الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسعيدَهم
(1)
، ومعافاهم من مبتلاهم.
والثاني: أنَّه سبحانه أقام عليهم الحجةَ حينئذ، وأشهدهم بربوبيته، واستشهد عليهم ملائكتَه
(2)
.
الثالث: أن هذا
(3)
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهْم}
(4)
[الأعراف: 172].
الرابع: أنه أقرَّ تلك الأرواح كلَّها بعد إخراجها بمكان، وفرغ من خلقها. وإنما يتجدَّد كلَّ وقت إرسالُ جملة منها بعد جملة إلى أبدانها.
فأما المقام الأول: فالآثارُ متظاهرةٌ به مرفوعةً وموقوفةً.
وأما المقام الثاني: فإنما أخذه مَن أخَذه من المفسرين من الآية، وظنوا
(5)
أنه تفسيرها. وهذا
قول جمهور المفسرين
(6)
من أهل الأثر
.
قال أبو إسحاق
(7)
: جائز أن يكون الله سبحانه جعل لأمثال الذرّ التي أخرجها فهمًا تعقِل به كما قال
(8)
: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا
(1)
ما عدا (أ، ق، غ): «من سعيدهم» .
(2)
(ق): «يعني ملائكته» .
(3)
ما عدا (أ، ن، غ): «هذا هو» .
(4)
كذا في جميع النسخ على قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر من السبعة. الإقناع (651).
(5)
(ق): «فظنوا» .
(6)
«مِن
…
المفسرين» ساقط من (ب).
(7)
وهو الزجّاج. انظر: معاني القرآن له (2/ 390). ويبدو أنّ النقل من البسيط للواحدي (9/ 447).
(8)
«قال» ساقط من (ط، ن).
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18]. وقد سخَّر مع داود الجبال تسبِّح
(1)
معه والطيرَ.
وقال ابن الأنباري
(2)
: مذهب أصحاب الحديث وكُبَراء
(3)
العلم في هذه الآية: أنَّ الله أخرج ذرية آدم من صُلبه وأصلابِ أولاده، وهم في صوَر الذر، فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون. فاعترفوا بذلك، وقبلوا. وذلك بعد أن ركَّب فيهم عقولًا عرفوا بها ما عُرِض عليهم، كما جعل للجبل عقلًا حتى
(4)
خُوطب
(5)
، وكما فعل ذلك بالبعير لما سجد
(6)
،
(1)
(ق، ط): «يسبِّحن» . وفي معاني الزجاج والبسيط ورد نصّ الآية (10) من سورة سبأ.
(2)
انظر: البسيط للواحدي (9/ 448). والمصنف صادر عنه.
(3)
(ب، ج، ن): «أكثر» .
(4)
(ب، ج، ن): «حين» .
(5)
يشير إلى قوله تعالى: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] وما رواه البخاري [3675] عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال:«اثبُتْ أحدُ، فإنما عليك نبي وصدِّيق وشهيدان» .
(6)
يشير إلى حديث أنس بن مالك قال: كان أهلُ بيت من الأنصار لهم جملٌ يَسنُون عليه، وإن الجمل استصعب عليهم، فمنعهم ظهرَه
…
الحديث. وفيه: «فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوَه، حتى خرَّ ساجدًا بين يديه» أخرجه الإمام أحمد (12614) ــ ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة (1895) ــ، والبزار (6452)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (287).
أورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (6/ 135) من المسند، ثم قال:«وهذا إسناد جيد» . وعزاه الهيثمي في المجمع (9/ 4) للإمام أحمد والبزار وقال: «ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس وهو ثقة» . (قالمي).
والنخلة
(1)
حتى سمعتْ، وانقادت حين دُعِيتْ.
وقال الجرجانيُّ
(2)
: ليس [106 أ] بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله مسح ظهر آدم فأخرج منه ذرية» وبين الآية اختلافٌ بحمد الله، لأنه
(3)
عز وجل إذا أخذهم من ظهر آدم فقد أخذهم من ظهور ذريته؛ لأنَّ ذرية آدم ذريةٌ لذريته، بعضُهم من بعض
(4)
. وقوله: {أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}
(5)
[الأعراف: 172]. أي: عن الميثاق المأخوذ عليهم، فإذا قالوا ذلك كانت الملائكة شهودًا عليهم بأخذ الميثاق.
قال: وفي هذا دليل على التفسير الذي جاءت به الرواية
(6)
من أن الله
(1)
(أ، ق، ط، غ): «النملة» ، تحريف. والمصنف يشير إلى ما أخرجه الترمذي (3628) من حديث ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بما أعرف أنك نبيٌّ؟ قال: إن دعوت هذا العِذق من هذه النخلة، أتشهد أني رسول الله؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: ارجع، فعاد. فأسلم الأعرابي. قال الترمذي:«هذا حديث حسن غريب صحيح» . وانظر تخريجه في حاشية المسند ــ طبعة الرسالة (3/ 424).
(2)
صاحب «نظم القرآن» ، وهو أبو علي الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني. انظر ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي (146). وقد وهم الداودي في طبقات المفسرين (1/ 138) فترجم للحافظ أبي علي الحسن بن علي بن نصر الطوسي، ونسب «نظم القرآن» إليه.
(3)
(ب، ج، ن): «لأن الله» .
(4)
قول الجرجاني إلى هنا نقله الواحدي في البسيط (9/ 449).
(5)
كذا وردت الآية (أن يقولوا) بالياء على قراءة أبي عمرو. ولم ينقط حرف المضارعة في (أ، ق).
(6)
(ن): «الرواة» .
قال للملائكة: اشهدوا، فقالوا: شهدنا.
قال: وزعم بعض أهل العلم أن الميثاقَ إنما أُخِذ على الأرواح دون الأجساد، لأنَّ
(1)
الأرواح هي التي تعقل وتفهم، ولها الثواب وعليها العقاب، والأجساد مَواتٌ
(2)
لا تعقل ولا تفهم.
قال: وكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى، وذكر أنه قول أبي هريرة. قال إسحاق: وأجمعَ أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد، استنطقهم، وأشهدهم.
قال الجرجاني: واحتجوا بقوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]. والأجسادُ قد بَلِيت وضلَّت
(3)
في الأرض، والأرواح تُرزَق وتَفرح، وهي التي تلَذُّ وتألم، وتفرح وتحزن
(4)
، وتَعرفُ وتُنكر. وبيانُ ذلك في الأحلام موجودٌ: أنَّ الإنسان يصبح، وأثرُ لذة الفرح وألم الحزن باقٍ في نفسه مما
(5)
تلقى الروح دون الجسد.
قال: وحصل
(6)
الفائدة في هذا الفصل أنه سبحانه قد أثبت الحجَّةَ على
(1)
(ط، ن): «وأن» .
(2)
(ن): «مقامات» ، تحريف.
(3)
(ق): «صليت» . (ب): «صارت» . وكلاهما تحريف.
(4)
«وتفرح وتحزن» ساقط من (ب، ج).
(5)
(ن، غ): «بما» .
(6)
كذا في (أ، ق، ب، ج، غ). وكذا في البسيط للواحدي (9/ 449). وفي (ط): «جعل» تصحيف. وفي (ن) والنسخ المطبوعة: «حاصل» ولعله إصلاح. وفي تفسير الخازن (2/ 268): تحصل. وقد يكون الصواب: «مُحصَّل» .
كل منفوس ممن بلغ وممن
(1)
لم يبلغ بالميثاق الذي أخذه عليهم، وزاد
(2)
على من بلغَ منهم الحجَّةَ بالآيات والدلائل التي نصبَها في نفسه وفي العالَم، وبالرسل المُنفَذة
(3)
إليهم مبشِّرين ومنذرين، وبالمواعظ بالمَثُلات
(4)
المنقولة إليهم أخبارُها
(5)
؛ غيرَ أنه عز وجل لا يطالب أحدًا منهم من الطاعة إلا بقدر
(6)
ما لزمه من الحجة، وركَّب فيهم من القدرة، وآتاهم من الآلة
(7)
. وبيَّن سبحانه ما هو عاملٌ في البالغين الذين أدركوا الأمر والنهي، وحجب عنَّا علمَ ما قدَّره في غير البالغين، إلا أنا نعلم أنه عدلٌ لا يجور في حكمه، وحكيمٌ لا تفاوتَ في صنعه، وقادرٌ لا يُسأل عمَّا يفعل، له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.
فصل
ونازع هؤلاء غيرُهم في كون هذا معنى الآية
(8)
، وقالوا: معنى قوله:
(1)
(ب، ط، ن، ج): «ومن» .
(2)
(ن): «ردًّا» ، خطأ.
(3)
في الأصل: «المتقدمة» . ويظهر أنه مغيَّر وكذا في (غ). والمثبت موافق لما في البسيط والخازن.
(4)
(ق): «والمثلات» . وكذا في البسيط.
(5)
«وحصل
…
أخبارها» نقله الواحدي في البسيط (9/ 449).
(6)
(ط): «الطاعة ما لا يقدر» ، تحريف.
(7)
كذا في جميع النسخ. وقد زاد بعضهم دالًا في الأصل قبل اللام فوق السطر ليقرأ «أدلة» . وكذا في (غ) والنسخ المطبوعة. والظاهر أنه إصلاح من بعض النسَّاخ.
(8)
(ب، ج، ن): «تفسير الآية» . وفي الأصل: «هذا المعنى الآية» . فكتب بعضهم في حاشيته: «معنى» يعني: «هذا المعنى معنى الآية» . وكذا في (غ). وفي (ط): «كون هذا الآية» ، فعلق بعضهم في طرّتها:«لعله: هذا معنى» . يريد ما أثبتنا.
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهم}
(1)
[الأعراف: 172]، أي: أخرجهم وأنشأهم بعد أن كانوا نُطَفًا في أصلاب الآباء إلى الدنيا على ترتيبهم في الوجود، وأشهدَهم على أنفسهم أنه ربُّهم، بما أظهرَ لهم من آياته وبراهينه التي تضطرُّهم إلى أن يعلَموا أنه خالقُهم؛ فليس من أحد إلا وفيه من صنعة ربِّه ما يَشهدُ
(2)
على أنه بارئُه ونافذُ الحكم فيه. فلمَّا عرفوا ذلك ودعاهم كلُّ ما يرون ويشاهدون إلى التصديق به كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهَدين
(3)
على أنفسهم بصحته، كما قال في غير هذا الموضع:{شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: 17] يريد: هم بمنزلة الشاهدين، وإن لم يقولوا: نحن كفَرة. وكما تقول: شهدَتْ جوارحي بقولك، تريد
(4)
: قد عرفتُه، فكأنَّ جوارحي لو استُشْهدتْ وفي وُسعها أن تنطِق لشهدتْ. ومن هذا الباب أيضًا {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18] يريد: أعلَمَ وبيَّن، فأشبه إعلامُه وتبيينُه ذلك شهادةَ من شَهِد عند الحكام وغيرهم
(5)
. هذا كلام ابن الأنباري
(6)
.
(1)
كذا وردت الآية في النسخ: {ذرياتهم} على قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر ما عدا (ق)، ففيها بالإفراد على قراءة الباقين من السبعة.
(2)
(ب): «ينبهه» . ولعله تصحيف.
(3)
في طرّة الأصل أن في نسخة: «والمستشهدين» .
(4)
زاد بعده في (ط): «به» .
(5)
قوله: «ومن هذا الباب» إلى هنا مضطرب في (ق).
(6)
نقله الواحدي في البسيط (9/ 456) وهو مصدر المصنف .. ولفظ المصنف قد يُفهم منه أن هذا قول ابن الأنباري. ولكن الواحدي لم يصرِّح بهذا. وقال ابن الجوزي في زاد المسير (3/ 286) أن ابن الأنباري حكى نحو هذا القول.
وزاد الجرجانيُّ
(1)
بيانًا لهذا القول فقال حاكيًا عن أصحابه
(2)
: إنَّ الله لما خلق الخلقَ، ونفَذَ علمُه فيهم بما هو كائن= صار
(3)
ما لم يكن بعدُ ــ مما هو كائن ــ كالكائن؛ إذ علمُه بكونه مانعٌ
(4)
من غير كونه، فسائغٌ
(5)
في مجاز العربية أن يضع
(6)
ما هو منتظَرٌ ــ مما لم يقع بعدُ ــ موضع الواقع
(7)
لسَبْق علمه بوقوعه، كما قال عز وجل في مواضعَ من القرآن، كقوله:{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} [الأعراف: 50]، {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44]، [107 أ] {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ} [الأعراف: 48].
(1)
يعني: صاحب النظم، وقد سبق ذكره قريبًا. وانظر كلامه في البسيط (9/ 457).
(2)
يعني: أصحاب هذا القول. ولفظ الواحدي: «وزاد صاحب النظم لهذا المذهب بيانًا حكايةً عن بعضهم» .
(3)
«صار» انفردت به (ج)، ولكن مطابقتها للبسيط (9/ 457) تدل على صحة هذه الزيادة. وقد أدّى سقوطها من النسخ الأخرى إلى اختلال السياق، فاجتهد بعض النسَّاخ في إصلاحه. فجاء في (ن): «
…
كائن [و] ما لم يكن بعد، [فما] هو كائن كالكائن
…
[ساغ] في مجاز العربية». فزاد واوًا مكان «صار» ، وكتب «ساغ» مكان «فسائغ» ليكون جواب لمّا.
(4)
بعض قرَّاء الأصل غيَّره إلى «مانعًا» ظنًّا منه أنه خبر الكون. وتصحف «مانع» في (ط) إلى «تابع» وفي (ب) إلى «نافع» .
(5)
تصحف في (ق) إلى «تابع» وفي (ب) إلى «نافع» . وقد رسمها ناسخ (ط) دون النقط في الموضعين وكتب فوقها حرف «ظ» . وقد وجد في أصلها حاشية: «لعله واقع هنا وفي الذي قبله» فظنَّها لحقًا وأقحمه في المتن.
(6)
(ن): «نضع» .
(7)
ما عدا (ب، ج): «موقع الواقع» . والمثبت موافق لما في البسيط.
قال: فيكون تأويل قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} [الأعراف: 172]: وإذ يأخذ ربك. وكذلك قولُه: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأعراف: 172]، أي: ويُشهِدهم بما ركَّبه
(1)
فيهم من العقل الذي يكون به
(2)
الفهم، ويجب به الثواب والعقاب. وكلُّ من وُلد وبلغ الحِنْثَ، وعَقَل الضَّر والنفع، وفهم الوعد والوعيد، والثواب والعقاب= صار
(3)
كأن الله تعالى أخذ عليه الميثاق في التوحيد بما ركَّب فيه من العقل، وأراه من الآيات والدليل على حدوثه، وأنه لا يجوز أن يكون قد خَلَق نفسه. وإذا لم يجز ذلك، فلابدَّ له من خالقٍ هو غيرُه، ليس كمثله.
وليس من مخلوق يبلُغ
(4)
هذا المبلغ، ولم يقدَح فيه مانع من فهم، إلا إذا حَزَبه أمرٌ يفزع إلى الله عز وجل، حتى
(5)
يرفع رأسه إلى السماء، ويشير إليها بإصبَعه، علمًا منه بأنَّ خالقه تعالى فوقه. وإذا كان العقل الذي منه الفهم والإفهام مؤدِّيًا
(6)
إلى معرفة ما ذكرنا ودالًّا عليه، فكلُّ من بلغ هذا المبلغ فقد أخَذ عليه العهد والميثاق، إذ جعل فيه السببَ والآلة اللذَين بهما يؤخذ العهد والميثاق
(7)
. وجائز أن يقال له: قد أقرَّ، وأذعَنَ، وأسلَمَ؛ كما قال الله
(1)
(ب، ط، ن، ج): «ركب» .
(2)
(ط): «منه» .
(3)
(ط، ن): «صائر» .
(4)
(ب، ن، ج): «بلغ» .
(5)
(أ، ق، غ، ط): «حين» .
(6)
(ن): «مؤدِّيه» .
(7)
إلى هنا نقله الواحدي في البسيط (9/ 457).
عزَّ وجلَّ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15].
قال: واحتجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «رُفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتَلِم، وعن المجنون حتى يُفيقَ، وعن النائم حتى ينتبه»
(1)
وقوله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} ثم قال: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} [الأحزاب: 72]. الأمانةُ
(2)
هاهنا: عهد وميثاق. فامتناعُ السموات والأرض والجبال من حملِ الأمانة خلوُّها
(3)
من العقل الذي يكون به الفهم والإفهام، وحَمْلُ الإنسان إياها لمكان العقل
(4)
فيه
(5)
.
قال: وللعرب في مثل هذا المعنى ضروبُ نظمٍ
(6)
. [107 ب] فمنها قوله:
(1)
أخرجه أبو داود (4398)،والنسائي (3432)، وابن ماجه (2041)، والإمام أحمد (24694)، وابن حبان (142)، وابن الجارود (148)، والحاكم (2/ 59) من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي ألفاظهم بعض الاختلاف والمعنى واحد. قال الحاكم:«صحيح على شرط مسلم» . وقال ابن تيمية: «وهو حديث حسن مشهور» شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة (1/ 118). وفي الباب عن علي رضي الله عنه. انظر: إرواء الغليل (297). (قالمي).
(2)
(ط): «والأمانة» .
(3)
كذا في جميع النسخ، وهو الصواب. وفي النسخ المطبوعة:«لأجل خلوِّها» تصرُّف من الناشرين أو بعض النسّاخ.
(4)
في الأصل: «مكان العقل» . وكذا في نسخة من البسيط.
(5)
هذه الفقرة أيضًا منقولة في البسيط (9/ 458) دون الاستدلال بالحديث.
(6)
(ن): «من النظم» .
ضَمِنَ القَنانُ لِفَقْعَسٍ سَوءاتِها
…
إنَّ القَنانَ لِفَقْعَسٍ لا يأتلي
(1)
والقَنان: جبل، فذكر أنه قد ضمن لفقعس، وضمانُه لهم أنهم كانوا إذا حَزَبهم أمرٌ من هزيمة أو خوف لجؤوا إليه، فجعل ذلك كالضمان منه لهم.
ومنه قول النابغة:
كأجارف الجولان مِن هُلْكِ ربِّه
…
وحَورانُ منها خاشعٌ متضائلُ
(2)
(1)
«لا يأتلي» كذا في جميع النسخ. والرواية: «لَمُعَمَّرُ» . ويروى: «بفقعس» . والبيت لنَهشَل بن حَرِّي الدارمي التميمي ــ شاعر مخضرم ــ من قصيدة رائية ناقض بها قصيدة لأبي المهوَّش الفقعسي الأسدي. انظر ثلاثة أبيات من قصيدة نهشل ــ وهذا ثانيها ــ في أنساب الأشراف (11/ 159). وهذا البيت وحده في سمط اللآلي (858) ومعجم ما استعجم (1150) وشرح نهج البلاغة (5/ 25) وغيره. وقصيدة أبي المهوش في الخزانة (6/ 373 ــ 374).
والقَنان: جبل مشهور في بلاد بني أسد، باق بهذا الاسم إلى اليوم. وهو واقع بين الجواء وسميراء. قاله ابن بليهد في صحيح الأخبار (1/ 30).
وقد تصحفت «سوءاتها» في (أ، ق) إلى «ثبواتها» ، وفي (ن، غ): «لشواتها» . وفي (ط): «نشؤوابها» ، وهذا إصلاح. وفي بعض النسخ المطبوعة:«بثباتها» وهو إصلاح أيضًا. ورسمها في (ب، ج) أقرب إلى الصواب.
قال ياقوت: «لمعمرُ، أي ملجأ» . كذا قال، ولم أجد هذا المعنى لكلمة «معمر» في كتب اللغة. وأخشى أن يكون معنى الملجأ مأخوذًا من تفسير البيت بنحو ما نقله ابن القيم من كتاب الجرجاني، لا تفسيرًا لكلمة «معمر» .
(2)
«كأجارف» كذا ورد البيت في النسخ الخطية والمطبوعة، وهو تحريف بلا ريب. والصواب كما في الديوان وغيره:«بكى حارثُ الجولان» . ولعل ناسخًا كتب «بكاحارث» بإهمال الثاء وخفيت سنّ الباء، فتحرفت الكلمة إلى ما ترى وقد هممتُ بإثبات الصواب في المتن لولا ما تبعه من التفسير:«وأجارف الجولان: جبالها» . فهذا ينبئ بأن التحريف وقع في الأصل.
والبيت من قصيدة يرثي بها النابغة النعمانَ بن الحارث الغسَّاني، ويصوِّر عظم المصاب، وهو المراد بـ «ربِّه». ورواية الأصمعي:«فقد ربِّه» . وما هنا رواية ابن السكيت. انظر ديوان النابغة (121، 254) والأغاني (8/ 214) والصاحبي (268). و «منها» كذا في (أ، ق، غ، ط). وفي (ب، ج، ن): «فيها» . والرواية: منه.
وأجارفُ الجَولان: جبالها
(1)
، وحَوران: الأرض التي إلى جانبها.
وقال هذا القائل: إنَّ في قوله تعالى: {أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}
(2)
[الأعراف: 172، 173] دليلًا على هذا التأويل؛ لأنه عز وجل أعلَمَ أنَّ هذا الأخذ للعهد عليهم لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين.
والغفلة هاهنا لا تخلو من أحد وجهين: إمَّا أن تكون عن يوم القيامة، أو عن أخذِ الميثاق. فأمَّا يومُ القيامة: فلم يذكر سبحانه في الكتاب أنه أخذ عليهم عهدًا وميثاقًا بمعرفة البعث والحساب، وإنما ذكَر معرفتَه فقط. وأما أخذُ الميثاق، فالأطفال والأسقاط إن كان هذا العهدُ مأخوذًا عليهم ــ كما قال المخالف ــ فهم
(3)
لم يبلغوا بعدَ أخذِ هذا الميثاق عليهم مبلَغًا يكون منهم
(1)
كذا وردت الكلمة وتفسيرها. ولم أجد «أجارف» في كتب اللغة بمعنى الجبال أو غيره. وهي مخلّة بوزن البيت أيضًا. والصواب: «حارث الجولان» كما سبق.
قال الجوهري: الحارث: قُلَّة من قُلل الجولان، وهو جبل بالشام. الصحاح (حرث 1/ 279).
(2)
كذا ورد قوله تعالى في (ط، ب، ج) على قراءة أبي عمرو: «يقولوا» بالياء في الآيتين. وقد سبق مثل ذلك. وفي (ن): «تقولوا» على القراءة المشهورة.
(3)
(ط): «فيهم» . وفي (ب، ج، ن): «لهم» .
غَفْلةٌ عنه، فيجحدونه، ويُنكرونه؛ فمتى تكون هذه الغفلة منهم؟ وهو عز وجل لا يؤاخذهم بما لم يكن منهم، وذكرُ ما لا يجوز ولا يكون مُحال
(1)
.
وقوله: {أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف: 173]، فلا يخلو هذا الشرك الذي يؤاخَذون به أن يكون منهم أنفسِهم، أو من آبائهم. فإن كان منهم، فلا يجوز
(2)
أن يكون ذلك إلا بعد البلوغ وثُبوتِ الحجة عليهم؛ إذ الطفل لا يكون منه شرك ولا غيره. وإن كان من غيرهم، فالأمَّةُ
(3)
مُجمِعة على أنْ {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] كما قال عز وجل في الكتاب.
وليس هذا
(4)
بمخالف لما رُوي عن النبي [108 أ] صلى الله عليه وسلم: «أن الله مسح ظهرَ آدم، وأخرج منه ذرِّيتَه، فأخذ عليهم العهد»
(5)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اقتَصَّ قول الله عز وجل، فجاء مثلَ نظمِه
(6)
، فوضع الماضي من اللفظ موضعَ المستقبل.
قال: وهذا شبيهُ القصَّة بقصَّة قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81]. فجعل سبحانه ما أَنزلَ على الأنبياء من الكتاب
(1)
(ن): «محالًا» ظنَّه خبر كان.
(2)
في الأصل: «يخلو» ، سهو من الناسخ.
(3)
(ق، ب، ط): «فالآية» ، تحريف.
(4)
«هذا» ساقط من الأصل.
(5)
تقدم تخريجه من حديث عمر رضي الله عنه (ص 455).
(6)
هذه الجملة محرَّفة في (ب، ج، ن).
والحكم ميثاقًا أَخذَه من أممهم بعدَهم. يدلُّ على ذلك قوله: {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} ، ثم قال للأمم
(1)
: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81]. فجعل سبحانه بلوغ الأممِ كتابَه المنزّلَ على أنبيائهم حجةً عليهم كأخذ الميثاق عليهم، وجَعَل معرفتَهم به إقرارًا منهم.
قلت: وشبيهٌ به أيضًا قوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: 7]. فهذا ميثاقُه الذي أخذه عليهم بعد إرسال رسله
(2)
إليهم بالإيمان به وتصديقِه.
ونظيرُه قوله تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد: 20]. وقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: 60، 61]. فهذا
(3)
عهدُه إليهم على ألسنة رسله.
ومثله: قوله لبني إسرائيل: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40].
(4)
[آل عمران: 187]، وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ
(1)
(ط): «للأمة» .
(2)
(ب، ط، ن، ج): «رسوله» .
(3)
في الأصل: «فهذه» .
(4)
كذا وردت الآية في جميع النسخ على قراءة أبي عمرو، وهي قراءة ابن كثير وشعبة عن عاصم أيضًا. وقرأ الباقون:{لتبيننه للناس ولا تكتمونه} بالتاء في الفعلين. الإقناع (625).
وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7].
فهذا ميثاقٌ أخَذه
(1)
منهم بعدَ بعثهم كما أخذ من أممهم بعدَ إنذارهم. [108 ب] وهذا الميثاق الذي لعَن سبحانه مَن نقَضه، وعاقبه بقوله:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13]، فإنما عاقبهم بنقضهم الميثاقَ الذي أخذه عليهم على ألسنة رسله. وقد صرَّح به في قوله:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63].
ولما كانت هذه الآية ونظيرتها
(2)
في سورة مدنية خاطب بالتذكير بهذا الميثاقِ فيها أهلَ الكتاب، فإنه ميثاقٌ أخَذه عليهم بالإيمان به وبرسله. ولما كانت هذه
(3)
آيةُ الأعراف في سورة مكية ذكَر فيها الميثاق والإشهاد العامَّ لجميع المكلَّفين
(4)
بالإقرار بربوبيته ووحدانيته وبطلان الشرك، وهو ميثاقٌ وإشهاد يقومُ به عليهم الحجة
(5)
، وينقطع به العذر
(6)
، وتحلُّ به العقوبة،
(1)
(ب، ج، ن): «أُخِذ» .
(2)
(ط، ن): «نظيرها» .
(3)
«هذه» ساقط من (ب، ج).
(4)
في (أ، ق) بعده: «ممَّن» كذا مضبوطًا في الأصل. ولعله سهو، ولكن في (غ):«ممَّن أقرَّت» !
(5)
(ط): «عليهم به الحجة» . (ن): «به الحجة عليهم» .
(6)
ما عدا (أ، ق، غ): «المعذرة» .
ويُستَحقُّ بمخالفته الإهلاك. فلابدَّ أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرَهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنَّه ربُّهم وفاطرُهم، وأنَّهم مخلوقون مربوبون. ثم أرسل إليهم رسُلَه يذكِّرونهم بما في فِطَرهم وعقولهم، ويعرِّفونهم حقَّه عليهم وأمرَه ونهيَه ووعدَه ووعيدَه
(1)
.
ونظمُ الآية إنما يدلُّ على هذا من وجوه متعددة
(2)
:
أحدها: أنه قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} ولم يقل: آدم
(3)
، وبنو آدم غيرُ آدم.
الثاني: أنه قال: {مِنْ ظُهُورِهِمْ} ، ولم يقل: من ظهره، وهذا بَدَلُ بعضٍ من كلٍّ، أو بدلُ اشتمالٍ
(4)
، وهو أحسن
(5)
.
الثالث: أنه قال: {ذُرِّيَّاتِهم} ، ولم يقل: ذرِّيته.
الرابع: أنه قال: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: جعلهم شاهدِين على
(1)
«ووعده ووعيده» ساقط من (ب).
(2)
هذه الوجوه العشرة كلها نقلها شارح الطحاوية (219 ــ 220) دون الإشارة إلى مصدرها حسب طريقته. وانظر جملة منها بالنص أو غيره في مفاتيح الغيب (15/ 50 - 53).
(3)
ما عدا (أ، ق، غ): «من آدم» .
(4)
اقتصر على الثاني العكبري في التبيان (1/ 602). وعلى الأول مكي في مشكل إعراب القرآن (1/ 306) والزمخشري في الكشاف (2/ 176). قال السمين في الدر المصون (5/ 511): «وهو الظاهر، كقولك: ضربت زيدًا ظهره، وقطعته يده. لا يعرب أحد هذه بدل اشتمال» .
(5)
(ب): «وهذا أحسن» .
أنفسهم؛ فلابدَّ أن يكون الشاهدُ ذاكرًا لما شهِد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، لا يذكر شهادةً
(1)
قبلها.
الخامس: أنه سبحانه أخبر أنَّ حكمةَ هذا الإشهاد إقامةُ الحجَّةِ عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة [109 أ]: إنا كنا عن هذا غافلين. والحجة إنما
(2)
قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فُطِروا عليها، كما قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
السادس: تذكيرُهم بذلك لئلا يقولوا يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]. ومعلوم أنهم غافلون
(3)
بالإخراج
(4)
لهم من صلب آدم كلِّهم، وإشهادِهم جميعًا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم
(5)
.
السابع: قوله: {أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}
(6)
[الأعراف: 173]. فذكر حكمتين في هذا التعريف والإشهاد:
(1)
(ب، ج): «شهادته» .
(2)
(ن): «وإنما الحجة» . و «الحجة» ساقطة عن (ب، ج).
(3)
في الأصل: «غافلين» ، ولعله سهو. ولكن في (غ):«كانوا غافلين» ، فزاد: كانوا.
(4)
كذا في جميع النسخ ما عدا (ن) التي فيها: «فالإخراجُ» مضبوطًا. و «غفل» لا يتعدى بالباء، فقوله:«بالإخراج» قد يكون سهوًا، والصواب:«عن الإخراج» ، كما في شرح الطحاوية (219)، وقد نقل فيه الوجه السادس برمَّته نقلًا حرفيًّا. ولعل الذي في (ن) سعي لإصلاح النص.
(5)
(ن): «منهم أحد» .
(6)
سبق التنبيه على أن «يقولوا» بالياء قراءة أبي عمرو، وبها وردت الآية في النسخ.
إحداهما: أن لا يدَّعوا الغفلة، والثانية: أن لا يدَّعوا التقليد؛ فالغافلُ لا شعورَ له، والمقلِّدُ متَّبِعٌ في تقليده لغيره.
الثامن: قوله: {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} أي: لو عذَّبهم
(1)
بجحودهم وشركهم لقالوا ذلك. وهو سبحانه إنما يُهلِكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجَّة عليهم بالرسل لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بُطلان
(2)
ما كانوا عليه. وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليُهلِك القرى بظلم، وأهلُها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار
(3)
.
التاسع: أنه سبحانه أشهدَ كلَّ واحدٍ واحدٍ
(4)
على نفسه أنه ربُّه وخالقُه، واحتَجَّ عليهم
(5)
بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87]. أي: فكيف يُصرَفون عن التوحيد بعد هذا الإقرار منهم أنَّ الله ربُّهم وخالقُهم. وهذا كثير في القرآن. فهذه هي الحجَّةُ التي أشهدَهم على أنفسهم بمضمونها، وذكَّرتْهم بها رسلُه بقوله
(6)
: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10].
(1)
(ط): «عذبتهم» . (ن): «لِوَعْدِهم» ، وهو تصحيف. والنص في شرح الطحاوية أيضًا مصحف.
(2)
في (أ، غ): «معرفته لبطلان» ، وفي (ق):«معرفته بطلان» . ولعله من سهو الأصل.
(3)
(ط): «الإنذار والإعذار» .
(4)
كذا في الأصل وفي (ق). وحذفت الثانية في النسخ الأخرى. لعلهم ظنوها مكررة سهوًا.
(5)
«عليهم» ساقط من (ط).
(6)
(ب، ج): «بقولهم» .
فالله تعالى إنما ذكَّرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكِّرهم قطُّ
(1)
[109 ب] بإقرارٍ سابقٍ على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجَّة.
العاشر: أنه جعل هذا آيةً، وهي الدِّلالة الواضحة البيِّنة المستلزِمة لمدلولها بحيث لا يتخلَّف عنها المدلول. وهذا شأن آيات الرب تعالى
(2)
فإنها أدلةٌ معيَّنةٌ
(3)
على مطلوب معيَّن مستلزِمةٌ للعلم به، فقال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ} [الأنعام: 55]. أي: مثلَ هذا التفصيلِ والتَّبيين نفصل الآيات لعلهم يرجعون من الشرك إلى التوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
وهذه الآيات التي فصَّلها هي التي بيَّنها في كتابه من أنواع مخلوقاته. وهي آيات أفقية
(4)
ونفسية، آياتٌ في نفوسهم وذواتهم
(5)
وخَلْقهم، وآياتٌ في الأقطار والنواحي مما يُحدِثه الربُّ تبارك وتعالى، مما يدل على وجوده ووحدانيته وصدقِ رسلِه، وعلى المعاد والقيامة. ومن أبْيَنِها
(6)
ما أشهدَ به كلَّ واحد على نفسه من أنه ربُّه وخالقُه
(7)
ومبدعُه، وأنه مربوب مصنوع
(1)
«قط» ساقط من (ط).
(2)
«لمدلولها
…
تعالى» ساقط من الأصل.
(3)
(ب، ج): «يقينية» ، ولعله تصحيف.
(4)
ضبط في (ط) بفتح أوله وثانيه، ثم كتب في طرّتها كل حرف على حدة مع ضبطه. قال ابن السكيت في إصلاح المنطق (132):«رجل أَفَقي، إذا أضفته إلى الآفاق. وبعضهم يقول: أُفُقي» . وقد تحرَّف الكلمة في (ق) إلى «فقهية» ، واختارها بعض الناشرين!
(5)
في (ط): «دوابهم» ، تصحيف.
(6)
(ق): «أثبتها» ، تصحيف. وفي (ب، ج): «آياتها» ، تحريف.
(7)
(ط): «خالقه وربه» .
مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ومُحالٌ أن يكون حدَثَ بلا مُحدِث، أو يكون هو المحدِثَ لنفسه. فلابد له من مُوجِد أوجده
(1)
ليس هو كمثله. وهذا الإقرار والشهادة
(2)
فطرةٌ فُطِروا عليها ليست بمكتسَبة.
وهذه الآية وهي قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهم}
(3)
[الأعراف: 172]. مطابقةٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مولود يولد على الفطرة»
(4)
. ولقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 30 - 31].
ومن المفسرين من لم يذكر إلا هذا القول فقط كالزمخشري
(5)
. ومنهم من لم يذكر إلا القول الأول فقط، ومنهم من حَكَى القولين كابن الجوزيِّ
(6)
، والواحديِّ
(7)
، والماوردي
(8)
، وغيرهم.
(1)
(ط): «يوجده» .
(2)
ما عدا (ب، ج، ن): «المشاهدة» .
(3)
سبق التنبيه غير مرة على أن الآية وردت كذا في النسخ على قراءة أبي عمرو. وبها قرأ نافع وابن عامر أيضًا.
(4)
أخرجه البخاري (1385) من حديث أبي هريرة. وبلفظ آخر عنه في البخاري (1358) ومسلم (2658).
(5)
الكشاف (2/ 176).
(6)
زاد المسير (3/ 283 ــ 286).
(7)
البسيط (9/ 443 ــ 458).
(8)
النكت والعيون (2/ 277 ــ 279).
قال الحسن بن يحيى الجرجاني
(1)
: فإن اعترض معترِضٌ في هذا الفصل بحديث يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله مسَح [110 أ] ظهرَ آدم، فأخرج منه ذريته، وأخذ عليهم العهد، ثم ردَّهم في ظهره»
(2)
، وقال: إنَّ هذا مانع من جواز التأويل الذي ذهبتَ إليه، لامتناع ردِّهم في الظَّهر إن كان أخذ الميثاق عليهم بعد البلوغ وتمام العقل.
قيل له: إنَّ معنى «ثم ردَّهم في ظهره» : ثم يردُّهم في ظهره
(3)
، كما قلنا: إن معنى {أَخَذَ رَبُّكَ} : يأخذ ربك. فيكون معناه: ثم يردُّهم في ظهره بوفاتهم، لأنهم إذا ماتوا رُدُّوا إلى الأرض للدفن، وآدمُ خلق منها ورُدَّ فيها، فإذا رُدُّوا فيها فقد رُدُّوا في آدم وفي ظهره
(4)
؛ إذ كان آدمُ خُلِق منها وفيها رُدَّ، وبعضُ الشيء من الشيء. وفيما ذهبتم إليه من
(5)
تأويل هذا الحديث على ظاهره تفاوتٌ بينه وبين ما جاء به القرآن في هذا المعنى، إلا أن يُرَدَّ تأويلُه إلى ما ذكرناه؛ لأنه عز وجل قال:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهمْ}
(6)
[الأعراف: 172]. ولم يذكر آدمَ في القصة، إنما هو هاهنا مضاف إليه لتعريف ذريته أنهم منه وأولادُه. وفي الحديث: أنه مسح ظهرَ آدم، فلا يمكن ردُّ ما جاء في القرآن وما جاء في الحديث إلى الاتِّفاق إلا بالتأويل
(1)
صاحب «نظم القرآن» ، وقد سبقت ترجمته.
(2)
سبق في (ص 486).
(3)
«ثم يردهم في ظهره» ساقط من (أ، ط، غ).
(4)
(ب، ج): «ظهر آدم» .
(5)
ساقط من (ب، ج).
(6)
انظر التعليق في الصفحة السابقة.
الذي ذكرناه.
قال الجرجاني: وأنا أقول: ونحن إلى ما رُوي في الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذهب إليه أهلُ العلم من السلف الصالح أمْيَل، وله أقْبَل، وبه آنَس، والله وليُّ التوفيق لما هو أَولى وأهدى
(1)
.
على أنَّ بعضَ أصحابنا من أهل السُّنَّة قد ذكَر في الردِّ على هذا القائل معنًى يُحتمَل ويسوغ في النَّظم الجاري ومجازِ العربية بسهولة
(2)
وإمكان، من غير تعسُّف ولا استكراه. وهو أن يكون قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172] مبتدأ خبره
(3)
من الله عز وجل عما كان منه في أخذ العهد عليهم، وإذ يقتضي جوابًا يُجعَل جوابه قوله تعالى:{قَالُوا بَلَى} ، وانقطع هذا الخبر بتمام قصته.
ثم ابتدأ عز وجل خبرًا آخرَ بذكر ما يقوله المشركون يوم القيامة [110 ب]، فقال
(4)
: {شَهِدْنَا} يعني: نشهد، كما قال الحُطيئة
(5)
:
شهدَ الحطيئةُ حينَ يلقَى ربَّه
…
أنَّ الوليدَ أحقُّ بالعُذْرِ
(6)
(1)
هذه الفقرة نقلها الواحدي في البسيط (9/ 458).
(2)
(ن): «يشهد له» ، تحريف.
(3)
كذا في جميع النسخ ما عدا (ج) التي فيها: «مبتدأَ خبرٍ» . والضبط منِّي، ولعل هذا أصح.
(4)
ما عدا (ب، ج، ن): «قالوا» .
(5)
زاد بعده في (ط): «في هذا المعنى» .
(6)
ديوانه (258). والوليد هو ابن عُقبة. وفي (ن): «يوم يلقى» . وهي رواية في البيت.
بمعنى: يشهَدُ الحطيئة. يقول تعالى: نشهد أنكم ستقولون يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} أي: عمَّا هم فيه من الحساب والمناقشة والمؤاخذة بالكفر.
ثم أضاف إليه خبرًا آخرَ، فقال:{أَوْ تَقُولُوا}
(1)
بمعنى: وأن تقولوا؛ لأن {أَوْ} بمعنى واو النسق، مثل قوله:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}
(2)
[الإنسان: 24]. فتأويله: ونشهد أن تقولوا يوم القيامة: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف: 173] أي: إنهم أشركوا، وحملونا على مذهبهم في الشرك في صِبانا
(3)
، فجرينا على مذاهبهم، واقتدينا بهم؛ فلا ذنب لنا إذ كنا مقتدين بهم، والذنبُ في ذلك لهم. كما قالوا:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}
(4)
[الزخرف: 23]. يدل على ذلك قولهم: {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} أي: حَملِهم
(5)
إيانا على الشرك.
فتكون القصة الأولى خبرًا عن جميع المخلوقين بأخذ الميثاق
(1)
اضطربت النسخ في ضبط حرف المضارعة هنا وفيما يأتي، فأكثرها ضبطت بالتاء أو مرة بالياء وأخرى بالتاء. والصواب بالتاء؛ لأن الكلام للجرجاني، وقد فسَّر من قبل بقوله: «نشهد أنكم ستقولون
…
» فهذا نصٌّ على أن قراءته ليست بقراءة أبي عمرو.
(2)
قال مكي في المشكل (788): «وقيل: أو بمعنى الواو، وفيه بعد» . وانظر التبيان للعكبري (1261).
(3)
(ب، ج، ن): «حياتنا» .
(4)
«بهم والذين
…
مقتدون» ساقط من (ن).
(5)
(غ): «بحملهم» .
عليهم
(1)
، والقصة الثانية خبرًا عما يقول المشركون يوم القيامة من الاعتذار
(2)
.
وقال فيما ادعاه المخالفُ أنه تفاوتٌ فيما بين الكتاب والخبر لاختلاف ألفاظهما فيهما قولًا يجب قَبولُه بالنظائر والعِبَر التي تأيَّد بها
(3)
لمخالفته، فقال: إن الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ الله مسح ظهر آدم أفاد زيادةَ خبرٍ كان في القصة التي ذكَرَ الله في الكتاب بعضَها، ولم يذكر كلَّها. ولو أخبر صلى الله عليه وسلم بسوى هذه الزيادة التي أخبر بها ــ مما عسى أن
(4)
يكون قد كان في ذلك الوقت الذي أُخِذَ فيه العهدُ، مما لم يضمِّنه الله كتابَه ــ لمَا كان في ذلك
(5)
خلاف ولا تفاوت، بل كان
(6)
زيادة في الفائدة.
وكذلك الألفاظ إذا اختلفتْ [111 أ] في ذاتها وكان مَرجعُها إلى أمر واحد لم يوجِب ذلك تناقضًا، كما قال عز وجل في كتابه في خَلْق آدم، فذكَر مرةً أنه خُلِق من تراب، ومرةً أنه خُلِق من حمأ مسنون، ومرةً من طين لازب، ومرةً من صَلصال كالفخَّار
(7)
؛ فهذه الألفاظ مختلفة، ومعانيها أيضًا في
(1)
«عليهم» ساقط من (ب، ج).
(2)
«من الاعتذار» ساقط من (ن).
(3)
رسمها في الأصل يشبه «الذي يؤيدها» كما في (غ).
(4)
لم ترد «أن» في الأصل.
(5)
(ب، ج): «في اللفظ» .
(6)
(ط): «كانت» .
(7)
انظر الآيات الكريمة في آل عمران (59) والحجر (28، 33) والصافات (11) والرحمن (14).
الأحوال مختلفة؛ لأن
(1)
الصَّلصال غيرُ الحمأة، والحمأة غيرُ التراب، إلا أنَّ مرجعَها كلِّها في الأصل
(2)
إلى جوهر واحد، وهو التراب، ومن التراب تدرَّجت هذه الأحوال.
فقوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهمْ} [الأعراف: 172] وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله مسح ظهرَ آدم، فاستخرج منه ذريته» معنًى واحدٌ
(3)
في الأصل، إلا أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم:«مسح ظهرَ آدم» زيادةٌ في الخبر عن الله عز وجل. ومَسْحُه
(4)
عز وجل ظهرَ آدم واستخراجُ ذريته منه
(5)
مسحٌ لظهور ذريته واستخراجُ ذرياتهم من ظهورهم، كما ذكر تعالى؛ لأنَّا قد علمنا أنَّ جميع ذرية آدم لم يكونوا من صلبه، لكن لما كان الطبَق الأول من صُلْبه، ثم الثاني من صلب الأول، ثم الثالث من صلب الثاني، جاز أن يُنسَب ذلك كلُّه إلى ظهر آدم، لأنهم فرعُه، وهو أصلُهم. وكما جاز أن يكون ما ذكر الله عز وجل أنه استخرجه من ظهور ذرية آدم من ظهر آدم، جاز أن يكون ما ذكر صلى الله عليه وسلم أنه استخرجه من ظهر آدم من ظهور ذريته؛ إذ الأصلُ والفرع شيءٌ واحد.
وفيه أيضًا أنه عز وجل لما أضاف الذريةَ إلى آدم في الخبر احتمل أن يكون الخبر عن الذرية، وعن آدم؛ كما قال عز وجل:{فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4]. فالخبر في الظاهر عن الأعناق، والنعتُ للأسماء
(1)
(أ، ق، غ): «أن» .
(2)
«في الأصل» ساقط من (ن).
(3)
في الأصل: «واحدًا» ، وكذا في (ق، ن)!
(4)
(ط): «ومسح الله» .
(5)
لم يرد «منه» في الأصل.
المَكنِيَّة فيها، وهو
(1)
مضاف إليها، كما كان آدم مضافًا إليه هناك، وليسا جميعًا بالمقصودين ــ في الظاهر ــ بالخبر. ولا يُحتَمَل أن يكون قوله:{خَاضِعِينَ} للأعناق، لأنَّ وجه جمعها: خاضعات. ومنه قول الشاعر
(2)
:
وتَشْرَقَ بالقول الذي قد أذعتَه
…
كما شرِقتْ صدرُ القَناةِ من الدم
فالصدر مذكر، وقوله:«شرقت» أُنِّث لإضافة الصدر إلى القناة.
فصل
فهذا بعضُ كلام السلف والخلف في هذه الآية. وعلى كلِّ تقدير، فلا تدلُّ على خلق الأرواح قبل الأجساد خلقًا مستقرًّا، وإنما غايتُها أن تدلَّ على إخراج صورهم وأمثالهم في صور الذرِّ، واستنطاقهم، ثم ردِّهم إلى أصلهم، إن صحَّ الخبر بذلك. والذي صحَّ إنما هو إثباتُ القدر السابق، وتقسيمُهم إلى شقي وسعيد.
وأما استدلالُ أبي محمد بن حزم بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف: 11]، فما أليَقَ هذا الاستدلالَ بظاهريَّته، لترتيب الأمر بالسجود لآدم على خَلْقنا وتصويرنا؛ والخطابُ للجملة المركّبة من البدن والروح، وذلك متأخِّر عن خلق آدم.
(1)
كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: «هي» ، لأن المقصود: الأسماء المكنية.
(2)
هو الأعشى. انظر ديوانه (1/ 318) وصلة البيت قبله:
لئن كنتَ في جُبٍّ ثمانين قامةً
…
ورُقِّيتَ أسبابَ السماء بسُلَّمِ
ليَستدرِجَنْكَ القولُ حتى تهِرَّه
…
وتعلمَ أنِّي عنك لستُ بمُلْجَم
والمخاطَب: عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، هجاه الأعشى في هذه القصيدة.
ولهذا قال ابن عباس
(1)
: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} آدم {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} لذريته
(2)
. وبيان
(3)
هذا ما قاله مجاهد {خَلَقْنَاكُمْ} يعني آدم، و {صَوَّرْنَاكُمْ} في ظهر آدم
(4)
. وإنما قال: {خلقناكم} بلفظ الجمع، وهو يريد آدم؛ كما تقول: ضربناكم، وإنما ضربتَ سيدَهم
(5)
.
واختار أبو عُبيد في هذه الآية قول مجاهد؛ لقوله بعدُ: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا} وكان قوله تعالى للملائكة: {اسْجُدُوا} قبل خلق ذرية آدم وتصويرِهم في الأرحام، و (ثم) توجب التراخي والترتيب. فمَن جَعَل الخلق والتصوير في هذه الآية
(6)
لأولاد آدم في الأرحام يكون قد راعى حكمَ (ثم) في الترتيب
(7)
، إلا أن يأخذ بقول الأخفش، فإنه يقول:(ثم) هاهنا في معنى
(1)
من هنا إلى آخر قول أبي عبيد منقول من البسيط للواحدي (9/ 38 ــ 39).
(2)
أخرجه الطبري في التفسير (12/ 318).
(3)
(ق): «مثال» . ويشجعه رسمه في الأصل أيضًا. وكذا في النسخ المطبوعة. والصواب ما أثبتنا من غيرهما، وهو مطابق لما في البسيط.
(4)
أخرجه الطبري في التفسير (12/ 320).
(5)
هذا التمثيل جزء من كلام يونس الذي جوَّز أن يكون الخلق والتصوير كلاهما لآدم. ولعل نسخة البسيط التي اعتمد عليها ابن القيم كانت شبيهة بنسخة (ب) التي فيها سقط. انظر: البسيط (9/ 38) وتفسير الثعلبي (4/ 218).
(6)
كلمة «الآية» ساقطة من (ط).
(7)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة. والصواب عكسه، كما في البسيط: «لم يكن قد راعى
…
». وقال الواحدي في الوسيط (2/ 352): «ولا يجوز أن يكون المراد بقوله: {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} تصوير ذريته في الأرحام؛ لقوله: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} ، لأن هذا كان قبل تصوير ذرية آدم في الأرحام.
الواو
(1)
. قال الزجَّاج: وهذا خطأ لا يجيزه [112 أ] الخليل وسيبويه
(2)
وجميع من يوثق بعلمه
(3)
.
قال أبو عبيد: وقد بيَّنه مجاهدٌ حين قال: إن الله خلق آدم
(4)
، وصوَّرهم في ظهره، ثم أمر بعد ذلك بالسجود. قال: وهذا بيِّنٌ في الحديث وهو: «أنه أخرجهم من ظهر آدم في صُوَر الذرِّ»
(5)
.
قلت: والقرآن يفسِّر بعضُه بعضًا. ونظيرُ هذه الآية قوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [الحج: 5]. فأوقع الخلقَ من ترابٍ عليهم، وهو لأبيهم آدم، إذ هو أصلهم.
والله سبحانه يخاطب الموجودين، والمرادُ آباؤهم، كقوله:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55]. وقوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} الآية [البقرة: 61]. وقوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: 72]. وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} [البقرة: 63]. وهو
(6)
كثير في القرآن:
(1)
معاني القرآن للأخفش (294)، ولكنه مثل يونس جوَّز أيضًا أن يكون الخلق والتصوير لآدم، وذكر مثاله أيضًا.
(2)
الأصل: «ولا سيبويه» .
(3)
معاني القرآن للزجاج (2/ 321). وانظر: كتاب سيبويه (3/ 89).
(4)
ما عدا (ن): «ولد آدم» ، والمثبت موافق للبسيط، وهو الذي ذهب إليه مجاهد.
(5)
سبق تخريج الحديث (ص 455).
(6)
(ب، ج): «هذا» .
يخاطبهم، والمراد
(1)
آباؤهم. فهكذا قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11].
وقد يستطرد
(2)
سبحانه من ذكر الشَّخص إلى ذكر النوعِ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 12 ــ 13]. فالمخلوقُ من سلالة من طين: آدمُ. والمجعول
(3)
نطفةً في قرار مكين: ذريتُه.
وأما حديثُ خلقِ الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فلا يصحُّ إسناده. ففيه عتبة بن السَّكَن، قال الدارقطني: متروك
(4)
. وأرطاة بن المنذر. قال ابن عدي: بعضُ أحاديثه غلطٌ
(5)
.
فصل
وأمَّا الدليل على أنَّ خلقَ الأرواح متأخرٌ عن خلق أبدانها، فمن وجوه:
أحدها: أنَّ خلقَ أبي البشر وأصلِهم كان هكذا. فإنَّ الله سبحانه أرسل جبريل، فقبضَ قبضةً من الأرض، ثم خمَّرها حتى صارت طينًا، ثم صوَّره، ثم نفخ فيه الروح بعد أن صوَّره. فلما دخلت الروح فيه [112 ب] صار لحمًا
(1)
في (ق، ط) زيادة: «به» .
(2)
(ط): «استطرد» .
(3)
(ب، ق، غ): «المحصول» ، تصحيف.
(4)
انظر: الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2255) والمغني في الضعفاء للذهبي (3995).
(5)
انظر: الكامل لابن عدي (1/ 432) والمغني للذهبي (508).
ودمًا، حيًّا ناطقًا.
ففي تفسير
(1)
أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس؛ وعن مُرَّة، عن ابن مسعود؛ وعن ناسٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «لما فرَغ الله من خلق ما أحبَّ استوى على العرش، فجعل إبليسَ
(2)
على مُلك سماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم:«الجن» ، وإنما سُمُّوا «الجنَّ» ؛ لأنهم خُزَّانُ الجنَّة. وكان إبليسُ مع ملكه خازنًا، فوقع في صدره، وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزيد لي
(3)
ــ وفي لفظ: لمزيةٍ لي ــ على الملائكة. فلما وقع ذلك الكبرُ في نفسه اطَّلع الله على ذلك منه، فقال الله للملائكة
(4)
: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].
قالوا: ربَّنا، وما يكون حال الخليفة؟ قال: تكون له ذريةٌ يُفسدون في الأرض، ويتحاسدون، ويقتل
(5)
بعضُهم بعضًا. قالوا: ربنا
(1)
زاد بعده بعض القراء في (ط) فوق السطر: «السدِّي عن» . وكأنه قد سقط من النسخ. فقد سبق (440) أن نقل المصنف أثرًا من تفسير السدِّي بهذا السند، من كتاب محمد بن نصر المروزي. وقد أورد ابن كثير في تفسيره (1/ 73 ــ 74) الأثر الآتي، وعقب عليه بقوله:«فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدِّي. ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة، والله أعلم. والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء، ويقول: على شرط البخاري!» .
(2)
زاد في (ب، ن): «لعنه الله» .
(3)
كذا في (أ، ق، ط، غ). وكذا في تفسير الطبري (شاكر 1/ 458) والدر المنثور (1/ 245). وفي (ن): «لمزيَّتي» ، ولعله إصلاح من ناسخها.
(4)
«فلما وقع
…
للملائكة» ساقط من الأصل.
(5)
في الأصل: «يقتلون» دون واو العطف.
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] يعني: من شأن إبليس.
فبعث جبريلَ إلى الأرض ليأتيه بطينٍ منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تقبض
(1)
مني، فرجَعَ، ولم يأخذ، وقال: ربِّ إنها عاذت بك، فأعذتُها. فبعث ميكائيل، فعاذت منه، فأعاذها. فبعث ملَكَ الموت، فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع، ولم أنفِّذ أمره. فأخذ من وجه الأرض، وخَلَط. فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين. فصعِد به، فبلَّ الترابَ
(2)
حتى عاد طينًا لازبًا. واللازب: هو الذي يلزَقُ
(3)
بعضُه ببعض.
ثم قال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71 - 72]. فخلقه الله بيده لكيلا يتكبَّر إبليسُ عنه، ليقول له: تتكبَّرُ عما عملتُ بيدي، ولم أتكبَّر أنا عنه. فخلَقه بشرًا، فكان جسدًا من طين أربعين سنة، فمرَّت به الملائكة، ففزعوا منه لما رأوه. وكان أشدَّهم منه فزَعًا إبليسُ، فكان يمرُّ به، فيضربه، فيصوِّتُ [113 أ] الجسدُ كما يصوِّت الفَخَّارُ، تكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ
(1)
(ب، ج): «تنقص» . وكذا في تفسير الطبري (1/ 459) وتاريخه (1/ 90).
(2)
ما عدا (ب، ج): «قِبَلَ الربّ» كذا مضبوطًا في (ط، ق، ن، غ). وفي النسخ المطبوعة زيد: «عز وجل» ! والمثبت موافق لما في تفسير الطبري وتاريخه، وهو مقتضى السياق.
(3)
(ب، ج): «يلتزق» ، وكذا عند الطبري.
كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14]، ويقول: لأمرٍ ما خُلِقتَ! ودخل مِن فيه، فخرج من دُبره، فقال للملائكة: لا تَرهَبوا من هذا فإن ربَّكم صَمَدٌ، وهذا أجوف. لئن سُلِّطتُ عليه لأهلكنَّه.
فلما بلغ الحينَ الذين يريد الله جل ثناؤه أن ينفخ فيه الروحَ قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له. فلما نفخ فيه الروحَ فدخل الروحُ في رأسه عَطَس، فقالت الملائكة: قل: الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال له الله: يرحمك ربُّك. فلما دخل الروحُ في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام
(1)
قبل أن يبلغ الروح رجليه، فنهض عَجلانَ
(2)
إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول:{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]. وذكر باقي الحديث
(3)
.
وقال يونس بن عبد الأعلى: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، قال: لمَّا خلق الله النار ذُعِرتْ منها الملائكة ذُعرًا شديدًا، وقالوا: ربَّنا لمَ خلقتَ هذه النار؟ ولأي شيء خلقتَها؟ قال: لمن عصاني من خَلْقي. ولم يكن لله خَلْقٌ يومئذ
(4)
إلا الملائكة، والأرضُ ليس فيها خَلْقٌ، إنما خُلِق آدمُ بعد ذلك. وقرأ
(5)
قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا
(1)
بعده في تفسير الطبري: «فوثب» . وكذا نقله المصنف في المسألة القادمة، فلعل هنا سقطًا.
(2)
(ط): «عجلًا» .
(3)
أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 458 ــ 460) وتاريخه (1/ 90، 93، 94).
(4)
(ن): «يومئذ خلق» .
(5)
رسمها في (أ، ق): «قراه» . والمثبت من غيرهما.
مَذْكُورًا} [الإنسان: 1]. قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ليت
(1)
ذلك الحين
(2)
! ثم قال: وقالت الملائكة: ويأتي علينا دهرٌ نعصيك فيه؟ ــ لا يرون له خلقًا غيرهم ــ قال: لا، إني أريد أن أخلق في الأرض خلقًا، وأجعلَ فيها خليفةً. وذكر الحديث
(3)
.
قال ابن إسحاق: فيقال ــ والله أعلم ــ: خلَقَ اللهُ آدمَ، ثم وضعه ينظرُ إليه أربعين عامًا قبل أن ينفُخَ فيه الروحَ، حتى عاد صلصالاً كالفخَّار، ولم تمسَسْه نار. فيقال ــ والله أعلم ــ: لما انتهى الروح إلى رأسه عطَسَ، فقال: الحمد لله. وذكر الحديث
(4)
.
فالقرآن والحديث [113 ب] والآثار تدلُّ على أنَّ الله سبحانه نفخ فيه من روحه بعد خَلْقِ جسده، فمِن تلك النفخةِ حدثت فيه الروح. ولو كانت روحه مخلوقةً قبل بدنه مع جملة أرواح ذريته لَمَا عَجِبت الملائكة من خلقه، ولَمَا تعجَّبت من خلق النار، وقالت: لأي شيء خلَقْتَها؟ وهي ترى أرواحَ بني آدم فيهم المؤمن والكافر، والطيب والخبيث، ولَمَا كانت
(5)
أرواح الكفار كلُّها تبعًا لإبليس، بل كانت الأرواح الكافرةُ مخلوقةً قبل كفره؛ فإن
(1)
(ط): «كيف» ، تحريف أو إصلاح!
(2)
يعني: ليت ذلك الحين دام إلى الأبد، وبقي الإنسان شيئًا غير مذكور! قالها خوفًا من القيامة. انظر تفسير الطبري (1/ 466) حاشية الأستاذ محمود شاكر.
(3)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (1/ 466).
(4)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (1/ 468).
(5)
«كانت» ساقط من الأصل. وفي (ط، ن): «وأما أرواح» ، كأنّ «لما» غيِّرت إلى «أما» بسبب سقوط «كانت» من الأصول.
الله
(1)
سبحانه إنما حكَمَ عليه بالكفر بعد خَلقِ بدنِ آدم وروحِه، ولم يكن قبل ذلك كافرًا
(2)
. فكيف تكون الأرواح قبله كافرة ومؤمنة، وهو لم يكن كافرًا إذ ذاك؟ وهل حصل الكفر للأرواح إلا بتزيينه وإغوائه؟ فالأرواح الكافرة إنما حدثت بعد كفره، إلا أن يقال: كانت كلُّها مؤمنةً ثم ارتدَّت بسببه. والذي احتجُّوا به على تقدُّم
(3)
خلق الأرواح يخالف ذلك.
وفي حديث أبي هريرة في تخليق العالم: الإخبار عن خَلْقِ أجناس العالم، وتأخُّر خلق آدم إلى يوم الجمعة، ولو كانت الأرواح مخلوقةً قبل الأجساد لكانت من جملة العالم المخلوق في ستة أيام. فلمَّا لم يخبر عن خلقها في هذه الأيام عُلِم أنَّ خلقها تابعٌ لخلق الذرية، وأنَّ خلق آدم وحده هو الذي وقع في تلك الأيام الستة. وأما خلق ذريته، فعلى الوجه المشاهَد المعايَن.
ولو كان للروح وجودٌ قبل البدن، وهي حية عالمة ناطقة، لكانت ذاكرةً لذلك في هذا العالم شاعرةً به، ولو بوجه ما. ومن الممتنِع أن تكونَ حيةً عالمةً ناطقةً عارفةً بربِّها، وهي بين ملأ من الأرواح، ثم تنتقلَ إلى هذا البدن ولا تشعرَ بحالها قبل ذلك بوجه ما. وإذا كانت بعد المفارقة تشعر بحالها وهي في البدن على التفصيل، وتعلم ما كانت
(4)
عليه هاهنا ــ مع أنها اكتسبت بالبدن أمورًا عاقتها عن كثير من كمالها
(5)
ــ فلَأن تشعرَ بحالها
(1)
(ن): «فالله» .
(2)
(أ، ق): «كافر» .
(3)
(أ، ق): «تقديم» .
(4)
«بعد
…
كانت» ساقط من الأصل لانتقال النظر.
(5)
(ب، ج): «حالها» .
[114 أ] الأول، وهي غير مَعُوقة هناك
(1)
، بطريق الأولى. إلا أن يقال: تعلُّقُها بالبدن واشتغالُها بتدبيره مَنَعها من شعورها بحالها الأول، فنقول: هَبْ أنه منعها من شعورها به على التفصيل والكمال، فهل يمنعُها عن أدنى شعورٍ بوجهٍ ما مما
(2)
كانت عليه قبل تعلُّقها بالبدن؟ ومعلوم أنَّ تعلقَها بالبدن لم يمنعها عن الشعور بأول أحوالها وهي في البدن، فكيف يمنعها من الشعور بما كان قبل ذلك!
وأيضًا فإنها لو كانت موجودةً قبل البدن لكانت عالمة حية
(3)
ناطقة عاقلة، فلمَّا تعلَّقتْ بالبدن سُلِبتْ ذلك كلَّه، ثم حدث لها الشعور والعلم والعقل شيئًا فشيئًا. وهذا لو كان لكان من أعجَب الأمور أن تكون الروحُ كاملةً عاقلةً ثم تعود ناقصةً ضعيفةً جاهلةً، ثم تعود بعد ذلك إلى عقلها وقوتها. فأين في العقل والنقل والفطرة ما يدلُّ على هذا؟ وقد قال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
فهذه الحال التي أُخْرِجنا عليها هي حالنا الأصلية، والعلم والعقل والمعرفة والقوة طارئ
(4)
علينا حادث فينا بعد أن لم يكنْ. ولم نكن نعلمُ قبل ذلك شيئًا البتَّة، إذ لم يكن لنا وجودٌ نعلم ونعقل به.
(1)
في الأصل بعده: «ولا» ، وكذا في (ق). وفي (ن، غ): «أولا» وضبط في (ن) بتنوين اللام.
(2)
(ب، ج): «بما» .
(3)
(ب، ج): «حية عالمة» .
(4)
رسمها في الأصل وغيره: «طارٍ» .
وأيضًا فلو كانت مخلوقةً قبل الأجساد، وهي على ما هي
(1)
عليه الآن من طيبٍ وخبث، وكفر وإيمان، وخير وشر لكان ذلك ثابتًا لها قبل الأعمال. وهي إنما اكتسبت هذه الصفات والهيئات من أعمالها التي سَعَتْ في طلبها واستعانت عليها بالبدن، فلم تكن تَتَّصِف
(2)
بتلك الهيئات والصفات قبل قيامها بالأبدان التي بها عَمِلت تلك الأعمالَ.
وإن كان قُدِّر لها قبل إيجادها ذلك، ثم [114 ب] خرجت إلى هذه الدار على ما قدر لها، فنحن لا ننكر الكتاب والقَدَر السابقَ لها من الله. ولو دلَّ دليلٌ على أنها خُلِقت جملةً، ثم أودعت في مكان حيةً عالمةً ناطقةً، ثم كلَّ وقت
(3)
تبرزُ إلى أبدانها شيئًا فشيئًا، لكُنَّا أولَ قائل به؛ فالله سبحانه على كل شيء قدير، ولكن لا نخبرُ عنه خلقًا وأمرًا إلا بما أخبر به عن نفسه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عنه بذلك، وإنما أخبر بما في الحديث الصحيح:«إنَّ خلقَ ابن آدم يُجمَع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثلَ ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسَل إليه الملكُ، فينفخُ فيه الروح»
(4)
.
فالملَكُ وحده يُرسَل إليه، فينفُخ فيه، فإذا نفَخَ فيه كان ذلك سببَ حدوث الروح فيه. ولم يقل: يرسَل الملكُ إليه
(5)
بالروح، فيُدْخِلُها في
(1)
لم ترد في الأصل.
(2)
(ق، ن): «لتتصف» .
(3)
(ق): «في كل وقت» .
(4)
أخرجه البخاري (3208) ومسلم (2643) من حديث ابن مسعود.
(5)
(ب، ج، ن): «إليه الملك» .
بدنه. وإنما أُرسل إليه الملكُ وحده، فأحدثَ فيه الروح بنفخته فيه، لا أنَّ الله سبحانه أرسل إليه الروح التي كانت موجودة قبل ذلك بالزمن الطويل مع الملَك. ففرقٌ بين أن يُرسَل إليه ملكٌ ينفخ فيه الروحَ، وبين أن يُرسَل إليه روحٌ مخلوقةٌ قائمة بنفسها مع الملَك. وتأمَّلْ ما دلَّ عليه النصُّ من هذين المعنيين. وبالله التوفيق.
فصل
وأما المسألة التاسعة عشرة
(1)
وهي: ما حقيقة النفس؟ هل هي جزء من أجزاء البدن، أو عرض من أعراضه، أو جسمٌ مساكِن له مودَع فيه، أو جوهر مجرد؟ وهل هي الروح أو غيرها؟ وهل الأمَّارةُ واللوَّامة والمطمئِنَّة نفسٌ واحدة لها هذه الصفات، أم هي ثلاثة أنفس
(2)
؟
فالجواب: أنَّ هذه مسائل قد تكلَّم الناس فيها
(3)
من سائر الطوائف، واضطربت فيها أقوالهم، وكثر فيها خطؤهم. وهدى الله أتباعَ الرسول [115 أ] وأهلَ سنته لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فنذكر أقوال الناس وما لهم وعليهم
(4)
في تلك الأقوال، ونذكر الصوابَ بحمد الله وعونه.
(1)
ما عدا (أ، ط): «عشر» بالتذكير. وفي (ن): «المسألة العشرون» ولم يرد فيها: «فصل وأما» .
(2)
كذا في جميع النسخ بتأنيث العدد. وكذا جمع المؤلف ثلاث مسائل في عنوان هذه المسألة. وكأنه أراد أن يتكلم عليها جميعًا في هذا الفصل، ولكنه لما استطال الكلام على حقيقة النفس أفرد كلًّا من المسألتين الأخريين بفصل مستقل، ورقَّمهما بالعشرين والحادية والعشرين كما سيأتي. ثم فاته أن يحذف المسألتين من عنوان هذا الفصل.
(3)
«فيها» لم يرد في الأصل. وفي (غ): «فيها الناس» .
(4)
(ب، ط، غ): «وما لهم عليه» ولعله إصلاح للنص لسقوط الواو قبل «عليهم» من الأصل.
قال أبو الحسن الأشعريُّ في مقالاته
(1)
: اختلف الناس في الروح والنفس والحياة، وهل الروح هي الحياة أو غيرها، وهل الروح جسم أم لا؟
فقال النظَّام: الروح جسم، وهي النفس
(2)
. وزعم أن الروح حيٌّ بنفسه، وأنكر أن تكون الحياة والقوة معنًى غير الحيِّ والقوي
(3)
.
وقال آخرون: الروح عَرَض.
وقال قائلون منهم جعفر بن حرب
(4)
: لا ندري: الروح جوهر أو عرض
(5)
؟ واعتلُّوا في ذلك بقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]. ولم يخبر عنها ما هي، لا أنها
(6)
جوهر، ولا أنها عرض. قال: وأظن جعفرًا
(7)
أثبت الحياةَ غير الروح، وأثبت الحياةَ عرضًا.
(1)
مقالات الإسلاميين (333 ــ 337).
(2)
أقحم في (ط) هنا: «وزعم أن الروح لا يجوز عليها الأعراض» ، وهي ستأتي.
(3)
ما عدا الأصل: «الحي القوي» ، وكذا في مطبوعة المقالات.
(4)
معتزلي بغدادي صاحب تصانيف (ت 230) انظر: تاريخ بغداد (7/ 162) وطبقات المعتزلة (73) والفهرست (213).
(5)
في الأصل: «جوهرًا أو عرض» ، وكتب فوق «عرض»:«كذا» يعني كذا ورد «عرض» في أصله غير منصوب مع عطفه على «جوهرا» . وناسخ (ق) أثبت النص على الصواب، ولكن أقحم «كذا» في المتن! وفي النسخ المطبوعة:«كذا قال» . ولعل هذه الزيادة الأخرى زادها بعض الناشرين. ثم جاء المحققون، فنصُّوا على أن ذلك من كلام ابن القيم!
(6)
لم ترد «أنها» في الأصل.
(7)
في الأصل: «ابن جعفر» ، خطأ. وفي (ط، ن): «أن جعفرًا» .
وكان الجُبَّائي يذهب إلى أنَّ الروح جسم، وأنها غير الحياة، والحياة عرض. ويعتلُّ بقول أهل اللغة: خرجت روحُ الإنسان. وزعم أنَّ الروح لا تجوز عليها الأعراض.
وقال قائلون: ليس الروحُ شيئًا أكثرَ من اعتدال الطبائع الأربعة
(1)
، ولم يرجعوا من قولهم [اعتدال]
(2)
إلا إلى المعتدل، ولم يثبتوا في الدنيا
(3)
شيئًا إلا الطبائع الأربعة التي هي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وقال قائلون
(4)
: إن الروح معنًى خامسٌ غيرُ الطبائع الأربعة، وأنه ليس في الدنيا إلا الطبائع الأربعة والروح.
واختلفوا في أعمال الروح، فثبَّتها
(5)
بعضهم طباعًا، وثبَّتها بعضهم اختيارًا.
وقال قائلون: الروح: الدم الصافي والخالصُ من الكدر والعفونات. وكذلك قالوا في القوة.
وقال [115 ب] قائلون: الحياة هي الحرارة الغريزية.
وكلُّ هؤلاء الذي حكَينا قولهم في الروح من أصحاب الطبائع يثبتون أن الحياة هي الروح.
(1)
كذا بتأنيث العدد في جميع النسخ هنا وفيما بعد، وهو جائز في الوصف، غير أنّ في مقالات الأشعري:«الأربع» في كل هذه المواضع.
(2)
زيادة من المقالات.
(3)
«في الدنيا» ساقط من (ط).
(4)
«قائلون» ساقط من الأصل.
(5)
(ب، ط): «فيثبتها» .
وكان الأصَمُّ
(1)
لا يثبتُ الحياة والروح شيئًا غيرَ الجسد، ويقول: ليس أعقِلُ إلا الجسدَ الطويل العريض العميق الذي أراه وأشاهده. وكان يقول: النفسُ هي هذا البدن بعينه لا غير، وإنما جرى عليها هذا الذكر
(2)
على جهة البيان والتأكيد لحقيقة الشيء، لا على أنها معنًى غيرُ البدن.
وذكر عن أرِسْطاليس
(3)
: أن النفس معنًى مرتفعٌ
(4)
عن الوقوع تحت النشوء والكون
(5)
، وأنها جوهر منبسط
(6)
مُنبَثٌّ في العالم كلِّه من الحيوان على جهة الإعمال له والتدبير، وأنه لا تجوز عليه صفة قلَّةٍ ولا كثرة. قال: وهي على ما وصفت من انبساطها في هذا العالم غيرُ منقسمةِ الذاتِ والبِنْية، فإنها
(7)
في كل حيوان العالم بمعنًى واحدٍ لا غير.
وقال آخرون: بل النفس معنًى موجودٌ ذاتُ حدود
(8)
وأركان، وطول
(1)
أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان. في طبقات المعتزلة (56) أنه كان من أفصح الناس وأفقههم وأورعهم، وله تفسير عجيب. وفي الفهرست (214) أنه توفي سنة 200، وقيل:201.
(2)
«الذكر» ساقط من (أ، غ).
(3)
هذا في الأصل، وفي (ق، ن، غ): «أرسطاطاليس» . وهما وجهان معروفان، ولكن في (ب، ط): «أرطاطاليس» !
(4)
«مرتفع» ساقط من الأصل.
(5)
«الكون» من (ن)، و «النشوء» من الأصل. وتصحفتا في غيرهما والنسخ المطبوعة إلى «النسق واللون». وفي المقالات:«تحت التدبير والنشوء والبلى، غير داثرة» .
(6)
هذه قراءة الأصل و (غ)، ويؤيدها قوله:«انبساطها» . وفي النسخ الأخرى والمقالات: «بسيط» .
(7)
ما عدا الأصل: «وإنها» .
(8)
«حدود» ساقط من الأصل.
وعرض وعمق، وأنها غير مفارقة في هذا العالم لغيرها مما يجري عليه حكم الطول والعرض والعمق. وكلُّ واحد
(1)
منهما يجمعهما صفة الحدِّ والنهاية
(2)
.
وقالت طائفة
(3)
: إن النفس موصوفةٌ بما وصفها هؤلاء الذين قدَّمنا ذكرَهم من معنى الحدود والنهايات، إلا أنها غيرُ مفارقة لغيرها مما لا يجوز
(4)
أن يكون موصوفًا بصفة الحيوان.
وحكى الحريري
(5)
عن جعفر بن مُبَشِّر
(6)
: أن النفس جوهر، ليس هو هذا الجسمَ وليس بجسم، ولكنه معنى بايَنَ الجوهر والجسم.
وقال آخرون: النفسُ معنًى غيرُ الروح
(7)
، والروحُ غير الحياة، والحياة عنده عرضٌ. وهو أبو الهذيل، يزعم
(8)
أنه قد يجوز أن يكون الإنسان في حال نومه مسلوبَ النفس والروحِ دون الحياة [116 أ]. واستَشْهد على ذلك بقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}
(1)
(ب، ط): «فكل واحد» . وكذا في المقالات.
(2)
في المقالات: «وهذا قول طائفة من الثنوية يقال لهم المنانية» .
(3)
قال الأشعري: وهؤلاء الدِّيصانية.
(4)
(ب، ط، ج): «مقارنة لغيرها لا يجوز» .
(5)
(ن): «الجُريري» بالجيم المضمومة. ولم أقف على ترجمته.
(6)
الثقفي (ت 234) هو مثل جعفر بن حرب من معتزلة بغداد، وكلاهما مشهور عندهم بالعلم والورع. طبقات المعتزلة (76) وتاريخ بغداد (7/ 162).
(7)
(ط): «غير معنى الروح» .
(8)
كذا في الأصل. وفي غيره والمقالات: «وزعم» .
[الزمر: 42].
وقال جعفر بن حرب: النفس عَرَضٌ من الأعراض يوجَد في هذا الجسم، وهو أحد الآلات التي يستعين بها الإنسان على الفعل كالصحة والسلامة وما أشبهها، وأنها غير موصوفة بشيء من صفات الجواهر والأجسام
(1)
.
هذا ما حكاه الأشعري.
وقال طائفة: النفس هي النسيم الداخل والخارج بالتنفُّس. قالوا: والروح عرَضٌ، وهي
(2)
الحياة فقط، وهو غيرُ النَّفْس، وهذا قول القاضي أبي بكر بن الباقلاني ومن اتَّبعه من الأشعرية
(3)
.
وقالت طائفة: ليست النفس جسمًا ولا عرضًا وليست في مكان، ولا لها طول ولا عرض ولا عمق ولا لون ولا بعض
(4)
. ولا هي في العالم ولا خارجَه، ولا محايثة
(5)
له ولا مباينة. وهذا قول المشَّائين، وهو الذي حكاه الأشعري عن أرسطاطاليس
(6)
. وزعموا أن تعلُّقها بالبدن لا بالحلول فيه
(1)
كذا نقل الأشعري قول جعفر بن حرب هذا دون تعقيب، مع أنه قبل قليل ذكر قوله بأنه لا يدري عن الروح أجوهر هو أم عرض!
(2)
ما عدا الأصل: «وهو» .
(3)
هذه الفقرة وجزء من الفقرة الآتية منقولة من كتاب الفصل لابن حزم (3/ 214).
(4)
بعده في الفصل: «وأنها هي الفعالة المدبرة، وهي الإنسان. وهو قول بعض الأوائل، وبه يقول معمَّر بن عمرو العطار أحد شيوخ المعتزلة.
(5)
هذه قراءة (غ)، والأصل غير منقوط. وفي غيرهما:«مجانبة» .
(6)
(ب، ط): «أرطاطاليس» .
ولا بالمجاورة ولا بالمساكنة ولا بالاتصال بالمقابلة؛ وإنما هي بالتدبير له فقط.
واختار هذا المذهب البُوشَنْجي
(1)
، ومحمد بن النعمان الملقب بالمفيد
(2)
، ومُعمَّر بن عبَّاد
(3)
، والغزالي. وهو قول ابن سينا وأتباعه. وهو أردأ المذاهب وأبطلُها، وأبعدُها من الصواب
(4)
.
قال أبو محمد بن حزم
(5)
: وذهب سائر أهل الإسلام والملل المقِرَّة بالمعاد
(6)
إلى أن النفس جسمٌ طويل عريض عميق، ذات مكان، حيَّة
(7)
مميِّزة مصرِّفة للجسد. قال: وبهذا نقول. قال: والنفس والروح اسمان
(1)
(ب، ط، ج): «أبو يحيى» ، والظاهر أنه تحريف. ولعل المقصود بالمذكور هنا أبو الحسن علي بن أحمد البوشنجي الصوفي (ت 348) من مشايخ خراسان. ترجمته في طبقات السلمي (458).
(2)
البغدادي (ت 413). ويُعرف أيضًا بابن المعلم. من كبار علماء الشيعة. سير أعلام النبلاء (33/ 333).
(3)
السُّلَمي البصري (ت 215) من رؤوس المعتزلة. الفهرست (207)، طبقات المعتزلة (54).
(4)
قال الآلوسي: «وهو قول أكثر الإلهيين من الفلاسفة، وذهب إليه جماعة عظيمة من المسلمين» . وذكر منهم الراغب والغزالي ومحمد بن عباد والمفيد، ثم قال:«ومن الكرامية جماعة، ومن أهل المكاشفة والرياضة أكثرهم» . روح المعاني (8/ 148). وهو صادر في ذلك عن تفسير الرازي (21/ 46). وانظر نحوه في المواقف (2/ 670) وكشاف التهانوي (3/ 1401).
(5)
في الفصَل (3/ 214).
(6)
(ن): «بالبعث» .
(7)
في الأصل: «جثة» . وفي كتاب الفصل مكانه: «عاقلة» .
مترادفان بمعنى واحد، ومعناهما واحد.
وقد ضبط أبو عبد الله بن الخطيب
(1)
مذاهب الناس في النفس، فقال
(2)
: «ما يشير إليه كلُّ إنسان بقوله: (أنا) إما أن يكون جسمًا، أو عرَضًا ساريًا في الجسم، أو لا جسمًا ولا عرَضًا ساريًا فيه.
أما [116 ب] القسم الأول، وهو أنه جسم، فذلك الجسم إما أن يكون هو هذا البدنَ، وإما أن يكون جسمًا مشاركًا لهذا
(3)
البدن، وإما أن يكون خارجًا عنه.
وأما القسم الثالث
(4)
، وهو أن نفس الإنسان عبارة عن جسم خارجَ هذا
(5)
البدن، فهذا لم يقُلْه أحد.
وأما القسم الأول، وهو أن الإنسان عبارةٌ عن هذا البدنِ والهيكلِ المخصوص، فهو قول جمهور الخلق، وهو المختار عند أكثر المتكلمين»
(6)
.
(1)
زاد في (ن): «الفخر الرازي» .
(2)
لم يصرّح المصنف بمصدره، ولم يرجع إلى تفسير الرازي ولا إلى كتابه في الروح والنفس. وانظر تقسيمًا شبيهًا بهذا في التفسير (21/ 40) تحت قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} .
(3)
الأصل: «هذا» .
(4)
(ق): «الثاني» . (ن): «الأول» .
(5)
(ط): «عن هذا» .
(6)
وقال في التفسير (21/ 41): «أما القائلون بأن الإنسان عبارة عن هذه البنية المحسوسة وعن هذا الجسم المحسوس فهم جمهور المتكلمين
…
واعلم أن هذا القول عندنا باطل» وقد أبطله بسبع عشرة حجة نقلية وعقلية.
وفي التفسير (17/ 202) أيضًا قال: «إن هذا القول أبعد الأقاويل» . وكذلك قال في كتابه «النفس والروح» (27): «اعلم أن الذي يشير إليه كل أحد بقوله: أنا جئت
…
شيء غير هذه البنية الظاهرة المحسوسة، ويدل عليه المعقول والمنقول». ثم ساق ست عشرة حجة عقلية ونقلية.
قلت: هو قول جمهور الخلق الذين عرفَ الرازي أقوالَهم من أهل البدع وغيرهم من المضلِّين
(1)
، وأما أقوال الصحابة والتابعين وأهلِ الحديث فلم يكن له بها شعورٌ البتَّةَ، ولا اعتقد أن لهم في ذلك قولاً، على عادته في حكاية المذاهب الباطلة في المسألة. والمذهبُ الحقُّ الذي دلَّ عليه القرآن والسنة وأقوال الصحابة لم يعرفه ولم يذكره
(2)
. وهذا الذي نسبه إلى جمهور الخلق، من أن الإنسان هو هذا البدنُ المخصوص فقط وليس وراءه شيء، هو من أبطل الأقوال في المسألة، بل هو أبطَلُ من قول ابن سينا وأتباعه. بل الذي عليه جمهور العقلاء أن الإنسان هو البدن والروح معًا. وقد يُطلق اسمه على أحدهما دون الآخر بقرينة
(3)
.
(1)
(ب، ط، ج): «المتكلمين» .
(2)
سيورد المصنف بعد تعقيبه هذا بقية كلام الرازي. وقد ذكر فيه أقوال القائلين بأن الإنسان عبارة عن جسم مخصوص موجود في داخل هذا البدن. والقول السادس منها أنه جسم نوراني علوي إلخ. وقال المصنف عنه: إنه هو الصواب في المسألة، وعليه دلَّ الكتاب والسُّنَّة وإجماعة الصحابة إلخ. فكيف يصحّ قوله هنا: إنّ الرازي لم يعرف المذهب الحق ولم يذكره؟
(3)
يقول الرازي في كتاب النفس والروح (50): «النفس قد يراد بها المعنى المشار إليه بقوله (أنا)، وقد يراد بها الجثة المحسوسة والهيكل المشاهد» .
فالناس
(1)
لهم أربعة أقوال في مسمى الإنسان: هل هو الروح فقط، أو البدن فقط، أو مجموعهما، أو كل واحد منهما؟ وهذه الأقوال الأربعة لهم في كلامه: هل هو اللفظ فقط، أو المعنى فقط، أو مجموعهما، أو كل واحد منهما
(2)
؟ فالخلاف بينهم في الناطق ونطقه.
قال الرازي: «وأما القسم الثاني وهو أن الإنسان عبارةٌ عن جسم مخصوص موجود في داخل هذا البدن، فالقائلون بهذا القول اختلفوا في تعيين ذلك الجسم على وجوه:
الأول: أنه عبارة عن الأخلاط [117 أ] الأربعة التي منها يتولد
(3)
هذا البدن.
والثاني: أنه الدم.
والثالث: أنه الروح اللطيفُ الذي يتولَّد في الجانب الأيسر من القلب، وينفذ في الشَّرْيانات إلى سائر الأعضاء.
والقول الرابع: أنه الروح الذي يصعد في القلب
(4)
إلى الدماغ ويتكيف بالكيفية الصالحة لقبول قوة الحفظ والفكر والذكر.
والخامس: أنه جزء لا يتجزأ في القلب.
والسادس: أنه جسم مخالف
(5)
بالماهية لهذا الجسم المحسوس،
(1)
(ب، ط): «والناس» .
(2)
ما عدا (أ، ق، غ): «كل منهما» .
(3)
ما عدا (أ، ق): «يتولد منها» . وقد سقط «منها» من (غ).
(4)
(ن): «من القلب» .
(5)
(ب، ط، ج): «يخالف» .
وهو جسم نُوراني عُلْوِيٌّ خفيف حيٌّ متحرك
(1)
ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سَرَيان الماء في الورد، وسريان الدُّهْن في الزيتون، والنارِ في الفحم. فما دامت هذه الأعضاء صالحةً لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكًا
(2)
لهذه الأعضاء، وأفادَها هذه الآثارَ من الحسِّ والحركة الإرادية
(3)
. وإذا فسدتْ هذه الأعضاء
(4)
بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارق الروحُ البدنَ، وانفصل إلى عالم الأرواح».
وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصحُّ غيره، وكلُّ الأقوال سواه باطلةٌ، وعليه دلَّ الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة. ونحن نسوق الأدلة عليه على نسَق واحد:
الدليل الأول: قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42].
ففي الآية ثلاثة أدلة: الإخبارُ بتوفِّيها، وإمساكها، وإرسالها.
الرابع: قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ
(1)
الأصل: «متحول» .
(2)
(غ): «متشابكًا، ورسمها في الأصل محتمل لهذه القراءة. وفي (ب، ط، ج): «تشابها» ، تصحيف.
(3)
(غ): «الحركة والإرادة» .
(4)
«وأفادها
…
الأعضاء» ساقط من الأصل.
بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} إلى قوله:
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 93 ــ 94].
وفيها أربعة
(1)
أدلَّة:
أحدها
(2)
: بسطُ الملائكة أيديَهم لتناولها.
الثاني: وصفُها بالإخراج والخروج.
الثالث: الإخبار عن عذابها ذلك اليوم.
الرابع: الإخبار عن مجيئها إلى ربها.
فهذه سبعة أدلة.
الثامن: قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} إلى قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 60 ــ 61].
وفيها ثلاثة أدلة:
أحدها: الإخبار بتوفِّي الأنفس بالليل.
الثاني: بعثها إلى أجسادها بالنهار.
الثالث: تَوفِّي الملائكة له عند الموت.
(1)
«أربعة» ساقط من الأصل.
(2)
(ن): «الأول» هنا وفي معظم الأدلة الآتية مكان «أحدها» . وفيما بعده كتب رقم (2) مكان «الثاني» إلى آخره. وكذا فعل في الدليل الثامن. واختصر الآيات كعادته.
فهذه عشرة أدلَّة.
الحادي عشر: قوله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30]. وفيها ثلاثة أدلة:
أحدها: وصفها بالرجوع.
والثاني: وصفها بالدخول.
والثالث: وصفها بالرِّضا.
واختلف السلف: هل يقال لها ذلك عند الموت، أو عند البعث، أو في الموضعين؟ على ثلاثة أقوال
(1)
. وقد روي في حديث مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق: «أمَا، إنَّ الملَكَ سيقولها لك
(2)
عند الموت»
(3)
.
وقال زيد بن أسلم: بُشِّرت بالجنة عند الموت، ويوم الجمع، وعند
(1)
انظر ما سبق من الكلام على الآية في المسائل الثانية والخامسة والثامنة والرابعة عشرة.
(2)
(ق): «ذلك» ، خطأ.
(3)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 396)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 283 ــ 284) من طريق يحيى بن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير قال: قُرئت: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27 ــ 28] عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: إن هذا لحسن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره). وفيه انقطاع، فإن سعيد بن جبير لم يدرك أبا بكر، وأشعث هو ابن إسحاق القمِّي، وشيخه جعفر هو ابن أبي المغيرة الخزاعي القمِّي.
وجاء موصولاً من وجه آخر، أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (74). وفي إسناده سويد بن عبد العزيد الدمشقي وهو ضعيف. (قالمي).
البعث
(1)
.
وقال أبو صالح: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)} هذا عند الموت. {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} قال: هذا يومَ القيامة
(2)
.
فهذه أربعة عشر دليلًا
(3)
.
الخامس عشر: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الروح إذا قُبِضَ تبعه البصَرُ»
(4)
. ففيه دليلان: أحدهما: وصفه بأنه يُقبض. الثاني: أن البصر يراه.
والسابع عشر
(5)
: ما رواه النسائي
(6)
: حدثنا أبو داود، عن عفان، عن حماد عن أبي جعفر، عن عُمارة بن خزيمة، أن أباه قال: رأيت في المنام كأني [118 أ] أسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره
(7)
بذلك، فقال: «إن الروح
(1)
أخرجه الطبري في التفسير (24/ 396).
(2)
المصدر السابق.
(3)
كذا في جميع النسخ. وهو غير صحيح، فإنها ثلاثة عشر دليلاً. وقد عدّ من قبل عشرة، وهذه ثلاثة، وستأتي أخطاء أخرى في العدّ ننبِّه عليها دون تغيير الترقيم.
(4)
أخرجه مسلم (920) من حديث أم سلمة.
(5)
لم ترد الواو فيما عدا (أ، ق، غ).
(6)
في الكبرى (7631). وإسناده صحيح؛ رجاله كلهم ثقات، أبو داود هو سليمان بن سيف الحرّاني، وعفّان هو ابن مسلم الصفّار، وحماد هو ابن سلمة، وأبو جعفر هو عُمير بن يزيد الخطميّ، وأبو عُمارة هو الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين.
ومن طريق حماد أخرجه الإمام أحمد (21864، 21878)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 380)، وابن أبي شيبة (30515)، والطبراني (3717). وانظر: السلسلة الصحيحة (3262). (قالمي).
(7)
(ق، غ): «فأخبر» . (ب، ط، ج، ن): «فأخبرته» . والمثبت من الأصل موافق لما في السنن.
ليلقَى الروح»، فأقنَعَ
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا ــ قال عفان برأسه إلى خلفه ــ فوضع جبهته على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم.
فأخبرَ أن الأرواح تتلاقى في المنام.
وقد تقدَّم قول ابن عباس
(2)
: تلتقي أرواح الأحياء والأموات
(3)
في المنام، فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى.
الثامن عشر: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بلال: «إنَّ الله قبض أرواحكم وردَّها إليكم حين شاء»
(4)
. ففيه دليلان: وصفُها بالقبض، والرَّدِّ.
العشرون: قوله صلى الله عليه وسلم: «نَسَمة المؤمن طائرٌ يعلقُ في شجر الجنة»
(5)
. وفيه دليلان:
أحدهما: كونُه
(6)
طائرًا.
الثاني: تعلُّقها في شجر الجنة
(7)
، وأكلُها، على اختلاف التفسيرين
(8)
.
(1)
أقنع رأسه: رفعه.
(2)
في (ن): «حديث النبي صلى الله عليه وسلم» ، وهو خطأ. وقد تقدم في أول المسألة الثالثة.
(3)
(ن): «وأرواح الموتى» .
(4)
تقدم في المسألة السابعة عشرة (ص 433).
(5)
تقدَّم تخريجه (ص 111).
(6)
(ب، ط، ج): «كونها» .
(7)
«كونه
…
الجنة» ساقط من الأصل.
(8)
لم يذكر المصنف فيما سبق إلا معنى الأكل. وقد فرَّق ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 90) بين الروايتين في المعنى. ففسّر «يعلَق» بفتح اللام بمعنى يسرَح، و «يعلُق» بضم اللام بمعنى تأكل وترعى.
أما معنى التعلق بالشجر فذكره صاحب مرقاة المفاتيح (4/ 99) عن الطيبي.
الثاني والعشرون: قوله: «أرواحُ الشهداء في حواصل طير خُضْرٍ تسرَح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديلَ معلَّقةٍ بالعرش، فاطَّلع إليهم ربُّك اطِّلاعةً فقال: أيَّ شيء تريدون؟ .. » الحديث، وقد تقدم
(1)
. وفيه ستة أدلة:
أحدها: كونُها مودَعةً في جوف طير.
الثاني: أنها تسرح في الجنة.
الثالث: أنها تأكل من ثمارها، وتشرب من أنهارها.
الرابع: أنها تأوي إلى تلك القناديل أي: تسكن إليها.
الخامس: أنَّ الربَّ تعالى خاطبها واستنطقها، فأجابته وخاطبته.
السادس: أنها طلبت الرجوعَ إلى الدنيا. فعُلِم أنها مما يقبلُ الرجوع.
فإن قيل: هذا كلُّه صفة الطير لا صفةُ الروح. قيل: بل الروحُ
(2)
المودَعةُ في جوف الطير قصدًا
(3)
. وعلى الرواية التي رجَّحها أبو عمر
(4)
، وهي قوله:«أرواح الشهداء كطير» ينتفي السؤال بالكلية.
التاسع والعشرون
(5)
: قوله في حديث طلحة بن عبيد الله
(6)
: أردتُ
(1)
في المسألة الخامسة (ص 112) ثم الرابعة عشرة (ص 292).
(2)
(ب، ط، ج): «بل هو الروح» . (ن): «بل هو للروح» . ولعل الصواب: «بل للروح» .
(3)
كذا في جميع النسخ.
(4)
في الاستذكار (3/ 76) وقد تقدم نقل كلامه في المسألة الخامسة عشرة.
(5)
كذا في جميع النسخ. وصوابه: «الثامن والعشرون» ولكن قد سبق أن زاد في العدّ، فالعدد الحقيقي: السابع والعشرون.
(6)
سبق تخريجه في المسألة الخامسة عشرة (ص 307).
مالي بالغابة، فأدركني الليل، فأويت إلى قبر عبد الله بن عمرو بن حرام [118 ب]، فسمعت قراءةً من القبر ما سمعتُ أحسنَ منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك عبد الله، ألم تعلم أنَّ الله قبض أرواحهم، فجعلها في قناديلَ من زَبَرْجَد وياقوت، ثم علَّقها وسط الجنة، فإذا كان الليل رُدَّت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك حتى إذا طلع الفجر رُدَّت أرواحهم إلى مكانها الذي
(1)
كانت فيه». ففيه
(2)
أربعة أدلة سوى ما تقدم:
أحدها: جعلُها في القناديل.
الثاني: انتقالها من حيِّز إلى حيِّز
(3)
.
الثالث: تكلُّمها وقراءتها في القبر
(4)
.
الرابع: وصفها بأنها في مكان.
الثالث والثلاثون: حديث البراء بن عازب، وقد تقدَّم سياقُه
(5)
. وفيه عشرون دليلاً:
أحدها: قول ملَك الموت لنفسه: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27]. وهذا خطاب لمن يعقل ويفهم
(6)
.
(1)
في جميع النسخ: «التي» .
(2)
كذا في (ط، ن). وفي الأصل: «كانت فيه» . وفي (ق): «كانت وفيه» . وفي غيرها: «كانت ففيه» .
(3)
كلمة «حيِّز» تصحف في (ق) إلى «حين» وفي (ب) إلى «خير» .
(4)
(ن): «القبور» .
(5)
في أول المسألة السادسة.
(6)
هكذا في جميع النسخ الخطية، ولكن في النسخ المطبوعة:«الخطاب لمن يفهم ويعقل» .
الثاني: قوله: «اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان» .
الثالث: قوله: «فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِي السِّقاء» .
الرابع: قوله: «فلا يدَعونها في يده طَرْفَة عين حتى يأخذوها منه» .
الخامس: قوله: «حتى يكفنوها في ذلك الكفن ويحنطوها
(1)
بذلك الحنوط». فأخبر أنَّها تُكفَّن وتحنَّط.
السادس: قوله: «ثم يُصعَد بروحه إلى السماء» .
السابع: قوله: «ويوجد منها كأطيب نفحةِ مسكٍ وجدت» .
الثامن: قوله: «فتُفتَح له أبوابُ السماء» .
التاسع: قوله: «ويشيِّعه من كلِّ سماء مقرَّبوها حتى ينتهي إلى الرب تعالى» .
العاشر: قوله: «فيقول تعالى: رُدُّوا عبدي إلى الأرض» .
الحادي عشر: قوله: «فتُرَدُّ روحُه في جسده» .
الثاني عشر: قوله في روح الكافر: «فتَفرَّقُ
(2)
في جسده، فيجذِبها، فتنقطع منها العروق والعصب».
الثالث عشر: قوله
(3)
(1)
ما عدا (أ، ق): «يكفنونها
…
ويحنطونها».
(2)
السياق في (ط، ب، ج): «قوله: روح الكافر تتفرق» .
(3)
«في روح
…
قوله» ساقط من الأصل.
الرابع عشر: قوله: «فيُقذَف بروحه من السماء، وتُطْرَح طرحًا فتهوي إلى الأرض»
(1)
.
الخامس عشر: قوله: «فلا يمرُّون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا [119 أ]: ما هذا الروح الطيب؟ وما هذا الروح الخبيث؟» .
السادس عشر: قوله: «فيُجلِسانه ويقولان له
(2)
: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟» فإن كان هذا للروح فظاهرٌ
(3)
، وإن كان للبدن فهو بعد رجوع الروح إليه من السماء.
السابع عشر: قوله: «فإذا صعد بروحه، قيل: أَيْ ربِّ، عبدُك فلان» .
الثامن عشر: قوله: «أرجِعوه، فأرُوه ماذا أعددتُ له من الكرامة، فيرى مقعده من الجنة أو النار» .
التاسع عشر: قوله في الحديث: «إذا خرجت روح المؤمن صلَّى عليها كلُّ ملَكٍ لله بين السماء والأرض» . فالملائكةُ تصلِّي على روحه، وبنو آدم يصلُّون على جسده.
العشرون: قوله: «فينظرُ إلى مقعده من النار حتى تقومَ الساعة» . والبدنُ قد تمزَّق وتلاشى، وإنما الذي يرى المقعدَين الروحُ.
(1)
(ب، ط، ج): «في الأرض» .
(2)
«له» ساقط من (ب، ط).
(3)
«فظاهر» ساقط من الأصل.
فصل
الرابع والخمسون
(1)
: حديث أبي موسى
(2)
: «تخرج نفسُ المؤمن أطيبَ من ريح المسك، فتنطلق بها الملائكة الذين يتوفَّونه، فتلقاهم
(3)
ملائكةٌ من دون السماء، فيقولون: هذا فلان بن فلان، كان يعمل كيتَ وكيتَ ــ لمحاسن
(4)
عمله ــ فيقولون: مرحبًا بكم وبه، فيقبضونها منهم، فيُصعَد به من الباب الذي كان يَصعدُ منه عملُه، فيشرق
(5)
في السموات وهو
(6)
برهان كبرهان الشمس، حتى ينتهى بها إلى العرش. وأما الكافر فإذا قُبِض انطُلِق بروحه، فيقولون: من هذا؟ فيقولون: فلان بن فلان، كان يعمل كيتَ وكيت ــ لمساوي عمله ــ فيقولون: لا مرحبًا لا مرحبًا، رُدُّوه. فيُرَدُّ إلى أسفلِ الأرض إلى الثرى». ففيه عشرة أدلة:
أحدها: خروجُ نفسه.
الثاني: طيب ريحها.
الثالث: انطلاقُ الملائكة بها.
الرابع: تحيةُ الملائكة لها.
(1)
كذا في جميع النسخ، وصوابه: الثالث والخمسون، والعدد الحقيقي: الحادي والخمسون، فإنه سها، فزاد من قبل مرتين.
(2)
سبق تخريجه في المسألة الخامسة عشرة (ص 317).
(3)
(غ): «فتتلقاهم» .
(4)
في جميع النسخ: «بمحاسن» بالباء. وفيما بعد «لمساوي» باللام في معظم النسخ!
(5)
(ق): «فتشرق» . وفي (ط): «فيسير» ، تحريف.
(6)
(غ): «ولها» . وفي (ط) حاشية: «لعله: وله» . وقد سقط «برهان» بعده من (ق).
الخامس: قبضُهم لها.
السادس: صعودُهم بها.
السابع: إشراقُ السماوات لضوئها.
الثامن
(1)
: انتهاؤها إلى العرش.
التاسع: قول الملائكة: من [119 ب] هذا؟ وهذا سؤال عن عينٍ وذاتٍ
(2)
قائمةٍ بنفسها.
العاشر: قوله: رُدُّوه، فيُرَدُّ إلى أسفل الأرضين.
فصل
الرابع والستون: حديث أبي هريرة
(3)
أحدها: قوله: تلقَّاه ملكان.
الثاني: قوله: «فيُصعدانه إلى السماء» .
الثالث: قول الملائكة: «روح طيبة جاءت من قِبَل الأرض» .
(1)
في الأصل: «السابع» ، وهو سهو.
(2)
(ج): «عن ذات» . (ب، ط): «عن ذوات» .
(3)
أخرجه مسلم (2872).
الرابع: صلاتهم عليها.
الخامس: طيبُ ريحها.
السادس: الصعودُ بها إلى الله عز وجل.
فصل
الحادي والسبعون: حديث أبي هريرة
(1)
: «إن المؤمن تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدةً، وأبشري برَوح وريحان وربٍّ غيرِ غضبان. فما يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، فيُعرَج بها حتى يُنتهَى بها
(2)
إلى السماء، فيُستفتح لها. فيقال: مَن هذا؟ فيقال: فلان بن فلان. فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب! ادخلي حميدةً، وأبشري برَوح وريحان وربٍّ غيرِ غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتى يُنتهَى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل.
وإذا كان الرجل السوء قالوا
(3)
: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق وآخرَ من شكله أزواج! فلا يزال يقالُ لها ذلك حتى تخرج، فيُنتهَى بها إلى السماء، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان بن فلان. فيقال: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في
(1)
سبق تخريجه في المسألة السادسة (ص 139)، ولفظه هنا منقول من كتاب عذاب القبر للبيهقي (23).
(2)
«حتى ينتهى بها» ساقط من (ب).
(3)
(ب، ط، ج): «قال» .
الجسد [120 أ] الخبيث! ارجعي
(1)
ذميمةً، فإنه لا تُفتَح لك أبواب السماء. فتُرسَل إلى الأرض، ثم تصير إلى القبر».
وهو حديث صحيح، وفيه عشرة أدلة:
الأول: قوله: «كانت في الجسد الطيب» و «كانت في الجسد الخبيث» . فهاهنا حالٌّ، ومحلٌّ.
الثاني: قوله
(2)
: «اخرجي حميدة» .
الثالث: قوله: «وأبشري بروح وريحان»
(3)
فهذا بشارة
(4)
بما تصير إليه بعد خروجها.
الرابع: قوله: «فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتَهى بها إلى السماء»
(5)
.
الخامس: قوله: «فيستفتَح لها» .
السادس: قوله: «ادخلي حميدة» .
السابع: قوله: «حتى ينتهَى بها إلى السماء التي فيها الله» .
الثامن: قوله لنفس الفاجر
(6)
: «ارجعي ذميمة» .
(1)
في الأصل: «اخرجي» ، وهو سهو. وسيأتي في تفصيل الأدلَّة على الصواب.
(2)
حذف ناسخ (ن)«قوله» هنا وفيما يأتي من الأدلة.
(3)
في (ط، ب) نقل قوله إلى «فيعرج بها إلى السماء» وهو من تصرّف النسَّاخ، فإن هذه العبارة جاءت في «الرابع» .
(4)
في الأصل: «إشارة» ، سهو. وفي (ن):«فهذه بشارة» .
(5)
(ط): «السماء الدنيا» . وفي (ب، ج): «حتى تنتهي إلى سماء الدنيا» .
(6)
(ب، ط): «للنفس الفاجرة» .
التاسع: قوله: «فإنه لا تُفتَح لكِ أبواب السماء» .
العاشر: قوله: «فتُرسَل إلى الأرض ثم تصير إلى القبر» .
فصل
الحادي والثمانون: قوله صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»
(1)
. فوصَفَها بأنها جنود مجنَّدة
(2)
، والجنود ذواتٌ قائمة بنفسها
(3)
. ووصَفَها بالتعارف والتناكر، ومُحالٌ أن تكون هذه الجنود أعراضًا، أو تكون لا داخل العالم ولا خارجه، ولا بعضَ لها ولا كلَّ.
الثاني والثمانون: قوله في حديث ابن مسعود وعلي
(4)
: «الأرواح تتلاقى وتتشامُّ كما تَشَامُّ الخيلُ» . وقد تقدَّم
(5)
.
الثالث والثمانون: قوله في حديث عبد الله بن عمرو: «إنَّ أرواح المؤمنين لتتلاقى على مسيرة يومين، وما رأى أحدهما صاحبه»
(6)
.
(1)
سبق تخريجه (ص 277).
(2)
«مجندة» ساقط من (ب، ط، ج).
(3)
(ب، ط، ج): «بأنفسها» .
(4)
في النسخ المطبوعة التي بين يدي: «ابن مسعود رضي الله عنه: على الأرواح .... » . مع أن في جميع النسخ الخطية: «وعلي» بالواو. ولكن ظنُّوها حرف جرٍّ ــ وخاصة لأن بعض النسَّاخ زاد كلمة الترضي بعد ابن مسعود وحده، مثل ناسخ (ط) ــ فحذفوا الواو لإصلاح النص، دون تنبيه على ما في النسخ الخطية.
(5)
انظر حديث علي وحديث ابن مسعود ــ وهو موقوف ــ كليهما في المسألة الثالثة.
(6)
سبق في (ص 312) موقوفًا، وقد أشار هناك إلى أنه يروى مرفوعًا أيضًا.
الرابع والثمانون: الآثار التي ذكرناها في خلق آدم
(1)
، وأنَّ الروح لما دخل في رأسه عَطَس
(2)
فقال: الحمد لله، فلما وصل
(3)
إلى عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما وصل إلى جَوفه اشتهى الطعام، فوثب [120 ب] قبل أن يبلغ الروح رجليه، وأنها دخلت كارهةً وتخرج كارهة.
الخامس والثمانون: الآثار التي فيها إخراج الرب تعالى النَّسَم، وتمييزُ شقيِّهم من سعيدهم، وتفاوتُهم حينئذ في الإشراق والظلمة، وأرواحُ الأنبياء فيهم مثل السُّرُج. وقد تقدمت
(4)
.
السادس والثمانون: حديث تميم الدَّاريِّ أن روح المؤمن إذا صُعد بها إلى الله تعالى خرَّ ساجدًا بين يديه، وأن الملائكة تتلقَّى الروح بالبشرى، وأن الله تعالى يقول لملك الموت: انطلِقْ بروح عبدي، فضعه في مكان كذا وكذا
(5)
. وقد تقدَّم
(6)
.
السابع والثمانون: الآثار التي ذكرناها في مستقَرِّ الأرواح بعد الموت، واختلاف الناس في ذلك. وفي ضمن ذلك الاختلاف إجماعُ السلف على أنَّ للروح مستقرًّا
(7)
بعد الموت، وإن اختُلِف في تعيينه
(8)
.
(1)
انظر: المسألة السابقة.
(2)
في (ن) بعده: «إلى آخره» ، فحذف بقية النص.
(3)
(ب، ط، ج): «دخل» . وأشار في حاشية (ط) إلى ما في غيرها.
(4)
انظر: المسألة السابقة.
(5)
«وأن الملائكة
…
كذا» حذفه ناسخ (ن).
(6)
انظر: المسألة الخامسة عشرة (ص 302).
(7)
(ن): «الروح تستقرّ» .
(8)
انظر: المسألة الخامسة عشرة.
الثامن والثمانون: ما قد عُلِم بالضرورة أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم جاء به وأخبر به الأمة: أنه تنبت أجسادُهم في القبور، فإذا نُفِخ في الصور رجعت كلُّ روح إلى جسدها، فدخلت فيه، فانشقَّت الأرض عنه، فقام من قبره.
وفي حديث الصور
(1)
: أن إسرافيل يدعو الأرواح، فتأتيه جميعًا
(1)
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (10 ــ مسند أبي هريرة)، وابن جرير الطبري في تفسيره (16/ 447)، والبيهقي في البعث والنشور (609) من طريق إسماعيل بن رافع المدني، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه، قال: «إن الله لما خلق السماوات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل
…
» الحديث بطوله. إلا أن ابن جرير اختصره ووقع عنده «عن يزيد بن أبي زياد» .
وفي إسناده اضطراب شديد واختلاف كثير على إسماعيل بن رافع، فروي عنه كما سبق.
وروي عنه، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة. أخرجه الطبراني في الأحاديث الطوال (36).
وروي عنه، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة. أخرجه أبو الشيخ في العظمة (387).
وروي عنه، عن محمد بن يزيد، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة. أخرجه أبو الشيخ في العظمة (386).
وروي عنه، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة. أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 132)، والبيهقي في البعث والنشور (609). غير أن ابن جرير قال:«عن يزيد بن زياد» قال: «والصواب: يزيد بن أبي زياد» .
وروي عنه، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة. أخرجه الطبري (18/ 134) مختصرًا. ومداره على إسماعيل بن رافع المدني القاصّ.
وساق الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 282 ــ 287) حديث الصور بطوله عن الطبراني في كتابه «الطوالات» ثم قال عقبه: «هذا حديث مشهور، وهو غريب جدًا، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة وفي بعض ألفاظه نكارة. تفرد به إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد اختلف فيه، فمنهم من وثقَّه، ومنهم من ضعَّفه، ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة، كأحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازي، وعمرو بن علي الفَلاس، ومنهم من قال فيه: هو متروك. وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء.
قلت: وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة، قد أفردتها في جزء على حدة. وأما سياقه، فغريب جدًا، ويقال: إنه جمعه من أحاديث كثيرة، وجعله سياقًا واحدًا، فأنكر عليه بسبب ذلك. وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: إنه رأى للوليد بن مسلم مصنفًا قد جمع فيه كل الشواهد لبعض مفردات هذا الحديث» اهـ. (قالمي).
ــ أرواحُ المسلمين نورٌ، والأخرى مظلمةٌ ــ فيجمعها جميعًا، فيعلِّقها في الصور، ثم ينفخ فيه، فيقول الربُّ جل جلاله: وعزَّتي، لَيرجِعَنَّ كلُّ روح إلى جسده. فتخرج الأرواح من الصُّور مثلَ النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض. فيأتي كلُّ روح إلى جسده، فيدخلُ. ويأمر الله الأرضَ، فتنشقُّ عنهم، فيخرجون سراعًا إلى ربهم يَنْسِلون، مُهطِعين
(1)
إلى الداعي، يسمعون المنادي من مكان
(2)
قريب، فإذا هم قيام ينظرون.
وهذا معلوم بالضرورة أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به، وأنَّ الله سبحانه لا ينشئُ لهم أرواحًا غيرَ أرواحهم التي كانت في الدنيا، بل هي الأرواح التي اكتسبت
الخيرَ والشرَّ، أنشأ أبدانَها نشأةً أخرى، ثم ردَّها إليها.
التاسع والثمانون: أن الروح والجسد يختصمان بين يدي الربِّ تعالى يوم القيامة. قال علي بن عبد العزيز: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن أبي سعد
(1)
البقَّال، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد، فيقول الروح: يا ربِّ إنما كنتُ روحًا منك، جعلْتَني في هذا الجسد، فلا ذنب لي. ويقول الجسد: يا ربِّ كنت جسدًا خلقتَني، ودخل فيَّ هذا الروحُ مثلَ النار، فبه كنتُ أقوم، وبه كنت أقعد، وبه أذهب، وبه أحيا
(2)
؛ لا ذنب لي.
قال: فيقال: أنا أقضي بينكما. أخبراني عن أعمى ومُقْعَدٍ دخلا حائطًا، فقال المقعد للأعمى: إني أرى ثمرًا، فلو كانت لي رجلان لتناولْتُ. فقال الأعمى: أنا أحملك على رقبتي. فحمله، فتناول من الثمر، فأكلا جميعًا، فعلى مَن الذنب؟ قالا: عليهما جميعًا، فقال: قضيتُما على أنفُسِكما
(3)
.
التسعون: الأحاديث والآثار الدالَّة على عذاب القبر ونعيمِه إلى يوم
(1)
(ب، ط، ق، ن): «أبي سعيد» ، تحريف. وهو سعيد بن المرزبان العبسي أبو سعد البقال الكوفي. انظر: تهذيب التهذيب (4/ 79).
(2)
كذا في جميع النسخ ما عدا (ن)، ولكن في النسخ المطبوعة «أجيء» مكان «أحيا» . أما ناسخ (ن) فحذف «وبه أحيا» وكتب «أذنب» مكان «أذهب» .
(3)
عزاه السيوطي في شرح الصدور (423) إلى ابن منده، ولفظه مختلف. ثم قال: «وأخرج الدارقطني في الأفراد من حديث أنس مرفوعًا نحوه
…
وله شاهد عن سلمان موقوفًا أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد». ذكر ابن الجوزي حديث أنس في الموضوعات (3/ 249) وقال: هذا حديث موضوع على رسول الله.
البعث. فمعلوم
(1)
أنَّ الجسد تلاشى واضمحلَّ، وأنَّ العذاب والنعيم المستمرَّيْن إلى يوم القيامة إنما هو على الروح.
الحادي والتسعون: إخبار الصادق المصدوق في الحديث الصحيح عن الشهداء أنهم لما سئلوا: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن تُردَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل فيك مرَّةً أخرى
(2)
. فهذا سؤال وجواب من ذاتٍ حيَّةٍ عالمةٍ ناطقةٍ تقبل الردَّ إلى الدنيا والدخول في أجساد خرجت منها. وهذه الأرواحُ سئلت وهي تسرح في الجنة، والأجسادُ قد مزَّقها البلى.
الثاني والتسعون: [121 ب] ما ثبت عن سلمان الفارسي وغيره من الصحابة: أن أرواح المؤمنين في برزخ تذهب حيث شاءت، وأرواحُ الكفار في سجِّين. وقد تقدَّم
(3)
.
الثالث والتسعون: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأرواح الناس عن يمين آدم ويسارِه ليلةَ الإسراء
(4)
. فرآها متحيِّزةً بمكان معين.
الرابع والتسعون: رؤيته
(5)
أرواحَ الأنبياء في السماوات، وسلامهم عليه، وترحيبهم به؛ كما أخبر به
(6)
. وأما أبدانهم، ففي الأرض.
(1)
(ب، ط، ج): «ومعلوم» .
(2)
تقدَّم في المسألة الخامسة (ص 112).
(3)
انظر: المسألة الخامسة عشرة (ص 276).
(4)
سبق في المسألة السادسة (ص 121).
(5)
(أ، ق، غ): «رؤية» .
(6)
في حديث الإسراء السابق.
الخامس والتسعون: رؤيته
(1)
أرواحَ الأطفال حول إبراهيم الخليل
(2)
.
السادس والتسعون: رؤيتُه أرواحَ المعذَّبين في البرزخ بأنواع العذاب في حديث سمرة الذي رواه البخاري في صحيحه. وقد تلاشَتْ أجسادهم واضمحلَّت، وإنما كان الذي رآه أرواحَهم ونَسمَهم يُفعَل بها ذلك.
السابع والتسعون: إخباره سبحانه عن الذين قُتلوا في سبيله أنهم أحياءٌ عنده يرزقون، وأنهم فرحون مستبشرون بإخوانهم. وهذا للأرواح قطعًا، إذ الأبدانُ في التراب تنظر عَوْدَ أرواحها إليها يوم البعث.
الثامن والتسعون: ما تقدَّم من حديث ابن عباس. ونحن نسوقه ليتبيَّن كم فيه من دليل على بطلان قول الملاحدة وأهل البدع في الروح. وقد ذكرنا إسناده فيما تقدَّم
(3)
.
قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم قاعدٌ تلا هذه الآية: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} الآية [الأنعام: 93]، ثم قال: «والذي نفسُ محمد بيده، ما مِن نفسٍ تُفارق الدنيا حتى ترى مقعدَها من الجنة والنار. فإذا كان عند ذلك صُفَّ له سِماطان من الملائكة ينتظمان ما بين الخافقَين، كأنَّ وجوهَهم الشمسُ، فينظر
(4)
إليهم ما يرى غيرَهم
(5)
، مع كلِّ ملَكٍ منهم
(1)
ما عدا (ب، ط): «رؤية» .
(2)
انظر: حديث سمرة في المسألة الملحقة بالسادسة (ص 169 ــ 171). وهذا الدليل الخامس والتسعون ساقط من (ب، ج).
(3)
في المسألة السادسة (ص 142 ــ 144).
(4)
في جميع النسخ: «فيرى» . وأشير في حاشية (ط) إلى أن في نسخة ما أثبتنا. وهو الذي ورد من قبل في المسألة السادسة.
(5)
في النسخ المطبوعة زيادة: «وإن كنتم ترون أنه ينظر إليكم» . وهي جزء من الحديث، وقد وردت في المسألة السادسة، ولكن لم ترد هنا في شيء من النسخ الخطية التي بين أيدينا.
أكفان وحَنوط. فإن كان مؤمنًا بشَّروه بالجنة، وقالوا: اخرجي أيتها النفس المطمئنَّة إلى رضوان الله وجنته، فقد أعدَّ الله لكِ من الكرامة ما هو خيرٌ لك
(1)
من الدنيا [122 أ] وما فيها. فلا يزالون يبشرونه، فلَهُمْ ألطفُ به وأرأَفُ من الوالدة بولدها.
ثم يَسُلُّون روحه من تحت كل ظُفر ومَفصِل، ويموتُ الأول فالأول، ويبُور
(2)
كلُّ عضو الأولَ فالأول. ويهون عليه ما كنتم ترونه شديدًا، حتى تبلغَ ذقَنَه، فلهي أشدُّ كراهيةً للخروج من الجسد من الولد حين يخرج من الرحم. فيبتدرونها كلُّ ملك منهم أيُّهم يقبضها، فيتولَّى قبضَها ملَكُ الموت. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11]. فيتلقَّاها بأكفان بِيضٍ، ثم يحتضنُها إليه، فلهو أشدُّ لزومًا لها من المرأة لولدها.
ثم يفوحُ منها ريحٌ أطيب من المسك، فينشَقون ريحًا طيِّبًا، ويتباشرون بها، ويقولون: مرحبًا بالريح الطيِّبة والروح الطيِّب! اللهم صلِّ عليه روحًا، وصلِّ على جسد خرجت منه. قال: فيصعدون بها فتفوح لهم منها ريح أطيب من المسك، فيصلُّون عليها، ويتباشرون بها. وتُفتح لهم أبواب
(1)
«لك» ساقط من (ب، ط، ج).
(2)
أي يهلك، وفي (ب):«ينور» ، تصحيف. وفي (ط):«يبرُد» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
السماء، ويصلِّي عليها كلُّ ملك في كلِّ سماء تمرُّ بهم، حتى يُنتهَى بها
(1)
بين يدي الجبَّار جل جلاله، فيقول الجبَّار: مرحبًا بالنفس الطيبة! أدخِلوها الجنة، وأرُوها مقعدَها من الجنة، واعرضوا عليها ما أعددتُ لها من الكرامة والنعيم. ثم اذهبوا بها إلى الأرض، فإني قضيتُ أني منها خلقتُهم، وفيها أعيدهم، ومنها أُخرجهم تارةً أخرى. فوالذي نفسُ محمد بيده، لهي أشدُّ كراهيةً للخروج، منها حين كانت تخرج من الجسد
(2)
، وتقول: أين تذهبون
(3)
بي؟ إلى ذلك الجسد الذي كنتُ فيه؟ فيقولون: إنَّا مأمورون بهذا، فلا بدَّ لك منه. فيهبطون به على قدر فراغِهم من غَسْله وأكفانه، فيُدخِلون ذلك الروح بين الجسد وأكفانه».
فتأمَّلْ [122 ب] كم في الحديث من موضع يَشهد ببطلان قول المبطلين في الروح!
التاسع والتسعون: ما ذكره عبد الرزاق
(4)
، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن ابن البَيْلَماني
(5)
، عن عبد الله بن عمرو قال: إذا تُوفِّي المؤمن بُعِث إليه ملَكان برَيْحان من الجنة وخرقة تُقبَضُ فيها روحُه،
(1)
«بها» ساقط من (ق).
(2)
في الأصل: «الجنة» . وكذا في (غ). وهو تصحيف.
(3)
في الأصل: «أين تذهبوا» .
(4)
في المصنف (6702). وعزاه السيوطي في الدرّ المنثور (4/ 132) إلى هناد وعبد بن حميد والطبراني.
(5)
هذا في (غ)، وهو الصواب. وفي غيرها:«عبد الرحمن البيلماني» . وقد تصحف في (ب، ط، ن) إلى «السلماني» .
فتخرج كأطيب رائحةٍ وجَدَها أحدٌ قطُّ بأنفه، حتى يؤتى به
(1)
إلى الرحمنُ جل جلاله، فتسجد الملائكة قبله، ويسجد بعدهم. ثم يُدعى ميكائيلُ، فيقال: اذهب بهذه النفس، فاجعلها مع أنفُسِ المؤمنين حتى أسألك عنهم
(2)
يوم القيامة.
وقد تظاهرت الآثار عن الصحابة أن روحَ المؤمن تسجدُ بين يدي العرش في وفاة النوم ووفاة الموت
(3)
. وأما حين قدومِها على الله، فأحسنُ تحيتها أن تقول: اللهم أنت السلامُ، ومنك السلامُ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام
(4)
.
وحدَّثني القاضي نور الدين بن الصائغ
(5)
قال: كانت لي خالة، وكانت من الصالحات العابدات
(6)
. قال: عُدْتُها في مرض موتها، فقالت لي:
(1)
(ب، ط، ن): «بها» .
(2)
كذا في جميع النسخ والمصنَّف والدرّ المنثور. والضمير عائد إلى المؤمنين. وفي النسخ المطبوعة: «عنها» ولعله من تصرّف الناشرين.
(3)
في الأصل: «دون وفاة الموت» ! وقد تقدَّم أثر أبي الدرداء في المسألة الثالثة.
(4)
لعل المصنف يشير إلى حديث شجرة طوبى الذي أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (53) عن محمد بن علي بن الحسين مرفوعًا. وقد أورده المصنف في حادي الأرواح (2/ 581) وقال: لا يصح رفعه، وحسبه أن يكون من كلام محمد بن علي، فغلط فيه بعض هؤلاء الضعفاء، فجعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
زاد في (ب، ط): «رحمه الله» . وهو محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر (676 ــ 749) تولى قضاء القضاة بحلب سنة 744، وتوفي في طاعونها. أعيان العصر للصفدي (5/ 199)، والدرر الكامنة (4/ 226).
(6)
هي أسماء بنت الفخر إبراهيم (646 ــ 708) ترجم لها ابن حجر في الدرر (1/ 360).
الروحُ إذا قدِمت على الله ووقفتْ بين يديه، ما تكون تحيتُها وقولُها له؟ قال: فعظُمَتْ عليَّ مسألتُها، وفكرتُ فيها، ثم قلت: تقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. قال: فلما تُوفِّيتْ رأيتُها في المنام، فقالت لي: جزاك الله خيرًا، لقد دَهِشتُ، فما أدري ما أقوله
(1)
، ثم ذكرتُ تلك الكلمة التي قلتَ
(2)
لي، فقلتُها.
فصل
المائة: ما قد اشترك في العلم به عامَّةُ أهل الأرض من لقاء أرواح الموتى، وسؤالهم لهم، وإخبارهم إياهم بأمور خفِيتْ عليهم، فرأوها عيانًا. وهذا أكثرُ من أن يُتَكلَّف إيراده.
وأعجب من هذا:
الوجه الحادي والمائة: أنَّ روح النائم يحصل لها في المنام آثار، فيصبحُ يراها
(3)
على البدن عيانًا [123 أ] وهي من تأثير الروح في الروح
(4)
، كما ذكر القَيروانيُّ
(5)
في كتاب «البستان» عن بعض السلف. قال: كان لي جار يشتُم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان ذات يوم أكثَرَ من شتمهما،
(1)
(ب، ط، ج): «أقول» .
(2)
(ن): «قلتها» .
(3)
الأصل غير منقوط، والنسخ الأخرى مضطربة، ففي (ب، ط، ق): «فتصبح تراها» . وفي (ج): «فيصبح تراها» . وفي (ن): «فيصبح أثرها» . وبعدها في (ب، ط): «في البدن» .
(4)
(ن): «في البدن» .
(5)
انظر ما كتبنا عنه في المسألة الثالثة (ص 94).
فتناولتُه وتناولني. وانصرفت إلى منزلي، وأنا مغموم حزين، فنمتُ وتركتُ العَشاء. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسولَ الله، فلان يسُبُّ أصحابك. قال: مَن أصحابي
(1)
؟ قلت: أبو بكر وعمر، فقال: خذ هذه المُدية فاذبحه بها. فأخذتُها، فأضجعتُه، وذبحتُه
(2)
. ورأيتُ
(3)
كأنَّ يدي أصابها من دمه، فألقيتُ
(4)
المدية، وأهوَيْتُ بيدي إلى الأرض لأمسحها. فانتبهت، وأنا أسمع الصراخَ من نحو داره. فقلت: ما
(5)
هذا الصراخ
(6)
؟ قالوا: فلان مات فجأة. فلما أصبحنا
(7)
جئتُ، فنظرت إليه، فإذا خطٌّ موضعَ الذبح!
(8)
.
(1)
(ب، ط): «مَن مِن أصحابنا» . وكذا في المنامات، والمثبت موافق لما في فضائل الصحابة.
(2)
«وذبحته» ساقط من (ب، ط).
(3)
ما عدا (أ، ق، غ): «فرأيت» .
(4)
(ب، ط، ج): «وألقيت» .
(5)
(أ، غ): «وما» .
(6)
«من نحو
…
الصراخ» ساقط من (ب، ج)، و «فقلت
…
الصراخ» ساقط من (ن).
(7)
(ب، ط، ج): «أصبحت» .
(8)
أخرجه ابن أبي الدنيا في المنامات (219) مسندًا، وسمّى صاحب الحكاية، وهو رضوان السمَّان. وقد ورد هذا الخبر فيه ــ بلا فصل ــ قبل الخبر الآتي الذي نقله المصنف من المنامات .. فلا أدري لماذا أعرض عن هذا المصدر المسند المتقدم، ورجع إلى كتاب القيرواني العابر! وقد أخرجه أيضًا الإمام أحمد بسنده في فضائل الصحابة (394). ولم أجد ترجمة لرضوان السمَّان، ولا الراوي عنه محمد بن علي السمَّان.
وفي كتاب المنامات لابن أبي الدنيا
(1)
عن شيخ من قريش قال: رأيت رجلاً بالشام قد اسودَّ نصف وجهه، وهو يغطيه. فسألته عن ذلك؟ فقال: قد جعلتُ لله عليَّ أن لا يسألني أحد عن ذلك إلا أخبرتُه به. كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبينا أنا ذات ليلة نائمٌ إذ أتاني آتٍ في منامي، فقال لي: أنت صاحب الوقيعة فيَّ؟ وضَرب شِقَّ وجهي، فأصبحتُ، وشِقُّ وجهي
(2)
أسود، كما ترى.
وذكر مَسْعَدة
(3)
، عن هشام بن حسَّان، عن واصل مولى أبي عيينة
(4)
، عن موسى بن عبيدة، عن صفية بنت شَيْبة قالت: كنت عند عائشة رضي الله عنها، فأتتها امرأة متشمِّلة
(5)
على يدها، فجعلن
(6)
النساءُ يُولَعن بها، فقالت: ما أتيتُكِ
(7)
إلا من أجل يدي. إنَّ أبي كان رجلاً سمحًا، وإني رأيت في المنام حياضًا، عليها رجال معهم آنيةٌ، يسقُون مَن أتاهم؛ فرأيت أبي فقلت: أين أمي؟ فقال: انظري، [123 ب] فنظرتُ، فإذا أمي ليس عليها إلا قطعةُ خِرقة. فقال: إنها لم تتصدق قطُّ إلا بتلك الخرقة، وشحمةٍ من بقرة ذبحوها. فتلك الشحمة تُذابُ، وتضرب
(8)
بها، وهي تقول: واعطشاه! قالت:
(1)
برقم (220).
(2)
(ن): «موضع الضربة» .
(3)
في كتاب الرؤيا له، كما يظهر من إحالة المصنف عليه في خبر آخر سيأتي.
(4)
ما عدا (غ): «ابن عيينة» ، تحريف.
(5)
كذا في الأصل. وفي غيره: «مشتملة» وكلاهما بمعنى. وبعده في (ن، غ): «يديها» .
(6)
(ب، ج، ن): «فجعل» .
(7)
(ن): «ما يُولعن بي» .
(8)
هذا في الأصل، وفي (ق):«تطرف» ، وكتب فوقها:«كذا» . وفي (ب، ط، ج، ن): «تطوف» . وفي الجامع لمعمر: «وتلك الشحمة في يدها، وهي تضرب بها في يدها الأخرى» .
فأخذتُ إناءً من تلك الآنية، فسقيتها. فجاء جاءٍ، فقال
(1)
: مَن سقاها أيْبَسَ الله يده! فأصبحتْ يدي كما ترَين
(2)
.
وذكر الحارث بن أسد المحاسبي، وأصبَغ، وخلف بن القاسم، وجماعة؛ عن سعيد بن مَسْلَمة قال: بينما امرأة عند عائشة، إذ قالت: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أشرك بالله شيئًا، ولا أسرِقَ، ولا أزني، ولا أقتل ولدي، ولا آتي ببهتان أفتريه بين يديَّ ورجليَّ، ولا أعصي في معروف. فوفَيْتُ لربِّي، ووفَى لي ربِّي. فوالله، لا يعذِّبُني الله. فأتاها في المنام ملَك، فقال لها: كلَّا، إنك تتبرَّجين
(3)
، وزينتَك تُبدِين، وخيرَك تَكنُدين
(4)
، وجارَك تؤذين، وزوجَك تعصين. ثم وضع أصابعه الخمس على وجهها، وقال: خمس بخمس، ولو زدتِ زدناك! فأصبحَتْ، وأثرُ الأصابع في وجهها
(5)
.
(1)
كذا في (ب، ط، ج). وفي الأصل بعد «فجاء» بياض بقدر كلمتين. وفي (غ): «فجاء ملك فقال» . وفي (ن): «وإذا بقائل يقول» . ولم يترك ناسخ (ق) بياضًا ولكن كتب فوق «سقاها» : «كذا» . وفي النسخ المطبوعة: «فنوديتُ من فوقي» !
(2)
رواه معمر في الجامع قال: حدثني شيخ لنا أن امرأة جاءت إلى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث. مصنف عبد الرزاق (20768). وأخرجه من طريقه الحاكم في المستدرك (8455) والبيهقي في شعب الإيمان (3226)، وسياق معمر مختلف.
(3)
(ب، ط): «تَبَرَّجين» .
(4)
من كنَد النعمة: كفرها. وفي (ب، ج): «تكدِّرين» .
(5)
لم أقف على هذا الخبر. وقد أخرج الحاكم في المستدرك (8191) عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وابن أبي شيبة في المصنف (36662) عن أبي ثامر قصة لمتألِّية على الله، تشبه هذه القصة.
وقال عبد الرحمن
(1)
بن القاسم صاحب مالك: سمعت مالكًا يقول: إنَّ يعقوب بن عبد الله بن الأشجِّ كان من خيار هذه الأمة. نام في اليوم الذي استُشهد فيه، فقال لأصحابه: إني قد رأيت أمرًا، ولأُخبرنَّه. إنِّي رأيت كأني أُدخِلتُ الجنةَ، فسُقيتُ لبنًا. فاستقاءَ
(2)
فقاءَ اللبن. واستُشهِد بعد ذلك.
قال ابن القاسم: كان
(3)
في غزوة في البحر بموضع لا لبن فيه. وقد سمعتُ غيرَ مالك يذكره، ويذكر أنه معروف، فقال: إني رأيتُ كأني أُدخِلتُ الجنةَ، فسُقيتُ فيها لبنًا. فقال له
(4)
بعض القوم: أقسمتُ عليك لَمَا تقيَّأْتَ! فقاء لبنًا يَصْلِد، وما في السفينة لبنٌ ولا شاة
(5)
.
قال ابن قتيبة: قوله: يَصلِد أي يبرق. يقال: صلَد اللبنُ يَصلِد. ومنه حديث عمر: أنَّ [124 أ] الطبيب سقاه لبنًا، فخرج من الطعنة أبيضَ يَصلِد
(6)
.
وكان نافعٌ القارئ إذا تكلَّم يُشَمُّ من فيه رائحةُ المسك، فقيل له: كلما قعدتَ تتطيب؟ فقال: ما أمسُّ طيبًا، ولا أقرَبه، ولكن رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في
(1)
(ب، ط): «عبد الرحيم» ، وهو خطأ.
(2)
في الأصل زاد بعضهم مكان الهمزة قافًا، يعني:«فاستفاق» ، وكذا في (غ).
(3)
ما عدا (أ، غ): «وكان» .
(4)
في الأصل: «لي» . وكذا في (ب، ط، غ). وهو سهو.
(5)
الخبر أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 662)، ومن طريقه أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (8973) وابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 329). واللفظ الأخير الذي نقله ابن القاسم عن غير مالك ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث (1/ 623) من رواية عطاء بن يسار.
(6)
غريب الحديث (1/ 623).
المنام، وهو يقرأ
(1)
في فمي، فمن ذلك الوقت يُشمُّ من فِيَّ هذه الرائحة
(2)
.
وذكر مَسْعَدة في كتابه في «الرؤيا»
(3)
عن ربيع بن يزيد الرَّقَاشي
(4)
قال: أتاني رجلان، فقعدا إليَّ، فاغتابا رجلاً، فنهيتُهما. فأتاني أحدهما بعدُ
(5)
، فقال: إني رأيت في المنام كأن زنجيًّا أتاني بطبق عليه جَنبُ خنزير لم أرَ لحمًا قطُّ أسمنَ
(6)
منه، فقال لي: كل، فقلت: آكل لحم خنزير؟ فتهدَّدَني
(7)
، فأكلتُ، فأصبحت، وقد تغيَّر فمي، فلم يزل يجدُ الريح في فمه شهرين
(8)
.
وكان العلاء بن زياد
(9)
له وقتٌ يقوم فيه، فقال لأهله تلك الليلة: إني
(1)
(غ): «يتفل» . ونحوه في سير أعلام النبلاء.
(2)
انظر: طبقات القراء للذهبي (1/ 130) وسير أعلام النبلاء (7/ 337). وقال في الطبقات: «لا تثبت هذه الحكاية من جهة جهالة رواتها» .
(3)
لم أقف على خبر لهذا الكتاب ومؤلفه. وقد يكون مسعدة بن اليسع بن قيس الباهلي البصري.
(4)
يزيد بن أبان الرّقاشي البصري معروف. كان واعظًا بكّاءً صاحب عبادة. ولكن لم أجد ذكرًا لابنه ربيع. وأخشى أن يكون الصواب: «ربيع عن يزيد» ، فإن ربيع بن صَبيح ممن يروي عن الرقاشي. انظر: تهذيب التهذيب (3/ 246).
(5)
(ب، ط، ج): «بعد ذلك» .
(6)
(ط، ن): «قط لحمًا» . وبعده في (ط): «أحسن» .
(7)
في الأصل: «فتهداني» . وفي (ب، ط، ج): «فهدَّدني» .
(8)
أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت (182) والغيبة والنميمة (43) عن خالد الربعي، بسياق مختلف.
(9)
من زهاد التابعين. ذكره ابن كثير في وفيات سنة (78). وانظر: سير أعلام النبلاء (4/ 202).
أجد فَتْرةً، فإذا كان وقت كذا فأيقِظوني. فلم يفعلوا قال: فأتاني آتٍ في منامي فقال: قم يا علاءَ بن زياد، اللهُ يذكرُك
(1)
! وأخذ بشَعَرات في مقدَّم رأسي
(2)
. فقامت تلك الشعراتُ في مقدَّم رأسه، فلم تزل قائمةً حتى مات. قال يحيى بن بسطام: فلقد غسلناه يوم مات، وإنَّهنَّ لَقِيامٌ في رأسه
(3)
.
وذكر ابن أبي الدنيا
(4)
، عن أبي حاتم الرازي، عن محمد بن علي
(5)
قال: كنا بمكة في المسجد الحرام قعودًا، فقام رجلٌ نصفُ وجهه أسودُ ونصفُه أبيضُ، فقال: يا أيها الناس اعتبِروا بي، فإني كنت أتناول الشيخين وأشتمُهما، فبينا أنا ذاتَ ليلة نائم، إذ أتاني آتٍ، فرفع يده، فلطم وجهي، وقال لي: يا عدوَّ الله، يا فاسقُ، ألستَ تسُبُّ أبا بكر وعمر؟ فأصبحت، وأنا على هذه الحالة.
وقال محمد بن عبَّاد المُهَلَّبي
(6)
: رأيت في المنام كأني في رَحْبةِ بني
(1)
كذا في جميع النسخ. وفي الحلية: «اذكر الله يذكرك» وكذا في النسخ المطبوعة.
(2)
(ب، ط): «من مقدم رأسي» .
(3)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 244) عن هشام بن زياد أخي العلاء. وليس فيه قول يحيى بن بسطام.
(4)
في كتاب المنامات (292) والعقوبات (312).
(5)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة. وفي المنامات: «أحمد بن علي» ، وفي العقوبات:«أحمد بن عبد الأعلى» .
ثم سقط من نُسخ الروح اسم الراوي الأخير الذي شهد القصة، وهو: أبو رَوح رجل من الشيعة. وعنه حكى القصة ابن الجوزي في مناقب عمر (244).
(6)
أحد الأمراء الأجواد، حدَّث عن أبيه وغيره. قال الحربي: ولم يكن بصيرًا بالحديث، مات بالبصرة سنة 214. تاريخ بغداد (2/ 37).
فلان، وإذا النبي صلى الله عليه وسلم جالس على أكَمة، ومعه أبو بكر، وعمرُ واقف قدَّامَه [124 ب]. فقال له عمر: يا رسول الله، إنَّ هذا يشتمني ويشتم أبا بكر. فقال: جِئْ به يا أبا حفص. فأتَى برجل، فإذا هو العُمانيُّ، وكان مشهورًا بسبِّهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أضْجِعْه، فأضجَعَه. ثم قال: اذبحه، فذبحه. قال: فما نبَّهني إلا صياحُه
(1)
. فقلت: ما لي لا أخبره، عسى أن يتوب! فلما تقرَّبتُ من منزله سمعتُ بكاءً شديدًا، فقلتُ: ما هذا البكاء؟ فقالوا: العمانيُّ ذُبِح البارحةَ على سريره. قال: فدنوتُ من عنقه، فإذا من أذنه إلى أذنه طريقةٌ حمراءُ كالدم
(2)
المحصور.
وقال القيرواني
(3)
: أخبرني شيخ لنا من أهل الفضل قال: أخبرني أبو الحسن المطلبي إمام مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت بالمدينة عجبًا. كان رجل يسُبُّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فبينا نحن يومًا من الأيام بعد صلاة الصبح، إذ أقبل رجل
(4)
، وقد خرجت عيناه، وسالتا على خديه. فسألناه: ما قصَّتك؟ فقال: رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليٌّ بين يديه، ومعه أبو بكر وعمر؛ فقالا: يا رسول الله، هذا الذي يؤذينا ويسُبُّنا. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أمرك بهذا يا أبا قيس؟ فقلت له: عليٌّ، وأشرتُ إليه. فأقبل عليٌّ عليَّ بوجهه ويده، وقد ضمَّ أصابعَه، وبسَطَ السبَّابةَ والوسطى، وقصد بهما إلى عينيَّ، فقال لي: إن كنتَ كذبتَ،
(1)
(ب، ج): «صاحبه» ، تحريف.
(2)
في الأصل: «كالدوا» ، ولعله تحريف.
(3)
العابر صاحب كتاب البستان. ولم أجد الخبر في موضع آخر.
(4)
ما عدا (أ، ق، غ): «الرجل» .
ففقأ الله عينيك! وأدخل إصبعيه في عينيَّ
(1)
. فانتبهتُ
(2)
من نومي وأنا على هذه الحال. فكان يبكي. وأخبرَ
(3)
الناسَ، وأعلن بالتوبة.
قال القيرواني: وأخبرني شيخ من أهل الفضل قال: أخبرني فقيه قال: كان عندنا رجل يُكثِر الصومَ، ويسرُده، ولكنه كان يؤخِّر الفطر. فرأى في المنام كأنَّ أسودَينِ أخذا بضَبْعَيه وأتَيا به
(4)
إلى تنور مُحْمًى لِيُلقياه فيه. قال: فقلت لهما [125 أ]: على ماذا؟ فقالا: على خلافك لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أمر بتعجيل الفِطر، وأنت تؤخِّره! قال: فأصبح وجهه قد اسودَّ من وَهَج النار، فكان
(5)
يمشي متبرقعًا في الناس
(6)
.
وأعجبُ من هذا: الرجلُ يَرى في المنام ــ وهو شديدُ العطش والجوع والألم ــ أنَّ غيرَه قد سقاه، أو أطعمه، أو داواه بدواء؛ فيستيقظُ وقد زال عنه ذلك كلُّه. وقد رأى الناس من هذا عجائب.
وقد ذكر مالك
(7)
، عن أبي الرِّجال، عن عَمْرة، عن عائشة أنَّ جارية لها
(1)
«فقال لي
…
عينيَّ» ساقط من (ب، ج).
(2)
ما عدا (أ، ق، غ): «فهببت» .
(3)
(ق، ن، غ): «ويخبر» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «آخذين بضبعيه وثيابه» ، وفيه تحريفان.
(5)
(ب، ط، ج): «وكان» .
(6)
لم أجد الخبر في كتاب آخر.
(7)
في الموطأ ــ رواية أبي مصعب (2782). وانظر: مسند أحمد (40/ 154) والمستدرك (7516) والسنن الكبرى للبيهقي (16948).
سَحَرتها، وأنَّ سِنديًّا
(1)
دخل عليها، وهي مريضة، فقال: إنكِ
(2)
سُحِرت. قالت: ومَنْ سحرني؟ قال: جاريةٌ في حِجْرها صبيٌّ، قد بال عليها. فدعتْ
(3)
جاريتَها، فقالت: حتى أغسل بولًا في ثوبي. فقالت لها: أسَحَرتِني؟ قالت: نعم. قالت: وما دعاكِ إلى ذلك؟ قالت: أردتُ تعجيلَ العِتْق. فأمرَتْ أخاها أن يبيعها من الأعراب ممن يُسيء مَلَكتَها فباعها. ثم إنَّ عائشة رأت في منامها أن اغتسلي من ثلاثة آبار يَمُدُّ بعضُها بعضًا. فاستُقِي
(4)
لها، فاغتسلت، فبرأت.
وكان سِمَاك بن حرب قد ذهب بصرُه، فرأى إبراهيمَ الخليلَ في المنام، فمسح على عينيه، وقال: اذهب إلى الفرات، فانغمِسْ فيها ثلاثًا. ففعل، فأبصر
(5)
.
وكان إسماعيلُ بن بلال الحضرميُّ
(6)
قد عَمِي، فأُتي في المنام، فقيل
(1)
في جميع النسخ الخطية: «سيِّدها» ، وهو تحريف ما أثبتنا من الموطأ. وفي المستدرك والسنن:«ذكروا شكواها لرجل من الزُّطِّ يتطبب» .
(2)
(ب، ط، ج): «فقال لها إنك قد» .
(3)
(ن): «دُعيت» .
(4)
(أ، غ): «فاستسقي» .
(5)
أخرجه ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة (111) عن سماك نفسه. وهو من كبار تابعي أهل الكوفة، مات سنة 123. تهذيب التهذيب (4/ 233).
(6)
لم أجد ترجمته. ولعله أخو عبد الله بن بلال الحضرمي الذي ذكره لهيعة بن عيسى (ت 204 هـ) ممن ولي القضاء بمصر من حضرموت. (رفع الإصر: 187). والظاهر أن المصنف نقل القصة من كتاب البستان للقيرواني العابر، وهو قد حكاها عن الليث (ت 175). وقد أخرجها الخرائطي في مكارم الأخلاق (1076) عن الليث أيضًا، ولكن صاحب القصة فيها: إسماعيل بن أمية (ت 144). وفي الرسالة القشيرية (2/ 425) عن الليث أيضًا أنه قال: رأيت عقبة بن نافع ضريرًا، ثم رأيته بصيرًا .. إلخ. ولعل المقصود: عقبة بن نافع المعافري (ت 196)، فإن الليث لم يدرك الفهري.
له: قل: يا قريبُ، يا مجيبُ، يا سميعَ الدعاء، يا لطيفُ
(1)
لما يشاء، رُدَّ عليَّ بصري. فقاله، فأبصر. قال الليث بن سعد: أنا رأيته قد عَمِيَ، ثم أبصر.
وقال عبيد الله بن أبي جعفر
(2)
: اشتكيتُ شكوى، فجُهِدتُ منها
(3)
، فكنت أقرأ آية الكرسي. فنمت، فإذا رجلان قائمان بين يدي، فقال أحدهما لصاحبه: إنه لَيقرأ آيةً فيها ثلاثمائة وستون رحمةً
(4)
، أفلا يصيب هذا المسكينَ منها
(5)
رحمةٌ واحدة؟ فاستيقظتُ فوجدت خِفَّةً
(6)
.
قال ابن أبي الدنيا: اعتلَّت امرأة من أهل الخير والصلاح بوجع المِعدة، فرأت في المنام قائلاً يقول لها: لا إله إلا الله، المُغلَى
(7)
وشراب الورد. فشرِبتْه، فأذهب الله عنها ما كانت تَجِد
(8)
.
(1)
(ب، ط، ج): «لطيفًا» .
(2)
«أبي» ساقط من (ط). وفي (ن): «عبد الله» . وهو خطأ. وعبيد الله بن أبي جعفر (60 ــ 136) أبو بكر الحافظ فقيه مصر، من العلماء الزهاد. انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 8).
(3)
(ب، ط، ج): «فيها» .
(4)
كذا هنا. وفي عمدة القاري (18/ 107) أن في سورة البقرة كلها ثلاثمائة وستين رحمة!
(5)
في الأصل: «فيها» .
(6)
لعل المصنف نقل الخبر من كتاب البستان للقيرواني ولم أجده في مصدر آخر.
(7)
(ق): «العلى» . وحذف ناسخ (ن): «لا إلاه إلا الله» .
(8)
لم أجده ولا الذي بعده في كتب ابن أبي الدنيا المطبوعة.
قال: وقالت أيضًا: رأيت في المنام
(1)
كأني أقول: السَّنَا والعسلُ وماءُ الحِمَّص الأسود شفاءٌ لوجع الأوراك. فلما استيقظتُ أتتني امرأةٌ تشكو وجعًا بوَرِكها، فوصفتُ لها ذلك، فانتفعَتْ به.
وقال جالينوس: السبب الذي دعاني إلى فَصْدِ
(2)
العروق الضَّوارب أني أُمِرتُ به في منامي مرتين. قال: وكنتُ إذ ذاك غلامًا. قال: وأعرف إنسانًا شفاه الله من وجعٍ، كان به في جنبه، بفصد العرق الضارب، لرؤيا رآها في منامه.
وقال ابن الجزَّار
(3)
: كنت أعالج رجلاً ممعودًا
(4)
، فغاب عني ثم لقيته، فسألته عن حاله، فقال: رأيت في المنام إنسانًا في زِيِّ ناسكٍ متوكئًا على عصا، وقف عليَّ، وقال: أنت رجل ممعود؟ فقلت: نعم. فقال: عليك بالكَيَا والجُلَنْجَبين، فأصبحت، فسألت عنهما، فقيل لي: الكَيَا
(5)
: المُصْطَكَى،
(1)
ما عدا (أ، ق، غ): «منامي» .
(2)
(ب، ط، ج): «لفصد» .
(3)
في الأصل لم ينقط الجيم والزاي، ولكن وضع علامة الإهمال على الراء. وقد تصحف في غيره إلى الخزاز والخراز والجرار. وهو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم القيرواني الطبيب الشهير (ت 369). عيون الأنباء (3/ 59)، الزركلي (1/ 85).
(4)
وهو من فسدت معدته. وفي (ط): «مفؤودًا» هنا وفيما يأتي، وهو المصاب في فؤاده. والمقصود هنا الأول.
(5)
في (ن) بالباء، وفي (ط) بالنون. وكلاهما تصحيف. والكيا والكِيَّة بالمعنى المذكور دخيلان في العربية من السريانية. وفي كتاب الصيدنة المطبوع (348):«بالسندية» . ولعله تحريف السريانية. انظر: تكملة دوزي (9/ 176) ومفردات ابن البيطار (2/ 90). وقد أثبت ناشر طبعة دار ابن كثير: «الكباث» ، وفسّره، فتصرّف في النص دون تنبيه على ما في نُسَخه الخطية.