الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: الأدوار التي مرّت بها السنة وتدوينها
الدور الأول: القرن الأول الهجري
السنة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة:
كان المعول في حفظ السنة وضبطها صدور الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك لشيوع الأمية فيهم فكان اعتمادهم على السماع والحفظ لا على القراءة والكتابة، لم يكن للتدوين ضرورة، ولاسيما وأن حرصهم على تدوين القرآن الكريم وخشيتهم من أن يكون في تدوين الحديث ما يؤدي إلى اتخاذ الناس صحف الحديث مصاحف يضاهون بها صحف القرآن العزيز، فيشتبه على بعضهم القرآن بالأحاديث وربما اشتغلوا به عن التلاوة (1) .
لكن وجد من الصحابة من كان يكتب ويكثر من الكتابة لنفسه كعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فكانت عنده صحيفة يسميها الصادقة (2) .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة لرجل من أهل اليمن عام الفتح سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: اكتب لي يا رسول الله. فقال: اكتبوا لأبي فلان (3) .
وذكر أن عليًا صلى الله عليه وسلم كان لديه كتاب فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة (4) .
وثبت أن لديه صحيفة فيها فكاك الأسير والدية ولا يقتل مسلم بكافر (5)
(1) العسقلاني/هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص6، السيوطي/تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: 1/5.
(2)
يقول (:" هذه الصادقة فيها ما سمعت من رسول الله (ليس بيني وبينه أحد"انظر: طبقات ابن سعد: 4/262.
(3)
الخطبة عن مكة وحرمتها هي مشهورة. انظر صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم:(110) 1/119.
(4)
ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 2/262.
(5)
أخرجه البخاري، انظر: صحيح البخاري، باب كتابة العلم، باب كتابة العلم:(109) 1/119.
الدور الثاني: القرن الثاني الهجري
بدأ تدوين السنة في هذا القرن بطريقة أوسع وبشكل أمر رسمي من ولي أمر المسلمين حيث كتب عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين الخليفة الراشد رحمه الله تعالى إلى الآفاق: (انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه)(1) .
والأرجح أن أول من جمع الحديث من العلماء الإمام محمد بن شهاب الزهري. ومن وقته شاع جمع الحديث وتدوينه فكتب بعده: ابن إسحاق ومالك بالمدينة، وحماد بن سلمة بالبصرة، ومعمر باليمن.
ثم تلا هؤلاء: عبد الرزاق باليمن وأبو قُرة موسى بن طارق، وتفرد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب، وجودة الترتيب وحسن التأليف (2) .
الدور الثالث: القرن الثالث الهجري
في هذا الدور بلغ الحديث غايته ومنتهاه، فلم يزل يروى ويجمع ويدوَّن ويُسطّر في الأجزاء، والكتب إلى زمن الإمامين البخاري ومسلم، ورزقهما الله حسن القبول شرقًا وغربًا، ثم ازداد الجمع والتدوين وظهر جهابذة المحدّثين كالترمذي وأبي داود والنسائي وكان هذا العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم وإليه المنتهى (3) .
(1) العسقلاني/ فتح الباري: 1/195، الكتاني/ الرسالة المستطرفة: ص: 4.
(2)
انظر: الرامهرمزي/ المحدث الفاصل: 613-614.
(3)
القنوجي/ الحطة في ذكر الصحاح الستة: ص 61.
الدور الرابع: القرن الرابع الهجري
طغى التدوين في هذا القرن على الرواية الشفهية عن الشيوخ كما كان الحال فيمن سبق من علماء الحديث (1) .
وكثرت المستخرجات (2) ، وظهرت كتب جمعت أدلة المذاهب الفقهية من الأحاديث (3) .
الدور الخامس: من القرن الخامس الهجري وحتى سقوط بغداد على أيدي التتار عام 656هجري
ما كاد القرن الرابع أن ينتهي، حتى أصبح عمل العلماء قاصرًا على الجمع، والانتقاء، والترتيب، أو التهذيب لكتب السابقين (4) .
الدور السادس: بعد سقوط بغداد وحتى نهاية القرن العاشر
بعد سقوط بغداد تقاعست الهمم وفترت العزائم عن الرحلة إلى الأقطار، وخدمة الحديث فانقرضت الرواية الشفهية إلاّ في أفراد يجددون ما خلق ويحيون ما اندثر من وقت لآخر، (5) .ويشتكي الإمام الذهبي من قتلهم فيقول:"فأين علم الحديث وأين أهله؟ كدت لا أراهم إلاّ في كتاب أو تحت تراب"(6) .
(1) محمد أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 423.
(2)
من المستخرجات المشهورة: مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، ومستخرج ابن أبي دُهل الهروي على صحيح البخاري.
(3)
من ذلك كتاب معاني الآثار للطحاوي في المذهب الحنفي، والسُّنن الكبرى على المذهب الشافعي.
(4)
انظر: محمد أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 43.
(5)
مثل الحافظ زين الدين العراقي وتلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
(6)
تذكرة الحفّاظ: 1/4.
وأصبح للسنة شأن في مصر على مدار ثلاثة قرون حيث اهتم المماليك بالعلوم وأنشأوا فيها مدارس الحديث، حبسوا الأموال على المؤسسات الدينية والعلمية واستمرت هذه النهضة بمصر إلى أوائل القرن العاشر ثم أخذ النشاط العلمي يتضاءل ويضمحل، وطفق يرحل شيئًا فشيئًا إلى الهند (1) .
الدور السابع: من بداية القرن الحادي عشر وحتى اليوم
سخر الله عز وجل بفضله ومنه في الهند من حمل لواء السنة يدعو إليها وينافح عنها. وكانت لهم آثار ملموسة وأحيا الله بهم الحديث والسنة (2) .
وممّا هو جدير بالذكر الإشادة بالجهود الطيبة المباركة التي قام بها جلالة الملك الراحل (عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) عليه رحمة الله وعدد من أبنائه وعدد من علماء الجزيرة الذين عُنوا بكتب السنة والفقه وبذلوا الأموال في تحقيقها وطبعها ونشرها بين أيدي الناس دون مقابل (3) .
(1) أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 440، الكشميري/ فيض الباري: 1/15.
(2)
انظر الزركلي/ الأعلام: 1/149.
(3)
من الكتب التي حصلت عليها مجانًا جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير، والفتاوى لابن تيمية، المغني لابن قدامة.