المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة السادسة والعشرون مخالفة السنة للواقع المشاهد - الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل الدراسة

- ‌الشبهة الأولى النهي النبوي عن كتابة الحديث

- ‌الشبهة الثانية ادِّعاء النهي القرآني عن الإيمان بالسنة والعمل بها

- ‌الشبهة الثالثة منع الخلفاء رواية الحديث وترديده

- ‌الشبهة الرابعة تشدد الخلفاء في الرواية وحبس المكثرين منها

- ‌الشبهة الخامسة حرق كتب الحديث

- ‌الشبهة السادسة تأَخُّر تدوين السنة

- ‌الشبهة السابعة السنة دُوَّنَتْ في قصور الأمراء

- ‌الشبهة الثامنة الرواية بالمعنى دون اللفظ

- ‌الشبهة التاسعة اقتحام السنة حواجز الغيب

- ‌الشبهة العاشرة رواة السنة بشر غير معصومين

- ‌الشبهة الحادية عشرة نُدْرة الصحيح في محفوظ البخاري

- ‌الشبهة الثانية عشرة البخاري ومسلم لم يسلما من النقد

- ‌الشبهة الثالثة عشرة السنة ليست وحياً

- ‌الشبهة الرابعة عشرة نُدْرة الاستدلال بالحديث عن أبي حنيفة

- ‌الشبهة الخامسة عشرة ضياع خمسمائة خطبة نبوية

- ‌الشبهة السادسة عشرة مصدر السنة ليس معصوماً

- ‌الشبهة السابعة عشرة الطعن في رواة السنة

- ‌الشبهة الثامنة عشرة أُمّية أبي هريرة، وتأخر إسلامه

- ‌الشبهة التاسعة عشرة نقد السند دون المتن

- ‌الشبهة العشرون ندرة المتواتر في السنة

- ‌الشبهة الحادية والعشرون ظنية السنة

- ‌الشبهة الثانية والعشرون هداية السنة "ظرفية" لا دائمة

- ‌الشبهة الثالثة والعشرون (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)

- ‌الشبهة الرابعة والعشرون الاكتفاء بالقرآن عن السنة

- ‌الشبهة السادسة والعشرون مخالفة السنة للواقع المشاهد

- ‌الشبهة السابعة والعشرون دعوى مخالفة السنة للعقل

- ‌الشبهة الثامنة والعشرون دعوى مخالفة السنة للقرآن

- ‌عقوبات المفسدين

- ‌الشبهة التاسعة والعشرون الوضع في الأحاديث

- ‌الشبهة الثلاثون جامعو السنة كتبوها مكرهين

- ‌الشبهة الحادية والثلاثون السنة لا تستقل بالتشريع

- ‌الشبهة الثانية والثلاثون مَنْعُ العمل بأحاديث الآحاد

- ‌الشبهة الثالثة والثلاثون السنة ليست حُجَّة في الدين

- ‌الحقائق من غير القرآن:

الفصل: ‌الشبهة السادسة والعشرون مخالفة السنة للواقع المشاهد

‌الشبهة السادسة والعشرون مخالفة السنة للواقع المشاهد

منكرو السنة المعاصرين حاطبو ليل، لا يفرقون وهم يجمعون الحطب بين أعواده وبين أجسام الحيات والثعابين، ثم أنهم - كما أشرنا من قبل - يفرضون جهلهم على حقائق الإيمان، ويجعلونه هو المقياس عندهم بين الحق والباطل، والخطأ والصواب.

وقد حشدوا في معركتهم مع السنة كل ما وصت إليه جهالاتهم وأوهاوهم ظانين أن بضاعتهم الكاسدة يكون لها رواج في يوم ما عند الناس.

وفي هذه الشبهة يدعون أن من الحديث الصحيح ما يخالف الوافع المشاهد، فهي إذن أحاديث كاذبة إن كان الني قالها، أو مكذوبة عليه، وإن صح سندها عند علماء الحديث.

ومما ذكروه دليلاً على هذا جملة من الأحاديث نذكر منهما اثنين توخياً للإيجاز:

الحديث الأول:

ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال فيه" "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قُبِرَ الميت أتاه ملكان أسودان" ثم جاء في الحديث:

"فيقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله".

هذا الحديث عندهم مكذوب على رسول الله رغم صحته، وسبب الحكم عليه عندهم بالكذب أمران:

* مخالفته للقرآن.

* مخالفته للواقع المشاهد.

ص: 141

يقول أحدهم بالحرف الواحد:

إن هذا الحديث مكذوب، لأنه يخالف الحس والواقع فما أكثر القبور التي تفتح، بعد دفن الموتى فيها، سواء في ذلك قبور المؤمنين والكافرين، فلم يشاهد فاتحوها جدران القبر قد التصقت ببعضها، ولا أضلاع الموتى قد تداخلت، ولا أجسادهم قد تهتكت"، كما يدعون - جميعاً - أن القرآن يخلو من ذكر عذاب القبر.

وهكذا اجتمعت عندهم علتان قادحتان في صحة هذا الحديث، فحكموا - فض الله فاهم - بأنه حديث باطل مكذوب؟!

تفنيد هذه الشبهة ونقضها:

منكرو السنة لازم مذهبهم أنهم لا يؤمنون بها، وكثيراً ما أعلنوا أنهم لا يؤمنون إلا بالقرآن وحده، لذلك فإننا لن نحتج عليهم بالحديث النبوي، لأنهم له رافضون ونكتفي في تفنيد ونقض شبهتهم هذه بالاحتجاج عليهم بالقرآن، الذي يعلنون أنهم لا يؤمنون إلا به، وهم به جاهلون؟

إن بين منكري السنة، وبين العلمانيين شبهاَ واضحاً في المذهب. وهذا ما طبقوه في رفضهم لهذا الحديث، رفضوه لأن معناه لم يدرك بالبصر، ولا بواحدة من الحواس الأربع الأخرى؟

وها نحن أولاء نضع أمامهم وقائع وردت في القرآن الذي يؤمنون به وحده، هذه الوقائع مثل الواقعة التي وردت في هذا الحديث سواء بسواء.

ففي سورة "الأنفال" ورد قوله تعالى:

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال: 50، 50]

إن ضرب الملائكة وجوه وأدبار الذين كفروا عنده الوفاة، وقولهم لهم:"ذوقوا عذاب الحريق"

ص: 142

قولهم لهم: "ذلك بما قدمت أيديكم، وأن الله ليس بظلام للعبيد" مثل التئام القبر على صاحبه، وتداخل أضلاعه بعضها في بعض.

والذين كفروا يموتون وأهلهم جلوس حولهم، فهل سمع منكرو السنة أن أهل الذين يموتون من الكفار أنهم قالوا أنهم أحسوا بضرب الملائكة لوجوه وأدبار موتاهم؟! أو أنهم سمعوا الملائكة يقولون لموتاهم ما حكاه القرآن عنهم؟!

بالطبع لم يروا ولم يسمعوا، ولو كانوا قد رأوا أو سمعوا ما بقى في الدنيا كافر واحد، ولآمن أهل كل ميت كافر، ولا نمحى الكفر من الوجود.

فما رأيكم يا منكري السنة؟

هل هاتان الآيتان مكذوبتان على الله؟ مثل الحديث الذي قلتم - جهلاً - أنه مذكوب على رسول الله.

لن تستطيعوا - ولعدة أسباب - أن تقولوا إن هاتين الآيتين مكذوبتان على الله. وهذا يلزمكم بأن تؤمنوا بصحة هذا الحديث، وبصحة أمثاله؛ لأنكم آمنتم بنظائره من القرآن، وإلا فأنتم أهل عناد ومكر، والمكر السيء لا يحيق إلا بأهله.

ونحن نساعدكم على سهولة السيلا في طرق الإيمان إن كنتم طلاب حق.

إن الوقائع التي ذكرتها الآيتان والحديث وقائع صحيحة صادفة، وإن لم نرها بعين، ولم نسمعها بأذن لأنها من شئون الآخرة، وشئون الآخرة - الآن - غيب، يجب الإيمان بها إذا جاء بها الخبر الصادق عن الله في قرآنه، أو عن الرسول في حديثه.

هذا ما لم تعلموه فأتيتم بمنكر من القول وزوراً. وها هي ذي فرصة العلم بد قد أتيحت لكم، فهل أنتم مؤمنون أم على قلوب أقفالها؟

ص: 143

الحديث الثاني:

"إذا أنزل الله بقوم عذاباً، أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم" رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهم.

منكروا السنة حكموا على هذا الحديث - كذلك - بأنه مكذوب على رسول الله. وهدفهم كما هو معروف إثارة الريب حول كتب السنة، وفي مقدمتها صحيحاً البخاري ومسلم.

أما السبب في هذا الكذب عندهم، فأمران كذلك:

الأول: مخالفته للقرآن؟!

الثاني: مخالفته للواقع والحس الشاهد؟!

قال أحدهم بالحرف الواحد:

"فهذا الحديث أيضاً مما يكذبه الحس، فضلاً عن تكذيب القرآن الكريم له"؟!

أما مخالفته للقرآن فقد استدل عليها بآيات من الكتاب العزيز، منها:

{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 17]

{وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]

وخلاصة استشهادخم بهذه الآيات أنها تقرر وتؤكد العدل الإلهي.

أما الحديث فإنه يقدح في العدل الإلهي عندهم؟!

تفنيد هذه الشبهة ونقضها:

هذه الآيات التي استشهدوا بها على تكذيب الحديث الصحيح قرأوها بأبصارهم حروفاً، وعميت عنها قلوبهم فقهاً.

فبعض هذه الايات خاص بعذاب الاستئصال في الدنيا كما حدث لعاد وثمود، وقد أشار القرآن وهو ينذر مشركي العرب إلى هذا فقال:

ص: 144

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58] ثم قال: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59] . ولهذه الايات نظائر في القرآن الكريم.

وبعضها خاص بالجزاء في الآخرة، ومنها قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] .

ومن أصول الإيمان أن الله لا يظلم أحداً شيئاً لا في الدنيا، ولا في الآخرة، وهذا هو الذي أُريدّ من هذه الآيات.

ولم يخرج الحديث عن هذه المعاني التي دلت عليها هذه الآيات، ولكن منكري السنة أبصروا من الحديث جزءاً وعموا عن جزء فضلوا سواء السبيل.

الجزء الذي أبصروه هو "إذا أنزل الله بقوم عذاباً اصاب العذاب من كان فيهم".

والجزء الذي عموا عنه هو: "ثم بعثوا على أعمالهم". فالحديث يقرر عدالة الله كما قررتها الآيات سواء بسواء:

فإذا غضب الله على قوم، وسلط عليهم عذاباً عاماً أو خاصاً فهلكوا أو ماتوا، وفيهم صالحون، فإن الجميع يستوون في المصير الدنيوي، ثم يفترقون في الآخرة، فريق في النار، وفريق في الجنة.

بل إن السنة النبوية ترفع هؤلاء الصالحين، الذين يموتون في الكوارث إلى درجات الشهداء. فأين نسبة الظلم إلى الله في الحديث، التي يدعيها هؤلاء الماكرون؟

هذه واحدة، أما الثانية فنقول لهم فيها بصوت عال يسمع من في القبور: إن هذا الحديث يتفق مع القرآن بدرجة 100%، ولا يوجد بين الحديث والقرآن ولا حبة خردل من خلاف.

لأن القرآن يقرر ما قرره الحديث بكل قوة ووضوح فالله عز وجل يقول في

ص: 145

سورة الأنفال ما يأتي: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]

الم يصرَّح القرآن بأن الفتنة - يعني العذاب إذا نزل، ولا يصيب الظالمين وحدهم، بل يصيب الظالم والعادل، والعاصي والطائع.

فما رأيكم يا منكري السنة؟ هل هذه الآية - كذلك - مكذوبة على الله، كما كذب البخاري وابن عمر - في زعمكم - على رسول الله في حديث إنزال العذاب؟!

إن عليكم أن تؤمنوا بالآية والحديث معاً، أو تكفروا بهما معاً؛ لأنهما يدلان على معنى واحد.

والإيمان بالعدل الإلهي، وبصدق الرسول لا ينفك أحدهما عن الآخر.

فأين - إذن - تذهبون؟

دعوى مخالفة الحديث للحس المشاهد:

منكرو السنة يدعون أن الله إذا قرر هلاك قوم، وفيهم صالحون، عزل الصالحين وأهلك المجرمين، ويدعى واحد منهم أن هذا هو الواقع المشاهد؟! فهل سمعتم بكلام اي بهلول يشبه كلام هؤلاء "البهاليل" العباقرة وبارئ النسم إن هذا القول مردود على قائله بمجرد سماعه والنطق به، ولا يحتاج لدليل يبطله أكثر من خروجه من "خياشيم" الناطق به، ومع ذلك نقف أمامه وقفه قصيرة قاهرة:

* حادث الطائرة المصرية، التي كانت قادمة من ليبيا في أوائل السبعينات، وحطمتها إسرائيل على أرض سيناء وفيها أكثر كم ثلاثمائة راكب مدني، منهم الشيوخ والشباب والرجال والنساء والأطفال.

أليست هذة كارثة قد وقعت، وبعلم الله، فهل كان كل ركابها مجرمين فسقة ظالمين، وأنهم هم وحدهم المجرمون في الدنيا، لذلك جمعهم الله في مكان واحد ثم أشعل فيهم النار بعيداً بعيداً عن الصالحين؟!

ص: 146

فهل يتهم منكرو السنة الله بالظلم على هلاك الأطفال من ركاب الطائرة. والأطفال أبرياء 100%؟

ومثال ثان: الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992م كان ضحاياه من الفقراء والشيوخ والشباب والأطفال، فهل ضحايا هذه الكارثة هم وحدهم الطالحون في مصر، وبقية المصريين الذين لم يضرهم الزلزال هم الملائكة الأطهار؟!

لو أن منكري السنة احترفوا حرفة التمثيل الكوميدي لأصبحوا نجوماً وأقماراً وشموساً في دنيا التهريج والإضحاك، والسفاسف.

ولكنهم لسوء حظهم اقتحموا مجالاً ليس لهم فيه موضع قدم فانقلبوا على أعقابهم خاسرين.

ورحم الله الشاعر الذي قال:

إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها

هواناً بها، كانت على الناس أهونَ

* * *

ص: 147