الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
(مسألة) * (فإن طلق واحدة فله رجعتها وعنه أنها تكون بائنة)
وجملة ذلك أن الطلاق الواجب على المولى رجعي سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه وبهذا قال الشافعي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله في الولي فإن طلقها قال تكون واحدة وهو أحق بها وعن أحمد رواية أخرى أن فرقة الحاكم تكون بائناً ذكر أبو بكر الروايتين جميعاً وقال القاضي المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائناً فإن في رواية الأثرم وقد سئل إذا طلق عليه السلطان أتكون واحدة؟ فقال إذا طلق فهي واحدة وهو أحق بها، فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة، وقال أبو ثور طلاق المولي بائن سواء طلق هو أو طلق عليه الحاكم لأنها فرقة لدفع الضرر فكانت بائناً كفرقة العنة ولأنها لو كانت رجعية لم يندفع الضرر، وقال أبو حنيفة يقع الطلاق بانقضاء المدة بائناً، ووجه الأول أنه طلاق صادق مدخولاً بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعياً كالطلاق في غير الايلاء، ويفارق فرقة العنة لأنها فسخ لعيب وهذه طلقة ولأنه لو أبيح له إرتجاعها لم يندفع عنها الضرر وهذه يندفع عنها الضرر فهذه إذا ارتجعها ضربت له مدة أخرى ولأن العنين قد يئس من وطئه فلا فائدة في رجعته وهذا غير عاجز ورجعته دليل على رغبته فيها وإقلاعه عن الاضرار بها فافترقا * (مسألة) * (فإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين والأخرى يطلق الحاكم عليه) إذا امتنع المولي من الفيئة بعد التربص أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه أو امتنع من الوطئ بعد زوال عذره أمر بالطلاق فإن طلق وقع طلاقه الذي أوقعه واحدة كانت أو أكثر وليس للحاكم إجباره
على أكثر من طلقة لأنه يحصل الوفاء لحقها بها فإنها تفضي إلى البينونة والتخلص من ضرره، وإن امتنع من الطلاق طلق الحاكم عليه وبه قال مالك، وعن أحمد رواية أخرى ليس للحاكم الطلاق عليه لأن ما خير الزوج فيه بين أمرين لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أو أختان، فعلى هذا يحبسه أو يضيق عليه حتى يفئ أو يطلق وللشافعي قولان كالروايتين ووجه الرواية الأخرى أن ما دخلته النيابة وتعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين وفارق الاختيار فإنه ما تعين مستحقه وهذا أصح في المذهب وهو اختيار الخرقي وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق ولا يطلق عليه إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه حق لها وإنما الحاكم يستوفي لها الحق فلا يكون الا عند طلبها * (مسألة) * (فإن طلق واحدة فهو كطلاق المولي) يعني إذا طلق الحاكم واحدة فهل هي رجعية أو بائنة؟ على روايتين لأنه قام مقامه وناب عنه فكان حكمه حكم المولي وإن طلق الحاكم ثلاثاً أو فسخ جاز لأن المولي إذا امتنع من الفيئة والطلاق قام الحاكم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه المولي وإليه الخيرة فيه وإن شاء طلق واحدة وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثاً وإن شاء فسخ قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد وقال الشافعي ليس له إلا واحدة لأن إيفاء الحق يحصل بها فلم يملك زيادة عليها كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع ولنا ان الحاكم قائم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه كما لو وكله في ذلك وليس ذلك زيادة على حقها فإن حقها الفرقة غير أنها تتنوع وقد يرى الحاكم المصلحة في تحريمها عليه ومنعه رجعتها لعلمه بسوء قصده وحصول المصلحة ببعده قال أبو عبد الله إذا قال فرقت بينكما فإنما هو فسخ وإذا قال طلقت واحد فهي واحدة وإذا قال طلقت ثلاثاً فهي ثلاث * (مسألة) * (وإن ادعى أن المدة ما انقضت وادعت مضيها فالقول قوله في أنها لم تمض مع يمينه) وإنما كان كذلك لأن الاختلاف في مضي المدة ينبني على الخلاف في وقت يمينه فإنهما لو اتفقا
على وقت اليمين حسب من ذلك الوقت فعلم هل انقضت المدة أو لا وزال الخلاف، أما إذا اختلفا في
وقت اليمين فقال حلفت في غرة رمضان وقالت بل حلفت في غرة شعبان فالقول قوله لأنه يصدر من جهته وهو أعلم به فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في اصل الإيلاء، ولأن الأصل عدم الحلف في غرة شعبان فكان قوله في نفيه موافقاً للأصل ويكون ذلك مع يمينه في قول الخرقي وهو مذهب الشافعي وقال أبو بكر لا يمين عليه قال القاضي وهو أصح لأنه اختلاف في أحكام النكاح فلم تشرع فيه اليمين كما لو ادعى زوجية امرأة فانكرته، والأول أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعي عليه ولأنه حق لآدمي يجوز بذله فيستحلف فيه كالديون * (مسألة) * (فإن ادعى أنه وطئها فأنكرته وكانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه) اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي لأن الأصل بقاء النكاح والمرأة تدعي رفعه وهو يدعي ما يوافق الأصل فكان القول قوله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولأن هذا أمر خفي ولا يعلم إلا من جهته فقبل قوله فيه كقول المرأة في حيضها وتلزمه اليمين لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ونص أحمد في رواية الأثرم على أنه لا يلزمه يمين لأنه لا يقضى فيه بالنكول وهذا اختيار أبي بكر فأما إن كانت بكرا واختلفا في الإصابة وادعت أنها عذراء أريت النساء الثقات فإن شهدن بثيوبتها فالقول قوله وإن شهدن ببكارتها فالقول قولها لأنه لو وطئها زالت بكارتها، وظاهر كلام الخرقي أنه لا يمين ههنا لأنه قال في باب العنين فإن شهدن بما قالت أجل سنة ولم يذكر يمينه وهذا قول أبي بكر لأن البينة تشهد لها فلا تجب اليمين معها وقيل تجب عليها اليمين لاحتمال أن تكون العذرة عادت بعد زوالها وإن لم يشهد بها أحد فالقول قوله كما لو كانت ثيباً وهل يحلف؟ على وجهين مضى توجيههما
(كتاب الظهار) الظهار مشتق من الظهر وإنما خصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء لأن كل مركوب يسمى ظهراً لحصول الركوب على ظهره في الأغلب فشبهوا الزوجة بذلك وهو محرم لقول الله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ومعناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم قال الله تعالى (ما هن أمهاتهم - وقال سبحانه - وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن امهاتهم) والأصل في الظهار الكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب فقوله تعالى (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) والآية التي بعدها وأما السنة فروى أبو داود بإسناده عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت تظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم اشكوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول " اتق الله فإنه ابن عمك " فما برحت حتى نزل القرآن (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) فقال - يعتق رقبة - فقلت لا يجد فقال - يصوم شهرين متتابعين - فقلت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال - فليطعم ستين مسكيناً - قلت ما عنده من شئ يتصدق قال " فإني سأعينه بعرق من تمر - فقلت يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر قال - قد أحسنت اذهبي فاطعمي عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك - قال الاصمي العرق بفتح العين والراء هو ماسف من خوص كالزنبيل الكبير وروى أيضاً باسناده عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياضي قال كنت أصيب من النساء
ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتتايع حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شئ فلم ألبث أن نزوت عليها فلم أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرتبه الخبر فقال " أنت بذاك يا سلمة؟ " فقلت أنا بذاك يا رسول الله وأنا صابر لحكم الله فاحكم في ما أراد الله قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيري وضربت صفحة رقبتي قال " فصم شهرين متتابعين " قلت وهل أصبت إلا من الصيام؟ قال " فاطعم وسقا من تمر بين ستين مسكيناً " قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام قال - فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك - قال - فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها " فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمر لي بصدقتكم * (مسألة) * (والظهار أن يشبه امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد أو بها أو بعضو منها قيقول أنت علي كظهر أمي أو كيد أختي أو كوجه حماتي أو يقوم ظهرك أو يدك علي كظهر
أمي أو كيد أختي أو خالتي من نسب أو رضاع فمتى شبه امرأته بظهر من تحرم عليه على التأبيد فيقول أنت علي كظهر أمي فهذا ظهار إجماعاً) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول أنت علي كظهر أمي وفي حديث خويلة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها أنت علي كظهر أمي فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالكفارة (الضرب الثاني) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه كجدته وعمته وخالته وأخته فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والاوزاعي ومالك واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو جديد قولي الشافعي وقال في القديم لا يكون الظهار إلا بأم وجدة لأنها أم أيضاً لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالام فإذا عدل عنه لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم وأما الآية فقد قال فيها (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) وهذا موجود في مسئلتنا فجرى مجراه وتعليق الحكم بالأم لا يمنع الحكم في غيرها إذا كانت مثلها.
(الثالث) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه على التأبيد سوى الأقارب كالأمهات المرضعات والأخوات
من الرضاعة وحلائل الآباء والابناء وأمهات النساء والربائب اللاتي دخل بأمهن فهو ظهار أيضاً والخلاف فيها كالتي قبلها ووجه المذهبين ما تقدم ويزيد في الأمهات المرضعات في دخولها في عموم الأمهات وسائرهن في معناها فيثبت فيهن حكمها (فصل) وإن قال أنت عندي أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهاراً بمنزلة علي لأن هذه الألفاظ في معناه وإن قال جملتك أو بدنك أو جسمك أو ذاتك أو ذلك علي كظهر أمي كان ظهاراً لأنه اشار إليها فهو كقوله أنت وإن قال أنت كظهر أمي كان ظهاراً لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه كما لو قال أنت طالق وقال بعض الشافعية ليس بظهار لأنه ليس فيه ما يدل على أن ذلك في حقه
وليس بصحيح فإنها إذا كانت كظهر أمه فظهر أمه محرم عليه، وأما إذا شبه عضواً من امرأته بظهر أمه أو عضواً من اعضائها فهو مظاهر فلو قال فرجك أو ظهرك أو رأسك أو جلدك كظهر أمي أو بدنها أو رأسها أو يدها فهو مظاهر، وبهذا قال مالك وهو نص الشافعي وعن أحمد رواية أخرى انه ليس بمظاهر حتى يشبه جملة امرأته لأنه لو حلف بالله لا يمس عضواً منها لا يسري إلى غيره فكذلك المظاهرة ولأن هذا ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص لأن تشبيهه بجملتها تشبيه بمحل الاستمتاع بما يتأكد تحريمه وفيه تحريم لجملتها فيكون آكد وقال أبو حنيفة إن شبهها بما يحرم النظر إليه من الأم كالفرج والفخذ ونحوهما فهو مظاهر وإن
لم يحرم النظر إليه كالرأس والوجه لم يكن مظاهراً لأنه شبهها بعضو من أمه فكان مظاهراً كما لو شبهها بظهرها وفارق الزوجة فإنه لو شبهها بظهرها لم يكن مظاهراً والنظر إن لم يحرم فإن التلذذ يحرم وهو المستفاد بعقد النكاح (فصل) فإن قال كشعر أمي أو سنها أو ظفرها أو شبه شيئاً من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو من أعظائها لم يكن مظاهراً لأنها ليست من اعضاء الأم الثابتة ولا يقع الطلاق بإضافته إليها فكذلك الظهار وكذلك إن قال بروح أمي فان الروح لان توصف بالتحريم ولا هي محل للاستمتاع وكذلك الريق والعرق والدم فإن قال وجهي من وجهك حرام فليس بظهار نص عليه أحمد وقال هذا شئ يقوله الناس ليس شيئاً وذلك لأن هذا يستعمل كثيراً في غير الظهار ولا يؤدي معنى الظهار فلم يكن ظهاراً كما لو قال لا أكلمك.
(فصل) فإن قال أنا مظاهر أو علي الظهار أو علي الحرام أو الحرام لي لازم ولا نية له لم يلزمه شئ لأنه ليس بصريح في الظهار وإن نوى به الظهار أو أقترنت به قرينة تدل على إرادة الظهار مثل أن يعلقه على شرط مثل أن يقول علي الحرام إن كلمتك احتمل أن يكون ظهاراً لأنه أحد نوعي التحريم للزوجة فصح بالكناية مع البينة كالطلاق ويحتمل أن لا يثبت الظهار به لأن الشرع إنما ورد به بصريح لفظه، وهذا ليس بصريح فيه ولأنه يمين موجبة للكفارة فلم يثبت حكمه بغير الصريح كاليمين بالله تعالى.
(فصل) يكره أن يسمي الرجل امرأته بمن تحرم عليه كأمه وأخته وبنته لما روى أبو داود بإسناده عن أبي تميم الهجيمي أن رجلاً قال لامرأته يا أخته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أختك هي؟ " فكره ذلك ونهى عنه ولانه لفظ يشبه لفظ الظهار ولا تحرم بهذا ولا يثبت حكم الظهار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له حرمت عليك ولأن هذا اللفظ ليس بصريح في الظهار ولا نواه به فلا يثبت التحريم وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن إبراهيم عليه السلام أرسل إليه جبار فسأله عنها يعني عن سارة فقال إنها أختي ولم يعد ذلك ظهاراً * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كأمي كان مظاهرا فإن قال أردت كأمي في الكرامة أو نحوه دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين) إذا قال أنت علي كأمي أو مثل أمي ونوى الظهار فهو ظهار في قول عامة العلماء منهم أبو حنيفة وصاحباه والشافعي واسحاق وإن أطلق فقال أبو بكر هو صريح في الظهار وهو قول مالك ومحمد ابن الحسن.
وقال ابن أبي موسى فيه روايتان أظهرهما إنه ليس بظهار حتى ينويه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن هذا يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم فلم ينصرف إليه بغير نية
ككنايات الطلاق.
(والثانية) هو ظهار لأنه شبه امرأته بجملة أمه فكان مشبهاً لها بظهرها فيثبت الظهار كما لو شبهها به منفرداً قال شيخنا والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف فيقول إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار لأنه إذا أخرجه مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شئ أو الحث عليه وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ولأن كونها مثل أمه في صفتها وكرامتها لا يتعلق بشرط فيدل على أنه إنما أراد الظهار ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأدائها ويوجب اجتنابها وهو الظهار وإن عدم ذلك فليس بظهار لأنه محتمل لغيره احتمالاً كثيراً فلا يتعين الظهار فيه
بغير دليل ونحوه قول أبي ثور فأما إن قال أردت كأمي في الكرامة ونحو ذلك فإنه يدين لأن ما قاله محتمل ويقبل في الحكم في أصح الروايتين.
اختاره شيخنا لأنه لما احتمل الظهار وغيره ترجح عدم الظهار بدعوى الإرادة، (والثانية) لا يقبل لأنه لما قال أنت علي كأمي اقتضى أن يكون عليه فيها تحريم فأشبه ما لو قال أنت علي كظهر أمي
* (مسألة) * (وإن قال أنت كأمي أو مثل أمي ولم يقل علي ولا عندي فإن نوى به الظهار كان ظهاراً لأنه يحتمله) قال شيخنا وحكمه كما إذا قال أنت علي كأمي أو قال أنت أمي أو امرأتي أمي إن نواه أو كان مع الدليل الصارف له إلى الظهار فهو ظهار وإلا فلا.
وذكر أبو الخطاب فيها روايتين مثل قوله: أنت علي كأمي والأولى أن هذا ليس بظهار إذا أطلق لأنه ليس صريح في الظهار لكونه غير اللفظ المستعمل فيه فلا يكون ظهاراً بغير نية كما لو قال انت كبيرة مثل أمي ولأنه يحتمل التشبيه في التحريم وغيره فلا يجوز أن يتعين التحريم بغير نية فأما إن قال أمي امرأتي او مثل امرأتي لم يكن ظهاراً لأنه تشبيه لأمه وصف لها وليس بوصف لامرأته * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كظهر أبي ففيه روايتان)(إحداهما) هو ظهار لأنه شبهها بظهر من يحرم عليه على التأبيد أشبه الأم وكذلك إن شبهها بظهر غيره من الرجال أو قال أنت علي كظهر البهيمة أو أنت علي كالميته والدم قال الميموني قلت لأحمد إن ظاهر من ظهر الرجل قال فظهر الرجل حرام يكون ظهاراً وبهذا قال ابن القاسم صاحب مالك فيما إذا قال أنت علي كظهر أبي وروي ذلك عن جابر بن زيد
والرواية الثانية ليس بظهار وهو قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال أنت علي كمال زيد وهل فيه كفارة؟ على روايتين (أحدهما) فيه كفارة لأنه نوع تحريم أشبه ما لو حرم ماله (والثانية) ليس فيه شئ نقل ابن القاسم عن أحمد فيمن شبه امرأته بظهر الرجل لا يكون ظهاراً ولم
أر يلزمه فيه شئ وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه التشبيه بمال غيره وإن قال أنا عليك كظهر أمي أو حرام ونوى به الظهار فهل هو ظهار؟ على وجهين ذكره في المحرر * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها فعلى روايتين) إذا شبه امرأته بظهر من تحرم عليه تحريماً مؤقتا كأخت امرأته أو عمتها أو الأجنبية فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) أنه ظهار اختاره الخرقي وهو قول أصحاب مالك (والثانية) ليس بظهار وهو مذهب الشافعي لانها غير محرمة على التأبيد فلا يكون التشبيه بها ظهاراً كالحيض والمحرمة من نسائه، ووجه الرواية الأولى أنه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالأم ولأن مجرد قوله أنت علي حرام إذا نوى به الظهار ظهار، والتشبيه بالمحرمة تحريم فكان ظهارا، فأما الحائض فيباح الاستمتاع بها في غير الفرج والمحرمة يحل النظر إليها ولمسها لغير شهوة وليس في وطئ واحدة منهما حد بخلاف مسئلتنا، واختار أبو بكر أن الظهار لا يكون إلا من ذوات المحارم من النساء قال فبهذا أقول * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهراً) لأنه ليس بمحل للاستمتاع وفيه وجه آخر أنه يكون مظاهراً كما لو شبهها بظهر أبيه
* (مسألة) * (وإن قال أنت علي حرام فهو ظهار إلا أن ينوي طلاقاً أو يميناً فهل يكون ظهاراً أو ما نواه؟ على روايتين) إذا نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وإن نوى به الطلاق فقد ذكرناه في باب صريح الطلاق وكنايته، وإن أطلق ففيه روايتان (إحداهما) أنه ظهار ذكره الخرقي ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وحكاه ابراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي أنهم قالوا الحرام ظهار، وروى عن أحمد ما يدل على أن التحريم يمين وروي عن ابن عباس أنه قال التحريم يمين في كتاب الله عزوجل قال الله عزوجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ - ثم قال - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذ لم ينو به الظهار فليس بظهار وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي للآية المذكورة ولأن التحريم يتنوع منه ما هو
بظهار وبطلاق وبحيض وإحرام وصيام فلا يكون التحريم صريحاً في واحد منها ولا ينصرف إليه بغير نية كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق، ووجه الأولى أنه تحريم أوقعه في امرأته فكان بإطلاقه ظهاراً كتشبيهها بظهر أمه، قولهم إن التحريم يتنوع قلنا إلا أن تلك الأنواع منتفية ولا يحصل بقوله منها إلا الطلاق وهذا أولى منه لأن الطلاق تبين به المرأة وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية فكان أدنى التحريمين فكان أولى، فأما إن قال ذلك لمحرمة عليه بحيض أو نحوه ونوى الظهار فهو ظهار وإن قصد أنها محرمة عليه بذلك فليس بظهار لأنه يحتمل الخبر عن حالها ويحتمل إنشاء التحريم فيها بالظهار فلا يتعين أحدهما بغير تعيين
(فصل) فإن قال الحل علي حرام أو ما أحل الله علي حرام أو ما انقلب إليه حرام وله امرأة فهو مظاهر نص عليه أحمد في الصور الثلاث وذلك لانه لفظه يقتضي العموم فيتناول المرأة بعمومه وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها فهو آكد قال أحمد فيمن قال ما أحل الله علي حرام من أهل ومال: عليه كفارة الظهار هو يمين ويجزئه كفارة واحدة في ظاهر كلام أحمد هذا، واختار ابن عقيل أنه يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال لأن التحريم يتناولهما وكل واحد منهما لو انفرد أوجب كفارة فكذلك إذا اجتمعا.
ولنا أنها يمين واحدة فلا توجب كفارتين كما لو تظاهر من امرأتين أو حرم من ماله شيئين وما ذكره منتقض بهذا وفي قول أحمد هو يمين إشارة الى التعليل بما ذكرناه لأن اليمين الواحدة لا توجب أكثر من كفارة واحدة، فإن نوى بقوله ما أحل الله علي حرام وغيره من لفظات العموم المال لم يلزمه إلا كفارة اليمين لأن اللفظ العام يجوز استعماله في الخاص، وعلى الرواية الأخرى التي تقول إن الحرام بإطلاقه ليس بظهار لا يكون ههنا مظاهراً إلا أن ينوي الظهار (فصل) وإن قال أنت علي كظهر أمي حرام فهو صريح في الظهار لا ينصرف إلى غيره سواء نوى الطلاق أو لم ينوه وليس فيه اختلاف بحمد الله لأنه صرح بالظهار وبينه بقوله حرام وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي أو كأمي فكذلك وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، والقول الثاني إذا نوى الطلاق فهو طلاق وهو قول أبي يوسف ومحمد إلا أن أبا يوسف قال لا أقبل قوله في
نفي الظهار، ووجه قولهم أن قوله أنت علي حرام إذا نوى به الطلاق فهو طلاق، وزيادة قوله كظهر أمي بعد ذلك لا تنفي الطلاق كما لو قال قال أنت طالق كظهر أمي
ولنا أنه أتى بصريح الظهار فلم يكن طلاقاً كالتي قبلها، وقولهم أن التحريم مع نية الطلاق طلاق لا نسلمه وإن سلمناه لكنه فسر لفظه ههنا بصريح الظهار بقوله فكان العمل بصريح القول أولى من العمل بالنية (فصل) وإن قال أنت طالق كظهر أمي طلقت وسقط قوله كظهر أمي لأنه أتى بصريح الطلاق اولاً وجعل قوله كظهر أمي صفة له فإن نوى بقوله كظهر أمي تأكيداً للطلاق لم يكن ظهاراً كما لو أطلق وإن نوى به الظهار وكان الطلاق بائناً فهو كالظهار من الأجنبية لأنه أتى به بعد بينونتها بالطلاق وإن كان رجعياً كان ظهارا صحيحاً ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه أتى بلفظ الظهار في زمن هي زوجة، وإن نوى بقوله أنت طالق الظهار لم يكن ظهاراً لأنه نوى الظهار بصريح الطلاق وإن قال أنت علي كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معاً سواء كان الطلاق بائناً أو رجعياً لأن الظهار سبق الطلاق.
(فصل) وإن قال أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار معاً كان ظهاراً ولم يكن طلاقاً لأن اللفظ الواحد لا يكون ظهاراً وطلاقاً، والظهار أولى بهذا اللفظ فينصرف إليه، وقال بعض أصحاب الشافعي يقال له اختر أيهما شئت وقال بعضهم أن قال أردت الطلاق والظهار كان طلاقاً لأنه بدأ به وإن قال أردت الظهار والطلاق كان ظهاراً لأنه بدأ به فيكون ذلك اختياراً له ويلزمه ما بدأ به ولنا أنه أتى بلفظ الحرام ينوي به الظهار فكانت ظهاراً كما لو انفرد الظهار بنيته ولا يكون طلاقاً لأنه زاحمت نيته نية الظهار وتعذر الجمع والظهار أولى بهذه اللفظة لأن معناهما واحد وهو التحريم فيجب أن يغلب ما هو الأولى.
أما الطلاق فإن معناه الإطلاق وهو حل قيد النكاح وإنما التحريم حكم
له في بعض أحواله وقد ينفك عنه فإن الرجعية مطلقة مباحة، وأما التخبير فلا يصح لأن هذه اللفظة
قد ثبت حكمها حين لفظ بها لكونه أهلاً والمحل قابلا ولهذا لو حكمنا بأنه طلاق لكانت عدتها من حين أوقع الطلاق وليس إليه رفع حكم ثبت في المحل باختياره وإبداله بإرادته، والقول الآخر مبني على أن له الاختيار وهو فاسد على ما ذكرنا ثم إن الاعتبار بجميع لفظه لا بما بدأ به ولذلك لو قال طلقت هذه أو هذه لم يلزمه طلاق الأولى * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ويصح من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذمياً) كل زوج صح طلاقه صح ظهاره وهو البالغ العاقل مسلما كان أو كافراً حراً أو عبدا قال أبو بكر وظهار السكران مبني على طلاقه قال القاضي وكذلك ظهار الصبي مبني على طلاقه، قال شيخنا والأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا إيلاء لأنها يمين موجبة للكفارة فلم تنعقد يمينه كاليمين بالله تعالى ولأن الكفارة وجبت لما فيه من قول المنكر والزور وذلك مرفوع عن الصبي لكون القلم مرفوعاً عنه فأما ظهار العبد فهو صحيح، وقيل لا يصح ظهاره لأن الله تعالى قال (فتحرير رقبة) والعبد لا يملك الرقاب.
ولنا عموم الآية ولأنه مكلف يصح طلاقه فصح ظهاره كالحر وأما إيجاب الرقبة فإنما هو على من يجدها ولا ينفي الظهار في حق من لم يجدها كالمعسر فرضه الصيام، ويصح ظهار الذمي وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة لا يصح لأن الكفارة لا تصح منه وهي الرافعة للتحريم فلا يصح منه التحريم ودليل أن الكفارة لا تصح منه أنها تفتقر إلى النية فلا تصح منه كسائر العبادات ولنا أن من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم فأما ما ذكروه فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم
وكذلك الحد يقام عليه ولا نسلم أن التكفير لا يصح منه فإنه يصح منه العتق وإنما لا يصح منه الصيام فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة كما في حق العبد، والنية إنما تعتبر لتعيين الفعل للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في كنايات الطلاق ومن يخنق في الاحيان يصح ظهاره في إفاقته كما يصح طلاقه فيه (فصل) ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل والزائل العقل بجنون أو إغماء أو نوم أو غيره
وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا ولا يصح ظهار المكره، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو يوسف يصح ظهاره، والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في صحة طلاقه وقد مضى ذكره.
* (مسألة) * (ويصح من كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة أو ذمية ممكن وطؤها أو غير ممكن) وبه قال مالك والشافعي وقال أبو ثور لا يصح الظهار ممن لا يمكن وطؤها لأن الظهار لتحريم وطئها وهو ممتنع منه بغير اليمين.
ولنا عموم الآية ولأنها زوجة يصح طلاقها فصح الظهار منها كغيرها * (مسألة) * فإن ظاهر من أمته أو أم ولده لم يصح وعليه كفارة يمين ويحتمل أن تلزمه كفارة الظهار وممن روي عنه أنه لا يصح الظهار منهما أبن عمر وعبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي وربيعة والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن الحسن وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار وسليمان بن يسار والزهري وقتادة والحكم والثوري ومالك في الظهار من الأمة كفارة تامة لأنها مباحة
له فصح الظهار منها كالزوجة وعن الحسن والاوزاعي إن كان يطؤها فهو ظهار وإلا فلا لأنه إذا لم يطأها فهو كتحريم ماله، وقال عطاء عليه نصف كفارة حرة لأن الأمة على النصف من الحرة في كثير من احكامها وهذا من أحكامها فيكون على النصف ولنا قوله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) فخصهن به ولأنه لفظ تعلق به تحريم الزوجة فلا تحرم به الأمة كالطلاق، ولأن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فنقل حكمه وبقي محله قال أحمد قال أبو قلابة وقتادة إن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية ويلزمه كفارة يمين لأنه تحريم لمباح من ماله فكانت فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله، قال نافع حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله أن يكفر يمينه وعن أحمد عليه كفارة ظهار لأنه أتى بالمنكر من القول والزور وكما لو قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي قال أبو بكر لا يتوجه هذا على مذهب لأنه لو كانت عليه كفارة ظهار كان ظهاراً ويحتمل أن لا يلزمه شئ قاله أبو الخطاب بناء على قوله في المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي لا يلزمها شئ فإن قال لأمته أنت علي حرام فعليه كفارة يمين لقول الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك؟ - إلى قوله - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) نزلت في تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لجاريته في قول بعضهم ويخرج على الرواية الأخرى أن يلزمه كفارة ظهار لأن التحريم ظهار والأول هو الصحيح إن شاء الله تعالى.
* (مسألة) * (وإن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة) وجملة ذلك أن المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي أو قالت إن تزوجت فلاناً فهو علي
كظهر أبي فليس ذلك بظهار قال القاضي لا تكون مظاهرة رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الزهري والاوزاعي هو ظهار روى ذلك عن الحسن والنخعي إلا أن النخعي قال إذا قالت ذلك بعدما تزوجت فليس بشئ، ولعلهم يحتجون بأنها أحد الزوجين ظاهر من الآخر فكان مظاهراً كالرجل ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) فخصهم بذلك ولأنه قول يوجب تحريماً في الزوجة يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل كالطلاق، ولأن الحل في المرأة حق الرجل فلم تملك المرأة إزالته كسائر حقوقه.
إذا ثبت ذلك فاختلف عن أحمد في الكفارة فنقل عنه جماعة عليها كفارة الظهار لما روى الأثرم باسناده عن إبراهيم أن عائشة بنت طلحة قالت إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي فسألت أهل المدينة فرأوا أن عليها الكفارة وروى علي بن مسهر عن الشيباني قال كنت جالساً في المسجد أنا وعبد الله بن المغفل المري فجاء رجل حتى جلس الينا فسألته من أنت فقال أنا مولى لعائشة بنت طلحة اعتقتني عن ظهارها خطبها مصعب بن الزبير فقالت هو علي كظهر أبي إن تزوجته ثم رغبت فيه بعد فاستفتت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه فتزوجته وأعتقتني، وروى سعيد هذين الخبرين مختصرين ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول والزور فلزمه كفارة الظهار كالآخر ولأن الواجب كفارة يمين فاستوى فيها الزوجان كاليمين بالله تعالى والرواية الثانية عليها كفارة يمين قال أحمد قد ذهب عطاء مذهباً حسناً جعله بمنزلة من حرم على نفسه شيئاً كالطعام وما أشبه
وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه بأصوله لأنه ليس بظهار ومجرد القول من المنكر والزور لا يوجب كفارة الظهار بدليل سائر الكذب والظهار قبل العود والظهار من أمته وأم ولده ولأنه تحريم لا يثبت التحريم في المحل فلم يوجب كفارة الظهار كتحريم سائر الحلال ولانه ظهار من غير امرأته فأشبه الظهار من أمته وما روي عن عائشة بنت طلحة في عتق الرقبة فيجوز أن يكون اعتاقها تكفيراً ليمينها فإن عتق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين ويتعين وحمله على هذا لكون الموجود منها ليس بظهار وكلام أحمد في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار وإنما قال الأحوط أن يكفر وكذا قال إبن المنذر ولا شك أن الاحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف وعن أحمد رواية ثالثة لا شئ عليها وهو قول مالك والشافعي واسحاق وأبي ثور لأنه قول منكر وزور وليس بظهار فلم يوجب كفارة كالسب والقذف واذا قلنا بوجوب الكفارة عليها فلا تجب عليها حتى يطأها وهي مطاوعة فإن طلقها أو مات أحدهما قبل وطئها أو أكرهها على الوطئ فلا كفارة عليها لأنها يمين فلم تجب كفارتها قبل الحنث فيها كسائر الأيمان ويجوز تقديمها لذلك * (مسألة) * (وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير) لأنه حق له عليها فلا يسقط بيمينها ولأنه ليس بظهار وإنما هو تحريم للحلال فلا يثبت تحريمها كما لو حرم طعامه وقيل ظاهر كلام أبي بكر أنها لا تمكنه قبل التكفير إلحاقاً بالرجل وليس بجيد لأن الرجل ظهاره صحيح وظهار المرأة غير صحيح ولأن حل الوطئ حق للرجل فملك رفعه وهو حق عليها فلا تملك إزالته