الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأيها مع تحققها أنه صواب حفاظاً على حياتها الزوجية. وأما اللاتي يقدمن للزواج من كبار السن من الرجال فيجب عليهن أيضاً أن تعرف الممكن الذي يستطيع الرجل أن يقدمه للمرأة من مال ومتاع ونحوه أو من فضائل أخروية كأن تقبل الزواج برجل كبير احتساباً لله لخدمته ورحمة لشيخوخته، وكما يفعل من يتزوج امرأة ليرعى عيالها أو يؤنس وحدتها ووحشتها، فليس الزواج للمنافع المادية الدنيوية فقط. لكنه أيضاً مجال واسع للمنافع الأخروية وطلب الحسنات والثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى. والمهم أن الإنسان إذا عرف هدفه وغايته ولم يطالب بالمستحيل استراح وأراح وإنما إذا تعلق بالأوهام وطالب بالمستحيل وأقدم على الأمور بجهل عواقبها خاب أمله وضل سعيه.
ثامناً: الشرف والحسب:
جاء في الحديث الصحيح أن الحسب أحد الأسباب التي تغري الرجال بالزواج من النساء. والحسيبة هي المرأة الشريفة ذات المكانة والمنزلة، والشرف هنا يعني العلو والرفعة (ويستعمل الشرف عرفاً الآن بمعنى العفة وهو استعمال غير سليم) ولا يلزم من وجود الحسب وجود المال
والغنى فالشرف والحسب يعني الشهرة والرفعة والسيادة وكان الناس وخاصة في جاهلية العرب يشتهرون ويبلغون أعظم منازل الشرف ولا مال لهم وإنما لكرم أصولهم وكريم شمائلهم وأخلاقهم. فحاتم الطائي مثلاً كان سيداً في قومه. ولم يكن غنياً، وبنو هاشم كانوا في القمة من أقوامهم شرفاً وحسباً ولم يكونوا أغنياء بمعنى الثراء والمال وكانت العرب تقدس الأخلاق وتعتني بالأصول القبلية ولا تقيس شرف الناس إلا بذلك، ولقد تغيرت هذه الموازين في جاهليتنا الحديثة وأصبح المال والثراء والمركز الوظيفي هي مقومات الشرف والمكانة وإليها ينسب الحسب في الوقت الراهن. وأما العناية بالأصول والقبائل فما زال معمولاً بها في البوادي أو القبائل التي تحضرت حديثاً، وكلما أوغل المجتمع في التحضر الحديث هدمت هذه الأعراف والتقاليد. وقد ناقشنا في البند السابق النظرة الصحيحة للثراء والغنى وما منزلة ذلك في زوج سعيد مثالي وعليه فالحسب الآن مرتبط بالنظرة إلى المال والمركز الوظيفي.
وأما الأعراف البدوية أو المتحضرة حديثاً فبالرغم من أنها امتداد لأعراف الجاهلية القديمة إلا أن هناك جوانب من الحق في هذه الأعراف والتقاليد لا ينبغي أن
نساعد على محوها فبعض القبائل فقدت سمتها وباءت بالعار لدى القبائل لما كانت تمارسه من دعارة وسقوط خلقي وانحراف، وكان الامتناع عن الزواج والمصاهرة بهذه الأصول فيها جانب من جوانب الحق، كما أن قبائل (النَوَر والغَجَر) الطوافة لا يخفى على مطلع الأساليب التي كانت تتكسب بها من الدعارة والعرافة والسرقة ونحو ذلك، وكان وما زال الامتناع عن المصاهرة بهذه الأصول شيئاً مقرراً في الشريعة، وإن كانت وسائل الإعلام في بعض الدول تعمل جاهدة الآن على محو هذه التقاليد وهذا لإفساح المجال نهائياً أمام الانحراف.
والإسلام وإن جاء يدعو الناس إلى أن أصلهم واحد وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى إلا أنه أخبر أيضاً بالأمر بالتنافس في الفضائل والبعد عن الرذائل والتقوى التي جاء الإسلام بالأمر بتحصيلها لا تحصل إلا إذا رافق الدين طبعاً نقياً، ونفساً صافية وخلقاً مساعداً وعلى كل حال ينبغي أن نضع الأحساب في موضعها الصحيح فالحسب والشرف بالمعنى الصحيح ينبغي أن يكون هو المعدن الطيب والخلق الكريم والدين (وقد ناقشنا هذا فيما سبق) وأما الشهرة التي انبنت على شيء آخر فهي بما لا يقيد به في الحسب والشرف.
والمرأة الحسيبة إذا لم يكن لها من الدين والخلق ما يعصمها عن التعالي على زوجها فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى النشوز أو التبعية وانهيار دور الرجل في بيته وكلاهما مدمر للحياة الاجتماعية. فالمرأة المتعالية عن زوجها (الناشز) لا يمكن أن يوصف زواجها بأنه ناجح أو أنها سعيدة. وكذلك المرأة التي تملك رجلاً قد تخلى عن دوره في منزله من حيث القوامة والرجولة لا يمكن أن تعيش سعيدة أيضاً وأشقى الرجال من يعيش مع امرأة متعالية عليه وغير راضي بذلك وكذلك من يعيش مع امرأة متعالية عليه وهو راض بذلك.
والرجل الحسيب لا شك أنه أحظى لدى المرأة وأحب إليها من رجل عاطل عن ذلك، ولكن هذا الحسب إذا لم يزينه الخلق الكريم والدين الصحيح فإنه ينقلب إلى إذلال للمرأة وتعالٍ عليها وذلك إذا لم تسامه شرفاً ومكانة. والنفوس في تطبعها بطابع الإسلام وتخلقها بأخلاقه ليست سواء ولذلك رأينا كيف رفضت زينب بنت حجة رضي الله عنها الزواج بأسامة وتزوجته كارهة ثم ضايقته حتى طلقها وما ذلك إلا لنفاستها عليه ونزول مكانته عندها وذلك بالرغم من كونه بكراً ولم تكن كذلك
وعلى كل حال فيجب أن نراعي تلك الموازين كلها الخاصة بالحسب والمنزلة الاجتماعية عندما نقدم على الزواج. والإسلام فيه حل لكل هذه المشكلات ولكن نعيد القول ثانياً ليست كل النفوس سواء في التزامها بآداب الإسلام وأخلاقه، ونحن نتعامل مع البشر وللبشر قصورهم بآداب الإسلام وأخلاقه، ونحن نتعامل مع البشر وللبشر قصورهم وعجزهم وضعفهم وتقاليدهم وأعرافهم، وبالرغم من أن الدين يجب أن يصلح كل هذه الأمور إلا أن الدين ليس ضربة لازب، في إصلاح كل النفوس في كل الأحوال وكل الظروف، ولا نستطيع أن ننفي الدين عن رجل يسرت له امرأة متدينة صالحة ولكنها دميمة فقيرة لا حسب لها فأبى الزواج منها. وكذلك لا نستطيع أن ننفي الدين عن امرأة تقدم لها رجل مسلم صالح ولكنه دميم فقير لا حسب له فقالت لا أستطيع الزواج منه. ولذلك وضعنا كل هذه الاعتبارات والصفات التي أسميناها (مثالية) في الرجل والمرأة ليعلم إخواننا الشباب والشواب كيف يختارون لأنفسهم ومتى يقبلون ومتى يرفضون.