الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطَرَدَ داود وأصحابه أصلهم في الطلاق، فقالوا: هو يمين غير منعقدة، فلا يلزم به طلاق ولا كفارة؛ فعلى هذا التقدير يكون هؤلاء الصحابة قد جعلوا هذه أيمانًا غير منعقدة، وهو خلاف قول المعترض وأمثاله: إنها ليست أيمانًا أو إنها أيمانٌ تُلْزِمُ الحالف فيها ما التزمه. وإذا كانوا يقولون: إِنَّ الحالف بالعتق لا يلزمه العتق ولا كفارة فيه= ثبت النزاع في العتق؛ وحينئذٍ فنقيم الدليل على أَنَّ هذه أيمان ليست كالتعليقات التي يلزم فيها المعلَّق.
وأما كونها يمينًا مكفَّرة أو غير مكفَّرة فهو مقام آخر، و
القول بالتكفير ثابت
(1)
عن السلف لا ريب فيه
، يُقِرُّ بِهِ هؤلاء الذين قالوا إنها أيمان غير منعقدة كابن جرير وداود وابن حزم، وقد تقدم نقل ابن جرير وابن حزم للنزاع في ذلك عن الصحابة والتابعين، فلا يمكن أحدًا منهم دعوى الإجماع على عدم التكفير، وإنما النزاع في كونها من جنس أيمان المسلمين أو من جنس أيمان الكفار، فتبين أَنَّ ما ذكره المعترض يضره لا ينفعه.
قال أبو محمد ابن حزم
(2)
: (وكذلك من أخرج نذره مخرج اليمين فقال: عليَّ المشي إلى مكة إِنْ كلمت فلانًا وإن زُرْتُ
(3)
فلانًا؛ فهذا
(4)
لا يلزم الوفاء بِهِ ولا كفارة فيه إلا الاستغفار فقط).
ثم قال
(5)
: (وقولنا هو قول طائفة من السلف؛ كما روينا من طريق
(1)
كررها الناسخ.
(2)
في المحلى (ص 988).
(3)
في الأصل: (فرق)، والمثبت من المحلى، مع وجود سقط يسير هنا.
(4)
كذا في الأصل، وفي المحلى:(فكل هذا).
(5)
المحلى (ص 991).
عبد الرزاق، عن المعتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخبرني أبو رافع قال: قالت لي مولاتي ليلى بنت العجماء: كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية أو نصرانية إن لم تطلق امرأتك، فأتيت زينب بنت أم سلمة ــ أم المؤمنين ــ فجاءت معي إليها، فقالت: يا زينب ــ جعلني الله فداك ــ إنها قالت: كل مملوك لها حر وهي يهودية. فقالت لها زينب: يهودية ونصرانية! خَلِّ بين الرجل وامرأته، فكأنها
(1)
لم تقبل، فأتيت حفصة ــ أم المؤمنين ــ فأرسلت ــ يعني: إليها ــ، فقالت: يا أم المؤمنين ــ جعلني الله فداك ــ إنها قالت: كل مملوك لها حرٌ وكل مالٍ لها هدي وهي يهودية ونصرانية، فقالت أم المؤمنين: يهودية ونصرانية! خَلِّ بين الرجل وبين امرأته).
قال
(2)
: (ومن طريق عائشة [55/ ب] ــ أم المؤمنين ــ فيمن قال لغريمه: إِنْ فارقتك فمالي عليك في المسلمين
(3)
صدقة، ففارقه؛ أَنَّ هذا لا شيء يلزمه فيه).
قال
(4)
: (وَصَحَّ هذا عن الحَكَم بن عُتيبة، وحماد بن أبي سليمان من طريق شعبة عنهما.
وهو قول الشعبي، والحارث العكلي، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وأبي سليمان وأصحابنا).
(1)
في الأصل: (فإنها)، والمثبت من المحلى.
(2)
المحلى (ص 991).
(3)
في المحلى: (المساكين).
(4)
المحلى (ص 991).
قال
(1)
: (فإن قالوا: فقد أفتى ابن عمر في ذلك بكفارة يمين.
قلنا: نعم؛ وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم؛ فما الذي جعل قول بعضهم أولى من قول بعض بلا برهان؟!).
قال
(2)
: (وصحَّ عن عائشة وأم سلمة ــ أمَّيِ المؤمنين ــ.
وعن ابن عمر أنه جعل في قول ليلى بنت العجماء: كل مملوكٍ لها حر وكل مالٍ لها هدي وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق امرأتك كفارةَ يمين واحدة، وعن عائشة ــ أم المؤمنين ــ رضي الله عنها أنها قالت فيمن قال في يمينٍ: مالي ضرائب في سبيل الله، أو قال: مالي كله في رتاج الكعبة: كفارة يمين.
وعن أم سلمة وعائشة ــ أمي المؤمنين ــ فيمن قال: عليَّ المشيُ إلى بيت الله إن لم يكن كذا: كفارة يمين، من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أشعث الحمراني، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع عنهما.
وَرُوِّينَا عن جابر بن عبد الله: النذر كفارته كفارة يمين.
وعن ابن عباس مثل هذا.
وعن [عمر بن الخطاب]
(3)
نحوه.
(1)
المحلى (ص 991).
(2)
المحلى (ص 991).
(3)
في الأصل: ابن عمر بن الخطاب، وهو خطأ، والتصويب من المحلى (ص 991) ومما تقدم (ص 143).
وعن عكرمة والحسن فيمن قال: مالي كله في رتاج الكعبة: كفارة يمين).
قال
(1)
: (وصحَّ عن طاووس وعطاء؛ أما طاووس فقال: الحلف بالعتاق ومالي هدي وكل شيء لي في سبيل الله وهذا النحو: كفارة يمين، وأما عطاء فقال: فيمن قال عليَّ [ألف]
(2)
بدنة أو قال عليَّ ألف حجة أو قال مالي هدي أو قال مالي في المساكين: كل ذلك يمين).
قال
(3)
: (وهو قول قتادة، وسليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله بن عمر.
قال أبو محمد: كل هذا خلافٌ لقول أبي حنيفة ومالك والشافعي، لأنَّ الشافعي أخرج من ذلك العتق المعين)
(4)
.
فهذا ابن حزم يعترف بصحة النقل عن الصحابة والتابعين فيمن قال: إن فعل فكل مملوك لي فهو حر بإفتائه بكفارة يمين، وأثبت ذلك عن ابن عمر ــ في حديث ليلى بنت العجماء ــ وعن عائشة وأم سلمة، ثم أعاده عن أم سلمة وعائشة من طريق أشعث [56/ أ] عن بكر، ولكنه ادعى أن زينب وحفصة أفتيا بسقوط الكفارة حيث لم يكن ذلك مذكورًا في رواية معتمر عن أبيه، كما لم يذكرها عارم عن معتمر، ولا ذكرها عبد الرزاق، فيما ذكره ابن حزم.
(1)
المحلى (ص 991).
(2)
زيادة من المحلى.
(3)
المحلى (ص 991).
(4)
هنا انتهى النقل من المحلى.
وأما ابن عبد البر فذكر أَنَّ في رواية عبد الرزاق
(1)
عن معتمر: ذكر الكفارة عن الثلاثة، ولذلك لم يذكره يحيى بن سعيد من رواية التيمي، وضم إلى ذلك رواية عائشة.
فقال: ليس في الحديث أنهما أسقطتا الكفارة، وإنما في الحديث عدم ذكرها، وقد جاء ذكرها من طريق آخر، وأَنَّ الثلاثة أفتوها بكفارة يمين، بل وفي غير هذا الطريق أَنَّ غير هؤلاء الثلاثة من الصحابة كعائشة وأم سلمة [وابن عمر]
(2)
أفتوها بكفارة يمين
(3)
.
قال البخاري في تاريخه ــ ونقله منه أبو بكر البيهقي ــ: (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إياس بن أبي تميمة ــ أبو مخلد صاحب البصريين
(4)
ــ، حدثنا عبدالرحمن بن أبي رافع، عن أبيه أنه كان مملوكًا لابنة عم عمر بن الخطاب، فحلفت أَنَّ مالها في المساكين صدقة، فقال ابن عمر: كَفِّرِي يمينك)
(5)
.
قال: (وحدثني محمود، عن النضر، أخبرنا أشعث، عن بكر بن عبد الله،
(1)
في الأصل: (ابن عبد الرزاق)، والصواب ما أثبتُّ.
(2)
في الأصل طمس مقدار كلمة، ولعله ما أثبتُّ.
(3)
لم أجد كلام ابن عبد البر بالنص، وإنما بمعناه في الاستذكار (15/ 107 وما بعدها). مع أني أخشى أن يكون نقل ابن تيمية إنما هو من (الأجوبة المستوعبة من المسائل المستغربة) لابن عبد البر؛ ففي الحديث العشرين وقع سقطٌ في المخطوط، والموجود منه هو آخر الكلام، وفيه ما يُشير إلى أنه يتعلق بمسألة اليمين على الأهل.
(4)
عند البخاري والبيهقي: البصري.
(5)
التاريخ الكبير (1/ 435)، السنن الكبير (20/ 173/ ح 20065).
عن أبي رافع، عن ابن عمر وعائشة وأم سلمة قالوا: تكفر يمينها)
(1)
.
وقال: (حدثنا حجاج، عن حماد، عن علي بن زيد
(2)
، عن أبي رافع، عن زينب ــ امرأة من المهاجرات ــ وعبد الله بن عمر وحفصة بنت عمر نحوه
(3)
.
وعن حماد، عن ثابت، عن أبي رافع [نحوه]
(4)
.
وعن حماد، عن حميد، عن بكر بن عبد الله، عن أبي رافع نحوه)
(5)
.
ولفظ البخاري ــ فيما عندنا من تاريخه الكبير
(6)
ــ: (قال موسى، حدثنا إياس بن أبي تميمة، حدثني عبد الرحمن بن أبي رافع، عن أبيه أنه كان مملوكًا لابنة عم عمر بن الخطاب [فحلفت أنَّ مالها في المساكين صدقة]
(7)
، فقال ابن عمر: كَفِّرِي يمينك.
وقال: حجاج: حدثنا حماد، عن علي بن زيد
(8)
، عن أبي رافع أَنَّ ليلى
(1)
التاريخ الكبير (1/ 435)، السنن الكبير (20/ 174/ ح 20066).
(2)
في الأصل: (يزيد)، وكتب الناسخ في الهامش ما هو مثبت، وعليها حرف (ظ) أي هو الظاهر، وهو الصواب الموافق لما في التاريخ الكبير والسنن، ولما سيأتي قريبًا.
(3)
التاريخ الكبير (1/ 435)، السنن الكبير (20/ 173/ ح 20067).
(4)
زيادة من التاريخ الكبير والسنن.
(5)
التاريخ الكبير (1/ 435)، السنن الكبير (20/ 174/ ح 20069).
(6)
التاريخ الكبير (5/ 281).
(7)
إضافة من الموضع الأول (1/ 435) كما تقدم، وليس في مطبوع التاريخ الكبير في هذا الموضع.
(8)
في الأصل: (يزيد)، وكتب الناسخ في الهامش ما هو مثبت، وعليها حرف (ظ) أي هو الظاهر، وهو الصواب الموافق لما في التاريخ الكبير والسنن ولما سيأتي قريبًا.
حلفت فأتت
(1)
زينب من المهاجرات، وقالت حفصة بنت عمر وعبد الله بن عمر: كفري يمينك.
وعن ثابت، عن أبي رافع نحوه.
وقال محمود: حدثنا النضر، حدثنا أشعث، عن بكر بن عبد الله، عن أبي رافع حلفت مولاةُ أبي رافع فسألت عائشة وأم سلمة وابن عمر فأمروها أن تكفر.
وقال إسحاق: عن معتمر، عن أبيه، عن بكر، عن أبي رافع [قال: حلفت]
(2)
مولاتي ليلى بنت [العجماء]
(3)
فأتت زينب بنت أم سلمة ــ وكانت ذات فقه بالمدينة ــ، فقالت: كَفِّرِي، وقال ابن عمر: كَفِّرِي)
(4)
.
فهذه ثلاث طرق عن حفصة وزينب أنهما قالتا: تكفِّر، وفيها طريق حماد، عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع؛ وهي طريق صحيحة، وطريقان متابعة لبكر؛ أحدهما: طريق حماد، عن ثابت، عن أبي رافع وهي طريق صحيحة، وحديث حماد بن سلمة عن ثابت البناني من أصح الحديث، وثابت ثابت مثل بكر بن عبد الله، وقد وافقا عليَّ بن زيد عن أبي رافع؛ قالوا ثلاثتهم: عن أبي رافع أنهم قالوا مثلما في حديث أشعث: تُكَفِّر يمينها؛ كما في رواية ابن أبي رافع عن أبيه ذكر ابن عمر وحده أنه قال: كفري يمينك،
(1)
في الأصل: (فأتتها)، والمثبت من التاريخ الكبير.
(2)
في الأصل: (قالت)، والمثبت من التاريخ الكبير.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(4)
انتهى النقل من التاريخ الكبير (5/ 281).
وفي رواية أشعث: عن بكر عن أبي رافع أنَّ ابن عمر وعائشة وأم سلمة قالوا: كفري يمينك.
وهذه الطرق التي ذكرها البخاري لم يستوعبها غيره كما استوعبها، ومع هذا فلم يذكر حديث معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه، ولم يذكر غير الصدقة، لأنه اختصرها ومقصوده ذكر الرجال، ومع هذا فلم يذكر اختلافًا عنهم في ذكر الكفارة، بل جعل رواية المُشَبَّهِ كرواية المشبَّهِ به أنهم قالوا: كفِّري يمينك.
وقال أبو عمر بن عبد البر
(1)
: (وروى ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن ثابت البناني وبكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع ــ وكان أبو رافع عبدًا لليلى بنت العجماء، ابنة عمةٍ لعمر بن الخطاب ــ: أَنَّ سيدته قالت: مالها هدي، وكل شيء لها في رتاج الكعبة، وهي مُحْرِمَةٌ بحجة، وهي يومًا يهودية ويومًا نصرانية ويومًا مجوسية إِنْ لم تطلق امرأتك، فانطلقتْ إلى حفصة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إلى زينب بنت أم
(2)
سلمة، ثم إلى عبد الله بن عمر؛ وكلهم يقول: كَفِّرِي عن يمينك، وخَلِّي
(3)
بين الرجل وامرأته.
قال أبو عمر: ليس في رواية ابن وهب لهذا الخبر: وكل مملوك لها حر، وهو من رواية سليمان التيمي وأشعث الحمراني عن بكر بن عبد الله
(1)
الاستذكار (15/ 110).
(2)
كذا في الأصل، وفي المطبوع من الاستذكار:(أبي).
(3)
في الأصل: (خَلِّ)، والتصويب من الاستذكار.
المزني في هذا الحديث.
قال: وفي رواية أشعث في هذا الحديث: ابن عباس وأبو هريرة [وابن عمر]
(1)
وحفصة وعائشة وأم سلمة، وإنما [57/ أ] هي زينب بنت أم سلمة)
(2)
.
فهذه عن ثابت البناني وبكر جميعًا، وفيها أن الثلاثة يقولون
(3)
لها: (كَفِّرِي عن يمينك، وَخَلِّي بين الرجل وامرأته)، وكذلك أشعث وغيره ذكروا قول الثلاثة لها: (كَفِّرِي عن يمينك، وَخَلِّي
(4)
بين الرجل وامرأته) مع ذكرهم العتق.
ورواه الأوزاعي: حدثنا جسر بن الحسن، حدثني بكر بن عبد الله المزني، حدثني رُفيع
(5)
قال: كنتُ أنا وامرأتي مملوكين لامرأة من الأنصار، فَحَلَفَتْ بالهدي والعتاق أَنْ تُفَرِّقَ بيننا، فأتيت امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت لها، فأرسلت إليها أَنْ كَفِّرِي يمينك، فَأَبَتْ، ثم أتيتُ زينب ابنةَ
(6)
أم سلمة فذكرت ذلك لها، فأرسَلَت إليها أَنْ كَفِّرِي يمينك فَأَبَتْ، فأتيت ابن عمر فذكر ذلك له فأرسل إليها أَنْ كَفِّرِي يمينك فَأَبَتْ، فقام ابن عمر فأتاها،
(1)
زيادة من الاستذكار.
(2)
انتهى النقل من الاستذكار (15/ 110 - 111).
(3)
في الأصل: (يقول)، ولعل الأقرب ما أثبتُّ.
(4)
في الأصل: (خَلِّ)، والصواب ما أثبت.
(5)
عند أبي العباس الأصم في جزئه: رافع أو رفيع.
(6)
في إعلام الموقعين (4/ 437): (و) وفي بعض النسخ (أو) وليس فيه (ابنة)، والمثبت من الأصل ومن جزء حديث أبي العباس الأصم.
فقال: أرسلتْ [إليكِ]
(1)
فلانة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وزينب أَنْ تكفري يمينك فأبيتِ؟! قالت: يا أبا عبد الرحمن حلفتُ بالهدي والعتاقة. قال: وإِنْ كُنْتِ حَلَفْتِ [بهما].
وقد رواه أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجُوزجاني
(2)
في كتاب (المترجَم) له
(3)
ــ الذي شرح فيه مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي
(4)
(5)
(1)
زيادة من إعلام الموقعين، ومثلها ما في آخر الأثر.
(2)
أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، نسبة إلى جوزجان من كور بلخ بخراسان، له عن أحمد مسائل مشهورة في جزءين، وكان الإمام أحمد يكاتبه، توفي سنة (256) أو (259).
انظر: طبقات الحنابلة (1/ 257)، البداية والنهاية (14/ 544)، تاريخ دمشق (7/ 278).
(3)
وقد ساق إسناده المجيب في (1/ 305)، وكذلك ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 437) فقالا: وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في (المترجم) له: حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي به.
وأخرجه أبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (ح 18) قال: أخبرنا عقبة، عن الأوزاعي به.
(4)
إسماعيل بن سعيد الكسائي الشالنجي، فقيه، صنَّف كتاب (البيان في الفقه) على مذهب أبي حنيفة، أثنى عليه الإمام أحمد فقال:(كان من الإسلام بمكان، كان من أهل العلم والفضل). توفي سنة (230)، وذكره ابن الجوزي في وفيات سنة ست وأربعين ومائتين.
انظر: الجرح والتعديل (2/ 587)، طبقات الحنابلة (1/ 273)، تاريخ الإسلام (5/ 533)، الجواهر المضية (1/ 406)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (11/ 341).
(5)
هذه المسائل لا أعلم عن وجودها شيئًا وأظنها مفقودة، إلا أنَّه كتاب عظيم يثني عليه ابن تيمية كثيرًا؛ فقد قال في الفتاوى الكبرى (5/ 111): (ومسائل إسماعيل بن سعيد هذا من أَجَلِّ مسائل أحمد
…
).
وانظر: مجموع الفتاوى (21/ 511)، (30/ 403)، (34/ 114)، جامع المسائل (3/ 402)، بيان الدليل (ص 13)، شرح عمدة الفقه (1/ 363). وانظر ما سيأتي (ص 859 - 680).
عن أحمد بن حنبل ــ وسليمان بن داود الهاشمي
(1)
وابن أبي شيبة. ففي هذه الطرق كلها أَنَّ الثلاثة أفتوها بكفارة
(2)
.
ورواه الدارقطني
(3)
ــ ومن طريقه البيهقي
(4)
ــ:
(5)
عن أبي بكر النيسابوري، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا أشعث، حدثنا بكر بن عبد الله، عن أبي رافع أَنَّ مولاته أرادت أَنْ تُفَرِّقَ بينه وبين امرأته، فقالت: هي يومًا يهودية ويومًا
(6)
نصرانية وكل مملوك لها حر وكل مال لها في سبيل الله وعليها المشي إلى بيت الله إِنْ لم تُفَرِّق بينهما، فسألت عائشة وابن عمر وابن عباس وحفصة وأم سلمة
(1)
سيلمان بن داود الهاشمي العباسي، إمام حافظ من كبار الأئمة، توفي سنة تسع عشرة ومائتين.
انظر: طبقات ابن سعد (7/ 343)، التاريخ الكبير (4/ 10)، سير أعلام النبلاء (10/ 625).
(2)
قاعدة العقود (1/ 294 - 297).
(3)
في كتابه السنن (5/ 288).
(4)
في السنن الكبير (20/ 174/ ح 20070).
وأخرجه البخاري ــ ومن طريقه البيهقي ــ كما تقدم قريبًا مختصرًا.
(5)
في الأصل زيادة: (رواه الدارقطني) ولا حاجة لها.
(6)
لم تظهر الكلمة كاملة، وبإثباتها يستقيم الكلام.
- رضي الله عنهم فكلهم قال لها: أتريدين أَنْ تكوني مثل هاروت وماروت؟! وأمروها أَنْ تُكَفِّرَ يمينها وتخلي
(1)
بينهما.
وقال محمد بن نصر المروزي: حدثنا الأنصاري ــ يعني: محمد ــ، عن الأشعث، عن بكر بن عبد الله، عن أبي رافع أَنَّ مولاته حلفت بالمشي إلى بيت الله وكل مملوك لها حر وهي يومًا يهودية ويومًا [57/ ب] نصرانية وكل شيء لها في سبيل الله إن لم تفرق بينه وبين امرأته فكلهم يقولون: كَفِّرِي يمينك، وَخَلِّي
(2)
بينهما ففعلت
(3)
.
وقد تقدم قول ابن عبد البر في رواية أم سلمة إنما هي زينب بنت أم سلمة
(4)
؛ ففي هذه الرواية أَنَّ حفصة ــ أيضًا ــ أفتتها بكفارة يمين وكذلك زينب على قول ابن عبد البر، وإن كانت
(5)
استفتت أم سلمة ــ أيضًا ــ، فهي ــ أيضًا ــ ممن أفتاها بكفارة يمين كحفصة وابن عمر وابنتها زينب.
ففي هذه الروايات المتعددة التي يُصَدِّقُ بعضها بعضًا ــ وأكثرها على شرط الصحيح ــ أن الثلاثة أفتوها بكفارة يمين، وهذا هو الذي نقله عامة العلماء عن هؤلاء؛ كما نَقَلَ ذلك: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن نصر ومحمد بن جرير وابن المنذر وابن عبد البر
(1)
في الأصل: (وتخلِّ)، والمثبت من السنن.
(2)
في الأصل: (وَخَلِّ)، والصواب ما أثبت.
(3)
اختلاف الفقهاء (ص 492)، وهو نفس الإسناد السابق الذي أخرجه الدارقطني والبيهقي.
(4)
في (ص 205).
(5)
في الأصل: (كان)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
وأمثالهم من أهل العلم = نَقَلُوا عن هؤلاء أنهم أفتوها بكفارة يمين.
وابن حزم قد سَلَّمَ أَنَّ هذا صحيح عن ابن عمر وعن عائشة وأم سلمة؛ فابن جرير يصحح أَنَّ أم سلمة أم زينب هي ممن أفتى بكفارة يمين، وابن عبد البر يقول: بل زينب هي التي أفتت بذلك، فإن كانت كلاهما أفتت بذلك فحسن، وإِنْ كانت المفتية بذلك إحداهما
(1)
، فلا ريب أنها زينب، كما جاء ذلك في الروايات الثابتة، وفيها أنها أفتت بكفارة يمين.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ عدمَ ذكر ذلك في الرواية المذكورة عن سليمان لا يدل على شيء أصلًا، ولو لم ينقل أنهم أفتوها بكفارة يمين، فليس في قول القائل: (خَلِّي
(2)
بين الرجل وامرأته) ما يدل على أنه لا كفارة عليها، بل فيه أَمْرٌ لها بأنْ لا تُصِرَّ على اليمين بل تحنث فيها، ولم يَنْقُلْ أحدٌ أنهم أفتوها بلزوم ماحلفت به لا في العتق ولا في غيره، فالروايات المعروفة الصحيحة لم يعارضها شيء أصلًا، بل قد تبيَّن أنهم أفتوها بكفارة يمين؛ كما قاله جماهير العلماء الناقلين للإجماع والاختلاف.
وابن جرير قبل ابن حزم، وهو موافق له على ألا كفارة في ذلك، لكن هو معترف بأن هؤلاء الصحابة إنما أفتوها بكفارة يمين.
وقد تقدم قوله
(3)
لمن ادعى إجماعًا أَنَّ القائل: كل مملوك [له]
(4)
حُرٌّ
(1)
في الأصل: (أحدهما)، والوجه ما أثبتُّ.
(2)
في الأصل، (خَلِّ)، وسبق التنبيه عليها مرارًا.
(3)
أي: قول ابن جرير الطبري في كتابه (اللطيف).
(4)
يحتمل وجود كلمة هنا غير ظاهرة في الأصل، تقديرها ما أثبتُّهُ.
إِنْ فعلت كذا يقع به العتق ولا كفارة عليه، وأنه قال: إِن ادعوا [58/ أ] في ذلك إجماعًا، قيل لهم: لا عِلْمَ لكم باختلاف أهل العلم، وقد رُوِيَ عن ابن عمر وعائشة وحفصة وأم سلمة وعطاء وطاووس والقاسم وسالم وجماعة يَكْثُرُ عددهم من أئمة الصحابة والتابعين أنَّ في ذلك كفارة يمين
(1)
.
وهذا النقل عن القاسم بن محمد يُعَارِضُ نَقْلَ ابن حزم عنه أنه لا شيء عليه
(2)
، وكذلك نَقَلَ عن ابن المسيب خلاف ما نقل عنها
(3)
، وما نقله ابن حزم من إثبات ذلك فهو منقول، وكذلك ما نقله ابن جرير؛ فلا يكاد القائل يغلط في الإثبات إلا قليلًا، وأكثر الغلط في النفي.
فقول
(4)
ابن حزم: (إنهما أسقطا الكفارة) غلطٌ بلا ريب، وما نقله عن عائشة رضي الله عنها من موافقة ذلك لم يذكر إسناده
(5)
، وقد ثبت عن عائشة من الوجوه الثابتة باتفاق أهل العلم أنها كانت تقول في مثل ذلك بكفارة يمين، وهذا معروف عنها من غير وجه
(6)
،
فلا يعارض بنقل لم يثبت أو لفظ لم
(1)
تقدمت الإشارة إلى ذلك في (ص 141).
(2)
المحلى (ص 991).
(3)
كذا في الأصل.
وانظر: المحلَّى (ص 991)، السنن الكبير للبيهقي (20/ 172/ ح 20064).
(4)
في الأصل: (يقول)، والصواب ما أثبتُّ.
(5)
حيث قال في المحلى (ص 991) بعد أنْ ساق حديث أبي رافع مع مولاته: (ومن طريق عائشة ــ أم المؤمنين ــ فيمن قال لغريمه: إنْ فارقتك فمالي عليك في المساكين صدقة ففارقه: إنَّ هذا لا شيء يلزمه فيه).
(6)
رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 483/ ح 15987) عن ابن جريج، عن عطاء، عن صفية، عن عائشة.
ورواه البيهقي في السنن الكبير (20/ 171/ ح 20061) من طريق سلمة بن كهيل، عن عطاء، عن عائشة دون ذكر صفية.
ورواه الدراقطني في سننه (5/ 281/ ح 4320) من طريق غالب بن عبيد الله، عن عطاء، عن عائشة مرفوعًا بزيادات فيه. قال الدارقطني: غالب ضعيف الحديث.
وسيأتي ــ قريبًا ــ تفصيل الروايات عن عائشة في كلام المجيب.
يفهم معناه.
وأما قول القائل: (بمعنى لا يدري مَنْ هوَ)
(1)
، والمجيب ذكر ذلك في نقل مذاهب الصحابة، لأنه قد علم أن مرادهما ذلك بالروايات الثابتة عنهما كما قد بين في غير هذا الموضع
(2)
، وكما نقله سائر أهل العلم عنهما من أنَّ قولهما هو الإفتاء بكفارة يمين في هذا الجواب؛ كما نقله أحمد بن حنبل وأبو ثور ومحمد بن نصر ومحمد بن جرير وابن المنذر وابن عبد البر وعامة العلماء من نقل قولهما، لم أعلم أحدًا ادعى عليهما نفي التكفير إلا ابن حزم، وقد عُلِمَ أَنَّ هذا نفي منه لما ليس معه دليل على نفيه البتة، لو لم يكن معنا إثباتٌ يناقض هذا النفي؛ فكيف وقد ثبت عنهما في القصة أنهما أفتيا بكفارة يمين؟! والروايات لَمَّا سُكِتَ في بعضها عن التكفير، وفي أكثرها ذكر التكفير عنهما= بَيَّنَ المجيب ذلك لئلا يَظُنَّ ظَانٌّ أنهما أفتيا بسقوط الكفارة كما ظنه ابن حزم.
(1)
هذا من كلام المعترض حيث قال (ص 189 - 190): (والقائل: يعني: (وكفري عن يمينك) لا أعلم مَنْ هو من الرواة، والظاهر أنه المصنف؛ فإني لم أقف على هذه اللفظة في شيءٍ من طرق الحديث).
(2)
مجموع الفتاوى (35/ 342).
ومحمد بن جرير يختار أنه لا كفارة في الحلف بالنذر، وهو مع هذا معترف بأن حديث ليلى بنت العجماء إنما أفتى فيه الصحابة كلهم بالكفارة، لم يفت أحد منهم بسقوط الكفارة، وإنما أثبت النزاع [58/ ب] في ذلك بآثار ذكرها نقلها عن التابعين، وبأثرٍ نقله عن عائشة مع ذكر الاختلاف عنها.
قال
(1)
محمد بن جرير في كتابه (اللطيف)
(2)
: (ويسأل القائلون: إِنَّ العتق واقعٌ بمملوكِ القائلِ: مملوكُهُ حُرٌّ إن كلم اليوم فلانًا إذا حنث في يمينه؛ أَتُسْقِطُونَ
(3)
عنه الكفارة؟).
إلى أَنْ قال: (فإن ادعوا أَنَّ ذلك إجماع.
قيل لهم: لا علم لكم باختلاف أهل العلم، وقد روي عن ابن عمر وعائشة وحفصة وأم سلمة وعطاء وطاووس والقاسم وسالم وجماعة يكثر عددهم من أئمة الصحابة والتابعين أَنَّ في ذلك كفارة يمين).
إلى أَنْ قال: (إِنْ قيل: إِنَّ مِنْ أصلك أَنَّ ما كانت الحجة مُجْمِعَةٌ عليه: دينٌ لا يجوز خلافه، ولا يسع أحدًا الاعتراض فيه، وقد تركت أصلك في ذلك بإسقاط الكفارة عن الحالف بصدقة ماله والحج والاعتكاف وما أشبه ذلك من أعمال البر إذا حنث في حلفه بذلك، وتركت
(4)
إلزامه بالوفاء بما حلف
(5)
به، إذ كان الذي عليه عُظْمُ متفقهة العراق والحجاز أن على الحالف به الوفاء،
(1)
في الأصل: (قاله)، والصواب ما أثبتُّ.
(2)
انظر ما تقدم (ص 141).
(3)
في الأصل: (المسقطون)، والمثبت من قاعدة العقود (2/ 332).
(4)
في الأصل: (وتركك)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(5)
في الأصل: (حلفت)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
وإن كان [في]
(1)
ذلك اختلاف بَيْنَ
(2)
متقدمي الأمة من الصحابة والتابعين، وتنازع بين متأخري أهل الحجاز بإيجاب بعضهم في ذلك إذا حنث صاحبه: كفارة يمين، وإيجاب بعضهم: الوفاء به.
قيل: لو وُفِّقْتَ لفهم ما نقوله في صحة الحجة القاطعة للعذر فيما نُقِلَ من الشرائع عن الرسول صلى الله عليه وسلم لعلمتَ أَنَّا من مذهبنا على سَنَنٍ واحدٍ؛ وذلك: أَنَّ الذي نقضي عليه من الأحكام فيما نقل عنه صلى الله عليه وسلم مما لم يأت عنه بروايته الآحاد العدول أنه حجة قاطعة عُذْرَ مَنْ بلغته= ما كان مستفيضًا علمه في علماء أمصار الإسلام منتشر فيهم خلافه قديمًا وحديثًا؛ فأما ما كان الاختلاف فيه بين الصحابة والتابعين موجودًا مستفيضًا قديمًا من غير استنكار الأمة ذلك فيه بينهم، فلا شك أن الحكم فيه كان بينهم عن اجتهاد واستخراج لا عن توقيف، وإذا كان كذلك= كان لأهل العلم: الاجتهادُ وتَخَيُّرُ الأشبه من أقوالهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم).
قال: (فَإِنْ قِيلَ: فاذكر بعض من قال هذا القول [59/ أ] من الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الدين ليجعله حجةً مَنْ كان باختلاف السلف وعلماء الخلف جاهلًا؟!
قيل: حدثنا عبد الحميد القَنَاد
(3)
، حدثنا إسحاق الأزرق، عن شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية
(4)
بنت شيبة، عن عائشة في الرجل يقول:
(1)
إضافة من يقتضيها السياق.
(2)
وضع الناسخ فوق الياء علامة على كونها مشدَّدة، ولا أدري ما وجهه؟!
(3)
انظر: معجم شيوخ الطبري (ص 302 وما بعدها).
(4)
في الأصل: (حبيبة)، والصواب ما أثبتُّ، كما في مصادر التخريج.
كل مالي في رتاج الكعبة. قالت: إِنَّ هذا البيت لغني عن ماله؛ فلم تره شيئًا
(1)
.
وحدثنا أبو كريب، حدثنا هشيم، حدثنا مطرف، عن الشعبي والحكم والحارث أنهم قالوا عن رجل قال: كل مالي صدقة في المساكين فحنث. قالوا: ليس بشيء
(2)
.
وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد، أخبرنا موسى بن هلال، سألت ابن المسيب عمن قال: عليَّ المشيُ إلى بيت الله. فقال: لا شيء عليه حتى ينذر
(3)
.
(1)
أخرجه ابن الجعد (ح 2404) من طريق شريك به، وزاد: إنَّ هذا البيت يُنْفَقُ عليه من مال الله.
ثم أخرجه برقم (2315) من طريق شريك، عن جابر، عن عطاء، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة نحوه. وقالت:(يكفر عن يمينه).
(2)
رواه ابن وضَّاح ــ كما في الاستذكار (15/ 111) ــ قال: حدثنا زهير بن عباد، قال: حدثنا هشيم به.
كما رواه ابن أبي شيبة ــ كما في الاستذكار (15/ 106) ــ قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن الشعبي والحارث العُكلي والحكم عن رجل جَعَلَ مالَهُ في المساكين صدقة في يمينٍ حَلَفَ بها. قالوا:(ليس بشيء).
وقد أشار إلى هذا الأثر البغوي في شرح السنة (10/ 37).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (12559) قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط، عن محمد بن هلال به.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (8/ 452) عن عبد الرحمن بن حرملة بنحوه.
وجاء عن ابن المسيب خلاف هذا؛ كما في الموطأ وغيره. انظر: الاستذكار (15/ 24 وما بعدها)، وشرح السنة للبغوي (10/ 23).
وحدثنا ابن المثنى، أنبأنا ابن جعفر، ثنا شعبة سألت الحكم وحمادًا: عن رجل لزم غريمًا له، فقال: إِنْ فارقتُكَ فما عليك صدقة في المساكين، ففارقه. فقالا: ليس عليه شيء)
(1)
.
قال: (وتركنا ذِكْرَ كثيرٍ من القائلين بذلك كراهة إطالة الكتاب).
قال: (فإِنْ قيل: فَإِنَّ عائشةَ قد روي عنها خلاف ذلك، وذلك فيما حدثكم به محمد بن عبد الأعلى، حدثنا معتمر، عن أبيه، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال: سُئلت عائشة عمن قال مالي هدي إلى الكعبة. فقالت: ليس عليه إلا كفارة يمين
(2)
.
قيل: غير مستنكر أَنْ تكونَ قد كانت تقول بأحد هذين القولين، ثم تبين لها خطؤه وصواب الآخر، فتركته وقالت بالآخر، فَرَوَى عنها كُلَّ قولٍ في ذلك مَنْ سمعها؛ يعني: وليس في اختلاف الرواية عنها في ذلك دلالة على أَنَّ إحدى الروايتين عنها صحيحة والأخرى باطلة). هذا كلامه.
فأما هذا الذي ذكره عن عائشة؛ فمذهبها كفارة يمين في نفس المسألة التي روتها عنها صفية
(3)
بنت شيبة، وقد بَيَّنَ ذلك الأئمة الأثبات في هذه
(1)
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (20/ 89) من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر به.
قال ابن حزم في المحلى (ص 991) وصحَّ هذا ــ أيضًا ــ عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان.
(2)
أخرجه الأثرم ــ كما نقله المجيب (ص 447) ــ من طريق حسن بن صالح، عن ابن أبي نجيح به نحوه.
(3)
كذا في الأصل وفوقها (صح)، وفي الهامش:(حبيبة) ووضع بجانبها (ظ)، والذي في كتب الحديث المسندة: صفية.
المسألة، وذكروا أنها أفتت في ذلك بكفارة يمين في نفس هذه المسألة التي روتها صفية
(1)
بنت شيبة.
رواه مالك، ورواه سفيان الثوري في جامعه ــ وقد رواه البيهقي في سننه من جامع سفيان ــ عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رجلًا أو امرأةً سألتها عن شيءٍ كان بينها وبين ذي قرابةٍ لها، فحلفت [إنْ]
(2)
[59/ ب] كلمته فمالها في رتاج الكعبة. فقالت عائشة: يكفره ما يكفر اليمين
(3)
.
ورواه ــ أيضًا ــ عن منصور: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه يزيد بن هارون، وقد رواه البيهقي ــ أيضًا ــ من هذه الطريق الصحيحة ــ أيضًا ــ عن يحيى، عن منصور بن عبد الرحمن ــ رَجُلٌ من بني عبد الدار ــ، عن أُمِّهِ صفية أنها سمعت عائشة رضي الله عنها وإنسانٌ يسألها عن الذي يقول: كل مال له في سبيل الله أو كل ماله في رتاج الكعبة ما يُكَفِّرُ ذلك؟ قالت عائشة: يكفره
(1)
في الأصل: (حبيبة)، والمثبت من كتب الحديث.
(2)
إضافة يقتضيها السياق.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 617) ــ ومن طريقه البغوي في شرح السنة 10/ 35 ــ عن أيوب بن موسى، عن منصور.
ومن طريق الثوري: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 483/ ح 15988)، والبيهقي في السنن الكبير (20/ 172/ ح 20063).
قال ابن حجر في التلخيص (4/ 171) عن رواية مالك: بسند صحيح، وصححه ابن السكن.
ما يكفر اليمين
(1)
.
وأما لفظ [ما]
(2)
رواه إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة في الرجل يقول: كل مالي في رتاج الكعبة. قالت: إِنَّ هذا البيت لغنيٌ عن ماله فلم تره شيئًا
(3)
؛ فمراده لم تَرَهُ عقدًا لازمًا، فلا يلزمه بِهِ ما التزمه من النذر.
ومثل هذا موجود في كلام الصحابة والتابعين يقولون: ليس بشيءٍ، ولم يَرَهُ شيئًا؛ يريدون نفي لزوم ذلك العقد، فإنَّ العاقد
(4)
السائل اعتقده عقدًا لازمًا يلزمه به ما جعله على نفسه فيريدون أَنْ يَنْفُوا هذا، فيقولون:(ليس بشيء) و (لم يره شيئًا) وهم مع ذلك موجبون للكفارة، لأنَّ الكفارة تجب بإيجاب الشارع لا بعقده.
ومثل هذا: ما رواه الإمام أحمد بإسناده ــ وهو مما نقله عنه ابنه عبد الله، وذكره أبو بكر عبد العزيز
(5)
في الشافي
(6)
ــ، قال أحمد: حدثنا محمد بن
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (12479)، والبيهقي في السنن الكبير (20/ 171/ ح 20062). وانظر (ص 447).
(2)
إضافة يقتضيها السياق.
(3)
أخرجه ابن الجعد في مسنده (ح 2404)، وسحنون في المدونة (1/ 576).
(4)
في الأصل: (العاقل)، وفي الهامش:(العاقد) وعليها حرف (ظ).
(5)
عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، المعروف بغلام الخلال، فقيه حنبلي، ولد سنة (285)، وتوفي (363). انظر: طبقات الحنابلة (3/ 213)، تاريخ بغداد (12/ 229)، سير أعلام النبلاء (16/ 143).
(6)
كتاب (الشافي) كتابٌ فقهي، كبيرٌ جدًا، نحو من ثمانين جزءًا، قال عنه الذهبي في السير (16/ 144):(ومن نظر في كتابه (الشافي) عرف محله من العلم، لولا ما بشَّعه بغضِّ بعض الأئمة، مع أنه ثقةٌ فيما ينقله).
جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس قال: سُئِلَ عن الخلع. فقال: ليس بشيء. فقال له قائل: إنك لا تزال تأتينا بشيء لا ندري ما هو؟! قال: والله لقد جَمَعَ ابن عباس بين رجل من أهل اليمن وامرأته كان قد طلقها طلقتين ثم خلعها
(1)
.
يقول طاووس في الخلع: ليس بشيء أرادَ ليس بطلاق، فإنهم كانوا يظنونه طلاقًا محسوبًا من الثلاث تحرم به المرأة بعد طلقتين. فقال: ليس بشيءٍ نفيًا لهذا، لا نفيًا لكونه فُرْقَة شرعية؛ فإنَّ
(2)
مذهبه ومذهب ابن عباس وعامة المسلمين أنه فرقة بائنة، ولم يَقل أَحَدٌ من المسلمين أَنَّ وجود الخلع كعدمه، ولا يقول هذا مسلم فإن كون الخلع مشروعًا أَمْرٌ ظاهر في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وطاووس وغيره له في ذلك من الأجوبة ما يكثر ذكره؛ كما قال الأثرم في سُننه [60/ أ]: حدثنا ابن أبي شيبة، [عن ابن عيينة] عن عمرو، عن طاووس، عن ابن عباس يعني في الخلع قال: إنما هو فُرْقَةٌ وفسخ ليس بطلاق، ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع بين ذلك فليس بطلاق
(3)
. قال الله تعالى:
(1)
مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله (ص 339 - 340). وسيأتي في (ص 637 - 638).
وأخرجه الجصاص في أحكام القرآن (2/ 95) من طريق أبي الوليد قال: حدثنا شعبة به. ثم قال: (ويقال هذا مما أخطأ فيه طاووس، وكان كثير الخطأ مع جلالته وفضله وصلاحه، يروي أشياء منكرة).
(2)
في الأصل: (فإنه).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11771)، وابن أبي شيبة (18766) و (19566)، والبيهقي في السنن الكبير (15/ 191/ ح 14977) عن ابن عيينة به. وما بين المعقوفتين من مصادر التخريج.
وأخرجه الدارقطني في سننه (4/ 497) من طريق حبيب بن ثابت، عن طاووس به بلفظ:«الخلع فرقة وليس بطلاق» . وانظر ما سيأتي (ص 638).
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].
قال أبو بكر عبد العزيز: قد رسمنا عن أبي عبد الله في الخلع قولين؛ أحد القولين: أنه طلاق وما أَقَلَّ من رواه عنه. والقول الآخر: أنه فسخ للعقد وما أكثر من رواه عنه، والعمل على أنه فسخ للعقد على ما قاله ابن عباس
(1)
.
وذكر أحمد عن ابن عيينة قال: قال ابن عباس: ما كان من قِبَلِ النساء فهو خلع، وما كان من قِبَلِ الرجال فهو طلاق، يعني: الفرقة
(2)
. أرسله كذا. قال أبو بكر عبد العزيز: لا خلاف عن أبي عبد الله أَنَّ الخلع ما كان من قبل النساء، فإذا كان من قبل الرجال فلا تنازع أنه طلاق، ولا يكون ذلك فسخٌ للعقد إنما هو طلاق
(3)
.
والمقصود هنا: أَنَّ طاووسًا قال في الخلع: ليس بشيء؛ أي: ليس
(1)
مسائل إسحاق (9/ 4605 وما بعدها)، مسائل ابن هانئ (1/ 232)، مسائل أبي داود (برقم 1188)، مسائل صالح (3/ 178). وأشار للروايتين: أبو يعلى في كتابه الروايتين والوجهين (2/ 136).
وانظر للخلاف في الخلع: الفتاوى الكبرى (3/ 270).
(2)
لم أجده.
(3)
مسائل حرب (2/ 668). وقد ذكر ابن قدامة في المغني (10/ 288) عن أبي بكر قولَهُ: (لا خلاف عن أبي عبد الله، أنَّ الخلع ما كان من قبل النساء؛ فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في أنه طلاق تملك به الرجعة ولا يكون فسخًا).
بطلاق مع أنه يُثبت حكمًا آخر، وهو الفرقة البائنة؛ وهكذا ذكر عبد الرزاق في مصنفه
(1)
عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن طاووس، عن أبيه أنه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس شيئًا. قلت: أكان يراه يمينًا؟ قال: لا أدري.
وقد روى هذا ــ أيضًا ــ سفيان بن عيينة، عن ابن طاووس، عن أبيه، وهو من حديث ابن عيينة الذي يُروى من طريق المكيين، فقد جزم ابنه عنه أنه قال: ليس الحلف بالطلاق بشيءٍ، وتوقف هل كان يراه يمينًا أم كان لغوًا عنده؛ فدلَّ على أنَّ هذا اللفظ عندهم لا يُفهم منه عند الإطلاق أنه لغو إذ لو كان هذا مفهوم اللفظ لم يتوقف ابنه، فلو لم ينقل عن من يتكلم بهذا اللفظ منهم ــ كعائشة وغيرها ــ ما يبيِّن مرادها لتوقفنا؛ هل أرادت به أنه لغو أم أرادت نفي ما يظنه السائل؟
وهذا كما في الصحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكُهَّان، فقال:«ليسوا بشيءٍ» . فقيل له: [إنهم يحدثونا أحيانًا بالشيء يكون حقًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فَيَقُرُّهَا في أُذن وليِّهِ قَرَّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة»]
(2)
(3)
، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِد بذلك أنَّ وجودهم كعدمهم، وإنما أراد نفي المقصود الذي يعتقده السائل لهم، وهو أنهم يَصْدُقُونَ في الإخبار [60/ ب] بالمغيبات، فإنَّ هذا مقصود السائل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ليسوا بشيء» ؛ أي: هذا المعتقَد فيهم باطل
(4)
.
(1)
(6/ 406/ ح 11401).
(2)
ما بين المعقوفتين في الأصل: (إنَّ) ثم بياض مقدار نصف سطر.
(3)
أخرجه البخاري (6213)، ومسلم (2228).
(4)
وقد بوَّب البخاري على هذا الحديث في صحيحه بقوله: (باب قول الرجل للشيء: ليس بشيء؛ وهو ينوي أنه ليس بحق). كما بوَّب عليه في الأدب المفرد (ص 127): (باب الرجل يقول: ليس بشيء، وهو يريد أنه ليس بحق).
وطاووس نفسه كان يرى الحلف بالطلاق يمينًا منعقدة، لم يكن يراها لغوًا، فالحلف بالطلاق عنده يمين منعقدة، ومع هذا قال: ليس الحلف بالطلاق بشيء؛ أي: لا يقع بها طلاق وإن وجبت فيها الكفارة، وهكذا عائشة رضي الله عنها الحلف بالنذر عندها يمين منعقدة، وقالت: ليس بشيء؛ أي: لا يلزمه ما التزمه من النذر، وإن كانت فيها الكفارة.
فروى سعيد بن منصور في سننه
(1)
: حدثنا حماد بن زيد، عن ليث، عن طاووس في الرجل يقول: إنْ لم أفعل كذا فامرأته طالق إن شاء الله. قال: له ثنياه في الطلاق والعتاق.
وقال ــ أيضًا ــ
(2)
: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا ليث، عن عطاء وطاووس ومجاهد والنخعي والزهري أنهم قالوا في قول الرجل لامرأته: أَنتِ طالق إنْ لم تفعلي
(3)
كذا وكذا إن شاء الله؛ فلم تفعل= فله ثنياه.
وقال
(4)
: حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه أنه كان يرى الاستثناء في الطلاق جائزًا.
فلو لم يكن هذا التعليق عنده يمينًا منعقدة، بل كان لغوًا لا يجب به شيء لا طلاق ولا كفارة= لم يحتج إلى استثناء.
(1)
(2/ 35/ ح 1812).
(2)
(2/ 35/ ح 1813).
(3)
في الأصل: (تفعل)، والمثبت من السنن.
(4)
(2/ 35/ ح 1814).
وقول القائل: إِنْ لم أفعل كذا وكذا ونحوه هو مما يقصد به اليمين ليس هو في التعليق الذي جرت العادة بأن يقصد به إيقاع الطلاق عند الصفة، وهذا معروف من مذهب طاووس في التعليق الذي يقصد به اليمين أنه يمين مكفرة، وفي الحلف بالطلاق أنه يمين منعقدة أيضًا ليس لغوًا.
وقد نقل الطحاوي
(1)
عن طاووس وطائفة من التابعين أنهم كانوا يقولون فيمن حلف بالله أو بالطلاق أنه لا يفعل شيئًا وفعله ناسيًا ليمينه: إنه يحنث. فقولهم يُبَيِّنُ أنها يمين منعقدة عندهم، وعلم بذلك أن مذهبه أن الحالف بالطلاق إذا فعل المحلوف عليه ناسيًا= يحنث، فكيف إذا فعله عامدًا؟ وأَنَّ قوله: ليس بشيء؛ أي: ليس بطلاق.
ونظيره قول ابن عباس رضي الله عنهما في الحرام: ليس بشيء
(2)
، وهذا اللفظ في الصحيح [يُبَيِّنُ]
(3)
أنه يمين مكفرة عنده، ومراده: ليس بتحريم، كما ثبت عنه في الصحيح
(4)
أنه كان [61/ أ] يقول في الحرام: يمينٌ يكفرها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
وفي لفظٍ آخر
(5)
: إذا حَرَّمَ الرجلُ عليه امرأته فهي يمين يكفرها، وقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
(1)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 260).
(2)
أخرجه البخاري (5266).
(3)
سواد في الأصل، وقدرته بما أثبتُّ، والله أعلم.
(4)
أخرجه البخاري (4911)، ومسلم (1473).
(5)
عند مسلم (1473).
فقد قال ابن عباس: إنَّ الحرام ليس بشيء، مع أنه لم يُختلف عنه أن فيه كفارة؛ إِمَّا الكفارة الكبرى وإِمَّا الصغرى
(1)
، وكذلك لم يختلف في ذلك عن الصحابة، ولم يقل أحد من الصحابة إنَّ الحرام لغو، وإنما نقل ذلك عن بعض التابعين كمسروق
(2)
، كما أَنَّ الصحابة لم يُنقل عنهم أَنَّ التعليق الذي يقصد به اليمين لغو، ومَنْ طَرَدَ ذلك عن بعضهم ــ كما ظنه من قال بهذا ــ فقد غلط عليهم.
والمقصود بهذا: أَنَّ مثل هذه العبارة معروفٌ في كلام الصحابة والتابعين أنهم يعنون بها نفي الحكم الذي سئلوا عنه ــ الذي ظنه السائل لازمًا ــ وإن كانوا يجعلون في ذلك كفارة، فقول عائشة مثل قول ابن عباس وطاووس وغيرهما، وكل من نقل مذهب طاووس نَقَلَ عنه أنه كان يقول في الحلف بصيغة التعليق: إنها يمين يكفرها حتى
(3)
نقلوا ذلك عنه في العتق صريحًا، ثم لم يَنقل أَحَدٌ عنه في الطلاق أنه يَلزم إذا علَّقَهُ على وجه اليمين أن الحلف به لغو لا يلزم.
(1)
الكفارة الكبرى هي كفارة الظهار، والكفارة الصغرى هي كفارة اليمين.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 402/ ح 11375).
وقال بهذا القول أيضًا: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء، والشعبي، وداود، وجميع أهل الظاهر، وأكثر أصحاب الحديث، وهو أحد قولي المالكية، اختاره أصبغ.
انظر: مجموع الفتاوى (35/ 242 وما بعدها)، الفتاوى الكبرى (4/ 110 وما بعدها)، مختصر الفتاوى المصرية (ص 535)، القواعد الكلية (ص 445 - 448)، إعلام الموقعين (4/ 450 مهم)، زاد المعاد (5/ 302).
(3)
هكذا قرأتها.
قال ابن حزم
(1)
: (صَحَّ عن طاووس أنه قال: الحلف بالعتاق، ومالي هدي، وكل شيء لي في سبيل الله وهذا النحو؛ كفارة يمين).
وقال ابن عبد البر
(2)
: (وروى معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه فيمن جعل ماله في رتاج الكعبة أو في سبيل الله؛ يعني: إِنْ فَعَلَ كذا. قال: هي يمين يكفرها).
وقد نقل محمد بن نصر عن طاووس والحسن إذا قال: إذا فعلت فكل مملوك لي حر أنها يمين
(3)
.
وأما قول طاووس في الطلاق الذي نَقَلَهُ عنه ابنه أنه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس بشيء، فهذا لم يبلغ أبا ثور ومحمد بن نصر وابن عبد البر ونحو هؤلاء الذين لم يذكروا في الطلاق نزاعًا، ولهذا لم يذكر هذا الأثر الذي نقله عنه ابنه أحد منهم، مع أنهم لو كانوا مستحضرين له لكان مما تتوفر داعيتهم على نقله لصحة إسناده وجلالته
(4)
وجلالة قائله، ولو قُدِّرَ أنه شاذٌ عندهم فهم ينقلون ما هو أشذ منه.
[61/ ب] وكذلك ما نقله عن سعيد بن المسيب فيمن قال: إِنْ فعلت كذا فعليَّ المشيُ إلى مكة: أنه لا شيء عليه حتى ينذر
(5)
. إنما أراد به سعيدٌ
(1)
المحلَّى (ص 991).
(2)
الاستذكار (15/ 109).
(3)
اختلاف الفقهاء (ص 492).
(4)
كذا قرأتها.
(5)
تقدم تخريجه في (ص 214).
ــ والله أعلم ــ أنه ليس عليه نذر حتى ينذر، لم يرد به أنه ليس عليه كفارة ولا نذر حتى ينذر؛ فإن هذا لا يقوله أحد، بل الكفارة تجب عليه بدون النذر، وقد نقلوا عن سعيد بن المسيب أَنَّ مثل هذا التعليق يوجب الكفارة، كما في الحديث الذي في سنن أبي داود: عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن عمر أنه قال: إِنَّ الكعبة لغنيةٌ عن مالك، كَفِّرْ يمينك وكَلِّم أخاك
(1)
.
وسعيدٌ نَقَلَهُ نَقْلَ موافقٍ له لا مخالف له.
وأما السؤال الذي أورده ابن جرير على نفسه وأجاب عنه فهو مبنيٌ على أصله، وهو أنَّ مِنْ أصلِهِ أنه لا يعتد بخلاف الواحد والاثنين
(2)
، وأنَّ الإجماع لا يكون مستنده إلا نصًّا، فما أجمعوا عليه فهو منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا كان الجماهير على قولٍ كان ذلك عنده نقلًا منهم لذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا ظَهَرَ الخلاف كان ذلك اجتهادًا منهم = فأورد على نفسه: أنَّ القول بلزوم المعلق في نذر اللجاج والغضب هو قول عظم متفقهة الحجاز والعراق ــ فإنَّ هذا قول ربيعة ومالك وجمهور أصحابهم وهم المشهورون بالفتيا في الحجاز ــ، وهو قول عثمان البَتِّي، وهو المشهور عن أبي حنيفة
(1)
أخرجه أبو داود في سننه (3272) ــ ومن طريقه البيهقي في السنن الكبير (20/ 172/ ح 20064)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 191) ــ.
وصححه ابن حبان (10/ 197)، والحاكم (4/ 333). وقال ابن المديني ــ كما في مسند الفاروق (1/ 552) ــ: هذا منقطع، لأنَّ سعيدًا لم يسمع من عمر إلا حديثًا عند رؤية البيت.
انظر: البدر المنير (9/ 475).
(2)
انظر ما تقدم (ص 9).
وأصحابه كأبي يوسف وغيره من المشهورين بالفتيا في البصرة والكوفة، ولم يبلغه أنَّ أبا حنيفة رجع عن ذلك ووافقه محمد بن الحسن لشهرة العمل بهذا القول في الحجاز والعراق.
ثم قال: وإنْ كان في ذلك اختلاف بينَ متقدمي الأئمة من الصحابة والتابعين وبينَ متأخري أهل الحجاز بإيجاب بعضهم في ذلك إذا حلف كفارة يمين، وهذا يريد به خلاف الشافعي ــ رحمه الله تعالى ــ لمالك رحمه الله وغيره من الحجازيين؛ إذ كان الشافعي يوجب في ذلك كفارة يمين، فأثبتَ الخلاف المتقدم بين الصحابة والتابعين والمتأخرين الحجازيين، ولم يكن ابن جرير يَعْتَدُّ بخلاف المتأخرين كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبَيد وأبي ثور وغيرهم إن لم يجد في ذلك نزاعًا قديمًا، وكذلك إسماعيل بن إسحاق
(1)
[62/ أ] القاضي
(2)
وأمثاله لا يعتدون بخلاف الشافعي ونحوه.
وأحمد بن حنبل كان لا يعتد إلا بخلاف الصحابة والتابعين بعدهم، لا يعتد بخلاف من بعدهم، ولا يكاد يذكر أقوالهم إلا على سبيل المتابعة، لأنَّ الصحابة والتابعين قد تكلموا في عامة الحوادث، قَلَّ عنده أن تقعَ واقعة إلا وقد تكلم الصحابة رضي الله عنهم فيها أو في نظيرها، وكان لكثرة علمه بأقوال
(1)
كتب الناسخ (وكذلك إسحاق) وتحت (وكذلك) كتب (إسماعيل بن) وبعدها (صح).
(2)
إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي، أبو إسحاق، فقيه مالكي، قاضي بغداد، صنف تصانيف عدة في اللغة والفقه والحديث، توفي سنة (282).
انظر: تاريخ بغداد (7/ 272)، شذرات الذهب (3/ 334)، سير أعلام النبلاء (13/ 339)، الإرشاد في معرفة علماء الحديث (2/ 607).
الصحابة والتابعين لا يحتاج إلى أن ينقل كلام مَنْ بعدهم
(1)
.
ولمَّا كان هذا من أصل ابن جرير؛ كان يدعي الإجماع في مسائل متعددة مع شهرة النزاع فيها بين الأئمة الأربعة
(2)
مثل: ادعائه الإجماع على أن اليمين الغموس لا كفارة فيها، وأنَّ متروك التسمية مباح
(3)
، ومثل ذلك؛ حتى يتأوَّل ما نُقِلَ في ذلك من النزاع؛ كما قال في مسألة اليمين الغموس
(4)
: (وقد علمت ما حدثكم به ابن العلاء ويعقوب، حدثنا هشيم، حدثنا حجاج، عن عطاء والحكم أنهما كانا يقولان فيمن حلفَ كذبًا متعمدًا: أنه يُكَفِّر)
(5)
.
قال: (أما الحكم؛ فإنَّ الصحيح عندنا أنه كان يأمر في ذلك بالكفارة استحبابًا، وذلك أنَّ أبا كريب حدثنا عن ابن إدريس، عن شعبة في الرجل يتعمد الحلف على الإثم
(6)
. قال حماد: ليس فيه
(7)
كفارة، وقال الحكم: الكفارةُ خير
(8)
.
وأما عطاء؛ فإنَّ الراوي عنه حجاج، وحجاج يجب في أخبارِهِ التثبتُ لأسبابٍ كثيرة).
(1)
انظر (ص 137، 626 - 627).
(2)
في الأصل: (والأربعة)، وما أثبتُّ هو الصواب.
(3)
تقدمت الإشارة إلى ذلك في (ص 9).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (35/ 325)، الفروع (10/ 444 - 445).
(5)
أخرجه الطبري في تفسيره (4/ 39).
(6)
في المصنف: (يحلف على الشيء يتعمده).
(7)
في المصنف: (لهذا).
(8)
وأخرجه ــ أيضًا ــ ابن أبي شيبة (12452) عن ابن إدريس به.
إلى أَنْ قال: (فالواجب على عطاء ومن قال بقوله في ذلك ــ إذا صحت عنه الرواية بما رواه حجاج ــ اتباع ما نَقَلَتهُ الأئمة مستفيضًا عنهم: ألا كفارة على الحالف الحانث عمدًا)
(1)
. فلم يَعْتَدَّ بخلاف الشافعي في اليمين الغموس.
وتأمل ما نقل عن الحكم [فهو]
(2)
أضعف مما نقل عن عطاء، ثم [قال لهم:]
(3)
إنه بتقدير صحة قوله؛ فالواجب عليه وعلى من قال بقوله كالشافعي ــ فإنَّ الشافعي كان كثير الاتباع لقول عطاء
(4)
ــ: أَنْ يتبعوا ما نقلته الأئمة مستفيضًا عنهم ألا كفارة على الحالف الكاذب عمدًا، فجعل هذا إجماعًا مستفيضًا في الأمة نقلوه عن النبي، ومعلومٌ أنَّ جمهور العلماء تنازعوا في هذا، فلا يجعلون مثل هذا إجماعًا، ولا يجعلون كل ما ادعي [62/ ب] فيه الإجماع أنهم نقلوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نقلوا لفظ الحديث والقرآن، وإنْ قالوا: إنَّ القرآن أو السنة دَلَّ على موافقة الإجماع، فلا يقولون: إِنَّ كل من وافق على الحكم مستنده نص منقول عنده عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وابن جرير هو ممن اعتمد المعترض ونحوه على ما ادعاه من الإجماع في وقوع الطلاق التي يدعيها، وهذا معنى كلامه في الإجماعات التي
(1)
إلى هنا ينتهي النقل عن الطبري، والظاهر أن المجيب ينقل من كتابه «اللطيف» .
(2)
في الأصل: (و)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(3)
في الأصل: (لكم).
(4)
مجموع الفتاوى (7/ 208)(22/ 428)(35/ 254، 260)، الفتاوى الكبرى (4/ 117، 121)، قاعدة العقود (1/ 214)، الإيمان (ص 165)، منهاج السنة (7/ 530).
يدعيها، مثلما قال في متروك التسمية
(1)
.
قال: (فإنْ [قال]
(2)
قائلٌ في ذبيحةِ الناسي ذِكْرَ اسمِ اللهِ ــ تعالى ــ على ذبيحتِهِ: حرامٌ أَكْلُ ذبيحته؛ فقوله خارجٌ من قول جميع الحجة، والثابت من خبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حدثني به سعيد بن عثمان التنوخي
(3)
، عن محمد بن يزيد بن سنان، عن معقل بن عبيد الله
(4)
، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«المسلم يكفيه اسمه، فإنْ نسي أنْ يُسمي حين يذبح؛ فليسم ويذكر اسم الله ويأكل»
(5)
).
إلى أنْ قال: (لم يُحَرِّمْ أَكْلَ ما تُرِكَ ذكرُ اسمِ الله عليه ناسيًا أَحَدٌ، وإنما كرهه ونحن نكرهه؛ فأما تحريمه فلم يصح عن أحدٍ منهم).
(1)
انظر ما تقدم (ص 9).
(2)
إضافة يقتضيها السياق.
(3)
كتب الناسخ فوقها (أظنه)، وظنه صواب؛ كما في معجم شيوخ الطبري (ص 254).
(4)
في الأصل: عبد الله، والمثبت من مصادر التخريج.
(5)
وأخرجه ــ أيضًا ــ الدارقطني في سننه (5/ 535)، والبيهقي في السنن الكبير (19/ 183/ ح 18923) وفي الصغير (4/ 43) من طريق معقل به مرفوعًا.
ورواه سفيان، عن عمرو، عن أبي الشعثاء، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا بلفظ:«إذا ذبح المسلم ونسي أن يذكر اسم الله فليأكل، فإنَّ المسلم فيه اسم من أسماء الله ــ عز وجل ــ» .
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (5/ 81/ برقم 914)، والبيهقي في السنن الصغير (4/ 43) وهذا لفظه. وهو المحفوظ.
انظر: معرفة السنن والآثار (13/ 447)، نصب الراية (4/ 182)، البدر المنير (9/ 263)، إرواء الغليل (8/ 169).
ثم روى عن ابن سيرين والشعبي كراهيته، قال: (ولو صح عنهما أنهما حَرَّمَا ذلك، لم يَجُزْ الاعتراض بهما على [الحجة]
(1)
فيما كانت عليه مجمعة؛ فكيف وإنما الرواية عنهما بالكراهة، مع اختلاف في ذلك في الرواية عن بعضِ مَن رُوِيَتْ عنه الكراهة)
(2)
.
فهو رحمه الله يدعي الإجماع وثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وكلاهما ضعيف.
قال البيهقي
(3)
في حديث ابن عباس هذا: كذا رواه مرفوعًا، ورواه غيره عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن عين
(4)
ــ وهو عكرمة ــ عن ابن عباس موقوفًا.
ورواه
(5)
من حديث سعيد بن منصور [وأبي بكر الحميدي]
(6)
، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر بن زيد
(7)
، [عن عين]
(8)
، عن ابن عباس قال: «إذا ذبح المسلم ونسي أن يذكر اسم الله فليأكل، فإن المسلم فيه اسم من
(1)
هكذا قرأتها.
(2)
انظر للمجيب: مسألةٌ في التسمية على ذكاة الذبيحة والصيد؛ ضمن جامع المسائل (6/ 375).
(3)
في السنن الكبير (19/ 184).
(4)
في الأصل: (يحيى)! ووضع الناسخ فوقها (ظ)؛ والمثبت من السنن.
(5)
أي: البيهقي في السنن الكبير (19/ 184/ ح 18924، 18925).
(6)
في الأصل: (الخدري)! ووضع الناسخ فوقها (ظ)؛ والمثبت من السنن.
(7)
في الأصل: (يزيد)؛ والمثبت من السنن.
(8)
في الأصل: (أخبرني علي)؛ والمثبت من السنن.
أسماء الله»
(1)
. وفي لفظ: «فإنَّ المسلم فيه اسم الله، وإن لم يذكر التسمية»
(2)
.
ورواه ــ أيضًا ــ
(3)
من حديث عطاء، عن ابن عباس.
ورواية مثل هؤلاء الثقات تُبيِّنُ الغلط في تلك الرواية المرفوعة، لاسيما وراويها محمد بن [63/ أ] يزيد بن سنان، رواه عنه أبو حاتم ــ أيضًا ــ
(4)
.
* * * *
(1)
هذا لفظ رواية سعيد بن منصور.
(2)
هذا لفظ رواية الحميدي.
(3)
أي البيهقي في السنن الكبير (19/ 184/ ح 18926) ولفظه: «من ذبح فنسي أنْ يُسمي فليذكر اسم الله عليه وليأكل، ولا يدعه للشيطان، إذا ذبح على الفطرة» .
وأخرجه ــ أيضًا ــ عبد الرزاق في المصنف (8541)، وسعيد بن منصور في التفسير (5/ 83/ برقم 915).
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (5/ 535)، والبيهقي في السنن الكبير (19/ 183/ ح 18923).
وتقدم تخريجه (ص 229).
فصلٌ
قال:
(قال المجيب: وهذا الأثر معروفٌ؛ قد رواه أحمد وغيره، وذكروا أن الثلاثة أفتوها بكفارة يمين، لكن سليمان التيمي ذكر في روايته: كل مملوك لها حر، ولم يذكر هذه الزيادة حميد، وبهذا أجاب أحمد لما فَرَّقَ بين الحلف بالعتق والحلف بغيره، وعارض ذلك بأثر آخر ذكره عن ابن عمر وابن عباس، فقال المَرُّوذي: قال أبو عبد الله: إذا قال كل مملوك له حر؛ فيعتق
(1)
عليه إذا حنث، لأنَّ الطلاق والعتق ليس فيهما كفارة. وقال: ليس يقول: كل مملوك لها حر في حديث ليلى بنت العجماء ــ حديث أبي رافع أنها سألت ابن عمر وحفصة وزينب وذكرت العتق فأفتوها بكفارةٍ ــ إلا التيميُّ، وأما حميد وغيره فلم يذكروا العتق
(2)
.
قال: قلت: هذا كلام أحمد الذي تقدمت الإشارة إليه في إثبات قوله: كل مملوك لها حر في هذا الأثر، وقد عَلَّلَهُ أحمد رضي الله عنه كما ترى بالاختلاف
(3)
على بكر [بن عبد الله]
(4)
، وأَنَّ سليمان [التيمي]
(5)
انفرد عنه
(1)
في الفتاوى: (يعتق).
(2)
كلام الإمام أحمد نقله ابن تيمية في مواضع منها الفتوى المعترض عليها.
انظر: مجموع الفتاوى (33/ 190)، (35/ 261)، الفتاوى الكبرى (4/ 122)، القواعد الكلية (ص 474 - 475).
(3)
في الأصل: (والاختلاف)، والمثبت من «التحقيق» .
(4)
زيادة من «التحقيق» .
(5)
زيادة من «التحقيق» .
بذكرها، وسائر الرواة عنه غيره لم يذكروها، وهذه عِلَّةٌ حديثية تقتضي التوقف في قبولها، إلا أن يعتضد جانب الإثبات بأمور يغلب على الظن رجحانه على جانب الإسقاط)
(1)
.
والجواب:
أما قوله: (هذه علة حديثية تقتضي التوقف في قبولها، إلا أن يعتضد جانب الإثبات بأمور يغلب على الظن رجحانه على جانب الإسقاط)
(2)
.
فيقال: هذه الزيادة ــ وهي: ذكر العتق فيه ــ أثبتها الذين اعتمد المعترض وغيره على نقلهم للإجماع في عدم التكفير للطلاق أو في وقوعه، فإنَّ عمدته وعمدة غيره في نقل هذا الإجماع على أبي ثور ومن وافقه؛ كمحمد بن نصر المروزي ومحمد بن جرير الطبري وابن عبد البر، ومن ذكر إجماع من يَحفظ قوله كابن المنذر؛ وهؤلاء كلهم أثبتوا هذه الزيادة، ونقلوا عن هؤلاء الصحابة وغيرهم من التابعين إثبات الكفارة في العتق إذا قال: إِنْ فعلت كذا فكل مملوك لي حر، وبَيَّنُوا ذكر العتق في حديث ليلى بنت العجماء، واتبعهم على ذلك سائر أهل العلم بعدهم، فذكروا أقوال هؤلاء الصحابة ومَنْ [63/ ب] وافقهم من التابعين في أنَّ الحالف بالعتق يجزئه كفارة يمين، وهؤلاء رووا ذلك من غير طريق سليمان التيمي التي عللها أحمد. رووه من طريق أشعث بن عبد الملك
(3)
عن بكر، ورواه عن أشعث: محمد بن عبد الله الأنصاري، ورواه عن الأنصاري مثل: أبي ثور
(1)
«التحقيق» (36/ أ).
(2)
وقد أجاب في قاعدة العقود (2/ 327) عن التعليل بانفراد التيمي بجوابين.
(3)
في الأصل: (سوَّار)، والصواب ما أثبتُّ.
ومحمد بن يحيى النيسابوري، ورواه ــ أيضًا ــ روح بن عبادة، عن أشعث
(1)
.
وهذه الطريق لم تبلغ أحمد وبلغت هؤلاء فأثبتوا بها ذكر العتق، ورواه ــ أيضًا ــ الأوزاعي عن جسر بن الحسن عن بكر بن عبد الله المزني موافقة للتيمي وأشعث
(2)
؛ وهي طريق ثالثة لم تبلغ أحمد.
ومعلومٌ أَنَّ علم هؤلاء بما نقلوه من النزاع الذي أثبتوه وبينوا طرقه ورووه بألفاظه = أتم وأكمل من علمهم بنفي النزاع في الطلاق؛ فإنَّ ذلك لا يمكن أن يعلمه بشرٌ بالحس، فإنَّ أحدًا من الناس لا يمكنه مشافهة كل عالم مضى وغبر من المسلمين حتى يَسْمَعَ منهم أنَّ الطلاق المحلوف به يقع، بل ولا معه نقل صحيحٌ صريحٌ بنفس
(3)
وقوع ذلك عن أحدٍ من الصحابة، وغاية ما عنده عن التابعين عددٌ قليلٌ نحوُ عشرة أو عشرين، لا يُسَلَّم له نقل في التعليق الذي يعلم أنه قصد به اليمين عن عشرين البتة، بل نقل الطلاق المعلق مطلقًا لا يسلم له نَقْلُهُ إلا عن نحو عشرين أو ثلاثين من التابعين؛ فمن أين يعلم أَنَّ أقوال جميع التابعين وتابعيهم كذلك؟ هذا لا يمكن أحدًا علمه، لا سيما وليس معه علم بأنَّ هذه الفتاوي اشتهرت عند كل واحد من علماء التابعين فأقروها، حتى يُحَصِّل ذلك إجماعًا إقراريًا؛ فكيف جاز له أَنْ يَحتجَّ بنقلِ هؤلاء بمثل هذا الإجماع، وتَرَكَ نقلهم للنزاع في العتق؛ ونَقْلُهُم لذلك أصح؟!
(1)
انظر: (ص 237 وما بعدها).
(2)
انظر (ص 139).
(3)
غير واضحة في الأصل، والمثبت هو أقرب ما تقرأ به الكلمة.
وإن كان يحتج بتعليل أحمد لرواية التيمي؛ فيقال له أحمد ــ رحمة الله عليه ــ طَعْنُهُ في إجماع هؤلاء أشهر وأظهر من تعليله لرواية التيمي، والنقل بذلك عنه مستفيض؛ فأحمد ينكر دعوى هؤلاء للإجماع، ويجزم بخطأ من جَزَمَ بهذا الإجماع أعظم مما يجزم بانفراد سليمان التيمي وبعدم حفظه لهذه الزيادة؛ فإنَّ أحمد ــ أيضًا ــ ليس معه علم جازمٌ بأنَّ هذه الزيادة لم يروها إلا التيمي، ولا معه جزم بأنه غلط فيها، وأحمد أعلم [64/ أ] وأتقى لله من أن يقول مثل هذا، وهو ينكر على غيره دعوى ما لا علم له به من النزاع.
وقولنا: لم يروه إلا فلان، مثل قولنا: لم ينازع في هذا أحد؛ وإذا قُدِّرَ أنه لم يروه غيره، فهو لا يجزم بغلطه فيما أثبته مع جلالة قدره وفقهه وحفظه، وغيره لم يخالفه فلم ينف هذه الزيادة، بل سكت عن ذكرها، وغيره لو نفاها لكان الإثبات مقدمًا على النفي إذا لم يكن مع النافي حجة ترجح جانبه؛ فكيف إذا كانت هذه الزيادة لم ينفها أحد من الرواة؟
ولكن أحمد لما جَوَّزَ غَلَطَ التيمي فيها لظنه انفراده بها، وانضم إلى ذلك ما روي عنهما من أن العتق يلزم = صارَ هذا مرجحًا عنده للزوم العتق
(1)
، ولو قيل لأحمد: هذه الزيادة قد تابع التيمي عليها: أشعث الحمراني وجسر بن الحسن= لم يقل انفرد بها التيمي؛ فكلام أحمد يقدحُ فيما احتج به هؤلاء من الإجماع أعظم مما يقدح فيما احتج به غيرهم من إثبات أقوال الصحابة.
فإن قالوا: قول أحمد ليس بحجة علينا إلا بدليل.
(1)
قاعدة العقود (1/ 293).
قيل: وليس هو حجة لكم إلا بدليل.
وحينئذٍ؛ فالنزاع في شيئين:
أحدهما: في ثبوت هذا النقل عن الصحابة، وأنهم أفتوا في الحلف بالعتق بكفارة يمين.
والثاني: في نفي قول أحد من علماء المسلمين إن الطلاق المحلوف به لا يلزم أو لا يُكَفَّر.
ومعلوم أن حجج الإثبات في كل واحد من [هذين]
(1)
راجحةٌ ثابتةٌ على حجج النفي؛ فالأدلة المثبتة لإفتاء الصحابة بالتكفير لا يعارضها أدلة قوية، والعمل واجب بالدليل السالم عن المعارض المقاوم؛ فكيف بالأدلة المتعددة؟!
وكذلك الأدلة المثبتة لوقوع النزاع في الحلف بالطلاق وتكفيره هي ــ أيضًا ــ سالمة عن المعارض المقاوم، والكتاب والسنة والقياس الجلي تُوجب أن هذه التعليقات التي يقصد بها اليمين والمعلَّق فيها حق لله وحده= هي أيمان ليست إيقاعات، بل هي أيمان من أيمان المسلمين يجب فيها ما يجب في أيمان المسلمين، وهو مما بيَّنه الله في كتابه وسَنَّه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأدلة لا يعارضها إلا عدم العلم ببعض ما روي من الآثار، وعدم العلم بأقوال العلماء، وعدم العلم بدلالة الكتاب والسُّنة والاعتبار، وعدم العلم [64/ ب] لا يعارض العلم؛ بل العلم يجب تقديمه على عدم العلم.
* * * *
(1)
بياض مقدار كلمة، تحتمل ما أثبتُّ.
فصلٌ
وأما قوله:
(وقد يرجَّح جانب الإسقاط بعدد راويه
(1)
، وبالرواية عن ابن عمر في فتياه بخلاف ذلك التي رواها عنه عثمان بن حاضر ــ كما سيأتي ــ، وفي جانب الإثبات هاهنا ما يرجحه، وهو جلالة سليمان التيمي وفضله، فهذا ترجيح بالكيفية، والترجيح الأول بالعدد ترجيح
(2)
بالكمية، وفي مثل ذلك يجب على المجتهد الموازنة بين الظنين، والعمل بما ينقدح في نفسه رجحانه، وقد انضاف إلى الترجيح العددي هنا فتيا ابن عمر المعارضة للإثبات ههنا، مع أن حميدًا ليس منحطًّا عن فَضْلٍ وإنْ كان دون سليمان)
(3)
.
فيقال: الجواب من وجوه:
أحدها: أَنَّ الإثبات للعتق وتكفيره ــ كما ذكر ــ رواه سليمان التيمي ــ الإمام الفقيه الصالح ــ، ورواه ــ أيضًا ــ أشعث بن عبد الملك الحمراني، ورواه جسر بن الحسن.
ورواها عن سليمان التيمي: ابنه المعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان؛ وهذان من أعظم أئمة زمانهما في الثقة والإتقان والعلم والدين.
ورواية أشعث رواها عنه: محمد بن عبد الله الأنصاري ــ قاضي البصرة ــ،
(1)
في هامش الأصل: (رواية) وفوقها حرف (خ) و (ظ)، وهو كذلك في «التحقيق» .
(2)
في الأصل: (وترجيح)، والمثبت من «التحقيق» وهو الصواب.
(3)
«التحقيق» (36/ أ).
ورَوح بن عبادة.
ورواية جسر بن الحسن رواها عنه: الأوزاعي؛ وهؤلاء أئمة من أَجَلِّ حملةِ العلم وأوعيته، وغيرُ هؤلاء لم ينفها أحدٌ منهم، ولكن لم يذكرها حميد الطويل، ولا ذكرها غَالِبٌ عن بكر فيما بلغنا
(1)
، ولا ذكر المعترض طريقًا فيها ذكر لفظ التيمي بأشياء متعددة إلا عدة الطرق.
وأما البخاري رحمه الله فهو في تاريخه
(2)
اختصر الروايات لم يسقها بألفاظها؛ فإنَّ مقصوده ذكر الرجال الذين رووا هذا الأثر، لم يكن مقصوده ذكر لفظه؛ ولهذا لم يذكر في لفظه إلا الحلف بصدقة المال؛ فإن النزاع في الحلف بصدقة المال أكثر وأشهر من النزاع في جميع صور التعليقات، ولهذا كان للعلماء فيه أقوال كثيرة. قيل: بلزوم جميع المال، وقيل: المال الزكوي، وقيل: ثلث المال، وقيل: ربع عشر المال
(3)
.
وإذا كان كذلك؛ فقول القائل: (إنَّ جانب الإسقاط يرجح بعدد راويه
(4)
)؛ إنما يصح إذا ثبت أن الذين لم يذكروا هذه الزيادة أكثر، وهذه دعوى مجردة.
(1)
في الأصل: (لم يبلغنا)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(2)
في الأصل (في صحيحه)؛ والصواب ما أثبت. وقد عزاه المجيب للتاريخ في مواضع متقدمة ولاحقة، ولعله سبق قلم من الناسخ.
انظر: التاريخ الكبير (1/ 435).
(3)
قد بسط أقوال أهل العلم وأدلتهم على هذه المسألة ابن المنذر في الأوسط (12/ 109 - 115).
(4)
في الأصل: (رواية)، والمثبت أصح.
فإنْ قيل: هو كتب هذا لما وقف على الجواب [65/ أ] المختصر الذي كان المجيب ذكره أولًا، وليس فيه إلا متابعة جَسر بن الحسن للتيمي.
فيقال: هب أنَّ الأمر كذلك؛ فهذان إمامان أثبتا الزيادة ولم يذكرها حميد وبكر، فمن أين علم أنَّ من لم يذكرها أكثر؟
وأحمد لم يكن بلغه أنه ذكرها إلا التيمي، وقد بلغه رواية حميد وغالب ولم يذكراها. فقال: وأما حميد وغيره فلم يذكروا العتق؛ فأحمد تعارض عنده كثرة العدد مع جلالة سليمان فناسبه أن يقف، وأما من علم أن غير
(1)
سليمان تابعه فلا يجوز له أن يسلك هذا المسلك؛ فكيف وقد تابعه اثنان؟
(2)
الوجه السادس: أنه لو سُلِّمَ أنه لم يُثْبِتِ الزيادة إلا سليمان التيمي، فالباقون لم ينفوها البتة، فلو نفوها لكان هذا تعارضًا
(3)
يوجب ترجيح أحدهما، ثم قد يقال: المثبت مقدم على النافي، والتيمي أَجَلُّ وأثبت ممن خالفه، لكن أولئك لم يخالفوا التيمي، فإنَّ عدم الذكر ليس ذكرًا للعدم، ومثل هذا موجود في عامة الأحاديث يذكر أحد المحدثين من الزيادة ما لا يذكره الآخر مع اتفاق أهل العلم بالحديث والفقه على إثبات تلك الزيادة، ومثل هذا لا يحصى.
وقد تنازع العلماء في الزيادة من الثقة إذا لم يخالف المزيد إذا كان
(1)
في الأصل: (عن)، والصواب ما أثبتُّ.
(2)
بعد هذا يوجد علامة اللحق إلا أنه لا يظهر في الورقة شيء، غير أنَّ السقط ظاهر في هذا الموضع حيث ذكر المؤلف رحمه الله (الوجه السادس) مع أنه لم يتقدم قبله إلا (الوجه الأول)، مما يدل على سقوط الوجه الثاني والثالث والرابع والخامس.
(3)
في الأصل: (تعارض)، والجادة ما أثبتُّ.
الذين تركوها أكثر مع التساوي في الحفظ؛ وفيه قولان لأصحاب أحمد وغيرهم، ويذكر روايتان عن أحمد
(1)
.
وأما إذا خالفت المزيد فهذا مقام تعارض، مثل: أن يذكر أحدُهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم هو المسؤول المجيب، ويذكر الآخر أَنَّ المسؤول المجيب هو ابن عباس في قصة واحدة؛ فهذا تعارض وليس هذا بزيادة لا تُناقِضُ المزيد؛ كما في حديث القلتين: روى بعضهم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال:«إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»
(2)
، وروى بعضهم أن ابن عمر هو الذي سئل وأجاب بهذا الجواب
(3)
؛ فإذا كانت القصة واحدة فهذا تعارض.
وأما إذا ذكر بعضهم زيادة حفظها
(4)
لم يذكرها غيره= فهذا ليس
(1)
المسودة (1/ 588).
(2)
أخرجه أبو داود (63)، والترمذي (67)، والنسائي في سننه (52)، وابن ماجه (517) وغيرهم.
وصححه ابن خزيمة (92)، وابن الجارود (44)، والحاكم (1/ 225)، وأعلَّه بعض أهل العلم بالاضطراب في سنده ومتنه، وبوقفه على ابن عمر.
انظر: مجموع الفتاوى (20/ 520، 21/ 35)، المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 17).
انظر: علل الدارقطني (12/ 434)، تعليقة على علل ابن أبي حاتم (ص 13)، نصب الراية (1/ 104)، البدر المنير (1/ 404)، تهذيب السنن لابن القيم (1/ 152 وما بعدها «مهم»).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (1537)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 396) وغيرهما. وانظر التعليق السابق.
(4)
لم يظهر من الكلمة إلا الثلاثة الأحرف الأولى، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
بتعارض، ولكن متى كان التاركون لها أكثر صار هذا علة توجب اختلاف العلماء في قبول هذه الزيادة.
مثال [65/ ب] ذلك في هذا الأثر: أن في عامة رواياته أَنَّ المسؤول هو: ابن عمر وحفصة وزينب بنت أم سلمة، ولم يذكر أم سلمة وعائشة إلا أشعث عن
(1)
بكر بن عبد الله، وفي بعضها عن بكر
(2)
أشعث ذكر ابن عباس ــ أيضًا ــ مع عائشة وأم سلمة، وقال غالب عن بكر: أن المسؤول أم سلمة وابن عمر، وأما سليمان التيمي وجسر بن الحسن وحميد فلم يذكروا إلا الثلاثة.
فمن يطلق القول بأن الزيادة من الثقة مقبولة ولا ينظر إلى العدد والإتقان فجعل هذا فتيا سبعة من الصحابة ابن عمر وابن عباس
(3)
وثلاثة من أمهات المؤمنين عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما من ينظر نظرًا خاصًا في عدد الذاكر والتارك وإتقانهم، فإنه يجزم بأن في المسؤولين ابن عمر وحفصة وزينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قد يقول: أشعث وحده لا يقاوم في العدد والحفظ هؤلاء الذين لم يذكروا إلا هؤلاء الثلاثة مثل: التيمي وجسر بن الحسن وغالب، وقد يقول: إنَّ غالبًا اشتبه عليه أم سلمة بابنة أم سلمة وغيره أحفظ منه؛ يبيِّن أن المسؤولة هي زينب بنت أم سلمة لا أم سلمة.
(1)
في الأصل: (و)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(2)
هنا علامة لحق، ولم يظهر في هامش الأصل إلا حرف (ظ) الدَّالِّ على أن الناسخ استظهر شيئًا إلا أن التصوير لم يسعف في ظهوره.
(3)
بعدها علامة لحق وكتب في الهامش (وا).
قيل: هذا ترجيح قول ابن عبد البر على قول ابن حزم وغيره ممن جعل المسؤولة هي زينب فقط، وأما آخرون مثل: محمد بن نصر وابن حزم وابن المنذر ونحوهم فيثبتون هذا كله، ويقولون هذه زيادة من الثقة فتكون مقبولة، وفي هذا نزاع مشهور، وفيه لأصحاب أحمد وغيره قولان، وقد تختلف ــ أيضًا ــ باختلاف القضايا فقد يُعلم من حفظ الرجل وإتقانه في قصةٍ ما لا يعلم من حفظ غيره وإتقانه فيها.
والمقصود: أنَّ ما ذكره من الترجيح بالعدد يذكره العلماء في مثل هذا، ويرجح جانب الإسقاط بأن الذين لم يذكروا إلا الثلاثة أحفظ وأتقن من أشعث، وإن كان أشعث أفقه منهم؛ فالفقيه ضبطُهُ لمعاني الخبر أعظمُ من ضبطه لرواته، بخلاف المحدث فإنه يضبط أسماء الرواة أكثر مما يضبط معانيه، وذلك بحسب المواضع.
ولهذا لما كان مقصود
(1)
البخاري في تاريخه ذكر من رواه لم يتعرض لذكر ألفاظه، بل ذكر [66/ أ] طرقه وذكر منها ما لم يذكره غيره.
وأما ذكر العتق؛ فسليمان التيمي أجل قدرًا وأفقه وأحفظ ممن لم يذكره، وقد تابعه أشعث وجسر بن الحسن، وترك ذكره حميد وبكر؛ فلو قُدِّرَ التعارض بالإثبات والنفي بين سليمان وحميد، فأثبت سليمان ما نفاه حميد، لرجحت رواية سليمان بلا ريب، ثم أشعث وجسر أرجح من غالب؛ فكيف إذا لم يتعارضا؟ بل ليس فيه إلا زيادة لم ينفها الآخر.
ومما يبين ذلك: أنَّ ألفاظ اليمين المذكورة في هذه القضية يَذكر فيها
(1)
في الأصل: (المقصود)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
هذا ما لا يذكره هذا، وهي قصة ثابتة بلا ريب.
ففي حديث سليمان التيمي: هي يهودية وهي نصرانية وكل مملوك لها محرر وكل مال لها هدي إن لم تطلق امرأته.
وفي حديث أشعث: هي يومًا يهودية ويومًا نصرانية وكل مملوك لها حر وكل مالٍ لها في سبيل الله وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما.
وفي حديث غالب عن بكر: كل مالها في رتاج الكعبة وهي يومًا يهودية ويومًا نصرانية ويومًا مجوسية إنْ لم تفرق بينك وبين امرأتك.
وفي حديث حميد الطويل عن ثابت وبكر: مالها وكل شيء لها في رتاج الكعبة وهي محرمة بحجة وهي يومًا يهودية ويومًا نصرانية ويومًا مجوسية إن لم تطلق امرأتك.
وفي حديث جسر: أنها حلفت بالهدي وبالعتاقة لم يذكر غير ذلك.
والبخاري لم يذكر إلا الحلف بالصدقة بقولها
(1)
: مالي في المساكين صدقة
(2)
.
ولا ريب أنَّ بعض هؤلاء الرواة روى بالمعنى، وبعضهم اقتصر على بعض ما ذكر، وقد يذكر أحدهم لفظًا بدل لفظ لاعتقادهم أنَّ معناهما سواء، وقد يكون نسي اللفظ فرواه بالمعنى الذي فهمه حين سمع؛ وهذا كقول بعضهم: عليَّ المشي، وقول الآخر
(3)
: وأنا محرمة؛ فإنَّ كلاهما حالف
(1)
في الأصل: (فقولها)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(2)
في التاريخ الكبير (1/ 435): (حلفت أنَّ مالها في المساكين صدقة).
(3)
في الأصل: (الحر)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
بالحج، وقول بعضهم: مالها هدي، وقول بعضهم: في رتاج الكعبة، ومالها في سبيل الله، ومالها في المساكين صدقة؛ فإنَّ هذا كله حلف.
فإخراج المال والحلف بالكُفْر ذكره أكثرهم، [والغضبان]
(1)
يَحلف عند الغضب بهذا كله وبأكثر منه وبأقل منه، وهو كله حلف يتعلق [66/ ب] بقصده اليمين، ولهذا تجد من يذكر مثل هذا يذكر مثالًا أو مثالين، ثم يقول: ونحو ذلك أو أشباه ذلك؛ كما قال طاووس.
قال ابن حزم
(2)
: (وصح عن طاووس أنه قال: الحلف بالعتاق ومالي هدي وكل شيء لي في سبيل الله وهذا النحو: كفارة يمين).
وأما ما ذكره
(3)
من فتيا ابن عمر المعارِضة لهذا في حديث عثمان بن حاضر
(4)
؛ فيقال: تلك الرواية إما أن تكون ثابتة أو غير ثابتة؛ فإن لم تكن ثابتة فلا حجة فيها، وإن كانت ثابتة فليس فيها إلا التسوية بين الحلف بالعتق وغيره من لزوم المعلَّق الذي ألزمه نفسه، ليس فيه التفريق بين العتق وغيره؛ فمن نقل عن ابن عمر أو غيره من الصحابة أنه فرق بين الحلف بالعتق وغيره بمثل هذا= فقد كذب عليهم، مع تصريحهم بالتسوية بينه وبين غيره إما في لزوم الجميع وإما في تكفير الجميع، ولم ينقل أَحَدٌ لا عن ابن عمر ولا عن غيره من الصحابة أنه قال: العتق يَلزم والنذر يجزئ فيه كفارة يمين، ولا قالوا
(1)
كلمة لم أستطع قراءتها لم يظهر منها إلا الأحرف الأولى والحرف الأخير، ولعلها ما أثبتُّ أو نحو ذلك.
(2)
في المحلَّى (ص 991).
(3)
يحتمل أنَّ الضمير يعود لابن حزم، حيث ذكر هذه الفتوى في المحلى (ص 991).
(4)
قاعدة العقود (2/ 327).
أيضًا: أن الطلاق والعتاق يلزم، وفي الباقي يجزئ كفارة يمين؛ فكل من هذين القولين لم ينقل عن الصحابة بإسناد، واستثناء الطلاق وحده لم ينقل عن أحد من السلف لا بسندٍ
(1)
صحيح ولا ضعيف، وأما استثناء الطلاق والعتاق فهو منقول عن بعض التابعين، كما نُقِلَ عن الحسن في رواية مع اختلافٍ عنه في ذلك
(2)
.
وأما نقل ذلك عن عائشة؛ فباطل لم يعرف أن أحدًا نقله بإسناد لا صحيح ولا ضعيف، بل المروي عنها بالإسناد نقيض ذلك، فقد روي أنها أحد المفتين في حديث ليلى بنت العجماء وفيها ذكر العتق.
وإذا كان كذلك؛ فنحن لم نذكر قول أحد من الصحابة والتابعين والعلماء للاحتجاج به، بل قصدنا ذكر مذاهب المسلمين في هذه المسألة، وقد تبين أن النزاع في العتق ثابت عن غير واحد من الصحابة والتابعين، وأنَّ هذا مما يَنقله عامة أهل العلم الناقلين لمذاهب السلف، منهم من وافقه ومنهم من خالفه، وأنهم جزموا بصحة ذلك عنهم، وأن الإسناد الذي فيه هذا النقل من أصح الأسانيد التي يروى بها العلم، ورجالُها من أعلى رجال الصحيحين [67/ أ] وأثبتهم نقلًا، وأن الحجة فيه مع من أثبت العتق. وإذا قُدِّرَ أَنَّ ابن عمر وغيره أفتوا مرة أخرى، بأن
(3)
مثل هذه الحالفة يلزمها ما حلفت به من عتق وهدي وصدقة وحج؛ فغاية هذا: أن تكون المسألة في
(1)
في الأصل: (لإسناد)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(2)
انظر: (ص 721 - 722، 754 - 755).
(3)
في الأصل: (فإن)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
الصحابة على القولين، والاختلاف المذكور هو عن ابن عمر، وأما حفصة وزينب فلم يختلف عنهما
(1)
في ذلك؛ فلا يَنقل أحد عن الصحابة بإسناد مقبول أن ذلك يلزم إلا ونقل عنه بالإسناد الذي هو أثبت منه أنه لا يلزم بل تجزئ فيه كفارة يمين.
وابن حزم وموافقوه يَدَّعون أَنَّ للصحابة فيها قولًا ثالثًا، وهو: أنه لا يلزم ولا كفارة يمين، وابن حزم يجعل فيها للصحابة ثلاثة أقوال، وأَنَّ مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي لا يوافق واحدًا منها؛ فمذهب أحمد كمذهب الشافعي، وأما أصحاب الشافعي وأحمد فلا يجعلون للصحابة في ذلك إلا قولًا واحدًا وهو التكفير إلا في العتق، وهم لم ينقلوا عنهم في العتق قولًا بالفرق بينه وبين غيره، بل هذا القول المنقول عنهم يقتضي لزوم جميع ما حَلَفَ به، ولكن فيه أن في المال زكاته، وهذا لو وافق لم يوافق إلا قول من يلزم الحالف ما حلف به، كما يقوله مالك وأبو حنيفة في الرواية المشهورة المتقدمة عنه، لكن هما لا يقولان بربع العشر، فلم يكن عن الصحابة حجة لأحد ممن يقول باللزوم، ولا من يقول بالفرق بين الطلاق والعتاق وغيرهما، وأما الفرق بين الطلاق وغيره فلم يُنْقَل عن أحدٍ من المسلمين قبل أبي ثور لا بإسناد صحيح ولا ضعيف.
* * * *
(1)
في الأصل: (عنها).
فصلٌ
قال:
(قال ــ يعني: المروذي ــ: وسألتُ أبا عبد الله عن حديث أبي رافع قصة امرأته وأنها سألت ابن عمر وحفصة فأمروها بكفارة يمين. قلت: فيها المشي؟
(1)
قال: نعم؛ أَذهبُ إلى أن فيه كفارة يمين.
قال أبو عبد الله: ليس يقول فيه (كل مملوك) إلا التيمي.
قلتُ: فإذا حلف بعتق مملوكه [فحنث]
(2)
.
قال: يعتق؛ كذا روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: الجارية تعتق. ثم قال: ما سمعناه إلا من عبد الرزاق عن معمر.
قلتُ: فأيُّ شيءٍ إسناده.
[67/ ب] قال: معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عمر وابن عباس. وقال إسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى، وهما مكيان
(3)
.
(1)
استظهر محقق القواعد الكلية (ص 475) أنَّ صواب العبارة: شيء، وليس بظاهر بدليل ما في آخر الفصل هنا.
(2)
أصاب هذا الموضع سواد لم تتضح من خلاله الكلمة، والمثبت من «التحقيق» والقواعد الكلية.
(3)
نقل ابن تيمية سؤال المرُّوذي في عدة مواضع. انظرها في: مجموع الفتاوى (33/ 190، 193)، (35/ 261)، والفتاوى الكبرى (4/ 122)، والقواعد الكلية (ص 474 وما بعدها).
قلتُ: هذا الأثر المعارض للأثر الأول في فتيا ابن عمر، وهو مما يرجح جانب الإسقاط ــ كما تقدم ــ، وقد عَلَّلَهُ المصنف بعد ذلك بورقتين بأنَّ الأثر الأول أثبت، ورجاله من أئمة العلم والفقهاء الذين يعلمون ما يروون، وهذا الأثر فيه غربة
(1)
ولم يثبت
(2)
لنا لفظه؛ فإنْ صَحَّ كان في ذلك نزاع بين الصحابة)
(3)
.
والجواب:
أن الإمام أحمد قد أثبت
(4)
أن في حديث ليلى بنت العجماء المشي إلى مكة.
قال المَرُّوذي: سألت أبا عبد الله عن حديث أبي رافع قصة امرأته وأنها سألت ابن عمر وحفصة فأمروها بكفارة يمين. قلت: فيها المشي؟ قال: نعم؛ أَذهبُ إلى أن فيه كفارة يمين. قال أبو عبد الله: ليس يقول فيه: (كل مملوك لي حر) إلا التيمي إلى آخره.
والمشي هو مذكور في حديث أشعث، وفيه ذكر قوله:(كل مملوك لها حر) ولم أقف على طريقٍ فيها ذكر المشي دون العتق لكن الطرق كثيرة،
(1)
كذا في الأصل و «التحقيق» في هذا الموضع، وفي مجموع الفتاوى (33/ 193):(تمويه). وانظر (ص 596).
(2)
كذا في الأصل و «التحقيق» في هذا الموضع، وفي مجموع الفتاوى (33/ 193):(يضبط). وانظر (ص 596).
(3)
«التحقيق» (36/ أـ ب).
(4)
في الأصل: (ثبت)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
ومعلومٌ أنَّ الذين تركوا ذكر المشي أكثر بكثير ممن ذكره؛ فكيف يجوز إثبات هذا في الحديث مع أَنَّ أكثر الرواة لم يذكره ولا يثبت العتق والذين ذكروه أثبت وأكثر ممن ذكر العتق؟! لكنَّ أحمد لم يبلغه إلا طريق التيمي.
* * * *