المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الرابع: أن نقل المذاهب بالاستنباط والاستدلال - الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق - جـ ١

[ابن تيمية]

الفصل: ‌الوجه الرابع: أن نقل المذاهب بالاستنباط والاستدلال

ومن جزم بخطأ الصحابة ولا مستند له إلا عدم علمه كان هو أحق بالخطأ من الصحابة، ولا ريب أن من ظن إجماعًا في هذه المسألة فهو مخطئ قطعًا، لا سيما من ظن إجماعًا على وقوع الطلاق، فإن النزاع في وقوع الطلاق معروف عن غير واحد من العلماء قديمًا وحديثًا؛ منهم من يقول الطلاق المعلَّق بالصفة لا يقع بحال، ومنهم مَنْ يُفَرِّق بين التعليق الذي يقصد به اليمين والذي يقصد به الإيقاع؛ وعلى هذا القول فإذا قصد به اليمين لم يلزمه، وهل عليه كفارة؟ على قولين؛ فهذه ثلاثة أقوال أخر للمسلمين وهي أقوال [معروفة]

(1)

، فخطأ من لم يعلم النزاع معلوم قطعًا.

وأما الصحابة الذين خَطَّأهم هؤلاء فلم يقولوا قولًا يظهر فيه خطؤهم، بل الكتاب والسنة والاعتبار يدل على صواب أقوال الصحابة رضي الله عنهم، فكيف يحكم بخطئهم دون خطأ الذين قد علمنا قطعًا أن في نقلهم خطأ عليهم، بل وعلى غيرهم من الصحابة والتابعين؟! فإنه من لم يُنقل عنه من الصحابة فتيا لا بالتكفير ولا باللزوم لا يجوز أن يقول: هو كان يعتقد لزوم الطلاق أو الطلاق المحلوف به؛ فكيف إذا كان مِنْ قوله: أَنَّ العتقَ المحلوف به لا يلزم بل يجزئ فيه كفارة يمين؟ كيف يجوز مع ذلك أن يحكم عليه أنه [اعتقد]

(2)

فرقًا يعلم أنه خطأ وهو لم يفرق؟

‌الوجه الرابع: أن نقل المذاهب بالاستنباط والاستدلال

(3)

.

(4)

(1)

إضافة يستقيم بها الكلام.

(2)

إضافة يستقيم بها الكلام إن شاء الله.

(3)

انظر كلام المؤلف الآتي حول نقل المذاهب (ص 382 - 383، 397، 414 - 415).

(4)

تكملة هذه الورقة لم أعثر عليه.

ص: 347

[89/ ب] [

]

(1)

ابن عباس. فقال: إني نذرت لأنحرنَّ نفسي. فقال ابن عباس: {[لَقَدْ كَانَ]

(2)

لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، ثم تلى ابن عباس:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107].

قال البيهقي: هذا يدل على أنه أراد برسول الله إبراهيم.

قال

(3)

: قد روي عن ابن عباس فيمن نذر أن يذبح نفسه فَتْوى أخرى، وروى بإسناده الثابت عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس قال: أتاه رجل، فقال: إني نذرت أن أنحر نفسي. قال: وعند ابن عباس رجل يريد أن يخرج إلى الجهاد ومعه أبواه، وابن عباس مشتغل به يقول له: أقم مع أبويك. قال: فجعل الرجل يقول: إني نذرت أَنْ أنحر نفسي. فقال له ابن عباس: ما أصنع بك؟! اذهب فانحر نفسك! فلما فرغ ابن عباس من الرجل وأبويه، قال: عليَّ بالرجل. قال: فذهبوا فوجدوه قد بَرَكَ على ركبتيه يريد أن ينحر نفسه، فجاؤوا به إلى ابن عباس فقال له: ويحك! لقد أردت أنْ تُحِلَّ ثلاث خصال: أَنْ تُحِلَّ بلدًا حرامًا، وتقطع رحمًا حرامًا ــ نفسُك أقرب الأرحام إليك ــ، وأن تسفك دمًا حرامًا. أتجد مائة من

(1)

مقدار كلمة أو كلمتين غير واضحة.

وهذا الأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبير (20/ 196 - 197/ ح 20108) من طريقين عن ابن وهب قال: حدثني الليث بن سعد قال: قال يحيى بن سعيد: وزعم ابن جريج أنَّ عطاء بن أبي رباح حدَّثَهُ أنَّ رجلًا أتى ابن عباس.

وقبل هذا الحديث ساق البيهقي جملةً من الآثار عن ابن عباس.

(2)

ما بين المعكوفتين غير واضحة في الأصل.

(3)

في السنن الكبير (20/ 197).

ص: 348

الإبل؟ قال: نعم. قال: اذهب فانحر في كل عام ثلثًا، لا يَفْسُدِ اللحمُ.

وفي رواية: ابن نمير

(1)

عن الأعمش. قال كريب: فترصدته

(2)

عامين، فأما الثالث فلا أدري ما فعل.

قال

(3)

: ورواه الثوري، عن الأعمش بمعناه، وزاد: قال الأعمش: فبلغني عن ابن عباس أنه قال: لو اعتلَّ عليَّ

(4)

لَأَمَرْتُهُ بكبشٍ.

قال البيهقي

(5)

: وقد روي من وجه آخر عن ابن عباس: أنه أمر في هذه المسألة بكبش.

وروى البيهقي من حديث إسحاق الأزرق، حدثنا ابن عون، حدثني رجل أَنَّ رجلًا سأل ابن عمر عن رجل نذر ألا يكلم أخاه فإن كلمه فهو ينحر نفسه بين المقام والركن في أيام التشريق. فقال: يا ابن أخي أبلغ من وراءك أنه لا نذر في معصية الله، لو نذر ألا يصوم رمضان

(6)

فصامه كان خيرًا له، ولو نذر ألا يصلي فصلى كان خيرًا له؛ مُرْ صاحبك فليكفر عن يمينه، وليكلم أخاه

(7)

.

(1)

في الأصل: (ابن نمر)، والمثبت من السنن.

(2)

في السنن: فشهدته.

(3)

(20/ 198).

(4)

أي: اعتذر عن نحر الإبل وهو قادر. انظر: القاموس المحيط (4/ 21).

(5)

(20/ 198).

(6)

في الأصل: (ومضى)، والمثبت من السنن.

(7)

أخرجه البيهقي في السنن الكبير (20/ 199/ خ 20111)، وفي السنن الصغير (4/ 115). وقال في السنن الكبير: هذا عن ابن عمر منقطع.

ص: 349

فهذه الآثار ثابتة عن ابن عباس باتفاق أهل العلم، وقد تبع ابن عباس جمهور العلماء، كمالك وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم.

وقال مالك: من حلف فقال: أنا أنحر ابني إن فعلت كذا، فحنث فعليه كفارة يمين

(1)

.

[90/ أ] وقال مرة: إن كان نوى بذلك الهدي؛ عليه هدي، وإن كان لم [ينو فيها؛ لا]

(2)

شيء عليه، لا هدي ولا كفارة

(3)

.

وقال مرة: إن نذر ذلك عند مقام [إبراهيم]

(4)

فعليه هدي، وإن لم يقل عند مقام إبراهيم فكفارة يمين

(5)

.

وقال أبو حنيفة: من نذر ذبح ولده فعليه شاة

(6)

، وطائفة لم تتبعه، بل قالوا: لا شيء في ذلك، كالشافعي ويذكر هذا رواية عن أحمد، وظاهر مذهبه كما قال ابن عباس، لكن أفتى أحمد في غير موضع بكفارة يمين، كما روي عن ابن عباس من رواية القاسم

(7)

، وهو اختيار طائفة من أصحاب

(1)

المدونة (1/ 576).

(2)

ما بين المعكوفتين غير واضح.

(3)

المدونة (1/ 576).

(4)

ما بين المعكوفتين غير واضح في الأصل.

(5)

المدونة (1/ 576).

(6)

اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 601)، الغرَّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل أبي حنيفة (ص 186).

(7)

تقدم تخريجه في (ص 127، 163 - 164).

ص: 350

أحمد كأبي الخطاب وأبي محمد قالوا: لأنَّ هذا نذر معصية، ونذر المعصية فيه كفارة يمين في ظاهر مذهب أحمد، كما نقل عن الصحابة في ذلك، وأفتى في مواضع بكبش، كما نقل عطاء وعكرمة عن ابن عباس، وهو اختيار كثير من أصحابه: كالقاضي أبي يعلى وأتباعه، وطائفة من أصحابه كالخرقي وغيره قالوا عن أحمد فيمن حلف ينحر ولده روايتان: إحداهما يلزمه كفارة يمين، والأخرى يذبح كبشًا

(1)

.

لكن أكثر نصوص أحمد تُفرِّق بين أن يحلف بذلك وبين أن ينذر ذلك؛ وهو القول الرابع في مذهبه، وهذا مقتضى نصوصه بالجواب بكفارة يمين فيمن حلف بذلك، وبالكبش فيمن نذر ذلك، لأنَّ من أصله أن من حلف بالنذر الواجب فعليه كفارة يمين. فكيف إذا حلف بالنذر الذي لا يجب بعينه بل يجب بدله؟!

ونظير هذا لو قال: إنْ فعلت كذا فعليَّ أنْ أصوم يوم العيد، فهنا تجزئه كفارة يمين ولا يحتاج إلى صوم لا نزاع فيه، فإنه لو قال: إِنْ فعلت كذا فلِلّه عليَّ أَنْ أصوم؛ أجزأته كفارة يمين، وكذلك لو قال: إِنْ فعلت كذا فلله عليَّ أَنْ أهدي بدنة أو مائة من الإبل؛ أجزأته كفارة يمين بلا خلاف في مذهبه، فكيف لا تجزئ هنا كفارة يمين؟!

وأما إذا نذره على وجه التبرر يعتقد أن ذبح ابنه أو نفسه قربة يتقرب بها إلى الله، فهنا يكون الجواب بأنه يذبح كبشًا، كما قال ابن عباس ويقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وهو إبراهيم، فإنَّ

(1)

مختصر الخرقي (ص 242)، شرح الزركشي (7/ 100)، الفروع (11/ 79).

ص: 351

الله يقول: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4]، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم [94/ ب] لَمَّا أُمِرَ بذبح ابنه، ثم حرم عليه ذلك، فداه الله بِذَبْح كبش

(1)

، وجعل هذا بدلًا مما أوجبَ أولًا من ذبح الابن.

والواجب بالنذر كالواجب بالشرع، إذا تعذر الأصل انتقل إلى البدل؛ كما لو نذر أن يصوم يومًا فأفطر لعذر فإنه يصوم يومًا مكانه، ولهذا إذا أبدل المنذور بخيرٍ منه أجزأه، كما لو نذر أن يصلي بالمسجد الأقصى فصلى في أحد المسجدين ــ المسجد الحرام، أو مسجد المدينة ــ أجزأه ذلك

(2)

.

ولهذا كان ظاهر مذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما أنه يجوز إبدال الهدي والأضحية بخير منهما

(3)

؛ وهذا بخلاف تعيين الشارع، فإنه لا يعين الشيء إلا وهو أفضل من غيره، وأما الناذر فقد يُعَيِّنُ الشيءَ وغيرُهُ أفضل منه.

ولهذا جاز أن يفعل عن الميت كل نذر لم يفعله حتى الاعتكاف والصلاة في أصح الروايتين عن أحمد، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل النذر كالدين الذي في ذمة الميت، والدين يقبل فيه قضاء الغير فالله أحق بالقضاء

(4)

، ويقبل فيه أداء خير منه، لكن الغير لا يفعل عنه العبادات البدنية إلا مع العجز، لأنه غير بدنه وليس بدن غيره أفضل؛ فصار كما إذا نَذَرَ عبادة فاضلة

(1)

تقدم تخريجه (ص 348)، وقد جاء تفصيل قصته في سورة الصافات (الآية 100 - 109).

(2)

مجموع الفتاوى (31/ 242، 245، 252)، الفتاوى الكبرى (4/ 359).

(3)

مجموع الفتاوى (31/ 212، 232، 240، 252)، الفتاوى الكبرى (4/ 359 - 360)(5/ 433)، الاختيارات لابن عبد الهادي (ص 38).

(4)

أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 352

ليس له أن يبدل ذلك إلا إذا تعذر الأصل.

ولذلك أفتى ابن عباس فيمن نذر أَنْ يطوف على أربع، فقال: يطوف طوافًا ليديه وطوافًا لرجليه

(1)

، واتبعه أحمد فإنه لما نذر أن يطوف على اليدين وليس ذلك بمشروع أمره أن يبدل ذلك بالطواف على رجلين.

وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أخت عقبة بن عامر: أَنْ تهدي هديًا لِمَا تعجز عنه من المشي في الحج.

رواه أبو داود في سننه

(2)

من حديث همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أَنَّ أخت عقبة بن عامر نذرت أَنْ تمشي إلى البيت، ولأنها لا تطيق ذلك فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ تركب وأَنْ تهدي هديًا.

ورواه [

]

(3)

حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أَنَّ عقبة بن عامر قال للنبي صلى الله عليه وسلم أن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت. فقال:«إن الله غني عن نذر أختك؛ لتحج راكبة، وتهدي بدنة»

(4)

.

قال البيهقي

(5)

[95/ أ]: ورواه هشام الدستوائي ولم يذكر الهدي، بل

(1)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 457)، ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 180).

انظر: التحجيل (ص 562).

(2)

(3296).

(3)

بياض مقدار كلمة.

(4)

أخرجه أحمد (2134، 2139)، والدارمي (3/ 1506)، وصححه ابن الجارود (برقم 936)، وابن خزيمة (3045).

وانظر: البدر المنير (9/ 507)، السلسلة الصحيحة (6/ 1037).

(5)

في السنن الكبير (20/ 218).

ص: 353

قال: «إنَّ الله غنيٌ [عن]

(1)

نذرها؛ فمرها فلتركب».

وكذلك رُوِيَ عن خالد الحذاء، عن عكرمة دون ذكر الهدي.

ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة فأرسَلَهُ، ولم يذكر الهدي فيه.

قال أبو داود

(2)

: ورواه خالد عن عكرمة بمعناه، وقيل

(3)

: عن عكرمة عن عقبة بن عامر دون ذكر الهدي فيه.

قلتُ: وقد روي من طريق ثابتة، عن عكرمة، عن ابن عباس. وفيه ذكر الهدي؛ وقد رواه أحمد في المسند

(4)

.

ورواه البيهقي

(5)

بالإسناد الثابت من حديث إبراهيم بن طهمان، عن مَطَرٍ الورَّاق، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إنَّ أختَ عقبة نذرت أَنْ تَحُجَّ ماشية، وإنها لا تُطيق ذلك [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الله لغنيٌ عن مشي أختك؛ فلتركب، ولتُهْدِ بدنة» ]

(6)

.

(1)

غير واضحة في الأصل.

(2)

(3297) ونصُّهُ في السنن: رواه سعيد بن أبي عروبة نحوه. وخالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

ثم قال (ح 3298) بعد أن ساق إسناده عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة أنَّ أخت عقبة بن عامر بمعنى هشام، ولم يذكر الهدي. وقال:«مُرْ أختك فلتركب» . قال أبو داود: رواه خالد عن عكرمة بمعنى هشام.

(3)

تحتمل في الأصل (وفيه)؛ والصواب ما هو مثبت لموافقته لِمَا في السنن الكبير (20/ 219)، وابن تيمية هنا ينقل من سنن البيهقي حتى ما نقله من كلام أبي داود.

(4)

(4/ 38).

(5)

في السنن الكبير (20/ 217/ ح 20140).

(6)

ما بين المعقوفتين في الأصل بياض مقدار كلمتين، والمثبت من السنن.

ص: 354

ولفظ أحمد عن [قتادة، عن عكرمة]

(1)

عن ابن عباس، أنَّ عقبة بن عامر سألَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أخته نذرت أنْ تمشي إلى البيت، وَشَكَى ضعفها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الله غنيٌ عن نَذْرِ أختك، فلتركب ولتُهْدِ بدنه» .

وروى ــ أيضًا ــ

(2)

من طريق ابن عباس في مثل ذلك الأمر بالكفارة.

وروى ــ أيضًا ــ [دون]

(3)

ذكر الهدي: أحمدُ وأبو داود

(4)

من حديث شريك، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنَّ أُختي نذرت أنْ تحجَّ ماشيةً. فقال: «إنَّ الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، لِتَخرج راكبةً، ولتكفِّر يمينها» . وقال البيهقي

(5)

: تفرد به شريك.

وروى

(6)

من حديث عقبة بن عامر ــ ولفظه في الصحيحين

(7)

ــ عن عقبة بن عامر قال: نَذَرَت أختي أنْ تمشي إلى بيتِ الله، فأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيته. فقال:«لتمشِ ولتركب» .

(1)

مقدار كلمتين أو ثلاث لم أستطع قراءتها، والمثبت من المسند (2134، 2139).

(2)

(5/ 34/ ح 2828).

(3)

إضافة يقتضيها السياق.

(4)

مسند الإمام أحمد (5/ 34)، والسنن لأبي داود (3295)، وأبو يعلى (4/ 331).

وصححه ابن حبان (10/ 229)، والحاكم (4/ 335) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

(5)

السنن الكبير (20/ 219/ ح 20146).

(6)

أي: البيهقي في السنن الكبرى (20/ 220/ح 20147).

(7)

البخاري (1866)، ومسلم (1644).

ص: 355

وفي رواية لمسلم جاء فيه: غير مختمرة

(1)

.

وفي رواية لأحمد

(2)

: نذرت أختي أنْ تمشي إلى الكعبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله لغنيٌ عن مشيها؛ لتركب، ولتهد بدنة» .

وفي رواية لأهل السنن

(3)

: أنَّ أخته نذرت أنْ تمشي ــ جاء فيه ــ غير مختمرة.

وفي لفظ

(4)

: أنْ تحجَّ لله ماشيةً غير مختمرة، فَسَأَلَ النبي ــ صلى الله [90/ ب] عليه وسلم ــ، فقال:«إنَّ الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا؛ مُرْهَا فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه من حديث يحيى بن سعيد، عن عبيد الله

(5)

بن [زحر]

(6)

، عن أبي سعيد الرُّعَيْنِي، عن عبد الله بن مالك، عن عقبة بن عامر الجهني.

وقد اختلف الناس في حديث عقبة وفي حكمه؛ منهم مَنْ ثَبَّتَ ذكر [كفارة]

(7)

اليمين دون الهدي، ومنهم من عكس، ومنهم من ضعفها.

(1)

لم أجد هذه الرواية في مسلم، وسيأتي بيان مَن أخرجها.

(2)

(29/ 331/ ح 17793).

(3)

أبو داود (3293)، الترمذي (1544)، النسائي (3815)، ابن ماجه (2134).

(4)

ذِكْرُ (الحج) عند أحمد وأبي داود والترمذي. وبلفظ (البيت) عند أحمد والترمذي.

(5)

في الأصل: (عبد الله)؛ والمثبت من السنن الكبير.

(6)

ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، والمثبت من السنن الكبير.

(7)

إضافة يقتضيها السياق.

ص: 356

قال البخاري

(1)

: لا يصح فيه ذكر الهدي. وهذا أشهر الروايتين عن أحمد، اختارها أكثر أصحابه كالخرقي وغيره، أوجب فيمن نذر المشي إلى مكة وعجز عنه= كفارة يمين مع الركوب.

والقول بترجيح

(2)

رواية من ذكر الهدي هو إحدى الروايتين عن أحمد وأبي حنيفة، يَلْزَمُهُ دمٌ وهو قول الشافعي، وأفتى به عطاء وهو قول مالك وأبي حنيفة.

وأبو حنيفة يقول: عليه هديٌ سواء عجز [عن]

(3)

المشي أو قدر عليه، وأقلُّ الهدي شاة، وهذا مأثورٌ عن ابن عباس نفسه أنه أفتى بالهدي، وهذا يؤيد روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والقول الثالث: تضعيف الروايتين جميعًا، وأنه لا يلزمه مع العجز شيء، وهو القول الثاني للشافعي. قال: لا يلزمه مع العجز كفارة بحال إلا أن يكون النذر مشيًا إلى بيت الله الحرام، فهل يلزمه هدي؟ فيه قولان، وأما غيره فلا يلزمه مع العجز شيء؛ وحجةُ هذا: أَنَّ ذكر البدنة والكفارة ليس في واحد من الصحيحين، بل في الصحيحين

(4)

ــ أيضًا ــ عن ثابت [عن أنس]

(5)

. قال: مَرَّ شيخٌ كبيرٌ يُهادَى بين ابنيه. فقال صلى الله عليه وسلم: «ما بال هذا؟» . قالوا: نذر يا رسول

(1)

التاريخ الكبير (5/ 204).

(2)

في الأصل: (ترجيح)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.

(3)

إضافة يقتضيها السياق.

(4)

البخاري (1865)، ومسلم (1642).

(5)

إضافة يقتضيها السياق.

ص: 357

الله أَنْ يمشي. قال: «إنَّ الله عن تعذيب هذا نفسَهُ لغنيٌ» ، وأمره أنْ يركب فركب. هكذا هو في الصحيحين من حديث مروان الفزاري وغيره، عن حميد، عن ثابت، عن أنس.

ورواه عبد الوارث، عن حميد فذكر البدنة، وصحح هذا محمد بن جرير الطبري، فقال: صحَّ الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بما حدثني به عمرو بن بحر

(1)

، حدثنا [91/ أ] عبد الوراث، حدثنا حميد الطويل، عن أنس قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يُهادى بين رجلين. قال: «إنَّ الله لَغَنِيٌ عن تعذيب نفسه» . قالوا: يا رسول الله، إنه نذر. قال:«اركب، وعليك بدنة»

(2)

.

قال

(3)

: وصحَّ الخبر بما حدثني به سهل بن محمد السجستاني، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري

(4)

، حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عقبة بن عامر أَنَّ أخته نذرت أَنْ تمشي إلى البيت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر، فسأله. قال:«إِنَّ الله غنيٌ عن نذر أختك؛ فلتركب ولتهد بدنة»

(5)

.

(1)

كذا في الأصل، وفي معجم شيوخ الطبري (ص 384): عمرو بن علي بن بحر، إلا أنه لم يرو عن عبد الوارث بن سعيد.

وفي قاعدة العقود (1/ 144): عمرو بن عفرة. وفي ترجمته من معجم شيوخ الطبري (ص 391) الإشارة إلى روايته عن عبد الوارث؛ فلعله هو الصواب.

(2)

لم أجد أحدًا أخرجه من حديث أنس بهذا اللفظ غير ما ذكره المجيب هنا عن الطبري، والظاهر أنَّ هذا الأثر رواه الطبري في تهذيب الآثار أو في كتابه اللطيف، ومسند أنس رضي الله عنه من التهذيب لم يطبع.

(3)

أي: ابن جرير الطبري.

(4)

تحتمل ما أثبت، وهو: عبد الله بن يزيد القرشي. انظر: تهذيب الكمال (16/ 320).

(5)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 38) فقال: حدثنا بهز، أخبرنا همام به.

ص: 358

قال ابن جرير: (فإنْ قيل: كيف استجزت أنْ تجعل حديث حميد عن أنس في ذلك حجة يعتمد عليها، وقد عَلِمْتَ ما حدثكم به ابن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يُهادى بين ابنيه. فقال: «ما هذا؟» قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إنَّ الله لغنيٌ عن تعذيب هذا نفسه» فأمره أن يركب

(1)

، وليس فيه ذكر الأمر بهدي ولا غيره.

قيل: إنَّ زيادة العدل واجب قبولها، وعبد الوارث ثقة، وزيادته مقبولة)

(2)

.

قلت: ورواه مسلم ــ أيضًا ــ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك شيخًا يمشي بين ابنيه يتوكأ عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما شأنُ هذا الشيخ؟» قالوا: كان عليه نذر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اركب ــ أيها الشيخ ــ فإنَّ الله غنيٌ عنك، وعن نذرك»

(3)

.

وهذه حجة مَنْ قال: إنه لا كفارة في نذر المعصية، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ نذر أَنْ يطيع الله فليطعه، ومَنْ نذر أَنْ يعصي الله فلا يعصه» رواه البخاري

(4)

، وليس في الصحيح ذكر كفارة، وكذلك لم يذكر الكفارة في حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم

(5)

،

(1)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (19/ 95)، والترمذي (1537).

(2)

هنا ينتهي النقل عن ابن جرير، كما يتضح ذلك بالمقارنة بما في قاعدة العقود (1/ 144).

(3)

أخرجه مسلم برقم (1643).

(4)

تقدم تخريجه في (ص 6).

(5)

أخرجه البخاري (6704) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 359

وفي حديث المرأة التي نذرت أن تذبح ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا نذر فيما لا يملك، ولا في معصية»

(1)

.

والمأثور عن الصحابة ــ رضوان الله عليهم ــ في نذر المعصية والنذر المعجوز عنه: الإفتاء إما ببدل وإما بكفارة يمين، كما في حديث عقبة بن عامر الذي رواه أهل السنن من حديث ابن عباس ومن حديث عقبة

(2)

.

قال الشافعي

(3)

: عن ابن علية، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن علي في الرجل يحلف عليه المشي. قال: يمشي، فإنْ عجز ركب وأهدى بدنة.

وروى أبو داود الطيالسي

(4)

: حدثنا أبو عامر صالح بن رُسْتُم، عن كثير بن شِنْظِير، عن الحسن، عن عمران بن حصين قال: قَلَّمَا قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حثنا فيه على الصدقة ونهانا عن المثلة. وقال: «إِنَّ من المثلة أَنْ يخرم أنفه، ومن المثلة أن ينذر أن يحج ماشيًا، فإذا نذر أحدكم أن يحج ماشيًا فليهد هديًا وليركب»

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه في (ص 124 - 125).

(2)

تقدم تخريجهما قريبًا.

(3)

الأم (7/ 180)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبير (10/ 139). ورواية الحسن عن عليٍّ مرسلة. انظر: المراسيل لابن أبي حاتم (ص 31 وما بعدها).

(4)

في مسنده (2/ 174).

(5)

وجاء من حديث يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، عن سمرة مقتصرًا على أوله.

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (33/ 376). وانظر: العلل لابن المديني (ص 208).

ص: 360

[91/ ب] قال البيهقي

(1)

: ورواه محمد بن عبد الله

(2)

الأنصاري، عن صالح. وقال [في]

(3)

الحديث: «فليهد بدنة وليركب» .

وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أمرها أن تركب ما مشت، فجعل ذلك البدل كافيًا.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أمرها بذلك، وبالهدي أيضًا.

قال ابن وهب

(4)

: أخبرني مالك بن أنس وعبيد الله

(5)

بن عمر، عن عروة بن أُذَيْنَة. قال: خَرَجْتُ مع جَدَّةٍ

(6)

لي عليها مشي، حتى إذا كُنَّا ببعض الطريق عجزت، فأرسلت مولًى لها إلى عبد الله بن عمر يسأله، فَخَرَجْتُ معه، فسألَ ابن عمر، فقال: مُرْهَا فلتركب، ثم لتمش من حيثُ عجزت.

وقال ابن وهب

(7)

: أخبرني سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن عباس قال: قال ابن عباس: وتنحر بدنة.

وروى البيهقي

(8)

بإسناد جيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أنه

(1)

في السنن الكبير (20/ 222).

(2)

في الأصل: (عبدٍ)، والمثبت من السنن الكبير.

(3)

طمس لعل تقديره ما أثبتُّ.

(4)

أخرجه من طريقه: البيهقي في السنن الكبير (20/ 223/ ح 20153)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 193).

(5)

في الأصل والسنن الكبير: (عبد الله)، والتصويب من مصنف ابن أبي شيبة (7/ 579) (8/ 243). وانظر: التاريخ الكبير (7/ 33)، الجرح والتعديل (6/ 396).

(6)

في الأصل: (حرة)؛ والمثبت من السنن.

(7)

أخرجه من طريقه: البيهقي في السنن الكبير (20/ 223/ ح 20154).

(8)

في السنن الكبير (20/ 223/ ح 20155).

ص: 361

سُئِلَ عن رجلٍ نَذَرَ أَنْ يمشي إلى الكعبة، فمشى نصف الطريق ثم ركب. قال ابن عباس: إذا كان عامُ قابلٍ فليركب ما مشى، وليمش ما ركب، وينحر بدنة.

وقد روي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا فيمن نذر نذرًا لا يطيقه كفارة يمين. رواه أبو داود وغيره

(1)

.

ورواه البيهقي

(2)

من حديث

(3)

ابن جريج، عن ابن أبي هند، عن بكير بن عبد الله الأشج، عن كريب

(4)

، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، [ومن نذر نذرًا لم يطقه فكفارته كفارة يمين]

(5)

، ومن نذر نذرًا فأطاقه، فَلْيَفِ به».

قال البيهقي

(6)

: وهكذا روي عن طلحة بن يحيى؛ تارة عنه عن عبد الله بن سعيد

(7)

بن أبي هند [عن بكير]

(8)

، وتارة عنه عن الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن [سعيد] بن أبي هند.

(1)

سنن أبي داود (3322).

(2)

في السنن الكبير (20/ 188/ ح 10094).

(3)

في الأصل زيادة: (مالم يطقه، فكفارته كفارة يمين)، وقد حذفتها لأنها غير موجودة في السنن، وليستقيم الكلام.

(4)

في الأصل: (عكرمة)؛ والمثبت من السنن الكبير، وهو الصواب؛ حيث إنه لا يُعلم لبكيرٍ رواية عن عكرمة بخلاف كريب.

انظر: تهذيب التهذيب (1/ 492).

(5)

في الأصل مكان ما بين المعقوفتين: (روي عنه)؛ والمثبت من السنن.

(6)

في السنن الكبير (20/ 193).

(7)

في الأصل: (سعد)؛ والمثبت من السنن، وكذلك المواضع التالية.

(8)

إضافة من السنن.

ص: 362

قال

(1)

: ورواه وكيع بن الجراح، عن عبد الله بن [سعيد] موقوفًا على ابن عباس.

قال

(2)

: وروي من وجه آخر [ضعيف]

(3)

عن ابن عباس، وروى بإسناده

(4)

عن عبد الكريم، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «[إنَّ النذر نذران]

(5)

: فما كان لله فكفارته الوفاء به، وما كان للشيطان فلا وفاء له، وعليه كفارة يمين».

قلت: وقد روى [ابن]

(6)

جرير، حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو نعيم، عن أبي أسامة [92/ أ] ــ وهو زيد الحجام ــ

(7)

، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مَنْ نذر لله فالوفاء أو كفارة، [ومن]

(8)

نذر للشيطان فلا وفاء ولا كفارة

(9)

.

(1)

في السنن الكبير (20/ 193).

(2)

في السنن الكبير (20/ 194).

(3)

ما بين المعقوفتين من السنن.

(4)

في السنن الكبير (20/ 194/ ح 20102). وانظر: السلسلة الصحيحة (ح 479).

(5)

ما بين المعقوفتين من السنن.

(6)

إضافة يقتضيها السياق.

(7)

في أعلى الورقة كتب الناسخ: (هو أبو أسامة زيد الحجام الكوفي سمع القاسم وسالم وعكرمة، روى عنه عيسى بن يونس؛ ذكره القباي [كذا] في كتاب الأسماء والكنى)، وفوقها:(حشر).

(8)

ما بين المعقوفتين غير ظاهر، وما أثبتُّ تقديرًا، وبه يستقيم الكلام.

(9)

لم أجد من خرَّج هذا الأثر عن ابن عباس بهذا اللفظ، وقد تقدم بمعناه، وقد قال المجيب في قاعدة العقود (1/ 154) بعد أن ذكر الرواية المرفوعة السابقة وتضعيف البيهقي لها: لكن أظنُّهُ عن ابن عباس موقوفًا جيد.

ص: 363

ورواها بإسناد ثابت [عن]

(1)

مسروق أنه قال: النذر نذران؛ فنذرٌ لله ونذرٌ للشيطان، فما لله فأوفِ به، وما كان للشيطان فلا وفاء ولا كفارة

(2)

.

وقول ابن عباس: ما كان لله

(3)

؛ ففيه الوفاء أو كفارة، مع سائر الروايات الثابتة المستفيضة عن ابن عباس تدل على أنه لا بُدَّ عنده فيمن نذر شيئًا لله أن يفي به أو يكفر.

والوفاء تارة يكون بفعل المنذور، وتارة بفعل بدله، وسواء كان المنذور طاعة أو معصية، وسواء قدر أو عجز.

وأما قوله في هذا الحديث: «فما كان للشيطان فلا وفاء ولا كفارة» فالنذر الذي ينذر لغير الله كالنذر للطواغيت وللكنائس والبِيَع وقبور الأنبياء والصالحين وغير ذلك= فإن النذر لها نذر لغير الله، فهو كالحلف بغير الله.

فإنَّ عقبة بن عامر قال: النذر حَلِفٌ

(4)

، وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة أخته، وروى عنه أنه قال: كفارة النذر كفارة يمين. رواه مسلم في صحيحه

(5)

.

ومن حلف بالمخلوقات لم تكن يمينه محترمةً ولا كفارة فيها

(6)

، كذلك من نذر للمخلوقين، بخلاف من نذر لله ما يعتقده قربة يتقرب به إلى

(1)

مقدار كلمة لم أستطع قراءتها، وتحتمل ما أثبتُّ.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 462)، وابن أبي شيبة (12277) وغيرهما.

ولفظ ابن أبي شيبة: النذر نذران: فنذر لله ونذر للشيطان؛ فما كان لله ففيه الوفاء والكفارة، وما كان للشيطان فلا وفاء ولا كفارة.

(3)

ألحق الناسخ في الهامش (فيه) وفوقها حرف (ظ).

(4)

تقدم في (ص 118).

(5)

(ح 1645) وقد تقدم.

(6)

انظر ما تقدم (ص 93).

ص: 364

الله،

(1)

وهو معصية كذبح نفسه، أو نذر المعصية على سبيل الحض والمنع له لا على سبيل التقرب، فهذا بمنزلة اليمين فكفارته كفارة يمين.

وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين البحيرة والسائبة ونحو ذلك، فإنَّ مِنَ الفقهاء مَنْ شَبَّهَ نذرَ المعصية بالبحيرة، وتلك لا كفارة فيها، كما أَنَّ منهم من شَبَّهَ الوقف بالبحيرة والسائبة، كما قال ابن سريج

(2)

: لا حبس عن فرائض الله

(3)

.

ويروى أن أبا يوسف ومالكًا تناظرا في الحبس بحضرة الرشيد، فقاسه أبو يوسف على السوائب التي كان أهل الجاهلية يسيبونها، فأجابه مالك: بأنَّ أولئك كانوا يُسَيِّبُون لغير الله، وهذا الحبس لله؛ فلا يُشَبَّهُ ما حُبِسَ لغير الله بما حبس لله

(4)

= كذلك هنا قال الشافعي

(5)

في نذر المعصية: أصلُ معقولِ قول

(1)

في الأصل زيادة: (كيف)، والمعنى يستقيم بدونها.

(2)

كذا في الأصل، ولم أجد هذه الرواية عن ابن سريج، وإنما المعروف عن شريح؛ ولذا قال البيهقي في السنن الكبير (12/ 271) بعد أنْ رواه مرفوعًا: وهذا اللفظ إنما يُعرف من قول شريح القاضي.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (9/ 196/ ح 16921)، وابن سعد في طبقاته (6/ 138 ت. إحسان عباس)، والطحاوي - كما في إتحاف المهرة 19/ 72 - ، والبيهقي في السنن الكبير (12/ 271/ ح 12031) وغيرهم عن شريح.

وجاء مرفوعًا من حديث ابن عباس؛ أخرجه الدارقطني في السنن (5/ 119) وقال: لم يُسنده غير ابن لهيعة عن أخيه؛ وهما ضعيفان.

انظر: كتاب الوقوف من مسائل الإمام أحمد (1/ 200 - 217)، نصب الراية (3/ 476)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 145).

(4)

تفسير الإمام الشافعي (2/ 802)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 704)، المقدمات الممهدات (2/ 418).

(5)

نقله البيهقي في السنن الكبير (20/ 183).

ص: 365