الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[(7/ 221)]
(1)
: "وكان ثقة صالحًا ديّنًا، سكن باب الشعير. أخبرنا أحمد بن أبي جعفر، حدثنا يوسف بن عمر القوَّاس، حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي الأطروش سنة سبع عشرة وثلاثمائة ومات فيها، وكان يقال: إنه من الأبدال".
ثم ذكر الخطيب أن الصحيح أنه مات سنة 318، وقال ابن الجوزي في "المنتظم" (6/ 234) في ترجمة جعفر هذا: "وكان ثقة صالحًا دينًا
…
، وكان يقال: إنه من الأبدال".
اعتبار
كما أن الأستاذ يتجاهل المعروفين الثقات حين يكون هواه ردّ روايتهم، فكذلك يتعارف المجاهيل ويحتجّ بروايتهم إذا كانت روايتهم توافق هواه، وسيأتي في "التنكيل" أمثلة لذلك.
ومنها: في ترجمة أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ذكر الخطيب
(2)
أثرًا من طريق علي بن حَمْشاذ عنه واستنكره، فقال الأستاذ (ص 151) "سعى الخطيب
…
بأن يقول: إن أحمد بن عبد الله الأصفهاني مجهول، كيف وهو من ثقات شيوخ ابن حمشاذ، مترجَم في "تاريخ أصفهان" لأبي نعيم". كذا قال، وقد فتّشتُ "تاريخ أبي نعيم" فوجدت فيه ممن يقال له "أحمد بن عبد الله" جماعة ليس في ترجمة واحد منهم ما يشعر بأنه هذا، وفوق ذلك فجميعهم غير موثَّقين
(3)
.
(1)
بيَّض المؤلف للجزء والصفحة فاستدركتها.
(2)
"التاريخ": (3/ 439).
(3)
وادّعى الأستاذ أن عليَّ بن حمشاذ لا يروي إلا عن الثقات، فبينت هناك كذب هذه الدعوى، وسقت عدة من الروايات التي فيها رواية علي بن حمشاذ عن الضعفاء والمتهمين. [المؤلف].
ومنها: في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلّس [ص 63] الحِمَّاني، ذَكَر الخطيب
(1)
بسنده حكاية عن ابن أبي خيثمة، وردَّها بنكارتها وبأنّ في السند مجاهيل. فاحتجَّ الأستاذ بتلك الحكاية جازمًا بها، ودفع كلام الخطيب بقوله:"وهذا مما يغيظ الخطيب جدًّا، ويحمله على ركوب كل مركب للتخلص منه بدون جدوى".
كذا قال، ثم لم يبيِّن ما يعرِّف به أولئك الذين جَهَّلهم الخطيب
(2)
.
ومنها: في ترجمة الإمام الشافعي فيما يتعلق بكتاب "التعليم" المنسوب لمسعود بن شيبة، هذا الكتيّب فيه جهالات في الطعن في مالك والشافعي، وذكر ابن حجر في "لسان الميزان"
(3)
مسعودَ بن شيبة وقال: "مجهول لا يُعرف عمن أخذ العلم ولا من أخذ عنه، له مختصر سماه "التعليم"
…
".
فزعم الأستاذ في حاشية (ص 3) "أنه معروف عند الحافظ عبد القادر القرشي و
…
وغيرهم، فنعُدّ صنيع ابن حجر هذا من تجاهلاته المعروفة لحاجة في النفس، وقانا الله اتباع الهوى".
كذا قال! والقرشيُّ وغيره لم يُعَرِّفوا من حال مسعود بن شيبة إلا بما أخذوه من كتاب "التعليم" نفسِه، وليس في ذلك ما يدل أنهم عرفوه المعرفةَ التي تنافي الجهالة، والواقع أن كتاب "التعليم" ألَّفه حنفيّ مجهول متعصِّب،
(1)
"التاريخ": (4/ 209).
(2)
وقد عرف غيرُه بعضَهم بالضعف الشديد، كما ستراه في "التنكيل". [المؤلف].
(3)
(8/ 46).
وكتب على ظاهره ذاك الاسم المستعار "مسعود بن شيبة"
(1)
، ولكن الأستاذ مع معرفته بالحقيقة يَلْدَغ ويَصْئي
(2)
ويرمي الأئمة بدائه، ثم يقول:"وقانا الله اتباع الهوى"!
[ص 64] ومما يدخل في هذا الضرب: قول الكوثري (ص 16) عند نقله ما ذكره الخطيب في موضع قبر أبي حنيفة: "كان من المناسب أن يذكر الخطيب هنا ما ذكره في (1/ 123) من تبرُّك الشافعي بأبي حنيفة حيث قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري قال: أنبأنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال: أنبأنا مكرم بن أحمد قال: أنبأنا عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: إني لأتبرَّك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم ــ يعني زائرًا ــ فإذا عَرَضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تُقْضى اه. ورجال هذا السند كلهم موثقون عند الخطيب".
أقول: أما الصَّيمري وشيخه فموثَّقان عند الخطيب ــ أي في "تاريخه" كما هو الظاهر ــ ومع ذلك فالظاهر أن هذه الحكاية من كتاب "مناقب أبي حنيفة" الذي جمعه مُكْرَم بن أحمد، وكان كتابًا معروفًا، ولعله كان عند الخطيب نسخة منه، وكان سماعه له من الصيمري، ومعظم الاعتماد في مثل هذا على صحة النسخة، ولم يكن الخطيب ليعتمد عليها إلا وهي صحيحة،
(1)
تكلم المؤلف على "مسعود بن شيبة" في "التنكيل": (رقم 189) في ترجمة الشافعي بما يشفي، وفي رسالة "تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري".
(2)
"يلدغُ ويصئي" مَثَل يُضرب لمن يبتدئ بالأذى ثم يشكو. انظر "المثل السائر"(2/ 345)، و"اللسان":(14/ 449 صأي). ووقع رسمها في الأصل: "ويصيء" وفي (ط): "ويصئ".
فالصيمري وشيخه من الوسائط السَّنَدية ــ فلا يضر تلك الرواية أن يكون فيهما أو في أحدهما كلام ــ على أنه لا كلام فيهما فيما أعلم.
وأما مُكْرَم فقد قال الخطيب في ترجمته
(1)
: [ص 65]"وكان ثقة"، ولم أر ما يخالف ذلك سوى ما ذكره الخطيب (4/ 209) في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلِّس الحِمَّاني قال:"حدثني أبو القاسم الأزهري قال: سئل أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني وأنا أسمع عن جَمْع مُكْرَم بن أحمد "فضائل أبي حنيفة"؟ فقال: موضوع، كله كذب، وضَعَه أحمد بن المغلّس الحِمّاني .... ".
فهذه العبارة تحتمل أوجهًا:
الأول: أن يكون الدارقطني تجوَّز في قوله: "كله" وإنما أراد أن الموضوع بعض ما تضمّنه ذاك المجموع، وهو ما فيه رواية عن أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس.
الثاني: أن تكون عبارة الدارقطني على ظاهرها، ويكون ما في ذلك المجموع من غير الحِمَّاني أصله من وَضْع الحِمَّاني، ولكن كان لمُكْرَم إجازات من أولئك الشيوخ، فأسقط اسم الحمّاني من تلك الروايات ورواها عن أولئك المشايخ بحق الإجازة، كما قيل: إن الحافظ أبا نعيم الأصبهاني ربما صنع مثل ذلك كما يأتي في ترجمته من "التنكيل"
(2)
.
الثالث: أن يكون مُكْرَم واطأ الحِمَّاني، فوضع له الحماني تلك
(1)
"تاريخ بغداد": (13/ 221).
(2)
(رقم 21).
الحكايات عن الشيوخ الذين أدركهم مُكرم، فرواها مُكرمٌ عنهم. وهذا الوجه الثالث هو الموافق لظاهر سؤال الأزهري للدارقطني وجواب الدارقطني، لكن يدفعه توثيق الخطيب لمُكْرم، وأنه لم يذكره أحد في "الضعفاء"، والوجه الثاني أيضًا موافق لظاهر سؤال الأزهري وجواب الدارقطني، وهو أدنى أن [ص 66] لا يدفعه ما يدفع الثالث.
وعلى كلّ حال فلم ينحلّ الإشكال، فدعه وافرض أن الراجح هو الوجه الأول، وأن هذه الرواية صحيحة عن عمر بن إسحاق بن إبراهيم، فمن عمر هذا؟ ومن شيخه؟ أموثَّقان هما عند الخطيب كما زعم الأستاذ؟
أما أنا فقد فتشت "تاريخ بغداد" فلم أجدهما فيه، لا موثَّقَين ولا غير موثَّقَين، بل ولا وجدتهما في غيره، نعم في غيره علي بن ميمون الرّقِّي يروي عن بعض مشايخ الشافعي ونحوهم، وهو موثَّق، لكن لا تُعرف له رواية عن الشافعي، وقد راجعت "توالي التأسيس"
(1)
لابن حجر لأنه حاول فيها استيعاب الرواة عن الشافعي، فلم أجد فيهم علي بن ميمون لا الرّقِّي ولا غيره، انظر "توالي التأسيس"(ص 81).
هذا حال السند، ولا يخفى على ذي معرفة أنه لا يثبت بمثله شيء، ويؤكِّد ذلك حالُ القصة، فإن زيارته قبر أبي حنيفة كلَّ يومٍ بعيدٌ في العادة، وتحرِّيه قصده للدعاء عنده بعيد أيضًا، إنما يُعْرَف تحري القبور لسؤال الحوائج عندها
(2)
بعد عصر الشافعي بمدة، فأما تحري الصلاة عنده فأبعد وأبعد.
(1)
كذا وصواب اسمه "توالي التأنيس" بالنون.
(2)
الأصل: "عندنا". وفي (ط 2) على الصواب.