المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الحالف باسم الله قرن ما حلف عليه بتعظيم المحلوف به - الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق - جـ ١

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ الحالف باسم الله قرن ما حلف عليه بتعظيم المحلوف به

وأحج إلى بيتِ الله، فإذا وجد الشرط كان الحاصل وجوب هذه الأفعال في ذمته لا نفس هذه الأفعال، وفي اليمين المعلق بالشرط هو هذا الوجوب، لكنه هناك علقه مع بُعْدِهِ عن هذا الإيجاب وامتناعه منه، ليكون لزومه له مانعًا له من الشرط؛ وَلَمَّا كان المعلق هو إيجاب الفعل المقتضي للفعل، فإن أعتق فقد وفَّى بموجب تعليقه، ولم يبقَ في ذمته شيء، وإنْ لم يفِ فعليه كفارة يمين.

وهكذا إذا قال: إنْ فعلت كذا فمماليكي أحرار؛ فالمعلق حصول العتق بالمماليك، لكنه لم يقصد إيقاع هذا العتق؛ بل هو من أبعد الناس عنه، وهو ممتنع منه غاية الامتناع؛ بل علقه ليكون لزومه عند الشرط مانعًا له من الشرط؛ وهكذا الطلاق المعلق على وجه اليمين إذا قال: إنْ فعلتُ كذا فكل نسائي طوالق لم يُعَلِّق إيقاع الطلاق إلا وهو من أبعد الناس عنه وممتنع [35/ أ] منه غاية الامتناع، وعلقه ليكون لزومه مانعًا له من الفعل، ثم جَعْلُهُ اللزومَ مانعًا له من الفعل هو موجب ربطه وتعليقه.

وأما حكم هذا اللزوم فإلى الشارع، فإنْ جعله عقدًا لازمًا لزم، وإن جعل له تحليلًا بالكفارة التي فرضها الله تحلةً لأيمانِ المؤمنين كان له حل هذا العقد بالكفارة.

وهذا‌

‌ الحالف باسم الله قَرَنَ ما حلف عليه بتعظيم المحلوف به

؛ فموجب عقده أنه إذا وجد التعظيم وجد الفعل الذي حلف ليفعلنه، والتعظيم موجود في قلبه فيلزمه الفعل، فَجَعَلَ الشرعُ لتعقيدِ الأيمان تحليلًا كما قال تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، فلو لم يشرع

ص: 116

الكفارة لكان إذا حصل المحلوف عليه زال تعظيمه للمحلوف به، لأن الفعل قد جعله لازمًا للتعظيم، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، لكنْ شَرَعَ الله الكفارة تحلة لأيمان المؤمنين، وشرع لهم حَلَّ هذا العقد، وإبطال هذا اللزوم بالكفارة التي فرضها.

وهذا المعنى موجود في كل ربط قصد به اليمين، لكن إنما تجب الكفارة إذا كان اللازم بالحنث هَتْكَ حرمة الأيمان، أو

(1)

انتهاك حرمة اسم الله، لأنَّ ذلك انتهاك لحرمة المسمى، وهذا يتضمن إسقاط ما في القلب من تعظيم الله

(2)

.

وكذلك إذا التزم الكفر المضاد للإيمان إذا فعل؛ فهذا أعظم انتهاكًا لحرمة الأيمان، وأبلغ من زوال تعظيم الله من القلب، وكذلك إذا التزم لله

(1)

في الأصل: (أما)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.

(2)

انظر (ص 532 - 534).

وقال في قاعدة العقود (1/ 181 - 182): وقد بَيَّنَّا في غير هذا الموضع: أنَّ وجوب الكفارة في النذر وتحريم الحلال والحالف بقوله: أنا يهودي أو نصراني أولى من وجوب الكفارة في الحالف باسم الله، لأنَّ هذه الأيمان فيها من الالتزام بمثل حرمة الأيمان أعظمُ مما في الحلف باسم الله، فإذا كان الحالف باسم الله يجب عليه الكفارة لما فيه مِنْ هَتْكِ حُرمةِ اسم الله؛ فما في هذه الأيمان من هتك حُرمة المسمَّى أحق بوجوب الكفارة، فإنَّ تحريم الحلال تبديلٌ لحكم الله، ليس هو من أمر الله، ولو اعتقد معتقدٌ أنه يُغَيِّرُ الدِّين لكان كافرًا؛ وكذلك التزام الكفر إنْ فعل كذا وكذا، فإنَّ ما عَقَدَهُ لله أبلغ مما عقده به؛ فقوله: لله عليَّ أَنْ أفعل أَبلغُ من قوله: والله لأفعلنَّ؛ فإذا كان الحانث في هذا يجب عليه كفارة، فالحانث في ذلك أولى وأحرى.

ص: 117