذا عَلَّقَهُ؛ فهذا المعنى ينفعنا لا يضرنا، فإنَّا نسلم أنه مما يقبل التعليق في الجملة، كما أَنَّ النذر يقبل التعليق.

وإذا قصد بالتعليق اليمين لم يكن نذرًا، وسواء كان النذر وجوب شيء في الذمة أو ثبوت ذلك في عين معينة.

فإذا قال: إِنْ فعلت كذا فهذا البعير هدي وهذه الشاة أضحية وهذه الدار وقف على المساكين وهذا المال صدقة ونحو ذلك، فهو كقوله: فهذا العبد حر، وهذه المرأة طالق، فإنه لو قال: هذا البعير هدي وهذه الشاة أضحية وهذه الدار وقف على المساكين لزم ذلك، كما يلزم إذا قال: هذا العبد حر وهذه المرأة طالق، ثم إذا عَلَّقَ ذلك تعليقًا يقصد به اليمين كان يمينًا مكفَّرة.

‌الوجه الثالث

(2)

: أَنْ يقال: هذا الكلام حجة على من يوافقهم المعترض في الفرق بين المُطْلَق والمعلَّق الذين يقولون: إذا قال: إن فعلت كذا فمالي

(1)

مجموع الفتاوى (32/ 91).

(2)

هكذا في المخطوط، وقد ألحق في هامش النسخة قبل هذا الوجه:(الوجه الثاني) دون أنْ يذكر تحته شيئًا.

ص: 109

صدقة كان يمينًا، ولو قال: إذا طلع الهلال فمالي صدقة، أو قال: هذا المال صدقة لم يصح، وكذلك إذا قال: عليَّ نذر لم يلزم، وإذا قال: إِنْ فعلتُ كذا فعليَّ نذر لزم.

ولو قال: عليَّ أَنْ أُطَلِّقَ امرأتي أو إذا جاء رأس الشهر فعليَّ أَنْ أُطَلِّقَ امرأتي لم يلزم.

ولو قال: إِنْ سافرتُ معكم فعليَّ أَنْ أُطَلِّقَ امرأتي كان عليه كفارة يمين؛ كما ذَكَرَ ذلك مَنْ ذَكَرَهُ من أصحاب الشافعي وجعلوه مذهب الشافعي، والشافعي نفسه فَرَّقَ بين أن يقول: عليَّ نذر، وبين أن يقول: إن فعلت كذا فعليَّ نذر

(1)

؛ فهؤلاء يجعلون المعلِّق يقصد اليمين يمينًا وإن كان لا يلزم منجزًا فضلًا عن أن يلزم مع الشرط، فيجعلون التعليق الذي يقصد به اليمين في اقتضاء كونه يمينًا أبلغ من المنجز ومن التعليق المحض.

وهذا يناقض دليل المعترض الذي زعمه بقوله: (لو لم يكن الطلاق بحيث يقع عند الشرط لم تنعقد اليمين به) فإنَّ هذه الأمور تنعقد بها اليمين عندهم وهي مما لا يلزم عندهم منجزة ولا معلقة بشرط؛ بل يلزم عند طائفة النذر المعلَّق وإن لم يلزم المعلق بالصفة، كما يلزم عندهم الذي يقصد به اليمين [33/ أ] وَإِنْ لم يلزم المعلق بالصفة ولا المنجز، وهذا لأنه إذا قصد اليمين صار حالفًا فيدخل في النصوص الموجبة للكفارة، وإذا لم يقصد اليمين صار ناذرًا للطلاق وغيره من المباحات، ونذر المباحات لا يلزم

(1)

الأم (3/ 655).

ص: 110

الوفاء بها، أو

(1)

صار منجزًا لما لا ينعقد بصيغة التنجيز عندهم كقوله: مالي صدقة ــ في أحد الوجهين ــ، وكالنذر المنجَّز مطلقًا ــ في أحد الوجهين ــ.

وهذا لأنَّ القاصد لليمين لم يقصد أن يلزمه ما عَلَّقَهُ، ولا أن يكون ذلك؛ لا نذرًا لمباحات ولا نذرًا منجزًا ولا تطليقًا ولا إعتاقًا، وإنما يقصد أن يعلق بالفعل ما يكره لزومه ليكون حاضًّا ومانعًا له، ويكون ذلك المعلق حقًّا محضًا لله، فيكون قد التزم لله عند الحنث ما لا يريد أن يلزمه إذا حنث؛ فهذا معنى اليمين عندهم، سواءٌ كان ذلك مما يلزم مجردًا أو معلقًا بالصفة أو مما لا يلزم؛ هذا حقيقة هذا القول المأثور عن الشافعي ومن ذكره من أصحابه، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين عنه.

ولو قال: عَبْدُ فلانٍ حر؛ لم يعتق عنده ولا عند أحد من المسلمين.

ولو قال: إنْ شفى الله مريضي فعبد فلانٍ حر؛ فإنَّ عليه كفارة يمين في إحدى الروايتين

(2)

، كما لو قال: لله عليَّ أنْ أشتريه وأعتقه فإنه مع التعليق قد نذر أن يصير حرًّا كأنه قال: فعليَّ أَنْ أُعتقه، فإذا تعذر عتقه كان عليه كفارة يمين، ولو أعتقه لم يلزمه شيء آخر.

والمقصود: أَنَّ من العلماء من يُلزم مع التعليق ما لا يُلزم مع التنجيز، ومع قصد اليمين ما لا يُلزم بدونه، فما ذكره لو كان حجةً كان حجةً على هؤلاء فكيف ولم تكن حجة؟! وذلك يتبين بِـ

الوجه الرابع: وهو أَنَّ هذا القياس الذي ذكره لم يذكر ما يدل على

(1)

هذه هي الحالة الثانية فيمن لم يقصد اليمين.

(2)

المغني (13/ 480).

ص: 111

صحته.

فيقال له: لا نُسَلِّمُ أَنَّ العلة في الأصل ما ذكرتَ، وهذا المنعُ يكفي في منعه من الاستدلال به، ثم نذكر من الفرق ما يُبَيِّنُ به بطلان قياسه وهو أن قوله للأجنبية: إِنْ دخلتِ الدارَ فأنتِ طالق إيقاع طلاق بأجنبية، والأجنبية لا يلحقها الطلاق لا منجزًا ولا معلقًا، وهو إنما جعلها طالقًا إذا دخلت الدار فلم يشرط أن تدخل الدار وهي زَوجُهُ، فلو قال: إِنْ دخلتِ وأنتِ زوجتي [33/ ب] فأنت طالق؛ فهذا فيه النزاع المشهور.

ولو قال: إِنْ دخلتِ الدار فلله عليَّ أَنْ أُطلقك من زوجِكِ، فهذا عليه كفارة يمين؛ كما لو قال: فوالله لأطلقنَّك من زوجك، أو قال: إن دخلت الدار فلله عليَّ أَنْ أطلق امرأتي؛ كما ذكرنا في مذهب أحمد وأبي حنيفة وهو الذي جعله الخراسانيون مذهب الشافعي.

ولو قال: إن سافرت معكم فامرأة فلان طالق؛ فهو كقوله: مملوكه حر أو فبعيره هدي أو فماله وقف، فتصرفه في ملك الغير بدون وكالة وولاية لا ينفذ لا منجزًا ولا معلقًا؛ لكن هل يكون هذا كقوله: فلله عليَّ أَنْ أُعْتِقَ عبد فلانٍ وأهدي بعيره وأَقِفَ ماله، ويكون هذا بمنزلة أن يحلف ليفعلنَّ ذلك، كما لو قال: إن فعلت ذلك فعليَّ أَنْ أقتل فلانًا، وإِنْ أظفرني الله بفلان فلله عليَّ أَنْ أقتله، هذا مما يحتمل النزاع في مذهب أحمد وغيره.

الوجه الخامس: قوله: (لو كان قصد اليمين وحده كافيًا لكفى هنا).

يقال له: قوله: إِنْ دخلت الدار فأنت طالق؛ إِنْ كان قصده منعها من الدخول وهو لا يكره الطلاق إذا دخلت بل يريده؛ فليس هذا بحالف، ولا

ص: 112

هذا وحده يمينًا، وهذا مما تكرر ذكر المعترض له وعليه بنى كلامه، حيث ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلَّقَ حكمًا بأمر يكرهه فإنه حالف قد قصد اليمين، وعرف أن هذا خطأ على جميع الخلق العامة والخاصة والصحابة والتابعين والفقهاء وغيرهم، وإن كان يكرهه فهو حالف

(1)

.

فإن أراد: إِنْ دخلتِ الدارَ فأنت طالق مني الآن؛ فهذا كلام باطل فإنه لو قال: لله علي أن أطلقك الآن لكان باطلًا.

وإن قال: فأنت طالق إِنْ تزوجتك فهذا يمين، كما لو قال إن فعلت كذا فكل امرأة أتزوجها فهي طالق، ولو قال لأجنبية: إن فعلت كذا فوالله لأطلقنك إن تزوجتك، أو فلله عليَّ أَنْ أطلقك إن تزوجتك فهو يمين.

ولو قال: فأنت طالق إذا تزوجتك ففيه نزاع مُرَتَّبٌ؛ فمن قال: إِنَّ الطلاق المعلق بالنكاح يلزم، يقول بانعقاد هذه اليمين، [و]

(2)

في إجزاء الكفارة فيها النزاع الذي نحن فيه، ومن قال: إن الطلاق المعلق بالنكاح لا يلزم تنازعوا إذا صار مستحقًّا للغير أو كان [34/ أ] التعليق في ملكه، وفي ذلك روايتان مشهورتان مثل أن يقول لامرأته: إن تزوجت عليك امرأة فهي طالق؛ فهنا نص أحمد في إحدى الروايتين على أنها تطلق إذا تزوجها مُفَرِّقًا بين ذلك وبين أن يقول ابتداءً: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإنه هناك مقصوده الامتناع من نكاحها، وهذا لا يلزم، بخلاف ما إذا صار الطلاق حقًّا للمرأة، فإن من أصله أنه لو شرط لها ألا يتزوج عليها صحَّ الشرط، ولو تزوَّج عليها

(1)

كذا في الأصل.

(2)

إضافة يقتضيها السياق.

ص: 113

كان لها فسخ النكاح، فصار في امتناعه من النكاح حق لها.

ولو قال: إنْ تزوجت فلانة فلله عليَّ أنْ أُطلقها لم يكن عليه أنْ يُطلِّقَهَا؛ بل عليه كفارة يمين عند أحمد وأبي حنيفة ومن معهما، لأنَّ هذا يمين.

ولو شَرَطَ لامرأته ألا يتزوج عليها، وإنْ تزوَّجَ فلله عليَّ أنْ أطلقها = كان الطلاق حقًّا لها، فإذا لم يَفِ بشرطها كان لها أنْ تفارقَه ولا يسقط حقها بالكفارة؛ فلهذا قال

(1)

: إنْ تزوجتُ عليكِ امرأةً فهي طالق؛ تطلق إن تزوجها، لأن الطلاق صار مستحقًا للمرأةِ، والمعلَّقُ هنا وقوعه

(2)

.

وأصل أحمد أنَّ المضافَ إلى الملك من الحرية والظهار يقع في الملك؛ كقول الجمهور مالك وأبي حنيفة وغيرهما، فالمشهور من مذهبه أنه لو قال: إنْ تزوجت فلانة فهي عليَّ كظهر أمي، أو إذا مَلَكْتُ فلانًا فهو حُرٌّ صَحَّ الظهار ووقع العتق، وإنما مَنَعَ من الطلاق المعلَّق على الملك، لأنَّ مقصوده الامتناع من النكاح، ومعناه: لا أتزوج، وهذا لا يلزم؛ فإذا صار حقًّا لها صار ممتنعًا من النكاح لأجلها، وعلى الرواية الأخرى عنه: هو معلل بأنه لا طلاق قبل النكاح وهذا لا يجوز، لأنه فسخ للعقد قبل انعقاده وهو باطل، بخلاف الحرية [فليست]

(3)

فسخًا للبيع؛ بل هي تقرير للملك الحاصل به.

فإذا قال: إذا اشتريت فلانًا فهو حُر؛ فهو إعتاقٌ له بعد ملكه له وليس

(1)

أي: الإمام أحمد.

(2)

مجموع الفتاوى (32/ 164، 166، 169، 170)(33/ 119)، الفتاوى الكبرى (3/ 90، 124، 196، 217)(5/ 461).

(3)

إضافة يقتضيها السياق.

ص: 114

ذلك فسخًا للبيع، والظهار تحريم لها، وتحريم الأجنبية ممكن؛ فكيف إذا علَّقَ التحريم بالملك؟!

ولو قال لها في العِدَّة: إنْ تزوجتك فأنتِ طالق؛ فعنه فيه روايتان، وإذا كان كذلك، فإذا قال لأجنبية: إنْ فعلتِ كذا فأنتِ عليَّ كظهرِ أمي، أو [إِنْ فعلتِ كذا]

(1)

إذا تزوجتك فأنتِ عليَّ كظهرِ أمي؛ فهذا يمين بالظهار [34/ ب] بخلاف ما إذا قال ابتداءً: أنتِ عليَّ كظهرِ أمي، أو إذا تزوجتك فأنت عليَّ كظهرِ أمي، فإنَّ هذا ظهار محضٌ منجز ومعلق بالملك، فكذلك إذا قال لأجنبية: إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق إذا تزوجتك فإنَّ هذا إذا قصد أنْ يمنعها من ذلك الفعل بإيقاع طلاقها إذا تزوجها فهذا يمين، كقوله: إن فعلتِ كذا فلله عليَّ أنْ أطلقك إذا تزوجتك، ثم قد يقول بأنَّ هذا يمين مَنْ لا يقول بلزوم هذا الطلاق لو كان مجردًا تعليقًا محضًا، ويقول بلزوم الكفارة فيه كما يقوله في نظيره.

الوجه السادس: قوله: (الناذر في اللجاج ملتزم لاقتران الفعل الذي مقصوده الامتناع منه بالإعتاق مثلًا) ليس بمسلَّم؛ بل إنما قُرِنَ بالفعل إيجاب العتق أو وجوبه لا نفسُ الإعتاق، فإنه إذا قال: إن فعلت كذا فلله عليَّ أن أعتق هذا العبد أو أتصدق بمالي أو أنْ أحجَّ لله؛ لم يَقْرِن بالفعل الذي امتنع منه شيئًا من هذه الأفعال لا الحج ولا الإعتاق ولا الصدقة؛ بل إنما قَرَنَ بذلك إيجاب هذه الأفعال ووجوبها، ولو كان المعلَّق نفس الأفعال لكانت الأفعال توجد إذا وجد شرطها في قصد النذر المحض، كما إذا قال: إنْ شفاني الله من مرضي فلله عليَّ أَنْ أعتق هذا العبد وأتصدق بثلث مالي

(1)

إضافة يقتضيها السياق.

ص: 115