الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عوضاً لم تبذله فوقع رجعياً من غير عوض كما لو قال أنت طالق وعليك ألف ولأن على ليست للشروط ولا للمعاوضة ولذلك لا يصح ثوبي على دينار *
(مسألة) * (وإن قال بألف فكذلك ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف)
يعني أن قوله أنت طالق بألف مثل قوله أنت طالق على ألف لأنها ليست من حروف الشرط والأولى أنها لا تطلق في قوله بألف حتى تختار فيلزمها الألف كما ذكره القاضي في على ألف لأنها إن لم تكن من حروف الشرط فهي للمعاوضة في قوله بعتك بكذا وزوجتك بكذا فإنه يصح البيع والنكاح بغير خلاف فإن قال أنت طالق ثلاثاً فقالت قد قبلت واحدة وقع الثلاث واستحق الألف لأن إيقاع الطلاق إليه وإنما علقه بعوض يجري مجرى الشرط من جهتها وقد وجد الشرط فيقع الطلاق وإن قالت
قبلت بألفين وقع ولم يلزمها الألف الزائد لأن القبول لما أوجبه دون ما لم يوجبه فإن قالت قبلت بخمسمائة لم يقع لأن الشرط لم يوجد وإن قالت قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع لأنه لم يرض بانقطاع رجعته عنها إلا بألف وإن قال أنت طالق طلقتين (إحداهما) بألف وقعت بها واحدة لأنها بغير عوض ووقعت الأخرى على قولها لأنها بعوض (فصل) إذا قال الأب طلق ابنتي وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعياً ولم يبرأ من شئ ولم يرجع على الأب ولم يضمن له لأنه برأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي قال
القاضي وقد قال أحمد أنه يرجع على الأب قال القاضي هذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب لا يصح فكان له الرجوع عليه كما لو غره فزوجه معيبة وإن علم أن ابراء الأب لا يصح لم يرجع عليه بشئ ويقع الطلاق رجعياً لأنه خلا عن العوض وفي الموضع الذي يرجع عليه يقع الطلاق بائناً لأنه بعوض فإن قال الزوج هي طالق إن أبرأتني من صداقها فقال قد أبرأتك لم يقع الطلاق لأنه لم يبرأ وروى عن أحمد أن الطلاق واقع فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق الطلاق على مجرد التلفظ بالابراء دون حقيقة البراءة وإن قال الزوج هي طالق إن أبرأتني من صداقها لم يقع لأنه علقه على شرط لم يوجد وإن قال الأب طلقها على ألف من مالها وعلي الدرك فطلقها طلقت بائناً لأنه بعوض وهو ما لزم الأب من ضمان الدرك ولا يملك الألف لأنه ليس له بدلها.
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو ميراثه منها) المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو الزوجة أو هما جميعاً لأنها معاوضة فتصح في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافاً ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما دونه صح ولا رجوع، وإن خالعته بزيادة بطلت الزيادة وهذا قول الثوري واسحاق، وقال أبو حنيفة له العوض كله وإن أجابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محاباتها له من الثلث كالأجنبي، وعن مالك كالمذهبين وعنه يعتبر بخلع مثلها، وقال الشافعي إن خالعت بمهر مثلها جاز وإن زاد فالزيادة من الثلث ولنا أنه لا يعتبر مهر المثل لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بما قدمناه واعتبار مهر
المثل يقوم له وعلى إبطال الزيادة أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئاً من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل كما لو أوصت له أو أقرت له، وأما قدر الميراث فلا تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه وإن صحت من مرضها ذلك صح الخلع وله جميع ما خالعها به لأننا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة * (مسألة) * (وإن خالعها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها لم تستحق أكثر من ميراثها) أما خلعه لزوجته فلا إشكال في صحته سواء كان بمهر مثلها أو أقل أو أكثر وإن أوصى لها بمثل ميراثها أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبنها لأخذته بميراثها وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك لانه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل الى إيصاله إليها وهي في حباله وطلقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث * (مسألة) * (وإن خالعها وحاباها فهو من رأس المال) مثل أن يخالعها بأقل من مهر مثلها أو يكون قادراً بألف فخالعها بمائة لم يحسب ما حاباها به من الثلث إذا كان في مرض موته ولا يعتبر من الثلث لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلأن يصح بعوض أولى ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شئ فإنه لو مات وله امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته (فصل) إذا خالع امرأة في مرضها بأكثر من مهرها فللورثة أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها
لأنها متهمة في أنها قصدت إيصال أكثر من ميراثه إليه وعند مالك إن زاد على مهر المثل فالزيادة مردودة وعنه أن خلع المريضة باطل وقال الشافعي الزيادة على مهر المثل محاباة تعتبر من الثلث وقال أبو حنيفة إن خالعها قبل دخوله بها بعد انقضاء عدتها فالعوض من الثلث ومثال ذلك امرأة اختلعت من زوجها بثلاثين لا مال لها سواها وصداق مثلها اثنا عشر فله خمسة عشر سواء قل صداقها أو كثر لأنها قدر ميراثه وعند الشافعي له ثمانية عشر اثنا عشر لانها قدر صداقها وثلث باقي المال بالمحاباة وهو ستة وإن كان صداقها ستة فله أربعة عشر لأن ثلث الباقي ثمانية
(فصل) مريض تزوج امرأة على مائة لا يملك غيرها ومهر مثلها عشرة ثم مرضت فاختلعت منه بالمائة ولا مال لها سواها فلها مهر مثلها ولها شئ بالمحاباة والباقي له ثم يرجع إليه نصف مالها بالمحاباة وهو خمسة ونصف شئ وصار مع ورثته خمسة وتسعون إلا نصف شئ يعدل شيئين فبعد الجبر يخرج به الشئ ثمانية فقد صح لها بالصداق والمحاباة ثمانية وأربعون وبقي مع ورثته اثنان وخمسون ورجع إليه بالخلع أربعة وعشرون فصار معهم ستة وسبعون وبقي للمرأة أربعة وعشرون وعند الشافعي يرجع إليهم صداق المثل وثلث شئ بالمحاباة فصار بأيديهم مائة إلا ثلث شئ يعدل شيئين فالشئ ثلاثة أثمانها وهو سبعة وثلاثون ونصف فصار لها ذلك ومهر المثل، رجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف فيصير بأيدي ورثته خمسة وسبعون وهو مثلا محاباتها وعند أبي حنيفة يرجع إليهم ثلث
العشرة وثلث الشئ فصار معهم ثلاثة وتسعون وثلث إلا ثلثي شئ فالشئ ثلاثة أثمانها وهو خمسة وثلاثون مع العشرة صار لها خمسة وأربعون ورجع الى الزوج ثلثها صار لورثته سبعون ولورثتها ثلاثون هذا إذا مات بعد انقضاء عدتها وإن تركت المرأة مائة أخرى فعلى قولنا يبقى مع ورثة الزوج مائة وخمسة وأربعون إلا نصف شئ يعدل شيئين والشئ خمساً ذلك وهو ثمانية وخمسون وهذا الذي صحت المحاباة فيه صار لها ذلك وعشرة مهر المثل صار لها مائة وثمانية وستون يرجع الى الزوج نصفها أربعة وثمانون صار له مائة وستة عشر ولورثتها أربعة وثمانون (فصل) ولو خالعته بمحرم وهما كافران فقبضته ثم أسلما أو أحدهما لم يرجع عليها بشئ لأن الخلع من الكفار جائز سواء كانوا أهل ذمة أو أهل حرب لأن من ملك الطلاق ملك المعاوضة عليه كالمسلم فإن تخالعا بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا الى الحاكم أمضى ذلك بينهما كالمسلمين وإن كان بمحرم كخمر وخنزير فقبضته ثم أسلما وترافعا إلينا أو أسلم أحدهما امضى ذلك عليهما ولم يعرض له ولم يزده ولم يبق له عليها شئ كما لو أصدقها خمراً ثم أسلما أو تبايعا خمرا وتقابضا ثم أسلما وإن كان اسلامهما أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر باقباضه لأن الخمر والخنزير لا يكون عوضاً لمسلم أو من مسلم ولا يأمر الحاكم باقباضه قال القاضي في الجامع ولا شئ له لأنه رضي منها ما ليس بمال كالمسلمين
إذا تخالعا بخمر وقال في المجرد يجب مهر المثل وهو مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فرجع إلى قيمة المتف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على أنه يجب لأن تخصيصه بحالة القبض ينفي الرجوع
يدل على الرجوع مع عدم القبض، والفرق بينه وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد أن الخمر والخنزير مالا فإذا رضي به عوضاً فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن له شئ والمشرك يعتقده مالاً فلم يرض بالخلع بغير عوض فيكون العوض واجباً له كما لو خالعها على حر يظنه عبداً أو خمر يظنه خلا.
إذا ثبت أنه يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل كما لو تزوجها على خمر ثم أسلما وعلى ما عللناه به يقتضي وجوب قيمة ما سمى لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية ذلك فيكون له قدرة من المال كما لو خالعها على خمر يظنه خلا وإن حصل القبض في بعضه دون بعض سقط ما قبض وفيما لم يقبض الوجوه الثلاثة والأصل فيه قوله تعالى (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) * (مسألة) * (وإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقاً فخالع بمهرها فما زاد صح وان نقص من المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يتخير بين قبوله ناقصاً وبين رده وله الرجعة وإن عين له العوض فنقص منه لم يصح الخلع عند ابن حامد وصح عند أبي بكر ويرجع على الوكيل بالنقص) يصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفرداً وكل من صح أن يتصرف في الخلع لنفسه صح توكيله ووكالته حراً كان أو عبداً ذكرا أو انثى مسلما كان أو كافراً محجوراً عليه أو رشيداً لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع فصح أن يكون وكيلاً وموكلا كالحر الرشيد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً.
ويكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء: استدعاء الخلع أو الطلاق وتقدير العوض وتسليمه، وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء: شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق أو الخلع ويجوز
التوكيل مع تقدير العوض ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضة فصح كذلك كالبيع والنكاح، والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد، فإن وكل الزوج لم يخل من حالين (أحدهما) أن يقدر له العوض فإن خالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل ما أمر به وإن
خالع بأقل منه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الخلع وهو اختيار ابن حامد ومذهب الشافعي لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى ولأنه لم يؤذن له في الخلع بهذا العوض فلم يصح منه كالاجنبي (والثاني) يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول أبي بكر لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الاطلاق والأول أولى.
فإن خالف في الجنس مثل أن يأمره بالخلع على دراهم فيخالع على عبد أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالاً فخالع على عوض نسيئة فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح كالوكيل في البيع ولأن ما خالع به لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه، وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل، وقال القاضي: القياس أن يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه ويكون له ما خالع به قياساً على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع ولأن هذا خلع لم يأذن فيه الزوج فلم يصح كما لو لم يوكله في شئ ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضاً ما ملكته إياه المرأة ولا قصد هو تمليكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه، وأما المخالفة في القدر فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح فيها أيضاً لما تقدم (الحال الثاني) إذا أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالاً من جنس نقد البلد فإن خالع بذلك فما زاد صح
لأنه زاده خيراً، وإن خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه، وذكر القاضي احتمالين آخرين (أحدهما) أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه (والثاني) يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصاً وبين رده وله الرجعة فإن خالع بغير نقد البلد فحكمه حكم ما لو عين له عوضاً فخالع بغير جنسه وإن خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر والخنزير لم يصح الخلع ولم يقع الطلاق لأنه غير مأذون له فيه ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي، وسواء عين له العوض أو أطلق، وذكر في الجامع أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولا شئ على المرأة.
هذا إذا قلنا إن الخلع بغير عوض يصح وإن قلنا لا يصح لم يصح إلا أن يكون بلفظ الطلاق فيقع طلقة رجعية.
واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح فكذلك وكيل الزوج، وهذا القياس
غير صحيح فإن وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض ووكيل الزوجة يخلصها منه فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته عليه الا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدر له به صح ولزمها ولو خالع وكيل الزوج بدون العوض الذي قدره له لم يصح * (مسألة) * (وإن وكلت المرأة في خلعها فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح وإن زاد لم يصح ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة)
متى خالع وكيل المرأة بما عينته له فما دونه صح ولزمها ذلك لأنه زادها خيراً وإن خالعها بأكثر منه صح ولم تلزمها الزيادة لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمه للزوج فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال، وقال القاضي في المجرد عليها مهر مثلها ولا شئ على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي، والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته لأنها ما التزمت أكثر منه ولا وجد منها تغرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضاً أكثر مما بذل له الوكيل لأنه رضي بذلك عوضاً وهو عوض صحيح معلوم فلم يكن له أكثر منه أشبه ما لو بذلته المرأة فإن أطلقت الوكالة اقتضى خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعته بمهرها فما دون صح ولزمها وإن خالعته باكثر منه فهو كما لو خالع بأكثر مما قدرت له على ما مضى من القول فيه * (مسألة) * (وان تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق وعنه أنها تسقط) إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق، فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر فإن كانت قبضته ردت نصفه وإن كانت مفوضة فلها المتعة، وهذا قول عطاء والنخعي والزهري والشافعي، وقال أبو حنيفة ذلك براءة لكل واحد منهما مما لصاحبه عليه من المهر، وأما الديون التي ليست من حقوق الزوجية، فعنه فيها روايتان ولا تسقط النفقة في المستقبل، لأنها ما وجبت بعد.
ولنا أن المهر حق لا يسقط بلفظ الطلاق فلا يسقط بلفظ الخلع كسائر الديون ونفقة العدة
إذا كانت حاملاً، ولأن نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمبارأة كنفقة العدة والنصف لها لا تبرأ منه بقوله بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من حقوقه لا براءته من حقوقها، وعنه أنها تسقط كمذهب أبي حنيفة * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا قال خالعتك بألف فأنكرته وقالت إنما خالعت غيري بانت بإقراره والقول قولها مع يمينها في العوض لأنها منكرة وإن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف لأنها أقرت بها ولا يلزم الغير شئ إلا أن يقر به، فإن ادعته المرأة وأنكره الزوج فالقول قوله كذلك ولا يستحق عليها عوضاً لأنه لا يدعيه.
* (مسألة) * (وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها وكذلك إن اختلفا في صفة) حكاه أبو بكر نصاً عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة وعنه أن القول قول الزوج.
حكاها القاضي عن أحمد لأن البضع يخرج عن ملكه فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبه، وقال الشافعي يتحالفان لأنه اختلاف في عوض فيتحالفان فيه كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره، ولأن المرأة منكرة للزائد في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعي عليه " وأما التحالف في البيع فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا ينفسخ (فصل) فإن قال سألتني طلقة بألف فقالت بل سألتك ثلاثاً بألف فطلقتني واحدة، بانت بإقراره والقول قولها في سقوط العوض، وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم
فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف وإن خالعها على ألف فادعى أنها دنانير فقالت بل هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل، وإن قال أحدهما كانت دراهم قراضة وقال الآخر مطلقة فالقول قولها إلا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج في هاتين المسئلتين، وإن اتفقا على الاطلاق لزمه من غالب نقد البلد، وإن اتفقا على أنهما أرادا دراهم
قراضة لزمها ما اتفقا عليه، وإن اختلفا في الارادة كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد.
وقال القاضي إذا اختلفا في الارادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا فيجب المسمى في النكاح والأول أصح لأنهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب ألف من غالب نقد البلد ولم يكن إطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا، ولأنه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل كعبد مطلق والجهالة ههنا أقل فالصحة أولى * (مسألة) * (وإن علق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي، وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة) مثال ذلك إذا قال إن كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها فكلمت أباها فانها تطلق نص عليه أحمد، فأما ان وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى فظاهر
المذهب أنها تطلق، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق، نص عليه في العتق في رجل قال لعبده أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم رجع يعني فاشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق، وإن لم يكن دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فإن دخل عتق، فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود وجب أن يكون في الطلاق مثله بل أولى، لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لم تطلق ان تزوجها، ولو قال إن ملكت فلاناً فهو حر فملكه صار حراً وهذا اختيار أبي الحسن التميمي، وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث، وإن لم توجد في حال البينونة، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثاً ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف ثم دخلت الدار لا يقع عليها الطلاق وهذا مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن إطلاق الملك يقتضي ذلك فإن أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وإن لم توجد الصفة في البينونة ثم نكحها لم تنحل
في قول مالك وأصحاب الرأي واحد أقوال الشافعي، وله قول آخر لا تعود الصفة بحال وهو اختيار
المزني وأبي إسحاق لأن الايقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه، فأما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه فسقطت اليمين، وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها إلا بعقد جديد ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة، وقولهم إن هذا طلاق قبل نكاح قلنا يبطل بما إذا لم يكمل الثلاث، وقولهم تنحل الصفة بفعلها قلنا إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين حل وعقد ثم ثبت ان عقدها يفتقر إلى الملك فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل اليمين به، وأما العتق ففيه روايتان (إحداهما) أنه كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسئلتنا (والثانية) تنحل لأن الملك الثاني لا ينبني على الأول في شئ من أحكامه، وفارق النكاح فإنه ينبني على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن ينبني عليه في عود الصفة، ولأن هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن ابن ماجة وابن بطة رويا بإسناديهما عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال قوم يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياة قد طلقتك،
قد راجعتك قد طلقتك " وفي لفظ رواه ابن بطة " خلعتك وراجعتك " وروى بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتسحلوا محارم الله بأدنى الحيل " (فصل) فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل إن قال إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثاً، ثم أبانها ثم أكلته ثم نكحها لم يحنث لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني وما وجدت ولا يمكن إيقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله أعلم.
* (كتاب الطلاق) * وهو حل قيد النكاح وهو مشروع والأصل في مشروعية الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال سبحانه (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وأما السنة فروى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " متفق عليه في آي وأخبار سوى هذين كثير وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة دالة على
جوازه فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وإضراراً مجرداً بالزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه * (مسألة) * (ويباح عند الحاجة ويكره من غير حاجة وعنه أنه يحرم، ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضرراً) الطلاق على خمسة أضرب (واجب) وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفئة وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأيا ذلك (والثاني) مكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه لأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروهاً وقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته واعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراماً كإتلاف المال ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا اضرار "(والثانية) أنه مباح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وفي لفظ " ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق " رواه أبو داود (والثالث) مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر منها من غير حصول الغرض بها (والرابع) مندوب إليه وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها أو يكون له امرأة غير عفيفة قال أحمد لا ينبغي له امساكها وذلك لأن فيه نقصاً في دينه ولا يأمن افسادها فراشه
وإلحاقها به ولداً من غيره ولا بأس بعضلها في هذه الحال في التضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر (والخامس) المحظور وهو طلاق الحائض أو في طهر أصابها فيه وقد أجمع العلماء في جميع الامصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله ورسوله.
قال الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " وفي لفظ رواه الدارقطني بإسناده عن ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء " ولأنه إذا طلق في الحيض طول العدة عليها فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الإقراء الحيض وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن من أن تكون حاملاً فيندم وتكون مرتابة أتعتد بالحمل أو الإقراء؟ * (مسألة) * (ويصح من الزوج العاقل البالغ المختار ومن االصبي العاقل وعنه لا يصح حتى يبلغ)
أما صحة الطلاق من الزوج العاقل المختار فلا نعلم فيه خلافاً لأنه عقد معاوضة فصح منه كالبيع، وأما الصبي فإن لم يعقل فلا طلاق له بغير خلاف وأما الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته تبين منه وتحرم عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع، وذكره الخرقي واختاره أبو بكر وابن حامد وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي واسحاق وروى أبو طالب عن أحمد لا يجوز طلاقه حتى يحتلم وهو قول النخعي والزهري ومالك وحماد والثوري وأبي عبيد وذكر أبو عبيد أنه قول أهل العراق وأهل الحجاز وروي ذلك عن ابن عباس لقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم " ولأنه غير مكلف فلم يقع طلاقه كالمجنون ووجه الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ
بالساق - وقوله - كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله " وروي عن علي رضي الله عنه قال: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم أن فائدته أن لا يطلقوا.
ولأنه طلاق من عاقل صادف محل طلاق فأشبه طلاق البالغ (قصل) وأكثر الروايات عن أبي عبد الله تحديد من يقع طلاقه من الصبيان بكونه يعقل وهو اختيار القاضي وروى أبو الحارث عن أحمد إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة وهذا يدل على أنه لا يقع دون العشر وهو اختيار أبي بكر لأن العشر حد الضرب على الصلاة والصيام وصحة الوصية فكذلك هذا وعن سعيد بن المسيب إذا احصى الصلاة وصام رمضان جاز طلاقه وقال عطاء
إذا بلغ أن يصيب النساء وعن الحسن إذا عقل وحفظ الصلاة وصام رمضان وقال إسحاق إذا جاز اثنتي عشرة.
(فصل) ومن أجاز طلاقه اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره وقد أومأ إليه فقال في رجل قال لصبي طلق امرأتك فقال قد طلقتك ثلاثاً لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق قيل له فإن كانت له زوجة صبية فقالت له صير أمري إلي فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي؟ فقال أحمد ليس شيئاً حتى يكون مثلها يعقل الطلاق، وقال أبو بكر لا يصح أن يوكل حتى يبلغ، وحكاه عن أحمد ولنا أن من صح تصرفه في شئ مما تجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ وما روي عن أحمد من منع ذلك فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه وتأنى إن شاء الله تعالى (فصل) فأما السفيه فيقع طلاقه في قول أكثر أهل العلم منهم القاسم بن محمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ومنع منه عطاء والأولى صحته لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق فوقع طلاقه كالرشيد والحجر عليه في ماله لا يمنع من التصرف في غير ما هو محجور عليه فيه كالمفلس * (مسألة) * (ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه) أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلي وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي وقتادة وأبو قلابة والزهري ويحيى الانصاري ومالك
والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأجمعوا على ان الرجل في حال نومه أنه لا طلاق له وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل " وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله " رواه البخاري وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث عطاء عن ابن عجلان وهو ذاهب الحديث وروي عن علي بإسناده مثل ذلك ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال بجنون أو إغماء أو شرب دواء أو إكراه على شرب الخمر أو شرب ما يزيل عقله أو لم يعلم أنه مزيل للعقل فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافاً * (مسألة) * وإن كان بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان وكذا يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإيلائه) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في طلاق السكران فروي عنه أنه يقع اختارها أبو بكر الخلال والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبى والنخعي والحكم ومالك والاوزاعي والشافعي وابن شبرمة وأبي حنيفة وصاحبيه وسليمان بن حرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه " ومثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس، قال ابن عباس طلاق السكران جائز ان ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد
بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد وعنده عثمان وعلي وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت إن خالداً يقول إن الناس انهمكوا في الخمر وتحاقر والعقوبة قال عمر هؤلاء عندك فسلهم فقال علي نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ولأنه إيقاع طلاق من مكلف غير مكره صادق ملكه فوجب أن يقع كطلاق الصاحي ويدل على تكليفة أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون (والثانية) لا يقطع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضي الله عنه ومذهب عمر بن عبد العزيز
والقاسم وطاوس وربيعة ويحيى الأنصاري والليث والعنبري واسحاق وأبي ثور والمزني قال إبن المنذر هذا ثابت عن عثمان لا نعلم أحدا من الصحابة خالفه وقال أحمد حديث عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح يعني من حديث علي وحديث الأعمش عن منصور ولا يرفعها علي ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الارادة أشبه المكره ولان العقل شرط التكليف إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أن من كسر ساقه جاز له أن يصلي قاعداً ولو ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة ولو ضربت رأسه فجن سقط التكليف وحديث أبي هريرة لا يثبت وأما قتله وقذفه وسرقته فهو كمسئلتنا
(فصل) والحكم في عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته وإقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم في طلاقه لأن المعنى في الجميع واحد وقد روي عن أحمد بيعه وشرائه الروايتان وسألته ابن منصور إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو باع فقال أخبر عنه لا يصح من أمر السكران شئ وقال أبو عبد الله بن حامد حكم السكران حكم الصاحي فيما له وفيما عليه أما في ماله وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شئ وقد أومأ إليه أحمد والأولى أن ماله أيضاً لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته مما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح له وكذلك الحكم فيمن شرب أو أكل ما يزيل عقله لغير حاجة وهو يعلم قياساً على السكران في وقوع طلاقه وبهذا قال أصحاب الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها ولنا أنه زال عقله فأشبه السكران (فصل) وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره ونحو ذلك لأن الله تعالى قال (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول وروي عن عمر رضي الله
عنه أنه قال: استقرئوه القرآن أو ألقوا رداءة في الاردية فإن قرا أم القرآن أو عرف رداءه وإلا
فأقم عليه الحد ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى لأن ذلك لا يخفي على المجنون فغيره أولى.
(فصل) في المغمى عليه إذا طلق فلما أفاق وعلم أنه كان أغمي عليه وهو ذاكر لذلك فقال إذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه فقال أحمد يجوز طلاقه وقال في رواية أبي طالب في المجنون يطلق فقيل له لما أفاق إنك طلقت امرأتك فقال ما أنا أذكر اني طلقت ولم يكن عقلي معي فقال إذا كان يذكر أنه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنوناً إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به.
قال شيخنا وهذا والله أعلم فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، فأما من كان جنونه لنشاف أو كان متبرسماً فإن ذلك يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه) لا تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس
وابن الزبير وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد وشريح وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وابن عمر وايوب السختياني ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور وابو عبيد وأجازه أبو قلابة والشعبي والنخعي والزهري والثوري وابو حنيفة وصاحباه لأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فنفذ كطلاق غير المكره.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا طلاق في إغلاق " رواه أبو داود وقال أبو عبيد والقتيبي معناه في اكراه، وقال أبو بكر سألت ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا يريد الإكراه لأنه إذا أكره انغلق عليه رأيه، ويدخل في هذا المعنى المبرسم والمجنون ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعاً ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها (فصل) وإن كان الاكراه بحق كإكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربض إذا لم بقئ أو إكراهه الرجلين اللذين زوجهما الوليان ولم يعلم السابق منهما على الطلاق فإنه يقع لأنه قول حمل
عليه لحق فصح كإسلام المرتد إذا أكره عليه، ولأنه إنما جاز إكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم يقع لم يحصل المقصود.
* (مسألة) * (وإن هدده بالقتل وأخذ المال ونحوه قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به فهو إكراه، وعنه لا يكون مكرهاً حتى يناله شئ من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق واختاره الخرقي) أما إذا نيل بشئ من العذاب كالضرب والخنق والعصر والحبس والغط في الماء مع الوعيد فإنه يكون إكراهاً بلا إشكال لما روي أن المشركين أخذوا عماراً فأرادوه على الشرط فأعطاهم فأتى إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول " أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلته، فإن أخذوك مرة أخرى فافعل ذلك بهم " رواه أبو حفص بإسناده وقال عمر رضي الله عنه ليس الرجل أميناً على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراهاً.
فأما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان (احداها) ليس بإكراه لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه هو ما ورد في حديث عمار وفيه " إنهم أخذوك فغطوك " فلا يثبت الحكم الا فيما كان مثله (والثانية) أن الوعيد بمفرده إكراه قال في رواية ابن منصور حد الإكراه إذا خاف القتل أو ضرباً شديداً، وهذ قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعي لأن الإكراه لا يكون
إلا بالوعيد الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه ولا يخشى من قوعه وإنما أبيح له فعل المكروه عليه دفعاً لما يتوعد به من العقوبة فيما بعد وهو في الموضعين واحد لأنه متى توعد بالقتل وعلم أنه يقتله فلم يبح له فعل ما أفضى الى قتله وافضاؤه بيده إلى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة بالاكراه شيئاً لأنه إذا طلق في هذه الحال وقع طلاقه فيصل المكره إلى مراده ويقع الضرر بالمكره وثبوت الإكراه في حق من نيل بشئ من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره.
وقد روي عن عمر في الذي تدلى يشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل وقالت طلقني ثلاثاً والا
قطعته، فذكرها الله والإسلام فقالت لتفعلن أو لأفعلن، فطلقها ثلاثاً فردها إليه.
رواه سعيد باسناده وهذا كان وعيداً.
(فصل) ومن شرط الاكراه ثلاثة أمور (أحدها) أن يكون قادرا بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه.
وحكي عن الشعبي ان أكرهه النص لم يقع طلاق، وإن أكرهه السلطان وقع.
وقال ابن عيينة لأن اللص يقتله.
وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع، والذين أكرهوا عماراً لم يكونوا لصوصاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان عادوا فعد " لأنه إكراه فمنع وقوع الطلاق كإكراه اللص
(الثاني) أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه.
(الثالث) أن يكون فيما يستضر به ضرراً كبيراً كالقتل والضرب الشديد والحبس والقيد الطويلين، فأما السب والشتم فليس بإكراه رواية واحدة وكذلك أخذ المال اليسير.
فأما الضرب اليسير فان كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان في حق ذوي المروءات على وجه يكون إخراقاً لصاحبه وغضاً له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره، وإن توعد بتعذيب ولده فقد قيل ليس بإكراه لان الضرر لا حق بغيره والأولى أن يكون إكراهاً لأن ذلك أعظم عنده من أخذ ماله والوعيد بذلك إكراه فكذلك هذا.
(فصل) فإن أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه وإن أكره على طلقة فطلق ثلاثاً وقع أيضاً لأنه لم يكره على الثلاث، وإن طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها وإن خلصت نيته في الطلاق دون دفع الإكراه وقع لانه قصده واختاره ويحتمل أن لا يقع لأن اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى إلا مجرد النية فلا يقع بها طلاق، وإن طلق ونوى بقلبه غير امرأته وتأول في يمينه فله تأويله ويقبل قوله في نيته لان الاكراه دليل على تأويله، وإن لم يتأول وقصدها بالطلاق لم يقع لأنه معذور.
وذكر أصحاب الشافعي وجها أنه يقع لانه لا يكره على نيته
ولنا أنه مكره عليه لعموم ما ذكرنا من الأدلة ولأنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال فتفوت الرخصة
* (مسألة) * (ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا) واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته ولنا أنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فجاز أن ينفذ في العقد الفاسد إذا لم يكن في نفوذه إسقاط حق الغير ولأنه عقد يسقط الحد ويثبت النسب والعدة والمهر أشبه الصحيح، ووجه قول أبي الخطاب أنه ليس بعقد صحيح ولم يثبت به النكاح فلم يقع فيه الطلاق كالمتفق على بطلانه فإن اعتقد صحته وقع فيه الطلاق كالمتفق على صحة.
* (مسألة) * (وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه) لأنه إزالة ملك فصح التوكيل فيه كالعتق ولا يصح التوكيل إلا للبالغ العاقل، فأما الطفل والمجنون فلا يصح توكيلهما فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه، وقال أصحاب الرأي يقع ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلا يصح تصرفهم كما لو وكلهم في العتق، وإن وكل كافراً أو عبداً صح لأنهما ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلهما فيه، وان وكل امرأة صح لأنه يصح توكيلها
في العتق فصح في الطلاق كالرجل فانه جعله في يد صبي يعقل الطلاق انبنى ذلك على صحة طلاقه لزوجته وقد مضى ذلك، وقد نص أحمد ههنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال إذا قال لصبي طلق امرأتي ثلاثاً فطلقها ثلاثاً لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق ارأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه؟ فاعتبر طلاقه بالوكالة بطلاقه لنفسه وهكذا لو جعل أمر الصغيرة والمجنونة بيدها لم تملك ذلك، نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال لها أمرك بيدك فقالت اخترت نفسي، ليس بشئ حتى يكون مثلها يعقل لأنه تصرف بحكم التوكيل وليس من أهل التصرف، فظاهر كلام أحمد هذا أنها إذا عقلت الطلاق وقع طلاقها وان لم تبلغ كما قررناه في الصبي، وفيه رواية أخرى ان الصبي لا يصح طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه لأنها مثله في المعنى * (مسألة) * (وله أن يطلق متى شاء إلا أن يحل له حداً) لأن الفظ التوكيل يقتضي ذلك لكونه توكيلاً مطلقاً فأشبه التوكيل في البيع إلا أن يحد له حداً
فيكون على ما أذن له لأن الأمر إلى الموكل في ذلك لكون الحق له والوكيل نائبه فتنسب له الوكالة على ما يقتضيه لفظ الموكل، إن كان لفظه عاماً اقتضى العموم، وإن كان خاصاً اقتضى ذلك