المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل) - الشرح الكبير على المقنع - ط المنار - جـ ٨

[ابن أبي عمر]

فهرس الكتاب

- ‌(مسألة) * (وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما)

- ‌(مسألة) * (وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها)

- ‌(مسألة) * (أو دعاه فيما بعد اليوم الأول)

- ‌(مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر وإن كان نفلاً أو مفطراً استحب له الأكل وإن أحب دعا وانصرف)

- ‌(فصل في آداب الاكل) *

- ‌(باب عشرة النساء) *

- ‌(مسألة) * (وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها)

- ‌(مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل)

- ‌(مسألة) * (ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به)

- ‌(مسألة) * (وإن قال بألف فكذلك ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف)

- ‌(مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل ذلك إليه)

- ‌(باب الاستثناء في الطلاق)

- ‌(مسألة) * (وإن قال أنت طالق اثنتين إلا واحدة فعلى وجهين ذكرناهما، وذلك مبني على صحة استثناء النصف)

- ‌(مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق)

- ‌(مسألة) * (ولو قال أولا إن قمت فانت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام واحدة ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك)

- ‌(مسألة) * (إذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فالقول قولها)

- ‌(مسألة) * وإن طلق العبد زوجته اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق)

- ‌(مسألة) * (وإن قال والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار موليا)

- ‌(مسألة) * (فإن طلق واحدة فله رجعتها وعنه أنها تكون بائنة)

- ‌(مسألة) * وإن قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر)

- ‌(مسألة) * (فإن أعتقه عن كفارته وهو موسر فسرى إلى نصيب شريكه عتق)

- ‌(مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه)

الفصل: ‌(مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل)

لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تطرقوا اليساء ليلاً حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " فمنع من الطروق وأمر بامهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبتها له فههنا أولى * ‌

(مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل)

وللسيد استخدامها نهاراً وعليه إرسالها بالليل للاستمتاع بها لأنه زمانه وذلك لأن السيد يملك من أمته منفعتين الاستخدام والاستمتاع، فإذا عقد على احداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استطابتها كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار، فإن أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لأنه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها، وأن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك فقال

ما أدري؟ فيحتمل المنع منه لأنه يفوت حق الزوج منها فمنع منه كما لو أراد الزوج السفر بها ويحتمل أن له السفر بها لأنه مالك لرقبتها فهو كسيد العبد إذا زوجه (فصل) ويجوز للسيد بيعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك بدليل أن بيع بريرة لم يبطل نكاحها * (مسألة) * (وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع "

ص: 129

متفق عليه، ولقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وله السفر بها إلا أن تشترط بلدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه، فإن اشترطت بلدها فلها شرطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج " * (مسألة) * (ولا يجوز وطؤها في الحيض إجماعاً) لقول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) ولا يجوز وطؤها في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو هريرة رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ورويت إباحته عن عبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال ما رأيت أحداً اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أحله بقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم) وقوله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية.

ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن " وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " رواهما ابن ماجة، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " من

ص: 130

أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواهن كلهن الأثرم، فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فانزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم) من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتى متفق عليه، وفي رواية " ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج " والآية الأخرى المراد بها ذلك (فصل) فإن وطئها في دبرها فلا حد عليه لأن في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم وعليهما الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطئ في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة، فان كان الوطئ في أجنبية فعليه حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطئ زوجته في الدبر احصان انما يحصل بالوطئ في الفرج لأنه وطئ كامل بخلاف هذا ولا الإحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق عسيلة الرجل ولا تحصل به الفيئة لأن الوطئ لحق المرأة وحقها الوطئ في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الاذن في النكاح لأن بكارة الأصل باقية (فصل) فأما التلذذ بين الأليتين من غير إيلاج فلا بأس به لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر فهو مخصوص بذلك ولأنه حرم لأجل الأذى وذلك مخصوص في الدبر فاختص التحريم به * (مسألة) * (ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها)

ص: 131

معنى العزل أن ينزع إذا قرب الإنزال فينزل خارجاً من الفرج وهو مكروه، رويت كراهته عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود، وروي عن أبي بكر الصديق أيضاً لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال " تناكحوا تناسلوا تكثروا " وقال " سوداء ولود خير من حسناء عقيم " إلا أن يكون العزل لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب فتدعو حاجته إلى الوطئ ذكر الخرقي في هذه: أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده، أو تكون له أمة فيحتاج الى وطئها والى بيعها.

فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل عن إمائه فإن عزل من غير حاجة

كره ولم يحرم وقد رويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.

وروي أبو سعيد قال ذكر يعني العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال " فلم يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل فلا يفعل - فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها " متفق عليه، وعنه إن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن

ص: 132

اليهود تحدث أن العزل هي الموءدة الصغرى قال " كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه " رواه أبو داود ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها قال القاضي ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل، ويحتمل أن يكون مستحباً، لأن حقها في الوطئ دون الإنزال بدليل أنه يخرج به من الفيئة والعنة، وللشافعية في ذلك وجهان، والأول أولى لما روي عن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة ولأن لها في الولد حقها وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها.

(فصل) والنساء ثلاثة أقسام إحداهن زوجته الحرة فلا يجوز العزل عنها إلا بإذنها في ظاهر المذهب وقد ذكرنا ذلك.

(الثانية) : أمته فيجوز العزل عنها، نص عليه أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وذلك لأنه لا حق لها في الوطئ ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا الفيئة فلأن تملك المنع من العزل أولى.

(الثالثة) زوجته الأمة فالأولى جواز العزل عنها بغير إذنها وهو قول الشافعي استدلالاً بمفهوم الحديث المذكور.

وقال ابن عباس يستأذن الحرة، ولا يستأذن الأمة ولأن عليه ضرراً في إرقاق ولده بخلاف الحرة، ويحتمل أن لا يجوز إلا بإذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطئ في الفيئة والفسخ عند تعذره بالعنة فلم يجز

ص: 133

بغير إذنها كالحرة.

وقال أصحابنا لا يجوز العزل عنها إلا بإذن سيدها لأن الولد له والأولى جوازه

لأن تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ولأن السيد لا حق له في الوطئ فلا يجب استئذانه في كيفيته ويحتمل أن يكون استئذانها مستحباً لأن حقها في الوطئ لا في الإنزال بدليل خروجه بذلك من الفيئة والعنة.

* (مسألة) * (وله إجبارها على الغسل من الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات وأخذ الشعر الذي تعافه النفس إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض والنفاس وفي سائر الأشياء روايتان) وجملة ذلك أن للزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه فإن احتاجت الى شراء الماء فثمنه عليه لانه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل.

فإما الذمية ففيها روايتان.

(أحديهما) له اجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة (والثانية) : ليس له إجبارها.

وهو قول مالك والثوري فان الوطئ لا يقف عليه لاباحته بدونه، وللشافعي قولان كالروايتين، وفي إزالة الوسخ والدرن وفي تقليم الأظافر وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة، ويستوي في هذا المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها، وله إجبارها

ص: 134

على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة رواية واحدة ذكرها القاضي وكذلك الأظفار فإن طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان، وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم والكرات؟ على وجهين (أحدهما) له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع.

(والثاني) ليس له ذلك لأنه لا يمنع الوطئ، وله منعها من السكر وإن كانت ذمية لأنه يمنع الاستمتاع بها ويزيل عقلها ولا يأمن أن تجني عليه فأما شرب ما لا يسكر فله منع المسلمة منه لانهما يعتقدان تحريمه، وليس له منع الذمية منه نص عليه أحمد لأنها تعتقد إباحته في دينها، وله إجبارها على غسل فيها منه لما فيه من الرائحة الكريهة فهو كالثوم، وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد حل يسير النبيذ ومذهب الشافعي على نحو من هذا كله.

* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من كل أربع ليال إن كانت حرة) وجملة ذلك أن قسم الابتداء واجب ومعناه أنه إذا كانت له امرأة حرة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن له عذر، وإن كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع، وبه قال الثوري وأبو ثور، وقال القاضي في المجرد لا يجب قسم الابتداء إلا إن كان بترك الوطئ مضرة فإن كان تركه غير مضر لم يلزمه قسم ولا وطئ لأن أحمد قال إذا وصل الرجل الى امرأته مرة بطل أن يكون عنينا أي لا يؤجل.

وقال الشافعي لا يجب قسم الابتداء بحال لأن القسم لحقه فلم يجب عليه

ص: 135

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص " يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل "؟ قلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل " صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقاً " متفق عليه فأخبر أن للمرأة عليه حقاً وقد روى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالساً عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي والله أنه ليبيت ليله قائماً ويظل نهاره صائماً فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فجاء فقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال فإني أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض على البصرة روى ذلك عن عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة من وجوه هذا أحدهما وفي لفظ قال عمر نعم القاضي أنت، وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً ولأنه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته كالزيادة في النفقة على قدر الواجب.

* (مسألة) * (وإن كانت أمة فمن ثمال ليال ليلة) هذا اختيار شيخنا قال أصحابنا من كل سبع لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها

ص: 136

السابعة والاولى أولى ليكون على النصف مما للحرة فإن حق الحرة من كل ثمان ليلتان ولو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان وللأمة ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن فقسم بينهن سبعا فماذا نصنع في الليلة الثامنة إن أوجبنا عليه مبيتها عند حرة فقد زادها على ما يجب لها وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اختاره شيخنا تكون هذه الليلة الثامنة له إن أحب انفرد فيها وإن أحب بات عند الأولى مستأنفاً للقسم وإن كان عنده حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان حرتان وأمتان فلهن ست وله ليلتان وإن كانت أمة واحدة فلها ليلة وله سبع وعلى قول الأصحاب لها ليلة وله ست * (مسألة) * (وله الانفراد بنفسه فيما بقي وقد ذكرناه لأنه قد وفاهن حقهن فلم تجب عليه زيادة كما لو وفاهن حقهن من النفقة والكسوة والسكن) * (مسألة) * (وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة)

ص: 137

الوطئ واجب على الرجل إذا لم يكن عذر وبه قال مالك وقال القاضي لا يجب إلا أن يتركه للاضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه) ولنا ما تقدم في المسألة المتقدمة في أول الفصل ولأن في بعض الروايات حديث كعب حين قضى بين الرجل وامرأته قال إن لها عليك حقا بابعل تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع عنك العلل فاستحسن عمر قضاءه ورضيه ولأنه حق يجب بالاتفاق إذا حلف على تركه فيجب قبل أن يحلف كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا أنه لو لم يكن واجباً لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر مالا يجب ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى رفع ضرر الشهوة عن المرأة كالضائه الى رفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك ويكونء الوط حقاً لهما جميعاً ولأنه لو لم يكن لهما فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالامة (فصل) ويجب في كل أربعة أشهر مرة نص عليه أحمد ووجه أن الله تعالى قدره باربعة أشهر

في حق المولي فكذلك في حق غيره لأن اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدل على أنه واجب بدونها * (مسألة) * (فإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك إن لم يكن له عذر) وجملة ذلك أنه إذا سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطئ وإن طال سفره ولذلك لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد

ص: 138

رحمه الله ذهب الى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال ستة أشهر يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وإنما صار الى تقديره بهذا لحديث عمر، رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال بينما عمر بن الخطاب يحرس بالمدينه فمر بامرأة وهي تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه * وطال على أن لا خليل ألاعبه ووالله لولا خشية الله وحده * لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عنها عمر فقيل له هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث الى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك قالت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهراً راجعين وسئل أحمد كم للرجل يغيب عن أهله؟ قال يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له * (مسألة) * (فإن أتى شيئاً من ذلك لم يكن ثم عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما) قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول غداً أدخل بها إلى شهر يجبر على الدخول قال أذهب الى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولي وقال أبو بكر بن جعفر لم يرو مسألة بن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك

ص: 139

وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للأيلاء أثر ولا خلاف في اعتباره وقال بعض أصحابنا أن غاب أكثر من ذلك لغير عذر يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ

نكاحه، وروي ذلك عن أحمد ومن قال لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطئ وهو حاضر فههنا أولى وفي جميع ذلك لا يجوز الفسخ عند من يراه إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه، وعن أحمد ما يدل على أن الوطئ غير واجب فيكون هذا كله غير واجب لأنه حق له فلم يجبر عليه كسائر حقوقه وهذا مذهب والأول أولى لما ذكرنا (فصل) سئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة قال له إي والله يحتسب الولد فإن لم يرد الولد يقول هذه المرأة شابة لم لا يؤجر؟ وهذا صحيح وإن أبا ذر روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مباضعتك أهلك صدقة " قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال " أرأيت لو وضعه في غير حقه؟ ما كان عليه وزر " قال بلى قال " أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير؟ " ولانه وسيلة الى الولد وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره وسكون نفسه أو الى بعض ذلك * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني) لقول الله تعالى (وقدموا لأنفسكم) قال عطاء هي التسمية عند الجماع، وروى ابن عباس قال:

ص: 140

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً " متفق عليه (فصل) ويكره التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردان تجرد العيرين " رواه ابن ماجه وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه ولا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند الناس قال احمد ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله وقال أحمد في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع قال كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث بما كان بينه وبين أهله لما روي عن الحسن قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال " لعل أحدكم يحدث بما يصنع بأهله إذا خلا - ثم أقبل على النساء فقال - لعل إحداكن تحدث بما يصنع بها زوجها قال فقالت امرأة إنهم ليفعلون وإنا لنفعل فقال - لا تفعلوا فإنما

مثلكم كمثل الشيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون " وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لأن عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك.

* (مسألة) * (ولا يكثر الكلام حال الوطئ) لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تكثروا الكلام عند مجامعة

ص: 141

النساء فإن منه يكون الخرس والفأفاء ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه ويستحب أن يلاعب امرأته عند الجماع لتنهض شهوتها لتنال من لذة الجماع ما ناله، وقد روى عمر بن العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ " قلت وذلك إلي؟ قال " نعم إنك تقبلها وتغمزها وتلمسها فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها " * (مسألة) * (ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ) لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى الرجل حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها " ولأن في ذلك ضرراً عليها ومنعاً لها من قضاء شهوتها ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه يتمسح بها فإن عائشة قالت: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة * (مسألة) * (ولا بأس أن يجمع بين وطئ نسائه وإمائه بغسل واحد) لما روى أنس قال سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسل من نسائه غسلاً واحداً في ليلة واحدة ولأن حدث الجنابة لا يمنع الوطئ بديل إتمام الجماع ويستحب الوضوء عند معاودة الوطئ نص عليه

ص: 142

أحمد قال فإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس ولأن الوضوء يزيده نظافة ونشاطة فاستحب وإن إغتسل بين كل وطئين فهو أفضل فإن أبا رافع روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه

جميعاً فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وأطهر رواه الإمام أحمد في المسند وروى هذه الأحاديث التي في آداب الجماع كلها أبو حفص العكبري وروى ابن بطة بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل من أول الليل ثم أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة "(فصل) وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد إلا برضاهما صغيراً كان المسكن أو كبيراً لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة فاجتماعهما يثير الخصومة والمقابلة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيا بنومه بينهما في لحاف واحد فإن رضيا بأن يجامع إحداهما بحيث ثراه الأخرى لم يجز لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يجز برضاهما وإن اسكنهما في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت جاز إذا كان ذلك سكن مثلهما * (مسألة) * (ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرهما لأن فيه دناءة ولا يحدثها بما جرى بينهما ولا يحدث غيرها لما روي من حديث الحسن

ص: 143

(فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعجبون من سعد لأنا أغير منه والله أغير مني " وعن علي رضي الله عنه قال بلغني ان نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق أما تغارون انه لا خير فيمن لا يغار وقال محمد بن علي بن الحسين كان إبراهيم عليه السلام غيوراً وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب.

* (مسألة) * (وله منعها من الخروج من منزلها إلى مالها منه بد سواء ارادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما) قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها وقد روى ابن بطة في احكام النساء عن أنس أن رجلاً سافر ومنع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عيله وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول الله عليه وسلم " اتقي الله لا تخالفي زوجك "

فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم " إني قد غفرت لها بطاعة زوجها ولأن طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك واجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه * (مسألة) * (فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه) لما في ذلك من صلة الرحم وفي منعها منه قطيعة الرحم وحمل لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى

ص: 144

بالمعاشرة بالمعروف وليس هذا من المعاشرة بالمعروف فإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة ولأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع فإن كانت مسلمة فقال القاضي له منعها من الخروج إلى المساجد وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث منعه من منعها وهو قوله عليه الصلاة والسلام " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وروي أن ابن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فكانت تخرج الى المساجد وكان غيوراً فيقول لها لو صليت في بيتك فتقول لا أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا وقال أحمد في الرجل تكون له المرأة والأمة النصرانية يشتري لها زناراً قال لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له جاريته تعمل الزنانير؟ قال لا (فصل) وليس على المرأة خدمة زوجها في العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد وقال أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني عليها ذلك واحتجا بقصة علي وفاطمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى على ما كان خارجاً من البيت من عمل رواه الجوزجاني من طرق وقال الجوزجاني وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل " ورواه باسناده قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه

ص: 145

فكيف بمؤنة معاشة؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال " يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذ بها بحجر " وروي أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادماً يكفيها ذلك

ولنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فأما قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي وفاطمة فعلى ما يليق بها من الاخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الإيجاب كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بغرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها ولم يكن ذلك واجباً عليها وكذلك لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة ولكن الاولى فعل ما جرت به العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه.

* (مسألة) * (ولا تملك المرأة اجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها) أما إذا فعلت ذلك بإذنه جاز ولزم العقد لأن الحق لهما لا يخرج عنهما وإن كان بغير إذنه لم يصح لما يتضمن من تفويت حق زوجها وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويجوز في الآخر لأنه تناول محلا غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لأنه يفوت به الاستمتاع ويختل ولنا أنه عقد يفوت به حق من ينسب له الحق بعقد سابق فلم يصح كإجارة المستأجر فأما إن أجرت

ص: 146

المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تنقضي المدة لأن منافعها ملكت بالعقد السابق على نكاحه فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة وداراً مشغولة فإن نام الصبي واشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعها وبهذا قال الشافعي وقال مالك ليس له وطؤها إلا برضى الولي لأن ذلك ينفص اللبن ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي ولأنه يجوز له الوطئ مع إذن الولي فجاز مع عدمه لأنه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقوقه * (مسألة) * (وله أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه) وجملته أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها إلا أن يضطر إليها لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له المنع كالخروج من منزله فان اضطر الولد

إليها بأن لا يوجد مرضعة سواها ولا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب التمكين من إرضاعه لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته.

ص: 147

(فصل) فإن أرادت رضاع ولدها منه ففيه وجهان (أحدهما) أن له منعها من رضاعة ولفظ شيخنا في هذا الكتاب يقتضيه بعموم لفظه وهو قول الشافعي ولفظ الخرقي يقتضيه أيضاً لأنه يخل باستمتاعه منها فأشبه ما لو كان الولد من غيره وهذا ظاهر كلام القاضي (والثاني) ليس له منعها ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال فإن أرادت رضاع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وهكذا ذكره شيخنا في كتاب نفقة الأقارب في الكتاب المشروح لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الأمر وهو عام في كل واحدة ولا يصح من أصحاب الشافعي حمله على المطلقات لأنه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجراً لرضاع ولا غيره وقولنا فط الوجه الأول أنه يخل باستمتاعه قلنا لإيفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعاً كما أن قضاء دينه بدفع ماله فيه واجب سيما إذا تعلق به حق الولد في كونه مع أمه وحق الأم في الجمع بينها وبين ولدها وهذا ظاهر كلام ابن أبي موسى * (فصل) * في القسم الأول قال رضي الله عنه (وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم الأول) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وليس مع الميل معروف وقال سبحانه (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان إلى أحديهما جاء يوم القيامة

ص: 148

وشقه مائل " وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " رواهما أبو داود * (مسألة) * (وعماد القسم الليل إلا لمن معيشته بالليل كالحارس)

ولا خلاف في هذا وذلك لأن الليل لسكن والإيواء يأوي فيه الإنسان الى منزله ويسكن الى أهله وينام في فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش والخروج والكسب والاشتغال قال الله تعالى (وجعل الليل سكنا) وقال سبحانه (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة ليلة ويكون في النهار في معاشه فيما شاء مما يباح له إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحارس ومن أشبه فإنه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره (فصل) والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه وقالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي في يومي وإنما قبض صلى الله عليه وسلم نهاراً ويتبع اليوم الليلة الماضية لأن النهار تابع لليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه بعد غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه من بعد

ص: 149

غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وإن أحب أن يجعل النهار مضافاً الى الليل الذي يعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت * (مسألة) * (وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر إلا بقرعة) متى كان عنده نسوة لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة ولأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أفرع بين نسائه فمن خرجت لها القرعة خرج بها معه متفق عليه فالقرعه في السفر منصوص عليها وابتداء القسم مقيس عليه * (مسألة) * (إذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية) لتعين حقها فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية الى الثانية بغير قرعة لأن حقها متعين فإن كن ثلاثاً أقرع في الليلة الثانية للبداءة باجدى الباقيتين فإن كن أربعاً أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة الى الرابعة بغير قرعة ولو أقرع في الليلة الاولى فجعل سهما للأولى وسهما

للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرجها عليهن مرة واحدة جاز وكانت لكل واحدة ما خرج لها * (مسألة) * (وليس عليه التسوية بينهن في الوطئ بل يستحب) ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب الشافعي وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل الى

ص: 150

إحداهما دون الأخرى قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قال عبيدة السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فانه أبلغ في العدل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بينهن فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبلة ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبلة واللمس ونحوهما لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى (فصل) وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن قال أحمد في الرجل له امرأتان له ان يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكنى إذا كانت الاخرى في كفاية ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق فلو وجبت لم يمكنه القيام بها إلا بحرج فسقط وجوبها كالتسوية في الوطئ * (مسألة) * (ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية) وبهذا قال علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب ومسروق والشافعي واسحاق وأبو عبيد وذكر أبو عبيد أنه مذهب الثوري والاوزاعي واهل الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه يسوي بين الحرة والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء فكذلك هذا ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة

ص: 151

ليلتين رواه الدارقطني واحتج به أحمد ولأن الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها الإيواء ويخالف النفقة والسكنى فانه مقدر بالحاجة وحاجتها كحاجة الحرة وأما قسم الابتداء فإنما شرع

ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي مسئلتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما (فصل) والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعاً حرتين فليلة وليلة قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعي والنخعي والزهري والحكم وحماد ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة لا يتم تسليمها ولا يحتمل لها الايواء التام بخلاف الكتابية (فصل) فإن أعتقت الأمة في ابتداء مدتها أضاف الى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وإن كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساوياً ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت لها بعد استيفاء حقها وإن عتقت قسم للحرة ليلة لم يزدها على ذلك لأنهما تساويا فسوى بينهما (فصل) والحق في القسم للامة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لان الابواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت

ص: 152

اسقاطه، وذكر القاضي أن قياس قول أحمد أنه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها أن لا يجوز هبتها لحقها من القسم إلا باذنه، وهذا لا يصح لأن الوطئ لا يتناوله القسم فلم يكن للمولى فيه حق ولأن المطالبة بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دون سيدها فلا وجه لإثبات الحق له ههنا (فصل) ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخصي وبذلك قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأن القسم للأنس وذلك حاصل ممن لا توطأ وقد روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور على نسائه ويقول " أين أنا غداً أين أنا غداً " رواه البخاري، فإن شق عليه ذلك استأذنهن في الكون عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء فاجتمعن قال " إني لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن " فأذن له رواه أبو داود.

فإن لم يأذن له أقام عند احداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعاً

إن أحب، فإن كان الزوج مجنونا لا يخاف منه طاف به الولى عليهن وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس ولا فائدة فإن لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة لأنه حق ثبت في ذمة فلزمه إيفاؤه حال الافاقة كالمال * (مسألة) * (ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن

ص: 153

سواء في القسم) وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وكذلك التي ظاهر منها لأن القصد الايواء والسكن والأنس وهو حاصل لهن، فأما المجنونة فإن كانت لا يخاف منها فهي كالعاقلة، وإن خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه ولا يحصل لها أنس ولا بها * (مسألة) * (فان دخل في ليلتها الى غيرها لم يجز إلا لحاجة داعية فإن لم يلبث لم يقض وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي لها ذلك من حق الأخرى) وجملة ذلك أنه إذا دخل في زمنها الى ضرتها فإن كان ليلاً لم يجز إلا لضرورة مثل أن يكون منزولاً بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لابد منه فإن فعل ولم يلبث أن خرج لم يقض وإن أقام وبرأت المرأة المريضة قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها، وإن دخل لحاجة غير ضرورية أثم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة لأنه لا فائدة في قضاء اليسير، وإن دخل عليها فجامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه قضاؤه لان الوطئ لا يستحق في القسم والزمن اليسير لا يقضى (والثاني) يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما وهذا هو الصحيح لأن اليسير مع الجماع أشق على ضرتها وأغبط لها من الكثير من غير جماع فكان وجوب قضائه أولى، فإما الدخول الى المرأة في يوم غيرها في النهار فيجوز للحاجة من دفع النفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لعبد عهده بها فيجوز لذلك ولما روت عائشة قالت كان

ص: 154

رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شئ إلا الجماع، وإذا دخل عليها لم يجامعها ولم يطل عندها لأن السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه، وفي الاستمتاع منها بما دون

الفرج وجهان (أحدهما) يجوز لحديث عائشة (والثاني) لا يجوز لأنه يحصل به السكن فأشبه الجماع فإن أطال المقام عندها قضاه وإن جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان على ما ذكرنا ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا إلا أنه لا يقضي إذا جامع في النهار.

ولنا أنه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع كالليل (فصل) فإن خرج من عند بعض نسائه في زمانها فان كان في النهار أو أول الليل أو آخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج الى الصلاة جاز فإن المسلمين يخرجون لصلاة العشاء ولصلاة الفجر قبل طلوعه، وأما النهار فهو للمعاش والانتشار، وإن خرج في غير ذلك ولم يلبث أن عاد لم يقض لها لأنه لا فائدة في قضاء ذلك وإن أقام قضاه لها سواء كانت إقامته لعذر من شغل أو حبس أو لغير عذر لأن حقها قد فات بغيبته عنها، وإن أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك ولأنه إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة منهما فبعضها أولى، ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت لأنه أبلغ في المماثلة والقضاء يعتبر فيه المماثلة كقضاء العبادات والحقوق، وإن قضاه من غيره من الليل مثل أن فاته في أول الليل فقضاه في

ص: 155

آخره أو بالعكس جاز في أحد الوجهين لأنه قد قضى بقدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم المماثلة.

إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن قضاؤه كله من ليلة الأخرى لئلا يفوت حق الأخرى فيحتاج الى قضاء، ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي منها وأما أن يقسم ليلة بينهن ويفضل هذه بقدر ما فات من حقها وله أن يترك من ليلة كل واحدة مثل ما فات من ليلة هذه، وأما أن يقسم المتروك بينهما مثل أن يترك من ليلة احداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الأخرى ساعة فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة (فصل) والأولى أن يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم هكذا ولأنه أصون لهن واستر حتى لا يخرجن من بيوتهن، فإن اتخذ لنفسه منزلاً يدعو إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها جاز ذلك لأن الرجل ينقل زوجته حيث شاء ومن امتنعت منهن من إجابته سقط حقها من القسم لنشوزها، وإن اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان له ذلك لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء، وإن حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه

بأن يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته إن كان ذلك سكنى مثلهن وإن لم يكن لم يلزمهن إجابته لأن عليهن في ذلك ضرراً، وإن أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض كما في غير الحبس (فصل) ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن، وقال القاضي

ص: 156

له أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن، والأولى مع هذه ليلة وهذه ليلة لأنه أقرب لعهدهن به، ويجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم ليلة ليلة ولأن التسوية واجبة وإنما جوزنا البداية بواحدة لتعذر الجمع فإذا بات عند إحداهن ليلة بقيت الليلة الثانية حقاً للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ولانه تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا ولأن للتأخير عليها ضرر فان لم يفعل فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضا المستحق كتأخير الدين الحال، والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق (فصل) فإن كانت امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فإما أن يمضي الى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه فيجمع بينهما في بلد واحد فإن امتنعت من القدوم مع الامكان سقط حقها لنشوزها، وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن

ص: 157

أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر أو أكثر أو أقل على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما (فصل) فإن قسم ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي ولا تبيت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة

استأنف القسم بينهما ولم يقض للناشز لأنها اسقطت حق نفسها، فإن كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشراً لتساويهن فإن نشزت إحداهن عليه وظلم واحدة فلم يقسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل للناشز خمسة ثم يستأنف القسم بين الجميع، فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي للمظلومة فانه يخص الجديدة بسبع إن كانت بكراً وثلاث إن كانت ثيبا ثم يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة * (مسألة) * (وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة) وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد الانتقال بنسائه الى بلد آخر فأمكنه استصحاب الكل في سفره فعل وليس له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن، فإن خص

ص: 158

إحداهن قضى للباقيات كالحاضر فان لم يمكنه الجمع أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعاً مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضي لأحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن، وإن أراد افراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضي للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيماً وانقطع حكم السفر عنه * (مسألة) * (ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى) وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد سفراً فأحب حمل نسائه كلهن معه أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعة، لأن القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر وههنا قد سوى، وإن أراد السفر ببعضهن لم يجز له ذلك إلا بقرعة، وهذا قول أكثر أهل العلم.

وحكي عن مالك أن له ذلك كن غير قرعة وليس بصحيح فإن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، متفق عليه ولأن في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلاً لها وميلاً إليها فلم يجز بغير قرعة كالبداية بها في القسم، وإن أحب المسافرة بأكثر من واحدة أقرع أيضاً فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فصارت القرعة لعائشة وحفصة، رواه البخاري.

ومتى

سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد

ص: 159

قدومه، وهذا قول أكثر أهل العلم.

وحكي عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها، ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل لكن إن كان مسافراً بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل قسم السفر فيتعذر القضاء.

ولنا أنه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضراً.

إذا ثبت هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها بمبيت ونحوه فأما زمان السير فلم يحصل لها منه إلا المشقة والتعب فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتاً عندها واستمتاعاً بها لمال كل الميل.

(فصل) فإن خرجت القرعة لاحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم فإن أراد السفر بغيرها لم يجز لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها الى غيرها وإن وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها فيجوز هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضاه كما لو وهبت ليلتها في الحضر وإن وهبته للزوج أو للجميع جاز، وإن امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج، وإن أبى فله اكراهها على السفر معه لما ذكرنا، وإن رضي بذلك استأنف القرعة بين البواقي، وإن رضي الزوجات

ص: 160

كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها فيصار الى القرعة، ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى.

وذكر القاضي احتمالا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي ولنا أنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم تجز المسافرة بإحداهن

دون الأخرى كما لا يحوز إفراد إحداهن بالقسم دون غيرها، ومتى سافر بإحداهن بقرعة ثم بدا له بعد السفر نحو أن يسافر الى القدس ثم يبدو له فيمضي الى مصر فله استصحابها معه لأنه سفر واحد قد أقرع له فإن أقام في بلدة مدة احدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بما لأنه في حكم السفر يجري عليه أحكامه وإن زاد على ذلك قضى الجميع مما أقامه لأنه خرج من حكم السفر وإن أجمع على المقام قضى ما أقامه وإن قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلد، أو بلدة أخرى لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقر أقرع له * (مسألة) * (وإن امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير اذنه سقط حقها من القسم) لا نعلم خلافاً في ذلك لأنها عاصية له بمنع نفسها منه فسقط حقها كالناشزة * (مسألة) * (وإن أشخصها هو فهي على حقها من ذلك)

ص: 161

نحو أن يبعثها في حاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين، ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها، كما لو اتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه، فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها، وإن سافرت معه فهي على حقها منهما جميعاً.

* (مسألة) * (وإن سافرت لحاجتها بإذنه فعلى وجهين) إذا سافرت المرأة في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم في أحد الوجهين، هذا الذي ذكره الخرقي والقاضي، وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر انها لا تسقط، وهو قول الشافعي لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه، ووجه الأول أن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها، وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل أن يسقط القسم وجهاً واحداً لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفر كان أولى ويكون في النفقة الوجهان

* (مسألة) * (وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإذنه أو له فيجعله لمن شاء منهن) لأن الحق لها وللزوج فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة

ص: 162

قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع ثابت في كل وقت انما منعته المزاحمة لحق صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها وإن كرهت لما لو كانت منفردة، وقد ثبت ان سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، متفق عليه ونحو ذلك في جميع الزمان وفي بعضه فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها، وروى ابن ماجة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شئ فقالت صفية لعائشة هل لك أن ترضي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي؟ فأخذت خماراً مصبوغاً بزعفران فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إليك يا عائشة إنه ليس يومك " قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالأمر فرضي عنها إذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض، وإن وهبتها لواحدة كفعل سودة جاز ثم إن كانت تلي ليلة الموهوبة والى بينهما، وإن كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما إلا برضا الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة لان الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها

ص: 163

كما لو كانت باقية للواهبة ولأن في ذلك تأخيراً لحق غيرها وتغييراً لليلتها بغير رضاها فلم يجز، وكذلك الحكم اذا وهبتها الزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها، وفيه وجه آخر أنه لا يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها * (مسألة) * (فمتى رجعت في الهبة عاد حقها ولها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض وليس لها الرجوع فيها مضى) لأنه بمنزلة المقبوض، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها

فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئاً لأن التفريط منها (فصل) فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالاً لزمها رده وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها فإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها عنها أو غيره جاز لأن عائشة أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره * (مسألة) * (ولا قسم عليه في ملك اليمين وله الاستمتاع بهن كيف شاء) ومن له نساء وإماء فله الدخول على الاماء كيف شاء والاستمتاع بهن إن شاء كالنساء، وإن شاء أقل وإن شاء أكثر، وإن شاء ساوى بين الاماء وإن شاء فضل، وإن شاء استمتع ببعضهن دون بعض، بدليل قول تعالى (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وريحانة فلم يقسم لهما ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بجب السيد ولاعنته ولا يضرب لها مدة الإيلاء * (مسألة) * (ويستحب التسوية بينهن لئلا يضر ببعضهن وأن لا يعضلهن إن لم يرد الاستمتاع بهن) إذا احتاجت الأمة الى النكاح وجب عليه إعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها * (فصل) * قال رحمه الله (وإذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً ثم دار، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً ثم دار) متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور وأقام عندها سبعاً إن كانت بكراً ولا يقضيها

ص: 164

للباقيات، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعاً فإنه يقيمها عندها ويقضي الجميع للباقيات.

روى ذلك عن أنس وبه قال الشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو عبيدة وابن المنذر.

وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى ابن عمر: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي، وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي: لا فضل للجديدة في القسم

فإن أقام عندها قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعاً.

ولنا ما روى أبو قلابة عن أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، قال ابو قلابة ولو شئت لقلت إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.

وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً وقال " ليس بك على اهلك هو ان إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي " رواه مسلم، وفي لفظ " وإن شئت ثلثت ثم درت " وفي لفظ رواه الدارقطني " إن شئت أقمت ثلاثاً خالصة لك وإن شئت سبعت لك ثم سبعت لنسائي " وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه قال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه، وليس مع ما خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة.

(فصل) والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) كقولنا (والثاني) الأمة على النصف من الحرة كسائر القسم (والثالث) للبكر من الاماء أربع وللثيب ليلتان تكميلاً لبعض الليلة.

ولنا عموم قوله عليه السلام " للبكر سبع وللثيب ثلاث " ولانه يراد للأنس وإزالة الاحتشام والأمة والحرة سواء في الاحتياج الى ذلك فاستويا فيه كالنفقة

ص: 165

* (مسألة) * (وإن زفت إليه امرأتان قدمت السابقة منهما ثم أقام عند الأخرى ثم دار وإن زفتا معا قدم إحداهما بالقرعة ثم أقام عند الأخرى) يكره أن تزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن يوفيهما وتستضر التي لا يوفيها حقها، فإن دخلت إحداهما إليه قبل الأخرى بدأ بها فوفهاها حقها ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم، وإن زفت الثانية في أثناء مدة العقد أتمه للأولى ثم قضى حق الثانية وإن دخلتا عليه جميعاً في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما ثم وفي للأخرى بعدها (فصل) وإذا كان عنده امرأتان فبات عند احداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم المزفوفة

بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها ليلتها ثم ثبت عند الجديدة ثم يبتدئ انقسم وذكر القاضي أنه إذا وفى الثانية ليلتها بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها الثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الأخرى فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بازاء حصل لكل واحدة من ضرتها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكاناً ينفرد فيه أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجئ منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء حقها بدون هذا الحرج فيكون أولى إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (وإن أراد السفر فخرجت القرعة لأحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد) إذا تزوج امرأتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه (والثاني) لا يقضيه لئلا يكون تفضيلاً لها على التي سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الإيواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر فيكون ميلاً

ص: 166

فيتعذر قضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمة في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجهاً واحداً وفيما زاد الوجهان، ويحتمل في المسألة وجهاً ثالثاً وهو أن يستأنف حق العقد لكل واحدة منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب الى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط (فصل) فإن كانت له امرأة فتزوج أخرى وأراد السفر بهما جميعاً قسم للجديدة سبعاً إن كانت بكراً وثلاثاً إن كانت ثيبا ثم يقسم بعد ذلك بينهما وبين القديمة وإن أراد السفر بإحداهما أقرع بينهما فإن خرجت قرعة الجديدة سافرت معه ودخل حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه * (مسألة) * (وإن طلق إحدى نسائه في ليلتها أتم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين

* (مسألة) * (وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس) لقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) أي لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار.

وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فيما ذكرنا فإن تعذر عليه المقام عندها ليلاً لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج الى صلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الجماعة لذلك ويخرج لما لابد له منه فإن أطال قضاه ولا يقضي اليسير * (فصل في النشوز) * وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها أرتفعت وتعالت عما وجب عليها من طاعته * (مسألة) * (فمتى ظهرت منها إمارات النشوز بأن لا تحبيبه إلى الاستمتاع أو تحبيبه متبرمة ومتكرهة

ص: 167

وعظها فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام فإن أصرت فله أن يضربها ضرباً غير مبرح) متى ظهرت من المرأة امارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الاثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة وما يباح له من هجرها وضربها لقول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) فإن أظهرت النشوز وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه او تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء لقول الله تعالى (واهجروهن في المضاجع) قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن أحمد إن عصت المرأة زوجها فله ضربها ضرباً غير مبرح ظاهر هذا إباحة ضربها لقول الله تعالى

(واضربوهن) ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي أن المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم عليه منزله فأراد إخراجه، وأما قوله (واللاتي تخافون نشوزهن) الآية ففيها اضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن اصررن فاضربوهن كما قال سبحانه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف أنه لا يضر بها لخوف النشوز قبل اظهاره وللشافعي قولان كهذين فإذا لم ترتدع بالهجر والوعظ فله ضربها لقول الله تعالى (واضربوهن) وقال النبي صلى الله عليه

ص: 168

وسلم " إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح " رواه مسلم ومعنى غير مبرح أي ليس بالشديد قال الخلال سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضرباً غير مبرح قال غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه المواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف وقد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال " إن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت " وروى عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم " ولا يزيد في ضربها على عشرة أصوات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " متفق عليه (فصل) وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي في تفسير قوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) قال علموهم أدبوهم وروى الحلال باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله عبداً علق في بيته سوطاً يؤدب أهله " فإن لم تصلي فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل لرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا

أبوها لم يضربها؟ والأصل في هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ عني شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألن رجلاً فيما ضرب امرأته " رواه أبو داود لأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيا وإن أخبر بغيره كذب (فصل) وإن خافت المرأة نشوز زوجها واعراضه عنها لرغبته عنها لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها لتسترضيه بذلك لقوله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) وروي البخاري عن عائشة (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي وعن عائشة أن سودة

ص: 169

بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله يومي لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قالت ففي ذلك أنزل الله جل شأنه وفي أشباهها أراه قال (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) رواه أبو داود ومتى صالحت على ترك شئ من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت فلها ذلك قال أحمد في الرجل يعيب على امرأته فيقول لها إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت * (مسألة) * (فإن ادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه له اسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الانصاف) وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فإن كان من المرأة فهو نشوز وقد ذكرناه وإن بان أنه من الرجل اسكنهما الى جنب ثقة يمنعه من الإضرار بها والتعدي عليها وكذلك إن بان من كل واحد منهما تعد او إدعى كل واحد منهما أن الآخر ظلمه اسكنهما الى جنب من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف لأن ذلك طريق الإنصاف فتعين فعله كالحكم بالحق * (مسألة) * (فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين) والأولى أن يكونا من أهلهما للآية بتوكيلهما ورضاهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من

جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع فما فعلا من ذلك لزمهما والأصل في ذلك قوله سبحانه (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) * (مسألة) * (فإن امتنعا من ذلك لم يجبرا عليه وعنه إن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو وكلت المرأة في بذل العوض وإلا جعل الحاكم إليهما ذلك) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه أنهما وكيلان لهما ولا يملكان التفريق إلا باذنهما وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي، وحكي عن الحسن وأبي حنيفة لأن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما (والثانية) أنهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما، روي نحو ذلك عن علي وابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي

ص: 170

والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي وإسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فسماهما حكمين ولم يعتبر رضى الزوجين ثم قال (إن يريدا إصلاحا) فخاطب الحكمين، بذلك، وروى أبو بكر باسناده عن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأة أتيا علياً مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علي ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، فبعثوا حاكمين ثم قال علي للحاكمين هل تدريان ما عليكما، من الحق؟ عليكما، من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة رضيت بكتاب الله على ولي.

فقال الرجل أما الفرقة فلا، فقال علي كذبت حتى ترضى بما رضيت به وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك، ويروى أن عقيلاً تزوج فاطمة بنت عقبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكماً من أهله عبد الله بن عباس وحكماً من أهلها معاوية، فقال ابن عباس لأفرقن بينهما، وقال معاوية ما كنت لافرق بين شخصين من بني عبد مناف، فلما بلغا الباب كانا قد أغلقا الباب واصطلحا، ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضى عنه الدين من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع (فصل) ولا يكون الحكمان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين لأن هذه من شروط العدالة سواء

قلنا هما حكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقاً بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلاً كما لو نصب وكيلاً لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لأنه يفتقر الى الرأي والنظر، فقال القاضي ويشترط كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لأن العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة.

قال شيخنا والأولى أن يقال ان كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لأن توكيل العبد جائز وإن كانا حاكمين اعتبرت الحرية لأن الحاكم لا يجوز أن يكون عبداً ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لأنهما يتصرفان في ذلك فيعتبر علمهما به والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال فإن كانا من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطاً في الحكم ولا الوكالة فكان الأمر بذلك إرشاداً واستحباباً، فإن قلنا هما وكيلان فلا يفعلان شيئاً حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح أو تأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه، فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا، وإن قلنا إنهما حكمان فإنهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ حكمهما عليه رضياه أو أبياه

ص: 171

* (مسألة) * (فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الرواية الأولى وينقطع على الثانية، وإن جنا انقطع نظرهما على الرواية الأولى ولم ينقطع على الثانية) إذ اغاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين جاز لهما امضاء رأيهما إن قلنا إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة، وإن قلنا إنهما حكمان لم يجز لهما امضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم الوكيل لا بالحكم، وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته، وإن جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل ولا تبطل إذا قلنا انهما حاكمان لأن الحاكم يحكم على المجنون.

وذكر شيخنا في كتاب المغني أنه لا يجوز له الحكم أيضاً لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون.

(فصل) فإن شرط الحاكمان شرطاً أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشرطا ترك بعض النفقة والقسم لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضى الموكلين فبرضى الوكيلين أولى، وإن أبرأ وكيل المرأة

من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع، وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل.

إن لم ترض الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق

ص: 172

* (كتاب الخلع) * * (مسألة) * (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه) وجملة ذلك أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك (وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما شأنك؟ " قالت لا أنا ولا ثابت فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة يا رسول الله كلما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت ابن قيس " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها وهذا حديث صحيح ثابت الإسناد رواه الأئمة مالك واحمد وغيرهما وفي رواية للبخاري قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فردتها عليه وأمره ففارقها، وفي رواية فقال له " اقبل الحديقة

ص: 173

وطلقها تطليقة ولأن حاجتها داعية الى فرقته ولا تصل إليها إلا ببذل العوض فأبيح لها ذلك كشراء المتاع وبهذا قال جميع الفقهاء بالشام والحجاز قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا خالفه إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) الآية وروي عن بن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلاً لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)

ولنا الآية التي تلونا والخبر ولأنه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فيكون إجماعاً ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت شئ من ذلك إذا ثبت هذا فإنه يسمى خلعاً لأن المرأة ننخلع من لباس زوجها قال الله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بما تبذله قال الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به)(فصل) ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه أحمد فقال يجوز الخلع دون السلطان، وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال شريح والزهري ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وعن الحسن وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان

ص: 174

ولنا قول عمر وعثمان ولانه معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولأنه قطع عقد بالتراضي أشبه الاقالة: (فصل) ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها لأن المنع من الطلاق في الحيض لأجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تركهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز دفع اعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها ولأن ضرر تطويل العدة عليها والخلع بسؤالها فيكون ذلك رضى منها به ودليلاً على رجحان مصلحتها فيه * (مسألة) * (وإن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه لا يجوز) أي ان خالعته مع استقامة الحال كره لها ذلك ويصح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وعن أحمد ما يدل على تحريمه فإنه قال الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر وداود قال إبن المنذر روي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم وذلك لأن

ص: 175

الله تعالى قال (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا الا يقيما حدود الله) وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا الا يقيما حدود الله ثم قال (فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما فيما افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) ، وروى ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما باس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المختلعات والمتبرجات هن المنافقات " رواه أبو حفص وأحمد في المسند وذكره محتجاً به وهذا يدل على تحريم المخالعة من غير حاجة ولأنه اضرار واحتج من أجازه بقوله سبحانه (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال إبن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا حرمه الله في العقد وأجازه في الهبة قال شيخنا والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها في عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار * (مسألة) * (فأما إن عضلها لتفدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها إلا أن يكون طلاقاً فيكون رجعياً) يعني بعضلها مضاراً بها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفدي نفسها فإن فعلت فالخلع باطل والعوض مردود روي نحو ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي

ص: 176

والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري وبه قال مالك والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاص ولنا قول الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) ولانه عوض أكرهت على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والأجر في الإجارة وإذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق ووقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرجعة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة.

وان قلنان هو فسخ ولم ينوبه الطلاق لم يقع شئ لأن الخلع بغير عوض لا يقع على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى إنما رضي بالفسخ ههنا بالعوض فإذا لم

يحصل العوض فقال مالك إن أخذ منها شيئاً على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل لك إذا قلنا يصح الخلع بغير عوض فأما إن ضربها على نشوزها أو منعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لان لك لا يمنعهما أن لا يخافا الا يقيما حدود الله وفي بعض حديث حبيبة أنها كانت تحت ثابت بن قيس ضربها فكسر ضلعها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً فقال " خذ بعض مالها وفارقها " فعل رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلماً لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض الذي آتاها ولكن عليه اثم الظلم (فصل) فإن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن

ص: 177

لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) والاستثناء من النهي اباحة ولانها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى (فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر لا يجوز لأنه عوض أكرهت عليه أشبه ما لو لم تزن والعمل بالنص أولى * (مسألة) * ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا لأنه إذا ملك الطلاق وهو مجرد إسقاط من غير تحصيل شئ فلأن يملكه محصلاً للعوض أولى * (مسألة) * فإن كان محجوراً عليه دفع المال إلى وليه لأن ولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه * (مسألة) * (وإن كان عبداً دفع إلى سيده لأنه للسيد لكونه من اكتساب عبده واكتسابه له) وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه لأنه يملك اكتسابه وهو الذي يتصرف لنفسه، وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه فعلى قوله يصح قبض العبد والمحجور عليه لأن من صح خلعه صح قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس واحتج بقول أحمد ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وإن استهلكه لم يرجع على الواهب والمختلعة بشئ والمحجور عليه في معنى العبد والأولى أنه لا يجوز لأن العوض في

ص: 178

الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعة الى غير من هو له من غير إذن مالكه والعوض في خلع المحجور عليه ملك له إلا أنه لا يجوز تسليمه إليه لأن الحجر أفاد منعه من التصرف وكلام أحمد محمول على ما أتلفه العقد قبل تسليمه على أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه فانه لو رجع عليها لرجعت على العبد وتعلق حقها برقبته وهي ملك لسيد فلا فائدة في الرجوع عليها بما يرجع به فيما له وإن سلمت العوض الى المحجور عليه لم يبرأ فإن أخذه الولي منه برئت وإن أتلفه أو تلف كان لوليه الرجوع عليها به * (مسألة) * وهل للأب خلع ابنته الصغير أو طلاقها؟ على روايتين) (إحداهما) له ذلك قال أحمد في رجلين زوج أحدهما ابنه بابنة الآخر وهما صغيران ثم إن الأبوين كرها هل لهما أن يفسخا؟ قال قد اختلف في ذلك وكأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة إلا هذه الرواية فيخرج على قولين (أحدهما) يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لأنها ولاية يستفيد بها تمليك البضع فجاز أن يملك بها إزالته إذا لم يكن متهماً كالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون والاعسار وتزويج الصغير، والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك لقول

ص: 179

النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجه وعن عمر أنه قال إنما الطلاق لم يحل له الفرج ولانه اسقاط لحقه فلم يملكه كالإبراء من الدين وإسقاط القصاص ولأن طريقه الشهوة فلم يدخل في الآية والقول في زوجة عبده الصغير كالقول في زوجة ابنه الصغير لأنه في معناه فأما غير الأب فليس تطليق امرأة المولى عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوطئ الأب والحاكم على قول ابن حامد أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافاً * (مسألة) * (وليس له خلع ابنته الصغيرة بشئ من مالها) لأنه إنما ملك التصرف بمالها فيه الحظ وليس في هذا حظ بل فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبذل مالها ويحتمل أن يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه فإنه يجوز أن يكون لها الحظ فيه بتخليصها ممن يتلف مالها وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيراً ولا سفها فيجوز له بذل مالها لتحصيل حظها وحظ نفسها ومالها كما يجوز له بذله في مداواتها وفكها من الأسر، وهذا مذهب مالك

والاب وغيره من أوليائها في هذا سواء إذا خالعوا في حق المجنونه والمحجور عليها للسفه والصغر فأما ان خالع بشئ من ماله جاز لأنه يجوز من الأجنبي فمن الولي أولى * (مسألة) * (ويصح الخلع مع الزوجة) وقد ذكرناه ويصح مع الاجنبي بغير إذن المرأة مثل أن يقول الأجنبي للزوج طلق امرأتك بألف

ص: 180

علي وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو ثور لا يصح لأنه سفه فإنه يبذل عوضاً في مقابلة مالا منفعة له فيه فإن الملك لا يحصل له فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد بألف علي ولنا أنه بذل في اسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ثمنه مع أنه لا يسقط حقاً عن أحد فهنا أولى ولانه حق على المرأة يجوز أن يسقطه عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فإنه تمليك فلا يجوز بغير رضى من ثبت له الملك وإن قال طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن له صح ويرد عليه بمهرها.

* (مسألة) * (ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع)(فصل) إذا قالت له امرأته طلقني وضرتي بألف وطلقها وقع الطلاق بهما بائناً واستحق الألف على باذلته لأن الخلع من الأجنبي جائز وإن طلق احداهما فقال القاضي تطلق طلاقاً بائنا وتلزم الباذلة بحصتها من الألف وهذا مذهب الشافعي إلا أن بعضهم قال يلزمها مهر مثل المطلقة.

وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ ووقعت بها التطليقة إنما لا يلزم الباذلة ههنا شئ لأنه لم يجبها الى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت ولأنه قد يكون غرضها في بينونتهما جميعاً منه فإذا طلق احداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها (فصل) فإن قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم.

قال الشافعي الشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل لأن الشرط سلف في الطلاق والعوض

ص: 181

نقضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولاً وقال أبو حنيفة الشرط باطل والعوض صحيح لأن

العقد يستقل بذلك العوض.

ولنا أنها بذلت عوضاً في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت طلقني وضرتي بألف فإن لم يف لها بشرطها فعليه الأقل من المسمى أو الألف الذي شرطته ويحتمل ألا يستحق شيئاً من العوض لأنها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلم يستحقه كما لو طلقها بغير عوض * (مسألة) * (فإن خالعته الأمة على شئ معلوم بغير إذن سيدها كان في ذمتها تتبع به بعد العتق) الخلع مع الأمة صحيح سواء كان بإذن سيدها أو بغير إذنه لا الخلع يصح مع الأجنبي فمع الزوجة أولى ويكون طلاقها على عوض بائناً والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء فإن كان الخلع بغير إذن سيدها على شئ في ذمتها فانه يتبعها إذا عتقت لأنه رضي بذمتها وان كان على عين فقال الخرقي إنه يثبت في ذمتها مثله أو قيمته إن لم يكن مثلياً لأنها لا تملك العين وما في يدها من شئ فهو لسيدها فيلزمها كما لو خالعها على عبد فخرج حراً أو مستحقاً وقياس المذهب أنه لا شئ له لأنه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين فيكون راضياً بغير عوض فلا يكون له شئ كما لو قال خالعتك على هذا المغصوب أو هذا الحر وكذلك ذكر القاضي في المجرد فقال هو كالخلع على المغصوب لأنها لا تملكها وهذا قول مالك وقال الشافعي يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب

ص: 182

ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها ان سيدها أذن لها في ذلك ولم تكن صادقة أو جهل أنها لا تملك العين أو يكون اختياره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمة ويكون الرجوع عليها في حال عتقها لأنه الوقت الذي يملك فيه كالمعسر يرجع عليه في حال يساره ويرجع بقيمته أو مثله لأنه مستحق بعد تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته كالمغصوب (فصل) فإن كان الخلع بإذن السيد تعلق العوض بذمته في قياس المذهب كما لو أذن لعبده في أن يستدين ويحتمل أن يتعلق برقبة الأمة بناء على استئذانها بإذن سيدها وإن خالعته على معين بإذن السيد فيه ملكه وإن أذن في قدر من المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وإن أطلق الاذن اقتضى الخلع بالمسمى لها فإن خالعت به أو بما دونه لزم السيد وإن كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها

كما لو عين لها قدراً فخالعت بأكثر منه وإن كانت مأذوناً لها في التجارة سلمت العوض بما في يدها (فصل) والحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء لأنها لا تملك التصرف فيما في يدها بتبرع وما لا حظ فيه وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط نفقتها وبعض مهرها إن كانت غير مدخول بها وإذا كان الخلع بغير إذن السيد فالعوض في ذمتها يتبعها به بعد العتق وإن كان بإذن السيد سلمته بما في يدها وإن لم يكن في يدها شئ فهو على سيدها * (مسألة) * (وإن خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع ووقع طلاقه رجعياً أما المحجور عليها للفلس فيصح خالعها وبذلها للعوض)

ص: 183

لأن لها ذمة يصح تصرفها فيها ويرجعع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئاً في ذمتها وأما المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لأنه تصرف في المال وليس هي من أهله وسواء أذن فيه الولي أو لم يأذن لأنه ليس له الاذن في التبرعات وهذا كالتبرع وفارق الأمة لأنها أهل للتصرف تصح منها الهبة وغيرها من التبرعات بإذن سيدها وتفارق المفلسة لأنها من أهل التصرف فإن خالع المحجور عليها بلفظ يكون طلاقاً فهو طلاق رجعي ولا يستحق عوضاً وإن لم يكن اللفظ مما يقع به الطلاق كان كالخلع بغير عوض.

ويحتمل أن لا يقع الخلع ههنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع ببذله * (مسألة) * (والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ والمفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخاً لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين (والأخرى) هو طلاق بائن بكل حال) اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع إذا لم ينو به الطلاق فروي عنه أنه فسخ اختاره أبو بكر وروي ذلك عن ابن عباس وطاوس وعكرمة واسحاق وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي وروي عنه أنه طلقة بائنة بكل حال روى ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والزهري ومكحول وابن أبي نجيح ومالك والثوري الأوزاعي وأصحاب الرأي

ص: 184

وقد روي عن عثمان وعلي وابن مسعود لكن ضعف أحمد الحديث قال ليس لنا في الباب شئ أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى (الطلاق مرتان) ثم قال فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ثم قال (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها فلو كان الخلع طلاقاً لكان رابعاً، ولأنه فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكان فسخاً كسائر الفسوخ، ووجه الرواية الثانية أنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقاً ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصداً فراقها فكان طلاقاً كغير الخلع، وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا انها طلقة فخالعها مرة حسبت طلقة فنقص بها عدد طلاقه وإن خالعها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن قلنا هو فسخ لم تحرم عليه وإن خالعها مائة مرد، وهذا لخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه فأما إن بذلت العوض على فراقها فطلقها فهو طلاق لا اختلاف فيه وكذلك إن وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق أو لفظ الخلع أو المفاداة ونوى به الطلاق فهو طلاق أيضاً لأنه كناية نوى بها الطلاق فكانت طلاقاً كما لو كان بغير عوض، وإن لم ينو به الطلاق فهو الذي فيه الروايتان (فصل) والفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة الفاظ: خالعتك لأنه ثبت له

ص: 185

الفرق، والمفاداة لأنه ورد به في القرآن بقوله سبحانه (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية، وما عدا هذه مثل باريتك وابنتك فهو كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق وهذا قول الشافعي إلا أن له في لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته صح من غير نية لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى من النية فيه، وإن لم تكن دلالة حالة فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية سواء قلنا هو فسخ أو طلاق، ولا تقع الكناية إلا بنية ممن يلفظ به منهما ككنايات الطلاق مع صريحه

(فصل) ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوج قال القاضي هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون، وقد أومأ إليه أحمد، وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب الى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وأفنى بذلك ابن شهاب بعكبر واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا، فقال ابن شهاب المختلعة على وجهين مستبرئة ومفتدية فالمفتدية هي التي تقول لا أنا ولا أنت ولا أبرئك قسماً وأنا أفدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال انفسخ النكاح لأن إسحاق بن منصور روي عن أحمد قال قلت لأحمد كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال فهي فرقة، وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي

ص: 186

الله عنه من قبل مالاً على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعة فيها، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها ولا تزدد " ولم يستدع منه لفظاً ولأن دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه الى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا الأجر وإن لم يشترطا عوضا ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون لفظ كما لو سألته أن لا يطلقها بعوض ولأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولأن أخذ المال قبض بعوض فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب كقبض أحد العوضين في البيع ولأن الخلع إن كان طلاقاً فلا يقع بدون صريحه أو كنايته وإن كان فسخاً فهو أحد طرفي عقد النكاح، فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد، فأما حديث جميلة فقد رواه البخاري " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " وهذا صريح في اعتبار اللفظ، وفي رواية فأمره ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فإن القصة واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها " فجعل التفريق قبولاً لعوض ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشر التفريق فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه معلوم منه وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظاً ولا دلالة حال ولابد منه اتفاقاً.

ص: 187