الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا كانت آيات العتاب والتحذير تعطي للرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? قوة لا تقل عن قوة آيات المدح
والثناء فلا غرو انه? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? تلقى من ربه كلمات لم تنزل قط على من سبقوه من أولي العزم من الرسل? وإنك لعلى خلق عظيم ?4 القلم، ولم يقتصر دور الرسول البارز في فصل موقعه السماوي من البشري إلى هذا الحد فحسب بل تجاوزه إلى أبعد ما يمكن للمرء أن يتصوره فعندما هابه رجل من الأعراب التقى به قال له? هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد ? وهذه العظمة الروحية في نكران الذات تتجاوز آفاق الأرض والسماء وتتجلى في أعظم مظاهرها عندما كسفت الشمس في يوم وفاة ابنه " إبراهيم " فقال الناس: (انكسفت الشمس لوفاة ابن رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? وسمع الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? ما قاله القوم فصعد المنبر وخاطب المسلمين بقوله: ? إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد وإنما ما ت إبراهيم بقضاء وقدر من الله? وهكذا كان النبي? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? يدفع عن نفسه مظاهر القدسية وهالاتها ليثبت عبوديته لله وإنه بشر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً? قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً .... ?49 يونس ويزيد النبي في العبودية والعبادة حتى أنزل الله عليه قوله: ? طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى .... ?1 - 2 طه.
الحرية الفكرية والاجتماعية في عهد الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
?
لكن الوجه الآخر المكمل لهذه السيرة النبوية يتجلى في شيء آخر هو الحرية الفكرية والاجتماعية التي منحها الرسول الكريم لأصحابه وللمسلمين، حقاً إن المرء ليطأطئ رأسه خضوعاً وخشوعاً لعظمة رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? عندما يتابع عصر الرسالة وما فيها من الحريات الفكرية والاجتماعية التي منحها الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? لأصحابه وللمسلمين وهذا هو الجانب المكمل للطريقة التي كان يتبعها الرسول الكريم للفصل بين شخصيته " كرسول الله " و " كمحمد بن عبد الله " ولو أن المتتبعين والمحققين للتاريخ درسوا هذه الناحية في عصر الرسالة وهذا الجانب من سياسة النبي الاجتماعية لسهل عليهم فهم كثير من الغوامض التاريخية المتعلقة بعصر الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? وبعد وفاته، وبعد ولحلت كثيراً
من الخلافات الفكرية والمذهبية بين المسلمين التي انتهت إلى إراقة الدماء تارة وإلى الشتم والتنابز بالألقاب تارة أخرى.
لقد منح الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? صحابته والمسلمين من الحرية الفكرية والاجتماعية والمساواة منذ إبان دعوته وعند انتشارها وحتى آخر يوم من حياته ما لم نجده في أي عصر آخر ولدى أية أمة أخرى ولم نجده حتى في عصرنا هذا لدى أرقى الأمم ديمقراطية وحرية، ولا اعتقد أنه يوجد في تاريخ الديمقراطية والمساواة قديماً وحديثاً أن سيد قوم ومؤسس أمة وقائد فكر يجلس مع صحابته في صورة دائرية لكي لا يكون لمجلسه الصدر والذيل ويكون كل فرد في ذلك المجلس مساوياً مع رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? في جلسته حتى أن الأعرابي عندما كان يدخل إلى مجلس الرسول فلا يميزه بين الصحابة كان يسأل: من هو محمد؟ فكان الصحابة يشيرون إليه? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ?.
ويكفي لذلك العصر فخراً وجلالاً أن بروتوكولات الديمقراطية في عصر الفضاء قلدت فكرة المستديرة لاجتماع الملوك والرؤساء من مجلس الرسول العربي، والنبي إذا صافح رجلاً كان يمسك بيد الرجل حتى يرسلها صاحبها احتراماً منه لذلك الرجل، وكان? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? كما وصفه " علي بن أبي طالب " يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرفع بيده ثوبه ويركب الحمار العاري ويردف خلفه، ولعل هذه الديموقراطية والحرية تجلت في أكبر صورها عندما كان الكثير من الناس يستغلونها ويخرجون عن حدود الأدب وطوره بالنسبة للقائد الإلهي، وكان الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? يحتمل ذلك بصبر وأناة وابتسامة حتى أنْ نزل أمر الله على المسلمين معاتباً إياهم في ذلك، ولكن حتى الآيات الإلهية لم تنه نهياً قاطعاً من كيفية نعامل الناس مع الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? بل ألقى الملامة عليهم ووصفهم بالجهل أو وضعت ضريبة غير ملزمة لأولئك الذين يخرجون عن الاحترام اللائق بالنسبة لرسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? ولكن الله لم يحرم شيئاً من ذلك ولنقرأ معاً هذه الآيات البينات? يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك
الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم * عن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم ?2 - 5 الحجرات، ? يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ?12 المجادلة، وأعتقد أن من الضرورة بمكان أن أثبت في هذا الفصل حادثة أخرى وقعت في حياة النبي الكريم وكانت لهلا صلة مباشرة بزوجته السيدة " عائشة " أم المؤمنين ألا وهي
قصة الإفك.
إن المتتبع لقصة الإفك يتضح أمامه صورة كاملة للحرية التامة التي كان المسلمون يتمتعون بها في الفكر والتعبير والكلام، فكل من يقرأ تاريخ تلك الحقبة يعلم علم اليقين أن إشاعة الإفك عندما انتشرت في المدينة وأصبحت حديث الناس في مجالسهم ونواديهم وكانت تلك الأخبار المحزنة تصل إلى سمع رسول الله لم يصدر منه? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? ما يوحي بالغضب على صحابته أو أهل المدينة ولا شك أن الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? كان يعلم زيف التهمة الموجهة إلى أم المؤمنين وهي أعز أزواجه بعد السيدة " خديجة الكبرى " وابنة صاحبه في الغار ومن أقرب الصحابة إليه ولكنه أراد أن لا يستعمل صلاحية القائد أويحد من صلاحية الأمة في التعبير عن الكلام، فالتاريخ لا يشير قط إلى أن الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? طلب من أصحابه أن يكفوا عن حديث الإفك أو أنه اعترض عليهم في القول أوصدر منه ما يشعر المسلمين بأنه غاضب عليهم لما يقال في همس أو علن في أم المؤمنين أو أنه أجرى تحقيقاً مع المشتبه بأمرهم في إشاعة الإفك وكان للنبي في المدينة أعداء ألدّاء تتجسد في الجالية اليهودية ومن المنافقين والمتربصين به وبكل ما يحيط به فلم يتخذ النبي وجود الأعداء بين ظهور المسلمين ذريعة ليطلب من أهل المدينة الكف عن حديث الإفك حتى يهونوا عليه ولا يثخنوا في الجراح بل بالعكس من كل هذا عالج الإفك بالصبر حتى أنه? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? شاور " علي بن أبي طالب " و " زيد بن حارثة " وبعض الصحابة في الطريقة التي ينبغي عليه أن يعالج ذلك الأمر ولكن ليس مع الأفاكين بل مع أم المؤمنين.
ومع أن الوطأة كانت شديدة على السيدة " عائشة " وعلى أبيها وأسرتها فهزلت ومرضت ولزمت الفراش، ولكن هذا اللغط الاجتماعي الغريب يعصر قلبها كلما تصورت ما يقول عنها الآفكون إلا كل ذلك لم يغير من سياسة النبي العظيم في الحد من إطلاق الحريات الاجتماعية أو حمل الناس على السكوت وعدم الخوض في ما يدور في مجالس المدينة ونواديها، وهنا ظهرت المشيئة الإلهية وإرادته البالغة فوضعت حداً سماوياً للأحاديث الجارحة والاتهامات الباطلة التي ينسبها البعض إلى البعض بلا دليل أو شاهد أو بينة فأنزل الله على قلب رسوله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ?: ? إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ?10 النور، وهكذا بَرَّأَ الرحمن ساحة السيدة " عائشة " ووضع سبحانه وتعالى حداً للحريات الكلامية الجارحة التي فيها إساءة للناس وحط من كرامتهم.
وهنا نريد أن نستنتج شيئاً أهم من هذه الحادثة وهو أن المجتمع الذي يصل فيه التعبير عن الرأي وحرية الكلام سواء أكان ذلك صحيحاً أو سقيماً إلى هذه المرحلة بحيث لا يرعى في حرمة رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? الذي أنقذهم من الضلال والهلاك وهداهم إلى خير الدنيا والآخرة وخير البركات حتى أن نزلت آيات التأديب بحق الناس في ذلك المجتمع، هل يمكن للنبي? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? أن يحمل مجتمعاً مثل هذا على أمر وهو مكره عليه إلا إذا كان ذلك الأمر من الله وبنص من كتابه فحينئذ كانت الحريات الفكرية والاجتماعية كلها تتبخر أمام الأوامر الإلهية ويصبح الفرد والمجتمع أمام أوامر الله ونواهيه عباداً مطيعين منقادين لا يسعهم إلا الامتثال لأمره والعزوف عن نواهيه.
لقد كان باستطاعة الرسول الكريم أن يخلق مجتمعاً من المسلمين يطيع إرادته الشخصية لا يحيد عنها إذا أمرهم بها، ولكن مثل هذا الأمر كان مناقضاً للرسالة التي جاء لأجلها ألا وهي إلغاء كل العبوديات والتقاليد المتعلقة بها ما عدا عبادة الله الواحد الأحد، وكما نعلم فإن الإسلام قد جاء ومحمداً قد بعث للقضاء على كل الرواسب والأفكار الجاهلية التي كانت أهم مظاهرها عبادة الفرد للفرد وإطاعة الفرد للفرد، وهكذا أخرج الإسلام الناس من ظلمات العبودية
الفكرية والجسدية إلى حيث النور والحرية، ولذلك كان المجتمع الإسلامي الفتيّ يرى في الدين الجديد كل مقومات الحياة وكرامة الفرد والإنسان، إنها الرسالة السماوية التي جعلت من ذلك المجتمع الطبقي المؤلف من السادة والعبيد مجتمعاً موحداً يتألف من أناس كلهم سواسية أمام الله (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) ? إن أكرمكم عند الله أتقاكم ? 13 الحجرات، وكان من نتائج الخروج من عبودية الأصنام والآلهة المتفرقة والتخلص من سادة قريش والدخول في عبادة الله الواحد الأحد تلك الحرية التي أنعمها الله على المسلمين والتي بفضلها بدأ المجتمع الإسلامي الجديد ينعم بحرية الرأي والتعبير والفكر ما دام لم يكن في تلك الحرية غضب الله وسخطه، وعندما أراد المجتمع الإسلامي ذلك أن يتجاوز القيود المفروضة عليه في التعبير عن الرأي لم يمنعهم الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? من ذلك حتى لا يعيد إلى أذهانهم دور الإطاعة لسادة القوم وكبرائه بل انتظر في ذلك أمر السماء ونزول الوحي وجاء الأمر الإلهي يقيد المسلمين بالالتزام بالأخلاق الفاضلة وبعدم إشاعة الفحشاء في الذين آمنوا? إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ?18 النور، كما أمرهم بالالتزام بحرمة المسلمين وعدم الإساءة إليهم بالكلام الجارح والسب المقذع: ? يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن
يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراًَ منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون* يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ?11 - 12 الحجرات، وهكذا تظهر عظمة الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? بكل قداستها وجلالها حيث لا يريد لأمته ومجتمعه إلا ما يريده الله لهم.
وهنا أعود لموضوع الخلافة وأقول: إذا كان النبي? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? لم يدافع عن زوجته في أخطر اتهام وجهته إليها عصبة جاءت بالإفك وهو يعلم أنها بريئة منه كل البراءة حتى لا يعيد الناس إلى دور الجاهلية وإطاعة السادة والكبراء بدون ضابط ومبرر فلم يكن في ذلك أمر إلهي، وإذا كان الرسول? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? يرغب رغبة شخصية أن يكون " عليّ " خليفة من بعده كما تدل على ذلك الأحاديث التي رواها الفريقان بأسانيدهما الصحيحة لكنه لم يرغم أمته على قبول ذلك الخليفة بنفس الطريقة التي لم يرغم الناس فيها على أن يكفوا عن حديث الإفك في أعز أزواجه ولم يرغمهم في الكف عن معاملته بصورة لا تليق برسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? عندما كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته أو يتناجون بين يديه حتى عن نزلت الآيات الكريمات التي أمرت الناس بالتأدب والاحترام للنبي الذي أطلق للناس حرية استغلها البعض استغلالاً غير حسن وكريم.
ومرة أخرى نلقي نظرة فاحصة على عهد الرسول الكريم والحرية التي كان المجتمع الإسلامي الفتي ينعم بها إلى درجة تجاوزت الحدود ووصلت إلى مرحلة خطيرة أغضبت رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? لأنها كانت خروجاً على التقاليد المرعية والمتبعة في إطاعة القائد الأعلى أثناء القتال فقد أجمع أرباب السِّيَر أن رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? لما مَرِضَ مَرَضَ الموت دعا " أسامة بن زيد بن حارثة " فقال له: ? سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك عل ى هذا الجيش وإن أظفرك الله بالعدو فأقلل اللبث وبث العيون وقدم الطلائع ...... ? فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش منهم " أبو بكر " و " عمر " فتكلم قوم وقالوا: (يستعمل هذا الغلام على جلة من المهاجرين والأنصار) فغضب رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? لما سمع ذلك وخرج عاصباً رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال: ? يا أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة لئن طعنتم في تأمير أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وايم الله إنه كان خليقاً بالإمارة وابنه من بعده لخليق بها وإنهما
لمن أحب الناس إليَّ فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم ?.
وهكذا نرى بوضوح أن قلب رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? كان أكبر من أن يأمر بمعاقبة قوم طعنوا في القيادة التي اختارها لجيشه وتجاوزوا على صلاحيات القائد الأعلى الذي هو في الوقت نفسه رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? ومؤسس أمة وباني مجد وقائد عسكري عظيم حيث يصفه الإمام " علي " بقوله: ? كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله فلم يكن منا أقرب للعدو منه ? مثل هذا الرسول العظيم وأمام هذه البادرة الخطيرة لم يزجر ولم يهدد ولم يتهم بالفسق والخروج عن الإسلام أحداً من الذين طعنوا في إمارة " أسامة " وكل ما قاله في آخر عتابه: ? واستوصوا به خيراً فإنه من خياركم ? كل هذا يثبت للمسلمين أن اختياره " لأسامة " لم يكن بأمر من الله ولا علاقة لهذا الاختيار بالسماء والوحي بل إنه اختيار شخصي ينبع من كفاءة " أسامة " وحبه لقيادة جيش المسلمين، وإن غضبه - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - للمقالة التي قالوها لا يحملهم مسؤولية أخروية أو عذاباً إلهياً، ولذلك ختم كلامه - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - معدداً الأسباب التي كانت وراء اختياره للقائد الشاب وطلب من المسلمين أن يسيروا وراءه.
ونذكر هنا رواية رواها " ابن عباس " عن الخليفة " عمر " صريحة كل الصراحة في موقف الصحابة نحو الرغبات الشخصية لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - والأوامر الإلهية التي كان يصدع بها فقد روى " ابن عباس " قال: ? خرجت مع " عمر " إلى الشام في إحدى خرجاته فانفرد يوماً يسير على بعير فاتبعته فقال: يا " ابن عباس " أشكو إليك ابن عمك سألته أن يخرج معي فلم يقبل ولم أزل أراه واجداً، فيم تظن موجدته؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم، قال: أظنه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة،