الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: هو ذاك إنه يزعم أن رسول الله أراد الأمر له، فقال: يا " ابن عباس " وأراد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك، إن رسول الله أراد ذلك وأراد الله غيره فنفذ مراد الله تعالى ولم ينفذ مراد رسول الله أَوَكلُّ ما أراد رسول الله كان؟ إنه أراد إسلام عمّه ولم يرده الله فلم يسلم (1) ? وبعد كل ما أثبتناه فإن وجود نص إلهي في موضوع الخلافة يصطدم بخمس عقبات رئيسية كل واحدة منها تكفي لهدم الفكرة من أساسها وهذه العقبات الخمسة:
صحابة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وموقفهم من الخلافة
.
أقوال الإمام في الخلافة.
بيعة الإمام مع الخلفاء وإعطاء الشرعية لخلافة الخلفاء الراشدين.
أقوال الإمام في الخلفاء الراشدين.
أقوال أئمة الشيعة في الخلفاء الراشدين.
أولاً - صحابة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وموقفهم من الخلافة:
لقد أعطينا صورةً واضحة المعالم عن عصر الرسالة في الصفحات السابقة وبَيَّنّا مدى الحرية الفكرية والاجتماعية التي كانت تحكم آنذاك المجتمع الإسلامي الفتيّ واستشهدنا بالآيات الكريمات التي وردت في تقييد تلك الحريات الكلامية والاجتماعية التي كانت فيها إيذاءً للنبي وتجريح للمسلمين، ويجب علينا أيضاً أن نذكر بوضوح وصراحة أن الصورة التي رسمناها لذلك المجتمع الإسلامي الفتي إنما كانت صورةً عامّةً لكل الطبقات التي اجتمعت في المدينة وحواليها وحول الرسول - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - بما فيهم المنافقين والمؤلفة قلوبهم وغيرهم من ضعفاء الإيمان الذين يخاطبهم الله بقوله: ? قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله
(1) - شرح نهج البلاغة " ابن أبي الحديد ج3 ص114
غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون * قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات والأرض والله بكل شيء عليم * يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ...... .. ? 14 - 17 الحجرات.
إن من يتدبر في هذه الآيات الكريمات يعلم علم اليقين أنه في ضمن الأكثرية التي أشرنا إليها كانت توجد تلك الصفوة المختارة من صحابة رسول الله التي مشت تحت راية الرسول - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ودافعت عن الإسلام بدمها ومالها واشتركت معه - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في بناء مجد الإسلام والدفاع عن الأخطار التي أحدقت به، (1) إنهم كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار الذي كانوا مع النبي في السراء والضراء يلازمونه ملازمة الظل لصاحبه حتى يكون لهم أسوة في حياتهم ويحمونه من الأعداء والمتربصين بالإسلام، وهناك صورة مشرقة نيّرة لهذه الصفوة المختارة من أمة محمد - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في القرآن الكريم تعني كل كلمة منها صفاء ذلك العصر وعظمته وجلالته وروعته وإخلاص الصحابة وتفانيهم في الإسلام وفي الدفاع عن الرسول - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ولنقرأ معاً هذه الآية الكريمة: ? محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً? الآية 29 سورة الفتح.
وهناك وصف آخر لهذا العصر المشرق ولصحابة رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - يذكرها الإمام " علي " ونثبته هنا: ? لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحداً يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم
(1) - هنا المؤلف قال: والدفاع عن الأخطار التي أحدقت به: وهذا أعتقد أن فيه ركاكة ومعنى قبيح وأرى أن المؤلف يقصد: والوقوف في وجه الأخطار التي أحدقت به أو دفع الأخطار التي أحدقت به. والله أعلم. (الناقل).
وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزي من طول سجودهم إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب (1) ورجاء العقاب (2) ?.
ولنستمع إلى الإمام وهو يصف مرةً أخرى صحابة رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ومدى إيمانهم المطلق واللامحدود بنبيهم وبرسالته: ? ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا وما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليما ومضياً على اللقم وصبرا على مضض الألم وجداً في جهاد العدو ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه ومتبوئاً أوطانه ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضرَّ للإيمان عود وايم الله لتحتلبنها دماً ولتتبعنها ندماً (3) ?.
وهنا لا بد من هذا السؤال: هل أن (مثل هذه الصحابة التي أثنى عليهم الله هذا الثناء (4)) العظيم ومدحهم الإمام " عليّاً " بهذا الوصف الكبير خالفوا النص الإلهي في أمر ورد فيه تشريع من الله وهم حماة التشريعات الإلهية ومنفذيها وقد ضحوا بالغالي والرخيص لأجلها ولا سيما لو كان لذلك التشريع صلة مباشرة بمصالح المسلمين ومستقبل أمرهم وإرساء القواعد التي بعث رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - لإرسائها؟
وبعد كل هذا ونحن نؤدي رسالة التصحيح في هذا الكتاب بعيدة عن الأهواء والعصبيات وتقاليد الآباء والأمهات، إنها رسالة موجهة إلى الطبقة المثقفة وأصحاب الأفكار الحرة من أبناء الشيعة الذين عليهم عقدت الآمال في
(1) - نهج البلاغة ج1 ص19
(2)
- وردت هنا كلمة العقاب ولعله يقصد (الثواب) فتصبح العبارة: خوفاً من العقاب ورجاء الثواب) والله أعلم. (الناقل).
(3)
- نهج البلاغة ج1 ص104
(4)
- هذه العبارة فيه غلط برأيي والصحيح: هل أن مثل هؤلاء الصحابة الذين أثنى الله عليهم هذا الثناء .... (الناقل).