الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ص 1] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ
…
} الآيات [ص: 34 - 36].
أجزاء الآية
1 ــ {فَتَنَّا} معناه: بلونا، اختبرنا، امتحنا. قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، ففتنة الله عز وجل لعبده هو أن يعرضه لأمر يعترك فيه خوفه من الله عز وجل وهواه، بأن يكون في ذلك الأمر ما تميل إليه النفس وتشتهيه وترغب فيه مما نهى الله عز وجل عنه.
فالخير كالغنى ــ مثلاً ــ فتنة، لأن نفس الغني تميل إلى الأشر والبطر والشهوات المحظورة.
والشر كالفقر ــ مثلاً ــ فتنة، لأن نفس الفقير تميل إلى طلب المال، ولو من غير حِلِّه.
وإذا فتن الله عز وجل عبدًا، أي بلاه بشيء، فقد يغلب إيمانه وتقواه هواه فيفوز، وقد يغلب هواه تقواه فيسقط.
فيتحصّل من هذا: أن الله عز وجل إذا أخبر أنه فتن عبدًا، فليس في هذا الخبر وحده ما يدل على وقوع العبد في المعصية، وإنما يدل على أنه سبحانه عرّض العبد لأمرٍ، كما مرَّ، فليس في كلمة {فَتَنَّا} في هذه الآية ما
يدل على
وقوع معصية من سليمان عليه السلام.
2 -
{جَسَدًا} معناه ــ والله أعلم ــ: جسم إنسان أو حيوان لا روح فيه
(1)
. قال الله عز وجل في شأن الأنبياء: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8].
[ص 2] أخرج ابن جرير
(2)
عن الضحاك يقول: "لم أجعلهم جسدًا ليس فيهم أرواح لا يأكلون الطعام، ولكن جعلناهم جسدًا فيها أرواح يأكلون الطعام".
وقال تعالى في شأن بني إسرائيل: {عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [الأعراف: 148، وطه: 88].
وقد اختلف في عجل السامري: أصار حيًّا، أم لا؟ وجاء نفي حياته عن بعض التابعين
(3)
، ونصره أكثر المتأخرين، وهو الذي يقتضيه تعقيب الله عز وجل قوله:{عِجْلًا} بقوله: {جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} .
وقول صاحب القاموس
(4)
: "الجسد محركة: جسم الإنسان والجنّ والملائكة" لا أرى ذكر الجنِّ والملائكة إلا مبنيًّا على ما قيل في تفسير آية الأنبياء: إن المعنى: "وما جعلناهم ملائكة .. "، وما قيل من أن الملقى على كرسي سليمان شيطان، وليس في هذا ما تقوم به حجة. وليته فُصِل في
(1)
وهو قول الزجاج في "معاني القرآن"(2/ 377) وابن الأنباري (زاد المسير 3/ 261).
(2)
"تفسيره"(16/ 230).
(3)
انظر قول مجاهد في "تفسير القرطبي"(14/ 121).
(4)
(348 جسد).