المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه) - الشرح الكبير على المقنع - ط المنار - جـ ٨

[ابن أبي عمر]

فهرس الكتاب

- ‌(مسألة) * (وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما)

- ‌(مسألة) * (وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها)

- ‌(مسألة) * (أو دعاه فيما بعد اليوم الأول)

- ‌(مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر وإن كان نفلاً أو مفطراً استحب له الأكل وإن أحب دعا وانصرف)

- ‌(فصل في آداب الاكل) *

- ‌(باب عشرة النساء) *

- ‌(مسألة) * (وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها)

- ‌(مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل)

- ‌(مسألة) * (ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به)

- ‌(مسألة) * (وإن قال بألف فكذلك ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف)

- ‌(مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل ذلك إليه)

- ‌(باب الاستثناء في الطلاق)

- ‌(مسألة) * (وإن قال أنت طالق اثنتين إلا واحدة فعلى وجهين ذكرناهما، وذلك مبني على صحة استثناء النصف)

- ‌(مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق)

- ‌(مسألة) * (ولو قال أولا إن قمت فانت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام واحدة ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك)

- ‌(مسألة) * (إذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فالقول قولها)

- ‌(مسألة) * وإن طلق العبد زوجته اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق)

- ‌(مسألة) * (وإن قال والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار موليا)

- ‌(مسألة) * (فإن طلق واحدة فله رجعتها وعنه أنها تكون بائنة)

- ‌(مسألة) * وإن قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر)

- ‌(مسألة) * (فإن أعتقه عن كفارته وهو موسر فسرى إلى نصيب شريكه عتق)

- ‌(مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه)

الفصل: ‌(مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه)

* ‌

(مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه)

ذكره الخرقي قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم، وقال أبو بكر بن جعفر لا يجزئ لأن المقصود من العتق تكميل الاحكام ولا يحصل من اعتاق نصفين، واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه (أحدها) كقول الخرقي، (والثاني) كقول أبي بكر، (والثالث) إن كان نصف الرقيق حراً أجزأ لأنه يحصل تكميل الأحكام، وان كان رقيقا لم يجز لأنه لا يحصل، ووجه الأول أن الأشقاص كالاشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير وبدليل الزكاة فإذا كان له نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة كما لو ملك أربعين منفردة وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها قال شيخنا والأولى أنه لا يجزئ اعتاق نصفين إذا لم يكن الباقي منهما حراً لأن إطلاق الرقبة إنما ينصرف إلى إعتاق الكاملة ولا يحصل من الشخصين ما يحصل من الرقبة الكاملة في تكميل الآحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق ونقصه فلا يثبت به من الأحكام ما يثبت باعتاق رقبة كاملة، ويمتنع قياس الشخصين على الرقبة الكاملة ولهذا لو أمر انسانا بشراء رقبة أو بيعها أو بإهداء حيوان أو بالصدقة به لم يكن له أن يشقصه كذا ههنا (فصل) فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين إذا قدر على الصيام وهذا إجماع من أهل العلم لقول الله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) ولحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر حراً كان أو عبداً ويستوي في ذلك الحر والعبد عند أهل العلم لا نعلم فيه خلافا، وأجمعوا على وجوب التتابع لأنه شرط في الصيام وقد تناوله نص القرآن والسنة ومعنى التتابع الموالاة بين صيام أيامها فلا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة ولا تجب نية التتابع ويكفي فعله لأنه شرط

ص: 603

وشرائط العبادات لا تحتاج الى نية، وإنما تجب النية لأفعالها وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي، والوجه الآخر أنها واجبة لكل ليلة لأن ضم العبادة إلى العبادة إذا كان شرطاً وجبت النية فيه

كالجمع بين الصلاتين، والثالث تكفي نية التتابع في الليلة الاولى ولنا أنه تتابع واجب في العبادة فلم يفتقر إلى نية كالتتابع بين الركعات، ويفارق الجميع بين الصلاتين فإنه رخصة فافتقر إلى نية الترخص وما ذكروه ينتقض بالمتابعة بين الركعات * (مسألة) * (فإن تخلل صومها صوم شهر رمضان أو فطر واجب كفطر العيد أو الفطر لحيض أو نفاس لم ينقطع التتابع وبنى على ما مضى من صيامه) وجملة ذلك أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه فيه عن الكفارة مثل أن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان ويوم الفطر أو يبتدئ من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق فإن التتابع لا ينقطع بهذا وينبني على ما مضى من صيامه، وقال الشافعي ينقطع التتابع ويلزمه الاستئناف لأنه أفطر في أثناء الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه فأشبه إذا أفطر لغير ذلك أو صام عن نذر أو كفارة أخرى ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة فلم يقطع التتابع كالحيض والنفاس فإن قالوا الحيض والنفاس غير ممكن التحرز منه قلنا قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا يبتدئ الصوم في حال الحمل، ومن الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ومع هذا لا ينقطع التتابع به، ولا يجوز للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر ويجوز أن يدخل معه المسبوق مع

ص: 604

علمه بلزوم مفارقته قبل إتمامها، ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى أنه يصومها عن الكفارة ولا يفطر إلا يوم النحر وحده فعلى هذا إن أفطرها استأنف لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها إذا ثبت هذا فإنه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان أجزأه صوم شعبان عن شهر، وإن كان ناقصاً، وأما شوال فلا يجوز أن يبتدأ من أوله لأن أوله يوم الفطر وصومه حرام فيشرع فيه من اليوم الثاني ويتمم شهراً بالعدد ثلاثين، وإن بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم قضى أربعة أيام وأجزأه لأنه بدأ من أولهما ولو ابتدئ صوم الشهرين من يوم الفطر لم يصح صوم يوم الفطر ويصح صوم بقية الشهر وصوم ذي القعدة ويحتسب له بذي القعدة، وإن كان ناقصاً لانه بدأه

من أوله، وأما شوال فإن كان تاما صام يوما من ذي الحجة وإن كان ناقصاً صام يومين لأنه لم يبدأه من أوله وإن بدأ بالصيام من أول أيام التشريق وقلنا يصح صومها عن الفرض فإنه يحتسب له بالمحرم ويكمل صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر، وإن قلنا لا يصح عن الفرض صام مكانها من صفر (فصل) وإن أفطر لحيض أو نفاس فقد أجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل اتمامه تقضي إذا طهرت وتبني وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس وفيه تغرير بالصوم لأنها ربما ماتت قبله، والنفاس كالحيض في أنه لا ينقطع التتابع في أحد الوجهين لأنه بمنزلته في أحكامه ولأن الفطر لا يحصل فيهما بفعلهما وإنما ذلك الزمان كزمان الليل في حقهما (والثاني) أن النفاس يقطع التتابع لأنه فطر أمكن التحرز منه لا يتكرر في العام فقطع التتابع كالفطر لغير عذر ولا يصح قياسه على الحيض لأنه أندر منه ويمكن التحرز منه * (مسألة) * (فإن أفطر لمرض مخوف أو جنون لم ينقطع التتابع)

ص: 605

روى ذلك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي وطاوس ومجاهد ومالك واسحاق وأبو عبيد وابو ثور وابن المنذر والشافعي في القديم، وقال في الجديد ينقطع التتابع وهو قول سعيد بن جبير والحكم والثوري وأصحاب الرأي لأنه أفطر فعله فلزمه الاستئناف كما لو أفطر لسفر ولنا أنه أفطر بسبب لا صنع له فيه فلم يقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وما ذكروه من الأصل ممنوع وإن أفطر لجنون أو إغماء لم ينقطع التتابع لأنه لا صنع له فيه فهو كالحيض * (مسألة) * (وكذلك فطر الحامل والمرضع لخوفهما على أنفسهما) لأنهما كالمريض * (مسألة) * (فإن خافتا على ولديهما فأفطرتا ففيه وجهان)(أحدهما) لا ينقطع التتابع اختاره أبو الخطاب لأنه فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما فلم ينقطع التتابع كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما (والثاني) ينقطع لأنه لأجل الخوف على غيرهما، ولذلك يلزمهما الفدية مع القضاء

* (مسألة) * (وإن أفطر لغير عذر أو صام تطوعا أو قضاء أو نذراً أو عن كفارة أخرى لزمه الاستئناف) لأنه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه لأن هذا الزمان ليس بمستحق معين للكفارة ولهذا يجوز صومها في غيره بخلاف شهر رمضان فإنه متعين لا يصلح لغيره وإذا كان عليه نذر صوم غير معين أخره إلى فراغه من الكفارة وإن كان متعينا أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه إن أمكن وإن كان أياما من كل شهر كيوم الخميس وأيام البيض قدم الكفارة عليه وقضاه بعدها لأنه لو وفي بنذره

ص: 606

انقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضى إلا أن لا يتمكن من التكفير والنذر يمكن قضاؤه فيكون هذا عذراً في تأخيره كالمرض * (مسألة) * (وإن أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين) إذا افطر لمرض غير مخوف يبيح الفطر ففيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقطع التتابع لأنه مرض أباح الفطر أشبه المخوف (والثاني) يقطع التتابع لأنه أفطر اختياراً فانقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر فإن السفر مبيح للفطر فكلام أحمد محتمل الأمرين وأظهرهما أنه لا ينقطع التتابع فإنه قال في رواية الأثرم كان السفر غير المرض ولا ينبغي أن يكون أوكد من رمضان فظاهر هذا أنه لا ينقطع التتابع وهذا قول الحسن ويحتمل أن ينقطع التتابع وهو قول مالك وأصحاب الرأي واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال فيه قولان كالمرض ومنهم من يقول يقطع التتابع وجهاً واحداً لأن السفر يحصل باختياره فقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر والصحيح الأول لأنه أفطر لعذر يبيح الفطر في رمضان فلم ينقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وفارق الفطر لغير عذر فإنه لا يباح فإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو افطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب افطر ويتخرج في انقطاع التتابع وجهان (أحدهما) لا ينقطع لأنه فطر لعذر (والثاني) ينقطع التتابع لأنه بفعل أخطأ فيه فأشبه ما لو ظن أنه قد أتم الشهرين انقطع التتابع لأنه أفطر لجهله فقطع التتابع كما لو ظن أن الواجب شهر واحد وإن أكره على الأكل والشرب بان أوجر الطعام والشراب لم يفطر وإن أكل خوفاً فقال القاضي لا يفطر وفيه وجه آخر أنه يفطر فعلى ذلك هل يقطع التتابع؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقطعه لأنه عذر مبيح للفطر

أشبه المرض (والثاني) يقطعه وهو مذهب الشافعي لأنه أفطر بفعله لعذر نادر والأول أولى

ص: 607

(فصل) ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر ومن ائنائه بغير خلاف نعلمه لأن الشهر اسم لما بين الهلالين والثلاثين يوما فأيهما صام فقد أدى الواجب فإن بدأ من أول شهر فصام شهرين بالأهلة أجزأه ذلك وإن كانا ناقصين إجماعا وبه قال الثوري وأهل العراق ومالك في أهل الحجاز والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين) وهذان شهران متتابعان وان بداء من اثناء شهر فصام ستين يوما أجزأه بغير خلاف أيضاً.

قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا فأما إن صام شهراً بالهلال وشهراً بالعدد فصام خمسة عشر يوماً من المحرم وصفر جميعه وخمسة عشر من ربيع فإنه يجزئه سواء كان صفر تاماً أو ناقصاً لأن الأصل اعتبار الشهور بالاهلة لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه لتعذره ففي الشهر الذي أمكن اعتباره وجب ان يعتبر وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ويتوجه أن لا يجزئه إلا شهران بالعدد لأنا لما ضممنا إلى الخمسة عشر من المحرم خمسة عشر من صفر فصار ذلك شهراً صار ابتداء صوم الشهر الثاني من اثناء شهر أيضاً وهذا قول الزهري (فصل) فإن نوى شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رضمان ولا عن الكفارة وانقطع التتابع حاضرا كان أو مسافراً لأنه تخلل صوم الكفارة فطر غير مشروع وقال مجاهد وطاوس يجزئه عنهما وقال أبو حنيفة إن كان حاضراً أجزأه عن رمضان دون الكفارة لأن تعيين النية غير مشترط لرمضان وإن كان في سفر أجزأه عن الكفارة دون رمضان وقال صاحباء تجزئ عن الكفارة دون رمضان حضرا أو سفرا

ص: 608

ولنا أن رمضان متعين لصومه محرم صومه عن غيره فلم يجزئه عن غيره كيومي العيدين ولا يجزئ عن رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأعمال بالنيات وإنما لأمرئ ما نوى) وهذا ما نوى رمضان فلا يجزئه، ولا فرق بين الحضر والسفر لأن الزمان متعين وإنما جاز فطره في السفر رخصة فإذا تكلف

وصام رجع إلى الأصل فإن سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفارة وأفطر لم ينقطع التتابع لأنه زمن لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع التتابع بفطره كالليل * (مسألة) * (وإن أصاب المظاهر منها ليلاً أو نهاراً انقطع التتابع) وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) فأمر بهما خاليين عن وطئ ولم يأت بهما على ما أمر فلم يجزئه كما لو وطئ نهارا ذاكراً ولأنه تحريم للوطئ لا يختص النهار فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف وروى عن أحمد أن التتابع لا ينقطع بالوطئ ليلا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لانه وطئ لا يفسد الصوم فلا يوجب الاستئناف كوطئ غيرها، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن اتباع صوم يوم للذي قبله من غير فارق وهذا متحقق وإن وطئ ليلا - وارتكاب المنهي في الوطئ قبل اتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته وإجزاءه كما لو وطئ قبل الشهرين أو لو وطئ ليلة أول الشهرين وأصبح صائماً والاتيان بالصيام قبل الثمانين لا سبيل إليه سواء بنى أو استأنف وإن وطئها أو وطئ غيرها في نهار الشهرين عامداً أفطر وانقطع التتابع

ص: 609

إجماعا إذا كان غير معذور وإن وطئها أو وطئ غيرها نهاراً ناسيا أفطر وانقطع التتابع في إحدى الروايتين لان الوطئ لا يعذر فيه بالنسيان وعن أحمد رواية أخرى لا يفطر ولا ينقطع التتابع وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لأنه فعل المفطر ناسياً أشبه ما لو أكل ناسياً ولو أبيح له الفطر لعذر فوطئ غيرها نهارا لم ينقطع التتابع لان الوطئ لا أثر له في قطع التتابع وإن كان وطئها كان كوطئها ليلا هل يقطع التتابع على وجهين * (مسألة) * (وإن وطئ غيرها ليلا لم ينقطع التتابع) لأن ذلك غير محرم عليه ولا هو يخل باتباع الصوم فلم يقطع التتابع كالأكل وليس في هذا اختلاف نعلمه فإن لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لإخلاله بموالاة الصيام وإلا لم ينقطع والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (فإن لم يستطع لزمه إطعام ستين مسكيناً مسلما حرا صغيرا كان أو كبيرا إذا أكل الطعام) أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام إن فرضه إطعام ستين مسكيناً على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر أو

مرض يخاف بالصوم تباطؤه والزيادة فيه أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم قالت امرأته يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال " فيطعم ستين مسكيناً " ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال وهل اصبت ما أصبت إلا من الصيام؟ قال " فاطعم " فنقله إلى الاطعام لما أخبره إن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض وإن كان مرجو الزوال لدخوله في قوله تعالى (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) ولأنه لا يعلم إن له نهاية فأشبه الشبق، ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر

ص: 610

لأن السفر لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية والواجب إطعام ستين مسكيناً لا يجزئه أقل من ذلك وقال أبو حنيفة لو أطعم مسكينا واحدا في ستين يوما أجزأه وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) يشترط في المساكين ثلاثة شروط الاسلام والحرية وأن يكون قد أكل الطعام، والمساكين هم الذين تدفع إليهم الزكاة لحاجتهم المذكورون في أبواب الزكاة ويدخل في ذلك الفقراء لأنهم وإن كانوا في الزكاة صنفين فهم في غيرها صنف واحد لكونهم يأخذون لحاجتهم إلى ما يكفيهم أو ما تتم به كفايتهم (أحدها) اسلامهم فلا يجوز دفعها إلى كافر ذمياً كان أو حربيا وبذلك قال الحسن والنخعي والاوزاعي ومالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي يجوز دفعها إلى الذمي لدخوله في اسم المساكين فيدخل في عموم الآية ولأنه مسكين من أهل دار الاسلام فأجزأ الدفع إليه من الكفارة كالمسلم وروي نحوه عن الشعبي وخرجه أبو الخطاب وجهاً في المذهب بناء على جواز اعتاقه في الكفارة وقال الثوري يعطيهم إذا لم يجد غيرهم ولنا أنهم كفار فلم يجز اعطاؤهم كمساكين أهل الحرب والآية مخصوصة بهذا فنقيس عليه.

(الثاني) أن يكونوا أحراراً فلا يجوز دفعها إلى عبد ولا مكاتب ولا أم ولد ولا خلاف في أنه لا يجوز دفعها إلى عبد لأن نفقته واجبة على سيده، ولا إلى أم ولد لذلك وبهذا قال مالك والشافعي واختار الشريف أبو جعفر جواز دفعها إلى مكاتبه وغيره وقال أبو الخطاب يتخرج دفعها إليه بناء على جواز اعتاقه لأنه يأخذ من الزكاة حاجته فأشبه المسكين

ص: 611

ولنا أن الله تعالى عده صنفاً في الزكاة غير صنف المساكين ولا هو في معنى المساكين لأن حاجته من غير جنس حاجتهم فيدل على أنه ليس بمسكين والكفارة إنما هي للمساكين بدليل الآية ولأن المسكين يدفع إليه لتتم كفايته والمكاتب إنما يأخذ لفكاك رقبته، وأما كفايته فإنها حاصلة بكسبه وماله فإن لم يكن له كسب ولا مال عجزه سيده ورجع إليه فاستغنى بانفاقه عليه، ويفارق الزكاة فانها تصرف إلى الغني والكفارة بخلافها (الثالث) أن يكونوا أكلوا الطعام فإن كان طفلا لم يأكل الطعام لم يدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي وهو قول القاضي وهو ظاهر قول مالك فإنه قال يجوز الدفع إلى الفطيم وهذا إحدى الروايتين عن أحمد والثانية يجوز دفعها إلى الصغير الذي لم يطعم وبقبض له وليه وهذا الذي ذكره أبو الخطاب المذهب وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي قال أبو الخطاب وهو قول أكثر الفقهاء لأنه حر مسلم محتاج فأشبه الكبير ولانه أكله للكفارة ليس بشرط وهذا يصرف الكفارة إلى ما يحتاج إليه مما تتم به كفايته فأشبه الكبير ولنا قوله تعالى (فاطعام عشرة مساكين) وهذا يقتضي أكلهم له فإذا لم يعتبر حقيقة أكلهم وجب اعتبار إمكانه ومظنته ولا تتحق مظنته فيمن لا يأكل ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته لجاز دفع القيمة

ص: 612

ولم يتعين الاطعام وهذا يفسد ما ذكروه فإذا اجتمعت هذه الأوصاف في واحد جاز الدفع إليه كبيراً كان أو صغيراً محجوراً عليه أو غير محجور عليه إلا أن من لا حجر عليه يقبض لنفسه أو يقبض له وكيله والمحجور عليه كالصغير والمجنون يقبض له وليه.

* (مسألة) * (ولا يجوز دفعها إلى الكافر) وقد ذكرناه، ولا إلى من تلزمه مؤنته وقد ذكرنا ذلك في الزكاة وفي دفعها إلى الزوج وجهان بناء على دفع الزكاة إليه * (مسألة) * ويجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره العقر فإن بان غنيا فهل يجزئه؟ فيه وجهان) بناء على الروايتين في الزكاة وإن بان كافراً أو عبداً لم يجزئه وجهاً واحداً * (مسألة) * (وإن رددها على مسكين واحد ستين يوما لم يجزئه إلا أن لا يجد غيره فيجزئه في ظاهر المذهب وعنه لا يجزئه وعنه يجزئه وإن وجد غيره)

وجملة ذلك أن الواجب في كفارة الظهار إطعام ستين مسكيناً للآية لا يجزئه أقل من ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئه أن يطعم مسكينا واحدا في ستين يوما، وروي ذلك عن أحمد حكاه القاضي أبو الحسين لأن هذا المسكين لم يستوف إلا قوت يومه من هذه الكفارة فجاز أن يعطى منها كاليوم الأول، وعن أحمد رواية ثالثة أن وجدهم لم يجزئه لأنه أمكنه امتثال الأمر بصورته ومعناه وإن لم يجد غيره أجزأه لتعذر المساكين ووجه الأولى قول الله تعالى (فإطعام ستين مسكينا) وهذا لم يطعم إلا واحدا فلم يمتثل الأمر لأنه لم يطعم ستين مسكينا فلم يجزئه كما لو دفعها اليه في يوم واحد ولأنه لو جاز الدفع إليه في أيام لجاز الدفع اليه في يوم واحد كالزكاة وصدقة الفطر، يحقق هذا أن الله تعالى أمر بعدد المساكين لا بعدد الأيام وقائل هذا يعتبر عدد الأيام دون عدد المساكين، والمعنى في اليوم الأول أنه لم يستوف حقه من هذه الكفارة وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه وأخذ منها قوت يوم فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني كما لو أوصى انسان بشئ لستين مسكينا

ص: 613

* (مسألة) * (وإن دفع إلى مسكين واحد في يوم من كفارتين أجزأه) وهذا مذهب الشافعي وهو اختيار الخرقي لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع إليه المدين في يومين وفيه رواية أخرى أنه لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة لأنه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجز الدفع إليه ثانياً كما لو دفعها إليه من كفارة واحدة، فعلى هذه الرواية يجزئه عن احدى الكفارتين وهل لها الرجوع في الاخرى؟ ينظر فإن كان اعلمه أنها عن كفارتين فله الرجوع وإلا فلا ويتخرج أن لا يرجع بشئ على ما ذكرنا في الزكاة، والرواية الأولى أقيس وأصح فإن اعتبار عدد المساكين أولى من اعتبار عدد الأيام ولو دفع إليه ذلك في يوم أجزأه ولأنه لو كان الدافع اثنين أجزأ عنهما فكذلك إذا كان الدافع واحدا ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين مسكينا من كفارة واحدة أجزأه من ذلك ثلاثون ويطعم ثلاثين آخرين فإن دفع الستين من كفارتين خرج على الروايتين في المسألة قبلها وهي إذا أطعم مسكينا واحدا مدين من كفارتين في يوم واحد.

* (مسألة) * (والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة وهو البر والشعير والتمر والزبيب سواء كان قوت بلده أو لم يكن) وما عداها فقال القاضي: لا يجزئ اخراجه سواء كان قوت بلده أو لم يكن لأن الخبر ورد بإخراج هذه الأوصاف على ما جاء في الأحاديث التي نذكرها ولأنه الجنس المخرج في الفطرة فلم يجز غيره كما لو لم يكن قوت بلده * (مسألة) * (فإن كان قوت بلده غير ذلك كالذرة والدخن والأرز لم يجز اخراجه على قول القاضي وقال أبو الخطاب عندي أنه يجزئه الاخراج من جميع الحبوب التي هي قوت بلده لأن الله تعالى قال (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وهذا مما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص وهذا مذهب الشافعي فإن أخرجه عن قوت بلده أجود منه فقد زاد خيراً * (مسألة) * (وإخراج الحب أفضل عند أبي عبد الله) لأنه يخرج به من الخلاف وهي حالة كماله لانه يدخر فيها ويتهيأ لمنافعه كلها بخلاف غيره فإن أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على المد قدرا يبلغ المد حبا أو يخرجه بالوزن لأن الحب يروع فيكون في مكيال الحب أكثر مما يكون في مكيال الدقيق قال الأثرم قيل لأبي عبد الله فيعطي البر والدقيق قال أما الذي جاء فالبر ولكن إن أعطاهم الدقيق بالوزن جاز وقال الشافعي لا يجزئ لأنه ليس بحال الكمال لاجل ما يقوت به من وجوه الانتفاع فأشبه الهريسة

ص: 614

ولنا قول الله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم والدقيق من أوسط ما يطعمه أهله ولأن الدقيق أجزاء الحنطة وقد كفاهم مؤنته وطحنه وهيأه وقربه من الأكل وفارق الهريسة فانها تفسد عن قرب ولا يمكن الانتفاع بها في غير الأكل في تلك الحال بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (وفي الخبز روايتان)(إحداهما) يجزئ اختارها الخرقي ونص عليه أحمد في رواية الأثرم فإنه قال قلت لأبي عبد الله رجل أخذ ثلاثة عشر رطلا وثلثا دقيقا وهو كفارة اليمين فخبزه للمساكين وقسم الخبز على عشرة مساكين أيجزئه ذلك؟ قال ذلك أعجب إلى والذي جاء فيه الحديث أن يطعمهم مد بر وهذا أن فعل

فأرجو أن يجزئه قلت إنما قال الله (فاطعام عشرة مساكين) فهذا قد أطعمهم وأوفاهم المد قال أرجو أن يجزئه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، ونقل الأثرم في موضع آخر أن أحمد سأله رجل عن الكفارة قال أطعمهم خبزاً وتمراً قال ليس فيه تمر قال فخبز قال لا ولكن برا أو دقيقا بالوزن رطل وثلث لكل مسكين فظاهر هذا أنه لا يجزئه وهو مذهب الشافعي لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار فأشبه الهريسة، قال شيخنا والأول أحسن لأن الله تعالى قال (فاطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس الادخار مقصودا في الكفارة فانها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه فيدل ذلك على أن المقصود كفايته في يومه وهذا قد هيأه للأكل المعتاد للاقتيات وكفاهم مؤنته فأشبه ما لو نقى الحنطة وغسلها، فأما الهريسة والكبولا ونحوهما فلا يجزئ لأنهما خرجا عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الادام، وأما السويق فيحتمل الا يجزئ لذلك ويحتمل أن يجزئ لأنه يقتات

ص: 615

في بعض البلدان ولأن السويق يجزئ في الفطرة فكذلك ههنا * (مسألة) * (ولا يجزئ من البر أقل من مد ولا من غيره أقل من مدين) وجملة ذلك أن قدر الاطعام في الكفارات مد من بر لكل مسكين أو نصف صاع تمر أو شعير وممن قال مد بر زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر حكاه عنهم الإمام أحمد ورواه عنهم الأثرم وعن عطاء وسليمان بن موسى وقال سليمان بن يسار أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة يطعم مدا من أي الأنواع كان، وبه قال عطاء والاوزاعي والشافعي لما روى أبو داود بإسناده عن أوس بن أخي عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير إطعام ستين مسكيناً، وروى الأثرم باسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال " خذه وتصدق به " وإذا ثبت هذا في المجامع بالخبر ثبت في المظاهر قياساً عليه ولأنه اطعام واجب فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج كالفطرة، وقال مالك لكل مسكين مدان من جميع الانواع، وممن قال مدان من قمح مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي لأنها كفارة تشتمل على صيام

واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى، وقال الثوري وأصحاب الرأي من القمح مدان ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر " فأطعم وسقا من تمر " رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما وروى الخلال بإسناده عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " فليطعم ستين مسكيناً وسقاً (1) من تمر " وفي رواية أبي داود

(1) لعله عرقا

ص: 616

والعرق ستون صاعا، وروى ابن ماجة بإسناده عن ابن عباس قال: كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس " فمن لم يجد فنصف صاع من بر " وروى الأثرم باسناده عن عمر رضي الله عنه قال: أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ولانه اطعام للمساكين فكان صاعاً من التمر والشعير أو نصف صاع من بر كصدقة الفطر ولنا ما روى الإمام أحمد ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر " أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مدبر " وهذا نص ولأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفاً فكان اجماعا وعلى أنه نصف صاع من التمر والشعير ما روى عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخويلة امرأة أوس ابن الصامت " اذهبي إلى فلان الأنصاري فإن عنده شطر وسق من تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فلتأخذيه فليتصدق به على ستين مسكينا " وفي حديث أوس بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إني سأعينه بعرق من تمر - قلت يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر - قال أحسنت اذهبي فأطعمي

ص: 617

بها عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك " وروى أبو داود بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا فالعرقان ثلاثون صاعا لكل مسكين نصف صاع ولأنها كفارة تشتمل على صيام واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير كفدية الأذى، وأما رواية أبي داود أن العرق ستون صاعا فقد ضعفها وقال غيرها أصح منها وفي الحديث ما يدل

على الضعف لأن ذلك في سياق قوله " إني سأعينه بعرق - فقال امرأته إني سأعينه بعرق آخر - قال - فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً " فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا ولا قائل به، وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا فقال تصدق به فيحتمل أنه اقتصر عليه إذا لم يجد سواه ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله وفي الحديث المتفق عليه قريب من عشرين صاعا وليس ذلك مذهبا لأحد فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه وحديث أوس أخي عبادة مرسل يرويه عنه عطاء ولم يدركه على أنه حجة لنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عرقا وأعانته امرأته بعرق آخر فصارا جميعا ثلاثين صاعا كما فسر أبو سلمة بن عبد الرحمن وسائر الأحاديث يجمع بينها وبين اخبارنا بحملها على الجواز واخبارنا على الاجزاء، وقد عضد هذان ابن

ص: 618

عباس راوي بعضها ومذهبه أن المد من البر يجزئ وكذلك أبو هريرة وسائر ما ذكرنا من الأخبار مع الاجماع الذي نقله سليمان بن يسار * (مسألة) * (ولا يجزئ من الخبر أقل من رطلين بالعراقي إلا أن يعلم أنه مد) وجملة ذلك أنه إذا أعطى المسكين رطلي خبز بالعراقي أجزأه ذكره الخرقي وذلك بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم خمس أواقي وسبع أوقية لأن ذلك لا يكون أقل من مد وقال القاضي المد يجئ منه رطلان لأن الغالب أن رطلين من الخبز لا يكون أقل من مد فأما ان علم أنه مد بحيث يأخذ مدا من حنطة فيطحنه ويخبزه أو رطلا وثلثاً من دقيق الحنطة فيصنعه خبزاً فيجزئه وهذا في البر فأما إن كان من الشعير فلا يجزيه الا ضعف ما قدرنا أو يخبز نصف صاع شعير كما قلنا في البر ويخرجه فيجزئه * (مسألة) * (فإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه ويحتمل أن يجزئه لا يجزئ إخراج القيمة في الكفارة) نقلها الميموني والاثرم وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر وهو الظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي لأن المقصود دفع حاجة المسكين وهو يحصل بذلك

ص: 619

وخرج بعض أصحابنا من كلام أحمد رواية أخرى انه يجزئه وهو ما روى الأثرم أن رجلا سأل أحمد قال أعطيت في كفارة خمس دوانيق فقال لو استشرتني قبل أن تعطي لم أشر عليك ولكن أعط ما بقي من الأثمان على ما قلت لك وسكت عن الذي أعطى وهذا ليس برواية وإنما سكت عن الذي أعطى لأنه مختلف فيه فلم ير التضييق عليه فيه والمذهب الأول لظاهر قوله سبحانه (فإطعام ستين مسكينا) ومن أخرج القيمة لم يطعم وقد ذكرناه في الزكاة * (مسألة) * (وإن غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه وعنه يجزئه) ظاهر المذهب في كيفية إطعام المساكين أن الواجب أن يملك كل انسان من المساكين القدر الواجب من الكفارة فلو غدى المساكين أو عشاهم لم يحزئه سواء كان ذلك بقدر الواجب أو أقل أو أكثر، ولو غدى كل واحد غداء لم يجزئه إلا أن يملكه إياه وهذا مذهب الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم وهو قول النخعي وأبي حنيفة وأطعم أنس في فدية الصيام قال أحمد أطعم شيئاً كثيراً وضع الجفان، وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وذلك لقول الله تعالى (فإطعام ستين مسكينا) وهذا قد أطعمهم فينبغي أن يجزئه ولأنه أطعم

ص: 620

المساكين فأجزأه كما لو ملكهم ووجه الأولى أن المنقول عن الصحابة اعطاؤهم ففي قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة مد لكل فقير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب في فدية الأذى " أطعم ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين " ولأنه مال وجب للفقراء شرعا فوجب تمليكهم إياه كالزكاة فإن قلنا يجزئ اشترط ان يغديهم ستين مدا فصاعدا ليكون قد أطعمهم قدر الواجب، وإن قلنا لا يجزئ أن يغديهم فقدم إليهم ستين مدا وقال هذا بينكم بالسوية فقبلوه أجزأ لأنه ملكهم التصرف فيه والامتناع قبل القسمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو عبد الله بن حامد يجزئه وإن لم يقل بالسوية لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية لأن ذلك حكمها وقال القاضي إن علم أنه وصل إلى كل واحد قدر حقه أجزأ وإن لم يعلم لم يجزئه لأن الأصل شغل ذمته ما لم يعلم وصول الحق إلى مستحقه، ووجه الأول أنه دفع الحق إلى مستحقه مشاعاً فقبلوه فبرئ منه كديون غرمائه

(فصل) ولا يجب التتابع في الاطعام نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقيل له يكون عليه كفارة يمين فيطعم اليوم واحداً والآخر بعد أيام وآخر بعد حتى يستكمل عشرة فلم ير بذلك بأساً وذلك لأن

ص: 621

الله تعالى لم يشترط التتابع فيه ولو وطئ في أثناء الاطعام لم يلزمه اعادة ما مضى منه وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يستأنف لأنه وطئ في أثناء الكفارة فوجب الاستئناف كالصيام ولنا أنه وطئ في أثناء ما لا يشترط فيه التتابع فلم يوجب الاستئناف كوطئ غير المظاهر منها أو كما لو وطئ في كفارة اليمين وبهذا فارق الصيام (فصل) ولا يجزئ الاخراج إلا بنية وكذلك الاعتاق والصيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " ولان العتق يقع متبرعا به وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة إلا بنيته وصفتها إن ينوي العتق أو الاطعام أو الصيام عن الكفارة فإن زاد الواجبة فهو تأكيد وإلا أجزأت نية الكفارة وإن نوى وجوبها ولم ينو الكفارة لم تجزئه لأن الوجوب يتنوع عن كفارة ونذر

ص: 622

فوجب تمييزه وموضوع النية مع التكفير أو قبله بيسير وهذا الذي نص عليه الشافعي وقال به بعض أصحابه وقال بعضهم لا يجزئ حتى يستصحب النية وإن كانت الكفارة صياماً اشترطت نية الصيام عن الكفارة في كل ليلة لقوله عليه السلام " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " * (مسألة) * (فإن كانت عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتي أجزأه لأن النية تعينت لها وإن كان عليه كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها) وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً.

فعلى هذا لو كان مظاهراً من أربع نسائه فأعتق عبداً عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له إحداهن غير معينة لأنه واجب من جنس واحد فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان، وقياس المذهب أنه يقرع

ص: 623

بينهن فتخرج المحللة منهن بالقرعة، وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي له أن يصرفها إلى أيتهن شاء

فتحل، وهذا يفضي إلى أنه يتخير بين كون هذه المرأة محللة له أو محرمة عليه وإن كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق عبداً عن إحداهن ثم صام شهرين عن أخرى ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عن أخرى أجزأه وله الجميع من غير قرعة ولا تعيين، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور يقرع بينهن فمن تقع لها القرعة فالعتق لها ثم يقرع بين الباقيتين فمن تقع لها القرعة فالصيام لها والاطعام عن الثالثة لأن كل واحدة من هذه الخصال لو انفردت احتاجت إلى قرعة فكذلك إذا اجتمعت ولنا أن التكفير قد حصل عن الثلاث وزالت حرمة الظهار فلم يحتج إلى قرعه كما لو اعتق ثلاثة عن ظهارهن دفعة واحدة * (مسألة) * (وإن كانت من أجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان ويمين فقال أبو الخطاب لا تفتقر إلى تعيين السبب.

وبهذا قال الشافعي لأنها عبادة واجبة فلم تفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كان من جنس واحد)

ص: 624

وقال القاضي يحتمل أن يشترط تعيين سببها ولا يجزئ بنية مطلقة وحكاه بعض أصحاب الشافعي عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما عبادتان من جنسين فوجب تعيين النية لهما كما لو وجب عليه صوم من قضاء ونذر فعلى هذا لو كانت عليه كفارة واحدة لا يعلم سببها أجزأته كفارة واحدة على الوجه الأول قاله أبو بكر وعلى الوجه الثاني ينبغي أن يلزمه كفارات بعدد الأسباب كل واحد عن سبب كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فإنه يلزمه خمس صلوات، ولو علم أن عليه يوماً لا يعلم هل هو من قضاء أو من نذر لزمه صوم يومين فإن كان عليه صيام ثلاثة أيام لا يدري أهي من كفارة أو نذر أو قضاء لزمه صوم تسعة أيام كل ثلاثة عن واحدة من الجهات الثلاث (فصل) إذا كان على رجل كفارتان فاعتق عنهما عبدين لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) أن يقول اعتقت هذا عن هذه الكفارة وهذا عن هذه فيجزئه اجماعاً (الثاني) أن يقول اعتقت هذا عن احدى الكفارتين وهذا عن الاخرى من غير تعيين فإن كانا من جنس واحد ككفارتي ظهار أو قتل أجزأه وإن كانتا من جنسين ككفارة ظهار وكفارة قتل خرج

على وجهين في اشتراط تعيين السبب فإن قلنا يشترط لم يجزئه واحد منهما وإن قلنا لا يشترط أجزأه عنهما (الثالث) أن يقول اعتقتهما عن الكفارتين فإن كانتا من جنس أجزأ عنهما ويقع كل واحد عن كفارة لأن عرف الشرع والاستعمال اعتاق الرقبة عن الكفارة فإذا أطلق ذلك وجب حمله عليه وإن

ص: 625

كانتا من جنسين خرج على الوجهين (الرابع) أن يعتق كل واحد منهما عنهما جميعاً فيكون معتقا عن كل واحدة من الكفارتين نصف العبدين فينبني على أصل آخر وهو إذا اعتق نصف رقبتين عن كفارة هل يجزئه اولا؟ فعلى قول الخرقي يجزئه لأن الأشقاص بمنزلة الأشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير بدليل الزكاة فإن من ملك نصف ثمانين شاة كان كمن ملك أربعين ولا تلزم الأضحية فإنه يمنع منها العيب اليسير.

وقال أبو بكر وابن حامد ولا يجزئه وهو قول مالك وأبي حنيفة لأن ما أمر بصرفه إلى شخص في الكفارة لم يجز تفريقه على اثنين كالمد في الاطعام ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين، ولهم وجه ثالث وهو أنه إن كان باقيهما حراً أجزأ وإلا فلا لأنه متى كان باقيهما حراً حصل تكميل الأحكام والتصرف وخرجه القاضي وجها لنا أيضاً إلا أن للمعترض عليه أن يقول إن تكميل الأحكام ما حصل بعتق هذا وإنما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجز في هذه المسألة عن شئ من الكفارتين وإن قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس أجزأ العتق عنهما وإن كانتا من جنسين فقد قيل يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجهاً واحداً لأن عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما (فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده أنت حر الساعة إن تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظها إن تظاهر لأنه قدم الكفارة على سببها المختص لم يجز كما لو قدم كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فانت علي كظهر أمي

ص: 626

لم يجز التكفير قبل دخول الدار لأنه تقديم للكفارة قبل الظهار فإن أعتق عبداً عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهراً ولم يجزئه لأن الظهار معلق على شرط ولو قال لعبده إن تظاهرت فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي كظهر أمي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه

وخرجه القاضي وجها لنا أيضاً إلا أن للمعترض عليه أن يقول إن تكميل الأحكام ما حصل بعتق هذا وإنما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجز في هذه المسألة عن شئ من الكفارتين وإن قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس أجزأ العتق عنهما وإن كانتا من جنسين فقد قيل يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجهاً واحداً لأن عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما (فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده أنت حر الساعة إن تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظها إن تظاهر لأنه قدم الكفارة على سببها المختص لم يجز كما لو قدم كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فانت علي كظهر أمي

ص: 627

لم يجز التكفير قبل دخول الدار لأنه تقديم للكفارة قبل الظهار فإن أعتق عبداً عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهراً ولم يجزئه لأن الظهار معلق على شرط ولو قال لعبده إن تظاهرت فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي كظهر أمي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه عن الكفارة فيه وجهان (أحدهما) يجئه لأنه عتق بعد الظها وقد نوى اعتاقه عن الكفارة (والثاني) لا يجزئه لأن عتقه مستحق بسبب آخر وهو الشرط ولان النية لم توجد عند عتق العبد والنية عند التعليق لا تجزئ لأنه تقديم لها على سببها والله سبحانه وتعالى أعلم آخر الباب ويتلوه باب اللعان إن شاء الله تعالى، تم تسويد كتابة ذلك الكتاب في اليوم السادس من العشر الثانية من الشهر السابع من السنة السادسة من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الالف الثاني من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلاة والسلام بقلم الفقير إلى الله محمد بن حمد بن نصر الله بن فوزان بن نصر الله بن محمد بن عيسي بن حمد بن عيسي بن صقر بن مشعاب ان تجد عيبا فسد الخللا * جل من لا عيب فيه وعلا * (تم بحمد الله وعونه الجزء الثامن من كتابي المغني والشرح الكبير) * * (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء التاسع وأوله (كتاب اللعان) *

ص: 627