الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الصمد: "أطاع .... " البيت، وبعده:
[ص 40] كأنَّ لنا النار من دونه
…
وأفرده الله بالجنه
يريد أن أحمد معجب بتقواه وورعه، فأدَّاه ذلك إلى أن تاه على غيره.
فإن قيل: إنما أراد الأستاذ التنكيتَ والتبكيت مقابلة للإساءة بمثلها.
قلت: رأس مال العالم الصدق، ومن استحلَّ التحريف في موضع ترويجًا لرأيه لم يؤمَن أن يحرِّف في غيره.
* * * *
اعتبار
لكن الأستاذ عند ما تخالف الألفاظُ هواه، كثيرًا ما يدَّعِي أنها مصحَّفة؛ فيزعم أن "الدين" محرّف عن "أرى" وأن "يكذب" محرّف عن "يكتب" و"للفرس .... وللرجل" عن "وللفارس .... وللراجل" وغير ذلك.
في "تاريخ بغداد": (13/ 386 [401])" .... محبوب بن موسى قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أدركته لأخذ بكثير من قولي، قال: وسمعت أبا إسحاق يقول: كان أبو حنيفة يجيئه الشيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيخالفه إلى غيره".
ذكر الأستاذ هذا (ص 75) وذكر أن في النسخة الخطية زيادة سوق الخبر بسند آخر. وفي "تاريخ بغداد"(13/ 390 [407]) " .... أبو صالح الفراء قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: ردَّ أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعمائة حديث أو أكثر .... وقال أبو حنيفة: لو
أدركني [ص 41] النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن".
ذكر الأستاذ هذا (ص 85). وهذه الكلمة "لو أدركني
…
" لها تأويل قريب ذكرته في "التنكيل"
(1)
ولم يقع عليه الحنفية بل ذهبوا يتعسَّفون، فروى عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي: حدثني أبو طالب سعيد بن محمد بن أبان البرذعي في مسجد أبي الحسن الكرخي ببغداد حدثني أبو جعفر
…
الطحاوي أبنا بكَّار بن قتيبة أبنا هلال بن يحيى الرأي البصري، سمعت يوسف بن خالد السمتي
…
" فذكر قصةً طويلة فيها عجائب، تراها في "مناقب أبي حنيفة" للموفق المكي (2/ 101 - 109)، وقد أشرت إلى بعضها في "التنكيل".
وهذه الحكاية لا يشكُّ عارفٌ في أنها مكذوبة على الطحاوي، فعبد الله بن محمد ترجمته في "لسان الميزان"(3/ 348)
(2)
. وشيخه لا يُعْرَف، وإنما ذكره صاحب "الجواهر المضيئة"
(3)
بما تضمَّنته هذه الحكاية، فلم يُسْمَع به إلا فيها، ويغلب على الظن أنه لا يوجد منه إلا اسمه، ولو كان للقصة أثر عند الطحاوي لما فاتت ابن أبي العوَّام. ومن تدبَّر القصة لم يشك في اختلاقها، وفيها:"لو أدركني البَتِّي لترك كثيرًا من قوله" مع أنه يعلم منها ومن غيرها أن البتِّي وهو عثمان بن مسلم البصري الفقيه كان يومئذ حيًّا يرزق!
وذكر الأستاذ (ص 113) ما رُوي عن "حمَّاد بن زيد قال: ذُكِر أبو حنيفة
(1)
ترجمة رقم (158).
(2)
(4/ 579 - 580).
(3)
(2/ 224).
عند البتّي فقال: ذاك رجل أخطأ عصم دينه كيف يكون حاله؟ ". ثم قال الأستاذ: "عثمان بن مسلم البتّي
…
توفي سنة 143
…
وكانت تجري بينه وبين أبي حنيفة مراسلات
…
وكان [ص 42] يوسف بن خالد السمتي بعد أن تفقه على أبي حنيفة رجع إلى البصرة وأخذ يجابه البتي
…
".
وفي تلك الأخلوقة أن أبا حنيفة قال: "لو أدركني البتي
…
" أول ما اجتمع به يوسف بن خالد. فمن تدبَّر علم أن تلك الأخلوقة المنسوبة إلى يوسف بن خالد إنما اختُلِقت لما شاعت حكاية يوسف بن أسباط، فأراد المختلقُ علاجَها فوقع فيما وقع فيه، ثم أن الأستاذ لم يقتصر على ما قيل قبله من دعوى التصحيف في "النبي" بل زاد أمرين:
الأول: أنه على فرض أن أبا حنيفة قال تلك الكلمة بلفظ "النبي" فقوله: "لأخذ" المراد به "لأخذني".
الثاني: أنه رأى أن مَن تقدَّمه لم يتعرَّضوا لما وقع في إحدى الروايات: "وهل الدّين إلا الرأي الحسن" فقال الأستاذ (ص 88): "فلا أشك أن "الدين" مصحف من "أرى
…
"" وذهب يوجِّه احتمال العادة بمثل ذلك.
وهذا موضع الاعتبار، بينما ترى الأستاذ يصنع ما تقدم في الأمثلة، فيغضّ النظر عن التصحيف الواضح والخطأ المكشوف؛ إذا به يحاول دعوى التصحيف التي لا يشك في بطلانها، ولا عجب في ذلك إذ مغزى الأستاذ إنما هو الانتصار لهواه. وقد قدمت أن لتلك الكلمة المنقولة عن أبي حنيفة تأويلًا قريبًا بدون دعوى التصحيف ولا التحريف، وستجده في "التنكيل"
(1)
إن شاء الله تعالى.
(1)
ترجمة رقم (158).