الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الوجه الثالث بعد المائة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، ما دخلتُ الجنة [126 أ] إلا سمعتُ خَشخَشتَك
(1)
بين يديَّ، فبم ذاك؟» قال: ما أحدثتُ في ليل أو نهار إلا توضأتُ وصلَّيتُ ركعتين. قال: «بهما»
(2)
.
ومعلوم أنَّ الذي سَمِع خشخشتَه بين يديه هو روحُ بلال، وإلا فجسده لم يُنقَل إلى الجنة.
الوجه الرابع بعد المائة
(3)
: الأحاديث والآثار التي في زيارة القبور والسلامِ على أهلها ومخاطبتِهم، والإخبارِ عن معرفتهم بزُوَّارهم وردِّهم عليهم السلام. وقد تقدمت الإشارة إليها
(4)
.
الوجه الخامس بعد المائة: شكايةُ كثير من أرواح الموتى
(5)
إلى أقاربهم وغيرهم أمورًا مؤذيةً، فيجدونها كما شكوه فيزيلونها
(6)
.
الوجه السادس بعد المائة
(7)
: لو كانت الروح عبارةً عن عَرَض من
(1)
الخشخشة: حركة فيها صوت. غريب الحديث للخطابي (1/ 582).
(2)
أخرجه الترمذي (3689)، والإمام أحمد (22996)، وابن خزيمة (1209)، وابن حبان (7086)، والحاكم (1/ 313) من طريق الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. وصحَّحه الترمذي والحاكم. (قالمي).
(3)
كلمة «الوجه» لم ترد في الأصل.
(4)
في المسألة الأولى.
(5)
(ب، ط، ج): «المؤمنين» . (ن): «الأرواح» .
(6)
انظر بعض الأخبار في المسألة الأولى.
(7)
هنا في (ب، ط، ج): «أنواع الرؤيا الصادقة على اختلافها» . والعبارة مقحمة.
أعراض البدن، أو جوهرٍ مجرد ليس بجسم ولا حالٍّ فيه، لكان قول القائل: خرجتُ، وذهبتُ، وقمت، وجئت
(1)
، وقعدت، وتحرَّكت، ودخلت، ورجعت
(2)
، ونحو ذلك كلُّه= أقوالاً باطلة؛ لأن هذه الصفات ممتنعة الثبوت في حق الأعراض والمجرَّدات. وكلُّ عاقل يعلم صدقَ قوله وقول غيره ذلك. فالقدْحُ في ذلك قدحٌ في أظهر المعلومات، فهو من باب السَّفسَطة.
ولا يقال: حاصلُ هذا الدليل التمسكُ بألفاظ الناس وإطلاقاتهم، وهي تحتمل الحقيقة والمجاز، فلعل مرادَهم: دخَلَ جسمي وخرَجَ؛ لأنا إنما استدللنا بشهادة العقل والفِطَر بمعاني هذه الألفاظ، فكلُّ أحد يشهد عقلُه وحسُّه بأنه هو الذي دخَلَ وخرَجَ وانتقَلَ، لا مجرد بدنه، فشهادةُ الحسِّ والعقل بمعاني هذه الألفاظ وإضافتُها إلى الروح أصلاً وإلى البدن تَبَعًا من أصدق الشهادات. [126 ب] والاعتمادُ على ذلك، لا على مجرَّدِ الإطلاق اللفظي.
الوجه السابع بعد المائة: أن البدن مَرْكَبٌ ومحلٌّ
(3)
لتصرف النفس، فكان دخولُ البدن وخروجُه وانتقالُه جاريًا مجرَى دخولِ مركَبِه من فرسه ودابته. فلو كانت النفس
(4)
غيرَ قابلةٍ للدخول والخروج والانتقال والحركة
(1)
(ب، ط، ج): «قمت وجئت» .
(2)
(ب، ط، ج): «رفعت» .
(3)
في جمع النسخ ما عدا (ن): «مركبًا ومحلَّا» . ولعل ناسخ (ن) أصلح ما وقع في أصله من السهو. وقد أصلح ناسخ (ج) أيضًا ولكن بتغيير «البدن» إلى «للبدن» ، فأحال المعنى.
(4)
«فكان
…
النفس» ساقط من (ب). وكلمة «غير» بعده ساقطة من (ق).
والسكون، لكان ذلك بمنزلة دخولِ مركب الإنسان إلى الدار وخروجه منها دون دخوله هو. وهذا معلومُ البُطلانِ بالضرورة. وكلُّ أحدٍ
(1)
يعلم أن نفسه وروحَه هي التي دخلت، وخرجت، وانتقلت؛ وصَرَّفت البدن، وجعلته تَبَعًا لها في الدخول والخروج. فهو لها بالأصل، وللبدن
(2)
بالتَّبع؛ لكنه للبدن بالمشاهدة، وللروح
(3)
بالعلم والعقل.
الوجه الثامن بعد المائة: أن النفس لو كانت كما يقوله من يقول: إنها عَرَض، لكان الإنسان كلَّ وقت قد تبدَّل
(4)
مائة ألف نفسٍ أو أكثر ــ والإنسان إنما هو إنسان بروحه ونفسه، لا ببدنه ــ وكان الإنسان الذي هو الآن غيرَ الذي هو قبله بلحظة، وبعده بلحظة، وهذا من نوع الهوَس. ولو كانت الروح مجرَّدةً، تعلُّقُها
(5)
بالبدن بالتدبير فقط، لا بالمساكنة والمداخلة، لم يمتنع أن ينقطع تعلُّقُها بهذا البدن، وتتعلقَ بغيره، كما يجوز انقطاع تدبير المدبِّر لبيت أو مدينة عنها ويتعلقُ بتدبير غيرها. وعلى هذا التقدير
(6)
فنصير شاكِّين في أن هذه النفس التي لزيد هي النفس الأولى أو غيرها؟ وهل زيدٌ هو ذلك الرجل أم غيره؟ وعاقلٌ لا يجوِّز ذلك! فلو كانت
(1)
(ب، ط): «فكل أحد» .
(2)
(ب، ط، ج): «والبدن» .
(3)
(ب، ط، ج): «والروح» .
(4)
الأصل غير منقوط، وفي غيره ما أثبتنا. وفي النسخ المطبوعة: يبدل.
(5)
(ن): «مجرَّدُ تعلُقِها» ، والصواب ما أثبتنا من غيرها. وسيأتي مثله في الوجه العاشر بعد المائة. وفي النسخ المطبوعة في الموضعين:«وتعلُّقُها» بزيادة الواو، ولعله من تصرف الناشرين.
(6)
(ن): «القول» .
الروح عَرَضًا أو أمرًا مجرَّدًا لحصل الشكّ المذكور.
الوجه التاسع بعد المائة: أنَّ كل أحد يقطع أن نفسه موصوفة بالعلم والفكر والحب والبغض والرضا والسخط وغيرها من الأحوال النفسانية، ويعلم أن الموصوف بذلك ليس عَرَضًا [127 أ] من أعراض بدنه، ولا جوهرًا مجرَّدًا منفصلًا عن بدنه غيرَ محايثٍ
(1)
له، ويقطع ضرورةً بأن هذه الإدراكات لأمرٍ داخلٍ في بدنه، كما يَقْطع بأنه إذا سمع، وأبصر، وشمَّ، وذاق، ولمس، وتحرَّك، وسكن= فتلك أمورٌ قائمة به، مضافةٌ إلى نفسه؛ وأن جوهر النفس هو الذي قام به ذلك كلُّه، لم يقم بمجرَّده
(2)
، ولا بعرَضٍ، بل قام بمتحيِّزٍ داخلَ العالم، منتقلٍ من مكان إلى مكان، يتحرَّك ويسكن، ويخرج ويدخل. وليس إلا هذا البدنَ، والجسمَ الساريَ فيه المشابكَ له الذي لولاه لكان بمنزلة الجماد.
الوجه العاشر بعد المائة: أنَّ النفس لو كانت مجرَّدةً، وتعلُّقُها بالبدن تعلُّقُ التدبير فقط، كتعلق الملَّاحِ بالسفينة، والجمَّالِ بجمله= لأَمكَنها تركُ تدبير هذا البدن، واشتغالُها بتدبيرِ بدنٍ آخرَ، كما يمكن الملَّاحَ والجمَّالَ ذلك. وفي ذلك
(3)
تجويزُ تنقُّلِ النفوس من أبدان إلى أبدان.
ولا يقال: إنَّ النفسَ اتَّحدت ببدنها، فامتنع عليها الانتقالُ؛ أو أنها لها عِشقٌ طبيعي وشوقٌ ذاتي إلى تدبير هذا البدن، فلهذا السبب امتنع انتقالُها.
(1)
في (ن): «مجاذب» ، وفي غيرها:«محارب» . وفي حاشية (غ): «لعله محايث» . وهو الذي رجَّحته. وفي النسخ المطبوعة: «مجاور» .
(2)
(ب، ط، ج): «بمجرَّد» .
(3)
«وفي ذلك» ساقط من (أ، ط). و «في» ساقطة من (ب، ج).
لأنا نقول: اتحاد ما لا يتحيَّز بالمتحيِّز مُحالٌ، ولأنها لو
(1)
اتحدت به لبطلتْ ببطلانه، ولأنها بعد الاتحاد
(2)
إن بقيا فهما اثنان لا واحد، وإن عَدِما معًا وحدث ثالث فليس من الاتحاد في شيء، وإن بقي أحدهما وعُدم الآخر
(3)
فليس باتحاد أيضًا.
وأما عشقُ النفس الطبيعي للبدن، فالنفسُ إنما تعشقه لأنها تنال اللذاتِ بواسطته. وإذا كانت الأبدان متساويةً في حصول مطلوبها كانت نسبتها إليها على السواء. فقولكم: إنَّ النفس المعيَّنة عاشقةٌ للبدن المعيَّن، باطل. ومثال ذلك: العطشان إذا صادف آنيَةً متساويةً كلٌّ منها يُحصِّل غرضَه، امتنع عليه أن يعشق واحدًا منها بعينه دون سائرها.
الوجه الحادي عشر بعد المائة: أنَّ نفسَ الإنسان [127 ب] لو كانت جوهرًا مجرَّدًا، لا داخلَ العالم ولا خارجَه، ولا متصلةً بالعالم ولا منفصلةً عنه، ولا مُبايِنةً له ولا مُحايثةً
(4)
، لكان يَعلمُ بالضرورة أنه موجود بهذه الصفة، لأن
(5)
(1)
(ب، ج): «ولو أنها» .
(2)
في الأصل بعده زيادة: «في شيء» ، والسياق غير محتاج إليه. ولعل بصر الناسخ انتقل إلى ما جاء بعد سطر.
(3)
«فليس
…
الآخر» ساقط من (ب).
(4)
(ق): «مجانبة» ، وكذا في النسخ المطبوعة، وغيَّر بعضهم في (ط) إلى «محاذية» ، وكلاهما تصحيف.
(5)
ما عدا (غ): «أن» ، فإن رسم «لأن» في خط المصنف يشبه «أن» . انظر مثلاً مسودة طريق الهجرتين ق (4/أ).
علم الإنسان بنفسه وصفاتها أظهرُ من كل معلوم؛ لأن
(1)
علمَه بما عداه تابعٌ لعلمه بنفسه. ومعلوم قطعًا أن ذلك باطل، فإن جماهير أهل الأرض يعلمون أن إثبات هذا الموجود مُحالٌ في العقول شاهدًا وغائبًا، فمن قال ذلك في نفسه وربِّه فلا نفسَه عَرَف، ولا ربَّه عَرَف.
الوجه الثاني عشر بعد المائة: أن هذا البدن المشاهَد محلٌّ لجميع صفات النفس وإدراكاتها الكلِّية والجزئية، ومحلٌّ للقدرة
(2)
على الحركات الإرادية، فوجب أن يكون الحاملُ لتلك الإدراكات والصفات هو البدن وما سكن فيه. فأما أن يكون محَلُّها جوهرًا مجرَّدًا لا داخل العالم ولا خارجه فباطل بالضرورة.
الوجه الثالث عشر بعد المائة: أن النفس لو كانت مجردةً عن الحجميَّة والتحيُّز لامَتنعَ أن يتوقف فعلُها على مماسَّة محلِّ الفعل، لأنَّ ما لا يكون متحيِّزًا يمتنع أن يصير مماسًّا للمتحيز. ولو كان الأمر كذلك لكان فعلها على سبيل الاختراع، من غير حاجة إلى حصول مماسَّةٍ وملاقاة بين الفاعل وبين محلِّ الفعل؛ فكان الواحد منَّا يقدر على تحريك الأجسام من غير أن يُماسَّها أو يماسَّ شيئًا يماسُّها. فإن النفس عندكم كما كانت قادرةً على تحريك البدن من غير أن يكون بينها وبينه مماسَّة، كذلك لا تمتنع
(3)
قدرتها على تحريك جسم غيره من غير
(4)
مماسَّةٍ له ولا لما يماسُّه، وذلك باطل بالضرورة. فعُلِم
(1)
كذا في (ج). وفي (غ): «فإن» . ولما كان في الأصل وغيره: «أن» رجحنا قراءة (ج). انظر الحاشية السابقة. وفي النسخ المطبوعة: «وأن» .
(2)
(ب، ط، ج، ن): «القدرة» .
(3)
(ق): «لا تمنع» .
(4)
«أن يكون بينها
…
غير» ساقط من الأصل لانتقال النظر. وجزء من هذه العبارة ساقط من (غ).
أنَّ النفس لا تقوى على التحريك إلا بشرطِ أن تماسَّ محلَّ الحركة أو تماسَّ ما يماسُّه، وكلُّ ما كان مماسًّا للجسم أو لما يماسُّه فهو جسم.
فإن قيل يجوز أن يكون تأثيرُ النفس في تحريك بدنها الخاصِّ غيرَ مشروط بالمماسَّة، وتأثيرُها في تحريك غيره موقوفٌ على حصول المماسَّة بين بدنها وبين ذلك الجسم.
فالجواب: أنه لمَّا كان [128 أ] قبولُ البدن لتصرفات النفس لا يتوقفُ على حصول المماسَّة بين النفس وبين البدن، وجبَ أن تكون الحالُ كذلك في غيره من الأجسام، لأن
(1)
الأجسام متساوية في قَبول الحركة. ونسبةُ النفس إلى جميعها سواءٌ، لأنها إذا كانت مجرَّدةً عن الحجمية وعلائقِ الحجمية كانت نسبةُ ذاتها إلى الكل بالسَّويَّة. ومتى كانت ذاتُ الفاعل نسبتُها إلى الكل بالسوية
(2)
، والقوابلُ نسبتُها إلى ذلك الفاعل بالسوية= كان التأثير بالنسبة إلى الكلِّ على السواء. فإذا استغنى الفاعلُ عن مماسَّة محلِّ الفعل في حقِّ البعض وجبَ أن يستغني في حق الجميع، وإن افتقر إلى المماسَّة في البعض وجب افتقارُه في الجميع.
فإن قيل
(3)
: النفس عاشقةٌ لهذا البدن دون غيره، فكان تأثيرها فيه أقوى
(1)
هنا أيضًا في الأصل: «أن» . وكذا في (ق، غ). وفي (ط): «إذ» . والمثبت من (ج). وهي ساقطة من (ب، ن).
(2)
«ومتى
…
بالسوية» ساقط من الأصل. وجزء من هذه العبارة ساقط من (ن). وما بعدها «والقوابل
…
الفاعل» ساقط من (غ). وقد وقع فيها تحريف في (ق، ط). وإنما ورد النص كاملاً وسليمًا في (ج).
(3)
(ق): «وإن» .
من تأثيرها في غيره.
قيل: هذا العشقُ الشديد يقتضي أن يكون تعلُّقُها بالبدن أكثر، وتصرفُها فيه أقوى
(1)
، فأما أن يتغير مقتضَى ذاتِها بالنسبة إلى هذه الأجسام فذلك مُحالٌ. وهذا دليل في غاية القوة.
الوجه الرابع عشر بعد المائة: أن العقلاءَ كلَّهم متفقون على أن الإنسان هو هذا الحيُّ الناطق المتغذِّي
(2)
النامي الحساس المتحرك بالإرادة. وهذه الصفاتُ نوعان: صفاتٌ لِبدنه، وصفاتٌ لِروحه ونفسه الناطقة، فلو كانت الروح جوهرًا مجردًا، لا داخلَ العالم ولا خارجَه، ولا متصلةً به ولا منفصلة عنه= لكان الإنسان لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متَّصلًا به ولا منفصلًا عنه
(3)
، أو كان بعضُه في العالم، وبعضُه لا خارج العالم ولا داخله. وكلُّ عاقلٍ يعلم بالضرورة بُطلان ذلك، وأن الإنسان بجملته داخل العالم، بدنَه وروحَه. وهذا في البطلان يضاهي قول من قال: إن نفسه قديمةٌ غيرُ مخلوقة، فجعلوا نصفَ الإنسان مخلوقًا، ونصفَه غيرَ مخلوق.
فإن قيل: نحن نسلِّم أن الإنسان كما ذكرتم إلا أنَّا نثبتُ جوهرًا يدبِّر
(4)
الإنسانَ الموصوف بهذه الصفات.
(1)
«من تأثيرها
…
أقوى» ساقط من الأصل.
(2)
(ب، ط، ج): «المغتذي» .
(3)
«لكان الإنسان
…
عنه» ساقط من الأصل.
(4)
هذا في (ق) والنسخ المطبوعة. وفي (أ، غ): «ببدن» . وفي (ب، ط): «بدن» . ولعله تصحيف. وفي (ج): «في بدن» . وفي (ن): «مجرّدًا للإنسان» فحذف الكلمة!
قلنا: فذلك الجوهرُ الذي أثبتُّموه مغايرٌ للإنسان
(1)
، أم هو حقيقةُ الإنسان؟ ولابد لكم من أحد الأمرين.
فإن قلتم: هو حقيقة الإنسان، تناقضتم تناقضًا بيِّنًا. وإن
(2)
قلتم: هو غيرُ الإنسان، رجعَ كلامكم إلى أنكم أثبتُّم للإنسان [128 ب] مدبِّرًا غيرَه سميتموه نفسًا. وكلامنا الآن إنما هو في
(3)
حقيقة الإنسان، لا في مدبِّره؛ فإنَّ مدبِّرَ الإنسان وجميع العالم العلويِّ والسفلي هو الله الواحد القهار.
الوجه الخامس عشر بعد المائة: أن كلَّ عاقل إذا قيل له: ما الإنسان؟ فإنه يشير إلى هذه البِنيَة وما قام بها، لا يخطرُ بباله أمرًا مغايرًا لها مجرَّدًا
(4)
ليس في العالم ولا خارجه، والعلم بذلك ضروريٌّ لا يقبل شكًّا ولا تشكيكًا.
الوجه السادس عشر بعد المائة: أنَّ عقول العالمين قاضيةٌ بأن الخطاب متوجِّه إلى هذه البنية وما قام بها وساكَنَها، وكذلك المدح والذم، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب. ولو أن رجلاً قال: المأمورُ المنهيُّ
(5)
، والممدوح والمذموم، والمخاطَب العاقل= جوهرٌ مجرَّدٌ، ليس في العالم
(1)
(أ، ق): «يغاير للإنسان» . (ب، ط): «مغاير الإنسان» . والمثبت من (ج).
(2)
«قلتم
…
وإن» ساقط من (أ، غ). وهنا انتهى الخرم الذي وقع في (ز).
(3)
«في» ساقط من (أ، ب، ق، ز).
(4)
كذا في جميع النسخ. وفي النسخ المطبوعة: «أمر مغاير لها مجرد» ، ولعله من تصرف الناشرين. ونصب «أمرًا» على أنه حال من الضمير في «يخطر» العائد على الإنسان.
(5)
(ط): «والمنهي» .
ولا خارجه، ولا متصل به ولا منفصل
(1)
عنه= لأضحكَ العقلاء على عقله، ولأطبقوا على تكذيبه. وكلُّ ما شهدت بدائهُ العقولِ وصرائحُها ببطلانه، كان الاستدلالُ على ثبوته استدلالاً على صحة وجود المحال. وبالله التوفيق.
فصل
[أدلَّة المنازعين]
فإن قيل: قد ذكرتم الأدلَّة الدالَّة على جسميَّتها وتحيُّزها، فما جوابكم على أدلَّة المنازعين لكم في ذلك؟ فإنهم استدلُّوا بوجوه
(2)
:
أحدها: اتفاقُ العقلاء على قولهم: الروح والجسم، والنفس والجسم، فيجعلونها شيئًا غير الجسم. فلو كانت جسمًا لم يكن لهذا القول معنى.
الثاني ــ وهو أقوى ما يحتجُّون به ــ: أنه من المعلوم أن في الموجودات ما هو غيرُ قابلٍ للقسمة، كالنقطة، والجوهر الفرد، بل ذاتُ واجبِ الوجود؛ فوجب أن يكون العلم بذلك غيرَ قابل للقسمة
(3)
، فوجب أن يكون الموصوفُ بذلك العلم ــ وهو محله ــ غيرَ قابلٍ للقسمة، وهو النفس. فلو كانت جسمًا لكانت قابلةً للقسمة.
ويُقرَّرُ
(4)
هذا الدليل على وجه آخر: وهو أنَّ محل العلوم الكلِّية لو كان جسمًا أو جسمانيًّا لانقسمت تلك
(5)
العلوم؛ لأن الحالَّ في المنقسم
(1)
(ق): «متصلًا
…
منفصلًا».
(2)
انظر جملة منها في رسالة ابن سينا في السعادة والحجج العشرة على أن النفس الإنسانية جوهر (5 ــ 12) وكتاب المعتبر لأبي البركات البغدادي (2/ 357 ــ 359).
(3)
«فوجب
…
القسمة» ساقط من الأصل. و «كالنقطة
…
القسمة» ساقط من (ط).
(4)
هذا في الأصل. وفي (غ): «ونقرر» . وفي غيرها: «وتقرَّر» .
(5)
(ب، ط، ج): «بذلك» .
منقسمٌ، وانقسامُ تلك العلوم مستحيل.
الثالث: أنَّ الصور [129 أ] العقلية الكلِّية مجرَّدة بلا شكّ، وتجرُّدُها إما أن يكون بسبب المأخوذ عنه، أو بسبب الآخذ. والأول باطل، لأن هذه الصورَ إنما أُخذت عن الأشخاص الموصوفة بالمقادير المختلفة والأوضاع المعيَّنة، فثبتَ أنَّ تجرُّدَها إنما هو بسبب الآخذ لها، وهو القوة العقلية المسمَّاة بالنفس.
الرابع: أنَّ القوة العاقلة تقوَى على أفعال غير متناهية، فإنها تقوى على إدراكات لا تتناهى. والقوةُ الجسمانيةُ لا تقوى على أفعال غير متناهية؛ لأن القوة الجسمانية تنقسم بانقسام محلِّها. فالذي يقوَى عليه بعضُها يجب أن يكون أقلَّ من الذي يقوى عليه كلُّها، فالذي يقوى عليه الكلُّ يزيد على الذي يقوى عليه البعضُ أضعافًا
(1)
متناهية، والزائدُ على المتناهي بمتناهٍ متناهٍ.
الخامس: أنَّ القوة العاقلة لو كانت حالَّةً في آلة جسمانية لوجب أن تكون القوةُ العاقلةُ دائمةَ الإدراك لتلك الآلة، أو ممتنعةَ الإدراك لها بالكلِّية. وكلاهما باطل، لأن إدراك
(2)
القوة العاقلة لتلك الآلةِ إن كان عينَ وجودها فهو محال. وإن كان صورةً مساويةً
(3)
لوجودها، وهي حالَّةٌ في القوة العقليةِ الحالّةِ في تلك الآلة، لزم اجتماعُ صورتين متماثلتين، وهو محال.
(1)
في الأصل: «اصعا» . وكذا في (ق، ب، ط) بالفاء، مع علامة «ظ» أو «كذا» فوقها. وكأن المصنف كتب في مسوَّدته نصف الكلمة سهوًا. وكتب ناسخ (ن) في موضعها:«فتكون» . ووردت في (ز، ج) على الصواب.
(2)
في (ن، ز): «باطل وإدراك» .
(3)
(ب، ط، ج): «متساوية» .
وإذا بطل هذا ثبتَ
(1)
أن القوة العاقلة لو أدركت آلتَها لكان إدراكُها عبارةً عن نفس حصول تلك الآلة عند القوة العاقلة. فيجب حصولُ الإدراك دائمًا، إن كفى هذا القدْرُ ضمن
(2)
حصول الإدراك. وإن لم يكفِ امتنع حصولُ الإدراك في وقت من الأوقات، إذ لو حصل في وقتٍ دون وقت لكان بسببِ أمرٍ زائدٍ على مجرد حضور صورة الآلة
(3)
.
السادس: أن كل أحد يدرك
(4)
نفسه، وإدراكُ الشيء عبارةٌ عن حضور ماهية المعلوم عند العالِم. فإذا علمنا [129 ب] أنفسَنا، فهو إما أن يكون لأجْلِ حضور ذواتنا لذواتنا، أو لأجل حضور صورةٍ مساويةٍ
(5)
لذواتنا في ذواتها. والقسم الثاني باطلٌ، وإلا لزم اجتماع المثلَين. فثبت أنه لا معنى لعلمنا بذاتنا إلا حضورُ ذاتنا عند ذاتنا، وهذا إنما يكون إذا كانت ذاتًا
(6)
قائمةً بالنفس غنيَّة عن المحلِّ؛ لأنها لو كانت حالّةً في محلٍّ كانت حاضرةً عند ذلك المحلِّ. فثبت أنَّ هذا المعنى إنما يحصل إذا كانت النفس قائمةً بنفسها، غنيَّةً عن محلٍّ تحُلُّ فيه.
السابع: ما احتجَّ به أبو البركات البغداديُّ
(7)
، وأبطل ما سواه، فقال: لا
(1)
في الأصل: «ثبت هذا بطل» . ولعله سهو.
(2)
في (ج) والنسخ المطبوعة: «في» . وفي النسخ الخطية الأخرى كلها: «فمن» ، فقرأتها كما أثبت.
(3)
في (أ، ق): «الأدلة» ، تحريف. وكلمة «صورة» قبلها ساقطة من (ق، ن).
(4)
(ب، ج): «مدرك» .
(5)
(ب، ط، ج): «متساوية» .
(6)
ما عدا (أ، ق): «ذاتنا» .
(7)
لم أجده في كتابه «المعتبر» . ولعل النقل من رسالته في النفس وقطعته التي وصلت إلينا ليس فيها هذا البحث.
نشكُّ
(1)
أن الواحد منَّا يمكنه أن يتخيَّل بحرًا من زئبق، وجبلًا من ياقوت، وشموسًا وأقمارًا. فهذه الصور الخيالية لا تكون معدومةً؛ لأن قوة المتخيِّل تشير إلى تلك الصور، وتميِّز بين كلِّ صورة وغيرِها. وقد يقوى ذلك المتخيَّل إلى أن يصير كالمشاهَد المحسوس. ومعلومٌ أن العدم المحض، والنفي الصِّرف لا يَثْبُت فيه ذلك. ونحن نعلم بالضرورة أنَّ هذه الصور ليست موجودة في الأعيان، فثبت أنها موجودة في الأذهان. فنقول: مَحلُّ هذه الصورة إما أن يكون جسمًا أو حالًّا في الجسم، أو لا جسمًا ولا حالًّا في الجسم. والقسمان الأولان باطلان. لأن صورة البحر والجبل صورة عظيمة، والدماغ والقلب جسم صغير، وانطباعُ العظيم في الصغير محال. فثبت أن محلَّ هذه الصورة الخيالية ليس بجسم ولا جسماني.
الثامن: لو كانت القوة العقلية جسمانيَّة
(2)
لضعفتْ في زمان الشيخوخة دائمًا، وليس كذلك.
التاسع: أنَّ القوة العقلية غنيَّة في أفعالها عن الجسم، وما كان غنيًّا في فعله عن الجسم وجَبَ أن يكون غنيًّا في ذاته عن الجسم.
بيان الأول: أن القوة العقلية تدرك نفسَها، ومن المحال أن يحصل بينها وبين نفسها آلة متوسطة. وأيضًا تدرك
(3)
إدراكها لنفسها، وليس هذا الإدراك بآلة. وأيضًا فإنها تدرك الجسم الذي هو آلتُها، وليس بينها وبين آلتها آلةٌ أخرى.
(1)
(ب، ط، ج، غ): «لا شك» .
(2)
ما عدا الأصل و (غ): «جسدانية» .
(3)
ما عدا (ب، ط، ج): «متوسطة أيضًا. وتدرك» .
وبيان الثاني من وجهين:
أحدهما [130 أ]: أنَّ القوى الجسمانية كالناظرة
(1)
والسامعة والخيال والوهم
(2)
، لما كانت جسمانيةً تعذَّر عليها إدراكُ ذواتها، وإدراكُها لكونها مدركةً لذواتها، وإدراكُها لتلك الأجسام الحاملة لها. فلو كانت القوة العقلية جسمانيةً لتعذَّر عليها هذه الأمور الثلاثة.
الثاني: أنَّ مصدر الفعل هو النفس. فلو كانت النفس متعلِّقةً في قوامها ووجودها بالجسم لم تحصل تلك الأفعالُ إلا بشركة من الجسم. ولمَّا ثبت أنَّه ليس كذلك ثبت أنَّ القوة العقلية غنيَّة عن الجسم
(3)
.
العاشر: أنَّ القوة الجسمانية تكِلُّ بكثرة الأفعال، ولا تقوى على القوي بعد الضَّعيف. وسببه ظاهر، فإن القُوَى الجسمانية بسبب مزاولة الأفعال تتعرَّض موادُّها للتحلُّل والذبول، وهو يوجب الضعف. وأما القوة العقلية فإنها لا تضعف بسبب كثرة الأفعال، وتقوى على القوي بعد الضعيف، فوجب أن لا تكون جسمانية.
الحادي عشر: أنَّا إذا حكمنا بأنَّ السواد مضادٌّ للبياض وجبَ أن يحصل في الذهن ماهيةُ السواد والبياض، والبديهةٌ حاكمةٌ بأنَّ اجتماعَ السواد والبياض والحرارة والبرودة في الأجسام محالٌ، فلما حصل هذا الاجتماع في القوة العقلية وجب أن لا تكون قوة جسمانية.
(1)
(ب، ط، ج): «الباصرة» .
(2)
تحرف في (ب، ط، ج) إلى «وجوه» .
(3)
«ولما ثبت
…
الجسم» ساقط من (ب، ط).
الثاني عشر: أنه لو كان محلُّ الإدراكات جسمًا، وكلُّ جسم ينقسمُ
(1)
لا محالةَ، لم يمنع
(2)
أن يقوم ببعض أجزاء الجسم عِلْمٌ بالشيء، وبالبعض الآخر منه جهلٌ، وحينئذٍ فيكون الإنسان في الحال الواحد عالمًا بالشيء، وجاهلاً به.
الثالث عشر: أن المادة الجسمانية إذا حصلت فيها نفوس مخصوصة، فإنَّ وجود تلك النفوس فيها يمنع من حصول نفوسٍ غيرها. وأما النفوسُ العقلية فبالضدِّ من ذلك [130/ب]؛ لأنَّ النفس
(3)
إذا كانت خاليةً من جميع العلوم والإدراكات فإنه يصعب عليها التعلُّمُ. فإذا تعلمت شيئًا صار حصولُ تلك العلوم مُعينًا على سهولة غيرها. فالنفوسُ
(4)
الجسمانيةُ متغايرة متنافية، والنفوسُ العقليةُ متعاونة متعاضدة.
الرابع عشر: أن النفس لو كانت جسمًا لكان بين إرادةِ العبد تحريكَ رجله وبين تحريكِها زمانٌ على قدْرِ حركة الجسم وثِقَله
(5)
. فإن النفس هي المحركةُ للجسم والمريدةُ لحركته، فلو كان المحرِّك للرجل جسمًا، فإما أن يكون حاصلاً في هذه الأعضاء، أو جائيًا إليها. فإن كان جائيًا إليها احتاج إلى مدَّة، ولابدَّ. وإن كان حاصلاً فيها، فنحن إذا قطعنا تلك العضَلَة
(6)
التي
(1)
كذا في الأصل و (غ). وفي غيرهما: «منقسم» .
(2)
ما عدا الأصل و (غ، ق): «لم يمتنع» .
(3)
(أ، ق، غ): «الأنفس» . وقد سقط بعده «إذا كانت» من (ب، ط، ج).
(4)
في الأصل: «فالنفس» ، وهو سهو. وكذا في (ق، غ).
(5)
الأصل غير منقوط. وفي (ج) والنسخ المطبوعة كما أثبتنا. وفي غيرها: «نقله» .
(6)
(ب، ط، ج): «الأعضاء» .
تكون بها الحركةُ لم يبق منها في العضو المتحرك شيء. فلو كان ذلك المتحركُ حاصلاً فيه لَبقي منه شيء في ذلك العضو.
الخامس عشر: لو كانت النفس جسمًا لكانت منقسمةً ولصحَّ
(1)
عليها أن يُعلَم بعضُها كما يُعلَم كلُّها، فيكون الإنسان عالمًا ببعض نفسه، جاهلاً بالبعض الآخر، وذلك محال.
السادس عشر: لو كانت النفس جسمًا لوجب أن يَثْقُل البدن بدخولها فيه؛ لأن شأن الجسم الفارغ إذا ملأَه غيرُه أن يثقل به، كالزِّقِّ الفارغ، والأمرُ بالعكس فأخفُّ ما يكون البدن إذا كانت فيه النفس، وأثقل ما يكون إذا فارقته.
السابع عشر: لو كانت النفس جسمًا لكانت على صفات سائر الأجسام التي لا يخلو منها
(2)
من الخفة والثقل، أو الحرارة والبرودة، أو النعومة والخشونة، أو السواد والبياض
(3)
، وغيرِ ذلك من صفات الأجسام وكيفياتها. ومعلوم أن الكيفيات النفسانية إنما هي الفضائلُ والرذائل لا تلك الكيفيات الجسمانية، فالنفسُ ليست جسمًا.
الثامن عشر: أنها لو كانت [131 أ] جسمًا لوجب أن تقع تحت جميع الحواسِّ، أو تحت حاسَّةٍ منها أو حاسَّتين أو أكثر، فإنا نرى الأجسام كذلك
(1)
(ب، ط، ج، ن): «يصح» ، تصحيف.
(2)
كذا في جميع النسخ. وفي النسخ المطبوعة زيادة دون تنبيه: «شيء منها» وهو المقصود.
(3)
هذا في الأصل و (ز). والنسخ الأخرى اضطربت، فأثبتت (ق، ن، غ)«أو» مكان الواو قبل «النعومة» و «السواد» . و (ب، ط، ج) قبل «السواد» فقط.
منها ما يُدرَك بجميع الحواس، ومنها ما يُدرَك بأكثرها، ومنها ما يُدرَك بحاستين منها أو بواحدة. والنفسُ بريئة من ذلك كله.
وهذه الحجَّةُ التي احتجَّ بها جَهْم على طائفة من الملاحدة حين
(1)
أنكروا الخالق سبحانه، وقالوا: لو كان موجودًا لوجب أن يُدرَك بحاسَّة من الحواس؛ فعارضهم بالنفس. وإنَّما تتمُّ المعارضة إذا لم تكن جسمًا
(2)
، وإلا فلو كانت جسمًا لجاز إدراكُها ببعض الحواس.
التاسع عشر: لو كانت جسمًا لكانت ذاتَ طول وعرض وعمق وسطح وشكل، وهذه المقادير والأبعاد لا تقوم إلا بمادَّةٍ ومحلٍّ. فإن كانت مادَّتُها ومحَلُّها نفسًا لزم اجتماع نفسَين. وإن كانت
(3)
غيرَ نفس كانت النفس مركَّبةً من بدن وصورة، وهي في جسدٍ مركَّبٍ من بدن وصورة، فيكون الإنسان إنسانين.
العشرون: أنَّ من خاصة الجسم أن يقبل التجزِّي
(4)
، والجزء الصغير منه ليس كالكبير، ولو قبلت التجزِّي فكلُّ جزء منها إن كان نفسًا لزِم أن يكون للإنسان نفوس كثيرة، لا نفس واحدة. وإن لم يكن نفسًا لم يكن
(1)
ما عدا (غ، ز): «حتى» ، تصحيف. وقد حذفها ناسخ (ن).
(2)
في النسخ المطبوعة: «وأنَّى تتمُّ المعارضة إذا كانت جسمًا» خلافًا لجميع النسخ الخطية التي بين أيدينا. وقد تحرّف «وإنما تتم» في الأصل إلى «واناهم» دون نقط النون، وفي (ب) إلى «واراهم». فلعل بعضهم قرأها:«وأنى تتم» ، ولكن ليس في شيء من النسخ:«إذا كانت جسمًا» .
(3)
(أ، ز، ن، غ): «كان» .
(4)
كذا في جميع النسخ موضع التجزُّؤ.
المجموع نفسًا، كما أنَّ جزءَ الماء إن لم يكن ماءً لم يكن مجموعُه ماء.
الحادي والعشرون: أنَّ الجسم محتاجٌ
(1)
في قوامه وحفظه وبقائه إلى النفس، ولهذا يضمحلُّ ويتلاشى لمَّا تفارقُه
(2)
. فلو كانت جسمًا لكانت محتاجةً إلى نفس أخرى، وهلمَّ جَرًّا، ويتسلسل الأمر. وهذا المحالُ إنما لزم من كون النفس جسمًا.
الثاني والعشرون: لو كانت جسمًا لكان اتصالُها بالجسم إن كان على سبيل المداخلة لزمَ تداخلُ الأجسام. وإن كان على سبيل الملاصقة والمجاورة كان الإنسان الواحد جسمين متلاصِقَين: أحدهما يُرى، والآخر لا يُرى.
فهذا كلُّ ما مَوَّهْت به هذه [131 ب] الطائفة المبطِلة من منخنقة وموقوذة ومتردِّية! ونحن نجيبهم عن ذلك
(3)
كلِّه فصلاً بفصل
(4)
، بحول الله وقوته ومعونته
(5)
.
(1)
(ب، ط، ج): «يحتاج» .
(2)
كذا في جميع النسخ. وقد أدخل المصنف لمَّا الحينيَّة الخاصَّة بالماضي على المضارع في مواضع أخرى أيضًا من كتبه. انظر مثلاً: النونية (442، 1201، 3081).
(3)
(أ، ق، غ): «على ذلك» .
(4)
(ن): «فصلًا فصلًا» .
(5)
«ومعونته» ساقط من (ن، ز).