المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل ذلك إليه) - الشرح الكبير على المقنع - ط المنار - جـ ٨

[ابن أبي عمر]

فهرس الكتاب

- ‌(مسألة) * (وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما)

- ‌(مسألة) * (وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها)

- ‌(مسألة) * (أو دعاه فيما بعد اليوم الأول)

- ‌(مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر وإن كان نفلاً أو مفطراً استحب له الأكل وإن أحب دعا وانصرف)

- ‌(فصل في آداب الاكل) *

- ‌(باب عشرة النساء) *

- ‌(مسألة) * (وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها)

- ‌(مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل)

- ‌(مسألة) * (ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به)

- ‌(مسألة) * (وإن قال بألف فكذلك ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف)

- ‌(مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل ذلك إليه)

- ‌(باب الاستثناء في الطلاق)

- ‌(مسألة) * (وإن قال أنت طالق اثنتين إلا واحدة فعلى وجهين ذكرناهما، وذلك مبني على صحة استثناء النصف)

- ‌(مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق)

- ‌(مسألة) * (ولو قال أولا إن قمت فانت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام واحدة ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك)

- ‌(مسألة) * (إذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فالقول قولها)

- ‌(مسألة) * وإن طلق العبد زوجته اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق)

- ‌(مسألة) * (وإن قال والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار موليا)

- ‌(مسألة) * (فإن طلق واحدة فله رجعتها وعنه أنها تكون بائنة)

- ‌(مسألة) * وإن قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر)

- ‌(مسألة) * (فإن أعتقه عن كفارته وهو موسر فسرى إلى نصيب شريكه عتق)

- ‌(مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه)

الفصل: ‌(مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل ذلك إليه)

* ‌

(مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل ذلك إليه)

لأن الأمر المطلق يتناول ما يقع عليه الاسم إلا أن يجعل أكثر من واحدة بلفظه او نيته، نص عليه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله والقول قوله في نيته لأنه أعلم بها.

* (مسألة) * (فان وكل اثنين صح وليس لأحدهما أن يطلق على الانفراد إلا أن يجعل ذلك إليه) ولأنه إنما رضي بتصرفهما جميعاً وبهذا قال الحسن ومالك والثوري والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر فإن أذن لأحدهما في الانفراد صح لأن الحق له (فصل) فإن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر مثل أن يطلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثاً فتقع واحدة وبهذا قال إسحاق، وقال الثوري لا يقع بشئ ولنا أنهما طلقا جميعاً واحده مأذوناً فيها فصح كما لو جعل اليهما واحدة وإن طلق أحدهما اثنتين والآخر ثلاثاً وقع إثنتان لأنهما اجتمعا عليهما.

* (مسألة) * (وإن قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل فإن نوى عدداً فهو على ما نوى وإن طلق من غير نية لم يملك إلا واحدة)

ص: 248

لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم، وكذلك الحكم لو وكل أجنبياً فقال طلق زوجتي فالحكم على ما ذكرناه.

قال أحمد لو قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثاً فطلقت نفسها ثلاثاً فهي ثلاث وإن كان نوى واحدة لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثاً فأيهما نواه فقد نوى بلفظ ما احتمله وإن لم ينو تناول اليقين فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع الطلاق لأنه توكيل وقال القاضي إذا قال لامرأته طلقي نفسك تقيد بالمجلس لأنه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس

كقوله اختاري.

ولنا أنه توكيل في الطلاق فكان على التراخي كتوكيل الأجنبي وكقوله أمرك بيدك وفارق اختاري فإنه تخيير وينتقض ما ذكره بقوله أمرك بيدك فإن قال طلقي ثلاثاً فطلقت واحدة وقع، نص عليه، وقال مالك لا يقع شئ لانها لم تمثل أمره.

ولنا أنها ملك إيقاع ثلاث فملكت ايقاع واحدة كالموكل ولأنه لو قال وهبتك هؤلاء العبيد

ص: 249

الثلاثة فقال قبلت واحداً منهم صح كذا ههنا، وإن قال طلقي واحدة فطلقت ثلاثاً وقعت واحدة نص عليه أيضاً وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يقع شئ لأنها لم تأت بما يصلح قبولا فلم يصح كما لو قال بعتك نصف هذا العبد فقال قبلت البيع في جميعه ولنا أنها أوقعت طلاقاً مأذوناً فيه وغيره فوقع المأذون فيه دون غيره كما لو قال طلقي نفسك فطلقت نفسها وضرائرها فإن قال طلقي فقالت أنا طالق إن قدم زيد لم يصح لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم يتناول المعلق على شرط وحكم توكيل الأجنبي في الطلاق كحكمها فيما ذكرناه كله (فصل) نقل عنه أبو الحارث إذا قال طلقي نفسك طلاق السنة فقالت قد طلقت نفسي ثلاثا هي واحدة وهو أحق برجعتها إنما كان كذلك لأن التوكيل بلفظ يتناول أقل ما يقع عليه اللفظ وهو طلقة واحدة وسيما وطلاق السنة في الصحيح واحدة في طهر لم يصبها * (مسألة) * (وإن قال اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين) لأن لفظه يقتضي ذلك لأن من للتبعيض فلم يكن لها استيعاب الجميع والله أعلم

ص: 250

باب سنة الطلاق وبدعته والسنة في الطلاق إن يطلقها في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها يعني طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وفي حديث عبد الله بن عمر الذي ذكرناه ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصيب للسنة مطلق للعدة

التي أمر الله بها قاله ابن عبد البر وابن المنذر قال ابن مسعود طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع، وقال في قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) قال طاهراً من غير جماع ونحوه عن ابن عباس، وفي حديث ابن عمر الذي رويناه " ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثمم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " وقوله ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمعناه أن لا يتبعها طلاقاً آخر قبل انقضاء عدتها، ولو طلقها ثلاثاً في ثلاثة أطهار كان حكم ذلك حكم جميع الثلاث في طهر واحد.

قال أحمد طلاق السنة واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وبذلك قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة والثوري السنة أن يطلقها ثلاثاً في كل قرء طلقة وهو قول سائر

ص: 251

الكوفيين واحتجوا بحديث ابن عمر حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر قالوا وإنما أمره بإمساكها في هذا الطهر لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل فإذا مضى ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها، وقوله في حديثه الآخر والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء، وروى النسائي باسناده عن عبد الله قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يطلق أحد للسنة فيندم رواه الأثرم وهذا لا يحصل إلا في حق من لم يطلق ثلاثاً، وقال ابن سيرين إن علياً كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبداً يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثاً فمتى شاء راجعها رواه البخاري بإسناده: وروى ابن عبد البر عن ابن مسعود أنه قال: طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها أو يراجعها إن شاء.

فأما حديث ابن عمر الأول فلا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه جمع الثلاث، وأما حديثه الآخر فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم طلقها كان للسنة على كل حال، حتى قال أبو حنيفة لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى

ص: 252

بين الثلاث كان مصيبا للسنة لان يكون مرتجعاً والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها سقط حكم الطلقة الاولى

فصارت كأنها لم توجد ولا تغني به عن الطلقة الاخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته بخلاف ما إذا لم يرتجعها فانه مستغن عنها لافضائها الى مقصوده من ابانتها فافترقا ولأن ما ذكروه إرداف طلاق من غير ارتجاع فلم يكن للسنة كجمع الثلاث * (مسألة) * (وإن طلق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع طلاقه في قول عامة أهل العلم) قال ابن المنذر وابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، وحكاه أبو نصر عن ابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة قالوا لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بايقاعه في غيره ولنا حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وفي رواية الدارقطني قال: قلت يا رسول الله أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال " لا كانت تبين منك وتكون معصية " وقال نافع وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره

ص: 253

رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال قلت لابن عمر أتعتد عليه أو تحتسب عليه؟ قال نعم أرأيت إن عجز واستحمق وكلها أحاديث صحاح ولأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظاً عليه وعقوبة له أما غير الزوج فلا يملك الطلاق والزوج يملكه بملك محله * (مسألة) * (تستحب رجعتها وعنه أنها واجبة) إنما استحبت مراجعتها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وأقل أحوال الأمر الاستحباب ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب في ظاهر المذهب وهو قول الثوري والاوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأصحاب الرأي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أن الرجعة تجب واختارها وهو قول مالك وداود لأن ظاهر الأمر الوجوب ولأن الرجعة تجري مجرى استيفاء النكاح واستيفاؤه ههنا واجب بدليل تحريم الطلاق لأن الرجعة إمساك للزوجة بدليل قوله تعالى (فأمسكوهن بمعروف) فوجب

ذلك كإمساكها قبل الطلاق، وقال مالك وداود يجبر على رجعتها.

قال أصحاب مالك يجبر على رجعتها

ص: 254

ما دامت في العدة إلا أشهب قال ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر لأنه لا تجب عليه إمساكها في تلك الحال فلا تجب عليه رجعتها فيه.

ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلا تجب عليه الرجعة فيه كالطلاق في طهر أصابها فيه فانهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة والأمر بالرجعة محمول على الاستحباب لما ذكرنا (فصل) فإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر ويستحب أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي رويناه، قال ابن عبد البر ذلك من وجوه عند أهل العلم منها أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها الا بالوطئ لانه المعني من النكاح ولا يحصل الوطئ إلا في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر فاعتبرنا مظنة الوطئ ومحله لا حقيقته ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطئ كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت تبني على عدتها فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق بالوطئ واعتبر الطهر الذي هو موضع الوطئ فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر وقد جاء في حديث عن ابن عمر

ص: 255

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها " رواه ابن عبد البر، ومنها أنه عوقب على ايقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له وذكره غير هذا فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها فهو طلاق سنة وقال أصحاب مالك لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر على ما جاء في الحديث ولنا قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وهذا مطلق للعدة فيدخل وقد روى يونس بن جبير وسعيد بن جبير وابن سيرين وزيد بن اسلم وأبو الزبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة وهو حديث صحيح متفق عليه

ولأنه طهر لم يمسها فيه فأشبه الطهر الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب * (مسألة) * وإن طلقها ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه كره وفي تحريمه روايتان) اختلفت الرواية عن احمد في جمع الثلاث فروي عنه أنه غير محرم اختارها الخرقي وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وداود وروي ذلك عن الحسن بن علي وعبد الرحمن بن عوف والشعبي لان عويمر العجلاني لما لاعن امرأته قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره

ص: 256

رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولم ينقل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليه وعن عائشة أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي متفق عليه وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها ولأنه طلاق جاز تفريقه فجاز جمعه كطلاق النساء (والرواية الثانية) أن جمع الثلاث محرم وهو طلاق بدعة اختارها أبو بكر وأبو حفص روى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وهو قول مالك وابي حنيفة قال علي لا يطلق أحد للسنة فيندم وفي رواية قال يطلقها واحدة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاث حيض فمتى شاء راجعها، وعن عمر أنه كان إذا أتي برجل طلق ثلاثاً أوجعه ضربأ، وعن مالك بن الحارث قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن ابن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن ابن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجاً.

ووجه ذلك قول الله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) الى قوله (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) ثم قال بعد ذلك (ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا) ورى النسائي بإسناده عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته

ص: 257

ثلاث تطليقات جميعاً فغضب قال " أيلعب بكتاب الله عزوجل وأنا بين أظهركم؟ " حتى قام رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله وفي حديث ابن عمر قال قلت يا رسول الله لو طلقتها ثلاثاً قال " إذاً عصيت ربك وبانت منك امرأتك " وروى الدارقطني بإسناده عن على قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً طلق البتة فغضب وقال " يتخذون آيات الله هزوا ولعبا من طلق البتة الزمناه ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج

من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لأن الظهار يرفع تحريمه بالتكفير وهذا لا سبيل للزوج الى دفعه بحال ولأنه ضرر وإضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة فيدخل في عموم النهي وربما كان وسيلة إلى عوده إليها حراماً أو بحيلة لا تزيل التحريم، ووقوع الندم خسارة الدنيا والآخرة فكان أولى بالتحريم من الطلاق في الحيض الذي ضرره بقاؤها في العدة أياماً يسيرة والطلاق في طهر مسها فيه الذي ضرره احتمال الندم بظهور الحمل فإن ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافاً كثيرة فالتحريم ثم تنبيه على التحريم ههنا ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم وغيره ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف قولهم فيكون ذلك إجماعاً، فأما حديث المتلاعنين فغير لازم فإن الفرقة لم تقع بالطلاق فإنها وقعت بمجرد لعانهما وعند الشافعي بمجرد لعان الزوج فلا حجة فيه ثم إن اللعان يوجب تحريماً مؤبداً فالطلاق بعده

ص: 258

كالطلاق بعد انفسكاخ النكاح بالرضاع أو غيره ولأن جمع الثلاث إنما حرم لما يعقبه من الندم ويحصل به من الضرر ويفوت عليه من حل نكاحها ولا يحصل ذلك بالطلاق بعد اللعان لحصوله باللعان، وسائر الأحاديث ليس فيها جمع الثلاث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مقراً عليه ولا حضر المطلق عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك لينكر عليه، على أن حديث فاطمة قد جاء فيه أن أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها وحديث امرأة رفاعة جاء فيه أن طلاقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه فلم يكن في شئ من ذلك جمع الثلاث، ولا خلاف بين الجميع في أن الاختيار والأولى أن يطلق واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها إلا ما حكينا من قول من قال انه يطلقها في كل قرء طلقة والأولى أولى فإن في ذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه وموافقة لقول السلف وأمنا من الندم فإنه متى ندم راجعها فإن فات ذلك بانقضاء عدتها له نكاحها قال محمد بن سيرين إن علياً كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبداً يطلقها تطليقة ثم يدعها حتى ما بينها وبين أن تحيض ثلاثاً فمتى شاء راجعها رواه النجاد بإسناده وقال عبد الله من أراد أن يطلق الطلاق الذي هو الطلاق فليمهل حتى إذا حاضت ثم طهرت طلقها تطليقة في غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ولا يطلقها ثلاثاً وهي حامل فيجمع الله عليه نفقتها وأجر رضاعها ويندمه فلا يستطيع إليها سبيلاً

ص: 259

(فصل) فإن طلق ثلاثاً بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ولا فرق بين قبل الدخول وبعده روى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وأنس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون من طلق البكر ثلاثاً فهي واحدة، وروى طاوس عن ابن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافه عمر طلاق الثلاث واحدة رواه أبو داود وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية طاوس أخرجه أيضاً أبو داود وأفتى ابن عباس بخلاف ما روي عنه طاوس وقد ذكرنا حديث ابن عمر أرأيت لو طلقها ثلاثا، وروى الدارقطني بإسناده عن عبادة بن الصامت قال طلق بعض آبائي امرأته ألفاً فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن أبانا طلق أمنا ألفاً فهل له مخرج؟ فقال " إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجاً بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم في عنقه " ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقاً فصح مجتمعاً كسائر الاملاك، فأما حديث ابن عباس فقد صحت الرواية عنه بخلافه وافتى بخلافه قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي شئ

ص: 260

تدفعه فقال أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن ابن عباس من وجوه خلافه أنها ثلاث، وقيل معنى حديث ابن عباس أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وإلا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولا يسوغ لابن عباس أن يروى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتي بخلافه (فصل) فإن طلق ثنتين في طهر ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لانه يحرمها على نفسه ولم يسد على نفسه المخرج من الندم ولكنه ترك الاختيار لأنه فوت على نفسه طلقة جعلها الله له من غير فائدة يحصل بها فكان مكروهاً كتضييع المال، فإن كانت المرأة صغيرة أن آيسة أو غير مدخول بها أو حاملاً قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة إلا في العدد، فإذا قال لها أنت طالق للسنة أو قال للبدعة

طلقت في الحال واحدة قال ابن عبد البر أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها فأما غير المدخول بها فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لأن الطلاق في حق المدخول بها إذا كانت من ذوات الاقراء إنما كان له سنة وبدعة لان العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في الطهر

ص: 261

الذي لم يجامها فيه، أما غير المدخول بها فلا عدة عليها تبقى بتطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الأشهر كالصغيرة التي لم تحض، والآيسات من المحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لأن العدة لا تطول بطلاقها في حال ولا تحمل فترتاب، وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة من جهة الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي وكثير من أهل العلم، فإذا قال لاحدى هؤلاء أنت طالق للسنة أو للبدعة وقعت طلقة في الحال ولغت الصفة لان طلاقها لا يتصف بذلك فصار كأنه قال أنت طالق ولم يزد، وكذلك إن قال أنت طالق للسنة والبدعة أو قال أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي إن يكون للحامل طلاق سنة لأنه طلاق أمر به لقوله عليه الصلاة والسلام " ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً " رواه مسلم وهو ظاهر كلام أحمد فإنه قال أذهب إلى حديث سالم عن ابيه يعني هذا الحديث ولأنها في حال انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن أن تنتقل عنها الى زمان البدعة فكان طلاقها طلاق سنة كالطاهر من الحيض من غير مجامعة، ويتفرع منه أنه لو قال لها أنت طالق للبدعة لم تطلق في الحال فإذا وضعت الحمل طلقت لأن النفاس زمان بدعة كالحيض.

وقوله إلا في العدد يعني أنه يكره له أن يطلق ثلاثاً أو يحرم لأنه إذا طلق ثلاثاً لم يبق له سبيل الى الرجعة فطلاق السنة في حقهم أن يكون واحدة ليكون له سبيلاً الى تزوجها من غير أن تنكح زوجاً غيره (فصل) وإن قال لصفيرة أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها أو قال لهما أنتما طالقتان للسنة أو قال أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه للسنة دين فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي (أحدهما) لا يقبل

ص: 262

وهو أشبه بالمذهب لأنه فسر كلامه بما يحتمله فيقبل كما لو قال أنت طالق وقال أردت بالثانية إفهامها (فصل) إذا قال لها في طهر جامعها فيه أنت طالق للسنة فيئست من الحيض لم تطلق لأنه وصف طلاقها بأنه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع وكذلك إن استبان حملها لم يقع أيضاً إلا على قول من جعل طلاق الحامل سنة فإنه ينبغي أن يقع لوجود الصفة كما لو حاضت ثم طهرت * (مسألة) * (وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة) إذا قال لامرأته أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة فإن كانت في طهر غير مجامعة فيه فهو وقت السنة على ما أسلفناه، وكذلك إن كانت حاملاً قد استبان حملها على ظاهر كلام أحمد وقد ذكرنا الخلاف في الحامل فإذا قال لها أنت طالق للسنة في الحالتين طلقت لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال وإن قال ذلك لحائض لم يقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لأن الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال أنت طالق في النهار فان كان في النهار طلقت وإن كان في الليل

ص: 263

طلقت إذا جاء النهار وإن كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، فإن أولج في آخر الحيضة واتصل بأول الطهر أو أولج مع أول الطهر لم يقع الطلاق في ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت في أوله وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفاً (فصل) (إذا انقطع الدم من الحيض فهو زمان السنة يقع عليها طلاق السنة وإن لم تغتسل كذلك قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن طهرت لأكثر الحيض مثل ذلك وإن انقطع الدم لدون أكثره لم يقع حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء أو تصلي أو يخرج عنها وقت الصلاة لأنه متى لم يوجد فما حكمنا بانقطاع حيضها ولنا أنها طاهر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لأكثر الحيض، والدليل على أنها طاهر أنها

تؤمر بالغسل ويلزمها ويصح منها وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها ولأن في حديث ابن عمر " فإذا طهرت طلقها إن شاء " وما قاله لا يصح فانا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل ولا صح منها * (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحلال

ص: 264

وإن كان في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت هذه المسألة عكس المسألة التي قبلها فإنه وصف الطلقة بأنها للبدعة فإذا كان ذلك لحائض أو طاهر مجامعة فيه وقع الطلاق في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها وإن كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال فإذا حاضت طلقت بأول الحيض وإن أصابها طلقت بالتقاء الختانين فإن نزع من غير توقف فلا شئ عليهما وإن أولج بعد النزع فقد وطئ مطلقته ويأتي بيان حكم ذلك وإن وطئها واستدام فسنذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد (فصل) فإن قال لطاهر أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل تلغوا الصفة ويقع الطلاق لأنه وصفها بما لا تصف به فلغت الصفة دون الطلاق ويحتمل أن تطلق ثلاثاً في الحال لأن ذلك طلاق بدعة فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجهة لاخرى، وإن قال للحائض أنت طالق للسنة في الحال لغت الصفة ووقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بما لا تنصف به، وإن قال أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثاً للبدعة طلقت ثلاثاً في الحال بناء على ما سنذكره * (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه في إحدى الروايتين، وفي الاخرى تطلق في الحال واحدة وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين إن أمكن)

ص: 265

المنصوص عن أحمد في هذه المسألة أنها تطلق ثلاثاً إن كانت في طهر لم يجامعها فيه، وإن كانت حائضا طلقت ثلاثاً إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي وابو الخطاب هذا على الرواية التي قال فيها ان جمع الثلاث سنة فأما على الرواية الأخرى فإذا طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين، وقد أنكر أحمد هذا القول فقال في رواية مهنا إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً للسنة فقد اختلفوا فيه فمنهم من يقول

يقع عليها الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرى وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم هذا فيحتمل أن أحمد أوقع الثلاث لأن ذلك عنده سنة، ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف به فألغى الصفة وأوقع الطلاق كما لو قال لحائض أنت طالق في الحال للسنة، وقد قال في رواية أبي الحارث ما يدل على هذا؟ قال يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله للسنة، وقال أبو حنيفة يقع في كل قرء طلقة وان كانت من ذوات الأشهر وقع في كل شهر طلقة وبنى على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على الأطهار، وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث فإن قال أردت بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه، وإن قال أردت أن يقع في كل قرء طلقة قبل أيضاً لأنه مذهب

ص: 266

طائفة من أهل العلم، وقد ورد به الاثرم فلا يبعد أن يريده قال أصحابنا يدين وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين (أحدهما) لا يقبل لأن ذلك ليس بسنة (والثاني) يقبل لما قدمنا.

فإن كانت في زمن البدعة فقال سبق لساني الى قولي للسنة ولم أرده وإنما أردت الإيقاع في الحال وقع في الحال لأنه ملك لايقاعها فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه (فصل) فإن قال أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت الثالثة الى الحال الآخرى لانه سوى بين الحالتين فأقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في الحال واحدة ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض.

ويحتمل أن يقع طلقة ويتأخر اثنتان الى الحال الأخرى لأن البعض يقع على ما دون الكل ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع أقل ما يقع عليه الاسم لأنه اليقين وما زاد لا يقع بالشك فيتأخر الى الحال الأخرى فإن قيل لم لا يقع من كل طلقة بعضها ثم يكمل فتقع الثلاث؟ قلنا متى امكنت القسمة من غير تكسير وجبت القسمة على الصحة فإن قال نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال اثنتان وتأخرت الثالثة وإن قال طلقتان للسنة وواحدة للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال فإن طلق ثم قال نويت ذلك إن فسر نيته بما

ص: 267

يوقع في الحال طلقت وقبل لأنه يقتضي الإطلاق ولانه غير متهم فيه وإن فسرها بما يوقع طلقة واحدة

ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان (أظهرهما) أنه يقبل لأن البعض حقيقة في القليل والكثير فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب أن يقبل (والثاني) لا يقبل لأنه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الإطلاق ومذهب الشافعي على نحو هذا فإن قال أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة ولم يذكر شيئاً آخر احتمل أن تكون كالتي قبلها لأنه يلزم من ذلك أن يكون بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل أن لا يقع في الحال إلا واحدة لأنه لم يسو بين الحالين والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لأنها اليقين والزائد لا يقع بالشك وكذلك لو قال بعضها للسنة وباقيها للبدعة أو سائرها للبدعة (فصل) إذا قال أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة إلا أنه لا يأثم لأنه لم يقصده وإن قالت أنت طالق إذا قدم للسنة فقدم زيد في زمان السنة طلقت وإن قدم في زمان البدعة لم يقع حتى إذا صارت الى زمن السنة وقع ويصير كأنه قال إن قدم زيد أنت طالق للسنة لأنه أوقع الطلاق بقدوم زيد على صفة فلا يقع إلا عليها وإن قال لها أنت طالق للسنة إذا قدم زيد قبلى أن يدخل

ص: 268

بها طلقت عند قدومه حائضاً كانت أو طاهراً لأنها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وإن قدم بعد دخوله بها وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وإن قدم في زمن البدعة لم تطلق حتى يجئ زمن السنة لأنها صارت ممن لطلاقها سنة وبدعة وإن قال لامرأته أنت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في زمن السنة وقع وإلا وقع إذا جاء زمان السنة.

* (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة) وان كانت من ذوات القروء وقع في كل قرء طلقة فإن كانت في القرء أوقعت بها واحدة في الحال ووقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القرء الحيض أو الاطهار، وسواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها، إلا أن غير المدخول بها تبين بالطلقة الاولى فإن تزوجها وقع بها في القرء الثاني طلقة أخرى وكذلك الحكم في الثالثة فان كانت من اللائي لم يحضن وقلنا القرء

الحيض لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة، وإن قلنا القرء الاطهار احتمل أن تطلق في الحال واحدة ثم لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر فتطلق الثانية ثم الثالثة في القرء، لأن الطهر قبل الحيض كله قرء واحد، واحتمل أن لا تطلق حتى تطهر بعد الحيض لان القرء هو الطهر بين

ص: 269

حيضتين وكذلك لو حاضت الصغيرة في عدتها لم تحتسب بالطهر الذي قبل الحيض من عدتها في أحد الوجهين، والحكم في الحامل كالحكم في الصغيرة لأن زمن الحمل كله قرء واحد في أحد الوجهين إذا قلنا الاقراء الاطهار، والوجه الآخر ليس بقرء على كل حال، وإن كانت آيسة فقال القاضي تطلق واحدة على كل حال لأنه علق طلاقها بصفة يستحيل فيها فلغت ووقع بها الطلاق كما لو قال لها: أنت طالق للبدعة، وإذا طلقت الحامل في حال حملها بانت بوصفه لأن عدتها تنقضي به فلم يلحقها طلاق آخر فان استأنف أو راجعها قبل وضع حملها ثم طهرت من النفاس طلقت أخرى ثم إذا حاضت ثم طهرت وقعت الثالثة (فصل) فإن قال أنت طالق للسنة ان كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة، وإن لم تكن في زمن السنة انحلت الصفة ولم يقع بحال لأن الشرط ما وجد وكذلك إن قال أنت طالق للبدعة ان كان الطلاق يقع عليك للبدعة، وإن كانت في زمن البدعة وقع، وإلا لم يقع بحال فان كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين (أحدهما) لا يقع في المسئلتين لأن الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال: أنت طالق إن كنت هاشمية ولم تكن كذلك.

ص: 270

(والثاني) تطلق لأنه شرط لوقوع الطلقة شرطاً مستحيلاً فلغى ووقع الطلاق، والأول أشبه، وللشافعي وجهان كهذين.

* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة) وكذلك إن قال أعدله أو أكمله أو أتمه أو أو فضله أو طلقة جليلة أو سنية، فكذلك كله عبارة

عن طلاق السنة، وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن إذا قال أعدل الطلاق أو أحسنه كقولنا، وإن قال سنته أو أعدله وقع الطلاق في الحال لأن الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة والبدعة وقت، فإذا وصفها بما لا تتصف به سقطت الصفة كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة رجعية، أو قال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة.

ولنا أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن لكونه في ذلك الوقت موافقاً للسنة مطابقاً للشرع فهو كقوله أحسن، وفارق قوله طلقة رجعية، لأن الرجعية لا تكون إلا في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله فإن قال نويت بقولي أعدل الطلاق وقوعه في زمان الحيض لأنه أشبه بأخلاقها القبيحة ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لأنه اقرار على نفسه بما فيه تغليظ، وإن كانت في حال السنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين فيما تقدم.

ص: 271

* (مسألة) * (وإن قال أقبحه أو أسمجه أو أفحشه أو أردأه أو ألكعه حمل على طلاق البدعة) فإن كانت في وقت البدعة وإلا وقف على مجئ زمان البدعة وحكي عن أبي بكر أنه يقع ثلاثاً إن قلنا إن جمع الثلاث بدعة وينبغي أن يقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعاً لبدعتي الطلاق فيكون أقبح الطلاق، وإن نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو أن يقول إنما أردت أن طلاقك أقبح الطلاق لأنك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع في الحال، وإن قال أردت بذلك طلاق السنة ليتأخر الطلاق عن نفسه الى زمن السنة لم يقبل، لأن لفظه لا يحتمله.

* (مسألة) * (وإن قال أردت أن أحسن أحوالك أو أقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال) لأن هذا يوجد في الحال فوقع فيه.

* (مسألة) * (وإن قال أنت طلق مطلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال) لأنه وصفها بصفتين متضادتين فلغتا وبقي مجرد الطلاق فوقع فإن قال أردت أنها حسنة لكونها في

زمان السنة وقبيحة لاضرارها بك أو قال أردت أنها حسنة لتخليصي من شرك وسوء خلقك وقبيحة

ص: 272

لكونها في زمن البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على وجهين (فصل) فإن قال أنت طالق الحرج فقال القاضي معناه طلاق البدعة لأن الحرج الضيق والاثم فكأنه قال طلاق الاثم وطلاق البدعة طلاق الاثم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه يقع ثلاثاً لأن الحرج الضيق والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع هو الثلاث وهو مع ذلك طلاق بدعة وفيه اثم فيجتمع عليه الأمران الضيق والاثم، وإن قال طلاق الحرج والسنة كان كقوله طلاق السنة والبدعة * (باب صريح الطلاق وكنايته) * لا يقع الطلاق بغير لفظه فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع في قول علمة أهل العلم منهم عطاء وجابر ابن زيد وسعيد بن جبير ويحيى بن أبي كثير والشافعي واسحاق وروي أيضاً عن القاسم وسالم والحسن والشعبي وقال الزهري إذا عزم على ذلك طلقت وقال ابن سيرين فيمن طلق في نفسه أليس قد علمه الله

ص: 273

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعلم " رواه النسائي والترمذي وقال هذا حديث صحيح ولأنه تصرف يزيل الملك فلم يحصل بمجرد النية كالبيع والهبة وكذلك إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه فإنه لا يقع لما ذكرناه.

إذا ثبت أنه يعتبر له اللفظ فهو يتصرف إلى صريح وكناية، فصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح وهو اختيار ابن حامد فإذا قال أنت طالق أو مطلقة أو قال طلقتك وقع الطلاق من غير نية، والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيته * (مسألة) * (وقال الخرقي صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن) وهذا مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة أن صريحه يختص بلفظ الطلاق وما تصرف منه ووجه هذا القول إن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيراً فلم يكونا صريحين فيه كسائر

كناياته، ووجه قول الخرقي أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب في الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق قال الله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) وقال سبحانه (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال سبحانه (فتعالين أمتعكن

ص: 274

وأسرحكن سراحا جميلا) والقول الأول أصح فإن الصريح في الشئ ما كان نصاً فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالاً بعيداً، ولفظه الفراق والسراح إن وردت في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فقد وردت فيه لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيراً قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) فلا معنى لتخصيصه بفرقه الطلاق على أن قوله (أو فارقوهن بمعروف) لم يرد به الطلاق وإنما هو ترك ارتجاعها وكذلك قوله (أو تسريح بإحسان) ولا يصح قياسه على لفظ الطلاق فإنه مختص بذلك سابق الى الافهام من غير قرينة ولا دلالة بخلاف الفراق والسراح * (مسألة) * (فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه) وجملة ذلك أن الصريح لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد فمتى قال أنت طالق أو مطلقة أو طلقتك وقع من غير نية بغير خلاف لأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحاً فيه كالبيع سواء قصد المزح او الجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن عطاء وعبيدة وبه قال الشافعي وأبو عبيد قال أبو عبيد هو قول سفيان وأهل العراق.

فأما لفظ الفراق

ص: 275

والسراح فينبني على الخلاف فيه، فمن جعله صريحاً اوقع به الطلاق من غير نية ومن جعله كناية لم يوقع به الطلاق حتى ينويه ويكون بمنزله الكنايات الخفية، فإن قال أردت بقولي فارقتك اي بجسمي أو بقلبي أو بمذهبي او سرحتك من يدي أو شغلي او من حبسي او سرحت شعرك قبل قوله

* (مسألة) * (فإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد أنها مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق فإن أدعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين إلا أن يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل) إذا نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو قال أردت أن أقول طلبتك فسبق لساني فقلت طلقتك أو نحو ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى (فمتى علم من نفسه ذلك لم يقع عليه فيما بينه وبين ربه) قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أنه إذا أراد أن يقول لزوجته اسقيني ماء فسبق لسانه فقال أنت طالق أو أنت حرة أنه لا طلاق فيه ونقل ابن منصور عنه أنه سئل عن رجل حلف فجرى على لسانه غير ما في قلبه فقال أرجو أن يكون الآمر فيه واسعاً، وهل تقبل دعواه في الحكم؟ ينظر فإن كان في حال الغضب أو سؤالها الطلاق لم يقبل في الحكم لأن لفظه ظاهر في الطلاق وقرينة حاله تدل عليه فكانت دعواه

ص: 276

مخالفة للظاهر من وجهين فلا تقبل وإن لم يكن في هذه الحال فظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وأبي الحارث أنه يقبل قوله وهو قول جابر بن زيد والشعبي والحكم حكاه عنهم أبو حفص لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالثانية إفهامها، وقال القاضي فيه روايتان (احداهما) التي ذكرناها قال وهي ظاهر كلام أحمد (والثانية) لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم كما لو اقر بعشرة ثم قال زيوفاً او صغاراً أو الى شهر، فأما أن صرح بذلك في اللفظ فقال طلقتك من وثاقي أو فارقتك بجسمي أو سرحتك من يدي فلا شك أن الطلاق لا يقع لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء والشرط وذكر أبو بكر في قوله أنت مطلقة إن هو نوى أنها مطلقة طلاقاً ماضياً من زوج كان قبله لم يكن عليه شئ، وإن لم ينو شيئاً فعلى قولين أحدهما يقع والثاني لا يقع وهذا من قوله يقتضي أن تكون هذه اللفظة غير صريحة في أحد القولين قال القاضي والمنصوص عن أحمد أنه صريح وهو صحيح لأن هذه متصرفة من لفظ الطلاق فكانت صريحة فيه كقوله أنت طالق، فإن قال أردت بقولي انها مطلقة من زوج كان قبلي ففيه وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد لأن كلامه يحتمله ولا يقبل إن لم يكن وجد لأنه لا يحتمله وقد ذكرنا في

ذلك روايتين غير هذا الوجه

ص: 277

* (مسألة) * (ولو قيل له أطلقت امرأتك فقال نعم وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة قال لا واراد الكذب لم تطلق) أما إذا قيل له أطلقت امرأتك قال نعم أو قيل له امرأتك طالق فقال نعم طلقت امرأته وإن لم ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختاره المزني لأن نعم صريح في الجواب والصريح للفظ الصريح صريح، ألا ترى لو قيل له لفلان عليك ألف؟ قال نعم وجب عليه فإن قيل له أطلقت امرأتك فقال قد كان بعض ذلك وقال اردت الإيقاع وقع وإن قال أردت أنني علقت طلاقها بشرط قبل لأن ما قاله محتمل وإن قال أردت الاخبار عن شئ ماض أو قيل له ألك امرأة فقال قد طلقتها ثم قال إنما أردت أني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى وإما في الحكم فإن لم يكن وجد ذلك منه لم يقبل وإن كان وجد فعلى وجهين، وأما إذا قيل له ألك امرأة فقال لا وأراد به الكذب لم يلزمه شئ لأن قوله لي امرأة كناية يفتقر الى نية الطلاق وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وهكذا لو نوى إنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو أنني كمن لا امرأة له أو لم ينو شيئاً لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية وإن أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت لأنها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري ومالك وحماد بن أبي سليمان

ص: 278

وابو حنيفة والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد لا تطلق لأن هذا ليس بكناية ولكنه خبر هو كاذب فيه وليس بإيقاع ولنا أنه محتمل للطلاق لأنه إذا طلقها فليست له بامرأة فأشبه قوله أنت بائن وغيرها من الكنايات الظاهرة وبهذا يبطل قولهم (فصل) فأما لفظة الإطلاق فليست صريحة في الطلاق لأنها لم يثبت لها عرف الشرع ولا الاستعمال فأشبهت سائر كناياته، وذكر القاضي فيها احتمالاً أنها صريحة لأنه لا فرق بين فعلت وأفعلت نحو عظمته وأعظمته وكرمته وأكرمته، وليس هذا الذي ذكره مطرداً فإنهم يقولون حييته من التحية واحييته من

الحياة وأصدقت المرأة صداقاً وصدقت حديثها تصديقاً ويفرقون بين أقبل وقبل ودبر وأدبر وبصر وأبصر ويفرقون بين المعاني المختلفة بحركة أو حرف فيقولون حمل لما في البطن وبالكسر لما على الظهر والوقر بالفتح الثقل في الأذن وبالكسر لنقل الحمل، وههنا فرقوا بين قيد النكاح بالتضعيف في أحدهما والهمزة في الآخر ولو كان معنى اللفظين واحداً لقيل طلقت الأسير والفرس والطائر وطالق وطلقت الدابة فهي طالق ومطلقة ولم يسمع هذا في كلامهم وهذا مذهب الشافعي

ص: 279

* (مسألة) * (وإن لطم امرأته أو أطعمها أو أسقاها وقال هذا طلاقك طلقت إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك لأن هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه به وقع ولا يقع من غير نية أو دلالة حال لأنه أضاف إليها الطلاق فوقع بها كما لو قال أنت طالق) وقال ابن حامد تطلق من غير نية لان تقديره أوقعت عليك طلاقاً هذا الضرب من أجله فعلى قوله يكون صريحاً وقال أكثر الفقهاء ليس بكناية ولا يقع به طلاق وإن نوى لأن هذا لا يؤدي معنى الطلاق ولا هو سبب له ولا حكم فيه فلم يصح التعبير به عنه كما لو قال غفر الله لك.

ولنا على أنه كناية انه يحتمل هذا التفسير الذي ذكره ابن حامد ويحتمل أن يكون سبباً للطلاق لكون الطلاق معلقاً عليه فصح أن يعبر به عنه ولأن الكناية ما احتملت الطلاق وهذا يحتمله لأنه يجوز أن يكون قد علق طلاقها فلما فعله قال هذا طلاقك اخباراً لها فلزمه ذلك كقوله اعتدى، ويدل على أنه ليس بصريح انه احتاج الى التقدير والصريح لا يحتاج إلى تقدير فيكون كناية، فإن نوى ان هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك فلا تطلق لأنه إذا أراد سبب الطلاق جاز أن يكون سبباً له في زمان بعد هذا الزمان * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق لا شئ أو ليس بشئ أو لا يلزمك طلقت) وكذلك إن قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو طالق طلقة لا ينقضي بها عدد طلاقك لان ذلك

ص: 280

ورفع لجميع ما اوقعه فلم يصح كاستثناء الجميع، وإن كان ذلك خبراً فهو كذب لأن الواحدة إذا أوقعها وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً

* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أولا؟ أو طالق واحدة أولا؟ لم تطلق) لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج عن أن يكون لفظاً لايقاع ويخالف المسألة قبلها لانه إيقاع ويحتمل أن يقع لأن لفظه لفظ الإيقاع لا لفظ الاستفهام لأن لفظ الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها، وكذلك إن قال أنت طالق واحدة أولا؟ وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قياس قول الشافعي وقال محمد في هذه تقع واحدة لأن قوله أولا يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الإيقاع ولا يصح لأن واحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بها رجع إليها فصار كقوله أنت طالق أولا؟ * (مسألة) * (وإن كتب طلاق امرأته ونوى الطلاق وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع وهل تقبل دعواه في الحكم؟ على روايتين) إذا كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم

ص: 281

وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه أن له قولاً آخر أنه لا يقع به طلاق وإن نواه لأنه فعل من قادر على النطق فلم يقع به الطلاق كالإشارة ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فإذا أنى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ ولأن الكتابة تقوم مقام الكاتب بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بتبليغ رسالته فجعل ذلك في حق البعض بالقول وفي حق آخرين بالكتابة الى ملوك الاطراف ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق فإن نوى بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه لم يقع لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع فالكتابة أولى، وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل في الحكم في أصح الوجهين لأن ذلك يقبل في اللفظ الصريح في أحد الوجهين فههنا مع أنه ليس بلفظ أولى، وإن قال نويت غم أهلي فقد قال في رواية أبي طالب فيمن كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق وقع، وان أراد أن يغم أهله فقد عمل في ذلك أيضاً يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به " فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لان غم أهله يحصل بالطلاق

فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه كما لو قال أنت طالق يريد به غمها، ويحتمل أن لا يقع لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته فلا يكون ناوياً للطلاق والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به أو الكلام وهذا لم ينو طلاقاً فلا يؤاخذ به

ص: 282

* (مسألة) * (وإن لم ينو شيئاً) فقال أبو الخطاب قد خرجها القاضي والشرف في الإرشاد على روايتين (إحداهما) يقع وهو قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم لما ذكرنا من أن الكتابة تقوم مقام اللفظ (والثانية) لا يقع إلا بنيته وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي لأن الكتابة محتملة فإنه يقصد بها تجربة القلم أو تجويد الخط وغم الأهل فلم يقع من غير نية ككنايات الطلاق * (مسألة) * (وإن كتبه بشئ لا يبين مثل بأصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع) وقال أبو حفص العكبري يقع، ورواه الأثرم عن الشعبي لأنه كتب حروف الطلاق فأشبه ما لو كتبه بشئ يبين والأول أولى لأن الكتابة لا تبين كالهمس بالفم بما لا يستين وثم لا يقع فههنا أولى (فصل) ولا يقع الطلاق بغير لفظ الا في موضعين (أحدهما) إذا كتب الطلاق ونواه وقد ذكرناه (الثاني) من لا يقدر على الكلام كالأخرس إذا طلق بالإشارة طلقت زوجته وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأنه لا طريق له الى الطلاق إلا بالإشارة فقامت إشارته مقام النطق

ص: 283

من غيره فيه كالنكاح، وأما القادر فلا يصح طلاقه بالإشارة كما لا يصح نكاحه بها فإن أشار الأخرس باصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن اشارته لا تكفي * (مسألة) * (وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم) فإذا أتى بها العجمي وقع الطلاق منه بغير نية وقال النخعي وأبو حنيفة هو كناية لا تطلق به إلا بنية لأن معناه وخليتك وهذه اللفظة كناية ولنا أن هذه اللفظة بلسانهم موضعة للطلاق ويستعملونها فيه فأشبه لفظ الطلاق بالعربية ولو لم تكن

هذه صريحة لم يكن في العجمية صريح في الطلاق وهذا بعيد ولا يضر كونها بمعنى خليتك فإن معنى طلقتك خليتك أيضاً إلا أنه لما كان موضوعاً له تستعمل فيه كان صريحاً كذا هذه ولا خلاف في أنه إذا نوى بها الطلاق كانت طلاقاً كذلك قال الشعبي والنخعي والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة وزفر والشافعي فإن قاله العربي ولا يفهمه أو طلق لم يقع لأنه لم يختر الطلاق لعدم علمه بمعناه، وإن نوى موجبه فعلى وجهين (أحدهما) لا يقع لأنه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه فأشبه ما لو نطق بكلمة الكفر فإنه لا يعرف معناها (والثاني) يقع لأنه أتى بالطلاق ناوياً مقتضاه فوقع كما لو علمه

ص: 284

* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه والكنايات نوعان ظاهرة وهي سبعة: أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأنت حرة وأنت الحرج.

أكثر الروايات عن أبي عبد الله رحمه الله كراهية الفتيا في هذه الكنايات مع ميله الى أنها ثلاث وحكى ابن أبي موسى في الارشاد عنه روايتين (إحداهما) انها ثلاث (والثانية) يرجع إلى ما نواه واختارها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي قال يرجع إلى ما نوى فإن لم ينو شيئاً وقعت واحدة، ونحوه قول النخعي إلا أنه قال تقع طلقة بائنة لأن لفظه يقتضي البينونة ولا يقتضي عدداً وروى حنبل عن أحمد ما يدل على هذا فإنه قال يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها ولو وقع ثلاث لم تبح له رجعتها ولو لم تبن لم يحتج إلى زيادة في مهرها، وأحتج الشافعي بما روى أبو داود بإسناده أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله ما أردت إلا واحدة؟ " فقال ركانة الله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان قال علي بن محمد الطنافسي ما أشرف هذا الحديث لأن الكنايات مع النية كالصريح فلم يقع به عند الإطلاق أكثر من واحدة كقوله أنت طالق وقال الثوري وأصحاب الرأي إن نوى ثلاثاً فثلاث وإن نوى اثنتين أو واحدة وقعت واحدة ولا يقع اثنتان لأن الكناية تقتضي البينونة دون العدد والبينونة بينونتان صغرى وكبرى

ص: 285

فالصغرى بالواحدة والكبرى بالثلاث ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد وهي لا تقتضيه، وقال

ربيعة ومالك يقع بها الثلاث وإن لم ينو إلا في الخلع أو قبل الدخول فإنها تطلق واحدة لأنها تقتضي البينونة والبينونة تحصل في الخلع وقبل الدخول بواحدة فلم يزد عليها لأن اللفظ لا يقتضي زيادة عليها وفي غيرها يقع الثلاث ضرورة لأن البينونة لا تحصل إلا بها ووجه أنها ثلاث أنه قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن علي وعمر وزيد بن ثابت انها ثلاث قال أحمد في الخلية والبرية والبتة قول علي وابن عمر قول صحيح ثلاثا قال علي والحسن والزهري في البائن إنها ثلاث وروى النجاد بإسناده عن نافع بإسناده أن رجلاً جاء الى عاصم وابن الزبير فقال إن ظئري هذا طلق امرأته البتة قبل أن يدخل بها فهل تجد ان له رخصة؟ فقالا لا ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة فسلهم ثم ارجع إلينا فأخبرنا فسألهم فقال أبو هريرة لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وقال ابن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما وروى بإسناده أن عمر جعل البتة واحدة ثم جعلها بعد ثلاث تطليقات.

وهذه أقوال علماء الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً ولأنه طلق امرأته بلفظ يقتضي البينونة فوجب الحكم بطلاق تحصل به البينونة كما لو طلق ثلاثاً أو نوى الثلاث وافضاؤه الى البينونة ظاهر في قوله أنت بائن وكذا في قوله البتة لأن البت القطع فكأنه قطع النكاح

ص: 286

كله وكذلك يعبر به عن الطلاق الثلاث كما قال امرأة رفاعة إن رفاعة طلقني فبت طلاقي وبتله هو من القطع أيضاً وكذلك قيل في مريم البتول لانقطاعها عن النكاح ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل وهو الانقطاع عن النكاح بالكلية وكذلك الخلية والبرية يقتضيان الخلو من النكاح والبراءة منه وإذا كان اللفظ معنى فاعتبره الشرع إنما يعتبره فيما يقتضيه ويؤدي معناه ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث فوقعت ضرورة الوفاء بما يقتضيه لفظه ولا يمكن إيقاع واحدة بائنة لأنه لا يقدر على إيقاع ذلك بصريح الطلاق فكذلك بكنايته ولا يفرق بين المدخول بها وغيرها لأن الصحابة لم يفرقوا لأن كل لفظة أوجبت الثلاث في مدخول بها أوجبتها في غيرها كقوله أنت طالق ثلاثاً فأما حديث ركانة فإن أحمد ضعف إسناده فلذلك تركه، وقوله أنت حرة يقتضي ذهاب الرق عنها وخلوصها منه والرق ههنا النكاح، وقوله أنت الحرج يعني الحرام والاثم.

قال الله تعالى (ليس على الأعمى حرج) أي

إثم وأصله الضيق قال الله تعالى (فلا يكن في صدرك حرج منه) فكأنه حرمها وأثم نفسه في إمساكها فصار في ضيق من أمرها وإنما تكون بالبينونة على ما مر

ص: 287

* (مسألة) * (والخفية نحو اخرجي واذهبي وذرقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبرئي وما أشبه واختاري ووهبتك لأهلك فهذه ثلاث إن نوى ثلاثاً واثنتان إن نواهما وواحدة إن نواها أو أطلق) ما ظهر وما عنى به الطلاق فهو على ما عنى مثل حبلك على غاربك إذا نوى واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً فهو على ما نوى.

وقد ذكر الخرقي في قوله حبلك على غاربك في الكنايات الظاهرة: وإن قال أنت واحدة فهي كناية خفية لكنه لا يقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثاً ذكره شيخنا لانهما لا تحتمل أكثر منها، وإن قال أغناك الله فهو كناية خفية لأنه يحتمل أغناك الله بالطلاق قال الله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة في الكنايات لا يقع اثنتان وإن نواهما وتقع واحدة وقد ذكرناه * (مسألة) * (واختلف في قوله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك وأنت علي حرام وأنت علي حرج هل هي ظاهرة أو خفية؟ وغطي شعرك وقد أعتقتك فهذه عن أحمد فيها روايتان)(إحداهما) أنها ثلاث والأخرى ترجع إلى ما نواه وإن لم ينو شيئاً فواحدة كسائر الكنايات

ص: 288

الخفية، وقد قاسوا على هذه استبرئي رحمك وتقنعي فهذه في معنى المذكورة فيكون حكمها حكمها.

والصحيح في الحقي بأهلك أنها واحدة ولا تكون ثلاثاً إلا بنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون " الحقي بأهلك " متفق عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثاً وقد نهى عنه أمته قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون " الحقي بأهلك " ولم يكن طلاقاً غير هذا ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثاً فيكون غير طلاق السنة قال لا أدري، وكذلك قوله استبرئي رحمك لمن لا تحيض ثلاث فإن ذلك يكون من الواحدة كما يكون من الثلاث، وقد روى هاشم أنا الأعمش عن المنهال بن

عمر أن نعيم بن دجاجة الأسدي طلق امرأته تطليقتين ثم قال هي على حرج فكتب في ذلك الى عمر ابن الخطاب فقال أما إنها ليست باهونهن، فأما سائر اللفظات فإن قلنا هي ظاهرة فإن معناها معنى الظاهرة فإن قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك إنما يكون في المبتوتة.

أما الرجعية فله عليها سبيل وسلطان، وقوله أعتقتك يقتضي ذهاب الرق عنها والرق ههنا النكاح، وقوله أنت علي حرام يقتضي بينونتها منه لأن الرجعية غير محرمة وكذلك قوله حللت للأزواج لأنك بنت مني وكذلك سائرها، وإن قلنا هي واحدة فإنها محتملة فإن قوله حللت للأزواج أي بعد انقضاء عدتك لأنه لا يمكن حلها

ص: 289

قبل ذلك والواحدة تحلها وكذلك انحكي من شئت وكذلك سائر الألفاظ يتحقق معناها بعد انقضاء عدتها، وذكر بعض أصحابنا اعتدي المختلف فيه والصحيح أنها من الخفية لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة " اعتدي " متفق عليه (فصل) فإن قال أنت طالق بائن البتة ففيه من الخلاف ما ذكرنا في الكنايات الظاهرة لأنه لا يحتاج إلى نية لأنه وصف بها الطلاق الصريح، فإن قال أنت طالق لا رجعة لي عليك وهي مدخول بها قال أحمد إذا قال لامرأته أنت طالق لا رجعة لي فيها ولا بمتوتة هذه مثل الخلية والبرية ثلاثاً هكذا عندي وهو مذهب أبي حنيفة، وإن قال ولا رجعة لي فيها بالواو فكذلك وقال أصحاب أبي حنيفة تكون رجعية لأنه لم يصف الطلقة بذلك وإنما عطف عليها ولنا أن الصفة تصح مع العطف كما لو قال بعتك بعشرة وهي مغرية وكان صفة للثمن قال الله تعالى (إلا استمعوه وهم يلعبون) وإن قال أنت طالق واحدة بائناً أو واحدة بتة ففيها ثلاث روايات (إحداهن) أنها واحدة رجعية ويلغو ما بعدها قال أحمد لا أعرف شيئاً متقدماً أن بواحدة تكون بائناً وهذا مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة كما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك (والثانية) هي ثلاث قاله أبو بكر وقال هو قول أحمد لأنه أتى بما يقتضي الثلاث فوقع ولنا

ص: 290

وله واحدة كما قال أنت طالق واحدة (والثالثة) رواها حنبل عن أحمد إذا طلق امرأته البتة

فإن أمرها بيدها يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها فهذا يدل على أنه أوقع بها واحدة بائناً لأنه جعل امرها بيدها ولو كانت رجعية لما جعل أمرها بيدها ولو وقع ثلاث لما حلت له رجعتها قال أبو الخطاب هذه الرواية تخرج في جميع الكنايات الظاهرة فيكون مثل قول ابرهيم النخعي ووجهه أنه أوقع الطلاق بصفة البينونة فوقع على ما أوقعه ولم يزد على واحدة لأن لفظه لم يقتض عدداً فلم يقع أكثر من واحدة كما لو قال أنت طالق، وحمل القاضي رواية حنبل على أن ذلك بعد انقضاء العدة * (مسألة) * (ومن شرط وقوع الطلاق بها أن ينوي بها الطلاق) يعني من شرط وقوع الطلاق بالكناية النية للطلاق لأنها كناية فلا يقع بها طلاق بدون النية كالكناية الخفية، وإن لم ينو شيئاً ولا دلت عليه قرينة لم يقع لأنه ظاهر في غير الطلاق فلم يصرف إليه عند الإطلاق كما لا ينصرف الصريح الى غيره، وإن نوى بها الطلاق وقع وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد والخرقي أن الطلاق يقع بالكنايات الظاهرة من غير نية وهو قول مالك لأنه اشتهر استعمالها فيه فلم تحتج الى نية كالصريح ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يقع إلا بنية لأنه كناية فأشبه سائر الكنايات

ص: 291

(فصل) إذا ثبت اعتبار النية فإنها تعتبر مقارنة للفظه فإن وجدت في ابتدائه وعزبت عنه في سائره وقع الطلاق، وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقع فلو قال أنت بائن ينوي الطلاق وعزبت نيته حين قال أنت بائن لم يقع لأن القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شئ ولنا أن ما يعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلوات وسائر العبادات فأما إن تلفظ بالكناية غير ناو ثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق كما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه * (مسألة) * (إلا أن يأتي بها في حال الخصومة والغضب فعلى روايتين) ذكرهما أبو بكر والقاضي وأبو الخطاب (إحداهما) يقع الطلاق ذكره الخرقي.

قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته أنت حرة لوجه الله في الغضب أخشى أن يكون طلاقاً (والرواية الثانية) ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقول في اعتدي واختاري أمرك بيدك كقولنا في الوقوع، واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه فلم يقع

به الطلاق كحال الرضا ولأن مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضا والغضب، ويحتمل أن ما كان من الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادراً نحو قوله أنت حرة لوجه الله واعتدي واستبرئي رحمك وحبلك

ص: 292

على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية، وما كثر استعماله لغير ذلك نحو اخرجي واذهبي وروحي تقنعي لا يقع الطلاق به إلا بنية ومذهب أبي حنيفة قريب من هذا، وكلام الخرقي إنما ورد في قوله أنت حرة وهو مما لا يستعمله الإنسان في حق زوجته غالباً إلا كناية عن الطلاق، ولا يلزم من الاكتفاء كذلك بمجرد الغضب وقوع غيره من غير نية لأن ما كثر استعماله يوجد كثيراً غير مراد به الطلاق في حال الرضاء فكذلك في حال الغضب إذ لا حجر عليه في استعماله والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فإنه لما قل استعماله في غير الطلاق كان مجرد ذكره يظن منه إرادة الطلاق فإذا انضم الى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في حال الغضب قوي الظن فصار ظناً غالباً، ووجه الرواية الأخرى أن دلالة الحال تغير حكم الأقوال والأفعال فإن من قال لرجل يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحاً له، وإن قاله في حال شتمه وتنقصه كان قذفاً وذماً ولو قال أنه لا يغدر بذمة ولا يظلم حبة خردل وما احدا وفى ذمة منه في حال المدح كان مدحاً بليغاً كما قال حسان فما حملت من ناقة فرق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد ولو قال في حال الذم كان هجواً قبيحاً كقول النجاشي قبيلته لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل

ص: 293

وقال آخر: كأن ربي لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس إنسانا وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال: ما أراه إلا قد سلح عليهم ولولا القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه، وفي الأفعال لو أن رجلا قصد رجلاً بسيف والحال تدل على المزح واللعب لم يجز قتله، ولو دلت الحال على الجد جاز دفعه بالقتل والغضب ههنا على عقد الطلاق فيقوم مقامه

* (مسألة) * (وإن جاء جواباً لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق) لدلالة الحال عليه فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أتي بها في حال الغضب على ما فيه من الخلاف والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه.

قال شيخنا والأولى في الألفاظ التي يكثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي واذهبي أنه لا يقع بها لطلاق حتى ينويه بخلاف ما لا يستعمل في غير الطلاق إلا نادراً وقد ذكرنا في المسألة التي قبلها دليل ذلك

ص: 294

(فصل) فإن ادعى أنه لم ينو فالمنصوص عن أحمد ههنا أنه لا يصدق في عدم النية.

قال في رواية الحارث إذا قال لم أنوه صدق في ذلك إذا لم تكن سألته الطلاق وإن كان بينهما غضب قبل ذلك ففرق بين كونه جواباً للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك لأن الجواب ينصرف الى السؤال فلو قال لي عندك دينار قال نعم أو صدقت كان اقرارا به ولم يقبل تفسيره بغير الاقرار، ولو قال زوجتك ابنتي أو بعتك ثوبي هذا قال قبلت كفى هذا ولم يحتج إلى زيادة عليه، ولو أراد بالكناية حال الغضب أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لأنه لو أراده بالصريح لم يقع فالكناية أولى، وإذا أدعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ ظاهر كلام أحمد في رواية الحارث أنه يصدق وإن كان في حال الغضب ولا يصدق إن كان جواباً لسؤال الطلاق.

ونقل عنه في موضع آخر أنه قال: أنت خلية أو برية أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق ولا غضب صدق فمفهومه انه لا يصدق مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة إلا في الأربعة المذكورة والصحيح أنه يصدق لما روى سعيد بإسناده أن رجلاً خطب الى قوم فقالوا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال قد طلقت ثلاثاً فزوجوه بها ثم أمسك امرأته فقالوا ألم تقل إنك طلقت ثلاثاً؟ قال ألم تعلموا

ص: 295

أني تزوجت فلانة وطلقتها ثم تزوجت فلانه ثم طلقتها، ثم تزوجت فلانه وطلقتها، فسئل عثمان عن ذلك فقال: له نيته ولأنه أمر تعتبر نيته فيه فقبل قوله فيما يحتمله، كما لو كرر لفظاً وقال أردت التوكيد والله أعلم.

* (مسألة) * (ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة) هذا ظاهر المذهب لما ذكرنا من إجماع الصحابة وعنه يقع ما نواه وهو مذهب الشافعي كالكنايات الخفية ولحديث ركانة، وعنه يقع واحدة بائنة وهي رواية حنبل لما ذكرنا من قبل ويقع بالخفية ما نواه لأنه محتمل وهو قول الشافعي إلا إذا قال أنت واحدة فإنه لا يقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثاً لأنها لا تحتمل غير الواحدة ذكره شيخنا.

(فصل) والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع به الثلاث في ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي.

وقال أبو حنيفة كلها بوائن إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة لأنها تقتضي البينونة فيقع كقوله أنت طالق ثلاثاً ولنا أنه طلاق صادف مدخولاً بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فوجب أن يكون رجعياً كصريح

ص: 296

الطلاق وما سلموه من الكنايات وقولهم إنها تقتضي البينونة قلنا فينبغي أن تبين بثلاث لأن المدخول بها لا تبين إلا بعوض أو ثلاث.

* (مسألة) * (وأما ما لا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله عليك وأنت مليحة أو قبيحة وقومي وأطعميني واسقيني وغفر الله لك ما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وإن نوى) لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وهذا مذهب أبي حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي في قوله كلي واشربي فقال بعضهم كقولنا، وقال بعضهم هو كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع كقوله ذوقي أو تجرعي ولنا أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى (كلوا واشربو هنيئا بما كنتم تعلمون) وقال (فكلوه هنيئا مريئا) فلم يكن كناية كقوله أطعميني وفارق ذوقي وتجرعي فانه يستعمل في المكاره لقول الله سبحانه (ذق إنك أنت العزيز الكريم - وذوقوا عذاب الحريق -

ص: 297

وذوقوا مس سقر) وكذلك التجرع، قال الله تعالى (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما.

* (مسالة) * (وكذلك قوله أنا طالق لأن الزوج ليس محلاً للطلاق، وإن قال: أنا منك طالق لم تطلق زوجته) نص عليه في رواية الأثرم في رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت أنت طالق لم تطلق وهو قول ابن عباس والثوري وأبي سعيد وأصحاب الرأي وابن المنذر.

وروي ذلك عن عثمان رضي الله عنه ويحتمل أنه كناية يطلق به إذا نوى وبه قال مالك والشافعي وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعطاء والقاسم واسحاق لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية.

ولنا أنه محل لا يقع الطلاق إذا أضافه إليه من غير نية فلم يقع وإن نوى كالأجنبي ولأنه لو قال أنا طالق ولم يقل منك لم يقع ولو كان محلاً للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولأن الرجل مالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم تقع إزالة الملك بالإضافة الى المالك كالعتق ويدل على هذا أن الرجل لا يوصف بأنه مطلق بخلاف المرأة وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثاً فقال ابن عباس خطأ الله نواها إن الطلاق لك وليس لها عليك، رواه أبو عبيد والاثرم واحتج به أحمد

ص: 298

* (مسألة) * (وإن قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أو لا؟ على وجهين) إذا قال أنا منك بائن أو برئ فقد توقف أحمد عنها وقال أبو عبد الله بن حامد يتخرج على وجهين (أحدهما) لا يقع لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه، فلم يقع باضافة كنايته إليه كالاجنبي.

(والثاني) يقع لأن لفظ البينونة والبراءة والتحريم يوصف به كل واحد من الزوجين يقال بان منها وبانت منه، وحرم عليها وحرمت عليه، وكذلك لفظ الفرقة يضاف إليهما، قال الله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال تعالى (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ويقال فارقته المرأة وفارقها، ولا يقال طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا.

فإن قال: أنا بائن ولم يقل منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها: أمرك بيدك، فقالت: أنت بائن ولم تقل مني، أنه لا يقع،

وجها واحدا، وان قالت أنا بائن ونوت وقع، وإن قالت أنت مني بائن فعلى وجهين فيخرج ههنا مثل ذلك.

* (مسألة) * (وإن قالت أنت علي كظهر أمي، تنوي به الطلاق لم يقع وكان ظهاراً) لأنه صريح فلم يكن كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق كناية في الظهار ولأن الظهار يشبه بمن

ص: 299

هي محرمة على التأبيد والطلاق يفيد تحريماً غير مؤبد فلم تصح الكناية بأحدهما على الآخر ولو صرح به وقال أعني به الطلاق لم يصر طلاقاً لأنه لا تصح الكناية به عنه * (مسألة) * (وإن قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام ففيه ثلاث روايات (إحداهن) أنه ظهار وإن نوى الطلاق اختاره الخرقي (والثانية) كناية ظاهرة (والثالثة) هو يمين) إذا قال ذلك او أطلق فهو ظهار وقال الشافعي لا شئ عليه، وله قول آخر عليه كفارة يمين وليس يميناً وقال أبو حنيفة هو يمين وقد روى ذلك عن ابي بكر وعمر بن الخطاب وابن مسعود وقال سعيد ثنا خالد بن عبد الله عن جويبر عن الضحاك أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا في الحرام إنه يمين وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعن أحمد ما يدل على ذلك لأن الله تعالى قال (لم تحرم ما أحل الله لك؟) ثم قال (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقال ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولأنه تحريم للحلال أشبه تحريم الأمة ووجه الأول أنه تحريم للزوجة بغير طلاق فوجب به كفارة الظهار كما لو قال أنت علي حرام كظهر أمي فأما إن نوى غير الظهار فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة أنه ظهار نوى الطلاق أو لم ينوه ذكره الخرقي وممن قال إنه ظهار عثمان بن

ص: 300

عفان وأبو قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي وروى الأثرم باسناده عن بن عباس في الحرام أنه تحرير رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ولأنه صريح في تحريمها فكان ظهاراً وإن نوى غيره كقوله أنت علي كظهر أمي وعن أحمد أنه إذا نوى به الطلاق أخاف أن يكون ثلاثاً ولا أفتي به وهذا مثل قوله في الكنايات الظاهرة فكأنه جعله من كنايات الطلاق يقع به الطلاق إذا نواه، ونقل عنه البغوي في رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقالت أنا عليك حرام فقد حرمت

عليه فجعله منها كناية في الطلاق فكذلك من الرجل واختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وروي ذلك عن ابن مسعود وممن روي عنه طلاق ثلاث علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة والحسن البصري وابن أبي ليلى وهو مذهب مالك في المدخول بها لأن الطلاق نوع تحريم فصح أن يكنى به عنه كقوله أنت بائن فان لو ينو به الطلاق لم يكن طلاقاً بحال لأنه ليس بصريح في الطلاق فإن لم ينوه لم يقع به طلاق كسائر الكنايات وإن قلنا إنه كناية في الطلاق ونوى به فحكمه حكم الكنايات الظاهرة على ما مضى من الاختلاف فيها وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي كل على أصله ويمكن حمله على الكنايات الخفية إذا قلنا إن الرجعية محرمة لأن أقل ما تحرم به الزوجة طلقة رجعية فحمل على اليقين وقد روي

ص: 301

عن أحمد ما يدل عليه قال إذا قال أنت علي حرام أعني به طلاقاً فهي واحدة وروى هذا عن عمر ابن الخطاب والزهري وقد روي عن مسروق وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي ليس بشئ لأنه قول هو كاذب فيه وهذا يبطل بالظهار لأنه منكر من القول وزور، وقد أوجب الكفارة ولأن هذا إيقاع للطلاق فأشبه قوله أنت بائن وأنت طالق وروى عن أحمد أنه إذا نوى اليمين كان يميناً وهذا مذهب ابن مسعود وقول أبي حنيفة والشافعي وممن روي عنه: عليه كفارة يمين أبو بكر الصديق وعمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وقتادة والاوزاعي وفي المتفق عليه عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها وقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولأن الله قال (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم؟ * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) فجعل الحرام يميناً ومعنى قوله نوى يميناً والله أعلم أنه نوى بقوله انت علي حرام ترك وطئها واجتنابها وأقام ذلك مقام والله لا وطأتك * (مسألة) * (وإن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد تطلق امرأته ثلاثاً وإن قال أعني به طلاقاً طلقت واحدة)

ص: 302

رواه الجماعة عن أحمد فروى أبو عبد الله النيسابوري أنه قال إذا قال أنت علي حرام أريد به الطلاق كنت أقول إنها طالق يكفر كفارة الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله إنه طلاق ووجهه أنه صريح في الظهار فلم يصر طلاقاً بقوله أريد به الطلاق كما لو قال أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق قال القاضي ولكن جماعة أصحابنا على أنه طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لأنه صرح بلفظ الطلاق فكان طلاقاً كما لو ضربها وقال هذا طلاقك وليس هذا صريحاً في الظهار وإنما هو صريح في التحريم والتحريم يتنوع الى تحريم بالظهار والى تحريم بالطلاق فإذا بين بلفظه إرادة تحريم الطلاق وجب صرفه إليه وفارق قوله أنت علي كظهر أمي فانه صريح في الظهار وهو تحريم لا يرتفع إلا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقاً بخلاف مسئلتنا ثم إن قال أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثاً فهي ثلاث نص عليه أحمد لانه أنى بالألف واللام التي للاستغراق تفسيراً للتحريم فدخل فيه الطلاق كله وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال أنت بائن وعنه لا يكون ثلاثاً حتى ينويها سواء كانت فيه الألف واللام أو لم تكن لأن الألف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر أسماء الأجناس وإن قال أعني به طلاقاً فهي واحدة لأنه ذكره منكراً فيكون طلاقاً واحداً نص عليه

ص: 303

أحمد وقال في رواية حنبل إذا قال أعني طلاقاً فهي واحدة أو اثنتان إذا لم يكن فيه الألف واللام وعنه أنه ظهار فيهما وقد ذكرناه وذكرنا دليله * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين وإن لم ينو شيئاً فهل يكون ظهاراً أو يميناً؟ على وجهين) أما إذا نوى الطلاق كان طلاقاً لأنه يصلح أن يكون كناية فيه فإذا اقترنت به النية وقع به الطلاق ويقع ما نواه من عدد الطلاق فإن لم ينو شيئاً وقعت واحدة لأنه من الكنايات الخفية وهذا حكمها وإن نوى به الظهار وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها احتمل أن يكون ظهاراً كما قلنا في قوله أنت علي حرام واحتمل أن لا يكون ظهاراً كما لو قال أنت علي كظهر البهيمة أو كظهر أبي وإن نوى اليمين وهو أن يريد بذلك ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين وإن لم ينو شيئاً لم يكن طلاقاً لأنه ليس بصريح

في الطلاق ولو نواه به وهل يكون ظهاراً أو يميناً؟ على وجهين (أحدهما) يكون ظهاراً لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الأمر الذي استهزأ به وهو التحريم لقول الله تعالى فيهما (حرمت عليكم الميتة والدم) والثاني يكون يميناً لأن الأصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل

ص: 304

ثبت فيه أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا ثبته بالشك ولا نزول عن الأصل إلا بيقين وعند الشافعي هو كقوله أنت حرام سواء * (مسألة) * (وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى وإن قال حلفت بالطلاق أو علي يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شئ فيما بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقر به في الحكم) ذكره القاضي وأبو الخطاب لأنه يحتمل ما قاله ويلزمه في الحكم لأنه خلاف ما أقربه وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هي كذبة ليس عليه يمين وذلك لأن قوله حلفت ليس بحلف وإنما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذباً فيه لم يصر حالفاً كما لو قال حلفت بالله وكان كاذباً واخبار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به وحكى في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه قال إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع الى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحدة وقال القاضي معنى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه إذا نوى به الطلاق فجعله كناية عنه وكذلك قال يرجع الى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق فلا يقع به شئ لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نوى الطلاق فلم يقع به طلاق كسائر الكنايات وذكر القاضي في

ص: 305

كتاب الأيمان فيمن قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هل يقع به؟ على روايتين (إحداهما) لا يلزمه شئ لأنه لم يحلف واليمين إنما تكون بالحلف (والثانية) يلزمه ما أقر به اختاره أبو بكر لأنه إذا أقر ثم قال كذبت كان جحوداً بعد الإقرار فلا يقبل كما لو أقر بدين ثم أنكر ويرجع الى نيته لأنه أعلم بحاله (فصل) والقول قوله في قدر ما حلف به وفي الشرط الذي علق اليمين به لأنه أعلم بحاله ويمكن حمل كلام أحمد

على هذا وهو أن يكون قوله ليس عليه يمين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله يلزمه الطلاق أي في الحكم لأنه يتعلق بحق إنسان معين فلم يقبل في الحكم وفيما بينه وبين الله سبحانه إذا علم أنه لم يحلف فلا شئ عليه * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (إذا قال لامرأته أمرك بيدك فلها أن تطلق ثلاثاً وإن نوى واحدة وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ) الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أنه إذا قال لامرأته أمرك بيدك كان لها أن تطلق ثلاثاً وإن نوى أقل منها هذا ظاهر المذهب لأنها من الكنايات الظاهرة وقد مضى الكلام فيها روى ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن علي أيضاً وفضالة بن عبيد وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري قالوا إذا طلقت ثلاثاً فقال لم أجعل إليها إلا واحدة لم يلتفت إلى قوله والقضاء ما قضت وعن عمر وابن مسعود أنها طلقة واحدة وبه قال عطاء ومجاهد والقاسم وربيعة ومالك والاوزاعي والشافعي وقال الشافعي إن نوى ثلاثاً فلها أن تطلق ثلاثاً وان نوى غير ذلك

ص: 306

لم تطلق ثلاثاً والقول قوله في نيته قال القاضي ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة فهي واحدة لأنه نوع تخيير فيرجع الى نيته فيه كقوله اختاري ولنا أنه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة لأنه بخلاف مقتضى اللفظ لا يبين في هذا لأنه من الكنايات الظاهرة والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثاً (الفصل الثاني) أنه لا يتقيد بالمجلس ويكون في يدها ما لم يفسخ أو يطأ وإن جعل أمرها في يد غيرها فكذلك في الفصل الأول والثاني ووافق الشافعي في أنه إذا جعله في يد غيرها أنه لا يتقيد بالمجلس لأنه وكيل، وإذا قال له جعلت أمر امرأتي في يدك أو جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي أو طلق امرأتي فالجميع سواء في أنه لا يتقيد بالمجلس وقال أصحاب أبي حنيفة ذلك مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال إختاري ولنا أنه توكيل مطلق فكان على التراخي كالتوكيل في البيع.

إذا ثبت هذا فإن له أن يطلق ما لم يفسخ أو يطأ وله أن يطلق ثلاثاً وواحدة كالمرأة فإن فسخ الوكالة بطلت كسائر الوكالات وكذلك إن

وطئها لأنه يدل على الفسخ أشبه ما لو فسخ بالقول * (مسألة) * (وإن قال اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)

ص: 307

وجملة ذلك أن لفظ التخيير لا يقتضي بمطلقة أكثر من طلقة رجعية قال أحمد هذا قول ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمر وعائشة رضي الله عنهم وروي ذلك عن جابر وعبد الله بن عمر وقال أبو حنيفة هي واحدة بائنة وهو قول ابن شبرمة لأن اختيارها نفسها يقتضي زوال سلطانه ولا يكون إلا بالبينونة وقال مالك هي ثلاث في المدخول بها لأن المدخول بها لا تبين إلا بالثلاث إلا أن تكون بعوض ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن من سمينا منهم قالوا إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها رواه النجاد عنهم بأسانيده ولأن قوله اختاري تفويض مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم وذلك طلقة واحدة ولا تكون بائناً لأنها طلقة بغير عوض لم يكمل بها العدد بعد الدخول فأشبه ما لو طلقها واحدة ولا تكون بائناً لأنها طلقة، ويخالف قوله أمرك بيدك فإنه للعموم لأنه اسم جنس مضاف فيتناول جميع أمرها لكن إن جعل لها أكثر من ذلك فلها ما جعل إليها سواء جعله بلفظه بان يقول اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات إن شئت فلها أن تختار ذلك أو جعله بنيته وهو أن ينوي بقوله اختاري عدداً فإنه يرجع إلى ما نواه لأن قوله اختاري كناية خفية فيرجع في قدرها الى نيته كسائر الكنايات الخفية، فإن نوى ثلاثاً أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى وإن أطلق فهي واحدة وإن نوى ثلاثاً فطلقت أقل منها وقع ما طلقته لأنه يعتبر قولهما جميعاً كالوكيلين إذا طلق أحدهما واحدة والآخر

ص: 308

ثلاثاً وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه هذا قول أكثر أهل العلم أن التخيير على الفور إن اختارت في وقتها وإلا فلا خيار لها بعده روى ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري وقتادة وابو عبيد وابن المنذر ومالك في رواية أنه على التراخي ولها الاختيار

في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ، واحتج ابن المنذر بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعائشة إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك " وهذا يمنع قصره على المجلس ولأنه جعل امرها إليها أشبه ما لو قال أمرك بيدك ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة فروى النجاد بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال قضى عمر وعثمان في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا وعن عبد الله بن عمر قال ما دامت في مجلسها ونحوه عن ابن مسعود وجابر ولم نعرف لهما مخالفاً في الصحابة فكان إجماعاً ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول، وأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي، فأما أمرك بيدك فهو توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (وليس لها أن تطلق إلا ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)

ص: 309

وذلك أن لا يخرجا من الكلام إلى غير ذلك الطلاق فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل خيارها قال أحمد إذا قال لامرأته اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام فإن طال المجلس وأخذوا في كلام غير ذلك ولم تختر فلا خيار لها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه أنه يتقيد بالمجلس وقيل هو على الفور وقال أحمد الخيار على مخاطبة الكلام وأن تجاريه ويجاريها إنما هو جواب كلام إن أجابته من ساعته وإلا فلا شئ، ووجهه أنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال الإمكان فلم يصح كما لو قامت من مجلسها فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها، وقال أبو حنيفة يبطل بقيامها دون قيامه على أصله بأن الزوج لا يملك الرجوع، وعندنا أن الزوج يملك الرجوع فبطل بقيامه كما يبطل بقيامها، وإن كان أحدهما قائماً فركب أو مشى بطل الخيار وإن قعد لم يبطل لأن القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار فيكون إعراضاً والقعود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت لم يبطل لأن ذلك لا يبطل الفكرة، وإن تشاغلت بالصلاة بطل الخيار وإن كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها وإن أضافت إليها ركعتين أخريين بطل خيارها وإن أكلت شيئاً أو قال بسم الله أو سبحت شيئاً يسيرا لم يبطل لأن ذلك ليس بإعراض وإن قالت أدعوا لي شهوداً أشهدهم على ذلك لم يبطل وإن

كانت راكبة فسارت لم يبطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي * (مسألة) * (فإن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها هذا المذهب)

ص: 310

إذا جعل لها الخيار اليوم كله أو أكثر من ذلك أو متى شاءت فلها الخيار في تلك المدة وإن قال اختاري إذا شئت أو متى شئت فلها ذلك لأن هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الأوقات فإن ردت ذلك أو جعل أمرها بيدها فردته بطل خيارها لأنها إنما ملكته بالوكالة فهي كالوكيل إذا رد الوكالة وإن رجع فيما ملكها بطل أيضاً كما إذا رجع الموكل فيما وكل فيه، وإن وطئها فهو رجوع أيضاً لأنه يدل على الرجوع أشبه ما لو رجع بالقول، ويحتمل أن لا تنفسخ الوكالة كما لو وكله في بيع دار وسكنها ذكره ابن أبي موسى وإن قال اختاري اليوم وغداً وبعد غد فلها ذلك فإن ردت الخيار في الأول بطل كله وإن قال لها لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة فدل على أن خيارها لا يبطل بالتأخير، وإن قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غداً فردته في اليوم الأول لم يبطل في الثاني، وقال أبو حنيفة لا يبطل في المسألة الاول أيضاً لأنهما خياران في وقتين فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياساً على المسألة الثانية ولنا أنه خيار واحد في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد وكخيار الشرط، ولا نسلم أنهما خياران، وإنما هو خيار واحد في يومين، وفارق ما إذا قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غداً فإنهما خياران لأن كل واحد ثبت بسبب مفرد (فصل) ولو خيرها شهراً فاختارت ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار

ص: 311

ولنا أنها استوفت ما جعل لها في هذا العقد فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة مدة ثم فسخ ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة، ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج ثم تزوجها بطل لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع، والحكم في قوله أمرك بيدك في هذا كله

كالحكم في التخيير لأنه نوع تخيير ولو قال لها اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد فردت في اليوم الأول لم يبطل في بعد غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما عن صاحبه فلا يبطل أحدهما ببطلان الآخر بخلاف ما إذا كان الزمان متصلاً واللفظ واحد فإنه خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه، وإن قال لك الخيار يوماً أو أمرك بيدك يوماً فابتداؤه من حين نطق به الى مثله من الغد لأنه لا يمكن استكمال يوم بتمامه إلا بذلك وإلا قال شهراً فمن ساعة نطق الى استكمال ثلاثين يوماً الى مثل تلك الساعة وإن قال الشهر أو اليوم أو النسة فهو على ما بقي من اليوم والشهر والسنة، وخرج أبو الخطاب في كل مسألة وجها مثل حكم الأخرى أي خرج في قوله أمرك بيدك وجهاً أنها لا تطلق أكثر من واحدة وأنها تتقيد بالمجلس بشرط أن لا يتشاغلا بما يقطع كلامهما، وفي قوله اختاري نفسك أنه لا يتقيد بالمجلس وإن لها أن تطلق أكثر من واحدة عند الإطلاق قياساً لكل واحدة منهما على الأخرى (فصل) فإن خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار أو الأمر لم يقع شئ نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول عمر ابن عبد العزيز وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وابن المنذر وعن الحسن تكون واحدة

ص: 312

رجعية وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال إن اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة وإن اختارت نفسها فثلاث قال أبو بكر انفرد بهذا إسحاق بن منصور والعمل على ما رواه الجماعة ووجه هذه الرواية إن التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجرده كسائر كناياته كقوله انكحي من شئت ولنا قول عائشة قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طلاقاً وقالت لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني لمخبرك خبراً فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك ثم قال إن الله تعالى قال (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها - حتى بلغ - إن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) فقلت في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخره قالت ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت متفق عليهما قال مسروق ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو

ألفاً بعد أن تختارني ولانها مخيرة اختارت النكاح فلم يقع بها الطلاق كالمعتقة تحت عبد وقولهم ان التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجردها كسائر كناياته قلنا إنما أراد بذلك تفويض الطلاق إلى زوجته لا إيقاع الطلاق وصار ذلك كقوله طلقي نفسك فإنه لا يقع بذلك طلاق والكناية مع النية لا ترد على الصريح فأما إن نوى بقوله اختاري نفسك إيقاع الطلاق وقع كسائر الكنايات

ص: 313

* (مسالة) * (ولفظة الأمر والخيار كناية في حق الزوج تفتقر إلى نيته) فلفظة الأمر من الكنايات الظاهرة والخيار من الخفية وكلاهما يحتاج الى النية لما ذكرنا في الكناية الظاهرة قوله إنها تحتاج الى نية وهو قول مالك وقد ذكرناه فإن قبلته بلفظ الكناية فقالت اخترت نفسي إفتقر الى نيتها أيضاً كالزوج وإن قالت طلقت نفسي وقع من غير نية لأنه صريح فلم يحتج إلى نية كقوله أنت طالق فإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لأن الزوج إذا لم ينو فما فوض إليها الطلاق فلا يصح أن يوقعه وان نوى ولم تنو هي فقد فوض إليها الطلاق فما أوقعته فلم يقع شئ كما لو وكل وكيلاً في الطلاق فلم يطلق وإن نويا جميعاً وقع ما نواه من العدد وإن نوى أحدهما أقل من الآخر وقع الأقل لأن ما زاد انفرد به أحدهما فلم يقع * (مسألة) * (فإن اختلفا في نيتها فقال لم تنو الطلاق باختيارك نفسك فقالت قد نويت فالقول قولها) لأنها أعلم بنيتها ولا نعلم ذلك الا من جهتها وإن اختلفا في رجوعه فالقول قوله لأنهما اختلفا فيما يختص فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في نيته (فصل) وإن قال أمرك بيدك أو قال اختاري فقالت قبلت لم يقع شئ كما لو قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك فقال قبلت واختاري في معناه ونحوه إن قالت أخذت أمري نص عليهما أحمد في رواية إبراهيم بن هانئ إذا قال لامرأته أمرك بيدك فقالت قبلت ليس بشئ حتى يبين وقال إذا قالت أخذت

ص: 314

امري ليس بشئ قال وإذا قال لامرأته اختاري فاختارت فقالت قبلت نفسي واخترت نفسي كان أبين قال القاضي ولو قالت أخترت ولم تقل نفسي لم تطلق وإن نوت ولو قال الزوج اختاري ولم

يقل نفسك ولم ينوه لم تطلق ما لم يذكر نفسها ما لم يكن في كلام الزوج أو جوابها ما يصرف الكلام إليه لأن ذلك في حكم التفسير فإذا عري عن ذلك لم يصح وإن قالت اخترت زوجي واخترت البقاء على النكاح أو رددت الخيار أو رددت عليك سفهتك بطل الخيار وإن قالت اخترت نفسي أو أنوي ونوت وقع الطلاق ولأن هذا يصلح أن يكون كناية من الزوج فيما إذا قال الحقي بأهلك فكذلك منها وإن قالت اخترت الازواج فكذلك لأنهم لا يحلون إلا بمفارقة هذا الزوج ولذلك كان كناية منه في قوله انكحي من شئت (فصل) فإن كرر لفظة الخيار ثلاث مرات فقال اختاري اختاري اختاري فقال أحمد إن كان ما يردد عليها ليفهمها وليست نيته ثلاثاً فهي واحدة وإن كان أراد بذلك ثلاثاً فهي ثلاث فرد الأمر إلى نيته في ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قبلت وقع ثلاث لأنه كرر ما يقع به الطلاق فيكرر كما لو كرر الطلاق ولنا أنه يحتمل التأكيد فإذا قصده قبلت نيته كما لو قال انت طالق الطلاق وإن أطلق فقد روي عن أحمد ما يدل على أنها واحدة تملك الرجعة وهذا اختيار القاضي ومذهب عطاء وأبي ثور لأن تكرر

ص: 315

التخيير لا يزيد به الخيار كشرط الخيار في البيع وروى عن أحمد رحمه الله إذا قال لامرأته اختاري فقالت اخترت نفسي هي واحدة إلا أن يقول اختاري اختاري وهذا يدل على أنها تطلق ثلاثاً ونحوه قال الشعبي والنخعي واصحاب الرأي ومالك لأن لفظة الواحدة إذا تكررت اقتضت ثلاثاً كلفظة الطلاق (فصل) ويجوز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض وحكمه حكم ما لا عوض له في إن له الرجوع فيما جعل لها وأنه يبطل بالوطئ قال أحمد إذا قالت امرأته اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار ما لم يطأها أو ينقضه وذلك لأنه توكيل والتوكيل لا يبطل بدخول العوض فيه وكذلك التحليل بعوض لا يلزم ما لم يتصل به القبول * (مسألة) * (وإن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع) ويحتمل أن لا يقع لأنه فوضه إليها بلفظ الصريح فلا يصح أن يوقع ما فوضه إليها، ووجه الأول

أنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته فوقع كما لو أوقعته بلفظ الصريح ولا يصح ما ذكروه ولأن التوكيل في شئ لا يقتضي أن يكون إيقاعه بلفظ الأمر كما لو وكله فقال بع داري فباع بلفظ التمليك صح وكما لو قال لها اختاري نفسك فقالت طلقت نفسي فإنه يقع مع اختلاف اللفظ * (مسالة) * (وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر منها) قال أحمد رحمه الله إذا قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثاً فطلقت نفسها ثلاثاً فهي ثلاث

ص: 316

وإن نوى واحدة فهي واحدة وذلك لأن الطلاق يكون واحدة ثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله وإن لم ينو وقع واحدة لأنها اليقين لأن النطق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم * (مسألة) * (وإذا قال وهبتك لأهلك فإن قبلوها فواحدة وإن ردوها فلا شئ، وعنه إن قبولها فثلاث وإن ردوها فواحدة وكذلك إذا قال وهبتك لنفسك) الرواية الأولى هي المشهورة عن أحمد نص عليها وبه قال ابن مسعود وعطاء ومسروق والزهري ومكحول ومالك واسحاق وروي عن علي رضي الله عنه والنخعي إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فواحدة رجعية، وروى عن أحمد مثل ذلك وعن زيد بن ثابت والحسن إن قبلوها فثلاث، وقال ربيعة ويحيى بن سعيد وأبو الزناد ومالك هي ثلاث على كل حال قبلوها أو ردوها، وقال أبو حنيفة فيها كقوله في الكناية الظاهرة ومثله قال الشافعي واختلفا ههنا بناء على اختلافهما ثم ولنا على أنها لا تطلق إذا لم يقبلوها أنه تمليك للبضع فافتقر فيه الى القبول كقلوه اختاري وأمرك بيدك وكالنكاح وعلى أنها لا تكون ثلاثاً أنه لفظ يحتمل فلا يحمل عى الثلاث عند الإطلاق كقوله اختاري وعلى انها رجعية أنها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء العدد فكانت رجعية كقوله أنت طالث ثنتين وقوله إنها واحدة محمول على ما إذا أطلق النية أو نوى واحدة فأما إن نوى ثلاثاً أو اثنتين فهو على ما نوى لأنها كناية غير ظاهرة فيرجع الى نيته في عددها كسائر الكنايات ولابد

ص: 317

من أن ينوي بذلك الطلاق او تكون ثم دلالة حال لأنها كناية ولابد للكناية من ذلك.

قال القاضي

وينبغي أن تعتبر النية من الذي يقبل أيضاً كما تعتبر في اختيار الزوجة إذا قال لها اختاري أو أمرك بيدك إذا ثبت هذا فإن صفة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه أحمد والحكم في هبتها لنفسها أو لأجنبي كالحكم في هبتها لأهلها (فصل) فإن باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق وإن نوى، وبه قال الثوري واسحاق وقال مالك تطلق واحدة وهي أملك بنفسها لأنه أتي بها يقتضي خروجها عن ملكه أشبه ما لو وهبها ولنا أن البيع لا يتضمن معنى الطلاق لأنه نقل ملك بعوض والطلاق مجرد اسقاط لا يقتتضي العوض فلم يقع به طلاق كقوله أطعميني واسقيني (فصول في قول الزوج لامرأته أمرك بيدك) قد ذكرنا أن الزوج إذا قال لامرأته أمرك بيدك أنه في يدها ما لم يفسخ أو يطأ لأن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه وبين أن يوكل فيه وإن يفوضه الى المرأة ويجعله الى اختيارها لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه ومتى جعل أمر امرأته بيدها لم يتقيد بالمجلس روى ذلك عن علي رضي الله، وبه قال الحكم وأبو ثور وابن المنذر، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي هو مقصور على المجلس كقوله اختاري

ص: 318

ولنا قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال هو لها حتى تنكل ولأنه نوع توكيل في الطلاق فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي فإن رجع الزوج فيما جعل إليها او قال فسخت ما جعلت إليك بطل وبذلك قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والاوزاعي واسحاق وقال الزهري والثوري ومالك وأصحاب الرأي ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك فلم يملك الرجوع كما لو طلقت ولنا أنه توكيل فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع وكما لو وكل في ذلك أجنبياً ولا يصح قولهم تمليكاً لأن الطلاق لا يصح تمليكه ولا ينتقل عن الزوج وإنما ينوب غيره فيه عنه وإن سلم أنه تمليك فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل ايصال القبول به كالبيع، وإن وطئها الزوج كان رجوعاً لأنه نوع توكيل والتصرف فيما توكل فيه يبطل الوكالة وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة برد الوكيل.

(فصل) ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها ومتى ردت الأمر الذي جعل إليها بطل ولم يقع شئ في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومسروق وعطاء ومجاهد والزهري والثوري والاوزاعي والشافعي وقال قتادة إن ردت فواحدة رجعية ولنا أنه توكيل رده الوكيل أو تمليك لم يقبله المملك فلم يقع به شئ كسائر التوكيل والتمليك فأما

ص: 319

إن نوى بهذا تطليقها في الحال طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال حبلك على غاربك * (مسألة) * (فإن قالت اخترت نفسي فهي واحدة رجعية) روى ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وروي عن علي أنها واحدة بائنة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لأن تمليكه إياها أمرها يقتضي زوال سلطانه عنها فإذا قبلت ذلك الاختيار وجب أن يزول عنها ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة وعن زيد بن ثابت أنها ثلاث، وبه قال الحسن ومالك والليث إلا أن مالكا قال: إذا لم تكن مدخولاً بها قبل منه إذا أراد واحدة أو اثنتين وحجتهم أن ذلك يقتضي زوال سلطانه عنها ولا يكون ذلك إلا بثلاث وفي قول مالك إن غير المدخول بها يزول سلطانه عنها بواحدة فاكتفى بها ولنا أنها لم تطلق بلفظ الثلاث ولا نوت ذلك فلم تطلق ثلاثاً كما لو أتى الزوج بالكنايات الخفية وهذا إذا لم تنو إلا واحدة فإن نوت أكثر منها وقع ما نوت لأنها تملك الثلاث بالتصريح فملكتها بالكنايات كالزوج وهكذا إن أتت بشئ من الكنايات فحكمها فيها حكم الزوج إن كانت مما يقع بها الثلاث من الزوج وقع بها الثلاث إذا أتت بها وإن كانت من الكنايات الخفية نحو قولها لا تدخل علي ونحوها وقع ما نوت.

قال أحمد إذا قال لها أمرك بيدك فقالت لا تدخل علي إلا بإذن سواء في ذلك إن قالت واحدة فواحدة وإن قالت أردت أن أغيظه قبل منها يعني لا يقع شئ، وكذلك إن جعل

ص: 320

أمرها بيد أجنبي فأتى بهذه الكنايات لا يقع شئ حتى ينوي الوكيل الطلاق ثم إن طلق بلفظ صريح

ثلاثاً أو بكناية ظاهرة وقعت الثلاث وإن كان بكناية خفية وقع ما نواه * (باب ما يختلف به عدد الطلاق) * (يملك الحر ثلاث طلقات وإن كان تحته أمة ويملك العبد اثنتين وإن كانت تحته حرة) وجملة ذلكان الطلاق معتبر بالرجال فإن كان الزوج حراً فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وإن كان عبداً فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة روى ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال ابن عمر أيهما رق نقص الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان وإن كان تحته حرة وطلاق الأمة اثنتان وإن كان زوجها حرا، وعنه أن الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثاً وإن كان عبداً وزوج الأمة اثنتين وإن كان حراً روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول ابن مسعود وبه قال الحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد والثوري وابو حنيفة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " طلاق الأمة تطليقتان " رواه أبو داود وابن ماجة ولأن المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعدة

ص: 321

ولنا أن الله خاطب الرجال بالطلاق فكان محله معتبراً بهم ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات، وحديث عائشة قال أبو داود رواه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد اخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وقروء الأمة حيضتان وتتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة " وهذا نص ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعاً فملك طلقات ثلاثاً كما لو كان تحته حرة.

ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وإن العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان، وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حراً والآخر رقيقاً قال أحمد المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبد وهذا صحيح فإنه جاء في الحديث " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " ولأنه يصح عتقه ولا ينكح إلا اثنتين ولا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده وهذه أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد، وقد روى الأثرم في سننه عن سليمان بن يسار

مكاتب أم سلمة طلق امرأة حرة تطليقتين فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا حرمت عليك والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاقه وكذلك المعلق عتقه بصفة لأنه عبد فثبت فيه أحكام العبد (فصل) قال أحمد في رواية محمد بن الحكم العبد إذا كان نصفه حراً ونصفه عبداً يتزوج ثلاثاً ويطلق ثلاث تطليقات

ص: 322

وكذلك كل ما يجري بالحساب إنما جعل له نكاح ثلاث لأن عدد المنكوحات يتبعض فوجب أن يتبعض في حقه كالحد فكذلك كان له أن ينكح نصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث، وأما الطلاق فلا تمكن قسمته في حقه لأن مقتضى حاله أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه ولأن لاصل اثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلق وإنما خولف في حق من كمل الرق فيه ففيما عداه يبقى على الأصل * (مسألة) * (فإذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثاً) قال القاضي لا تختلف الرواية عن أحمد فيمن قال لامرأته أنت الطلاق أنه يقع نواه أو لم ينوه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) أنه غير صريح لأنه مصدر والأعيان لا توصف بالمصادر إلا مجازاً ولنا أن الطلاق لفظ صريح فلم يفتقر إلى نية كالتصرف وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر: نوهت باسمي في العالمين * وافنيت عمري عاماً فعاما فأنت الطلاق وأنت الطلاق * وأنت الطلاق ثلاثاً تماما قولهم أنه مجاز قلنا نعم إلا أنه يتعذر حمله على الحقيقة ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل فتعين فيه.

إذا ثبت ذلك فإنه إذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم أو الطلاق يلزمني أو علي الطلاق فهو

ص: 323

بمثابة قوله الطلاق يلزمني لأن من يلزمه شئ يضره فهو عليه كالدين.

وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق فهو صريح فإنه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق وقالوا إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه ولعلهم اراد والزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه ويقع ما نواه واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً

* (مسألة) * (فإن لم ينو شيئاً ففيه روايتان) إحداهما يقع الثلاث نص عليها أحمد في رواية مهنا وهي اختيار أبي بكر لأن الألف واللام للاستغراق فتقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية) أنها واحدة لأنه يحتمل أن تعود الألف واللام إلى معهود يربد الطلاق الذي اوقعته ولأن الألف واللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيراً كقوله ومن أكره على الطلاق وإذا عقل الصبي الطلاق وأشباه هذا مما يراد به ذلك الجنس ولا يفهم منه الاستغراق، فعند ذلك لا يحمل على التعميم إلا بنية صارفة إليه، قال شيخنا والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة في حال الإطلاق لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثاً ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثاً ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى لفظهم فيصير كأنهم نووا واحدة (فصل) فأما إن قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً فهي ثلاث وإن نوى واحدة، لا نعلم بين أهل العلم

ص: 324

فيه خلافاً لأن اللفظ صريح في الطلاق الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف من اللفظ كما لا يعارض النص القياس ولأن النية إنما تعمل في صرف اللفظ الى بعض محتملا له والثلاث نص فيها لا يحتمل الواحدة بحال فإذا نوى واحدة فقد نوى ما لا يحتمله فلم يصح كما لو قال له علي ثلاثة دراهم وقال أردت واحداً * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ونوى ثلاثاً ففيه روايتان) إحداهما تطلق ثلاثاً وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر لأن لفظه لو قرن به لفظ الثلاث كان ثلاثاً فإذا نوى به الثلاث كان ثلاثاً كالكنايات ولأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع ذلك به كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد أنه يصح تفسيره به فيقول أنت طالق ثلاثاً ولأن قوله طالق اسم فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير (والرواية الثانية) لا تقع إلا واحدة وهو قول الحسن وعمرو بن دينار والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي لأن هذا اللفظ لا يتضمن عدداً ولا بينونة فلم يقع به الثلاث كما لو قال أنت واحدة.

بيانه ان قوله أنت طالق اخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله قائمة وحائض وطاهر، والأولى أصح لما

ذكرنا، وفارق قوله انت حائض وطاهر لأن الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها والطهر يمكن تعدده (فصل) فإن قال أنت طالق طلاقاً ونوى ثلاثاً وقع ثلاث لأنه صريح بالمصدر والمصدر يقع على القليل

ص: 325

والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله وأن نوى واحدة فهي واحدة وإن أطلق فهي واحدة لأنه اليقين وإن قال أنت طالق الطلاق وقع ما نواه، وان ينو شيئاً فذكر القاضي فيها روايتين (إحداهما) تقع الثلاث لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية) أنها واحدة لما ذكرنا من أن الألف واللام تعود إلى المعود * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثاً لم يقع إلا واحدة) لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها فإذا نوى ثلاثاً فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك لوقع بمجرد النية ومجرد النية لا يقع بها طلاق، وقال أصحاب الشافعي تقع ثلاث في أحد الوجهين لأنه يحتمل واحدة معها اثنتان وهذا لا يصح فإن قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة فلا يعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظه، وفيه لأصحابنا أنه يقع ثلاث والأول أصح * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثاً) لأن قوله هكذا صريح بالتشبيه بالأصابع في العدد وذلك يصلح بياناً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهر هكذا وهكذا " وأشار بيده مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين فإن قال أردت تعدد المعتوقين قبل منه لأنه

ص: 326

يحتمل ما يدعيه، فأما إن قال أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل هكذا لم يقع إلا واحدة لأن اشارته لا تكفي (فصل) وإن قال لإحدى امرأتيه أنت طالق واحدة بل هذه وأشار الى الأخرى ثلاثاً طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثاً لأنه أوقعه بهما كذلك أشبه ما لو قال له على هذا الدرهم بل هذا فإنه يجب الدرهمان ولا يصح اضرابه عن الأول * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثر أو جميعه أو منتهاه أو طالق كألف أو بعدد الحصى أو القطر أو الرمل أو الريح أو التراب طلقت ثلاثاً وإن نوى واحدة)

لأن هذا يقتضي عددا ولان للطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث، وإن قال كعدد الماء أو التراب وقع ثلاث، وقال أبو حنيفة يقع واحدة بائن لأن الماء والتراب من أسماء الأجناس لا عدد له ولنا أن الماء تتعدد أنواعه وقطراته والتراب تتعدد أنواعه وأجزاؤه فأشبه الحصى، وإن قال يا مائة طالق أو أنت مائة طالق طلقت ثلاثاً، وإن قال أنت طالق كمائة أو ألف فهي ثلاث قال أحمد فيمن قال أنت طالق كألف تطليقة فهي ثلاث، وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة وابو يوسف إن لم يكن له نية وقعت واحدة لأنه لم يصرح بالعدد، وإنما شبهها بالألف وليس الموقع المشبه به ولنا ان قوله كألف يشبه العدد خاصة لأنه لم يذكر إلا ذلك فوقع العدد كقوله أنت طالق

ص: 327

كعدد الألف، وفي هذا انفصال عما قال، وإن قال أردت أنها كألف في صعوبتها دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين * (مسألة) * (وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث وإن لم ينو شيئاً أو نوى واحدة فهي واحدة) قال أحمد فيمن قال لامرأته أنت طالق ملء البيت فإن أراد الغلظة عليها يعني يريد أن تبين منه فهي ثلاث فاعتبر نيته فدل على أنه إذا لم ينو تقع واحدة وذلك لأن هذا الوصف لا يقتضي عدداً وهذا لا نعلم فيه خلافاً فإذا وقعت الواحدة فهي رجعية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه تكون بائناً لأنه وصف الطلاق بصفة زائدة فيقتضي الزيادة عليها وذلك هو البينونة، ولنا أنه طلاق صادف مدخولاً بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعياً كقوله أنت طالق، وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق حكم فإذا ثبت ثبت في الدنيا كلها فلا يقتضي ذلك زيادة فإن قال أنت طالق مثل الجبل أو مثل عظم الجبل ولا نية له وقعت طلقة رجعية وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تقع بائناً، وقال أصحابه إن قال مثل الجبل كانت رجعية وإن قال مثل عظم الجبل كانت بائناً ووجه القولين ما تقدم

ص: 328

ولنا أنه لا يملك إيقاع البينونة فإنها حكم وليس ذلك إليه وإنما تثبت البينونة بأسباب معينة كالخلع والطلاق قبل الدخول فيملك مباشرة سببها فثبتت وإن أراد إثباتها بدون ذلك لم تثبت، ويحتمل أن يكون ابتداء الطلاق عليه أو عليها ليعجلها أو لحب أحدهما صاحبه ومشقة فراقه عليه فلم يقع أمر زيد بالشك، فإن قال أقصى الطلاق أو أكثره فكذلك في قياس المذهب، ويحتمل أن يكون أقصى الطلاق ثلاثاً لأن أقصاه آخره وآخر الطلاق الثالثة ومن ضرورة كونها ثالثة وقوع اثنتين، وإن قال أتم الطلاق وأكمله فواحدة إلا أنها تكون بنيته * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق من واحدة الى ثلاث وقع طلقتان) وبهذا قال أبو حنيفة لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وإنما كانت بمعنى مع وذلك خلاف موضوعها، وقال زفر: تطلق واحدة لأن ابتداء الغاية ليس منها كقوله بعتك من هذا الحائط الى هذا الحائط، ويحتمل أن تطلق ثلاثاً وهو قول أبي يوسف ومحمد لأنه نطق بها فلم يجز إلغاؤها وكقوله بعتك هذا الثوب من أوله الى آخره ولنا على أن ابتداء الغاية يدخل قوله خرجت من البصرة فإنه يدل على أنه كان فيها وأما انتهاء

ص: 329

الغاية فلا يدخل بمقتضى اللفظ ولو احتمل الدخول وعدمه لم يقع الطلاق بالشك فإن قال أنت طالق ما بين واحدة وثلاث وقعت لأنها التي بينهما * (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين وقعت الثلاث) وإن نوى موجبه عند الحساب وهو يعرفه طلقت طلقتين وإن لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد وعند القاضي تطلق واحدة وإن لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان وبغيرها طلقة ويحتمل أن تطلق إذا قال أنت طالق طلقة في طلقتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثاً فهي ثلاث لأنه بغير نفي عن كقوله تعالى (ادخلي في عبادي) فتقدير الكلام طلقة مع طلقتين فإن أقر بذلك على نفسه قبل منه وإن قال أردت واحدة قبل أيضاً وإن كان كان حاسباً وقال القاضي لا يقبل إذا كان عارفاً بالحساب ووقع

طلقتان لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي وإن لم يكن له نية وكان عارفاً بالحساب وقع طلقتان وقال الشافعي إن أطلق لم يقع إلا واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الإيقاع وإنما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع إلا ما أوقعه وقال بعض أصحابه كقولنا وقال أبو حنيفة لا يقع إلا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم يقصد به واحدة أو اثنتن لأن الضرب إنما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة فيه للحساب وإنما حصل

ص: 330

منه الإيقاع في واحدة فوقعت دون غيرها ولنا أن هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنين فإذ لفظ به وأطلق وقع كما لو قال أنت طالق اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي فإن اللفظ الموضوع لا يحتاج معه الى نية فأما ما قاله أبو حنيفة فإنما ذلك في موضع الحساب بالأصل ثم صار مستعملاً في كل ماله عدد فصار حقيقة فيه فأما الجاهل بمقتضى ذلك الحساب إذا أطلق وقعت طلقة واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو لفظة واحدة وإنما صار مصروفاً إلى اثنين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها فإن نوى موجبه عند الحساب وهو لا يعرفه فقال ابن حامد لا يقع هو كالحاسب قياساً عليه لاشتراكهما في النية وعند القاضي تطلق واحدة لأنه إذا لم يعرف موجبة لم يقصد إيقاعه فهو كالعجمي ينطلق بالطلاق بالعربي لا يفهمه وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي إذا لم يكن يعرف موجبه لأنه لا يصح منه قصد ما لا يعرفه ويحتمل أن تطلق ثلاثاً بناء على أن في معناها مع فالتقدير أنت طالق طلقة مع طلقتين قال شيخنا ولم يفرق أصحابنا في ذلك بين أن يكون المتكلم بذلك ممن لهم عرف في هذا أولاً والظاهر إن كان المتكلم بذلك ممن عرفهم أن في ههنا بمعنى مع وقعت الثلاث لأن كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه إرادته وهو المتبادر الى الفهم من كلامه

ص: 331

(فصل) إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه أحمد وقال الشافعية يقع ثلاث

في أحد الوجهين لأن قوله أنت طالق إيقاع فلا يجوز إيقاع الواحدة مرتين فيدل على أنه اوقعها ثم أراد دفعها ووقع اثنتين آخرتين فوقع الثلاث ولنا أن ما لفظ به قبل الإضراب لفظ به بعده فلم يلزمه أكثر مما بعده كقوله له علي درهم بل درهمان وقولهم لا يجوز إيقاع ما أوقعه قلنا يجوز أن تجبره بوقوعه مع وقوع غيره فلا يقع الزائد بالشك (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا قال أنت طالق نصف طلقة او نصفي طلقة أو نصف طلقتين طلقت طلقة وإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو جزءاً منها وإن قل وقع طلقة كاملة في قول عامة أهل العلم إلا داود قال لا تطلق بذلك قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنها تطلق بذلك منهم الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد قال أبو عبيد وهو قول مالك وأهل الحجاز وأهل العراق وذلك لأن ذكر ما لا يتبعض في الطلاق ذكر لجميعه كما لو قال نصفك طالق فإن قال نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي الشئ كله وإن قال أنت طالق نصف طلقتين وقعت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر أصحاب الشافعي وجهاً آخر أنه يقع طلقتان لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه أولى لأن التنصيف يتحقق به وفيه عمل باليقين والغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى

ص: 332

* (مسألة) * (وإن قال نصفي طلقتين وقعت طلقتان) لأن نصفي النئ جميعه فهو كما لو قال أنت طالق طلقتين * (مسألة) * (وإن قال ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين) لأن ثلاثة الأنصاف طلقة ونصف وكمل النصف فصار طلقتين وهذا وجه لأصحاب الشافعي ولهم وجه آخر أنها لا تطلق إلا واحدة لأنه جعل الأنصاف من طلقة واحدة فسقط ما ليس منها ويقع طلقة لان إسقاط الطلاق الموقع من الأول في المجلس لا سبيل إليه وانما الاضافة الى الطلقة الواحدة غير صحيحة فلغت الإضافة وإن قال أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لان نصفها طلقة ونصف ثم يكمل النصف فيصير طلقتين * (مسألة) * (وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثاً ويحتمل أن تطلق طلقتين)

نص أحمد على وقوع الثلاث في رواية مهنا وقال أبو عبد الله بن حامد تقع طلقتان لان معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف ثم يكمل فيصير وقيل بل لأن النصف الثالث من طلقتين محال ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ولنا أن نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعت ثلاثاً فيقع ثلاث كما لو قال أنت طالق ثلاث طلقات وقولهم معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين تأويل يخالف ظاهر اللفظ فانه على ما ذكره يكون ثلاثة أنصاف

ص: 333

طلقتين مخالفة لثلاثة أنصاف طلقة وقولهم إنه مخالف قلنا وقوع نصف الطلقتين عليها ثلاث مرات ليس بمحال فوجب أن يقع * (مسألة) * (وإن قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة) لأنه لم يعطف بواو العطف فيدل على أن هذا الأجزاء من طلقة غير متغايرة وان الثاني ههنا يكون بدلا من الاول والثالث من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم تتبعض المغايرة وعلى هذا التعليل لو قال أنت طالق طلقة نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة وكذلك إن قال نصفاً وثلثاً وسدساً لم يقع إلا طلقة لأن هذه أجزاء للطلقة إلا أن يريد من كل طلقة جزءاً فتطلق ثلاثاً ولو قال أنت طالق نصفاً وثلثاً وربعاً طلقت طلقتين لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس طلقة ثم يكمل وإن أراد من كل طلقة جزءاً طلقت ثلاثاً وإن قال أنت طلقة وأنت نصف طلقة أو أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في قوله أنت الطلاق أنه صريح في الطلاق وههنا مثله * (مسألة) * (وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة طلقت ثلاثاً) ذكره أصحابنا لأنه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة وظاهره أنها طلقات متغايرة ولأنه لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها بلام التعريف فقال ثلث الطلقة وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكراً فالثاني غير الأول وإن أعيد معرفاً بالألف واللام فالثاني هو الأول

ص: 334

لاعادته معرفاً وليس الثاني غير الأول لاعادته منكراً ولهذا قيل لن يغلب عسر يسيرين وقيل لو

أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه أولى * (مسألة) * (وإذا قال لأربع نسوة أوقعت بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً وقع بكل واحدة طلقة) إذا قال أوقعت بينكن طلقة وقع بكل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم يكمل وإن قال بينكن طلقة فكذلك نص عليه أحمد لأن معناه أوقعت بينكن طلقة وإن قال أوقعت بينكن طلقتين فكذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وقال أبو بكر والقاضي يقع بكل واحدة طلقتان وعن أحمد ما يدل عليه فإنه روي عنه في رجل قال أوقعت بينكن ثلاث تطليقات ما أري إلا قد بن منه ووجه ذلك أنا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جزء من طلقتين ثم يكمل والأول أولى لأنه لو قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة نصف ثم يكمل طلقة واحدة وإنما يقسم بالأجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فانما تقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل واحد من واحد كأربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات لا خلاف فيها ولأن فيما ذكرناه أخذاً باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك فاما ان أراد قسمة كل طلقة بينهن فهو على

ص: 335

ما قال أبو بكر وإن قال أوقعت بينكن ثلاثاً أو أربعاً فعلى قولنا يقع بكل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثاً ثلاثا * (مسألة) * (وإن قال أوقعت بينكن خمساً وقع بكل واحدة طلقتان) وبه قال الحسن وقتادة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن نصيب كل واحدة تطليقة وربع ثم يكمل وكذلك إن قال ستاً أو سبعاً أو ثمانياً وإن قال أوقعت بينكن تسعاً وقع بكل واحدة ثلاث على القولين جميعاً (فصل) فإن قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لأنه لما عطف وجب قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي ترتيباً وقيل يقع بها واحدة على الأولى خاصة كما إذا قال أوقعت بينكن ثلاثاً ذكره صاحب المجرد

وإن قال أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لأن هذا يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا وإن قال أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طلقتها طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثاً إلا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق إلا واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يلحقها ما بعدها (فصل) فإن قال لنسائه أنتن طالق ثلاثاً أو طلقتكن ثلاثاً طلقن ثلاثاً نص عليه أحمد لأن قوله طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار

ص: 336

لكل واحدة ثلاث بخلاف قوله أوقعت بينكن ثلاثاً فإنه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة منهن جزءا منها وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة (فصل) إذا قال نصفك أو جزء منك أو أصبعك أو دمك طالق طلقت، متى طلق جزءاً من المرأة من أجزائها النابتة طلقت كلها سواء كان شائعاً كنصفها أو سدسها أو جزءاً من ألف جزء منها أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها، وهذا قول الحسن ومذهب الشافعي وأبي ثور وابن القاسم من أصحاب مالك وقال أصحاب الرأي ان أضافة إلى جزء شائع أو واحد من أعضاء خمسة: الرأس والوجه والرقبة والظهر والفرج طلقت وإن أضافة إلى جزء معين غير هذه الخمسة لم تطلق لأنه جزء تبقى الجملة بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق المرأة لاضافة الطلاق إليه كالسن والظفر ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والأعضاء الخمسة ولأنها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة فغلب فيها حكم التحريم كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد، وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس يبقى فإن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما ولا تنقض منها الطهارة

ص: 337

* (مسألة) * (وإن قال شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق) وبهذا قال أصحاب الرأي ويحتمل أن تطلق ذكره صاحب المحرر وقال مالك والشافعي تطلق بذلك ونحوه عن الحسن لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق بطلاقه كالأصبع

ولنا أنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة، وفارق الاصبع فإنها لا تنفصل في حال السلامة والسن تزول من الصغير ويخلق غيرها وتنقلع من الكبير بخلاف الاصبع فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق ولأن الشعر لا روح فيه ولا ينقض الوضوء مس فأشبه العرق واللبن * (مسألة) * (وإن أضافه إلى الريق والحمل والدمع والعرق لم تطلق) لا نعلم فيه خلافاً لأن هذه ليست من جسمها فإن الريق والدمع والعرق فضلات والحمل وإن كان متصلاً بها إلا أن مآله إلى الانفصال فلذلك لم تطلق به وهو مودع فيها.

قال الله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) في بطن الام * (مسألة) * (وإن قال روحك طالق طلقت) لأن الحياة لا تبقى بدون روحها كالدم، وقال أبو بكر لا يختلف قول أحمد في الطلاق والعتاق والظهار والحرام أن هذه الأشياء لا تقع إذا ذكر أربعة أشياء: الشعر والسن والظفر والروح.

جرد لقول عنه مهنأ بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول ووجهه أن الروح ليست عضواً ولا شيئاً يستمتع به

ص: 338

(فصل) فيما يخالف المدخول بها غيرها * (مسألة) * (إذا قال للمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو افهامها) إذا قال لامرأته المدخول بها أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية وقعت بها طلقتان بلا خلاف وإن نوى بها افهامها أن الأولى قد وقعت بها أو التأكيد لم تطلق إلا واحدة، وإن لم تكن له نية وقعت طلقتان، وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر تطلق واحدة لأن التكرار يكون للتأكيد والإفهام ويحتمل الإيقاع فلا نوقع طلقة بالشك ولنا أن هذا اللفظ للايقاع ويقتضي الوقوع بدليل ما لو يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد والإفهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص وبالاطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد، فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا واحدة سواء نوى الإيقاع

أو غيره وسواء قال ذلك منفصلاً أو متصلاً وهذا قول عكرمة والنخعي وحماد بن أبي سليمان والحكم والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي عبيد وابن المنذر وذكره الحاكم عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وقال مالك والاوزاعي والليث يقع بها طلقتان وإن قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان متصلاً لأنه طلق ثلاثاً بكلام متصل أشبه قوله أنت طالق ثلاثاً

ص: 339

ولنا أنه طلاق مفرق في غير المدخول بها فلم يقع إلا الاولى كما لو فرق كلامه ولأن غير المدخول بها تبين بطلقة لأنه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائناً فلا يقع الطلاق بها لأنها غير زوجة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفاً في عصرهم فيكون إجماعاً (فصل) فأما إن قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية ولم يقبل قوله نويت التوكيد لأن التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلاً به كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل.

* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو طالق بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها أو قبل طلقة طلقت طلقتين إن كانت مدخولا بها وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها وعنه فيما إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق أنه لا يقع بالمدخول بها إلا طلقة بناء على ما إذا قال له علي درهم بل درهم ذكره في المحرر) كل طلاق مرتب في الوقوع يأتي بعضه بعد بعض لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من واحدة لما ذكرنا ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها كقوله أنت طالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق وأنت طالق أو فطالق وأشباه ذلك لأن هذه حروف تقتضي الترتيب فتقع بها الأولى فتبينا فتأتي الثانية فتصادفها بائناً غير زوجة فلا تقع بها

ص: 340

فأما المدخول بها فتأتي الثانية فتصادفها محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة وكذلك لو قال أنت طالق بل طالق وطالق ذكره أبو الخطاب، وإن قال أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة أو

طلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة وقع بغير المدخول بها طلقة وبالمدخول بها اثنتان لما ذكرنا من أن هذا يقتضي طلقة بعد طلقة * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي) وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يقع بغير المدخول بها شئ بناء على قولهم في السريجية وقال أبو بكر وأبو الخطاب يقع اثنتان وهو قول أبي حنيفة لأنه استكمال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمانا ماضياً وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لأن قبله زمناً يمكن الوقوع فيه وهو زمن قريب فلا يؤخر إلى البعيد ولنا أن هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقة بعد طلقة أو قال أنت طالق طلقة غداً وطلقة اليوم ولو قال جاء زيد بعد عمرو أو جاء زيد وقبله عمرو أو أعط زيداً بعد عمرو كان كلامه صحيحاً يفيد تأخر المتقدم لفظاً عن المذكور بعده.

وليس هذا طلاقاً في زمن ماض وإنما يقع إيقاعه في المستقبل على الوجه الذي رتبه، ولو قدر أن إحداهما موقعة في زمن ماض

ص: 341

لامتنع وقوعها ووقعت الاخرى وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع إلا واحدة.

قال شيخنا والأول من التعليلين أصح إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين) إذا قال أنت طلق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان سواء في ذلك المدخول بها أو غيرها وإن قال معها اثنتان وقع بها ثلاث في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو يوسف تقع واحدة لأن الطلقة إذا وقعت مفردة لم يكن أن يكون معها شئ ولنا أنه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن كما لو قال أنت طالق ثلاثاً ولا نسلم أن الطلقة تقع مفردة فإن الطلاق لا يقع بمجرد اللفظ به إذ لو وقع بذلك لما صح تعليقه بشرط ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها

(فصل) إذا قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق وقعت طلقتان، وإن قال أنت طالق وطالق وطالق طلقت ثلاثاً وبه قال مالك والاوزاعي والليث وربيعة وابن أبي ليلى وحكي عن الشافعي في القديم ما يدل عليه، وقال الثوري والشافعي لا يقع إلا واحدة لأنه أوقع الأولى قبل الثانية فلم يقع عليها شئ آخر كما لو فرقها وذكره ابن أبي موسى في الإرشاد وجها في المذهب ولنا أن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها فيكون موقعاً للثلاث جميعاً فيقعن عليها كقوله أنت طالق

ص: 342

ثلاثاً أو طلقة معها طلقتان، ويفارق ما إذا فرقها فإنه لا يقع جميعاً وكذلك إذا عطف بعضها على بعض بحرف يقتضي الترتيب فإن الأولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وههنا لا تقع الاولى حين نطقه بها حتى يتم كلامه بدليل أنه لو ألحقه استثناءا أو شرطاً لحق به ولم يقع الأول مطلقاً ولو كان يقع حين نطقه لم يلحقه شئ من ذلك، وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فإنه يقع عند تمام كلامه على الوجه الذي اقتضاه لفظه ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعات، فإن قيل إنما أوقعنا أول الكلام على آخره مع الشرط والاستثناء لأنه معبر له والعطف لا يعبر فلا يتوقف عليه، ويتبين أنه وقع أول ما لفظ به وكذلك لو قال لها أنت طالق أنت طالق لم يقع إلا واحدة، قلنا ما لم يتم الكلام فهو عرضة للتغيير اما بما يخصه بزمن أو يقيده بقيد كالشرط وإما بما يمنع بعضه كالاستثناء، وإما بما يبين عدد الواقع كالصفة بالعدد واشباه هذا فيجب أن يكون واقعاً ولولا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث بحال لأنه لو قال لها أنت طالق ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثاً لم يكن أن يقع شي آخر وأما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ولو تعقب إحداهما شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول الأخرى فلا وجه لوقوف إحداهما على الأخرى والمعطوف مع

ص: 343

المعطوف عليه شئ واحد لو تعقبه شرط لعاد إلى الجميع ولأن المعطوف لا يستقل بنفسه ولا يفيد بمفرده بخلاف قوله أنت طالق فانها جملة مفيدة لا تعلق لها بالأخرى فلا يصح قياسها عليها (فصل) فإن قال أنت طلق طلقتين ونصفاً فهي عندنا كالتي قبلها تقع الثلاث وقال مخالفونا تقع طلقتان

(فصل) وإذا قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم قال أردت أن أوقع بعدها طلقة دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين.

وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال أردت أني طلقتها قبل هذا في نكاح آخر أو أن زوجا قبلي طلقها دين، وهل يقبل في الحكم؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقبل (والثاني) لا يقبل (والثالث) يقبل إن كان وجد، والصحيح أنه لا يقبل إذا لم يكن وجد لأنه لا يحتمل ما قاله.

(فصل) فإن قال أنت طالق طالق طالق وقال أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام تكرار للتأكيد كقوله عليه السلام " فنكاحها باطل باطل باطل " وإن قصد الايقاع وتكرار اللفظان طلقت ثلاثاً.

وإن لم ينو شيئاً لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا تكن متغايرات، وإن قال أنت طالق وطالق وطالق وقال أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لأنه غاير بينهما وبين الأولى بحرف يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع.

وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها فإن قال أردت بها التوكيد دين وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين

ص: 344

(إحداهما) يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه كرر لفظ الطلاق مثل الاول فقبل تفسيره بالتأكيد كما لو قال أنت طالق أنت طالق والثانية لا يقبل لأن حرف العطف للمغايرة فلا يقبل منه ما يخالف ذلك كما لا يقبل في الثانية ولو قال أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو فإن غاير بين الحروف فقال أنت طالق وطالق ثم طالق ثم طالق وطالق أو طالق وطالق فطالق ونحو ذلك فلم يقبل في شئ منها إرادة التوكيد لأن كل كلمة مغايرة ما قبلها مخالفة لها في لفظها والتوكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته (فصل) فإن قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وقال اردث التوكيد بالثانية والثالثة قبل لانه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا يعاد توكيداً وإن قال أنت طلقة ومسرحة ومفارقة وقال أردت التوكيد أحتمل أن يقبل منه لأن اللفظ المختلف يعطف بعضه على بعض توكيداً * فالفي قولها كذبا ومينا * ويحتمل أن لا يقبل لأن الواو تقتضي المغايرة فأشبه

ما لو كان بلفظ واحدا * (مسألة) * (والمعلق كالمنجز في حكم المدخول بها وغيرها) فلو قال إن دخلت الدار فانت طالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثاً وبه قال أبو يوسف

ص: 345

ومحمد وأصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة تقع واحدة لأن الطلاق المطلق إذا وجدت الصفة يكون كأنه أوقعه في الحال على تلك الصفة ولو أوقعه كذلك لم يقع إلا واحدة ولنا أنه وجد شرط وقوع ثلاث طلقات غير مرتبات فوقع الثلاث كما لو قال إن دخلت الدرا فانت طالق وكرر ذلك ثلاثاً فدخلت فانها تطلق ثلاثاً في قول الجميع * (مسألة) * (وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقة فدخلت طلقت طلقتين وذكر مثل هذا بعض أصحاب الشافعي ولم يحك عنهم فيه خلافاً وكذلك إذا قال طلقة مع طلقة فدخلت * (مسألة) * (وإن قال لغير مدخول بها أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار وإن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت واحدة فبانت بها ولم تطلق غيرها) وبهذا قال الشافعي وذهب القاضي إلى أنها تطلق في الحال واحدة تبين بها وهو قول أبي حنيفة في الصورة الأولى لأن ثم تقطع الأولى عما بعدها للمهلة فتكون الأولى واقعة والثانية معلقة بالشرط وقال أبو يوسف ومحمد لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لأن دخول الدار شرط للثلاث فوقعت كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق وطالق وطالق ولنا أن ثم للعطف وفيها ترتيب فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لأن العطف لا يمنع تعلق الشرط

ص: 346

بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط وفي هذا انفصال عما ذكروه ولأن الأولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه كما لو لم يعطف عليها ولأنه جعل الأولى جزءاً للشرط وعقبه إياها بفاء التعقيب الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره ولأنه لو قال إن دخل زيد داري فاعطه درهما ثم درهما لم يجز أن يعطيه قبل دخوله فكذا ههنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد

في اللغة ولا أصل في الشرع فأما إن قال لمدخول بها إن دخلت الدار فانت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شئ حتى تدخل الدار فيقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وذهب القاضي إلى وقوع طلقتين في الحال وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون المعطوف عليه ويعلق به ما بعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاءه ما لم يوجد فيه الفاء التي يجازى بها دون ما وجدت يه تحكما لا يعرف عليه دليل ولا نعلم له نظيراً وإن قال لها إن دخلت الدار فانت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت ثلاثاً في قولهم جميعاً * (مسألة) * (وإن قال إن دخلت الدار فانت طالق ان دخلت فانت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال) وإن كرر ذلك ثلاثا طلقت ثلاثاً في قول الجميع لأن الصفة وجدت فاقتضى وقوع الطلاق والثلاث دفعة واحدة والله أعلم

ص: 347