الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومرة أخرى نقول: عن هناك فرقاً كبيراً بين أن يعتقد الإمام " علي " والذين كانوا معه انه أولى بخلافة الرسول الكريم? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? من غيره ولكن المسلمين اختاروا غيره وبين أن يعتقد أن الخلافة حقه الإلهي ولكنها اغتصبت منه، والآن فلنستمع إلى الإمام " علي " وهو يحدثنا عن هذا الأمر بكل وضوح وصراحة ويؤكد شرعية انتخاب الخلفاء وعدم وجود نص سماوي في أمر الخلافة:(إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد .... وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضىً، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين)(1).
وقبل أن أتحدث عن موقف الإمام " علي " بالنسبة للخلفاء الذين سبقوه وقبل أن نسهب في هذا الأمر ونستشهد بأقوال أخرى للإمام حيث أن لهذا الموقف أهميته القصوى في كشف الحقيقة وإنارة الواقع لا بد من التفصيل حول رغبات النبي الشخصية وذلك الجانب السماوي الذي كان يصدع به بأمر من الله وبوحي منه.
الفصل بين الأوامر الإلهية ورغبات النبي الشخصية
إن فصل هذين الجانبين في الشخصية المحمدية? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? يساهم مساهمة كبيرة في إعطاء صورة واضحة عن الجانب الإلهي والشخصي في رسول الله?صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? وإذا علمنا أن النبي الكريم كان يحاول جاهداً التفريق بين الجانب الإلهي في أقواله وما يصدر عنه من أقوال وأعمال لا صلة لها بالسماء لعرفنا عظمة النبي وعظمة نفسه الكريمة، بالقرآن الكريم عندما يتحدث عن النبي? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? بهذه الآيات البينات? وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى? النجم الآيات 3 - 5،
(1) - نهج البلاغة ج3 ص7
لا شك أنه يقصد بذلك أنه? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? عندما يقرأ القرآن ويبلغ المسلمين بالآيات الإلهية وبالأحكام المنزلة عليهم إنما ينطق بالوحي وبكلام الله المنزل على قلبه وهذا هو شرط الإيمان بالإسلام وبرسالة محمد? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? وبالقرآن المنزل عليه، ولكن القرآن الكريم حتى يبين الفرق الأساسي بين ما هو رغبة من رغبات النبي الخاصة وما هو أمر إلهي قد حسم الموقف بصورة واضحة وصريحة في آيات العتاب وفي آيات النهي عن أمور كان النبي? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? يرغب الإتيان بها ولنقرأ معاً هذه الآيات? يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ..... ? 67 المائدة، ? واذكر ربك إذا نسيت?24 الكهف، ? سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى .... ?6 - 7 الأعلى، ? ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ....... ?176 آل عمران، ? ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين .... ?88 الحجر، ? وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ..... ?67 الأنفال، ? عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين .... ?43 التوبة، ? وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم
أنهم أصحاب الجحيم .... ?113 التوبة، ? وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ..... ?37 الأحزاب? يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي
مرضاة أزواجك والله غفور رحيم?1 التحريم، ? عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا إنها تذكرة ...... ?1 - 11 عبس، ? قل غنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد ..... ?110 الكهف، ? إنك ميت وإنهم ميتون ..... ?30 الزمر.
إن من يتدبر في هذه الآيات البينات سيعلم علم اليقين أن القرآن الكريم يؤكد تأكيداً قاطعاً على أن رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? لم يكن ملكاً ولا عنصراً سماوياً ولا موجوداً خارج نطاق هذا الكون وطبائعه إنما هم بشر مثل سائر البشر، كان يأكل وينام ويصح ويمرض ويحب ويكره ويتزوج وينجب الأطفال حسب الناموس الطبيعي للكون فيسري عليه من التفاعل الطبيعي كل ما هو يسري على سائر أفراد البشر، ومن الواضح جداً أن التأكيد على هذا الجانب في رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? إنما كان ليثبت للناس أن كل ما يصدر من النبي لا يعني أنه وحي أو كلام إلهي أو أمر سماوي، أما الناحية الإلهية في وجود النبي وهي الاتصال بالمبدأ الأعلى فكان يؤكدها شخص النبي? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? عندما كان ينزل عليه الوحي ويطلب من كتبة الوحي أن يدونوا قول الله تعالى، ويبدوا واضحاً للمتتبع لأخلاق الرسول الكريم? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? كما قلنا قبل قليل إنه كان يسعى جاهداً لتأكيد الفصل بين الجانب السماوي والأرضي في شخصه وهذه كانت من أكبر السمات الدالة على قوة النبي النفسية وصدقه في الرسالة وإخلاصه لربه وعظمة شخصيته وهي خصال لا تضاهيها خصال أي رسول من رسل السماء وأي عظيم من عظماء الأرض، فهذا الدور البارز العظيم الذي كان يؤديه ليظهر بالمظهر الذي خصه به ربه وبالصفات التي وصفه بها إلهه (فهو بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) ولكنه بشير ونذير أرسله الله للعالمين، فعندما كانت تنزل عليه آيات الثناء كان يقرؤها من موقع العبد المطيع فلم ير النبي في نفسه انتقاصاً عندما تلا على المسلمين آيات العتاب التي نزلت عليه كما لم يظهر عليه الخيلاء والتكبر عندما تلا آيات الثناء التي أنزلها الله على قلبه،