الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
(مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر وإن كان نفلاً أو مفطراً استحب له الأكل وإن أحب دعا وانصرف)
وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه أما الأكل فغير واجب صائماً كان أو مفطراً نص عليه أحمد لكن إن كان صومه واجباً أجاب ولم يفطر لأن الفطر محرم والأكل غير واجب وقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فليدع وإن كان مفطراً فليطعم " رواه أبو داود وفي رواية فليصل يعني يدعو، ودعي ابن عمر إلى وليمة فحضر ومد يده وقال بسم الله ثم قبض يده وقال كلوا فإني صائم وإن كان صائماً تطوعاً استحب له الأكل لأن له الخروج من الصوم ولأن فيه إدخال السرور على قلب أخيه المسلم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال إني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل ثم صم يوما مكانه ان شئت وان أحب إتمام الصيام " جاز لما ذكرنا من حديث ابن عمر وفعله ولكن يدعو لهم ويبارك ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل فقد روى أبو حفض باسناده عن عثمان بن عفان أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال إني صائم
ولكن أحببت أن أجيب الداعي فادعو بالبركة وعن عبد الله قال إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم فليقل إني صائم وإن كان مفطراً فالأولى له الأكل لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب عليه الأكل وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه يجب عليه الأكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن كان مفطراً فليطعم " ولأن المقصود منه الأكل فكان واجباً كالإجابة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك " حديث صحيح ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الأكل لم يلزمه إذا كان مفطراً وقولهم المقصود الأكل قلنا بل المقصود الإجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لم يأكل * (مسألة) * (وإن دعاه اثنان أجاب أولهما)
لأن إجابته وجبت حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب إجابة الثاني لأنها غير ممكنة مع إجابة الأول فإن استويا أجاب أقربهما باباً لما روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما باباً فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق " وروي البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال " إلى
أقربهما منك باباً " ولأن هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أجاب أقربهما رحماً لما فيه من صلة الرحم فإن استويا أجاب أدناهما فإن استويا إجابة أقرع بينهما لأن القرعة تعين المستحق عند استواء الحقوق.
* (مسألة) * (وإن علم أن في الدعوة منكراً كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا لم يحضر) من يدعى إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه فأمكنه إزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر، وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر فإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله فان لم يمكنه انصرف ونحو هذا قال الشافعي، وقال مالك أما اللهو الخفيف كالدف والكير فلا يرجع وقاله ابن القاسم وقال أصبغ يرجع وقال أبو حنيفة إذا وجد اللعب فلا بأس أن يقعد فيأكل، وقال محمد بن الحسن إن كان ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث إذا كان فيها الضرب بالعود فلا ينبغي له أن يشهدها.
والأصل في هذا ما روى سفينة أن رجلاً أضافه علي فصنع له طعاماً فقالت فاطمة لعلي لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فقال له ما رجعك يا رسول الله
الله فقال إنه ليس لي أن أدخل بيتاً مزوقا حديث حسن وروي أبو حفص بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وعن نافع قال كنت أسير مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع رواه أبو داود والخلال ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة
إلى ذلك فمنع منه كما لو قدر على إزالته، ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر حيث يباح له المقام فإن تلك حال حاجة لما في الخروج من المنزل من الضرر * (مسألة) * (وإن علم به فلم يره ولم يسمعه فله الجلوس والأكل نص عليه أحمد) وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه فإنه سئل عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك فقال أرجو أن لا يأثم إن لم يجب وإن أجاب فارجو أن لا يكون آثما فاسقط الوجوب لإسقاط الداعي حرمة نفسه بإيجاد المنكر ولم يمنع الإجابة لكون المجيب لا يرى منكراً ولا يسمعه، وقال أحمد إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب طيباً ولم ير منكراً، فعلى هذا لا تجب إجابة من طعامه من مكسب خبيث لأن إيجاده منكر والأكل منه منكر فهو أولى بالامتناع وإن حضر لم يأكل * (مسألة) * (وإن شاهد ستوراً معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلى أن تزال وإن كانت مبسوطة أو على وسائد فلا بأس
إذا كانت صور الحيوان على الستور والحيطان ومالا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رؤوسها فعل وجلس وإن لم يمكن انصرف ولم يجلس وعلى هذا أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر هذا أعدل المذاهب وحكاه عن سعد ابن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي وكان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكذلك مالك إلا أنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة ولعلهم يذهبون الى قول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الملائكة لا تدخل ببتا فيه صورة " متفق عليه وروى عن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام فلما قيل له إن في البيت صورة أبي أن يدهب حتى كسرت ولنا ما روت عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما رآه قال " أتسترين الخدر بشئ فيه تصاوير؟ " فهتكه قالت فجعلت منه منتبذتين كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على احداهما رواه ابن عبد البر، ولأنها إذا كانت تداس وتبتذل ولم تكن معززة معظمة فلا تشبه الاصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكره وما رويناه أخص مما رووه وقد روي عن أبي طلحة
أنه قيل له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " قال ألم تسمعه يقول " إلا رقما في ثوب " متفق عليه وهو محمول على ما ذكرناه من أن المباح ما كان مبسوطاً، والمكروه منه ما كان معلقا بدليل حديث عائشة
(فصل) فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة قال ابن عباس الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة وحكي ذلك عن عكرمة وقد روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التماثيل التي على باب البيت فتقطع حتى تصير كهيئة الشرجة ومر بالستر فليقطع منه وسادتان نبوذتان يوطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قطع منه ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه كصدره أو بطنه أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل تحت النهي لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه فهو كقطع الرأس، وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده كالعين واليد والرجل فهو صورة داخلة تحت النهي فان كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي لأنه ليس بصورة حيوان (فصل) وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم " وعن مسروق قال دخلنا مع عبد الله بيتاً فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا؟ قالوا تمثال من صنم قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " متفق عليهما والأمر بعمله محرم كعمله (فصل) فأما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم وإنما أبيح ترك إجابة الدعوة لاجله عقوبة
للداعي بإسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية الفضل إذا رأى صوراً على الستر لم يكن رآها حين دخل قال هو أسهل من أن يكون على الجدار قيل له فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال لا تضيق
علينا ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني لا يخرج وهذا مذهب مالك فإنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة، وقال أكثر أصحاب الشافعي إذا كانت الصور على الستور أو ما ليس بموطوء لم يجز له الدخول لأن الملائكة لا تدخله ولأنه لو لم يكن محرما لما جاز ترك الدعوة الواجبة لأجله ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالارلام فقال " قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط " رواه أبو داود وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل بيتاً فيه تماثيل وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم، وروى ابن عائد في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاماً فدعوه فقال أين هو؟ قالوا في الكنيسة فأبى أن يذهب وقال لعلي امض بالناس فليتغدوا فذهب علي بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون وجعل علي ينظر إلى
الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور لأن دخول الكنائس والبيع غير محرم فكذلك المنازل التي فيها الصور وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله كما لو كان فيه كلب ولا يحرم صحبة رفقة فيها جرس مع إن الملائكة لا تصحبهم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله وزجراً له عن فعله * (مسألة) * (فإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين) أما إذا استعمل ذلك لحاجة من وقاية حر أو برد فلا بأس به لأنه يستعمله لحاجة فأشبه الستر على الباب وإن كان لغير حاجة ففيه روايتان [إحداهما] هو مكروه غير محرم وهو عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة بدليل ما روى سالم ابن عبد الله بن عمر قال أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان فيمن آذن أبو أيوب وقد ستروا بيتي بخباء أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرأى البيت مستوراً بخباء أخضر فقال يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا غلبتنا النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك ثم قال لا أطعم لكم طعاماً ولا أدخل لكم بيتاً ثم خرج رواه الأثرم.
قال القاضي وكلام أحمد يحتمل
أمرين (أحدهما) الكراهة من غير تحريم لأن ابن عمر أقر على فعله ولأن كراهته لما فيه من الستر، وذلك لا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس والمأكول والطيب ويحتمل التحريم وهي الرواية الثانية
لما روى الخلال باسناده عن علي بن الحسين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر " واختار شيخنا أن ستر الحيطان مكروه غير محرم وهو مذهب الشافعي إذ لم يثبت في تحريمه حديث وقد فعله ابن عمر وفعل في زمن الصحابة رضي الله عنهم ولو ثبت الحديث حمل عى الكراهة لما ذكرنا والله أعلم (فصل) سئل أحمد عن الستور فيها القرآن فقال لا ينبغي أن يكون شيئاً معلقاً فيه القرآن ليستهان به ويمسح قبل له فيقلع فكره أن يقلع القرآن، وقال إذا كان ستر فيه ذكر الله فلا بأس، وكره أن يشتري الثوب فيه ذكر الله مما يجلس عليه (فصل) قيل لأبي عبد الله الرجل يكتري بيتاً فيه تصاوير ترى أن يحكها قال نعم: قال المروذي قلت لأبي عبد الله دخلت حماما فرأيت صورة ترى أن أحك الرأس؟ قال نعم، إنما جاز ذلك لان اتخاذ الصورة منكر فجاز تغييرها كآلة اللهو والصليب والصنم ويتلف منها ما يخرجها عن حد الصورة كالرأس ونحوه لأن ذلك يكفي.
قال أحمد ولا بأس باللعب ما لم تكن صورة لما روي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب باللعب فقال " ما هذا يا عائشة؟ " فقلت هذه خيل سليمان فجعل يضحك (فصل) واتخاذ آنية الذهب والفضة محرم فإذا رآه المدعو في منزل الداعي فهو منكر يخرج منه
أجله وكذلك ما كان من الفضة مستعملاً كالمكحلة ونحوه.
قال الأثرم سئل أحمد إذا رأى حلقة مرآة فضة ورأس مكحلة يخرج من ذلك؟ فقال هذا تأويل تأولته.
وأما الآنية نفسها فليس فيها شك، وقال مالا يستعمل فهو أسهل مثل الضبة في السكين والقدح وذلك لأن رؤية المنكر كسماعه فكما لا يجلس في موضع يسمع فيه صوت الزمر لا يجلس في موضع يرى فيه من يشرب الخمر وغيره من المنكر
* (مسألة) * (ولا يباح الاكل لغير إذن) لأن أكل مال الغير بغير إذنه محرم والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والأكل بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم فأتى مع الرسول فذلك إذن له " رواه أبو داود، وقال عبد الله بن مسعود إذا دعيت فقد أذن لك، رواه الإمام أحمد بإسناده * (مسألة) * (والنثار والتقاطه مكروه وعنه لا يكره) اختلفت الرواية عن أحمد في النثار والتقاطه فروي أن ذلك مكروه في العرس وغيره، روى ذلك عن أبي مسعود البدري وعكرمة وابن سيرين وعطاء وعبد الله بن زيد الخطمي وطلحة وزبيد اليامي وبه قال مالك والشافعي وروى عن أحمد أنه ليس بمكروه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وقتادة والنخعي وأبي حنيفة وأبي عبيد وابن المنذر لما روى عبد الله بن قرط قال قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فطفقن
يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة لم أسمعها فسألت من قرب منه فقال قال " من شاء اقتطع " رواه أبو داود.
وهذا جار مجرى النثار.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى وليمة رجل من الأنصار ثم أتوا بنهب فأنهب عليه.
قال الراوي ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحم الناس أو نحو ذلك فقلت يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة؟ قال " نهيتكم عن نهبة العساكر " ولأنه نوع إباحة فأشبه إباحة الطعام للضيفان ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحل النهبى والمسألة " ولأن فيه نهبا وتزاحماً وقتالاً وربما أخذه من يكره صاحب النثار أخذه لحرصه وشرهه ودناءة نفسه ويحرمه من يحب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه والغالب عليه هذا فان أهل المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة الناس على شئ من الطعام أو غيره ولأن في هذا دناءة والله يجب معالى الامور ويكره سفسافها فأما خبر البدنات فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه لا نهبة في ذلك لكثرة اللحم وقلة الآخذين أو فعل ذلك لاشتغاله بالمناسك عن تفريقها.
وفي الجملة فالخلاف إنما هو في كراهية ذلك وأما الإباحة فلا خلاف فيها ولا في الالتقاط لأنه نوع إباحة لماله فأشبه سائر المباحات (فصل) فأما إن قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر وغيره فلا خلاف في أن ذلك حسن غير مكروه وقد روي عن أبي هريرة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمراً فأعطى كل إنسان
سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة فلم يكن منهن تمرة أعجب إلي منها شدت في مضاغي رواه البخاري وكذلك إن وضعه بين أيديهم وإذن لهم في أخذه على وجه لا يقع تناهب فلا يكره أيضاً قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون يقسم عليهم وقال علي (1) بن محمد بن بحر سمعت حسن أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما حذق ابني حسن قال لي مولاي حسن لا تنثروا عليه فاشترى تمراً وجوزاً فأرسله إلى المعلم، قالت وعملت أنا عصيدة وأطعمت الفقراء فقال أحسنت أحسنت وفرق أبو عبد الله على الصبيان الجوز خمسة خمسة * (مسألة) * (ومن حصل في حجره شئ فهو له غير مكروه) لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره وليس لأحد أن يأخذه لما ذكرناه وقال في المحرر يملكه مع القصد وبدون القصد وجهان * (مسألة) * (ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف) وقال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشتهر ويعرف قيل له ما الدف؟ قال هذا الدف، وقال لا بأس بالغزل في العرس كقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم * ولولا الذهب الأحمر * ما حلت بواديكم ولولا الحبة السوداء * ما سمنت عذاريكم
(1) قد ذكره في المغني محمد بن علي
لا على ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه " ولولا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم " وقال أحمد
أيضاً يستحب ضرب الدف والصوت في الاملاك فقيل له ما الصوت؟ قال يتكلم ويتحدث ويظهر والأصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح " رواه النسائي وقال عليه الصلاة والسلام " أعلنوا النكاح " وفي لفظ " أظهروا النكاح " وكان يحب أن يضرب عليها بالدف وفي لفظ " فاضربوا عليه بالغربال " وعن عائشة أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها قالت فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قلتم يا عائشة؟ " قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال " إن الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم " روي هذا كله عن عبد الله بن ماجة في سننه وقال أحمد لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يستحب الضرب بالدف للنساء ذكره شيخنا رحمه الله (فصل) ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعاً وإن أكل بعضهم أكثر من بعض فلا بأس وقد كان السلف يتناهدون في الغزو والحج ويفارق النثار فإنه يؤخذ بنهب وتسالب وتجاذب بخلاف هذا.