المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة التاسعة والعشرون الوضع في الأحاديث - الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل الدراسة

- ‌الشبهة الأولى النهي النبوي عن كتابة الحديث

- ‌الشبهة الثانية ادِّعاء النهي القرآني عن الإيمان بالسنة والعمل بها

- ‌الشبهة الثالثة منع الخلفاء رواية الحديث وترديده

- ‌الشبهة الرابعة تشدد الخلفاء في الرواية وحبس المكثرين منها

- ‌الشبهة الخامسة حرق كتب الحديث

- ‌الشبهة السادسة تأَخُّر تدوين السنة

- ‌الشبهة السابعة السنة دُوَّنَتْ في قصور الأمراء

- ‌الشبهة الثامنة الرواية بالمعنى دون اللفظ

- ‌الشبهة التاسعة اقتحام السنة حواجز الغيب

- ‌الشبهة العاشرة رواة السنة بشر غير معصومين

- ‌الشبهة الحادية عشرة نُدْرة الصحيح في محفوظ البخاري

- ‌الشبهة الثانية عشرة البخاري ومسلم لم يسلما من النقد

- ‌الشبهة الثالثة عشرة السنة ليست وحياً

- ‌الشبهة الرابعة عشرة نُدْرة الاستدلال بالحديث عن أبي حنيفة

- ‌الشبهة الخامسة عشرة ضياع خمسمائة خطبة نبوية

- ‌الشبهة السادسة عشرة مصدر السنة ليس معصوماً

- ‌الشبهة السابعة عشرة الطعن في رواة السنة

- ‌الشبهة الثامنة عشرة أُمّية أبي هريرة، وتأخر إسلامه

- ‌الشبهة التاسعة عشرة نقد السند دون المتن

- ‌الشبهة العشرون ندرة المتواتر في السنة

- ‌الشبهة الحادية والعشرون ظنية السنة

- ‌الشبهة الثانية والعشرون هداية السنة "ظرفية" لا دائمة

- ‌الشبهة الثالثة والعشرون (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)

- ‌الشبهة الرابعة والعشرون الاكتفاء بالقرآن عن السنة

- ‌الشبهة السادسة والعشرون مخالفة السنة للواقع المشاهد

- ‌الشبهة السابعة والعشرون دعوى مخالفة السنة للعقل

- ‌الشبهة الثامنة والعشرون دعوى مخالفة السنة للقرآن

- ‌عقوبات المفسدين

- ‌الشبهة التاسعة والعشرون الوضع في الأحاديث

- ‌الشبهة الثلاثون جامعو السنة كتبوها مكرهين

- ‌الشبهة الحادية والثلاثون السنة لا تستقل بالتشريع

- ‌الشبهة الثانية والثلاثون مَنْعُ العمل بأحاديث الآحاد

- ‌الشبهة الثالثة والثلاثون السنة ليست حُجَّة في الدين

- ‌الحقائق من غير القرآن:

الفصل: ‌الشبهة التاسعة والعشرون الوضع في الأحاديث

‌الشبهة التاسعة والعشرون الوضع في الأحاديث

المقصود من الوضع في الحديث النبوي، هو الافتراء والاختلاق أي صياغة كلام في الشئون الدينية، وإسنادها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، على أنه هو قائلها زوراً وافتراء عليه، وهذه الظاهرة لا ينكرها أحد، وهي موضع إجماع عند علماء الحديث وغيرهم من علماء الأمة.

لكن منكري السنة المعاصرين وبعضاً من أسلافهم يملأون الدنيا صياحا للتهويل من شأن هذه الشبهة، والقصد عندهم معروف، وهو التشكيك في ميراث الأمة من رسولها صلى الله عليه وسلم، يريدون أن يعتقد للناس سريان الوضع على الأحاديث المتداولة في كتب الصحاح والسنن وغيرها، وهم يعولون على هذه الشبهة كثيرا لأن علماء الأمة - كما تقدم - معترفون بظاهرة الوضع في الحديث، وما دام الأمر - كذلك - فلماذا لا يطرقون الحديد وهو ساخن؟! ويتصل بهذه الشبهة شبهة أخرى، وهي ما يطلق عليه عند علماء الأحاديث مصطلح "الاسرائيليات" ولم نفرد لهذه الشبهة مبحثا خاصا بها، لأنها تندرج - في الواقع - في ظاهرة الوضع بمعناها العام. وإن كان بين الشبهتين فرق فهو الآتي:

إن الباعث على الوضع عند غير بني إسرائيل له صور متعددة سيأتي الحديث عنها بإذن الله.

أما الوضع عند اليهود (بني إسرائيل) فيكاد الباعث عليه أن يكون محصوراً في الكيد في الإسلام، وتضليل المسلمين في عقيدتهم وسلوكياتهم في الحياة.

تفنيد هذه الشبهة ونقضها:

لو كانت ظاهرة الوضع في الحديث قد غفل عنها علماء الأمة من محدثين

ص: 169

ومفسرين، وأصوليين وفقهاء، ولم يكتشفها إلا منكرو السنة المعاصرون، لكان لهم حق في ترويجها والاستناد إليها في إنكارهم للسنة، ولما استطاع أحد الوقوف أمامهم فيما يقولون ولكن لسوء حظهم، وفضح أمرهم، وتسجيل الخزي عليهم، أن علماء الأمة منذ البدء الواسع في تدوين الحديث وجمعه، فطنوا إلى وجود هذه الآفة، وحاصروها من كل جهة، وأبطلوا مفعولها تماماً، ومنكرو السنة ذرات في عالم الغيب، ليس لهم وجود إلا في علم الله المحيط، الذي لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء وصدق رسولنا الكريم القائل:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

جهود السلف الصالح:

لقد بذل سلفنا الصالح، رضوان الله عليهم - جهوداً شاقة في التصدي لظاهرة الوضع، ونشأ علم النقد "الحديثي" من أجل تمييز الحديث النبوي من الحديث الموضوع المختلق، الذي لم يقله صلى الله عليه وسلم.

بل تناول النقد الأحاديث غير الموضوعة، وصنفوها أصنافاً ثلاثة على معايير النقد الدقيق الذي أخضعوا له كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه الأصناف.

* الحديث الصحيح.

* الحديث الحسن.

* الحديث الضعيف.

كما صنفوا الأولين باعتبار كثرة الرواة وقلتهم للحديث الواحد صنفين آخرين: حديث مشهور (متواتر) وحديث غير مشهور (آحاد) ثم صنفوا الحديث الضعيف أصنافا عدة، مثل:

المرسل - المقطوع - الموقوف - المعضل - المرفوع - الغريب - الشاذ - المسند - المتصل - المدلس - المتروك - المنقطع - المضطرب - المنكر - إلخ

إلخ.

ص: 170

وكل هذه "الألقاب" أو الأوصاف، كانت ثمرة لقواعد النقد الدقيقة الحكيمة، التي وضعها هؤلاء الرجال الأفذاد.

الحديث الموضوع:

درس علماء الحديث ظاهرة الوضع دراسة فاحصة، سواء كان الواضع من بني إسرائيل أو من غيرهم. وما وضعه بنو إسرائيل أطلقوا عليه مصطلح "الإسرائيليات" سواء كانت في الحديث أو التفسير أو في السيرة والتاريخ.

أما ما وضعه غير بني إسرائيل فقد درسوا أسباب الوضع فيه ثم نصوا على الأحاديث الموضوعة، وجمعوها في مصنفات خاصة بها، وبينوا الأسباب التي حملتهم على الحكم عليها بالوضع، أحيانا من دراسة السند، وأخرى من دراسة المتن.

فلو أن حديثا في سلسلة سنده عشرة رواة عدول تقبل روايتهم، إلا واحداً منهم مطعون فيه، فإنهم لا يقبلون روايته، ويحكمون بوضع الحديث أو ضعفه - ولم يجعلوا كثرة الرواة العدول شفيعا في قبول الحديث، الذي في سنده كذاب أو مدلس، وهذا شدة حيطة منهم في نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما نصوا على أسباب الوضع فأحكموا القول، وأصابوا، ومن أسبابه التي ذكروها:

* التعصب للأجناس أو البلدان.

* التعصب للفرق الكلامية والفقهية والسياسية.

* أصحاب الأهواء والبدع الذين يرجون لأهوائهم ويدعون الناس لاتباع بدعهم.

* القصاصون والإخباريون الذين يريدون جذب الناس للاستماع إليهم، مثل الفنانين - الآن - المغرمين بالشهرة وإعجاب "الجماهير" بهم.

ص: 171

والمعروف أن ظاهرة الوضع في الحديث ظهرت متأخرة عن بدء التدوين، ولما فشا أمرها شمر لها العلماء عن ساعد الجد، ونشأ نتيجة لذلك:

علم الجرح والتعديل:

وفيه رصد العلماء أحوال الرواة مثل الكذب، والابتداع والتساهل، والغفلة والنسيان. والتعصب، واتباع الهوى في جانب التجريح.

أما في جانب التعديل فسجلوا ما كان عليه المعدلون واحداً واحداً من العدالة والضبط، والعدالة وصف جامع لصفات الكمال في الرواة.

فعلم الجرح والتعديل ديوان شامل لكل الرواة، سواء كانوا رواة الحديث الصحيح، أو رواة الحديث الحسن، أو رواة الحديث الضعيف، أو رواة الحديث الموضوع؛ أسماؤهم، وكناهم، وألقابهم، وصفاتهم الخلقية، إنه أشبه ما يكون بـ"ذاكرة الكمبيوتر" الحديث خازن لمعلومات تسعف المحتاج إليها عند الطلب. وبمعونتها يحكم على الحديث المروي بما يستحقه من الصفات والألقاب:

الصحة والحسن، والضعف والوضع كل ذلك تم ومنكرو السنة المعاصرون لم يكونوا في الوجود شيئاً مذكورا.

وبعض الوضاعين كانوا كما يزورون متن الحديث يزورون السند، ويختارون الرواة - أحياناً - من المعروفين بالصدق والعدالة والضبط، وهذا ما كان يخدع نقاد الحديث، لأنهم كما يعرفون الوضع عن طريق المتن، يعرفونه عن طريق لسند، وهذه هي محاصرة للوضع من كل جهة، التي أشرنا إليها في بداية هذا المبحث.

والأمارات التي تدل على الوضع من النظر في المتن هي كما يأتي:

* ركاكة التركيب أو الألفاظ، مما يقطع أنه لا يصدر عن فصيح عالم بصحة البيان، ومرامي الكلام، أو وجود خطأ لغوي نحوي أو صرفي.

* مخالفة الحس والمشاهدة - (في غير المعجزات) كما ورد في

ص: 172

حديث موضوع أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا، وصلت متجهة إلى الكعبة.

* مخالفة ضرورات العقل، التي أشرنا إليها في شبهة ادعائهم أن السنة تخالف العقل، لا مخالفة مطلقاً، لأن أحاديث المعجزات الصحيحة خارقة للمعهود العقلي.

* مخالفة الحقائق التاريخية المقطوع بها، مثل أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع الجزية على أهل خيبر عام (7 هـ) والجزية شرعت بعد فتح خيبر، ولم تكن مشروعة فبلها ولا في أثنائها.

* إذا وافق الحديث هوى الراوى المتعصب لهواه.

* دلالة الحديث على ثواب عظيم مرتب على طاعة يسيرة، أو على وعيد شديد عقوبة على معصية صغيرة وهذه مجرد نماذج تدل على الوضع في الحديث من ناحية المتن.

أمارات الوضع فب السند:

أمارات الوضع في السند كثيرة، من أشهرها:

* أن يكون الراوي معروفاً بالكذب فيحكم على الحديث بالوضع، لكن بشرط أن لا يكون للحديث طريق أخرى راويها ثقة معروف عند نقاد الحديث بالعدالة.

* أن يعترف الراوي بالكذب، كنوح بن أبي مريم الذي أعترف بأنه وضع بعض أحاديث فضائل سور القرآن، ليجذب الناس إلى القرآن ويصرفهم عن اللهو.؟

* أن يثبت أن الراوي روى عن شيخ ثبت أنه لم يلقه أو مات قبله، أو ولد بعده.

* أن يفهم من الحديث أن راوية يروج لشيء نافع له خاصة كبائع الهريسة الذي وضع "الهريسة تشد الظهر" وهكذا.

ص: 173

والخلاصة:

إن هذه الشبهة لا جدوى فيها لمنكري السنة، وهي شبهة بائرة كما بارت كل الشبهات المتقدمة، وذلك لأن آفة الوضع حسمها العلماء رضي الله عنهم، قبل انصراف القرن الثامن الهجري، ووصلت إلينا محسومة. وغضافة إلى أمارات الوضع في السند والمتن ترك لنا سلفنا العظيم مصنفات عديدة نصوا فيها على الأحاديث الموضوعة، منها:

* الموضوعات لابن الجوزى (3 أجزاء)

* الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكانى (جزء واحد)

* تنزية الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضعة (جزآن) للكتانى.

* الالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (جزءان) للجلال السيوطى.

* * *

ص: 174