الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثاً ويلزم بذلك. أم يقع طلقة واحدة فقط ليكون موافقاً للطلاق الشرعي الصحيح أم لا يقع له طلاق أصلاً. وهذا القول الثالث والأخير قول مخالف لأقوال أهل السنة والجماعة ولذلك فليس موضوعاً لبحثنا وإنما النظر والبحث في القولين الأولين.
القول الأول: طلاق الثلاث يقع ثلاثاً:
الذي أفتى به الأئمة الأربعة واختاره كثير من الصحابة والتابعين وكثير من السلف أن طلاق الثلاث وإن كان بدعياً ومحرماً إلا أنه يلزم الرجل به وتطلق به المرأة من زوجها طلاقاً بائناً لا رجعة فيه إلا أن تنكح زوجاً غيره.
وقد استدلوا لذلك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمضى طلاق الثلاث ثلاثاً كما روي عنه أنه قال: أرى أن الناس قد تتابعوا في أمر كانت لهم فيه فسحة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وفرق رضي الله عنه بين كل رجل طلق امرأته ثلاثاً في مرة واحدة وبين امرأته.
القول الثاني: طلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة:
وهذا القول منقول عن طائفة من السلف والخلف
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وقول كثير من التابعين ومن بعدهم كطاووس ومحمد بن إسحاق - وهذا القول هو الذي ذهب إليه الإمام ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله ونصره في فتاويه وهو الموافق للكتاب والسنة كما أسلفنا. يقول ابن تيمية في فتاويه: (لم يشرع الله لأحد أن يطلق الثلاث جميعاً، ولم يشرع له أن يطلق المدخول بها طلاقاً بائناً) . ويقول أيضاً: (وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله في المدخول بها طلاق بائن يحسب من الثلاث) . ويقول أيضاً: (ولا نعرف أن أحداً طلق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالثلاث، ولا روي في ذلك شيئاً بل رويت في ذلك أحاديث كلها ضعيفة باتفاق علماء الحديث بل موضوعة، بل الذي في صحيح مسلم وغيره من السنن والمسانيد عن طاووس عن ابن عباس أنه قال:"كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم".
وفي رواية لمسلم وغيره عن طاووس أن أبا الصهباء
قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر فقال ابن عباس: نعم وفي رواية أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة؟ قال: قد كان ذلك فلما كان في زمن عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم) .
وتابع الإمام ابن تيمية إيضاحه لهذه المسألة قائلاً: (وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس أنه قال طلق ركانة بن عبد زيد أخو بني عبد المطلب امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف [طلقتها؟] قال: طلقتها ثلاثاً. فقال: [في مجلس واحد] قال: نعم. قال: [فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت] قال: فرجعها) . انتهى.
ولهذا ذهب الإمام ابن تيمية بعد أن ساق هذه الأدلة إلى أن طلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة وقال: (ليس في الكتاب والسنة ما يوجب الإلتزام بالثلاث بمن أوقعها جملة بكلمة أو كلمات بدون رجعة أو عقدة بل إنما في الكتاب والسنة الإلزام بذلك من طلق الطلاق الذي أباحه الله ورسوله، وعلى هذا يدل القياس والاعتبار بسائر
أصول الشرع) أ. هـ.
وقد اعتذر الإمام ابن تيمية رحمه الله عن الأئمة المجتهدين في افتياتهم ذلك بأن ما رآه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب كان داخلاً في باب العقوبة حتى لا يفعل الناس ذلك كما كان يضرب في الخمر ثمانين ويحلق الرأس، وينفي. وقد ذهب إلى مثل ذلك أيضاً في متعة الحج. ولكن لا شك في أن الأولى والأحرى هو الرجوع إلى ما مضت به السنة وخاصة وأن الناس لم ترتجع بتلك العقوبة بل حدث من جراء ذلك فساد كبير في اللجوء إلى التحليل وهو عقد فاسد وغير شرعي.
وهذا الذي نرجحه هنا أخذاً بالكتاب والسنة واتباعاً لمن قال بذلك من السلف والخلف هو الذي عليه العمل الآن في معظم أمصار المسلمين ومن أفاضل مجتهديهم وأهل النظر منهم في الكتاب والسنة. والعجب أن الإمام ابن تيمية قد كفره الناس لفتواه هذه وزعموا أنه بذلك قد خالف إجماع المسلمين لزعمهم أن قول الأئمة الأربعة إجماع وهذا غاية في الفساد والجهل لأن اتفاق الأئمة الأربعة على قول واحد لا يعد إجماعاً في الشرع ولا الإصطلاح.