الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[4/أ]
السؤال الثالث
إذا لم يكمل الفخر تفسيره فهذا التفسير المتداول الكامل مشتمل على الأصل والتكملة، فهل يُعرَف أحدهما من الآخر
؟
الجواب عن هذا يحتاج إلى إطالة. فقد قال الشهاب الخفاجي المتوفى سنة 1069 هـ في شرحه لشفاء القاضي عياض (1/ 267) معترضًا على من نقل عن "التفسير الكبير" للفخر الرازي: "الثابت في كتب التاريخ أن التفسير الكبير وصل إلى سورة الأنبياء وكمَّله تلميذه الخويي".
وقد ذكرت ارتيابي في هذا القول ثم نظري في التفسير نفسه، وسألخص ذلك محيلًا على النسخة المطبوعة بمصر سنة 1278 هـ، وهي في ستة مجلدات، وله نسخة مخطوطة محفوظة بمكتبة الحرم المكي.
أولًا: في آخر تفسير البقرة من المخطوطة "حكاية تأريخ المصنف": "وقد تم يوم الخميس في المعسكر المتاخم للقرية المسماة بأرصف، سنة أربع وتسعين وخمسمائة".
وفي آخر تفسير آل عمران من المخطوطة: "قال رضي الله عنه: تم تفسير هذه السورة يوم الخميس". ونحوه في المطبوعة، وزاد:"أول ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة".
وهكذا ثبت التأريخ في أكثر السور الآتية إلى آخر سورة الكهف حيث ثبت في النسختين: "قال المصنف رحمه الله: تم تفسير هذه السورة يوم الثلاثاء السابع عشر من صفر سنة اثنتين وستمائة في بلدة غزنين".
ثم انقطعت السلسلة إلى سورة يس، ثم شرعت من آخر تفسير الصافات حيث وقع هناك في المطبوعة:"تم تفسير هذه السورة ضحوة يوم الجمعة السابع عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستمائة".
ثم استمر التأريخ فيما بعد ذلك من السور إلى آخر تفسير الأحقاف حيث وقع في النسختين: "قال المصنف رضي الله عنه: تم تفسير هذه السورة يوم الأربعاء العشرين من ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة".
ولم يثبت شيء آخر القتال، ووقع في المطبوعة آخر تفسير سورة الفتح: "قال المصنف رحمه الله تعالى: تم تفسير هذه السورة يوم الخميس السابع عشر من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة
…
".
كذا وقع مع أن أول ذي الحجة تلك السنة "الجمعة" كما تصرح به تواريخ السور السابقة. وفي "الشذرات"(5/ 10) ما يدل على أن أول شوال تلك السنة كان الاثنين، فإذا تم شوال ثلاثين كان أول ذي القعدة الأربعاء كما تقدم، فإذا تم أيضًا ثلاثين ــ ولا مانع من ذلك ــ كان أول ذي الحجة الجمعة.
ثانيًا: وقع في القسم الذي زعم الخفاجي أنه التكملة ــ في مواضع منه ــ نصوص تبين أن تلك المواضع من تصنيف الفخر. فمنها ما هو صريح كقوله في تفسير سورة الأنبياء ــ التفسير (4/ 521): "أما المأخذ الأول فقد تكلمنا فيه في الجملة في كتابنا المسمى بالمحصول في الأصول".
وفي تفسير الزمر ــ التفسير (5/ 415): "الثالث: كان الشيخ الوالد ضياء الدين عمر رحمه الله يقول
…
".
وفي تفسير الزمر ــ التفسير (5/ 448): "لنا كتاب مفرد في تنزيه الله
…
سميناه تأسيس التقديس".
[5/أ] وفي تفسير سورة الحشر ــ التفسير (6/ 275): "اعلم أنا قد تمسكنا بهذه الآية في كتاب المحصول في أصول الفقه".
وفي تفسير المدثر ــ التفسير (6/ 404): "والاستقصاء فيه قد ذكرناه في المحصول من أصول الفقه".
وفي تفسير سورة الفجر ــ التفسير (6/ 547): "وجواب المعارضة بالنفس مذكور في كتابنا المسمى بلباب الإشارات".
وكتاب "المحصول في أصول الفقه"، وكتاب "تأسيس التقديس في العقائد"، وكتاب "لباب الإشارات" ــ ملخص من إشارات ابن سينا ــ ثلاثتها من مصنفات الفخر الرازي المشهورة. وضياء الدين عمر هو والد الفخر الرازي وشيخه.
ومنها ما هو دون ذلك كقوله في تفسير سورة الفرقان ــ التفسير (5/ 28): "وفي تحقيقه وبسط كلام دقيق يرجع فيه إلى كتبنا العقلية".
وفي تفسير سورة القصص ــ التفسير (5/ 135): "وهذه طريقة ركيكة بينا سقوطها في الكتب الكلامية".
وفي تفسير سورة فصلت ــ التفسير (5/ 449): "لأنا قد دللنا في المعقولات .. ".
وفي تفسر سورة القيامة ــ التفسير (6/ 415): "بينا في الكتب العقلية ضعف تلك الوجوه فلا حاجة هنا إلى ذكرها".
والذي نسبت إليه التكملة لم تعرف له كتب عقلية وكتب كلامية يتأتَّى منه أن يحيل عليها بمثل هذه الكلمات، وإنما ذلك للفخر الرازي.
فأما ما وقع في التفسير (5/ 317) في تفسير سورة يس، وهو من القسم الثالث:"قد ذكرنا الدلائل على جواز الخلاء في الكتب العقلية"، فالصواب كما في المخطوطة:"قد ذكر الدلائل .. ".
ومنها ما هو دون ذلك كقوله في تفسير سورة النور ــ التفسير (4/ 620): "فقد بينا في أصول الفقه". ونحوه في تفسير النور أيضًا ــ التفسير (4/ 637)، و (4/ 709) وفي تفسير الفرقان (5/ 21) وسورة النمل (5/ 93).
وفي تفسير الدخان ــ التفسير (5/ 583): "وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بيناه في أصول الفقه".
وفي تفسير سورة الحديد ــ التفسير (6/ 232): "سمعت والدي رحمه الله
…
".
وفي تفسير سورة الحشر ــ التفسير (6/ 275): "
…
أن المسلم لا يقتل بالذمي، وقد بينا وجهه في الخلافات".
وحمل هذه الإحالات على أنها من كلام الفخر هو الظاهر.
ثالثًا: الطريقة التي جرى عليها الرازي في الشطر المقطوع بأنه تصنيفه من هذا التفسير استمرت إلى آخر سورة القصص، ومن ثم خلفتها طريقة أخرى في تفسير العنكبوت وما بعدها إلى آخر سورة يس، يتبين ذلك لمن أنعم النظر في القسمين. وهذه طائفة من وجوه الفرق التي يتيسر بيانها:
الأول: أطال الرازي في أول تفسير البقرة القول في الحروف المقطعة أوائل
السور، واختار أنها أسماء للسور، واستمر مقتضى هذا القول في أول آل عمران والأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر ومريم وطه، وكذا في أول سورة الشعراء والنمل والقصص.
[6/أ] فأما أول العنكبوت فابتدأ المفسر بكلام طويل في تثبيت قول جديد حاصله أن الحروف المقطعة إنما أتي بها لتنبيه السامع، قال: "الحكيم إذا خاطب من يكون محل الغفلة
…
يقدم على الكلام المقصود شيئًا غيره ليلتفت المخاطب
…
وقد يكون ذلك المقدم على المقصود صوتًا غير مفهوم، كمن يصفر خلف إنسان ليتلفت إليه، وقد يكون ذلك الصوت بغير الفم كما يصفق الإنسان بيديه ليقبل السامع عليه. فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان يقظان الجنان لكنه إنسان يشغله شأن عن شأن، فكان يحسن من الحكيم أن يقدم على الكلام المقصود حروفًا هي كالمنبهات، ثم إن تلك الحروف إذا لم تكن بحيث يفهم معناها تكون أتم في إفادة المقصود الذي هو التنبيه
…
".
ثم قال في إعراب "الم": "قد ذكر تمام ذلك في سورة البقرة مع الوجوه المنقولة في تفسيره ونزيد هاهنا أن على ما ذكرنا في الحروف [من أنها للتنبيه] لا إعراب لها [أي الم]، لأنها جارية مجرى الأصوات المنبهة".
نقلت هذه العبارة الأخيرة من النسخة المخطوطة، وزدت الكلمات المحجوزة إيضاحًا، والعبارة في المطبوعة مغيرة تغييرًا موهمًا. وواضح أنه لا ينكر إحالة صاحب التكملة على الأصل بنحو "قد تقدم
…
"، وجرى أول تفسير سورة الروم على هذا القول الجديد، وأحال على العنكبوت، وسكت
في أول لقمان، واقتصر أول السجدة على قوله: "قد علم ما في قوله: {الم}
وقوله: {لَا رَيْبَ فِيهِ} من سورة البقرة وغيرها"، وقال أول يس: "قد ذكرنا كلامًا كليًّا في حروف التهجي في سورة العنكبوت".
الوجه الثاني: لم يعن في القسم الأول ببيان ارتباط السورة بالتي قبلها، وعني به في القسم الثاني ــ العنكبوت ويس وما بينهما.
الثالث: يكثر في القسم الأول التعرض للقضايا الكلامية ولو لغير مناسبة يعتد بها، بخلاف القسم الثاني.
الرابع: يكثر في القسم الأول النقل عن رؤوس المعتزلة كالأصم والجبائي والقاضي عبد الجبار والكعبي وأبي مسلم الأصفهاني، ويظهر من عدة مواضع أن تفاسيرهم كانت عند الرازي. ولا يوجد ذلك في القسم الثاني.
الخامس: يكثر في القسم الأول نقل احتجاجات المعتزلة مشروحة، فربما أجاب عنها، وربما اقتصر على المعارضة، وربما اجتزأ بالإشارة إلى الجواب، وربما سكت. ويندر ذلك في القسم الثاني.
السادس: يكثر في القسم الأول الألفاظ الجدلية مثل: سلَّمنا، فلم قلتم، ونحوها؛ بخلاف القسم الثاني.
السابع: يكثر في القسمين النقل عن الكشاف، والتزم في الأول:"قال صاحب الكشاف" ونحوه. وفي الثاني غالبًا: "قال الزمخشري" ونحوه.
الثامن: يغلب في الأول عند إكمال تفسير الآية وإرادة الشروع في غيرها أن يقال: "قوله تعالى
…
"، وفي القسم الثاني: "ثم قال تعالى".
التاسع: يكثر في الأول جدًّا تصدير كل مقصد بقوله: "اعلم"، ويندر
ذلك في القسم الثاني.
العاشر: يندر في الأول تحري السجع، ويكثر في الثاني.
[7/أ] الحادي عشر: يقع في القسم الأول التعرض لما يتعلق بقواعد العربية باعتدال. أما في القسم الثاني فنجد كثيرًا محاولة التعمق في ذلك، والتدقيق والإيغال في التعليل، والإغراب بما لا يوجد في كتب العربية نفسها.
الثاني عشر: يقع في الأول التعرض للنكات البلاغية باعتدال، ويكثر ذلك في الثاني.
عرفنا أن القسم الأول ــ وهو من أول التفسير إلى آخر سورة القصص ــ جرت فيه الطريقة الأولى، وأن القسم الثاني ــ وهو من أول تفسير العنكبوت إلى آخر تفسير يس ــ جرت فيه الطريقة الثانية، فماذا بعد ذلك؟ عادت الطريقة الأولى من أول تفسير الصافات إلى آخر تفسير الأحقاف، فهذا قسم ثالث. ثم رجعت الطريقة الثانية من أول سورة القتال إلى آخر تفسير الواقعة، فهذا قسم رابع. ثم عادت الطريقة الأولى في تفسير الحديد والمجادلة والحشر فقط، فهذا قسم خامس. ثم رجعت الطريقة الثانية من أول تفسير سورة الممتحنة إلى آخر تفسير سورة التحريم، إلا أنه يتبين فيه الاستعجال وترك التدقيق، ويكاد يقتصر فيه على الأخذ من تفسير الواحدي والكشاف، فهذا قسم سادس. ثم عادت الطريقة الأولى من أول تفسير الملك إلى آخر القرآن، فهذا قسم سابع.
ولا ريب أن القسم الأول من تصنيف الفخر، والطريقة الأولى طريقته، إذن فالقسم الثالث والخامس والسابع من تصنيفه. وهذا مطابق للنصوص المتقدمة تحت قولي: "ثانيًا
…
"، فإن تلك النصوص كلها في هذه
الأقسام. ومطابق أيضًا للأمر الأول، وهو التواريخ في أواخر تفسير السور؛ فإن السلسلة الأولى في أواخر سور القسم الأول، والسلسلة الثانية هي في أواخر سور القسم الثالث خلا التاريخ الذي في آخر تفسير سورة الفتح، فإن تفسير سورة الفتح من القسم الرابع، لكن ذلك التاريخ مخدوش كما تقدم، ويذفِّف عليه أن تفسير سورة الفتح جارٍ على الطريقة الثانية.
قد تضافرت الأدلة على أن القسم الأول والثالث والخامس والسابع من تصنيف الفخر الرازي، وبقي النظر في بقية الأقسام، وهي الثاني والرابع والسادس، ويدل على أنها من تصنيف غيره أمور:
الأول: اختلاف الطريقة كما تقدم.
الثاني: في التفسير (5/ 182) في تفسير سورة الروم، وهو من القسم الثاني: " فأخبرني الشيخ الورع الحافظ الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بحلب
…
". وعبد الرحمن هذا توفي سنة 623 كما في "الشذرات" وغيرها.
وفي التفسير (5/ 255) في تفسير سورة سبأ، وهو من القسم الثاني أيضًا: "أخبرني تاج الدين عيسى بن أحمد بن الحاكم البندهي، قال: أخبرني والدي، عن جدي، عن محيي السنة، عن عبد الواحد المليحي، عن أحمد بن عبد الله النعيمي، عن محمد بن يوسف الفربري، عن محمد بن إسماعيل البخاري
…
".
[8/أ] لم أجد ترجمة لعيسى هذا، والظاهر أنه متأخر عن الفخر، فإن بين الراوي عن عيسى وبين محيي السنة ثلاثة. والفخر ــ كما في ترجمته من "طبقات ابن السبكي" ــ أخذ عن أبيه ضياء الدين، وضياء الدين من أصحاب
محيي السنة.
وفي التفسير (6/ 18) في تفسير سورة ق، وهو من القسم الرابع: "الظلّام بمعنى الظالم كالتمّار بمعنى التامر
…
وهذا وجه جيد مستفاد من الإمام زين الدين أدام الله فوائده".
لم يتبين لي من زين الدين هذا؟ وظاهر العبارة أنه كان حيًّا حين التصنيف، وربما كان هو ابن معطي صاحب الألفية، توفى سنة 628 هـ.
وفي التفسير (6/ 143) في تفسير سورة القمر، وهو من القسم الرابع أيضًا:"روى الواحدي في تفسيره، قال: سمعت (الصواب: في تفسيره ما سمعته على، كما في المخطوطة) الشيخ رضي الدين المؤيد الطوسي بنيسابور قال: سمعت عبد الجبار، قال: أخبرنا الواحدي، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج .. ". والمؤيد الطوسي محدث توفي سنة 617 هـ.
هذا وقد عرفت أن هؤلاء الذين روى عنهم المفسر متأخرون عن الفخر، والفخر ليس براوٍ كما في ترجمته من "طبقات ابن السبكي"، ولم أجد في الأقسام الأربعة التي قامت الأدلة على أنها من تصنيفه تعرضًا للرواية، ولا نقلًا عن عالم من أهل عصره غير والده. والظاهر أن المفسر الراوي عن هؤلاء هو أحمد بن خليل الخويي، فهو صاحب هذه التكملة.
فأما القمولي
(1)
فمتأخر لم يدرك هؤلاء، وفي ترجمة الخويى من "طبقات ابن السبكي" أنه أدرك المؤيد الطوسي وسمع منه.
وفي التفسير (6/ 54) في تفسير الذاريات ــ وهو من القسم الرابع ــ كلام في مسألة اعتقادية، ثم قال:"والاستقصاء مفوض في ذلك إلى المتكلم الأصولي لا إلى المفسر". وهذا لا يشبه كلام الفخر بل فيه تعريض به، وعادة الفخر أن يستقصي أو يحيل على كتبه العقلية أو الكلامية أو يسمي بعضها.
وفي التفسير (6/ 147) وهو في تفسير سورة القمر، وهو من القسم الرابع:"سادسها ما قاله فخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: 11]. . . وأخذ هذا المفهوم اللغوي. . . وهو قريب إلى اللغة لكنه بعيد الاستعمال في القرآن".
وقع في المخطوطة: "سادسها ما قلنا"، وهو من إصلاح الناسخ بزعمه، والسياق يشهد لما في المطبوعة. والآية التي ذكرها في تفسير فصلت، وفيه المعنى الذي حكاه، وتفسير فصلت من القسم الثالث الذي قامت الأدلة على أنه من تصنيف الفخر الرازي، فهذا مما يؤكد ذلك.
وفي التفسير (6/ 196) وهو في تفسير الواقعة، وهو من القسم الرابع أيضًا: "
…
وشيء من هذا رأيته في كلام الإمام فخر الدين رحمه الله بعد ما فرغت من كتابه هذا مما وافق خاطري خاطره على أني معترف بأني أصبت منه فوائد لا أحصيها". [9/أ] هكذا في النسختين إلا أنه سقط من المخطوطة
(1)
في الأصل: "القونوي"، وهو سبق قلم.
قوله: "معترف بأني"، والبحث متعلق بقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهي في سورة الشورى، وفي تفسيرها بعض ما ذكره هنا، وتفسير الشورى من القسم الثالث الذي قامت الأدلة على أنه من تصنيف الفخر، فهذا مما يؤيد ذلك.
وفي التفسير بعدما تقدم بقليل: "وفيه مسائل. الأولى: أصولية ذكرها الإمام فخر الدين رحمه الله في مواضع كثيرة، ونحن نذكر بعضها، فالأولى: قالت المعتزلة
…
وقد أجاب الإمام فخر الدين رحمه الله بأجوبة كثيرة، وأظن به أنه لم يذكر ما أقوله فيه".
هكذا في المطبوعة، ووقع في المخطوطة: "وفيه مسائل أصولية. المسألة الأولى: قالت المعتزلة
…
وقد أجاب عنه الإمام فخر الدين الرازي بأجوبة كثيرة وأظن أنه لم يذكر ما أقول فيه".
الأمر الثالث: الإحالات، أعني قوله: "قد ذكرنا في
…
" ونحوه، وأرى أن أبسط القول في الإحالات بوجه عام.
وقعت الإحالات في جميع الأقسام خلا السادس، وذلك من أثر الاستعجال فيه كما سبق. ولا تنكر الإحالة في قسم على ما تقدم منه، أو من قسم آخر لمصنفه، ولا الإحالة في التكملة على الأصل بلفظ "قد تقدم" ونحوه. وإنما الذي يستنكر ضربان مشككان: الأول: الإحالة في التكملة على الأصل بلفظ "قد ذكرنا" ونحوه؛ إذ يقال: كيف ينسب إلى نفسه ما هو من كلام غيره؟ الضرب الثاني: الإحالة فيما هو من الأصل على ما هو من التكملة؛ إذ يقال: كيف يحال على ما لم يوجد بعد بلفظ يفيد أنه قد وجد؟
فأما الضرب الأول فاصطدمت أولًا بعدد من تلك الإحالات في القسم الثاني، فراعني قوله في موضعين أو أكثر من أوائل تفسير العنكبوت:"قد ذكرنا مرارًا" ونحو هذا؛ فإن الدلائل تقضي بأن ما قبل العنكبوت كله من تصنيف الرازي، وأن تفسير العنكبوت من التكملة، وإحالات أخرى في ذاك
القسم أعني الثاني على تفسير البقرة وغيرها من سور القسم الأول. حيرني ذلك أولًا لقوَّة جزمي بأن مصنف تفسير العنكبوت غير مفسر ما قبلها، فذهبت أتلمَّس الاحتمالات، وكان أقربها أن صاحب التكملة رأى أنه وصاحب الأصل شريكان في الجملة في هذا التفسير، وأنه يسوغ أن يُنسب فعل أحد الشريكين إليهما، فهو يقول:"ذكرنا" يريد: ذكر مصنف الأصل.
ثم بدا لي أن أتتبع المواضع المحال عليها، وأنظر أيوجد فيها المعاني المحال بها عليها أم لا؟ فإذا بي أخلص من إشكال وأقع في آخر. ففي التفسير (5/ 201):"وذكرنا في تفسير الأنفال في أوائلها أن الصلاة ترك التشبه بالسيد .. ".
وفيه (5/ 220): "المسألة الرابعة: لِمَ قدم السمع هنا والقلب في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة: 7]
…
وقد ذكرنا هناك ما هو السبب في تأخير الأبصار
…
وهو أن القلب والسمع سلب قوتهما بالطبع
…
".
وليس لما أحال به في هاتين الإحالتين وجود في الموضعين المحال عليهما، وهاتان في القسم الثاني. وفيه إحالات أخرى يوجد في المواضع المحال عليها فيها طرف من المعنى المحال به فقط.
وهذه أمثلة من القسم الرابع:
[10/أ] في التفسير (6/ 22) في تفسير سورة "ق": "ذكرنا ذلك في تفسير الفاتحة حيث قلنا: قال: بسم الله الرحمن الرحيم إشارة إلى كونه
رحمانًا
(1)
في الدنيا حيث خلقنا، رحيمًا في الدنيا حيث رزقنا رحمة، ثم قال مرة [أخرى]
(2)
بعد قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} : {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أي هو رحمان مرة أخرى في الآخرة بخلقنا ثانيًا. واستدللنا عليه بقوله بعد ذلك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي بخلقنا ثانيًا، ورحيم برزقنا، ويكون هو المالك في ذلك اليوم إذا علمت هذا
…
". وليس في تفسير الفاتحة أثر لهذا الكلام بلفظه، ولا بمعناه.
وفي التفسير (6/ 30) في تفسير الذاريات: "المسألة الأولى: قد ذكرنا الحكمة في القسم من المسائل الشريفة والمطالب العظيمة في سورة والصافات، ونعيدها هاهنا، وفيها وجوه: الأول
…
واستوفينا الكلام في سورة الصافات". ساق كلامًا طويلًا ليس له أثر في تفسير الصافات، وإنما يوجد بعضه في تفسير يس. هذا وتفسير الصافات من القسم الثالث، وهو من تصنيف الرازي، فأما تفسير يس فمن القسم الثاني، وهو من تصنيف مصنف الرابع.
وفي التفسير (6/ 72) في تفسير الطور: "المسألة الرابعة: هذا يدل على أنه لم يطلب منهم أجرًا ما، وقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي
(1)
كذا في الأصل و"تفسير الرازي".
(2)
زيادة من "تفسير الرازي".
الْقُرْبَى} [الشورى: 23] المراد من قوله: "إلا المودة في القربى" هو أني لا أسألكم عليه أجرًا يعود إلى الدنيا، وإنما أجري المحبة في الزلفى إلى الله تعالى
…
وقد ذكرناه هناك". يعني في تفسير الشورى، وتفسير الشورى من القسم الثالث، وليس فيه هذا الذي قال.
وفي التفسير (6/ 76) في تفسير الطور أيضًا: "ويكون مستثنًى منهم كما قال تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]، وقد ذكرنا هناك أن من اعترف بالحق، وعلم أن الحساب كائن، فإذا وقعت الصيحة يكون كمن يعلم أن الرعد يرعد ويستعد لسماعه، ومن لا يعلم يكون كالغافل
…
". وآية "فصعق
…
" في سورة فصلت، وهي من القسم الثالث، وليس في تفسيرها ما أحال به عليه. نعم يوجد نحوه في تفسير سورة "ق"، وهو من القسم الرابع.
وبقيت إحالات من هذا القبيل لا أرى ضرورة لاستيفائها.
في هذا دلالة بينة على أن لهذه السُّوَر المحال عليها سوى تفسيرها هذا تفسيرًا آخر عليه وقعت الإحالة، والظاهر أنه من تصنيف المحيل نفسه، فيصح قوله:"ذكرنا" ونحوه على ظاهره، فانحل الإشكال، وصح أن مصنف القسم الثاني والرابع والسادس غير مصنف بقية الأقسام.
لكن نشأ إشكال جديد هذا حلُّه:
قد مر ما يدل على أن مصنف القسم الثاني والرابع والسادس هو الخويي، والمعروف كما سبق أن للخويي تكملة على تفسير الفخر، فكأن تكملة الخويي عبارة عن كتاب يتضمن تعليقًا على السور التي فسرها الفخر
وتفسيرًا تامَّا للسور التي لم يفسرها الفخر، فهو يحيل في التفسير على التعليق لأنهما كتاب واحد.
ويشهد لهذا فقدان خطبته لأنها كانت أول الكتاب، ويليها التعليق على القسم الأول، فعمد من بعده إلى تفسيره للسور التي لم يفسرها الفخر، فاقتطعه
من التكملة، ووصل به تفسير الفخر، وأهمل التعليق، فذهبت الخطبة معه.
[11/أ] الضرب الثاني من الإحالات المشككة ما وقع فيما تبين لنا أنه من تصنيف الرازي على تفسير سور تبين لنا أن تفسيرها في هذا الكتاب من تصنيف غيره.
ففي القسم الثالث إحالة واحدة من هذا الضرب، مع أن فيه من الإحالات غير المشككة زهاء سبعين، وهذه الواحدة هي ما في التفسير (5/ 602):"تقدم الكلام في نظير هذه الآية في سورة العنكبوت وفي سورة لقمان".
وفي القسم الخامس منها واحدة، وهي ما في التفسير (6/ 233) بعد ذكر آية:"وهو مفسَّر في سبأ". وفي السابع منها عشر إحالات.
وأكثر هذه الإحالات مجمل كما رأيت، فلا يمكن أن نستفيد شيئًا من مقابلة الإحالتين السابقتين على تفسير تينك الآيتين في العنكبوت ولقمان وسبأ من هذا التفسير. بلى وجدت إحالتين من العشر الأخيرة أفادت مقابلتهما!
فالأولى في التفسير (6/ 330) في سورة " ن ". قال: "المسألة الثانية: القراء مختلفون في إظهار النون وإخفائها من قوله: {ن وَالْقَلَمِ}
…
وقد ذكرنا هذا في (طس) و (يس) ". وتفسير (يس) من القسم الثاني، وليس فيه تعرض لهذه المسألة. وكذلك لا ذكر لها في (طس) مع أنها من القسم الأول، ولعله يأتي النظر في هذا.
الإحالة الثانية في التفسير (6/ 586) في تفسير (اقرأ): "قد مر تفسير النادي عند قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] ". وهذه الآية في سورة العنكبوت، وهي في هذا التفسير (5/ 155) وليس ثمة تفسير للنادي.
فهذا يدلك أن هذه الإحالات ليست على هذا التفسير الذي بأيدينا. ويؤكد ذلك أن في تفسير القيامة إحالتين على تفسير الواقعة مع أنه قد تقدم في النصوص النص القاطع على أن تفسير الواقعة لغير الرازي، والنص الواضح على أن تفسير القيامة من تصنيفه، عدا الأدلة الأخرى التي تقضي بذلك.
فاتضح أن هذه الإحالات لا تخدش فيما قضت به الأدلة من أن القسم الأول والثالث والخامس والسابع من تصنيف الرازي، وأن القسم الثاني والرابع والسادس من تصنيف غيره بل تؤكد ذلك.
وهناك احتمالان: الأول: أن يكون الفخر صنف التفسير كاملًا، ولكن فقدت منه قطع هي التي أكملها الخويي وغيره. الثاني: أن لا يكون فسر تلك السور أصلًا، أعني التي اشتمل عليها القسم الثاني والرابع والسادس.
قد يستدل للأول بأمرين:
الأول: الإحالات التي مر ذكرها قريبًا.
الثاني: أن العادة على العموم أن يبدأ المفسر من أول القرآن ثم يجري على الترتيب، وأي سبب يحمل الرازي على أن يطفِر، ثم يطفر، ثم يطفر؟
ويستدل للثاني بأمور:
الأول: أن الظاهر أنه لو فقد شيء من تفسير الرازي لنقل ذلك.
الثاني: أن ابن أبي أصيبعة تلميذ الخويي ذكر تفسير الرازي، وأنه في اثنتي عشرة مجلدة بخطه الدقيق، ولم يذكر فقد شيء منه، وذكر تكملة الخويي.
الثالث: أن ابن خلكان مع سعة اطلاعه وتحريه وتثبته ذكر أن الرازي لم يكمل تفسيره.
[12/أ] أما الإحالات السابقة ففيها قرائن توهي دلالتها على أن الرازي قد كان فرغ من تفسير جميع السور التي بما قبلها.
القرينة الأولى: قلة تلك الإحالات.
القرينة الثانية: أن عبارته في أكثرها قريبة الاحتمال لأن يكون إنما أحال على ما عزم عليه، لا على ما قد فرغ منه. وذلك كقوله:"مفسر في سورة سبأ"، "مفسرة في سورة الطور"، "مفسرة في آخر سورة الطور"، "مفسر في سورة النجم".
وقوله في بعضها: "قد ذكرنا" ونحوه يحتمل التجوُّز بأن يكون نزَّل
المعزوم عليه منزلة ما قد وقع. وهوَّن عليه ذلك أن تلك السور التي يحيل على تفسيرها متقدمة في ترتيب القرآن، ويرى أنه إذا فسرها بعد ذلك سيكون تفسيره لها متقدمًا في الترتيب على موضع الإحالة، فاستثقل أن يكون في كتابه إحالة على ما تقدم فيه بلفظ "سيأتي" ونحوه.
فأما الاستدلال بالعادة واستبعاد الطفر، فيخفف من قوتها أننا نجد في تفسير الرازي إحالات عديدة على تفسير سور مستقبلة بألفاظ صارخة بأنه قد فسرها قبل ذلك.
ففي نفس الآية السابعة من سورة البقرة ــ التفسير (1/ 192): "المسألة
الثامنة: واستقصينا في بيانه
…
في سورة الشعراء".
وفي تفسير الآية السادسة من المائدة ــ التفسير (2/ 592): "وقد حققنا الكلام في هذا الدليل في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} فليرجع إليه". والآية في سورة البينة.
وفي تفسير الآية 54 من الأعراف ــ التفسير (3/ 236): "وهذا الوجه قد أطلنا في شرحه في سورة طه، فلا نعيده هنا".
عثرت على هذه الأمثلة عثورًا، فإني لم أتصفح الشطر الأول من التفسير، ولعلك إن تتبعت تجد فيه كثيرًا من هذا الضرب.
وفي التفسير (5/ 340) في تفسير الصافات: "ولعلنا قد شرحنا هذا الكلام في تفسير {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} ". ثم قال في صفحة 341: "الاستقصاء فيه مذكور في قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} ". ثم قال ص 342: "إذا
أضيف ما كتبناه هاهنا إلى ما كتبناه في سورة الملك
…
".
وفي التفسير (5/ 521): "يؤكد هذا أنا بيَّنا في تفسير {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
…
}.
وفي مواضع من القسم السابع إحالات على مواضع أخرى منه، منها من هذا القبيل:
قوله في تفسير سورة تبارك (الملك): "ونظير هذه الآية قوله: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} وقد تقدم الكلام فيه". وهذا في سورة "ن".
وقوله في تفسير المعارج: "فقد قررنا هذه المسألة في تفسير قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} ". وهذه في سورة النبأ.
وإحالة مجملة، وهي قوله في آخر تفسير الحاقة:"وأما تفسير قوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ} فمذكور في أول {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ".
وإحالتان على المتأخر على أنه مستقبل: ففي تفسير الحاقة: "سنذكره في أول سورة القيامة". وفي "التين" بعد الإشارة إلى قصة الفيل: "على ما يأتيك شرحه".
وعدة إحالات على المتقدم منه بلفظ: "قد تقدم" ونحوه. ففي المعارج على الملك، وفي المدثر و"هل أتى" على المزمل، وفي التكوير والمطففين والانشقاق على القيامة، وفي المطففين على "هل أتى"، وفي البروج على التكوير، وفي البلد على الجن، وفي العاديات على الانفطار وعلى الغاشية، وفي القارعة على المعارج [13/أ] وعلى الحاقة، وفي التكاثر على الضحى.
وفيه إحالات عديدة على بعض سور القسم الأول: الفاتحة والبقرة والأنعام والأعراف والتوبة والكهف وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والفرقان وطس (النمل). وهذه الأخيرة قد تقدم ذكرها في أوائل"الضرب الثاني من الإحالات المشككة"، وأنه لا يوجد في تفسير طس من هذا الكتاب المعنى المحال به عليه.
وبهذا وغيره يتبين أن إحالته على تفسير سورة متقدمة في الترتيب بلفظ "قد تقدم" ونحوه لا يتم دليلًا على أنه عند كتابة الإحالة قد كان فسر تلك السورة المتقدمة، بل يحتمل أنه لم يكن فسرها، وإنما كان عازمًا على تفسيرها فيما بعد، فتجوَّز. ثم من المحتمل أن يكون فسرها بعد ذلك كما في هذا الموضع،
وأن يكون مات قبل أن يفسرها كما هو الظاهر في سور القسم الثاني والرابع والسادس على ما تقدم.
وفيه إحالة على الزمر وأخرى على الأحقاف، وهما من سور القسم الثالث.
هذا، ومقصودي إثبات أن جري الفخر غير المعتاد واقع في الجملة. فأما كيف؟ ولماذا؟ فأدعه لمن يهمّه.
ملخص الجواب عن السؤال الثاني
(1)
:
الأصل من هذا الكتاب، وهو القدر الذي هو من تصنيف الفخر الرازي، هو: من أول الكتاب إلى آخر تفسير سورة القصص، ثم من أول تفسير الصافات إلى آخر تفسير سورة الأحقاف، ثم تفسير سورة الحديد والمجادلة
(1)
كذا في الأصل وهو سهو، والمقصود: الثالث.
والحشر، ثم من أول تفسير سورة الملك إلى آخر الكتاب.
وما عدا ذلك فهو من تصنيف أحمد بن خليل الخويي، وهو بعض التكملة المنسوبة إليه؛ فإن تكملته تشمل زيادة على ما ذكر تعليقًا على الأصل.
هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
الرسالة السابعة عشرة
فوائد من تفسير الرازي مع التعليق
على بعضها
بسم الله الرحمن الرحيم
* [ص 38] الرازي في تفسير سورة النبأ من تفسيره (6/ 456): "واعلم أن مثل هذه الآية لا تقبل التأويل"
(1)
.
* وفيه (6/ 493) في سورة الانفطار أورد شُبَهًا على الحكمة في وجود الملكين الكاتبين، وفي الحكمة في كتابة الأعمال، وأجاب عنها كالمعذر.
ومن الحكمة في الكتابة أمور:
الأول: أن يعلم المكلف بذلك، فيتحرَّز؛ لأنه إذا ظن أنه لا يراه أحد من الخلق، وإنما يراه الله تبارك وتعالى وحده، فقد يقول: إن الله تعالى يحب الستر، ولذلك رغَّبَنا فيه، فهو سبحانه أكرم من أن يكون منه ما يخالف الستر، ومن ذلك أن يعاقبني على ذنب لم يطلع عليه إلا هو عز وجل.
الثاني: أن الإنسان وإن كان مؤمنًا بعلم الله عز وجل، فقد يغفل عن استحضار ذلك، فإذا علم أن معه كاتبين ملازمين له كان هذا مما يساعد على تنبيهه.
الثالث: أن الله عز وجل خلق الملائكة لعبادته، وشرع لهم أعمالًا يطيعونه فيها، فيكون ذلك عبادة لهم. فحَمَلة العرش ــ مثلًا ــ إنما يحملونه بقدرة الله عز وجل، ولو شاء الله ثبت العرش بدون حَمَلة، فعلم من ذلك أنه إنما كلفهم بذلك ليكون عبادة يعبدون بها ربهم تعالى، وكفى بذلك حكمة،
(1)
يعني دلالة قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} [النبأ: 29] على كونه عز وجل عالمًا بالجزئيات.
فكذلك يأتي
في الكاتبين.
* [ص 39] تفسير الرازي (6/ 400): "لما نزل قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30] قال أبو جهل
…
وقال أبو الأشدّ
…
قال المسلمون: ويحكم لا تقاس الملائكة بالحدادين! " ثم قال: "والحداد: السَّجَّان"
(1)
.
(400)
"لما كان العالم محدَثًا، والإله قديمًا، فقد تأخر العالم عن الصانع بتقدير مدة غير متناهية
…
".
في هذا أن التقدم زماني، فينظر مع كلامه في تفسير {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ .. } [الحديد: 3]
(2)
.
ذكروا فيها وجهين، وفي كل منهما نظر، ولاح لي وجه أحسبه لا يكون دونهما، إن لم يكن أحسن منهما. وهو أن يحمل قوله:{لِلَّذِينَ كَفَرُوا} على جميع الناس الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما منهم [إلا] من تلبس بكفر. فكأنه قيل: للذين سبق منهم كفر، فيعم ذلك من بقي على كفره، ومن آمن بلسانه، ومن آمن حقًّا. وعلى هذا فقوله:{لِيَسْتَيْقِنَ .. } على ظاهره، تعليل
(1)
وقد جرى قول المسلمين هذا مثلًا، انظره بلفظ "نقيس الملائكة إلى الحدّادين! " في "مجمع الأمثال" للميداني (1/ 238)، وانظر "اللسان"(حدد 3/ 142).
(2)
انظر تفسير سورة الحديد (3) في "تفسير الرازي"(29/ 210 - 212).
للفتنة بتلك
العدّة، والفتنة هي الاختبار.
ففتنة أهل الكتاب من جهة أن هذا أمرٌ يعرفون أنه حق، وبذلك يتبين من منهم في قلبه خير وحب للحق من غيره، وذلك بأن يؤمن الأول، ويعاند الثاني.
وقوله: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا
…
} أي آمنوا إيمانًا حقًّا.
وقوله: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
…
} أي الذين أظهروا الإيمان، ولم يَحُقُّوه.
* [ص 40] وفي تفسير الرازي بحث طويل في سورة الجن، فيه ردّ القول بأن الأجسام متماثلة.
* في تفسير الفجر في بحث النفس: "وقال آخرون: هو جوهر جسماني
…
مخالف بالماهية لهذه الأجسام السفلية".
* وفي تفسير: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} بيان أن أولئك الأفواج
(1)
قال: "مع أنَّا نعلم قطعًا أنهم ما كانوا يعرفون
(2)
حدوث الأجساد بالدليل، ولا إثبات كونه تعالى منزهًا عن الجسمية والمكان والحيز
…
والعلم عند الله بأن أولئك الأعراب ما كانوا عالمين بهذه الدقائق ضروري
…
فإما أن يقال: إن أولئك الأعراب كانوا عالمين بجميع مقدمات دلائل هذه المسائل بحيث ما شذَّ عنهم من تلك المقدمات واحدة، وذلك مكابرة؛ أو ما كانوا كذلك، وحينئذٍ ثبت أنهم كانوا مقلدين".
(1)
كذا في الأصل. ولعل المقصود: بيان إيمان أولئك الأفواج.
(2)
في الطبعة التي بين يديّ (32/ 156): "ثم إنّا نعلم
…
كانوا عالمين".
* في تفسير سورة الملك من تفسير الرازي في الكلام على قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] قال أبو مسلم [الأصفهاني]: كانت العرب مقرين بوجود الإله، لكنهم كانوا يعتقدون أنه في السماء، على وفق قول المشبهة، فكأنه تعالى قال لهم: أتأمنون مَنْ قد أقررتم بأنه في السماء، واعترفتم له بالقدرة على ما يشاء، أن يخسف بكم الأرض".
* استعمال الفخر الرازي مثل: "بعد خراب البصرة"(تفسيره 6/ 337) في تفسير المعارج
(1)
.
* وفي تفسيره (6/ 362) بعد أن حكى في قوله تعالى: {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] أن الرجاء بمعنى الخوف قال: عندي غير جائز؛ لأن الرجاء ضد الخوف في اللغة المتواترة الظاهرة. فلو قلنا: إن لفظة الرجاء في اللغة موضوعة بمعنى الخوف، لكان ذلك مرجحًا للرواية الثابتة بالآحاد على الرواية المنقولة بالتواتر، وهذا يفضي إلى القدح في القرآن؛ فإنه لا لفظ فيه إلا ويمكن جعل نفيه إثباتًا، وإثباته نفيًا بهذا الطريق".
يظهر لي أن "الوقار" هنا بمعنى التوقير، أي التعظيم، والمقصود: ما لكم لا ترجون ثواب تعظيم الله عز وجل
(2)
. وذلك أنهم لو رجوا ثوابه لما أهملوه، فإهمالهم دليل عدم رجائهم.
(1)
كذا في الأصل، والصواب: في تفسير سورة القلم، الآية (29). انظر "تفسير الرازي"(30/ 90). والرازي صادر عن "الكشاف"(4/ 590).
(2)
وهو قول ابن كيسان. انظر: "تفسير البغوي"(4/ 476).