المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة العشرون ندرة المتواتر في السنة - الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل الدراسة

- ‌الشبهة الأولى النهي النبوي عن كتابة الحديث

- ‌الشبهة الثانية ادِّعاء النهي القرآني عن الإيمان بالسنة والعمل بها

- ‌الشبهة الثالثة منع الخلفاء رواية الحديث وترديده

- ‌الشبهة الرابعة تشدد الخلفاء في الرواية وحبس المكثرين منها

- ‌الشبهة الخامسة حرق كتب الحديث

- ‌الشبهة السادسة تأَخُّر تدوين السنة

- ‌الشبهة السابعة السنة دُوَّنَتْ في قصور الأمراء

- ‌الشبهة الثامنة الرواية بالمعنى دون اللفظ

- ‌الشبهة التاسعة اقتحام السنة حواجز الغيب

- ‌الشبهة العاشرة رواة السنة بشر غير معصومين

- ‌الشبهة الحادية عشرة نُدْرة الصحيح في محفوظ البخاري

- ‌الشبهة الثانية عشرة البخاري ومسلم لم يسلما من النقد

- ‌الشبهة الثالثة عشرة السنة ليست وحياً

- ‌الشبهة الرابعة عشرة نُدْرة الاستدلال بالحديث عن أبي حنيفة

- ‌الشبهة الخامسة عشرة ضياع خمسمائة خطبة نبوية

- ‌الشبهة السادسة عشرة مصدر السنة ليس معصوماً

- ‌الشبهة السابعة عشرة الطعن في رواة السنة

- ‌الشبهة الثامنة عشرة أُمّية أبي هريرة، وتأخر إسلامه

- ‌الشبهة التاسعة عشرة نقد السند دون المتن

- ‌الشبهة العشرون ندرة المتواتر في السنة

- ‌الشبهة الحادية والعشرون ظنية السنة

- ‌الشبهة الثانية والعشرون هداية السنة "ظرفية" لا دائمة

- ‌الشبهة الثالثة والعشرون (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)

- ‌الشبهة الرابعة والعشرون الاكتفاء بالقرآن عن السنة

- ‌الشبهة السادسة والعشرون مخالفة السنة للواقع المشاهد

- ‌الشبهة السابعة والعشرون دعوى مخالفة السنة للعقل

- ‌الشبهة الثامنة والعشرون دعوى مخالفة السنة للقرآن

- ‌عقوبات المفسدين

- ‌الشبهة التاسعة والعشرون الوضع في الأحاديث

- ‌الشبهة الثلاثون جامعو السنة كتبوها مكرهين

- ‌الشبهة الحادية والثلاثون السنة لا تستقل بالتشريع

- ‌الشبهة الثانية والثلاثون مَنْعُ العمل بأحاديث الآحاد

- ‌الشبهة الثالثة والثلاثون السنة ليست حُجَّة في الدين

- ‌الحقائق من غير القرآن:

الفصل: ‌الشبهة العشرون ندرة المتواتر في السنة

‌الشبهة العشرون ندرة المتواتر في السنة

تقدمت الإشارة إلى أن علماء الحديث من تقسيماتهم له باعتبار كثرة الرواة وقلتهم في الرواية الواحدة، التقسيم الثنائي الآتي:

* الحديث المتواتر، وهو ما رواه جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب من أول حلقة في السند إلى آخر حلقه وما بينهما.

* حديث الآحاد، وهو ما رواه واحد فأكثر ولم يبلغ رواته في الكثرة مبلغ كثرة رواة المتواتر.

والمعروف عندهم أن المتواتر يفيد اليقين من جيث ثبوت الخبر المروي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما الحديث الأحادي فالمشهور عندهم أنه يفيد الظن، وقد ذهب بعضهم إلى أنه يفيد العلم إذا سلم من العلل والقوادح وكذلك من المعروف عند أهل العلم أن الحديث المتواتر قليل في نفسه، وقليل باعتبار الحديث الآحادي والتنظير بينهما هذه بدهيات في علوم الحديث.

وما كان لمنكري السنة أن يغفلوا عن هذه البدهيات، أو يقفوا منها موقف علماء الأمة ويبقونها في نطاق دلالاتها بل سارعوا إليها ليتخذوها سلاحاً يشهرونه في وجه السنة أو معولاً يهدمون به أوصلها وفروعها.

فادعوا أن الأحاديث المتواترة لا تزيد على سبعة عشر حديثاً ويبالغ بعض منهم فيدعى أن المتواتر منها حديث واحد، هو:

"من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أما ما عداه من أحاديث فهي كلها أحاديث آحاد؟!

ص: 112

ومن العجيب أن بعضهم يذهب إلى الضد فيتهم هذا الحديث بأنه موضوع ومكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ويرتبون على هذا أن السنة لا تصلح أن تكون مصدراً للتشريع، لعدم الثقة فيها، وضعف سندها؟!

تفنيد هيه الشبهة ونقضها:

هذه الشبهة لا مساس لها من بعيد أو من قريب بصحة مصدرية السنة للتشريع، ونوضح ذلك في الخطوات التالية، بادئين بمغالطاتهم في قضية التواتر:

* ليس المتواتر قليلاً إلى الحد الذي ذكروه (سبعة عشر حديثاً، أو حديث واحد) فهذا جها منهم بحقيقة التواتر الاصطلاحي، أو عناد ومكابرة.

وذلك لأن علماء هذا الفن (علماء الحديث) قسموا الحديث المتواتر قسمين:

الأول: المتواتر اللفظي، وهو الحديث الواحد الذي يرويه جمع يستحيل نواطؤاهم على الكذب، يرويه ذلك الجمع بلفظه ومعناه كحديث رقع اليدين في الصلاة، وحديث المسح على الخفين.

الثاني: الحديث المتواتر تواتراً معنوياً لا لفظياً، كحديث رفع اليدين في الدعاء. فقد روى فيه نحو مائة حديث في هذا المعنى. مختلفة ألفاظها، ومعناها واحد.

وقد وضع العلماء مصنفات في المتواتر اللفظي، بلغت عند بعضهم مائة وعشرة أحاديث. وزاد بعضهم على هذا العدد (ينظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر - المقدمة -) للكتاني.

فإذا انضم إلى هذه العدد المتواتر المعنوي ظفرنا بكم هائل من الأحاديث المتواترة، على أن بعض العلماء يجعل من أمارات التواتر تلقى الأمة للحديث بارضا والقبول. وبهذا ندخل في المتواتر جميع ما رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما لأن إجماع الأمة على قبولهما قائم منذ وضعا وإلى يوم الناس هذا.

ص: 113

* إن غير المتواتر من الحديث يفيد ما يفيده المتواتر بمعونة القرائن المناصرة له، كرواية الثقة، فإنها تبعث في النفس الإطمئنان، وموافقة الحديث لقواطع الإسلام وقيمه ومبادئه.

* إن الظن الذي يتكئ منكرو السنة عليه في إنكارهم إياها أن القرآن نفسه اعتمده أساساً في تقرير الأحكام الشرعية في الآية الكريمة:

{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230]

ومن يسر هذه الشريعة الرحيمة، ابتناء الكثير جداً من أحكام التكليف على الظن؛ لأن الظن هو إدراك الطرف الراجح دائماً، وقد يكون الظن قوياً، والله لم يجعل علينا في الدين من حرج، ولو كلفنا بالتحري الشديد في كل شيء لوقعنا في ضيق من أمرنا.

* إن الفقه الاجتهادي كله ناشئ عن الاحتمال الدلالي وهو الظن، ومعلوم أن الفقه الاجتهادي في الإسلام أضعاف أضعاف الفقه القطعي الدلالة.

الفقه الاجتهادي قائم على غلبة الظن، أما الفقه القطعي فهو قائم على العلم أو اليقين.

* ليس كل الظن مذموماً، والقرآن نفسه أورد الظن موارد اليقين، ومن ذلك قوله تعالى:

{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 45، 46] .

فقد مدح الخاشعين - كما ترى - وعبَّر عن إيمانهم اليقيني بلقاء الله والرجوع إليه بالظن.

وقوله عز وجل:

{

قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] .

ص: 114

وعبَّر عن إيمان هؤلاء الراسخين في العلم والإيمان بالظن فقال: "يظنون" ولم يقل: يؤمنون، أو يعتقدون، للدلالة على أن الظن قد يكون قوياً فيعمل به ولا حرج.

كما حكى عمن يؤتي كتابه بيمينه يوم القيامة أن من أسباب فوزه في الآخرة وابتهاجه أنه كان يظن في الحياة الدنيا أنه سيبعث بعد موته، ويقف أمام الله عز وجل فيوفيه أجره:

{إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20]

فليس الظن كله مذموماً، أو مردوداً، ولكن المذموم منه هو الظن السييء كما قال عز وجل:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] وهذا معناه أن بعضه حق وصواب. وهو المقصود عند علماء الحديث هنا والظن الذي تفيده بعض الأحاديث والسنن هو الظن الممدوح الذي يكفي حصوله في امتثال الأمر، واجتناب النهي، وعلى ذلك تنزَّلت آلاف الأحكام الفقهية في هذه الشريعة الرحيمة.

فما يبقى - بعد ذلك - لمنكري السنة من تمسك بهذه الشبهة الواهية؟

وددنا لو أنهم لم يلقوا القول على عواهنه، ولم يُسْلِسُوا مقادهم للأهواء، والحق - لو أردوه - أقرب إليهم من حبل الوريد.

* * *

ص: 115