الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثلاثون جامعو السنة كتبوها مكرهين
؟!
عنوان ضخم، ووصف مفزع، فإذا فتشت وراءه لم تجد لهذا "القول" أبا ولا أما. وهذا يؤكد أن منكري السنة يتهافتون - دائماً - وراء تصيد الشبهات لإنكار شطر الإيمان.
وفي هذه الشبهة يزعمون أن جامعي السنة لم يكتبوها مختارين، بل كتبوها مكرهين، وأن الأمراء أكرهوهم على كتابتها، ولولا إكراه الأمراء ما كتبوها، وما كنت تسمع عن رجل اسمه البخاري، أو مسلم أو غيرهما؟!
ويستندون في هذه التهمة "الضخمة" على كلام كتبه المستشرق اليهودي الأصل (جولدزيهر) عن الإمام الزهرى نقله محرَّفاً ولو كان نقله "صواباً" ما وجد فيه منكرو السنة الآن أو شياطين الإنس مغمزاً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وها نحن أولاً نكشف باطلهم بحق الله، فإذا هو زاهق.
تفنيد هذه الشبهة ونقضها:
لم يكن تدوين المعارف والعلوم منتشراً في صدر الإسلام بل كانوا سعتمدون على الحفظ، وقوة الذاكرة. وقد كان هذا ملاحظاً في كل العلوم العربية والشرعية، وليس مقصوراً على علم الحديث وحده، لأن التدوين بدأ وئيداً في أواخر القرن الثاني الهجري، ثم فشا أمره في القرنين الثالث والرابع، وبلغ ذروته في الرابع كما هو معروف. والقرنان الثالث والرابع الذهبي في التأليف والتدوين العربي الإسلامي.
الواقعة قبل التحريف: جاء في طبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر أن الإمام الزهرى كان يمتنع عن
كتابة الأحاديث الشريفة للناس، ويكتفي بإسماعهم الحديث لئلا يتكلوا على الكتابة ويهملون الحفظ، وفي عهد هشام بن عبد الملك أشار على الزهرى أن يكتب لولده - ولد هشام - اربعمائة حديث ليحفظها، فامتنع الزهرى، لكن هشاماً ألح عليه حتى وافق الزهرى. ولما كتب الأحاديث الأربعمائة خرج فقال للناس، الذين كانوا يطلبون أن يكتب لهم الأحاديث فيمتنع، قال لهم بصوت عال:
"أيها الناس: إنَّا كنا منعناكم أمراً - اي كتابة الأحاديث لهم - وقد بذلناه الآن لهؤلاء. وأن هؤلاء الأمراء اكرهونا على كتابة الأحاديث، فتعالوا حتى أحدثكم بها، فحدثهم بالأربعمائة حديث".
هذه هي الواقعة بكل ملابساتها، ومما يحمد للزهرى فيها أنه أبراً ذمته، وسوَّى بين جميع طلاب العلم، وبين ابن الحليفة كما وضح للناس السبب في كتابته الأحاديث لابن هشام وهو غلحاح هشام عليه كما جاء ذلك واضحاً في كلامه، الذي رواه ابن عساكر وابن سعد، وشاركهما الخطيب في ذكره.
الواقعة بعد التحريف:
كان جولدزيهر أول من حرَّف عبارة الإمام الزهرى تحريفاً خطيراً أفسد المعنى المراد عند الإمام الزهرى.
فقد حرَّف عبارة الزهرى "أكرهونا على كتابة الأحاديث" إلى قوله: "أكرهونا على كتابة أحاديث"؟!
والفرق بين العبارتين كبير وخطير:
فعبارة الإمام الزهري معناها أن هشاماً أكرهه على كتابة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى عبارو زيهر أن هشاما أكره الزهرى على كتابة أحاديث مفتراة لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم؟!.
والمقصود من هذا التحريف عند زيهر ومشايعيه أن الزهرى كان أول من تعمد الكذب على رسول الله ثم تتابع جامعو السنة في "فبركة الأحاديث" دون أن يكون لها من الصحة نصيب؟!
هذه هي الحقيقة، وأنت ترى أن هذه الشبهة لم تقم على أي أساس سوى التحريف المتعمد، ولا عجب، فإن اليهود - ومنهم جولدزيهر - لهم مهارة في التحريف والخيانة، فقد حرَّفوا التوارة وشوهوا صورة الحق فيها، فما الذي يمنع زيهر من تزوير النصوص الإسلامية تزويراً يحقق بعض أو كل مطامع اليهود في تشويه الإسلام، أو القضاء عليه؟! وليست مشكلتنا اليوم مع جولدزيهر، فقد هلك هو وهلك معه حقده على الإسلام.
وإنما مشكلتنا معه هؤلاء "الخوانة" الذين اتخذوا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "غرض" يطلقون عليه سهامهم الطائشة بسوء نية، وسوء لسان.
وتراهم لم يقفوا عند المعنى الذي أراده سلفهم "زيهر" بل ضخَّموا هذه "الفرية" وادعوا أن السنة "كلها" كتبت في "قصور الأمراء" وعلى "أهوائهم" وهي الشبهة التي رصدناها وعرضناها من قبل ثم فندناها ونقضناها بأسلوب علمي موضوعي لا تهافت فيه ولا تحامل والحق لا يحتاج أنصاره في الدفاع عنه إلى استخدام سلاح الباطل فدعائم انتصار الحق كامنة في الحق نفسه.
امتناع الزهرى أولاً:
وليس في امتناع الزهرى عن كتابة الحديث أولاً، ولا في إعلانه عن كراهيته للكتابة أمام هشام ثانياً، ليس في هذين ما يمكن ترشيحاً وتقوية لادعاءات منكري السنة الآن، ولا لجولدزيهر من قبل.
جولدزيهر يقلو إن الإمام الزهرى اعترف بصراحة عن تزويره أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استجابة لرغبة الخليفة هشام بن عبد الملك.
وهذه كله وَهْم مغلوط، ولا يُفهم منه أن موقف الزهرى كان لاعتقاده أن السنة مزورة، لأن هذا الموقف مثله الخليفة الأول أبو بكر الصديق من جمع
القرآن في مصاحف كما وقفه زيد بن ثابت الأنصاري حين عهد إليه الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بجمع القرآن، وقال إنه لو كُلَّف بنقل جبل لكان أهون عليه من جمع القرآن.
والأمور العظيمة يخشى الأتقياء وأهل الورع الإقدام عليها تقديراً لها، ورؤية أنفسهم أضأل ما يكونون أما عظمتها مثل الفتيا، ما أكثر من كان لا يجرؤ عليها من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أهل التقوى والقضاء.
فهل يقول هؤلاء الآبقون إن معارضة أبي بكر رضي الله عنه أولاً في جمع القرآن في مصاحف كانت لريب في نفسه نحو القرآن، وهل يقولون إن زيد بن ثابت كره أن يقوم بجمع القرآن من صدور الحفاظ، ومن الرقاع لاعتقاده أن القرآن لا يوثق بروايته وحفظه؟!
إنهم لن يستطيعوا - لأسباب كثيرة - أن يقولوا بهذا. ونسألهم - بناء على ما تقدم - ما الفرق بين موقفى أبي بكر وزيد بن ثابت، وبين موقف الزهرى؟! هل عندكم من علم فتخرجوه لنا يا حزب الشيطان؟!.
* * *