الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الحادية عشرة نُدْرة الصحيح في محفوظ البخاري
كنا، ونحن صغار في الريف المصري، نسمع كبارنا يرددون مثلاً أو حكمة، والحكّم والأمثال يودعها أصحابها خلاصات تجارب الحياة، ويرددنها في مناسباتها التي ينكرر وقوعها في الحياة.
ومن الأمثال التي تعيها الذاكرة الآن، مثل يقول:
"الغريق يتعلق بالقشة" والقشة جزء صغير من حطام النبات، وهي تمثل منتهى الضعف، ولذلك كان العرب يصفون الأمر الهين الذي يكون سبباً في هلاك صاحبه بالقشة، ويقول:"القشة التي قضمت ظهر البعير" اي تسببت في تحطيم كائن عظيم، المرموز له بـ "البعير" في القوة والضخامة.
ومنكرو السنة في تصيدهم الشبهات لإنكارها، ذكَّرونا بالمثل الأول:
"الغريق يتعلق بالقشة" والقشة لا تنقذ الغريق من الغرق، بل سيجذبها معه الغريق إلى قاع البحلا، والمراد من هذا المثل عند مردديه، أن الغريق لما فقد كل وسيله لإنقاذه، ولم يبصر إلَاّ قشة حمله اليأس على التمسك بها. ولعل، وعسى. كذلك منكرو السنة تراهم يتهافتون وراء اقتناص الشبهات لإنكار السنة، مهما كانت تافهة، ضعيفة ولسان حالهم يقول: لعلَّ، وعسى.
والشبهة التب نحن بصدد تفنيدها ونقضها - الآن - أوضح شاهد على تهافت منكري السنة، وهي كما قد رأيت:
"ندرة الصحيح في محفوظ البخاري" يعني أنهم نظروا في مقدمته التي سدَّر بها صحيحه، وما نُقل عنه من أنه كان يحفظ ستمائة ألف حديث، ومع ذلك لم يدوَّن منها في صحيحه إلا أربعة آلاف حديث مع حذف المكرر، وحوالي سبعة آلاف حديث مكرر.
وقد استنتج منكرو السنة، والقادحون فيها، من هذا التنظير بين المحفوظ والمكتوب أن البخاري رضي الله عنه لم يصح عنده من ستمائة ألف حديث إلا ما كتبه هو في صحيحه.
بل إن بعض منكري السنة يهوَّل كثيراً في التشكيك في الحديث النبوي، فادعى أن 97% من الأحاديث النبوية الشريفة مكذوب على رسول الله لأسباب سياسة؟! (ينظر الأهرام العربي 26/6/1999م) .
يعني أن جملة الأحاديث النبوية كلها لم يصح منها إلا 3%؟!
وهذه دعوة صريحة إلى نزع الشقة عن السنة النبوية كلها ومحوها من الوجود، ليضرب لذلك مثلاً:
لو أن جائعاً كاد يهلك من الجوع وجد مائة تمرة صالحة للأكل، فهمَّ بأن يتناول بعضاً منها لإنقاذ نفسه من الجوع ولكن رجلاً آخر صاح به قائلاً:
أحذر الأكل من هذا التمر، لأن 97 ثمرة منها محقونة بمادة سمية تقتل من أكلها في الحال. فماذا يكون رد الفعل؟
رد الفعل سيكون التوقف الحذر عن الأكل، لأن فيه تعرضاً للموت، أو قل للانتحار.
وهذا ما يريده منكرو السنة من هذه الحملات التي يشنونها ضد السنة النبوية، لحاجة في نفس يعقوب.
تفنيد هذه الشبهة ونقضها:
هذه الشبهة المثارة هنا، خفيفة الوزن جداً، ومنكرو السنة يعلمون أنها خفيفة الوزن، ولكن إغرامهم بتصيُّد الطعون والمعايب، حملهم على هذا العناد الممقوت، مع علمهم كذلك برد خصومهم عليهم.
صحيح أن البخاري - كما قال هو نفسه - كان يحفظ ستمائة ألف حديث، وصحيح أنه لم يدوَّن منها إلا أربعة آلاف حديث.
وليس معنى هذا أن الإمام البخاري لم يصح عنده من محفوظة (ستمائة ألف حديث) إلا هذا القدر القليل (أربعة آلاف حديث) .
لأن البخاري رضي الله عنه ألزم نفسه منهجاً في تدوين الحديث، وهو كتابة اثنين في اليوم الواحد، وكان يتوضأ ويصلي ركعتى الإستخارة قبل أن يضعهما في صحيحه المعروف.
ولذلك استغرق تأليف صحيحه ست عشرة سنة، وقد حرص البخاري على تدوين الصحيح، ولكنه لم يدون كل مت صح عنده، حيث قال:
"ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح مخافة الطول"(تدريب الراوي: 1/98) .
ونحن لا نقول إن الستمائة ألف حديث التي كان يحفظها البخاري كلها صحيحة، ولم يدع هو ذلك. ولكن الذي نرفضه أن ما عدا ما دوَّنه في صحيحه كان ترك تدوينه عدم صحته كما يدعى منكرو تالسنة المغالون في الحمل عليها بغية عزلها عن حياة المسلمين.
وهب أن الصحيح من محفوظ البخاري خمسمائة ألف حديث فكم كان يلزمه من الوقت حتى يفرغ من تدوينها كلها، والمعروف أنه لم يكن يكتب إلا حديثين في اليوم الواحد؟
إنه يحتاج إلى 714 سنة تقريباً كان ينبغي أن يعيشها البخاري بعد الطفولة، وقبل الشيخوخة، والمعروف أن عمره لم يتجاوز الستين إلا بقليل شاملاً سنى نشأته الأولى.
كما أن للإمام البخاري عذراً، أو أعذاراً أخرى، فهم لم يكن مجرد سارد لما دوَّنه من الأحاديث، بل كان تدوينه موزعاً على أبواب الفقه وفروعها الدقيقة، وكان يقطَّع الحديث الواحد أجزاء، يضع كل جزء في مقامه من علم الفقه.، مع وضع عناوين لمسائل الفقه المسوق من أجلها الحديث.
ومن له دراية بعمل البخاري في صحيحه يراه يبدى آراءه في كثير من المسائل، مع رغبته في عدم الطول في صحيحه كما صرَّح بذلك هو في العبارة التي نقلناها عنه في ما تقدم.
هذا هو الصواب الذي ينبغي أن يقال في تدوين البخاري رضي الله عنه.
لا ما يقوله منكرو السنة المرجفون.