الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم طلقت بالصفة أخرى لأنه قد طلقها بعد عقد الصفة لأن الصفة تطليقة لها وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا اتصل به القيام تطليق لها.
*
(مسألة) * (ولو قال أولا إن قمت فانت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام واحدة ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك)
لأن هذا يقتضي ابتداء إيقاع وقوع الطلاق ههنا بالقيام إنما هو وقوع بصفة سابقة تعقد الطلاق شرطا * (مسألة) * (ولو قال أن قت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام ثم تطلق الثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولاً بها لأن الطلاق الواقع بها طلاقه فقد وجدت الصفة * (مسألة) * (وإن قال كلما طلقتك فأنت طالق فهذا حرف يقتضي التكرار) فإذا قال لها بعد أنت طالق طلقت طلقتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثة لأن الثانية لم تقع بإيقاعه بعد عقد الصفة لأن قوله كلما طلقتك يقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق، وهذا يقتضي تجديد إيقاع طلاق بعد هذا القول وإنما وقعت الثانية بهذا القول، وإن قال لها بعد عقد الصفة إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها ولم تقع الثالثة فإن قال لها كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق فهو كقوله كلما طلقتك فأنت طالق، وذكر القاضي في هذه أنه إذا وقع عليها طلاقه بصفة عقدها بعد قوله إذا أوقعت عليك طلاقاً فأنت طالق لم تطلق
لأن ذلك ليس بإيقاع منه.
وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وفيه نظر فإنه قد أوقع الطلاق عليها بشرط فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها فلا فرق بين هذا وبين قوله إذا طلقتك فأنت طالق * (مسألة) * (وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب
أو بصفة عقدها بعد ذلك أو قبله طلقت ثلاثاً لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة (فصل) فإن قال لها ان خرجت فأنت طالق ثم قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم خرجت وقع عليها طلقة بالخروج ثم وقعت عليها الثانية بوقوع الاولى ثم وقعت الثالثة بوقوع الثانية لأن كلما تقتضي التكرار وقد عقد الصفة بوقوع الطلاق فكيفما وقع يقتضي وقوع أخرى ولو قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت ثلاثاً واحدة بالمباشرة واثنتين بالصفتين لأن تطليقه لها يشتمل على الصفتين هو تطليق منه وهو وقوع طلاقه ولأنه إذا قال أنت طالق طلقت بالمباشرة واحدة فتطلق الثانية بكونه طلقها وذلك طلاق منه واقع عليها فتطلق به الثالثة وهذا كله في المدخول بها فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا واحدة في جميع هذا.
وهذا كله مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً (فصل) فإن قال كلما طلقتك طلاقاً أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت اثنتين (إحداهما) بالمباشرة (والأخرى) بالصفة إلا أن تكون الطلقة بعوض أو في غير مدخول بها فلا يقع
بها ثانية لأنها تبين بالطلقة التي باشرها بها فلا يملك رجعتها فإن طلقها ثنتين طلقت الثالثة، وقال أبو بكر: قيل تطلق وقيل لا تطلق واختياري أنها تطلق، وقال أصحاب الشافعي لا تطلق الثالثة لأنا لو أوقعناها لم يملك الرجعة ولم يوجد شرط طلاقها فيفضي ذلك الى الدور فنسقطه بمنع وقوعه ولنا أنه طلاق لم يكمل به العدد بغير عوض في مدخول بها فتقع التي بعدها كالأولى وامتناع الرجعة ههنا لعجزه عنها لا لعدم الملك كما لو طلقها واحدة وأغمى عليه عقيبها وأن الثانية تقع وإن امتنعت الرجعة لعجزه عنها وإن كان الطلاق بعوض أو في غير المدخول بها لم يقع إلا الطلقة التي باشرها بها لأنه لا يملك رجعتها وإن قال كلما وقع عليك طلاق أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم وقع عليها طلقة بالمباشرة أو صفة طلقت ثلاثاً وعندهم لا تطلق لما ذكرنا في التي قبلها ولو قال لامرأته إذا طلقتك طلاقاً أملك فيه الرجعة فأنت طالق فأنت طالق فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها طلقت ثلاثاً، وقال المزني لا تطلق وهو قياس قول أصحاب الشافعي لما تقدم
* (مسألة) * (وإن قال كلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً ثم قال أنت طالق فلا نص فيها) وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثاً واحدة بالمباشرة واثنتان بالمعلق، وهو قياس قول الشافعي وبعض أصحابه، وقال ابن عقيل تطلق بالطلاق المنجز ويلغوا المعلق لأنه طلاق في زمن ماض، وقال
أبو العباس بن سريج وبعض الشافعية لا تطلق أبداً لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها وذلك يمنع وقوعها فإثباتها يؤدي الى نفيها فلا تثبت ولأن إيقاعها يفضي الى الدور لأنها إذا وقعت وقع قبلها ثلاث فيمنع وقوعها وما أفضى الى الدور وجب قطعه من أصله ولنا أنه طلاق من مكلف مختار في محل النكاح صحيح فيجب أن يقع كما لو لم يعقد هذه الصفة ولأن عمومات النصوص تقتضي وقوع الطلاق مثل قوله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وكذلك سائر النصوص ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به وما ذكروه يمنعه بالكلية وتبطل مشروعيته وتفوت مصلحته فلا يجوز ذلك بمجرد الرأي والتحكم وما ذكروه غير مسلم فأما إذا قلنا لا يقع الطلاق المعلق فله وجه لأنه أوقعه في زمن ماض ولا يمكن وقوعه في الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيوم فقدم في اليوم ولأنه جعل الطلقة الواقعة شرطاً لوقوع الثلاث ولا يوجد المشروط قبل شرطه فعلى هذا لا يمنع من وقع الطلقة المباشرة ولا يفضي إلى دور ولا غيره وإن قلنا بوقوع الثلاث فوجهه انه وصف الطلاق المعلق بما يستحيل وصفه به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال أنت طالق طلقة لا تلزمك ولا تنقص عدد طلاقك أو قال للآيسة أنت طالق للسنة أو للبدعة وبيان استحالته ان تعليقه بالشرط يقتضي وقوعه بعده لأن الشرط يتقدم مشروطه ولذلك لو أطلق لوقع بعده وتعقيبه بالفاء في قوله فأنت طالق
يقتضي كونه عقيبه وكون الطلاق المعلق قبله بعده محال لا يصح الوصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال إن طلقتك فأنت طالق ثلاثاً لا تلزمك ثم يبطل ما ذكروه بقوله إذا انفسخ نكاحك فأنت
طالق قبله ثلاثاً ثم وجد ما يفسخ نكاحها من رضاع أو ردة أو وطئ أمها أو ابنتها بشبهة فإنه يرد ما ذكروه ولا خلاف في انفساخ النكاح قال القاضي ما ذكروه ذريعة الى أن لا يقع عليها الطلاق جملة وإن قال أنت طالق ثلاثا قبيل وقوع طلاقي بك واحدة أو أنت طالق اليوم ثلاثاً أو طلقتك غداً واحدة فالكلام عليها من وجه آخر وهو وارد على المسئلتين جميعا وذلك ان الطلقة الموقعة يقتضي وقوعها وقوع ما لا يتصور وقوعها معه فيجب أن يقضى بوقوع الطلقة الموقعة دون ما تعلق بها لأن ما تعلق بها تابع ولا يجوز إبطال المتبوع لامتناع حصول التبع فيبطل التابع وحده كما لو قال في مرضه إذا اعتقت سالماً فغانم حر ولم يخرج من ثلثه إلا احدهما فان سالما يعتق وحده ولا يقرع بينهما لأن ذلك ربما أدى الى عتق المشروط دون الشرط وذلك غير جائز ولا فرق بين أن يقول فغانم معه أو قبله أو بعده أو يطلق كذا ههنا (فصل) إذا قال إن طلقت حفصة فعمرة طالق ثم قال إن طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق حفصة طلقتا معاً حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة ولم تزد كل واحدة منهما على طلقة وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة لأنه إذا طلق حفصة طلقت بالصفة لكونه علق طلاقها على طلاق حفصة ولم يعد على حفصة طلاق آخر لأنه ما أحدث في عمرة طلاقها إنما طلقت بالصفة السابقة
على تعليقه طلاقها وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت حفصة لكون طلاقها معلقاً على طلاق عمرة ووقوع الطلاق بها تطليق منه لها لأنه أحدث فيه طلاقاً بتعليقه طلاقها على تطليق عمرة بعد قوله إن طلقت حفصة فعمرة طالق ومتى وجد التعليق والوقوع معاً فهو تطليق فإن وجدا معاً بعد تعليق الطلاق بطلاقها وقع الطلاق المعلق بطلاقها وطلاق عمرة ههنا معلق بطلاقها فوجب القول بوقوعه ولو قال لعمرة كلما طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة كلما طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة أنت طالق طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة وإن طلق حفصة ابتداء لم يقع بكل واحدة منهما إلا طلقة لأن هذه المسألة كالتي قبلها سواء فإنه بدأ بطلاق عمرة على تطليق حفصة ثم ثنى بتعليق طلاق حفصة على تطليق عمرة ولو قال لعمرة إن طلقتك فحفصة طالق ثم قال لحفصة إن طلقتك فعمرة طالق ثم طلق حفصة طلقت طلقتين وطلقت عمرة طلقة، وإن طلق عمرة طقت كل واحدة منهما طلقة لأنها عكس التي قبلها وذكرها بين المسئلتين القاضي في المجرد ولو قال لأحدى زوجتيه كلما طلقت
ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت طلقتين وطلقت الثانية طلقة، وإن طلق الثانية طلقت كل واحدة منهما طلقة، وإن قال كلما طلقتك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت كل واحدة منهما طلقة وإن طلق الثانية طلقت طلقتين وطلقت الأولى طلقة وتعليل ذلك على ما ذكرنا في المسألة الأولى
(فصل) فإن كان له ثلاث نسوة فقال إن طلقت زينب نعمرة طالق، وإن طلقت عمرة فحفصة طالق، وإن طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة لأنه ما أحدث في عمرة طلاقاً بعد تعليق طلاق حفصة بتطليقها، وإنما طلقت بالصفة السابقة على ذلك فيكون وقوعاً للطلاق وليس بتطليق، وإن طلق عمرة طلقت حفصة ولم تطلق زينب لذلك، وإن طلق حفصة طلقت زينب ثم طلقت حفصة فيقع الطلاق بالثلاث لأنه أحدث في زينب طلاقاً بعد تعليقه طلاق عمرة بتطليقها فكان وقوع الطلاق بزينب تطليقاً وطلقت به عمرة بخلاف غيرها ولو قال لزينب إن طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة إن طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة إن طلقت زينب فأنت طالق ثم طلق زينب طلق الثلاث زينب بالمباشرة وحفصة بالصفة ووقوع الطلاق بحفصة تطليق لها وتطليقها شرط طلاق عمرة فتطلق به أيضاً والدليل على أنه تطليق لحفصة أنه أحدث فيها طلاقاً بتعليقه طلاقها على تطليق زينب بعد تعليق طلاق عمرة بتطليقها وتحقق شرطه والتعليق مع شرطه تطلق وقد وجدا معاً بعد جعل تطليقها صفة لطلاق عمرة، وإن طلق عمرة طلقت هي وزينب ولم تطلق حفصة وإن طلق حفصة طلقت هي وعمرة ولم تطلق زينب لما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وإن قال لزينب إن طلقتك فضرتاك طالقتان ثم قال لعمرة مثل ذلك ثم قال لحفصة مثل ذلك ثم طلق زينب طلقت كل واحدة منهن طلقة واحدة لأنه لم يحدث في غير زينب طلاقا وانما طلقتا بالصفة على تعليق
الطلاق بتطليقهما وإن طلق عمرة طلقت زينب طلقة وطلقت عمرة وحفصة كل واحدة منهما طلقتين لأن عمرة طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت زينب وحفصة بطلاقها واحدة واحدة وطلاق زينب تطليق لها
لأنه وقع بها بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقهما بتطليقها فعاد على حفصة وعمرة بذلك طلقتان ولم يعد على زينب بطلاقهما طلاق لما تقدم وإن طلق حفصة طلقت ثلاثاً لأنها طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت بها ضرتاها ووقوع الطلاق بكل واحدة منهما تطليق لأنه بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من طلاق كل واحدة منهم طلقة فكمل لها ثلاث وطلقت عمرة طلقتين واحدة بتطليق حفصة وأخرى بوقوع الطلاق على زينب لأنه تطليق لزينب على ما ذكرناه وطلقت زينب واحدة لأن طلاق ضرتيها بالصفة ليس بتطليق في حقها وإن قال لكل واحدة منهن كلما طلقت احدى ضرتيك فأنت طالق ثم طلق الأولى طلقت ثلاثاً وطلقت الثانية طلقتين والثالثة طلقة واحدة لأن تطليقة للأولى شرط لطلاق ضرتيها ووقوع الطلاق بهما تطليق بالنسبة إليها لكونه واقعاً بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من تطليق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها الثلاث وعاد على الثانية من طلاق الثالثة طلقة ثانية لذلك ولم يعد على الثالثة من طلاقهما الواقع بالصفة شئ لأنه ليس بتطليق في حقهما وإن طلق الثانية طلقت أيضاً طلقتين وطلقت الأولى ثلاثاً والثالثة طلقة وإن طلق الثالثة طلقت الأولى طلقتين وطلق كل واحدة من الباقيتين طلقة طلقة
(فصل) وإن قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق فقام طلقت المرأة وعتق البعد ولو قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر فقام العبد طلقت المرأة ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقاً مع وجود الصفة ففي الصورة الأولى وجدت الصفة والوقوع بعد قوله إن طلقتك فعبدي حر وفي الصورة الأخرى لم يوجد بعد ذلك إلا الوقوع وحده وكانت الصفة سابقة فلذلك لم يعتق العبد ولو قال لعبده إن أعتقتك فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لعبده إن لم أضربك فامرأتي طالق عتق العبد وطلقت المرأة.
* (مسألة) * (وإن قال لنسائه الأربع أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم وقع على إحداهن طلاقه طلق الجميع ثلاثاً)
لأنه إذا وقع طلاقه على واحدة وقع على صواحبها ووقوعه على واحدة منهن يقتضي وقوعه على صواحبها فيتسلسل الوقوع عليهن الى أن تكمل الثلاث لكل واحدة منهن * (مسألة) * (وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثاً فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعاً فأربعة أحرار ثم طلق الأربع مجتمعات أو متفرقات عتق خمسة عشر عبداً) وقيل يعتق عشرة بالواحدة واحد وبالثانية اثنان وبالثلاث ثلاثة وبالأربع أربعة وهذا غير صحيح فإن
قائل هذا لا يعتبر صفة طلاق الواحدة في غير الأولى ولفظة كلما تقتضي لتكرار فيجب تكرار الطلاق بتكرار الصفات وتسقط أيضاً صفة التثنية في الثالثة والرابعة، والصحيح أنه يعتق خمسة عشر عبداً لأن فيهن أربع صفات هن أربع فيقع اربعة وهن أربعة آحاد وهن اثنتان واثنتان فيعتق بذلك أربعة وفيهن ثلاث فيعتق بهن ثلاثة.
وإن شئت قلت يعتق بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة وهي مع الثالثة اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع، وقيل يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد بضم الأولى الى الثانية وبضم الثانية الى الثالثة وبضم الثالثة الى الرابعة، وقيل يعتق عشرون وهو قول أبي حنيفة لأن صفة الثالثة وجدت مرة ثانية بضم الثانية والثالثة الى الرابعة، وكلا القولين غير سديد لانهم عدوا الثانية مع الأولى في صفة التثنية مرة ثم عدوها مع الثالثة مرة أخرى وعدوا الثانية والثالثة في صفة الثلاث مرتين مرة مع الأولى ومرة مع الرابعة وما عد في صفة مرة لا يجوز عده في تلك الصفة مرة أخرى ولذلك لو قال كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة لم تطلق إلا اثنتين لأن الرمانة نصفان ولا يقال انها تطلق ثالثة بان يضم الرابع الثاني الى الربع الثالث فيصيران نصفاً وكذلك في مسئلتنا لم تضم الأولى الى الرابعة
فيصيران اثنتين وعلى سياق هذا القول ينبغي أن يعتق اثنان وثلاثون واحد بطلاق واحدة وثلاثة بطلاق الثانية وثمانية بطلاق الثالثة لأنها واحدة وهي مع ما قبلها ثلاث وهي مع ضمها الى الأولى اثنتان ومع
ضمها الى الثانية اثنتان ففيها صفة التثنية مرتان، ويعتق بطلاق الرابعة عشرون لأن فيها ثماني صفات هي واحدة وهي مع ما قبلها أربع، وفيها صفة الثلاث ثلاث مرات هي مع الأولى والثانية ثلاث ومع الثمانية والثالثة ثلاث ومع الأولى والثالثة ثلاث فيعتق بذلك تسعة، وفيها صفة التثنية ثلاث مرات مع الأولى اثنتان ومع الثالثة اثنتان فيعتق لذلك ستة فيصير الجميع اثنين وثلاثين، وقال شيخنا وما نعلم بهذا قائلاً قال شيخنا ويحتمل أن لا يعتق إلا أربعة كما لو قال كلما أعتقت أربعة فأربعة أحرار لأن هذا الذي يسبق الى أذهان العامة، وهذه الأوجه التي ذكرناها مع الإطلاق، فأما إن نوى بلفظه غير ما يقتضيه الإطلاق مثل أن ينوي بقوله اثنين غير الواحدة فيمينه على ما نواه ومتى لم يعين العبيد المعتقين أخرجوا بالقرعة، ولو جعل مكان كلما إن في المسألة المذكورة لم يعتق إلا عشرة بالواحد واحد وبالثانية اثنان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة لأن إن لا تقتضي التكرار (فصل) ولو قال كلما أعتقت عبداً من عبيدي فامرأة من نسائي طالق وكلما اعتقت اثنين فامرأتان طالقتان ثم اعتق الاثنين طلق الأربع على القول الصحيح، وعلى القول الثاني يطلق ثلاث ويخرجن بالقرعة، ولو قال كلما اعتقت عبداً من عبيدي فجارية من جواري حرة وكلما اعتقت اثنين فجاريتان حرتان
وكلما اعتقت ثلاثة فثلاث أحرار وكلما اعتقت أربعة فأربع أحرار اعتق من جواريه بعدد ما اعتق من عبيده في المسألة التي ذكرنا خمس عشرة على الصحيح وقيل عشر وقيل تسع عشرة وقيل عشرون لأنها مثلها، وإن اعتق خمساً فعلى القول الصحيح يعتق إحدى وعشرون لأن عتق الخامس عتق به ست لكونه واحداً وهو ما قبله خمسة ولم يمكن عده في سائر الصفات لأن ما قبل ذلك قد عد في ذلك مرة فلا يعد ثانية وعلى القول الآخر يعتق من جواريه خمس عشرة: بالواحد واحدة وبالثاني اثنتين وبالثالث ثلاث وبالرابع أربع وبالخامس خمس (فصل) فإن قال ان دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر وإن دخلها طويل فعبدان حران وإن دخلها أسود فثلاثة أعبد أحرار، وإن دخلها فقيه فأربعة أعبد أحرار فدخلها فقيه طويل أسود عتق من عبيده عشرة
* (مسألة) * (إذا قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين) لان علق طلاقها بصفتين مجئ الطلاق ومجئ كتابه وقد اجتمعت الصفات في مجئ الكتاب فوقع بها طلقتان، فإن قال أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بالطلاق الأول دين لأنه يحتمل ما قاله فيدين فيه كما لو كرر قوله أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها والتأكيد ويقبل قوله في الحكم في إحدى الروايتين لما ذكرنا والأخرى لا يقبل لظاهر اللفظ والله أعلم
(فصل في تعليقه بالحلف) اختلف أصحابنا في الحلف بالطلاق فقال القاضي في الجامع وأبو الخطاب هو تعليقه على شرط أي شرط كان إلا قوله إذا شئت فأنت طالق ونحوه فإنه تمليك وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق بدعة وإذا طهرت فأنت طالق فانه طلاق سنة وهو قول أبي حنيفة لأن ذلك يسمى حلفا عرفا فيتعلق الحكم به كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق ولأن الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب فأشبه قول والله وبالله وتالله، وقال القاضي في المجرد هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على فعل أو المنع منه كقوله إن دخلت الدار فانت طالق أو إن لم تدخلي فأنت طالق، أو على تصديق خبره كقوله أنت طالق لقدوم زيد أو إن لم يقدم، فأما التعليق على غير ذلك كقوله أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدوم الحاج أو إن لم يقدم السلطان فهو شرط محض ليس بحلف لأن حقيقة الحلف القسم، وإنما سمي تعليق الطلاق على شرط حلقا تجوزا المشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو والله لا فعلن أو لا أفعل أو لقد فعلت أو إن لم أفعل، وما لم يوجه فيه هذا المعنى لا يصح تسميته حلفا وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (فإذا قال ان حلفت بطلاقك فأنت طالق) ثم قال أنت طالق ان قمت أو دخلت الدار أن إن لم تدخلي الدار أو إن لم يكن هذا القول حقا فأنت طالق طلقت في الحال لأنه حلف بطلاقها فإن قال إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فأنت طالق
لم تطلق في الحال على الوجه الثاني وهو قول الشافعي واختاره ابن عقيل وتطلق على الأول وهو قول أبي الخطاب وقد ذكرنا دليل القولين * (مسألة) * (وإن قال ان حلفت فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة لان إعادته حلف وإن أعاده ثلاثاً طلقت ثلاثاً) لأن كل مرة يوجد بها شرط الطلاق وينعقد شرط طلقة اخرى وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور ليس ذلك بحلف ولا يقع الطلاق بتكراره لأنه تكرار للكلام فيكون تأكيداً لا حلفاً ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط يمكن فعله وتركه فكان حلفاً كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق، وقوله أنه تكرار للكلام حجة عليه فإن تكرار الشئ عبارة عن وجوده مرة أخرى، وأما التأكيد فإنه يحمل عليه الكلام المكرر إذا قصده وههنا ان قصد إفهامها فاما أن كرر ذلك لغير مدخول بها بانت بطلقة ولم يقع بها أكثر منها * (مسألة) * (وإن قال ان كلمتك فأنت طالق وأعاده ثلاثا طلقت ثلاثا) لوجود الصفة كالمسألة قبلها * (مسألة) * (وإن قال لامرأتيه كلما حلقت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم أعاد ذلك ثلاثا طلقت كل واحدة منهما ثلاثاً)
لوجود شرطها وهو الحلف فإن كانت إحداهما غير مدخول بها بانت بالمرة الثانية فإذا أعاده بعد ذلك لم تطلق واحدة منهما لأن غير المدخول بها بائن فلم يكن إعادة هذا القول حلفا بطلاقها وهي غير زوجة فلم يوجد الشرط، فإن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما جميعاً فإن جدد نكاح البائن ثم قال لها ان تكملت فأنت طالق فقد قيل يطلقان حينئذ لانه بهذا صار حالفا بطلاقهما وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله في المرة الثالثة فطلقتا حينئذ، قال شيخنا ويقوى عندي أنه لا يقع الطلاق بهذه التي جدد نكاحها لانها حين إعادته المرة الثالثة بائن فلم تنعقد الصفة بالإضافة إليها كما لو قال لاجنبية ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم تزوجها وحلف بطلاقها ولكن تطلق المدخول بها حينئذ لأنه قد حلف بطلاقها في المرة الثالثة وحلف بطلاق هذه حينئذ فكمل شرط طلاقها فطلقت وحدها
(فصل) فإن كان له امرأتان حفصة وعمرة، فقال ان حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم تطلق واحدة منهما لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها فلم يوجد الحلف بطلاقهما، وإن قال بعد ذلك أن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت عمرة لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما على الحلف بطلاقهما ولم تطلق حفصة لانها ما حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما عليه، فإن قال بعد هذا ان حلفت بطلاقكما فعمرة طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه لم يحلف بطلاقهما إنما حلف بطلاق عمرة وحدها فإن قال بعد هذا ان حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت حفصة وعلى هذا القياس
(فصل) إذا قال لإحداهما إذا حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك طلقت الثانية لأن إعادته للثانية هو حلف بطلاق الأولى وذلك شرط وقوع طلاق الثانية، ثم ان أعادة للأولى طلقت ثم كلما أعاده على هذا الوجه لامرأة طلقت حتى يكمل للثانية ثلاث، ثم إذا أعاده للاولى لم تطلق لأن الثانية قد بانت منه فلم يكن ذلك حلفاً بطلاقها، ولو قال هذا القول لامرأة ثم أعاده لها لم تطلق واحدة منهما لأن ذلك ليس بحلف بطلاقها إنما هو حلف بطلاق ضرتها ولم يعلق على ذلك طلاقا * (مسألة) * (وإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى) لأن التعليق حلف وقد علق طلاق ضرتها فتطلق الأولى لوجود شرط طلاقها وهو تعليق طلاق ضرتها فإن أعاده الاولى طلقت الأخرى لذلك، وكلما أعاده لامرأة منها على هذا الوجه طلقت الأخرى وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة بانت ولم تطلق الأخرى بإعادته لها لأنه ليس بحلف بطلاقهما لكونها بائناً * (مسألة) * (وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاد ثانياً طلقت كل واحدة طلقتين) لأن قوله ذلك حلف بطلاق كل واحدة منهما وحلفه بكل واحدة يقتضي طلاق اثنتين فطلقتا بحلفة بطلاق واحدة طلقة طلقة وبحلفه بطلاق الاخرى طلقة طلقة
* (مسألة) * (وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة منهما طلقة) لأن حلفه بطلاق واجازة إنما اقتضى طلاقها وحدها وما حلف بطلاقها إلا مرة فلا تطلق إلا طلقة (فصل) وإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك لم تطلق واحدة منهما، ثم إن أعاد ذلك لاحداهما طلقت الأخرى ثم ان أعادة للأخرى طلقت صاحبتها ثم كلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى إلا أن تكون إحداهما غير مدخول بها أو لم يبق من طلاقها إلا دون الثلاث فإنها إذا بانت صارت كلأجنبية، فإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق طلقت في الحال، ثم إن قال للأولى مثل ما قال لها أو قال للثانية مثل ما قال لها طلقت الثانية وكذلك الثالثة، ولا يقع بالأولى بهذا طلاق لأن الحلف في الموضعين إنما هو بطلاق الثانية، ولو قال للأولى ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال للأخرى إن حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق طلقت الأولى، ثم متى أعاد هذين الشرطنى مرة أخرى طلقت الأولى ثانية وكذلك الثالثة، ولا يقع به لثانية بهذا طلاق، ولو قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق لم تطلق واحدة منهما لانه في الموضعين علق طلاق الثانية على الحف بطلاق الأولى ولم يحلف بطلاقها، ولو أعاد ذلك لهما لم تطلق
واحدة منهما وسواء تقدم القول للثانية على القول للأولى أو تأخر عنه (فصل) فإن كان له ثلاث نسوة فقال ان حلفت بطلاق زينب فعمرة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق عمرة فحفصة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق حفصة فزينب طالق طلقت عمرة وإن جعل مكان زينب عمرة طلقت حفصة ثم متى أعاده بعد ذلك طلقت منهن واحدة على الوجه الذي ذكرناه وإن قال إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق زينب بعد تعليقه طلاق نسائه على الحلف بطلاقها فطلقت كل واحدة منهن طلقة ولما قال ان حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق عمرة ولم يقع بحلفة بطلاق زينب شئ لأنه قد حنث به مرة فلا يحنث ثانية ولو كان مكان قوله إن
كلما لطلقت كل واحدة منهن ثلاثاً لأن كلما تقتضي التكرار ولو قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك مرة ثانية طلقن ثلاثاً ثلاثاً لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهن وحلفه لطلاق واحدة شرط لطلاقهن جميعاً ولو قال أن حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة منهن طلقة لأن إن لا تقتضي التكرار، وإن قال بعد ذلك لاحداهن إن قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وإن قال ذلك للاثنتين الباقيتين طلق الجميع طلقة طلقة (فصل) وإن قال لزوجته إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال إن حلفت بطلاقك فعبدي
حر طلقت ثم قال لعبده إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق عتق العبد ولو قال له أن حلفت بطلاق امرأتي فأنت حر ثم قال لها ان حلف بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد ولو قال لعبده إن حلفت بعتقك فأنت حر ثم أعاده عتق العبد (فصل) في تعليقه بالكلام إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحقفي ذلك طلقت لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن يريد بعد انقضاء كلامي هذا أو نحوه وكذلك ان زجرها فقال تنحي أو اسكتي أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت لأنه كلمها بعد اليمين إلا أن ينوي كلاما مبتدأ ويحتمل أن لا يحنث بالكلام المتصل بيمينه لأن اتيانه به يدل على ارادته الكلام المفصل عنها وإن سمعها تذكرة فقال الكاذب عليه لعنة حنث نص عليه أحمد لأنه كلمها * (مسألة) * (وإن قال ان بدأنك بالكلام فأنت طالق فقالت ان بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء إلا أن ينوي أنه لا يبدؤها في مرة أخرى وبقيت يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت يمينها أيضاً وإن بدأته هي عتق عبدها هكذا ذكره أصحابنا، قال شيخنا: ويحتمل أن يحنث ببدايته إياها بالكلام في وقت آخر لأن الظاهر إرادته ذلك بيمينه * (مسألة) * (وإذا قال ان كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لنشاغله أو غفلته أو كاتبته أو راسلته أو حنث)
إذا كلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنها كلمته وكذلك ان كاتبته أو راسلته إلا أن يكون قصد ألا تشافهه، نص عليه أحمد، وذلك لقول الله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) ولأن القصد بالترك لكلامها إياه هجرانا ولا يحصل ذلك مع مواصلته بالرسل والكتب، ويحتمل أن لا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا القسم ليس بتكلم حقيقة ولأنه لو حلف لتكلمنه لم يبرأ بذلك إلا أن ينويه فكذلك لا يحنث به فان أرسلت انسانا يسأل أهل العلم عن مسألة أحدثت فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث بذلك * (مسألة) * (وإن أشارت إليه احتمل وجهين)(أحدهما) لا تطلق لأنه لم يوجد الكلام (والثاني) تطلق لأنه يحصل به مقصود الكلام والأول أولى * (مسألة) * (وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنوناً يسمع كلامها حنث) لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في صحوه ولأن المجنون يسمع الكلام أيضاً ويحنث وكذلك أن كلمت صبيا يسمع ويعلم أنه مكلم حنث فأما إن جنت هي وكلمته.
لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم وإن كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي وقيل لا يحنث لأنه لا عقل لها * (مسألة) * (وإن كلمته ميتاً أو غائباً أو مغمى عليه أو نائماً لم يحنث) وقال أبو بكر يحنث لقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها
ولنا أن التكليم فعل يتعدى إلى المكلم وقد قيل إنه مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا باسماعه فأما تكليم النبي صلى الله عليه وسلم الموتى فمن معجزاته فانه قال " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها حجة لنا فانهم قالوا ذلك استعبادا وسؤالاً عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر مختص به فيبقى الأمر فيمن سواه على النفي وإن سلمت عليه حنث لأنه كلام فإن كان أحدهما اماما
والآخر مأموما لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه كما لو سلم عليهم في غير الصلاة، ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف (فصل) فإن حلف لا يكلم إنساناً فكلم غيره وهو يسمع يقصد بذلك اسماعه كما لو قال إياك أعني واسمعي باجارة حنث نص عليه أحمد فقال إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم انساناً وهو يسمع يريد بكلامه إياه المحلوف عليه حنث لأنه قد أراد تكليمه، وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث فانه حلف أن لا يكلم أخاه زياداً فأراد زياد الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره وأخذ ابنه في حجرة فقال ان أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج ولم ير أنه كلمه والأول أصح لأنه أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولأن مقصود تكليمه قد حصل باسماعه كلامه
(فصل) فإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها قال أحمد في رجل قال لامرأته إن كلمتك خمسة أيام فأنت طالق أن له أن يجامعها ولا يكلمها فقال أي شئ كان به؟ وهذا يسوؤها أو يغبطها فإن لم تكن له نية فله أن يجامعها ولا يكلمها وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي حقيقة القرآن قال أحمد إذا حلف لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره إلا أنه لم يحرك شفتيه فإن أراد أن يعلم ما فيه فقد علم ما فيه وقرأه * (مسألة) * (فإن قال لامرأتيه ان كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة منهما واحداً طلقتا ويحتمل أن لا يحنث حتى تكلما جميعاً كل واحد منهما) هذه المسألة فيما وجهان (أحدهما) يحنث لان تكليمهما وجد منهما فحنث كما لو قال إن حضتما فأنتما طالقتان فحاضت كل واحدة حيضة وكذلك لو قال ان ركبتما دابتيكما فانتما طالقتان فركبت كل واحدة دابتها (والثاني) لا يحنث حتى تكلم كل واحدة منهما الرجلين معاً لأنه علق طلاقهما بكلامهما لهما فلا تطلق واحدة بكلام الاخرى وحدها، وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي وهو أولى انشاء الله إذا لم تكن له نية وهكذا إن قال
إن دخلتما هاتين الدارين فالحكم فيها كذلك لأن الأصل بقاء النكاح قال شيخنا فيما لم تجر العادة بانفراد الواحدة به فأما ما جرت العادة بانفراد الواحدة فيه بالواحد كنحو ركبا دابتيهما ولبسا ثوبيهما وتقلدا سيفيهما
واعتقلا رمحيهما ودخلا بزوجتيهما وأشباه هذا فإنه يحنث إذا وجد منهما منفردين وما لم تجر العادة فيه بذلك فهو على الوجهين فأما إن قال ان أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا فإنه يحنث لأنه يستحيل ان تأكل كل واحدة منهما الرغيفين بخلاف الرجلين والدارين * (مسألة) * (فإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق) فنهاها فخالفته لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي لأنها خالفت أمره لانهيه، وقال أبو الخطاب يحنث إذا لم يكن ممن يعرف حقيقة الأمر والنهي إذا كان كذلك فانما يريد نفي المخالفة، ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن الامر بالشئ نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده فقد خالفت أمره وإن قال لها أن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها من مالي شيئاً لم يحنث لأن اعطاءها من مالها لا يجوز ولا يجوز النفع به فيكون هذا النفع محرما فلا تتناوله يمينه ويحتمل أن يحنث لأنه نفع ولفظه عام فيدخل المحرم فيه.
(فصل) إذا قال أنت طالق إن كلمت زيداً ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تلكم زيداً في حال كون محمد فيها مع خالد، وذكر القاضي أنه يحنث بكلام زيد فقط لأن قوله ومحمد مع خالد استئناف كلام بدليل أنه مرفوع والصحيح الأول لأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى من فصله والرفع لا ينفي كونه حالاً فإن الجملة من المبتدأ والخبر تكون حالا كقوله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)
وقوله (إلا استمعوه وهم يلعبون) وهذا كثير فلا يجوز قطعه عن الكلام الذي هو في سياقه مع امكان وصله به ولو قال أن كلمت زيداً ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيداً في حال كون محمد مع خالد فكذلك إذا تأخر قوله محمد مع خالد ولو قال أنت طالق إن كلمت زيداً وأنا غائب لم تطلق حتى تكلمه في حال غيبته وكذلك لو قال أنت طالق إن كلمت زيداً وأنت راكبة أو هو راكب أو ومحمد راكب
لم تطلق حتى تكلمه في تلك الحال ولو قال أنت طالق إن كلمت زيداً ومحمد أخوه مريض لم تطلق حتى تكلمه وأخوه محمد مريض (فصل) وإن قال ان كلمتني إلى أن يقدم زيد أو حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها فإن قال أردت ان استدمت كلامي من الآن إلى أن يقدم زيد دين وهل يقبل في الحكم؟ يحتمل وجهين (فصل في تعليقه بالاذن) * (مسألة) * (إذا قال إن خرجت بغير اذني أو الا باذني أو حتى آذن لك فأنت طالق ثم أذن لها فخرجت ثم خرجت بغير إذنه طلقت لخروجها بغير إذنه وعنه لا تطلق حتى ينوي الاذن في كل مرة) لأن إن لا تقتضي التكرار فتتناول الخروج في المرة الأولى * (مسألة) * (وإن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت)
لانها إذ لم تعلم فليس بإذن لأن الاذن هو الاعلام ولم يعلمها، ويحتمل أن لا تطلق لأنه يقال اذن لها ولم تعلم.
* (مسألة) * (وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير اذني فانت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل وإن خرجت تريد الحمام وغيره ففيه وجهان (أحدهما) يحنت لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إليه غيره فحنث بما حلف عليه كما لو حلف لا يكلم زيدا وعمرا (والثاني) لا يحنث لأنها ما خرجت إلى غير الحمام بل الخروج مشترك * (مسألة) * (وإن خرجت تريد الحمام ثم عدلت إلى غيره) فقياس المذهب أنه يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما لو خالفت لفظه، ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه وتناوله لفظه ونقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل إذا حلف بالطلاق أنه لا يخرج من بغداد الا لنزهة فخرج إلى النزهة
ثم مر إلى مكة فقال النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر هذا أنه أحنثه ووجهه ما ذكرنا وقال في رجل حلف بالطلاق أن لا يأتي ارمينية إلا بإذن امرأته فقالت امرأته اذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول إلى أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له اذنا عاما ما لم يحنث.
قال القاضي: وهذا من كلام أحمد محمول
على أن هذا خرج مخرج العضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قبلها كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام.
* (مسألة) * (وإن حلف لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه فعزل فهل تنحل يمينه؟ على وجهين) وهذا مبني على ما إذا خلف يميناً عامة لسبب خاص هل تختص يمينه بسبب اليمين؟ على وجهين (أحدهما) أنها تختص به لأن الظاهر أنه أراده فاختصت يمينه به كما لو نواه، فعلى هذا تنحل يمينه لأنه إنما حلف عليه لكونه عاملا له، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة، وروى عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم فقال فيمن قال لله على أن لا أصيد في هذا النهر لظلم رآه فتغير حاله فقال النذر يوفى به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب اعتباره في الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع ووجه الأول أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عمومها لدلالته عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية، وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام ولا يختص بمحل السبب لكون الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب، فعلى هذا لو قامت امرأته لتخرج فقال ان خرجت فانت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك أو دعاه انسان إلى غدائه فقال امرأتي طالق ان تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول ويحنث على الثاني وإن حلف
لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل أو طلق المرأة أو باع المملوك أو حلف على وكيل فعزله خرج في ذلك كله وجهان (فصل في تعليقه بالمشيئة) إذا قال أنت طالق إن شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو كلما شئت أو كيف شئت أو حيث شئت
أو أنى شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم يقع به طلاق ولو قالت قد شئت بلسانها وهي كارهة وقع الطلاق اعتباراً بالنطق وكذلك ان علق الطلاق بمشيئة غيرها * (مسالة) * (ومتى وجدت المشيئة باللسان وقع الطلاق سواء كان على الفور أو التراخي) نص عليه أحمد في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وفيما إذا قال أنت طالق حيث شئت أو أين شئت ونحو هذا قال الزهري وقتادة، وقال أبو حنيفة دون صاحبيه إذا قال أنت طالق كيف شئت تطلق في الحال طلقة رجعية لأن هذا ليس بشرط انما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها ولنا أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها فأشبه ما لو قال حيث شئت وقال الشافعي في جميع الحروف ان شئت في الحال وإلا فلا تطلق لأن هذا تمليك للطلاق فكان على الفور كقوله اخاري
وقال أصحاب الرأي في ان كقوله وفي سائر الحروف كقولنا لأن هذه الحروف صريحة في التراخي فحملت على مقتضاها بخلاف ان فإنها لا تقتضي زمانا وإنما هي لمجرد الشرط فتقيده بالفور يقتضيه وقال الحسن وعطاء في قوله أنت طالق إن شئت انما ذلك ماداما في المجلس ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط فكان على التراخي كالعتق وفارق اختاري فإنه ليس بشرط انما هو تخيبر فتقيد بالمجلس كخيار المجلس ويحتمل ان يفف على المجلس كالاختيار لأنه تمليك للطلاق فكان على الفور كقوله اختاري، والصحيح الأول وقد ذكرنا الفرق بين الأصل والفرع فإن قيد المشيئة بوقت ففال أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها لم تطلق وإن علقه على مشيئة اثنين لم يقع حتى توجد مشيئتهما، وخرج القاضي وجها أنه يقع بمشيئة أحدهما كما يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وقد بينا فساد هذا * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت ان شئت فقال قد شئت لم تطلق) لأنها لم تشأ فإن المشيئة أمر حقيقي لا يصح تعليقها على شرط وكذلك ان قالت قد شئت إن طلعت الشمس نص أحمد على هذا وهو قول سائر أهل العلم منهم الشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت ان شاء فلان انها قد ردت الأمر ولا يلزمها الطلاق وإن شاء فلان وذلك لأنه لم يوجد منها مشيئة انما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس تعليق الشميئة بشرط مشيئة، وإن علق الطلاق
على مشيئة اثنين فشاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي وقع الطلاق لأن المشيئة قد وجدت منهما جميعاً * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا) لأن الصفة مشيئتهما ولا تطلق بمشيئة أحدهما لعدم وجود الشرط * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق) لأن شرط الطلاق لم يوجد وحكي عن أبي بكر أنه يقع ولأنه علقه على شرط فوقع في الحال كما لو قال أنت طالق إن شاء الله وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق علي شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كالمعلق على دخول الدار، وإن شاء وهو مجنون لم يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه وإن شاء وهو منكران فالصحيح أنه لا يقع لأنه زائل العقل أشبه المجنون، وقال أصحابنا يخرج على الروايتين في طلاقه، والفرق بينهما أن إيقاع طلاقه تغليظ عليه كيلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه وههنا انما يقع الطلاق بغير فلا يصح منه في حال زوال عقله، وإن شاء وهو صبي طفل لم يقع كالمجنون وإن كان يعقل الطلاق وقع لأن له مشيئة ولذك صح إختياره لأحد أبويه وإن كان أخرس فشاء بالاشارة وقع الطلاق لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق ولذلك وقع طلاقه بها وإن كان ناطقا حال التعليق فخرس ففيه وجهان (أحدهما) يقع الطلاق بها لأن طلاقه في نفسه يقع بها فكذلك طلاق من علقه بمشيئته (والثاني)
لا يقع بها لانه حال التعليق كان لا يقع إلا بالنطق فلم يقع بغيره كما لو قال في التعليق ان نطق فلان بمشيئته فهي طالق * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق الا ان يشا زيد فمات أو جن أو خرس طلقت في الحال)
لأنه أوقع الطلاق وعلق عقبه بشرط ولم يوجد وأما إذا خرس فشاء بالاشارة خرج فيه الوجهان اللذان ذكرناهما بناء على وقوع الطلاق بإشارته إذا علقت على مشيئته * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق واحدة إلا أن يشاء زيد ثلاثا فشاء ثلاثا فقال أبو بكر تطلق ثلاثا في أحد الوجهين) لأن السابق إلى الفهم من هذا الكلام إيقاع الثلاث إذا شاءها زيد كما لو قال له علي درهم إلا أن تقيم بينة بثلاثة وخذ درهما إلا أن تريد أكثر منه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " أي أن بيع الخيار يثبت الخيار فيه بعد تفرقهما والثاني لا تطلق وقال أصحاب الشافعي وأبي حنيفة لا تطلق إذا شاء ثلاثاً لأن الاستثناء من الاثبات نفي فتقديره أنت طالق واحدة إلا أن يشاء زيد ثلاثا فلا تطلقي ولأنه لو لم يقل ثلاثا لما طلقت بمشيئه ثلاثاً فكذلك إذا قال ثلاثاً لأنه انما ذكر الثلاث صفة لمشيئة زيد الرافعة لطلاق الواحدة فيصير كما لو قال أنت طالق إلا أن يكرر زيد مشيئته ثلاثاً فأما إن لم يشأ زيد أو شاء أقل من ثلاث طلقت واحدة
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وإن قال لأمته أنت حرة إن شاء الله عتقت وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق) نص أحمد رحمه الله على وقوع الطلاق والعتق في رواية جماعة وقال ليس هما من الايمان وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول وقتادة والزهري ومالك والليث والاوزاعي وأبو عبيد وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع ولا العتاق وهو قول طاوس والحكم وابي حنيفة والشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها فلم يقع كما لو علقها على مشيئة زيد ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " رواه الترمذي وقال حديث حسن ولنا ما روى أبو حمزة قال سمعت ابن عباس يقول إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهي طالق رواه أبو حفص بإسناده عن أبي بردة نحوه وروى ابن عمر وأبو سعيد قال كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزاً في كل شئ إلا في الطلاق والعتاق ذكره
أبو الخطاب وهذا نقل للإجماع فإن قدرته أنه قول بعضهم فقد انتشر ولم يعرف له مخالف فهو اجماع ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ولأنه انشاء حكم في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح أو نقول إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله كما لو قال ابرأتك
إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فأشبه تعليقه على المستحيلات، والحديث لا حجة لهم فيه فإن الطلاق انشاء وليس بيمين حقيقة وإن سمي بذلك فمجاز لا تترك الحقيقة من أجله، ثم ان الطلاق انما سمي يميناً إذا كان معلقا على شرط يمكن فعله وتركه ومجرد قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا فلم يكن الاستثناء بعد يمين، وقولهم علقه على مشيئة لا نعلم قلنا قد علمت مشيئة الله للطلاق بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة قد شاء الله حين أذن أن تطلق ولو سلمنا انها لم تعلم لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه فيكون كتعليقه على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق في الحال، وحكي عن أحمد أنه يقع العتق دون الطلاق وعلله أحمد رحمه الله بأن العتق لله سبحانه والطلاق ليس هو لله ولا فيه قربة إليه ولأنه لو قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر فهذا تعليق للحرية على الملك وهو صحيح ولأن من نذر العتق لزمه الوفاء به ومن نذر الطلاق لا يلزمه الوفاء به فكما افترقا في النذر جاز أن يفترقا في اليمين * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت) ووافق أصحاب الشافعي على هذا في الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم * (مسألة) * (وإن قال إن لم يشأ الله أو ما لم يشأ الله فعلى وجهين)(أحدهما) يقع في الحال لأن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال فلغت هذه الصفة ووقع الطلاق (والثاني) لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال مثل قوله انت طلق ان جمعت بيبن الضدين أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه
(فصل) وإن قال أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه وإن لم تدخل علمنا إن الله لم يشأه لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله
كان وكذلك إن قال أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق دون الدخول خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق * (مسألة) * (وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت فهل تطلق؟ على روايتين)(إحدهما) يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الايمان ولما ذكرناه فيما إذا قال أنت طالق إن شاء الله (والثانية) لا تطلق وهو قول أبي عبيد إذا علق الطلاق بشرط صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام " من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث " وفارق إذا لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم * (مسألة) * (وان إن قال أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته طلقت في الحال) لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه كقوله هو حر لوجه الله أو لرضى الله فإن قال أردت به الشرط دين قال القاضي ويقبل في الحكم لأنه محتمل فإن ذلك يستعمل للشرط كقوله أنت طالق للسنة وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني لا يقبل لأنه خلاف الظاهر
(فصل) فإن قال أنت طالق إن أحببت أو أردت أو كرهت أحتمل ان يتعلق الطلاق بقولها بلسانها قد أحببت أو أردت أو كرهت لأن هذه المعاني في القلب لا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبلها فيعلق الحكم بقولها كالمشيئة ويحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده وقع طلاقه وإن لم تتلفظ به ولو قالت أنا أحب ذلك ثم قالت كنت كاذبة لم تطلق * (مسألة) * (وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في النار فأنت طالق أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فقالت أنا أحبه) فقد توقف أحمد رحمه الله عنها وسئل فلم يجب فيها بشئ وفيها احتمالان (أحدهما) لا تطلق وهو قول أبي ثور لأن المحبة في القلب ولا يوجد من أحد محبة ذلك وخبرها بحبها له كذب معلوم فلم يصح دليلا على ما في قلبها (والاحتمال الثاني) تطلق قاله القاضي وهو قول أصحاب الرأي لأن ما في القلب
لا يوقف عليه إلا من لفظها فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به كاذبة كانت أو صادقة كالمشيئة ولا فرق بين قوله إن كنت تحبين ذلك وبين قوله إن كنت تحبينه بقلبك لأن المحبة لا تكون إلا بالقلب.
قال شيخنا والأولى أنها لا تطلق إن كانت كاذبة، وهذا الاحتمال الأول والله أعلم
(فصل في مسائل متفرقة) إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال طلقت إذا رئي في أول الشهر.
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تطلق حتى تراه لأنه علق الطلاق على رؤية نفسه أشبه تعليقه على رؤية زيد ولنا أن الرؤية في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا " والمراد به رؤية البعض وحصول العلم فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع كما إذا قال إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الطلاة الشرعية لا إلى الدعاء وفارق رؤية زيد فانه لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر بتمام العدد لأنه قد علم طلوعه إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا تطلق حتى تراه ويقبل قوله في ذلك لأنها رؤية حقيقة وتتعلق الرؤية برؤيته بعد الغروب فإن رأت قبل ذلك لم تطلق لأن هلال الشهر ما كان في أوله ولأنا جعلنا رؤية الهلال عبارة عن دخول الشهر، ويحتمل أن تطلق برؤيته قبل الغروب لأنه يسمى رؤية والحكم متعلق به في الشهر فإن قال أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال، واختلف فيما يصير به قمراً فقيل بعد ثالثة وقيل إذا استدار وقيل إذا بهر ضوؤه (فصل) قال أحمد إذا قال لها أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل الشعر أهل
المدينة يرونها في السبع عشرة إلا أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشعرة الأواخر إنما أمره باجتنابها في العشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتماس ليلة القدر في العشر الأواخر فيحتمل أن تكون أول ليلة منه ويمكن أو يكون هذا منه على سبيل الاحتياط ولا يتحقق حنثه إلى آخر ليلة من الشهر لاحتمال أن تكون هي تلك الليلة
* (مسألة) * (وإن قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبرته امرأتاه طلقت الأولى منهما إلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها) إنما طلقت الأولى وحدها لأن التبشير خبر صدق تغير به بشرة الوجه من سرور أو غم وقد حصل بخبر الأولى واشترطنا صدقها لانه متى علم أنه كذب زال السرور فإن كانت الثانية هي الصادقة طلقت وحدها لأن السرور إنما حصل بخبرها هذا إذا أخبرته إحداهما بعد الأخرى، وإن بشره بذلك اثنتان أو ثلاث أو أربع دفعة واحدة طلقن كلهن لأن من تقع على الواحد فما زاد قال الله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين) * (مسألة) * (وإن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق) فكذلك عند القاضي تطلق المخبرة الأولى إن كانت صادقة وإن كانت كاذبة احتمل أن لا تطلق
وهو ظاهر كلام القاضي لأن الظاهر من حاله أنه أراد من أعلمتني ولا يحصل إلا بالصدق ولذلك لو قال من بشرتني بقدومه فهي طالق لم تطلق الكاذبة وان كان السرور يحصل إذا جهل كذبها وإن أخبرته أخرى طلقت في قول أبي الخطاب لأنها مخبرة، ولم تطلق عند القاضي الثانية ولا الكاذبة كالبشارة سواء.
(فصل) إذا قال أول من يقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده أول من قام منكم فهو حر فقام الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم وإن قام واحد أو واحدة ولم يقم بعد أحد احتمل وجهين (أحدهما) يقع الطلاق أو العتق لأن الأول ما كان بعده شئ ولم يوجد.
فعلى هذا لا يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى ييأس من قيام أحد منهم بعده فتنحل بيمينه، وإن قام اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة وقام بعدهم آخر وقع الطلاق والعتق بمن قام في الأول بوقوعه على القليل والكثير قال الله تعالى (ولا تكونوا أول كافر به) وحكي عن القاضي فيمن قال أول من يدخل من عبيدي فهو حر فدخل اثنتان دفعة واحدة ثم دخل بعدهم آخر: لم يعتق واحد منهم وهذا بعيد فإنه قد دخل بعضهم بعد بعض ولا أول فيهم وهذا لا يستقيم إلا أن يكون قال أول من يدخل منكم وحده ولم
يدخل بعد الثالث أحد فإنه لو دخل بعد الثالث أحد عتق لكونه أول من دخل وحده وإذا لم يقل وجده فإن لفظة الأول تتناول الجماعة كما ذكرنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أول من يدخله الجنة
فقراء المهاجرين " ولو قال آخر من يدخل منكن الدار فهي طالق فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن حتى ييئس من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك فيتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولاً من حين دخلت وكذلك الحكم في العتق (فصل) إذا قال إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها فقال القاضي لا يحنث لا قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما حلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة ويخرج المخاطب من اليمين أيضا ويحتمل الحنث أخذاً بعموم اللفظ وإعراضاً عن السبب * (مسألة) * (وإن حلف لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب) نقل ذلك عن أحمد جماعة واختاره الخلال وصاحبه وهو قول أبي عبيد وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يحنث في الطلاق والعتاق أيضاً وهو قول عطاء وعمرو بن دينار وابن ابي نجيح وإسحاق وابن المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لقول الله تعالى (وليس عليكم جناع فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه غير قاصد للمخالفة فلم يحنث كالنائم والمجنون ولأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر فيه القصد كحالة الابتداء بها
وعن أحمد رواية ثالثة أنه يحنث في الجميع وتلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والزهري وقتادة وربيعة ومالك (والقول الثاني) للشافعي لأنه فعل ما حلف عليه قاصداً لفعله فلزمه الحنث كالذاكر وكما لو كانت اليمين بالطلاق والعتاق ووجه الأولى أن الكفارة إنما تجب لرفع الإثم ولا إثم على الناسي ولما ذكرنا من الآية والخبر وأما الطلاق والعتاق فهو معلق بشرط فيقع بوجود
شرطه من غير قصد كما لو قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج ولأن هذا يتعلق به حق آدمي فيعلق الحكم به مع النسيان كالإتلاف * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل على إنسان بيتاً أو لا يكلمه أو لا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتاً هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئاً أو أحاله به ففارقه ظنا منه أنه قد برئ خرج على الروايتين في الناسي والجاهل فإن في الناسي روايتين والجاهل مقيس عليه) لأنه غير قاصد للمخالفة وقد سبق دليل ذلك، وكذلك إن حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبياً أو حلف لا يبيع لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه فهو كالناسي لأنه غير قاصد للمخالة أشبه الناسي * (مسألة) * (وإن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه لم يحنث وعنه يحنث إلا أن ينوي جميعه)
هذه الرواية ظاهر المذهب نص أحمد على ذلك في رواية حنبل وصالح فيمن حلف على امرأته لا تدخل بيت أختها لم تطلق حتى تدخل كلها الا ترى أن عوف بن مالك قال كلي أو بعضي لأن الكل لا يكون بعضا والبعض لا يكون كلاً وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه وهو معتكف الى عائشة فترجله وهي حائض والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد والحائض ممنوعة من اللبث فيه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بن كعب " إني لا أخرج من المسجد حتى أعلمك سورة " فلما أخرج رجله من المسجد علمه إياها ولأن يمينه تعلقت بالجميع فلم تنحل بالبعض كالإثبات وعنه أنه يحنث إلا أن ينوي جميعه حكي ذلك عن مالك وهو اختيار الخرقي لأن اليمين تقتضي المنع من تخلف فعل المخلوف عليه فاقتضت المنع من فعل شئ منه كالنهي ونظير الحلف على ترك الشئ قوله سبحانه (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم) وقوله (لا تدخلوا بيوت النبي) لا يكون النهي ممتثلا الا بترك الدخول كله فمتى أدخل بعضه لم يكن تاركاً لما حلف عليه فكان مخالفاً كالنهي عن الدخول والخلاف إنما هو في اليمين المطلقة فأما إن نوى الجميع أو البعض فيمينه على ما نوى وكذلك إن اقترنت
به قرينة تقتضي أحد الأمرين تعلقت يمينه به كمن حلف لا شربت هذا النهر أو هذه البركة تعلقت يمينه ببعضه وجهاً واحدا وفيه خلاف نذكره في موضعه بعد
* (مسألة) * (وإن حلف ليفعلن شيئاً أو ليدخل الدار، لم يبرأ إلا بفعل جميعه، والدخول إلى الدار بجملته) .
لا يختلف المذهب في ذلك ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً لأن اليمين تناولت فعل الجميع فلم يبرأ إلا بفعله كما لو أمره الله تعالى بفعل شئ لم يخرج من عهده الأمر إلا بفعل الجميع لأن اليمين على فعل شئ اخبار بفعله في المستقبل مؤكد بالقسم والخبر بفعل شئ يقتضي فعله كله * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل داراً فأدخلها بعض جسده أو دخل طاق الباب أولا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوباً فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الكوز فشرب بعضه خرج على الروايتين فيمن فعل بعض المحلوف عليه، وقد ذكرناه قبل هذه المسألة * (مسألة) * (وإن حلف لا يشرب ماء هذا النهر فشرب منه حنث وجها واحداً) لأن فعل الجميع ممتنع فلا تنصرف يمينه إليه وكذلك إن قال والله لا آكل الخبز ولا أشرب الماء وما أشبهه مما علق على اسم جنس أو علقه على اسم جمع كالمسلمين والمشركين والفقراء والمساكين فإنه يحنث بالبعض، وبهذا قال أبو حنيفة وسلمة وأصحاب الشافعي في أسم الجنس دون الجمع وموا؟ علقه على اسم جنس مضاف كقوله والله لا شربت ماء هذا النهر، أو قال والله لا شربت الماء وهو قول
أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر لا يحنث لأن لفظه يقتضي جميعه فلم يحنث بفعل بعضه كالادواة ولنا أنه لا يمكن شرب جميعه فتعلقت يمينه ببعضه كما لو حلف لا يكلم الناس فكلم بعضهم وبهذا فارق ماء الادواة فإن نوى بيمينه فعل الجميع وكان في لفظه ما يتقضي ذلك لم يحنث إلا بفعل الجميع بلا خلاف فلو قال لا صمت يوماً أو لا صليت صلاة أو لا أكلت رغيفاً أو قال لزوجته إن حضت حيضة
فهذا وشبهه مما يدل على ارادة الجميع فوجب تعلق اليمين به (فصل) إذا حلف لا شربت من ماء الفرات فشرب من مائه حنث سواء كرع فيه أو اغترف منه ثم شربه وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة لا يحنث حتى يكرع فيه لأن حقيقة ذلك الركع فلم يحنث بغيره كما لو حلف لا يشرب من هذا الانا فصب منه في غيره وشرب ولنا أن معنى يمينه إن لا يشرب من ماء الفرات لأن الشرب يكون من مائها لا منها في العرف فحملت اليمين عليه كما لو حلف لا شربت من هذا البئر ولا أكلت من هذه الشجرة ولا شربت من هذه الشاة، ويفارق الكوز فإن الشرب في العرف منه لأنه آلة للشرب بخلاف النهر، وما ذكروه يبطل بالبئر والشاة والشجرة وقد سلموا أنه لو استسقى من البئر أو حلف لبن الشاء أو التقط من الشجرة فشرب وأكل أنه يحنث فكذا في مسئلتنا (فصل) وإن حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ منه حنث لأنه من ماء الفرات وإن حلف لا يشرب من الفرات فشرب من نهر يأخذ منه ففيه وجهان [أحدهما] يحنث لأن معنى الشرب منه الشرب من مائه فحنث كما لو حلف لا شربت من مائه وهذا أحد الاحتمالين لاصحاب الشافعي (والثاني) لا يحنث، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إلا ابا يوسف فإن عنه رواية أنه يحنث
وإنما قلنا إنه لا يحنث لأن ما أخذه النهر يضاف إلى ذلك النهر لا إلى الفرات وبزول باضافته إليه عن إضافته إلى الفرات فلا يحنث به كغير الفرات * (مسألة) * (وإن حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاماً طبخه فلبس ثوباً نسجه هو وغيره أو اشتراه أو أكل طعاماً طبخاه فعلى روايتين)[إحداهما] يحنث كما لو حلف أن لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها (والثانية) لا يحنث وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه لم يلبس ثوباً كاملاً، وكذلك إن حلف لا يلبس ثوبا نسجه زيد ولا يأكل من قدر طبخها ولا يدخل داراً اشتراها ولا يلبس ثوباً خاطه زيد ففعل ذلك
هو وغيره فلبس الثوب أو دخل الدار أو أكل الطعام ففي هذا كله من الخلاف ما ذكرنا فيمن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه، فأما إن حلف لا يلبس مما خاطه زيد فإنه يحنث بلبس ثوب خاطاه جيمعا لأنه لبس مما خاطه زيد بخلاف ما إذا قال ثوباً خاطه زيد، وإن حلف لا يدخل داراً لزيد فدخل داراً له ولغيره خرج فيه وجهان بناء على ما ذكرنا * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل طعاماً اشتراه زيد فأكل طعاماً اشتراه هو وغيره حنث إلا أن يكون اراد أن لا ينفرد أحدهما بالشراء) وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي لا يحنث وذكر أبو الخطاب فيه احتمالين لأن كل جزء لم ينفرد أحدهما بشرائه فلم يحنث كما لو حلف لا يلبس ثوباً اشتراه زيد فلبس ثوباً اشتراه هو وغيره ولنا أن زيداً اشترى نصفه وهو طعام وقد أكله فأشبه ما لو اشتراه زيد وخلطه بما اشتراه عمرو فأكل الجميع، فأما الثوب فلا نسلمه وإن سلمناه فالفرق بينهما أن نصف الثوب ليس بثوب ونصف الطعام طعام وقد أكله بعد أن اشتراه زيد، وإن اشترى زيد نصفه مشاعاً أو اشترى نصفه ثم اشترى آخر باقيه فأكل منه حنث والخلاف فيه على ما تقدم، فأما إن اشترى زيد نصفه معيناً ثم خلطه بالنصف الآخر ثم أكل أكثر من النصف حنث وجها واحداً بغير خلاف لأنه أكل مما اشتراه زيد يقيناً
وإن أكل نصفه أو أقل من نصفه ففيه وجهان [أحدهما] يحنث لأنه يستحيل في العادة انفراد ما اشتراه زيد من غيره فيكون الحنث ظاهراً (والثاني) لا يحنث لأن الأصل عدم الحنث ولم يتيقن وإن أكل من طعام اشتراه زيد ثم باعه أو اشتراه لغيره حنث ويحتمل أن لا يحنث وكل وضع لا يحنث فحكمه حكم ما لو حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم * (باب التأويل في الحلف) * ومعنى التأويل أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره فإن كان الحالف ظالماً لم ينفعه تأويله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " وإن لم يكن ظالماً فله تأويله نحو أن يحلف أنه أخي
يريد بذلك أخره في الإسلام أو يعني بالسقف والبناء السماء وبالبساط والفراش الأرض وبالأوتاد الجبال وباللباس الليل أو يقول ما رأيت فلاناً أي ما ضربت رئته ولا ذكرته أي ما قطعت ذكره أو يقول جواري أحرار، يعني سفنه ونسائي طوالق يعني النساء الأقارب منه أو يقول ما كاتبت فلاناً ولا عرفته ولا أعلمته ولا سأله حاجة ولا أكلت له دجاجة ولا فروجاً ولا شربت له ماء ولا في بيتي فرش ولا حصير ولا بارية، ويعني بالمكاتبة مكاتبة الرقيق بالتعريف جعله عريفاً وبالاعلام جعله أعلم الشفة والحاجة شجرة صغيرة والدجاجة الكبة من الغزل والفروج الدراعة والفرش صغار الابل والحصير الحبس والبارية السكين التي يبري بها، أو يقول والله ما أكلت من هذا شيئاً ولا أخذت منه يعني الباقي بعد أخذه وأكله فهذا واشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه إذا عناه بيمينه فهو تأويل لأنه خلاف الظاهر.
(فصل) ولا يخلو حال الحالف المتأول من ثلاثة أحوال [أحدها] أن يكون مظلوماً مثل أن يستحلفه ظالم على شى لو صدقه لظلمه أو ظلم غيره أو نال
مسلماً منه ضرر فهذا له تأويله، قال مهنا سألت أحمد عن رجل له امرأتان اسم كل واحدة منهما فاطمة فماتت واحدة منهما فحلف بطلاق فاطمة ونوى التي ماتت، قال إن كان المستحلف له ظالما فالنية نية صاحب الطلاق وإن كان المطلق هو الظالم فالنية نية الذي استحلفه، وروى أبو داود بإسناده عن سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت أنه أخي فخلى سبيله فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال " إن كنت أصدقهم وأبرهم المسلم أخو المسلم " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غير ما عناه، قال محمد بن سيرين الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب لكثرة المعاريض وخص الظريف بذلك يعني به الكيس الفطن فإنه يفطن التأويل فلا حاجة به إلى الكذب (الوجه الثاني) أن يكون الحالف ظالما كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده فهذا تنصرف
يمينه إلى ظاهر الذي عناه المستحلف ولا ينفع الحالف تأويله، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً فإن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " رواه مسلم ولأنه لو ساغ التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة، فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك فصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق، قال إبراهيم في رجل استحلفه السلطان على شئ بالطلاق فورى في يمينه إلى شئ أجزأ عنه وإن كان ظالماً لم يجز عنه التأويل.
(الحال الثالث) أن لا يكون ظالماً ولا مظلوماً فظاهر كلام أحمد أن له تأويله فإنه روي أن مهنا كان عنده هو والمروذي وجماعة فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه فوضع مهنا أصبعه في كفه، وقال ليس المروذي ههنا وما يصنع المروذي ههنا يريد ليس المروذي في كفه فلم ينكره أبو عبد الله.
وروي أن مهنا قال أني أريد الخروج يعني السفر الى بلده وأحب أن تسمعني الجزء الفلاني فاسمعه إياه ثم رآه بعد ذلك فقال ألم تقل إنك تريد الخروج فقال له مهنا قلت لك إني أريد الخروج الآن؟ فلم ينكر عليه، وهو مذهب الشافعي ولا نعلم في هذا خلافا أيضاً، وروى سعيد عن جرير عن المغيرة قال كان إذا طلب إنسان إبراهيم ولم يرد ابراهيم أن يلقاه خرجت إليه الخادم فقال اطلبوه في المسجد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه فقال لعجوز " لا يدخل الجنة عجوز " يعني أن الله ينشئهن عربا أترابا، وقال أنس أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله احملني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنا حاملوك على ولد ناقة " فقال وما أصنع بولد الناقة؟ قال " وهل تلد الإبل إلا النوق " رواه أبو داود وقال لامرأة وقد ذكرت له زوجها، هو الذي في عينه بياض " فقالت يا رسول الله أنه لصحيح العين وأراد النبي صلى الله عليه وسلم البياض الذي حول الحدقة وقال لرجل احتضنه من ورائه " من يشتري العبد؟ فقال يا رسول الله تجدني إذا كاسدا قال " لكنك عند الله لست بكاسد " وهذا كله من التأويل والمعاريض، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقاً فقال " لا أقول إلا حقاً "
وروي عن شريح أنه خرج من عند ابن زيادة وقد حضره الموت فقيل له كيف تركت الأمير؟ فقال تركته يأمر وينهى فلما مات قيل له كيف قلت ذلك؟ فقال تركته يأمر بالصبر وينهي عن البكاء والجزع، ويروى عن شقيق أن رجلاً خطب امرأة وتحته أخرى فقالوا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال اشهدوا إني قد طلقت ثلاثاً فزوجوه فقام على امرأته فقالوا قد طلقت ثلاثاً قال ألم تعلموا أنه كان لي ثلاث نسوة فطلقتهن؟ قالوا بلى قال قد طلقت قالوا ما هذا أردنا فذكر ذلك شقق لعثمان فجعلها نيته، ويروى عن الشعبي أنه كان في مجلس فنظر إليه رجل ظن أنه طلب منه التعريف به والثناء عليه فقال الشعبي إن له بيتاً وشرفاً فقيل للشعبي بعد ما ذهب الرجل تعرفه؟ فقال لا ولكنه نظر
إلي قيل فكيف اثنيت عليه؟ قال شرفه اذناه وبيته الذي يسكنه، وروي ان رجلاً أخذ على شراب فقيل له من أنت فقال: أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره * وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً على باب داره * فمنهم قيام حولها وقعود فظنوه شريفاً فخلوا سبيله ثم سألوا عنه فإذا هو ابن الباقلاني، وأخذ الخوارج رافضياً فقالوا تبرأ من عثمان علي فقال أنا من علي وعثمان برئ فهذا وشبهه هو التأويل الذي لا يعذر به الظالم ويسوغ لغيره مظلوماً كان أو غير مظلوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في المزاح من غير حاجة إليه * (مسألة) * (فإذا أكل تمراً فقال لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت ولم تعلم فإنها تعد له عدداً يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك) مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله وكذلك إن قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة ولا يحنث إذا كانت نيته ذلك، وإن نوى الاخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب أنه لا يبرأ إلا بذلك أيضاً لأن ظاهر حال الحالف إرادته فتنصرف يمينه إليه كالاسماء العرفية التي تنصرف اليمين عليها إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقة ولو أكلا تمراً فحلف لتميزن نوى ما أكلت فأفردت كل نواء وحدها فالحكم فيها كالتي قبلها
* (مسألة) * (وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا يدخله بارية فإنه يدخل قصبا فينسجه فيه فيجلس عليها في البيت فلا يحنث)
لأنه قد قعد على بارية في بيته ولم يدخله بارية إنما أدخله قصباً وليس هو بارية * (مسألة) * (وإن حلف ليطبخن قدراً برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق به بيضا ويأكل منه ولا يحنث) لأن الصفة وجدت * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل بيضاً ولا تفاحاً وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجد فيه بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفاً ومن التفاح شراباً ويأكل منه لا يحنث) لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح * (مسألة) * (وإن كان على سلم فحلف لا نزلت إليك ولا صعدت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة) يريد إذا كان له امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى أسفل (فلتنزل العليا ولتصعد السفلى ثم ينزل إن شاء أو يصعد فتنحل يمينه) لأن الصفة لم توجد * (مسألة) * (وإن حلف لا قمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر وتنحل يمينه) لأنه لم يقم عليه ولا صعد فيه ولا نزل منه إنما نزل أو صعد من غيره * (مسألة) * (وإن حلف لا قمت في هذا الماء ولا خرجت منه وكان الماء جارياً لم يحنث) لأن الماء المحلوف عليه جرى وصار في غيره فلم يحنث سواء أقام أو خرج لأنه إنما يقف في غيره أو يخرج منه، وهذا الذي ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي لأن الايمان عندهم تبنى على اللفظ لا على القصد وكذلك قالوا لا يحنث في هذه الأيمان السابقة كلها، وقال القاضي في كتاب آخر: قياس المذهب أنه يحنث إلا أن ينوي عين الماء الذي هي فيه لأن إطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو إقامتها فيه * (مسألة) * (فإن كان الماء واقفاً حمل منه مكرها) لئلا ينسب إليه فعل * (مسألة) * (وإن استحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة وكانت عنده وديعة فإنه يعني بما الذي ويبر في يمينه) لأنه صادق * (مسألة) * (وإن حلف عاملان ههنا وعنى موضعاً معينا بر في يمينه)
لصدقه في ذلك.
وقد ذكرنا ما رواه مهنا أنه كان هو والمروذي عند أحمد فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه فوضع مهنا أصبعه في كفه وقال ليس المروذي ههنا، يريد ليس هو في كفه فلم ينكره أبو عبد الله * (مسألة) * ولو سرقت منه امرأته شيئاً فحلف بالطلاق لتصدقني أسرقت مني شيئاً أم لا وخانت
أن تصدقه فإنها تقول سرقت منك ما سرقت منك، ولو استحلفه ظالم هل رأيت فلاناً أو لا وكان قد رآه فإنه يعني بما رأيته ما ضربت رئته * (مسألة) * (ولو حلف على امرأته لا سرقت مني شيئاً فخانته في وديعته لم يحنث) لأن الخيانة ليس بسرقة إلا أن ينوي ذلك فيحنث (فصل) ولو قال أن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق وكانا جميعا في السوق فقيل يعتق العبد ولا تطلق المرأة لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد فلم يبق له في السوق عبد، ويحتمل أن يحنث بناء على قولنا فيمن حلف على معين تعلقت اليمين بعينه دون صفته كما لو قال إن كلمت عبدي سعداً فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك ههنا لأن يمينه تعلقت بعبد معين وإن لم يرد عبداً بعينه لم تطلق المرأة لأنه لم يبق له عبد في السوق، ولو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها لم يحنث إلا على قول من قال إنه يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وإن نوى الجميع لم يحنث بحال (فصل) قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم قال يصلي العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس أغتسل إن لم يكن أراد بقوله اغتسلت منك المجامعة، وقال في رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أطأك في رمضان فسافر مسيرة أربعة أيام أو ثلاثة ثم وطئها فقال لا يعجبني لأنها حيلة ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره قال القاضي إنما كره أحمد هذا لأن السفر الذي يبيح الفطر السفر المباح المقصود وهذا لا يقصد به غير حل اليمين، والصحيح أن هذا تنحل به اليمين ويباح به الفطر لأنه سفر بعيد مباح لقصد صحيح
فإن إرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة، وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا يقصر فيها وبعيدة أن يملك البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فههنا أولى (باب الشك في الطلاق) إذا شك هل طلق أو لا لم تطلق) وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك، والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة فقال " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا " متفق عليه فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك ولأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه كما لو شك المتطهر في الحدث.
قال شيخنا والورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه طلاقاً رجعياً راجع امرأته إن كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها إن كانت غير مدخول بها، وقد انقضت عدتها وإن شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره وحكي عن شريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة فتكون صحيحة في الحكم وليس بشئ لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكاً في تحريمها عليه فلا تفيد الرجعة * (مسألة) * (وإن شك في عدد الطلاق بنى على اليقين لما ذكرنا وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر واحد ة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لزمته النفقة ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق؟ لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل) وجملة ذلك أن من طلق وشك في عدد الطلقات بنى على اليقين نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثاً فقال أما الواحدة فقد وجبت عليه وهي عنده حتى يستيقن وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه فلم يلزمه كما
لو شك في أصل الطلاق إذا ثبت هذا فإنه تبقى أحكامه أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة وإذا رجع عادت الى ما كانت عليه قبل الطلاق وقال الخرقي يحرم وطؤها ونحوه قول مالك إلا أنه حكي عنه أنه يلزمه الأكثر من الطلاق المشكوك فيه وقولهما متيقن للتحريم لأنه تيقن وجوده بالطلاق وشك في رفعه بالرجعة فلا يرتفع بالشك كما لو أصاب ثوبه نجاسة وشك في موضعها فإنه لا يزول حكم النجاسة بغسل موضع من الثوب ولا يزول حتى يغسله جميعه وفارق لزوم النفقة فإنها لا تزول بالطلقة الواحدة فهي باقية لأنها كانت باقية وقد شككنا في زوالها وظاهر قول سائر أصحابنا أنه إذا راجعها حلت له وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور لأن التحريم المتعلق بما تيقنه يزول بالرجعة يقينا فإن التحريم أنواع (تحريم)
تزيله الرجعة (وتحريم) يزيله نكاح جديد (وتحريم) يزيله نكاح بعد زوج وإصابة ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى كمن تيقن الحدث الأصغر لا يثبت فيه حكم الأكبر ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة فنظير مسئلتنا إذا تيقن نجاسة كم الثوب وشك في نجاسة سائره فإن حكم النجاسة فيه يزول بغسل الكم وحده كذا ههنا ويمكن منع حصول التحريم ههنا ومنع تيقنه فإن الرجعية مباحة لزوجها في ظاهر المذهب فما هو إذا متيقن للتحريم بل هو متيقن للاباحة شاك في التحريم وكذلك قال الخرقي فيمن حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطئ امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله وهذه المسألة لا تخلو من أحوال ثلاث (أحدها) أن يتحقق أكل التمرة المحلوف عليها إما أن يعرفها بعينها أو صفتها أو يأكل التمر كله أو الجانب الذي وقعت فيه كله فيحنث بلا خلاف بين أهل العلم لأنه أكل التمرة المحلوف عليها (الثاني) ان يتحقق أنه لم يأكلها أما بأن لا يأكل من التمر شيئاً أو يأكل شيئاً يعلم أنه غيرها فلا يحنث أيضاً بلا خلاف ولا يلزمه اجتناب زوجته (الثالث) أكل من التمر شيئاً واحدة أو أكثر الى أن لا يبقى منه إلا واحدة ولم يدر أكلها
أولا فهذه مسألة الخرقي ولا يتحقق حنثه لأن الباقية يحتمل أنها المحلوف عليها ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي فعلى هذا يكون حكم الزوجية باقياً في لزوم نفقتها وكسوتها ومسكنها وسائر أحكامها إلا في الوطئ فإن الخرقي قال يمنع من وطئها لأنه شاك في حلها فحرمت عليه كما لو اشتبهت عليه امرأته بأجنبية وذكر أبو الخطاب أنها باقية على الحل وهو مذهب الشافعي لأن الأصل الحل فلا يزول بالشك كسائر أحكام النكاح ولان النكاح باق حكمه فأثبت الحل كما لو شك هل طلق أولا؟ وإن كانت يمينه ليأكلن هذه التمرة فلا يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها * (مسألة) * (وإن قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة بعينها طلقت وحدها فإن لم ينو اخرجت المطلقة بالقرعة) أما إذا نوى واحدة بعينها فإنها تطلق وحدها لانه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه فإن قال إنما أردت فلانة قبل منه لأن ما قاله محتمل ولا يعرف إلا من جهته وأما إن لم ينو واحدة بعينها فانه تخرج بالقرعة نص عليه في رواية جماعة وبه قال الحسن وأبو ثور وقال قتادة ومالك يطلقن جميعاً وقال
حماد بن أبي سليمان الثوري وأبو حنيفة والشافعي له أن يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه لا يمكن إيقاعه ابتداء وتعيينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعينه لأنه استيفاء ما ملكه ولنا أن ما ذكرناه مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ولا مخالف لهما من الصاحبة ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بكون النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد الستة ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية في العبيد إذا أعتقهم في مرضه ولم يخرج جميعهم من الثلث وكالسفر بإحدى نسائه والبداية باحداهن في القسم وكالشريكين إذا اقتسما ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية وأما الدليل على أنهن لا يطلقن جميعاً أنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها، قولهم إنه كان يملك الإيقاع والتعيين قلنا ملكه للتعيين بالإيقاع لا يلزم أن يملكه بعده كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها فإن مات قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها
بالتطليق منهن وقال الشافعي يوقف الميراث المختص بهن حتى يصطلح من عليه لأنه لا يعلم المستحق منهن ووجه قول الخرقي قول علي رضي الله عنه ولأنهن قد تساوين ولا سبيل إلى التعيين فوجب المصير إلى القرعة كمن أعتق عبيداً في مرضه لا مال له سواهم وقد ثبت الحكم فيهم بالنص لأن في توريث الجميع توريث من لا يستحق يقينا والوقف لا إلى غاية حرمان للمستحق يقينا والقرعة تسلم من هذين المحذورين ولها نظير في الشرع * (مسألة) * (فإن قال لنسائه إحداكن طالق غداً طلقت واحدة منهن إذا جاء الغد وأخرجت بالقرعة) فإن مات قبل الغد ورثنه كلهن وإن ماتت إحداهن ورثها لأنها ماتت قبل وقوع الطلاق فإذا جاء غد أقرع بين الميتة والأحياء فإن وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شئ من الأحياء وصارت كالمعينة بقوله أنت طالق غداً وقال القاضي قياس المذهب أن يتعين الطلاق في الأحياء فلو كانتا اثنتين فماتت إحداهما طلقت كما لو قال لامرأته واجنبية إحداكما طالق وهو قول أبي حنيفة والفرق بينهما ظاهر فإن الأجنبية ليست محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف قوله إليها وهذه قد كانت محلاً للطلاق فإرادتها بالطلاق ممكنة وارادتها بالطلاق كإرادة الأخرى وحدوث الموت بها لا يقتضي في حق الاخرى طلاقها فتبقى على ما كانت عليه والقول في تعليق العتق كالقول
في تعليق الطلاق فإذا جاء غد وقد باع بعض العبيد أقرع بينه وبين العبد الآخر فإن وقعت على المبيع لم يعتق منه شئ وعلى قول القاضي ينبغي أن يتعين العتق في الباقين وكذلك ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن له تعيين العتق عندهم بقوله فبيع أحدهم صرف للعتق عنه فيتعين في الباقين فإن باع نصف العبد أقرع بينه وبين الباقين فإن وقعت قرعة العتق عليه عتق نصفه وسرى إلى باقيه إن كان المعتق موسراً وإن كان معسراً لم يعتق إلا نصفه (فصل) وإذا قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى معينة انصرف إليها وإن نوى واحدة مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو شيئاً فقال أبو الخطاب يطلق نساؤه كلهن ويعتق إماؤه لأن الواحد المضاف يراد به الكل كقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها - و - أحل لكم ليلة الصيام) ولأن
ذلك يروي عن ابن عباس وقال الجماعة يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو قال إحداكن طالق وإحداكن حرة لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجمع إلا مجازاً والكلام يحمل على حقيقته ما لم يصرفه عنها دليل ولو تساوي الاحتمال لوجب قصره على الواحدة لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما زاد عليها بأمر مشكوك فيه وهذا أصح والله أعلم * (مسألة) * (وإن طلق واحدة وأنسيها فكذلك عند أصحابنا) أكثر أصحابنا على أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم الطلاق فيها تحل له الباقيات وقد روى اسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل ههنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث فإنه قال سألت أحمد عن الرجل يطلق المرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق قال أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت أرأيت إن مات هذا؟ قال أقول بالقرعة وذلك لأن القرعة تصير على المال وجماعة من روي عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث فإما في الحل فلا ينبغي أن يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم فالكلام إذا في المسألة في شيئين (أحدهما) في استعمال القرعة في المنسية في التوريث (والثاني) في استعمالها فيها للحل أما الأول فوجهه ما روى عبد الله بن حميد قال قال سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق إحداهن ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق؟ فقال قال علي رضي الله عنه أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة وأقسم بينهن الميراث ولأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح استعمالها لأنها اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت أجنبية لم يكن له عليها عقد ولأن القرعة لا تزيل التحريم عن المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولاحتمال كون المطلقة غير من وقعت عليها القرعة ولهذا لو
ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها وقال الخرقي فيمن طلق امرأته فلم يدر واحدة طلق أم ثلاثا؟ ومن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فههنا أولى وكذلك الحكم فيمن أوقع الطلاق على امرأة بعينها
ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى امرأة مولية فيقول أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه فإن جميع نسائه يحرمن عليه حتى يعلم المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع لأنهن محبوسات عليه وإن أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئاً ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزويج لأنها يجوز أن تكون غير المطلقة، وقال أصحابنا إذا أقرع بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها وأبيح للزوج من سواها كما لو طلق واحدة غير معينة واحتجوا بما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه ولأنها مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال إحداكن طالق ولم يرد واحدة بعينها ولأنه إزالة أحد الملكين المبنيين على التغليب والسراية أشبه العتق، قال شيخنا والصحيح أن القرعة لا مدخل لها ههنا لما ذكرنا من الأدلة وتحرمان عليه كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية، وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة فإنها تصلح للتعيين، وفي مسئلتنا الطلاق واقع على معينة لا محالة والقرعة لا ترفعه عنها ولا توقعه على غيرها ولا يؤمن وقوع القرع على غيرها واحتمال وقوع القرعة على غيرها كاحتمال وقوعها عليها بل هو أظهر من غيرها فإنهن إذا كن أربعا فاحتمال وقوعه في واحدة منهن بعينها أندر من احتمال وقوعه في واحدة من ثلاث وكذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية أو ميتة بمذكاة أو زوجته بأجنبية أو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر واشباه ذلك مما يطول ذكره لا تدخله قرعة فكذا ههنا وأما حديث علي فهو في الميراث لا في الحل وما نعلم بالقول بها في الحل من الصحابة قائلاً.
* (مسألة) * (فعلى قول اصحابنا إن تبين أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة بأن يذكر ذلك تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر، وقوله في هذا مقبول لأنه يقر على نفسه وترد إليه التي خرجت عليها القرعة لأننا ظهر لنا أنها غير مطلقة والقرعة ليس بطلاق صريح ولا كناية فإن لم تكن تزوجت ردت إليه وقبل قوله في هذا لأنه أمر من جهته لا يعرف إلا من قبله
* (مسألة) * (إلا أن تكون قد تزوجت أو يكون بحكم حاكم لأنها إذا تزوجت فقد تعلق بها
حق الزوج الثاني فلا يقبل قوله في فسخ نكاحه والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها فتقع الفرقة بالزوجين) قال أحمد في رواية الميموني إذا كان له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق ويقرع بينهن فان وقت القرعة على واحدة ثم ذكر فقال هذه ترجع إليه والتي ذكر أنها التي طلق يقع الطلاق عليها فإن تزوجت فهذا شئ قد مر فإن كان الحاكم أقرع بينهن فلا أحب أن ترجع إليه لان الحاكم في ذلك أكثر منه، وقال أبو بكر وابن حامد تطلق المرأتان ولا يرجع إليه واحدة منهما لأن الثانية حرمت بقوله وترثه إن مات ولا يرثها ويجئ على قياس قولهما أن تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها والأولى بالقرعة (فصل) إذا قال هذه المطلقة قبل منه لما ذكرنا وان قال هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأنه أقر بطلاق الأولى فقبل اقراره بطلاق الثانية، ولم يقبل اضرابه عن إقراره بطلاق الأولى وكذلك لو كن ثلاثا فقال هذه بل هذه بل هذه طلقن كلهن، وإن قال هذه أو هذه بل هذه طلقت الثالثة وإحدى الأولتين وإن قال طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الاخريين، وإن قال أنت طالق أو هذه أو هذه، فقال القاضي هي كذلك وذكر أنه قول الكسائي وقال محمد بن الحسن تطلق الثانية وبقي الشك في الأولى والثالثة، ووجه الأول أنه عطف الأولى على الثانية بغير شك ثم فصل بين الثانية والثالثة بحرف الشك فيكون الشك فيهما ولو قال طلقت هذه أو هذه طلقت الثالثة وكان الشك في الأولتين ويحتمل في هاتين المسئلتين أن يكون الشك في الجميع لأنه في الأولى أتى بحرف الشك بعدهما فيعود اليهما وفي المسألة الثانية عطف الثالثة على الشك فعلى هذا إذا قال طلقت هذه أو هذه وهذه طولب بالبيان فإن قال هي الثالثة طلقت وحدها وإن قال لم أطلقها طلقت الأولتان وإن لم يبين أقرع بين الأولتين والثالثة، قال القاضي في المجرد وهذا أصح، وإن قال ليست الأولى طلقت الأخيرتان كما لو قال طلقت هذه أو هاتين وليس له الوطئ قبل التعيين فإن فعل لم يكن تعيينا وإن ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى وقال أبو حنيفة يتعين الطلاق في الأخرى لأنها ماتت قبل ثبوت طلاقها ولنا أن موت إحداهما أو وطأها لا ينفي احتمال كونها مطلقة فلم يكن تعيينا لغيرها مرضها وإن قال طلقت هذه وهذه وهذه والظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أيهما الأولتان أم الآخرتان؟ كما لو
قال طلقت هاتين أو هاتين فإن قال هما الأوليان تعين الطلاق فيهما وإن لم يطلق الأولتين تعين الآخرتان وإن قال إنما أشك في طلاق الثانية والأخريين طلقت الأولى وبقي الشك في الثلاث ومتى فسر كلامه بشئ يحتمل قبل منه.
(فصل) فإن مات بعضهن أو جميعهن أقرعنا بين الجميع خرجت القرعة لها لم نورثها وإن مات بعضهن قبله وبعضهن بعده فخرجت القرعة لميتة قبله حرمناه ميراثها وإن خرجت لميتة بعده حرمناها ميراثه والباقيات يرثهن ويرثنه، فإن قال الزوج بعد موتها هذه التي طلقتها أو قال في غير المعينة هذه التي أردتها حرم ميراثها لأنه يقر على نفسه ويرث الباقيات سواء صدقه ورثتهن أو كذبوه لان علم ذلك إنما يعرف من جهته لأن الأصل بقاء النكاح بينهما وهم يدعون طلاقه إياها والأصل عدمه وهل يستحلف في ذلك؟ فيه روايتان، فإن قلنا يستحلف فنكل حرمناه ميراثها لنكوله ولم يرث الأخرى لاقراره بطلاقها فإن مات فقال ورثته لاحداهن هذه المطلقة فأقرت أو أقر ورثتها بعد موتها حرمناها ميراثه وإن أنكرت أو أنكر ورثتها بقياس ما ذكرناه إن القول قولها لأنها تدعي بقاء نكاحها وهم يدعون زواله والاصل معها فلا يقبل قولهم عليها إلا ببينة وإن شهد اثنان من ورثته أنه طلقها قبلت شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثها ولا على من لا تقبل شهادتهم له كأمهما وجدتهما لان ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج وإنما يتوفر على ضرائرها وإن ادعت إحدى الزوجات أنه طلقها طلاقاً تبين به فأنكرها فالقول قوله وإن مات لم ترثه لإقرارها بانها لا تستحق ميراثه فقبلنا قولها فيما عليها دون مالها وعليها العدة لأنا لم نقبل قولها فيما عليهما وهذا التفريع فيما إذا كان الطلاق يبينها فإن كان رجعياً ومات في عدتها أو ماتت ورث كل واحد منهما صاحبه (فصل) إذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم أيتهن طلق؟ فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة، نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أهل العلم ثم يقرع بين الأربع فأيتهن خرجت قرعتها حرمت وورثت الباقيات، نص عليه أحمد أيضاً وذهب الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني وأبو حنيفة إلى أن الباقي بين الأربع وزعم أبو عبيد أنه قول أهل الحجاز
وأهل العراق جميعاً، وقال الشافعي يوقف الباقي بينهن حتى يصطلحن، ووجه الأول ما تقدم وقد قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ثلاثاً وواحدة اثنتين وواحدة واحدة ومات على أثر ذلك ولا يدري أيتهن طلق ثلاثاً وأيتهن طلق اثنتين وأيتهن واحدة يقرع بينهن
فالتي أبانها تخرج ولا ميراث لها هذا إذا مات في عدتهن وكان طلاقه في صحته فإنه لا يحرم الميراث إلا المطلقة ثلاثاً والباقيات رجعيات يرثنه في العدة ويرثن ومن انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم يرثها ولو كان طلاقه في مرضه الذي مات فيه لورثه الجميع في العدة وفيما بعدها قبل التزويج روايتان (فصل) إذا طلق واحدة لا بعينها أو بعينها فان نسبها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة وخرج ابن حامد وجهاً في أنه لا يصح نكاح الخامسة لأن المطلقة في حكم نسائه بالنسبة إلى وجوب الانفاق عليها وحرمة النكاح في حقها ولا يصح ما قاله لاننا علمنا أن منهن واحدة بائنا منه ليس في نكاحه ولا في عدة من نكاحه فكيف تكون زوجته وإنما الانفاق عليها لأجل حبسها ومنعها من التزوج بغيره لأجل اشتباهها؟ ومتى علمنا بعينها إما بتعيينه أو بقرعة فعدتها من حين طلقها لا من حين عينها، وذكر أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي أن عدتها من حين التعيين وهذا فاسد فإن الطلاق وقع حين إيقاعه وثبت حكمه في تحريم الوطئ وحرمان الميراث من الزوج وحرمانه منها قبل التعيين فكذلك العدة وإنما التعيين يبين لما كان وقعا فإن مات الزوج قبل التعيين فعلى الجميع عدة الوفاة في قول الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني، قال أبو عبيد وهو قول أهل الحجاز والعراق، لأن كل واحدة منهن يحتمل أنها باقية على النكاح والأصل بقاؤه فتلزمها عدته والصحيح أنه يلزم كل واحدة أطول الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق لكن عدة الطلاق من حين طلق وعدة الوفاة من حين موته لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون عليها عدة الوفاة ويحتمل أنها المطلقة فعليها عدة الطلاق فلا تبرأ يقينا إلا بأطولهما وهذا في الطلاق البائن فأما الرجعية فعليها عدة الوفاة بكل حال لأنها زوجة (فصل) إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله لأنه منكر ولان الأصل بقاء
النكاح فان كان لها بما ادعته بينة قبلت ولا يقبل فيه إلا عدلان، ونقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق؟ قال: لا والله إنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص فإن عدمت البينة استحلف في أصح الروايتين نقلها أبو طالب عن أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولكن اليمين على المدعى عليه - وقوله - اليمين على من أنكر " ولأنه يصح من الزوج بذله فيستحلف فيه كالمهر، ونقل ابن منصور عنه لا يستحلف في الطلاق لأنه لا يقضى فيه بالنكول فلا يستحلف فيه كالنكاح إذا ادعى
زوجيتها فأنكرته فإن اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله لما ذكرنا، فعلى هذا إذا طلق ثلاثاً وسمعت ذلك فأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها وعليها أن تفر منه ما استطاعت وتمتنع منه إذا أرادها وتفتدي منه إن قدرت ولا تزين له ولا تقر به وتهرب إن قدرت ولا تقيم معه وهذا قول أكثر أهل العلم قال جابر بن زيد وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين تفر منه ما استطاعت وتفتدي منه بكل ما يكن وقال الثوري وابو حنيفة وأبو يوسف تفر منه وقال مالك لا تتزين له ولا تبدي له شيئاً من شعرها ولا يصيبها إلا مكرهة، وروي عن الحسن والزهري والنخعي يستحلف ثم يكون الاثم عليه، والصحيح ما قاله الأولون لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه فوجب عليها الامتناع والفرار منه كسائر الأجانب، وهكذا لو ادعى نكاح امرأة كذباً وأقام بذلك شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية أو لو تزوجها تزويجاً باطلاً فسلمت إليه بذلك فالحكم في هذا كالحكم في المطلقة ثلاثاً (فصل) ولو طلقها ثلاثاً ثم جحد طلاقها لم ترثه نص عليه أحمد وبه قال قتادة وابو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وابن المنذر وقال الحسن ترثه لأنها في حكم الزوجات ظاهراً ولنا أنها تعلم أنها أجنبية فلم ترثه كسائر الأجنبيات وقال أحمد في رواية أبي طالب تهرب منه ولا تتزوج حتى يظهر طلاقها ويعلم ذلك يجئ فيدعيها فترد عليه وتعاقب، وإن مات ولم يقر بطلاقها لا ترثه لا تأخذ ما ليس لها تفر منه ولا تخرج من البلد ولكن تختفي في بلدها، قيل له فإن بعض الناس قال تقتله هي بمنزلة من يدفع عن نفسه فلم يعجبه ذلك فمنعها من التزوج قبل ثبوت طلاقها لأنها في ظاهر
الحكم زوجة هذا المطلق فإذا تزوجت غيره وجب عليها في ظاهر الحكم العقوبة والرد إلى الأول ويجتمع عليها زوجان هذا بظاهر الأمر وذلك بباطنه ولم يأذن لها في الخروج من البلد لأن ذلك يقوي التهمة في نشوزها ولا في قتله قصداً لأن الدافع عن نفسه لا يقتل قصداً، فأما إن قصدت الدفع عن نفسها فآل إلى نفسه فلا أثم عليها ولا ضمان في الباطن فأما في الظاهر فإنها تؤخذ بحكم القتل ما لم يثبت صدقها (فصل) قال أحمد إذا طلقها ثلاثاً فشهد أربعة أنها وطئها أقيم عليه الحد إنما أوجبه لأنها صارت بالطلاق أجنبية فهي كسائر الأجنبيات بل هي أشد تحريماً لأنها محرمة وطأ ونكاحاً فان جحد طلاقها ووطئها ثم قامت البينة بطلاقه فلا حد عليه وبهذا قال الشعبي ومالك وأهل الحجاز والثوري والاوزاعي وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لأن جحده لطلاقه يوهمنا أنه نسيه وذلك شبهة
في درء والحد عنه ولا سبيل لنا إلى علم معرفته بالطلاق حالة وطئه إلا باقراره بذلك فإن قال وطئتها عالما بأنني كنت طلقتها ثلاثاً كان إقراراً منه بالزنا فيعتبر فيه ما يعتبر في الإقرار بالزنا * (مسألة) * (وإن طار طائر فقال إن كان هذا غراباً ففلانة طالق وإن لم يكن غراباً ففلانة طالق فهي كالمنسية والحكم فيها على ما ذكرنا فيها لأنها في معناها والخلاف فيها على ما ذكرنا * (مسألة) * (وإن قال إن كان الطائر غرابا ففلانة طالق وإن كان حماماً ففلانه طالق لم يحكم بحنثه في واحدة منهما) لأنه متيقن للنكاح شاك في الحنث فلا يزول عن يقين النكاح بالشك لأنه يحتمل أنه غيرهما (فصل) إذا رأى رجلان طائراً فحلف أحدهما بالطلاق أنه غراب وحلف الآخر أنه حمام فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثابت ووقوع الطلاق مشكوك فيه فإن ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالقول قوله لأن الأصل واليقين في جانبه (فصل) فإن قال أحد الرجلين إن كان غراباً فامرأته طالق ثلاثاً وقال الآخر إن لم يكن غراباً فامرأته طالق ثلاثاً فطار ولم يعلما حاله فقد حنث أحدهما لا بعينه ولا يحكم به في حق واحد منهما بعينه بل يبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكن لأن كل واحد منهما يقين نكاح باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه، فأما الوطئ فذكر القاضي أنه يحرم عليهما لأن أحدهما حانث يقينا فأمرأته محرمة
عليه وقد أشكل فحرم عليهما جميعاً كما لو حنث في إحدى امرأتيه لا بعينها وقال أصحاب الرأي والشافعي لا يحرم على واحد منهما وطئ امرأته لأنه محكوم ببقاء نكاحه عن إحدى زوجتيه قمنا إنما تحقق حنثه في واحدة غير معينة وبالنظر إلى كل واحدة مفردة فيقين نكاحها باق وطلاقها مشكوك فيه لكن لما تحققنا أن إحداهما حرام ولم يمكن تمييزها حرمتا عليه جميعاً وكذلك ههنا قد علمنا أن أحد هذين الرجلين قد طلقت امرأته وحرمت عليه وتعذر التمييز فيحرم الوطئ عليهما ويصير كما لو تنجس أحد الانائين لا بعينه فإنه يحرم استعمال كل واحد منهما سواء كانا لرجل واحد أو لرجلين وقال مكحول يحمل الطلاق عليهما جميعاً ومال إليه أبو عبيد فإن ادعى كل واحدة منهما أنه علم الحال وأنه لم يحنث دين فيما بينه وبين الله تعالى ونحو هذا قال عطاء والشعبي والزهري والحارث العكلي والثوري والشافعي لأن كل واحد منهما يمكن صدقه فيما ادعاه وإن أقر كل واحد منهما أنه الحانث
طلقت زوجتاهما على أنفسهما وإن أقر أحدهما حنث وحده فإن ادعت امرأة أحدهما عليه الحنث فأنكر فالقول قوله وهل يحلف؟ على روايتين * (مسألة) * (فان قال أحدهما إن كان غراباً فعبدي حر وقال الآخر إن لم يكن غراباً فعبدي حر فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بعتق واحد من العبدين) لأن الأصل بقاء الرق فإن اشترى أحدهما عبد الآخر بعد أن أنكر حنث نفسه عتق الذي اشتراه لان انكاره حنث نفسه اعتراف منه بحنث صاحبه واقرار منه بعتق الذي اشتراه، وإن اشترى من أقر بحريته عتق عليه، وإن لم يكن منه إنكار ولا اعتراف فقد صار العبدان في يده أحدهما حر لا يعلم عينه فيرجع في تعيينه إلى القرعة وهو قول أبي الخطاب وقال القاضي يعتق الذي اشتراه في الموضعين لأن تمسكه بعبده اعتراف منه برقه وحرية صاحبه وهذا مذهب الشافعي ولنا أنه لم يعترف لفظاً ولا فعل ما يلزم منه الاعتراف فإن الشرع سوغ له إمساك عبده مع الجهل استناداً إلى الأصل فكيف يكون معترفاً مع تصريحه بأنني لا أعلم الحر منهما؟ وإنما اكتفينا في إبقاء رق عبده باحتمال الحنث في حق صاحبه فإذا صار العبدان له وأحدهما حر لا بعينه صار كأنهما كانا له فاعتق
أحدهما وحده فيقرع بينهما حينئذ، فإن كان الحالف واحداً فقال إن كان غراباً فعبدي حر وإن لم يكن غراباً فأمتي حرة ولم يعلم حاله فإنه يقرع بينهما فيعتق أحدهما، فإن ادعى أحدهما أنه الذي أعتق أو إدعى كل واحد منهما ذلك فالقول قول السيد مع يمينه (فصل) فإن قال إن كان غراباً فنساؤه طوالق وإن لم يكن غراباً فعبيده أحرار ولم يعلم حاله منه من التصرف في الملكين حتى يبين وعليه نفقة الجميع فإن كان غراباً طلق نساؤه ورق عبيده فإن ادعى العبيد أنه لم يكن غراباً ليعتقوا فالقول قول السيد وهل يحلف؟ يخرج على روايتين، وإن لم يكن غراباً عتق عبيده ولم تطلق النساء فإن ادعين أنه كان غراباً ليطلقن فالقول قوله وفي تحليفه وجهان وكل موضع قلنا يستحلف فنكل قضي عليه بنكوله وإن قال لا أعلم ما الطائر فقياس المذهب أن يقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد وإن وقعت على العبيد عتقوا ولم تطلق النساء وهذا قول أبي ثور وقال أصحاب الشافعي إن وقعت القرعة على العبيد عتقوا وإن وقعت على النساء لم يطلقن ولم يعتق العبيد لأن القرعة لها مدخل في العتق لكون النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد الستة ولا مدخل لها في الطلاق لأنه لم ينقل مثل ذلك
فيه ولا يمكن قياسه على العتق لان الطلاق حل قيد النكاح والقرعة لا تدخل في النكاح والقرعة حل الملك، والقرعة تدخل في تمييز الأملاك قالوا ولا يقرع بينهم إلا بعد موته.
قال شيخنا ويمكن أن يقال على هذا أن ما لا يصلح للتعيين في حق الموروث لا يصح في حق الوارث كما لو كانت اليمين في زوجتين ولأن الاماء محرمات على الموروث تحريماً لا تزيله القرعة فلم يبحن للوارث بها كما لو تعين العتق فيهن.
* (مسالة) * (إذا قال لامرأته واجنبية إحداكما طالق، أو قال لحماته ابنتك طالق أو قال سلمى طالق، واسم امرأته سلمى، طلقت امرأته) لأنه لا يملك طلاق غيرها ولأنه إزالة ملك أشبه ما لو باع ماله ومال غيره صح في ماله دون غيره فإن قال أردت الأجنبية لم يصدق.
قال أحمد في رجل تزوج امرأة فقال لحماته ابنتك طالق وقال أردت ابنتك الأخرى التي ليست بزوجتي فلا يقبل منه.
وقال في رواية أبي داود في رجل له امرأتان اسماهما فاطمة ماتت إحداهما فقال فاطمة طالق ينوي الميتة فقال الميتة تطلق؟ قال أبو داود كأنه أراد في الرواية الأولى أن لا نصدقه في الحكم، وفي الثانية يدين.
وقال القاضي فيما إذا نظر إلى امرأته وأجنبية فقال إحداكما طالق وقال أردت الأجنبية فهل يقبل؟ على روايتين.
وقال الشافعي يقبل ههنا ولا يقبل فيما إذا قال سلمى طالق وقال أردت أجنبية اسمها سلمى لأن سلمى لا يتناول الأجنبية بصريحه بل من جهة الدليل وقد عارضه دليل آخر وهو أن لا تطلق غير زوجته فصار اللفظ في زوجته أظهر فلم يقبل خلافه.
أما إذا قال إحداكما فانه تناول الأجنبية بصريحه، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور يقبل في الجميع لأنه فسر كلامه بما يحتمله.
ولنا أنه لا يحتمل غير امرأته على وجه صحيح فلم يقبل تفسيره به كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله وكما لو قال سلمى طالق عند الشافعي، ولا يصح ما ذكروه من الفرق فإن قوله إحداكما ليس بصريح في واحدة منهما بعينها وسلمى يتناول واحدة لا بعينها ثم تعينت الزوجة لكونها محلاً للطلاق وخطاب غيرها به عبث كما لو قال إحداكما طالق ثم لو تناولها بصريحه لكن صرفه عنها دليل فصار ظاهراً في غيرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للمتلاعنين " أحداكما كاذب " لم ينصرف إلا إلى الكاذب منهما وحده ولما قال حسان يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سفيان * فشركما لخيركما الفداء * لم ينصرف شرهما إلا إلى أبي سفيان وخيرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهذا في الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيدين فيه فمتى علم من
نفسه أنه أراد الأجنبية لم تطلق زوجته لأن اللفظ محتمل له وإن كان غير مقيد، ولو كانت ثم قرينة دالة على إرادته الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه قبل قوله في الحكم لوجود الدليل الصارف اليها وان لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل الطلاق واللفظ يحتملها ويصلح لها ولم يصرفه عنها فوقع بها كما لو نواها * (مسألة) * (فإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق بظنها المناداة طلقت
في إحدى الروايتين) وهو قول النخعي وقتادة والاوزاعي وأصحاب الرأي واختاره ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق وهي محل له فطلقت كما لو قصدها (والثانية) تطلق التي ناداها وحدها وهو قول الحسن والزهري وابي عبيد، قال أحمد في رواية مهنا في رجل له امرأتان فقال فلانه أنت طالق فالتفت فإذا هي غير التي حلف عليها قال: قال ابراهيم يطلقان والحسن يقول تطلق التي نوى، قيل له ما تقول أنت، قال تطلق التي نوى وذلك لأنه لم يقصدها بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول أنه طاهر فسبق لسانه فقال أنت طالق، وقال أبو بكر لا يختلف كلام أحمد أنها لا تطلق، وقال الشافعي تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو غيرها ولا تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولم يعترف بطلاقها، وهذا يبطل بما لو علم أن المجيبة غيرها فإن المنوية تطلق بارادتها بالطلاق ولولا ذلك لم تطلق بالاعتراف به لأن الاعتراف بما لا يوجب لا يوجب ولان التي لم تجب مقصودة بلفظ الطلاق فطلقت كما لو علم الحال، فإن قال علمت أنها غيرها واردت طلاق المناداة طلقتا معاً في قولهم جميعاً، وإن قال أردت طلاق الثانية وحدها طلقت وحدها لقصده لها وخطابه * (مسالة) * (وإن لقي أجنبية ظنها زوجته فقال فلانه أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته) نص عليه أحمد وقال الشافعي لا تطلق لأنه خاطب بالطلاق غيرها فلم يقع كما لو علم أنها اجنبية فقال أنت طالق ولنا أنه قصد زوجته بلفظ الطلاق واحتمل أن لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولا ذكر اسمها معه وأن علمها اجنبية وأراد بالطلاق زوجته طلقت وإن لم يردها بالطلاق لم تطلق (فصل) وإن لقي امرأته فظنها اجنبية فقال أنت طالق أو تنحي يا مطلقة أو لقي أمته فظنها أجنبية فقال أنت حرة أو تنحي يا حرة فقال أبو بكر فيمن لقي امرأة فقال تنحي يا مطلقة أو يا حرة
وهو لا يعرفها فإذا هي زوجته أو أمته لا يقع بهما طلاق ولا حرية لأنه لم يردهما بذلك فلم يقع بهما شئ
كسبق اللسان إلى ما لم يرده ويحتمل أن لا تعتق الأمة لأن عادة الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله يا حرة وتطلق الزوجة لعدم العادة في المخاطبة بقوله يا مطلقة * (كتاب الرجعة) * وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير، وقال تعالى (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) أي بالرجعة ومعناه إذا قاربن بلوغ أجلهن أي انقضاء عدتهن وأما السنة فروى ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال " مره فليراجعها " متفق عليه.
وروى أبو داود عن عمر قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، وأجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق الحرة دون الثلاث أو العبد إذا طلق واحدة أن لهما الرجعة في العدة ذكره ابن المنذر
* (مسألة) * (إذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث أو العبد واحدة بغير عرض والأمر يقتضي بينونتها فله رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو كرهت لما ذكرنا) أجمع على ذلك أهل العلم وأجمعوا على أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها وقد ذكرنا أن الطلاق معتبر بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثاً كالحرة وفيما إذا طلق الأمة اثنتين خلاف ذكرناه فيما مضى، ولا يعتبر في الرجعة رضا المرأة في ذلك لقول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) أي في العدة فجعل الحق لهم، وقال سبحانه (فأمسكوهن بمعروف) فخاطب الأزواج بالأمر ولم يجعل لهن اختياراً، ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في صلب نكاحه وأجمع أهل العلم على هذا وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث، وقد أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها، فإذا طلقها ثانية فلا رجعة له سواء كانت امرأته حرة
أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضى * (مسألة) * (وألفاظ الرجعة راجعت امرأتي أو رجعتها أو ارتجعتها أو رددتها أو أمسكتها) لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والامساك ورد بهما الكتاب بقوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) وقال (فأمسكوهن بمعروف) يعني الرجعة، والرجعة وردت بها السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها " وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه فإنهم
يسمونها رجعة والزوجة رجعية قال شيخنا) ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق (فصل) والاحتياط أن يقول اشهدا على إني قد راجعت زوجتي إلى نكاحي أو زوجيتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي * (مسألة) * (فإن قال نكحتها أو تزوجتها فليس هو بصريح فيها وهل تحصل الرجعة به؟ فيه وجهان)(أحدهما) لا تحصل به لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود فلا يحصل بالكناية كالنكاح (والثاني) تحصل به الرجعة أومأ إليه أحمد واختاره ابن حامد لأن الأجنبية تباح به فالرجعية أولى فعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق (فصل) فإن قال راجعتك لصحبة أو للاهانة وقال أردت أنني راجعتك لمحبتي إياك أو إهانة لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها، وإن قال أردت أنني كنت أهينك أو أحبك وقد رددتك بفرقي إلى ذلك فليس برجعة، وإن أطلق ولم ينو شيئاً صحت الرجعة ذكره القاضي لأنه أتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون سبباً ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (وهل من شرطها الاشهاد؟ على روايتين)
وجملة ذلك أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضى المرأة ولا علمها بإجماع أهل العلم
لأن حكم الرجعية حكم الزوجات لما نذكره والرجعية امساك لا واستبقاء لنكاحها ولهذا سمى الله تعالى الرجعة إمساكاً وتركها فراقاً وسراحاً فقال (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وفي رواية أخرى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد لها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة فلم تحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح.
فأما الإشهاد ففيه روايتان (إحداهما) يجب، وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) فظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع.
(والرواية الثانية) لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبى حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع وهذه أولى إن شاء الله تعالى ويحمل الأمر على الاستحباب ويؤكد ذلك أن الأمر بالشهادة عقيب قوله (أو فارقوهن) فهو يرجع إلى أقرب المذكورين يقيناً ولا تجب الشهادة فيه فكذلك ما قبله وهو قوله (فأمسكوهن) بطريق الأولى ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب الإشهاد فان قلنا هو شرط فإنه يعتبر وجوده
حال الرجعة فإن ارتجع بغير إشهاد لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الإقرار بها إلا أن يقصد بذلك الإقرار الاتجاع فيصح * (مسألة) * (والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء ولعانه ويرث أحدهما صاحبه إن مات بالإجماع وإن خالعها صح خلعه) وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة.
ولنا أنها زوجة يصح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من الزوج ونكاحه الذي هو سببه والنكاح باق ولا يأمن رجعته على أننا نمنع كونها محرمة.
* (مسالة) * (ويباح لزوجها وطؤها والحلوة والسفر بها ولها أن تتزين له وتتشرف له) قال القاضي هذا ظاهر المذهب.
قال أحمد في رواية أبي طالب لا تحتجب عنه، وفي رواية
أبي الحارث تتشرف له ما كانت في العدة فظاهر هذا أنها مباحة له له أن يسافر بها ويخلو بها ويطؤها وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم الزوجات فأبيحت له كما قبل الطلاق.
وعن أحمد رحمه الله أنها ليست مباحة ولا تحصل الرجعة بوطئها وإن أكرهها عليه فلها المهر إن لم يرتجعها بعده وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء ومالك لأنها مطلقة فكانت محرمة كما لو طلقها بعوض واحدة ولا حد عليه بالوطئ وإن قلنا إنها محرمة لا ينبغي أن يلزمه مهر سواء
راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر كسائر الزوجات ويفارق ما إدا وطئ الزوج بعد إسلام أحدهما في العدة حيث يجب المهر إذا لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم تبينا أن الفرقة وقعت من حين اسلام الأول وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه فاشبهت التي أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفي مسئلتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا وقال أبو الخطاب إذا أكرهها على الوطئ وجب عليه المهر عند من حرمها وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وهو المنصوص عن الشافعي لانه وطئ حرمه الطلاق فوجب به المهر كوطئ المختلعة في عدتها والأول أولى لظهور الفرق بينهما فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجة يلحقها طلاقه وقياس الزوجة على الأجنبية في الوطئ وأحكامه بعيدة.
(فصل) فإذا قلنا إنها مباحة حصلت الرجعة وطئها سواء نوى الرجعة أو لم ينو، اختارها ابن حامد والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري والازاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي، قال بعضهم..ويشهد، وقال مالك واسحاق يكون رجعة إذا أراد به الرجعة لان هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطئ كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب الزوال الملك ومعه خيار فتصرف الملك بالوطئ يمنع عمله كوطئ البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وكما ينقطع به التوكيل في طلاقها
* (مسألة) * (ولا تحصل بمباشرتها والنظر إلى فرجها والخلوة بها الشهرة)
نص عليه أحمد وخرجه ابن حامد على وجهين مبنيين على الروايتين في تحريم المصاهرة به أحدهما هو رجعة، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يباح بالزوجية فحصلت الرجعة به كالوطئ (والثاني) ليس برجعة لانه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة كالنظر فأما الخلوة بها فليست برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح أن الرجعة لا تحصل بها لأنها لا تبطل خيار المشتري للأمة كاللمس لغير شهوة فأما اللمس للشهوة والنظر كذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبهت الحديث معها (فصل) وإن قلنا ليست مباحة لم تحصل الرجعة بوطئها ولا تحصل إلا بالقول، وهذا مذهب الخرقي لقوله والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت امرأتي، وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود وأمر بالإشهاد فيه فلم يحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهو رواية عن احمد * (مسألة) * (ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح) فلو قال راجتك إن شئت لم يصح لذلك ولو قال كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح أيضاً لأنه راجعها
قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وإن قال إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق على شرط فإن راجعها في الردة من أحدهما لم يصح، ذكره أبو الخطاب وهو صحيح مذهب الشافعي لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح ولأن الرجعة تفرير للنكاح والردة تنافي ذلك فلم يصح اجتماعهما، وقال القاضي إن قلنا بتعجيل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وإن قلنا لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة، فان أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأنا تبينا أنه ارتجعها في نكاحه ولأنه نوع إمساك فلم تمنع منه الردة كما لو لم يطلق وإن لم يسلم في العدة تبينا أن الفرقة وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار ابن حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا راجعها بعد إسلام أحدهما
(فصل) قد ذكرنا أن من طلق طلاقاً بغير عوض فله رجعة زوجته ما دامت في العدة إذا كان طلاق الحر أقل من ثلاث أو العبد واحدة فعلى هذا إن كانت حاملاً باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها ما لم تضع الثاني، هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكي عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول وما عليه سائر أهل العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) واسم الحمل متناول لكل ما في البطن فتبقى العدة مستمرة إلى حين وضع باقي الحمل فتبقى الرجعة ببقائها ولأن العدة لو انقضت بوضع بعض الحمل لحل لها التزويج وهي
حامل من زوج آخر ولا قائل به، قال شيخنا وأظن أن قتادة ناظر عكرمة في هذا فقال عكرمة تنقضي عدتها بوضع أحد الولدين فقال له قتادة أيحل لها أن تتزوج؟ قال.
لا قال خصم العبد ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه صح لأنها لم تضع جميع حملها فصارت كمن ولدت أحد الولدين * (مسألة) * (وإن طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فهل له رجعتها؟ على روايتين) وجملة ذلك أنه إذا نقطع حيض المرأة المعتدة في المرة الثالثة ولما تغتسل فهل تنقضي عدتها بطهرها فيه روايتان ذكرهما ابن حامد [إحداهما] لا تنقضي حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك، وهذا ظالم كلام الخرقي فإنه قال في العدد فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج وبه قال كثير من أصحابنا روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد وروي نحوه عن أبي بكر الصديق وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم وروي عن شريك له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة لأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان أجماعاً ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل فكذا هذا، والرواية الثانية أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير والاوزاعي واختاره أبو الخطاب لقول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) والقرء الحيض وقد زالت فيزول التربص وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وقرء الأمة الحيضان "
وقال " دعي الصلاة أيام اقرائك " أي أيام حيضك ولأن انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج وحلها من غيره فلم يتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدد ولأنها لو تركت الغسل اختياراً أو لجنون أو نحوه لم تحل فأما أن يقال بقول شريك إنها تبقى معتدة ولو بقيت عشرين سنة وذلك خلاف قول الله تعالى (ثلاثة قروء) فإن عدتها تصير أكثر من مائتي قرء أو يقال تنقضي العدة قبل الغسل والله أعلم (فصل) إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدة الاول بوطئ الثاني وهل يملك الزوج رجعتها في مدة الحمل؟ يحتمل وجهين (أولهما) أن له رجعتها لأنها لم تنقض عدته فحكم نكاحه باق بأن يلحقها طلاقه وظهاره، وإنما انقطعت عدته لعارض فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه ويبقى سائر أحكام الزوجية ولأنه يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها (والوجه الثاني) ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت على ما مضى من عدة الأول وله ارتجاعها حينئذ وجهاً واحداً ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع تعود إلى عدة الأول وإن لم تحتسب به فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضاً فإن له رجعتها في حيضها وإن كانت لا تعتد بها، وإن حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك رجعتها في حملها
من الثاني إذا رجعها في هذا الحمل ثم بان أنه من الثاني لم يصح فإن بان من الأول احتمل أن لا يصح لأنه راجعها في عدتها منه واحتمل أن لا تصح لأنه راجعها مع الشك في إباحه الرجعة والأول أصح فإن الرجعة ليست بعبادة ببطلها الشك في صحتها وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما إذا نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات فان كل صلاة يشك في أنها هل هي المنسية أو غيرها؟ لو شك في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته وارتفع حدثه فههنا أولى فإن راجعها بعد الوضع وبان الحمل من الثاني صحت رجعته وإن بان من الأول لم تصح لأن العدة انقضت بوضعه * (مسألة) * (وإن انقضت عدتها ولم يرتجعها بانت ولا تحل إلا بنكاح جديد) لقول الله سبحانه
(وبعولتهن أحق بردهن) يريد الرجعة عند جماعة أهل التفسير في ذلك أي في العدة، وأجمع أهل العلم على ان المرأة إذا طلقها زوجها فلم يرتجعها حتى انقضت عدتها أنها تبين منه فلا تحل له إلا بنكاح جديد * (مسألة) * (وتعود على ما بقي من طلاقها سواء رجعت بعد نكاح زوج غيره أو قبله وعنه أنها إن رجعت بعد نكاح زوج غيره رجعت بطلاق ثلاث) وجملة ذلك أن المطلقة لا تخلو من أحد ثلاثة أحوال (أحدها) أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان فهذه تعود إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف علمناه
(والثاني) أن يطلقها ثلاثاً فتنكح زوجاً غيره ويصيبها ثم تزوجها الأول فهذه تعود بطلاق ثلاث بإجماع من أهل العلم حكاه ابن المنذر (الثالث) طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت غيره ثم تزوجها الأول ففيها روايتان (أظهرهما) أنها تعود إليه على ما بقي من الثلاث وهو قول الأكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر (والرواية الثانية) عن أحمد أنها ترجع إليه عن طلاق ثلاث وهو قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف لان وطئ الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها ولنا أن وط الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطئ السيد ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطئ الثاني وقولهم ان وطئ الثاني يثبت الحل لا يصح لوجهين (أحدهما) منع كونه مثبتا للحل أصلا وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية التحريم بدليل قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وحتى للغاية وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الذي قصد الحيلة محللاً تجوزاً بدليل أنه لبنه ومن أثبت حلالاً لم يستحق لعنا (والثاني) أن
الحل انما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثاً وههنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل وقولهم انه
بهدم الطلاق قلنا بل هو غاية لتحريمه وما دون الثلاث لا تحريم فيها فلا يكون غاية له * (مسألة) * (وإن ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من أصابها ردت إليه ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين والأخرى هي زوجة الثاني) وجملة ذلك أن زوج الرجعية إذا راجعها من حيث لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى رضاها فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها وتزوجت ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته وأن نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها أو لم يدخل وهذا هو الصحيح وهو قول أكثر الفقهاء منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه.
وروي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية ثانية أن دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول روى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول مالك، وروي معناه عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن القاسم ونافع لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز العقد عليها في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول فقدم بها ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها كما لو لم يطلقها، إذا ثبت هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شئ على الثاني وإن كان دخل بها فلها عليه مهر المثل لأن هذا وطئ شبهة وتعتد ولا تحل للأول حتى تقضي عدتها منه فإن كان أقام البينة
قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول بغير خلاف في المذهب وهي إحدى الروايتين عن مالك، وأما إن تزوجها مع علمها بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل بغير خلاف والوطئ محرم على من علم وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره لانه وطئ امرأة غيره مع علمه (فصل) وإن لم يكن للمدعي بينة بالرجعة فأنكره أحدهما لم يقبل قوله فان أنكراه جميعاً فالنكاح صحيح في حقهما وإن أعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كالحكم فيما إذا قامت به البينة سواء في أنها ترد إليه، وإن أقر له الزوج وحدة فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه المهر إن كان دخل بها أو نصفه إن كان لم يدخل بها لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها عنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي
لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها وإنما يقبل في حقه ويكون القول قولها، وهل هو مع يمينها أولا؟ على وجهين.
قال شيخنا ولا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل إقرارها فإذا أنكرت لم تجب اليمين وفيه وجه آخر أنها تجب عليها، وإن اعترفت المرأة وأنكر الزوج لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ نكاحه لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها وهل يستحلف؟ يحتمل وجهين (احدهما) لا يستحلف اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح فلم يستحلف كما لو ادعى زوجية امرأة فانكرته (والثاني) يستحلف قال القاضي وهو قول الخرقي لعموم قوله عليه السلام " ولكن اليمين على المدعى عليه " ولأنه دعوى في حق آدمي فيستحلف فيه كالمال فإن حلف فيمينه على نفي
العلم لأنه على نفي فعل الغير فإذا زال نكاحه بطلاق أو فسخ أو موت رددت إلى الأول من غير عقد لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني فإذا زال زال المنع وحكم بأنها زوجة الأول كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه عتق عليه ولا يلزمها للأول مهر بحال، وذكر القاضي أن له عليها مهراً وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا ولنا أن ملكها استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت أو أسلمت أو قتلت نفسها فان ماتت الاول وهي في نكاح الثاني فينبغي أن ترثه لاقراره بزوجيتها واقرارها بذلك وإن ماتت لم يرثها لانها لا تصدق في إبطال ميراث الزوج الثاني كما لم تصدق في إبطال نكاحه ويرثها الزوج الثاني لذلك وإن مات الزوج الثاني لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه * (مسألة) * وإن ادعت المرأة انقضاء عدتها قبل قولها إذا كان ممكناً إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة) وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في وقت يمكن انقضاوها فيها قبل قولها لقول الله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل في التفسير هو الحيض والحمل ولولا أن قولهن مقبول لم يحرجن بكتمانه، ولأنه أمر تختص بمعروفته فكان القول قولها فيه كالنية من الإنسان فيما تعبر فيه النية أو أمر لا يعرف إلا من جهتها قبل قولها فيه كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأما ما تنقضي به العدة فهو ثلاثة أقسام: (الأول) أن تدعي انقضاء عدتها بالقروء وهو ينبني على الخلاف في أقل الطهر بين الحيضتين وعلى الخلاف في أقل الحيض وهل الاقراء الحيض أو الطهر، فإن قلنا هي الحيض وأقل الطهر ثلاثة عشر يوماً، فأقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوماً ولحظة وذلك أن يطلقها مع آخر الطهر ثم تحيض بعده يوماً وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر لحظة ليعرف بها انقطاع الحيض وإن لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلا بد منها لمعرفة انقطاع حيضتها ولو صادفتها رجعته لم تصح ومن اعتبر الغسل في انقضاء العدة فلا بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض، وإن قلنا القروء الحيض وأقل الطهر خمسة عشر يوماً فأقل ما تنقضي به العدة ثلاثة وثلاثون يوما لحظة تزيد أربعة أيام في الطهرين، وإن قلنا القروء الاطهار وأقل الطهر ثلاثة عشر يوماً فإن العدة تنقضي بثمانية وعشرين يوماً ولحظتين وهو أن يطلقها في آخر لحظة من طهرها فتحتسب بها قزءا ثم تحتسب طهرين آخرين ستة وعشرين يوماً وبينهما حيضتين يومين فإذا طعنت في الحيضة الثالثة لحظة انقضت عدتها وإن قلنا الطهر خمسة عشر يوماً زدنا على هذا أربعة أيام في الطهرين فيكون اثنين وثلاثين يوما لحظتين وهذا قول الشافعي، فإن كانت أمة انقضت عدتها بخمسة عشر يوماً ولحظة على الوجه الأول وتسعة عشر يوماً ولحظة على الوجه الثاني وباربعة عشر يوماً ولحظتين على الوجه الثالث وبستة عشر يوماً ولحظتين على الوجه الرابع فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم لأنه لا يحتمل صدقها
* (مسألة) * (فإن ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من شهر لم يقبل إلا بينة) لأن شريحاً قال إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر وجاءت بينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلي فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالون ومعناه بالرومية أصبت أو أحسنت فأخذ أحمد بقول علي في الشهر فإن ادعت ذلك في أكثر من شهر صدقها لأنها أونمنت على ذلك وإنما لم
يصدقها في الشهر لأن حيضها ثلاث مرات فيه يندر جدا فرجع بينة ولا يندر فيما زاد على الشهر كندرته فيه، وقال الشافعي لا يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوماً ولحظتين لأنه لا يتصور عنده في أقل من ذلك وقال أبو حنيفة لا يقبل في أقل من ستين يوماً وقال صاحباه لا يقبل في أقل من تسعة وثلاثين يوماً ولحظتين لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام فثلاث حيض تسعة أيام وطهران ثلاثون، والخلاف في هذا مبني على أقل الحيض وأقل الطهر وفي القرء ما هو، ومما يدل عليه في الجملة قبول علي وشريح بينتها على انقضاء عدتها في شهر ولولا تصوره لما قبلت عليه بينة ولا سمعت فيه دعوى، ولا يتصور إلا بما قلنا، وأما إذا ادعت القضاء عدتها في أقل من ذلك لم تسمع دعواها ولا يصغى إلى بينتها لاننا نعلم كذبها فإن بقيت على
دعواها حتى أتى عليها ما يمكن صدقها فيه نظرنا فإن بقيت على دعواها المردودة لم يسمع قولها لأنها تدعي محالاً، وإن ادعت أنها انقضت عدتها في هذه المدة كلها أو فيما يمكن منها قبل قولها لانه أمكن صدقها، ولا فرق في ذلك بين الفاسقة والمرضية والمسلمة والكافرة لأن ما يقبل فيه قول الإنسان على نفسه لا يختلف باختلاف حاله كإخباره عن نيته فيما تعتبر فيه نيته.
(فصل) فإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل فان ادعته لتمام لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين امكان الوطئ بعد العقد (1) لأن أقل سقط تنقضي به العدة ما أتى عليه ثمانون يوماً لأنه يكون نطفة أربعين يوماً وعلقة مثل ذلك ثم يصير مضغة بعد الثمانين ولا تنقضي به العدة قبل أن يصير مضغة بحال، وهذا ظاهر قول الشافعي، فأما إن ادعت انقضاء عدتها بالشهور فلا يقبل قولها فيه لأن الخلاف في ذلك ينبني على الاختلاف في الطلاق والقول قول الزوج فيه فيكون القول قوله فيما ينبني عليه إلا أن يدعي انقضاء عدتها ليسقط عن نفسه نفقتها مثل أن يقول طلقتك في شوال فتقول هي بل في ذي القعدة فالقول قولها لأنه يدعي ما يسقط النفقة والأصل وجوبها فلا يقبل إلا بينة، فإن ادعت ذلك ولم يكن لها نفقة قبل قولها لأنها تقر على نفسها بما هو أغلظ وإن انعكس الحال فقال طلقتك في ذي القعدة فلي رجعتك قالت بل طلقتني في شوال
(1) قوله بعد العقد لأنه لا يكمل في أقل من ذلك وإن ادعت أنها أسقطته لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوما من حين إمكان الوطئ بعد عقد النكاح لها من المغني
فلا رجعة لك فالقول قوله لأن الأصل بقاء نكاحه ولأن القول قوله في إثبات الطلاق ونفيه فكذلك في وقته، إذا ثبت ذلك فكل موضع قلنا القول قولها فأنكرها الزوج فقال الخرقي عليها اليمين، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب، وقال القاضي قياس المذهب أن لا يجب عليه يمين وقد أومأ إليه أحمد أيضاً فقال لا يمين في نكاح ولا طلاق وهو قول أبي حنيفة لأن الرجعة لا يصح بذلها فلا تستحلف فيها كالحدود والأول أولى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " ولأنه حق آدمي يمكن صدق مدعيه فتجب اليمين فيه كالأموال فإن نكلت عن اليمين فقال القاضي لا يقضى بالنكول لأنه لا يصح بذله.
قال شيخنا ويحتمل أن يستحلف الزوج وله رجعتها على القول برد اليمين على المدعى لأنه لما وجد النكول منها ظهر صدق الزوج وقوي جانبه واليمين تشرع في حق من قوي جانبه ولذلك شرعت في حق المدعى عليه لقوة جانبه باليد في العين وبالأصل في براءة الذمة في الدين وهو مذهب الشافعي (فصل) إذا ادعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر قبل قوله لأنه لما ملك الرجعة ملك الإقرار بها كالطلاق وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم فإن قال بعد انقضاء عدتها كنت راجعتك في عدتك فأنكرت فالقول قولها بإجماعهم لأنه ادعاها في زمن لا يملكها والأصل عدمها وحصول البينونة.