الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
معنى "باسم الله
"
قد عرفت أن المنصور عند المتأخرين في الباء قولان:
أحدهما: أنها للاستعانة.
والآخر: أنها للمصاحبة.
فأما على الاستعانة، فقالوا في تسمية الآكل مثلًا: إن التقدير: باسم الله آكل، وإنها على وزان:"بالقلم أكتب". فاسم الله بمنزلة القلم، أي أنه يتوقف وجود الأكل عليه، كما يتوقف وجود الكتابة على القلم.
قالوا: والمتوقف في الحقيقة هو سلامة الأكل عن النقصان، على ما في الحديث:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أجذم"
(1)
. ومعنى "أجذم": ناقص البركة، ولكن نُزِّل الأجذمُ منزلةَ المعدوم، فأقيم توقف سلامة الفعل من النقصان مقام توقف وجوده.
وفيه: أن إفادة السلامة ليس
(2)
هي أثرًا من آثار الاسم من حيث هو، بل هي أثر بركة يجعلها الله عز وجل لذاكره إذا شاء.
(1)
بهذا اللفظ أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1219) مرفوعًا من حديث أبي هريرة. وهو ضعيف، والمحفوظ لفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله
…
" مع كونه مرسلًا. انظر: "تخريج الكشاف" للزيلعي (1/ 24) و"التحجيل" للطريفي (ص 3).
(2)
كذا في الأصل.
فإن قيل: وكذلك الكتابة ليست أثرًا للقلم من حيث هو، وإنما توجد بأخذه باليد وغمسه في المداد، ثم إمراره على الكاغد مثلًا على الوجه المخصوص، فكما لا يقدح هذا هناك، فلا يقدح ما ذكرتم هنا.
قلنا: الفرق واضح، وهو أن الفعل في "كتبت بالقلم" ينبئ عن بقية الأمور، بخلاف الفعل في قوله:"باسم الله آكل".
ولو سلم ما ذكرتم لم يغن عن الاحتياج إلى توضيح المعنى، فإن المعنى في قولك:"كتبت بالقلم" واضح، ولا كذلك في "باسم الله آكل". فلا بد لتوضيح المعنى من أن يقال: أصل الكلام: ببركة ذكر اسم الله التي أرجو أن يمنَّ الله عليَّ بها أدفع النقصان عن أكلي.
وأما على المصاحبة، فقد عرفت قولهم:"إن باء المصاحبة هي التي يصلح موضعها "مع"، ويغني عنها وعن مصحوبها الحال".
فيقال في "باسم الله آكل": مع اسم الله آكل، ومسمِّيًا اللهَ آكل. ولكن لما كانت التسمية تطلق على وضع الاسم، وعلى ذكره، والمقصود هنا الثاني، كان الواضح أن يقال في تقدير الحال: ذاكرًا اسم الله آكل.
وقد قالوا في قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} [هود: 41]: "الباء للملابسة، والملابسة هي المصاحبة، ولما كانت ملابسة اسم الله عز اسمه بذكره، قالوا: المعنى: اركبوا مسمِّين الله"
(1)
.
لكن يتراءى هنا فرق ما بين قولنا: "مع اسم اللهَ آكل"، وقولنا:"مسمِّيًا الله آكل" ، أو "ذاكرًا اسم الله آكل". وقد يوفَّق بينهما بأن المراد بمعية اسم الله
(1)
"روح المعاني"(12/ 56).
معيَّةُ ذكره، كما تقدم عنهم، فالمعنى:"مع ذكر اسم الله آكل".
لكنهم عدلوا عن هذا، وقالوا: المعنى: "مع اسم الله آكل"، أو "مصاحبًا اسمَ الله آكل". فيقال لهم: وما معنى معية اسم الله ومصاحبته؟
فإن قالوا: بذكره، كما قالوه في {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} [هود: 41] فقد عاد الأمر إلى: "مع ذكر اسم الله"، أو "ذاكرًا اسم الله". وهو الموافق لقولهم في باء المصاحبة: يغني عنها وعن مصحوبها الحال.
وإن قالوا: معية بركته ومصاحبتها.
قلنا: إن أردتم البركة الموعود بها في حديث: "كل أمر ذي بال
…
" ونحوه، فهي بركة يجعلها الله تعالى إذا شاء لمن ذكر اسمه.
وعلى هذا، فينبغي أن يتركوا التقدير على أصله: ذاكرًا اسم الله آكل، [47/ب] ويقولوا: المعنى: ذاكرًا اسمَ الله رجاءَ البركة الموعود بها. أو يقولوا: المعنى: مستصحبًا بركة ذكر اسم الله آكل، ومعنى "مستصحبًا": سائلًا الصحبة، فكأنه يقول: سائلًا الله تعالى أن تصحبني بركة ذكر اسمه.
وقد قدَّر ابن عبد السلام التسمية بقوله: "أتبرك بذكر اسم الله"
(1)
، وهو يلاقي ما ذكرنا.
وزعم ابن جرير أن الاسم هنا بمعنى التسمية، وأن المعنى: أقرأ بتسمية الله
(2)
. وقد عرفت أن المراد من التسمية ذكر الاسم، فيصير التقدير: أقرأ
(1)
"مجاز القرآن"(197).
(2)
"تفسير الطبري"(شاكر 1/ 115 - 118).
بذكر اسم الله، وهو يقارب ما ذكرنا. وزعم أن ذلك معنى ما رواه عن ابن عباس
(1)
، والمقصود هنا: إنما هو الموافقة على تقدير "ذكر".
وإن أردتم بركة اسم الله مطلقًا، وقلتم: إنَّ لأسماء الله عز وجل بركةً يمنُّ اللهُ بها على من يشاء، ممن ذكر الأسماء اسمًا اسمًا، وممن لم يذكرها، فيصح أن يقول الداعي: اللهم أصحِبْني بركةَ أسمائك.
قلنا: هذا يحتاج إلى إثبات من الشريعة، والذي نعرفه أن بركة أسماء الله عز وجل إنما يُتوسَّلُ إلى حصولها بذكر الأسماء على الوجه المشروع. فإن ثبت ما قلتم، بقي التقدير على هذا المعنى:"مستصحِبًا بركةَ اسم الله"، أي سائلًا الله أن يصحبني بركة أسمائه.
ثم نقول لهم: ما الذي اضطركم إلى العدول عن تقدير المعنى بأن تقولوا: "مسمِّيًا اللهَ آكل"، أي:"ذاكرًا اسمَ الله آكل" على ما هو الأصل في باء المصاحبة، وقد قلتم به في قوله تعالى:{ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ}
(2)
[هود: 41]؟
وعسى أن يكون جوابكم أن المعنى يختل بذلك.
أولًا: لأن المسمِّي عن نفسه يقول: "باسم الله" على سبيل الدعاء والتبرك، وتقدير:"مسمِّيًا الله آكل"، أو "ذاكرًا اسم الله آكل"، ليس فيه إلا الإخبار عن نفسه بأنه يأكل ذاكرًا اسم الله.
(1)
وهو قوله: "اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله".
(2)
"فيها" ساقط من الأصل سهوًا.
ثانيًا: بأنه لا يعرف في الأدعية والأذكار الشرعية نظير لهذا، وعامة الأدعية والأذكار الشرعية كل منها يكون لفظه بنفسه وحده، أو مع ما تدلُّ القرائن على تقديره دالًّا على التعظيم أو السؤال.
وقد قال بعض الأجِلَّة
(1)
: إن ذكر كلمة الجلالة أو تكرارها ليس بذكر شرعي، لأن الاسم وحده لا يفيد معنىً.
ثالثًا: هذا الخبر ــ وهو "ذاكرًا اسم الله" ــ يحتاج إلى ما يصدق عليه، والغالب أن المسمّي يقتصر من ذكر الله على قوله "باسم الله"، فإذا جعلناها خبرًا فأين المخبَر عنه. وإيضاحه: أن قول القائل: "ذاكرًا
(2)
اسم الله آكل" إنما يكون صادقًا إذا وقع منه حال أكله ذكر لاسم الله غير هذه الجملة، إذ لا يمكن أن يكون الجملة الواحدة مخبرًا بها عن نفسها، أي هي الخبر، وهي المخبر عنه.
[48/أ] والجواب عن الأمر الأول: أن "باسم الله" على معنى "ذاكرًا اسم الله" أقيمت عند الشروع في الأمور مقام جميع الأذكار والأدعية التي تناسب الحال.
ونوضح ذلك بمثال: وهو أن يجتمع أربعة، ويقدَّم لكل منهم طعامه، فأما أحدهم فنصراني شرع يذكر اسم يسوع، شاكرًا له على أن رزقه الطعام بزعمه، ويتضرع إليه أن يهنئه أكله، وأن يبارك له فيه، وأن يصرف عنه ضرَّه، وأن ينفعه به، إلى غير ذلك من المطالب.
(1)
لعل المقصود شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر كلامه في "مجموع الفتاوى"(10/ 226)، وانظر:"طريق الهجرتين" لابن القيم (739).
(2)
في الأصل: "ذاكر".
وأما الثاني، فشرع يذكر اسم الله، واسم غيره، بنحو ذلك.
وأما الثالث، فشرع يأكل بدون ذكر.
وأما الرابع، فموحِّد قد رأى وسمع صنيع أولئك الثلاثة، وحضر طعامه،
وهو على عجل، فقال: باسم الله، أي: ذاكرًا اسم الله آكل، أي: أذكر اسم الله لهذه المطالب التي تقدمت ونحوها، ولا آكل بغير ذكر اسمه، ولا بذكر اسم غيره، ولا دونه ولا معه.
غاية الأمر أنك قد تتردد في قوله: "أذكر اسم الله لجميع المطالب المناسبة للحال"، هل يقوم هذا مقام التفصيل، كأن يقول: اللهم لك الحمد على ما رزقتني، اللهم أعذني من الشيطان، اللهم هنئني طعامي، اللهم بارك لي فيه، اللهم اصرف عني ضرره، اللهم انفعني به، اللهم
…
اللهم
…
فنقول: لا بدع في أن يرحم الله عباده، ويخفف عنهم، فيقيم تلك الكلمة مقام تلك الكلمات كلها، وهذا هو الواقع، ولكن بلفظ "باسم الله".
وبهذا عرف الجواب عن الأمر الثاني، فقد عرف من قرائن الحال، وقصد الشارع، وما ينويه المسلم= ما يتم به الكلام، كما تقولون أنتم: إن تقدير المعنى: مصاحبًا اسم الله، وإن القرينة تدل على التبرك.
وأما الأمر الثالث؛ فقد علمت أنّ قولنا: "ذاكرًا اسم الله" قد صار من حيث الدلالة على الدعاء شبيهًا بقولهم: "متبرِّكًا باسم الله"، بل أوضح منه في ذلك وأجمع.
وقد اعترض على تقديرهم بنحو ما ذكر في الوجه الثالث، فأجاب بعضهم بأنَّ ذلك خبر عن نفسه "قياسًا على ما قيل في قولك: أتكلم أنه يجوز أن يكون خبرًا عن تكلم حاصل بهذا القول".
والذي ارتضاه الصبَّان، وقرره البناني في "حواشيه على شرح جمع الجوامع"
(1)
: أن قوله: "باسم الله أو متبركًا باسم الله" إنشاءٌ. قال البناني:
"لصدق حد الإنشاء عليه، هو ما يتحقق مدلوله بذكر دالِّه فقط
…
والتبرك لا يتحقق مدلوله بدون ذكر اللفظ الدال عليه".
وقد نظر فيه بعضهم بما اشتهر أن الحال لا تكون إنشاء.
والجواب: أنّ ذلك في الجملة الحالية، والإنشاء اللفظي، أي: أنَّ الجملة الحالية لا تكون إنشائية لفظًا، فلا يقع فعل الأمر مثلًا، أو الفعل المنقول إلى الإنشاء لإيقاع العقود مثل بعت وطلَّقت حالًا.
فأما الإنشاء المعنوي فقط، فلا مانع من وقوعه حالًا مفردة، كقوله تعالى:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [غافر: 14]، وجملة كقوله:{فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132].
ومن الأول قوله تعالى: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} [هود: 41]، وقد قدروه:"مسمِّين الله"، كما علمت، والمعنى: أمرهم بالتسمية عند الركوب.
وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى.
(1)
طبعة دار الفكر (1/ 3).
[48/ب] الفصل السادس
إن قيل: لا يزال في النفس من كلمة "اسم" شيء، إذ قد يقال: فلو قيل: "بالله" على معنى "ذاكرًا الله"، لكان أخصر.
والجواب: أنه لو قيل: "بالله" لما ظهر ذاك المعنى، بل يكون الظاهر حينئذٍ أن المعنى: بقدرة الله آكل.
فإن قيل: قد يدعى دلالة القرائن على أن المعنى: "بذكر الله".
قلت: ليست القرائن بغاية القوة حتى تكفي لدفع ذاك المعنى الظاهر: "بقدرة الله آكل"، وإنما كانت كافية في "باسم الله" بتقدير
(1)
احتمال ذاك المعنى، أعني بتقدير القدرة.
فإن قيل: فلم لم يقل: "بذكر الله"؟
قلت: لو قيل ذلك لكان على تقدير: "بذكر اسم الله"، لأن الذكر هنا هو اللساني، وما دام على أصله، فإنما يقع على الاسم، إلا أنه كثيرًا ما يحذف الاسم لظهور المعنى، أو يضمن الذكر معنى المدح والتعظيم، كما في قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 203]، أو الذم ونحوه كما في قوله تعالى فيما قصه عن قوم إبراهيم:{سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [الأنبياء: 60] أي: يذكر الأصنام، أي: يتوعدها أو يذمّها.
وقد جاء في القرآن الإثبات وعدمه، قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
(1)
في الأصل: "تقدير".
تَبْتِيلًا} [المزمل: 8]. {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الإنسان: 25]. وقال عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} [آل عمران: 41]. {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205].
فإن قيل: فكلٌّ من لفظ "ذكر"، ولفظ "اسم" إذا اقتصر عليه، اقتضى تقدير الآخر، فلماذا أوثر "باسم الله" على "بذكر الله" هنا، وعكس في مواضع مثل قوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]؟
قلت: لكل مقام مقال، فقوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} المراد بالذكر: الصلاة والخطبة، من إطلاق الجزء وإرادة الكل، والجزء هو الذكر، لا نفس الاسم.
والمقصود في التسمية على الأكل ونحوه: هو أن يقع من الإنسان كلام هو في نفسه ذكر، و "باسم الله" أدلُّ على ذلك من "بذكر الله"، ولأنه دار الأمر بين أن يترك لفظ "ذكر" أو أن يترك لفظ "اسم"، والأولى في مثل هذا حذف "ذكر".
أما أولًا: فلأن الأصل "ذكر اسم الله" والمعروف في الحذف هو حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه. وعليه، يبقى لفظ الجلالة على أصله. ولو قيل:"بذكر الله" لكان المعنى أن لفظ "اسم" حذف، وأقيم لفظ الجلالة مقامه، والتنازع إنما كان بين لفظي ذكر واسم؛ فلأن يحذف أحدهما ويقام الآخر مقامه أولى من أن يحذف أحدهما ويقام لفظ ثالث مقامه.
وأما ثانيًا: فلأن ذكر الاسم ينحل إلى شيء من الإنسان، وهو الذكر، وشيء لله عز وجل، وهو الاسم، فاطراح الأول أولى.
وأما ثالثًا: فلأن باء المصاحبة في "باسم الله" بمنزلة العوض عن لفظ "ذكر"، لما مر أن التقدير يكون:"مسميًا الله"، والتسمية هنا هي ذكر الاسم، فيكون التقدير:"ذاكرًا اسم الله".
ولو قيل: "بذكر الله" لما كان هناك ما يكون بمنزلة العوض عن لفظ "اسم".
وأما رابعًا: فلأنه ــ كما تقدم ــ يقصد بالتسمية الرد على المشركين، فلو قيل:"بذكر الله" لكان المتبادر الرد على من يذكر غير الله تعالى، أي من الذوات، فلا يظهر منه الرد على من يذكر من المشركين أسماء لا مسمى لها، كما تقدم، بخلاف "باسم الله" فإن فيها إشارة إلى ذلك.
ولنكتف بهذا القدر، فإن أمثال هذه الأسئلة لا نهاية لها، ولا ينبغي التشاغل بها إلا بما هو كالأنموذج مما يكون إيراده ظاهرًا. والله أعلم.
[49/أ] الفصل السابع
قد ينطق بالمتعلق، فمن ذلك ما جاء في صحيح مسلم
(1)
من حديث أبي سعيد: أن جبريل
(2)
أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم. قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك".
والأولى في هذا الموضع أن تكون الباء للإلصاق، على تضمين "أرقيك" معنى "أستشفي لي
(3)
"، فكأنه قال: أسأل الله باسمه أن يشفيك.
وسؤال الله تعالى باسمه وارد كما في الدعاء النبوي: "اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك
…
"
(4)
.
ويجوز أن تكون للاستعانة، على معنى: أرقيك بذكر اسم الله، فإن الرقية تكون بالكلام، كما تقول: أرقيك بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
…
}. وتقرأ السورة.
وفي "صحيح مسلم"
(5)
أيضًا من حديث عائشة قالت: "كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل، قال: بسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن
(1)
في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى (2186).
(2)
في الأصل: "جبر".
(3)
كذا في الأصل، ولعل المقصود: لك.
(4)
أخرجه أحمد (6/ 246) برقم 3712 وغيره. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 136): رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان.
(5)
في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى (2185).
شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين".
وسند حديث أبي سعيد أثبت.
وقوله في هذا: "بسم الله يبريك" يحتمل أن المتعلق محذوف، والتقدير:"باسم الله أرقيك، هو يبريك" ليوافق الرواية الأولى. ويحتمل غير ذلك.
وقد تقدم في الفصل الثالث دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند النوم: "اللهم باسمك أحيا، وباسمك أموت"
(1)
.
وتقدم أن المراد بالحياة والموت فيه: اليقظة والنوم، ومعنى الباء المصاحبة، على ما قدمناه، أي: ذاكرًا اسمك أُتِمّ يقظتي، وذاكرًا اسمك أنام، أي: أذكر اسمك لكل ما يهمني في يقظتي ونومي.
وفي حديث آخر: "باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه"
(2)
. والمعنى أيضًا: ذاكرًا اسمَك ربِّي وضعتُ جنبي.
وأما قوله: "وبك أرفعه" فالمعنى ــ والله أعلم ــ: وبمشيئتك أرفعه.
وقد جاء في رواية: "بك وضعت جنبي" وهو من تصرف الرواة.
وبقيت أحاديث غير هذه، فينبغي أن يفسَّر كلٌّ منها بما هو الظاهر فيه، ولا ملجئ إلى تكلف جعل الجميع على وتيرة واحدة.
(1)
سبق في (ص 37).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، بعد باب التعوذ والقراءة عند المنام (6320) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم (2714) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
مهمة
جاء من حديث عائشة وغيرها فيمن نسي أن يسمِّي أول طعامه أنه ينبغي له أن يقول حين يذكر: "باسم الله أوله وآخره"
(1)
.
ولم أر من تعرض لتوجيهه، والذي يظهر لي أن "بسم الله" على أصلها، والمعنى: ذاكرًا اسم الله آكل. وقوله: "أوله وآخره" ظرف، والتقدير: أقولها أوله وآخره، أي: قضاءً لقولها أوله، وأداءً لقولها آخره. والله أعلم.
(1)
حديث عائشة أخرجه الترمذي (1920) وأبو داود (3767) وابن ماجه (3264) كلهم في كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.