المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الباب الأول](1)النظر في خطبة «الترحيب» - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٩

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌1، 2 - صالح بن أحمد، ومحمد بن أيوب

- ‌4 - محمد بن جَبُّويه

- ‌5 - أبو عاصم

- ‌6 - أحمد بن إبراهيم

- ‌7 - أبو الوزير

- ‌8 - محمد بن أحمد بن سهل

- ‌9 - محمد بن عمر

- ‌10 - محمد بن سعيد

- ‌ 12 - أبو الحسن بن الرزَّاز

- ‌ 3 - محمد بن عبد الوهاب أبو أحمد الفرَّاء

- ‌4 - عبد الله بن محمد بن عثمان بن السقاء

- ‌6 - الهيثم بن خلف الدوري

- ‌7 - محمد بن عبد الله بن عمَّار

- ‌1 - وضَّاح بن عبد الله أبو عوانة

- ‌2 - أبو عَوانة أيضًا

- ‌3 - أبو عوانة أيضًا

- ‌4 - محمد بن سعيد

- ‌5 - أيوب بن إسحاق بن سافري

- ‌6 - عبد الله بن عمر بن الرمّاح

- ‌7 - أحمد بن المعذل

- ‌اعتبار

- ‌1 - إبراهيم بن سعيد الجوهري

- ‌2 - مؤمّل بن إهاب

- ‌3 - أحمد بن سلمان النجاد

- ‌4 - أحمد بن كامل

- ‌5 - عبد الله بن علي المديني

- ‌6 - محمد بن أحمد الحكيمي

- ‌1 - القاسم بن أبي صالح

- ‌ 5).5 -محمد بن أحمد الحكيمي

- ‌ 6).6 -محمد بن يحيى بن أبي عمر

- ‌8 - سعيد بن عامر

- ‌9 - سليمان بن حسَّان الحلبي

- ‌10 - محمد بن العباس أبو عَمرو بن حَيُّويه

- ‌11 - محمد بن عبد الله بن عمَّار الموصلي

- ‌1 - الحسن بن الربيع

- ‌2 - ثعلبة بن سُهيل القاضي

- ‌3 - عبد الله بن جعفر بن دُرُستويه

- ‌4 - الأصمعي عبد الملك بن قُرَيب

- ‌5 - جرير بن عبد الحميد

- ‌6 - سُلَيم بن عيسى القارئ

- ‌اعتبار

- ‌1 - عبد الله بن محمود

- ‌2 - محمد بن مسلمة

- ‌ 3 - طاهر بن محمد

- ‌4).4 -إسماعيل بن حمدويه

- ‌ 5 - عبد الرحمن بن داود بن منصور

- ‌6 - أحمد بن الفضل بن خزيمة

- ‌7 - جعفر بن محمد الصندلي

- ‌اعتبار

- ‌1 - أنس بن مالك

- ‌ 2 - أبو عوانة الوضَّاح

- ‌ 3 - محمد بن علي بن الحسن بن شقيق

- ‌6 - جعفر بن محمد بن شاكر

- ‌الباب الأول: في مطالب متفرقة

- ‌ لا يثبت الذمُّ إلا باجتماع عشرة أمور:

- ‌ قاعدة في التهمة

- ‌[الباب الثاني: قواعد خلط فيها الكوثري]

- ‌1)1 -رمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي

- ‌ 2 - التهمة بالكذب

- ‌ 37] 3 ــ رواية المبتدع

- ‌4 ــ قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك

- ‌[الباب الأول](1)النظر في خطبة «الترحيب»

- ‌الباب الثانيفي النظر في أجوبته عن اعتراضاتي في «الطليعة»

- ‌جواباته عن الفرع الأول، وتحته اثنا عشر مثالًا

- ‌ المثال 3

- ‌ المثال 4

- ‌ المثال 5

- ‌ المثال 6

- ‌ المثال 7

- ‌ المثال 8

- ‌ المثال 9

- ‌ المثال 10

- ‌ المثال 11

- ‌ المثال 12

- ‌جواباته عن الفرع الثاني، وفيه سبعة أمثلة

- ‌ المثال 1، و 2، و 3

- ‌ المثال 4

- ‌ المثال 5

- ‌ المثال 6

- ‌ المثال 7

- ‌الفرع الثالثفي اهتبال التصحيف أو الغلط الواقع في بعض الكتب إذا وافق غَرَضَه

- ‌ المثال الأول

- ‌ المثال 2

- ‌ المثال 3

- ‌ المثال 4

- ‌ المثال 5

- ‌ المثال 6

- ‌ المثال 7

- ‌الفرع الرابعفي تغيير نصوص أئمة الجرح والتعديل والتعبير عنها بما يخالف معناها

- ‌ المثال 1

- ‌ المثال 2

- ‌ المثال 3، و 4، و 5، و 6

- ‌ الفرع الخامستقطيع نصوص أئمة الجرح والتعديل

- ‌الفرع السادسيعمد إلى جرح لم يثبت فيحكيه بصيغة الجزم محتجًّا به

- ‌الفرع السابعقوله في المعروف الموثّق: «مجهول»، ونحوها

- ‌ المثال 1

- ‌ المثال 2

- ‌ المثال 3، و 4

- ‌ المثال 5

- ‌ المثال 6، و 7

- ‌الفرع الثامنفي إطلاقه صِيَغ الجرح بما لا يوجد في كلام الأئمة

- ‌ المثال 1

- ‌ المثال 2

- ‌ المثال 3

- ‌ المثال 4

- ‌ المثال 5

- ‌ المثال 6

الفصل: ‌[الباب الأول](1)النظر في خطبة «الترحيب»

[الباب الأول]

(1)

النظر في خطبة «الترحيب»

تكلم الأستاذ فيها عن تأليفي، وتظنّى أنني شرعتُ فيه عَقِب نشر «التأنيب» ، ثم تظنَّى في سبب تأليفي، وسبب علاقتي بالناشر، وسبب تعجيل طبع «الطليعة» ، وأشار إلى الطعن في الشيخ محمد نصيف، والأستاذ عبد الرزاق حمزة.

وقال (ص 5): «فربما يكون هذا الناقد من اللامذهبية الحُدَثاء

».

ثم قال: «والواقع أنه لا يهمني لا هذا التعجُّل، ولا ذلك التمهُّل» .

أقول: وأنا ــ بحمد الله عز وجل ــ لا ألتفت إلى مناقشة الأستاذ في تلك التظنّيات، غير أن الواقع الذي يعرفه جماعة هنا، أن «التأنيب» لم يصل إلى الدائرة إلى الآن، وأني إنما وقفت عليه في شهر ربيع الثاني سنة (1366)، جاء بعض الأفاضل بنسخة منه، وعرض عليّ أن أنظر فيها، فأبيت؛ لأنني كنت أكره الخوض في تلك القضية، وقد عرفتُ مما اطلعت عليه قبلُ من تعاليق الأستاذ على بعض الكتب أنه كثيرًا ما يتطرَّف في نظري.

فألحَّ عليّ ذلك الفاضل، فأطعته، وهنالك رأيت ما هالني! فبدا لي أن أكتب شيئًا، فشرعت في ذلك ــ لعله ــ الأربعاء لعشر بقين من شهر ربيع الثاني سنة (1366).

ومع ذلك، لم أكن أواصل العمل، وربما يمضي الشهر وأكثر لا أنشط

(1)

زيادة أرشد إليها صنيع المؤلف من ناحيتين، الأولى: إحالته على «الباب الأول» كما في (ص 35 و 45). الثانية: أنه عقد الباب الثاني (ص 27) ولم نجده عقد الباب الأول، فدلّ على أن النظر في الخطبة هو الباب الأول.

ص: 193

لكتابة شيء، وأنا إلى الآن لم أكمل قسم العقائد

(1)

.

هذا هو الواقع، أحوجني الأستاذ إلى شرحه، وإن كان لا تتعلق به فائدة!

ثم ذكر (ص 6) الكلمات النابية التي وقعت في التعليق على «الطليعة» ، وبعضها في «الطليعة» نفسها، منها عدة أسطر في (ص 20).

وقد قدمتُ أنه لا ذنب لي فيها، ولو كانت مما عَمِلت يدي لما أنكرتها، بل إن كنت أرى لي مبررًا في الإقدام عليها ذكرته، وإلا اعترفت بزللي. والله المستعان.

ثم ذكر الأستاذ (ص 6 - 7) وَصْفي له ببالغ التيقظ، وسَعَة الاطلاع؛ لأتوصَّل بذلك إلى دفع احتمال أن يكون مخطئًا في المواضع التي انتقدتها من «التأنيب» ، وإثبات أنه تعمَّد ذلك.

فأقول ــ عالمًا أن الله تبارك وتعالى رقيب حسيب ــ: أما ثنائي على معرفة الأستاذ وتيقُّظه، [ص 4] فذاك ما لا ريب فيه. ومن تأمل تأليفاته عَلِم ذلك حقّ العلم.

وأما نسبتي له إلى التعمّد، فإنني بنيتُها على قرائن عِلْمية، مَنْ عَرَف فنّ الرجال والتراجم، وعرف معرفة الأستاذ، وأنصف= لا يسعه أن

(2)

يرميني بالمجازفة.

(1)

قد كمل بحمد الله، وهو آخر الأقسام من التنكيل، وسماه المؤلف «القائد إلى تصحيح العقائد» .

(2)

كانت العبارة: «لا يسعه إلا أن يوافقني عليها» ثم غيَّرها المؤلف إلى: «لا يسعه أن يرميني» ونسي الضرب على «إلا» فحذفناها.

ص: 194

وأذكر هنا من ذلك مثالًا واحدًا، وهو ما نقلته في «الطليعة» (ص 11 - 43) من تبديل الرواة، وأن الأستاذ ربما مرَّ به في الأسانيد الرجل، نعرف بالدلائل الفنيّة

(1)

أنه فلان الثقة، فيفتش عن رجل آخر ضعيف يوافق ذاك الثقة في الاسم واسم الأب، أو نحو ذلك، فيزعم أنه هو الواقع في السند.

ثم ذكرتُ مِن ذلك اثني عشر رجلًا وقعوا في نحو عشرين رواية، وأقمتُ الدليل على ذلك، كما يراه المنصف في «الطليعة» .

وقد اعترف الأستاذ في «الترحيب»

(2)

ببعض ذلك، ومع هذا لم أجد له في الكتاب كله مثالًا واحدًا عكس هذا! بأن يقع في سندِ روايةٍ في المغامز رجلٌ ضعيف، فيخطئ الأستاذ فيبدله بثقة! !

فهذا مثال واحد للأمور التي أقفلت دوني باب الاقتصار على القول بأن الأستاذ غلط. هذا مع علمي بأني معرَّض للخطأ والغفلة. والله المستعان.

[ص 5] أقول: الأستاذ حرّ أن يظنّ بي ما شاء، أما الواقع، فهو أن الذي غاظني وأنكرتُه من صنيع الأستاذ هو ما أنكره غيري من أهل العلم المستبصرين، من الحنفية وغيرهم. وذلك هو طعن الأستاذ في أكابر أهل العلم، وإساءته القول فيهم بدون حجة علمية.

وقد شرحتُ ذلك في تراجمهم من «التنكيل» ، وأفردت كلامه في الإمام الشافعي

(3)

؛ لطوله.

(1)

هكذا رسمها، ولعله يعني دلائل فن علم الحديث.

(2)

انظر (ص 321).

(3)

في رسالته «تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري» وهي ضمن هذه الموسوعة بتحقيقي.

ص: 195

ولما علمتُ أن الأستاذ كثير الأتباع، مسموع الكلمة، مقبول القول، رأيت أن مطاعنه الباطلة في الأئمة لا يسهل محو أثرها السيئ من صدور الناس إلا بيانُ تعدياته العلمية، سواءً أكانت مغالطة منه ــ كما ظننت ــ أم خطأ، كما يقول.

وبعد، فلأستاذ ــ كما يعترف به هو ــ حريصٌ أشدَّ الحرص على إسقاط روايات المغامز.

فلينظر المنصف في الأمثلة التي ذكرتها في «الطليعة» ، وليتدبرها، وليراجع «التأنيب» ، ويراجع هذا الرد «الترحيب» ، ثم ليقض بالعدل، أَكَبَحَ الأستاذُ حرصَه على الإحجام عن الباطل، وقَصَره على تلمّس وجوه الحق، أم طمح وتعدّى؟

وأعترف أنا أنني فيما كتبته من «الطليعة» كنت حريصًا على بيان مغالطات الأستاذ.

فليقضِ المنصف: أتعديتُ وجُرت، أم حاولت جهدي الاقتصار على وجوه الحق؟

[ص 6] ثم ذكر الأستاذ (ص 9 - 11) مقدِّمة في الأحداث التي اكتنفت نشر «تاريخ الخطيب» ، وضمَّنها بعض الثناء على الإمام أبي حنيفة رحمه الله.

وذلك لا يتعلق بما أنكرته عليه، وناقشته فيه. خلا أنه أشار إلى نبز المخالفين لأبي حنيفة بالبدعة، وهو يعلم أن فيهم مَن مقامه في صدور أهل العلم بالكتاب والسنة أعظم من مقام غيره من الأئمة.

ومن عادة الأستاذ أنه يلجأ إلى التهويل، وتكثير السواد، والتشبث بالمشهورات ــ وإن لم تصح ــ، وبالأمور المؤثِّرة على العوام، وأشباه ذلك.

ص: 196

ولو كان يقتصر على الحجج العلمية، لكان خيرًا له.

ومع ذلك، فأنا لا أناقشه في ذاك القبيل، على شرط أن لا يتعدّى إلى إساءة القول في الأئمة الذين مقامهم عند أتباعهم من المسلمين لا يقلّ عن مقام أبي حنيفة عند أتباعه.

ومقامهم عند أهل العلم المحققين الأبرياء من الهوى ــ من الحنفية وغيرهم ــ عظيم جدًّا. حتى سمعت من بعض أهل العلم من الحنفية، وبُلِّغت عن غيره منهم الإنكار الشديد على الأستاذ.

ثم ذكر الأستاذ (ص 12 - 15) بعض أسباب طعن بعضهم في أبي حنيفة، كالقول بالرأي، والإرجاء، والقول بخلق القرآن.

وهذا لا تعلُّق له بمناقشتي، فأما المسائل الاعتقادية، فقد نظرت فيها في قسم الاعتقاد

(1)

تحرِّيًا لما هو الحقّ إن شاء الله، لا بقصد الطعن في المخالف.

ثم ذكر (ص 15) شَرْح طريقته في البحث عن أسانيد المثالب، فقال:«منها أن أخبار الآحاد ــ على فرض ثقة رواتها ــ لا تناهض العقل، ولا النقل المستفيض، فضلًا عن المتواتر» .

[ص 7] أقول: هذا مما أوافقه عليه، ولكن ذلك لا يبيح المغالطة وسوء الطعن في الثقات، بل يقال ــ مثلًا ــ: هذا سند رجاله ثقات، ولكن متنه باطل؛ لمعارضته المعقول، أو المتواتر، أو نحو ذلك.

(1)

من كتاب التنكيل واسمه «القائد إلى تصحيح العقائد» . وقد سبقت الإشارة إليه (ص 8).

ص: 197

ولو اكتفى الأستاذ بهذا لما احتجت إلى أن أتعب في مناقشته.

وكذلك من يريد مناقشته في الموضوع، يكفيه أن ينازعه ــ إن أمكنه ــ في صحة دلالة العقل، أو في ثبوت التواتر.

وبذلك يتوفَّر الوقت على الأستاذ ومخالفيه، ويسهل الوصول إلى الحق عن قرب، ولا نكون ضُحْكة بين الناس، يقول أحدنا: إذا طعنوا في إمامي طعنت في إمامهم، وإذا طعنوا في مشايخي طعنت في مشايخهم، وإذا طعنوا في مذهبي طعنت في مذهبهم، وهكذا يؤول حال أهل العلم إلى المهاترة، ولا يوصل إلى حقيقة علمية.

نعم، إن المدَّعى عليه إذا كان قابضًا للدار أو الأرض ــ مثلًا ــ، قد يحب المشاغبة وطول المنازعة، والخروج عن موضوع الدعوى، على أمل أن تخور قُوى المدَّعي؛ لطول المصابرة، فيسكت، كما أن المدّعي قد يحبّ مثل ذلك، على أمل أن يسأم المدَّعَى عليه طولَ النزاع، فيصالحه على الأقل.

لكن هذا إنما يكون في أهل الباطل، فأما إذا كان المدَّعي والمدَّعَى عليه محبين للحق، فما عليهما إلا مفاوضة ساعة، بأن ينظر كلٌّ منهما في حجة صاحبه، فإن لم يتفقا رجعا إلى قاضٍ أو محكَّمٍ، وشرحا له الواقع كما هو.

لكن حالنا ــ كما لا يخفى ــ حال أهل الباطل، والله أعلم بالمُبْطِل، فأحد المختلفين رمى صاحبه بأنه مبطل مشاغب له، وصاحبه يكيل له أضعاف ذلك. وإلى الله المشتكى.

[ص 8] قال الأستاذ (ص 15) أيضًا: «ومنها أن بين علماء الجرح والتعديل من يسجل أسماء المجهولين في عداد الثقات» .

ص: 198

أقول: وهذا مما أوافقه عليه، وقد أفضتُ في شرح هذا في ترجمة ابن حبان من «التنكيل»

(1)

، وبينتُ أن توثيقه لمن لم تثبت معرفته له لا يرفع عنه الجهالة، وذكرتُ حالَ غيره من الأئمة.

ثم قال الأستاذ (ص 15): «ومنها: أنه تقرَّر عند أهل العلم أن فاقد الشيء لا يعطيه» .

أقول: هذا مما أوافقه عليه، على معنى أنّ مَن ثبت أنه ليس بثقة، فلا يقبل منه توثيق لغيره، لكن بنى الأستاذ على هذا قوله:«فأمثال أبي نعيم، والبيهقي، والخطيب، ممن ثبتت شدة تعصبهم الموجبة لرد أنبائهم فيما يمس تعصبهم= لا يقبل قولهم في توثيق رجال المثالب» .

أقول: هذا لا أوافق عليه، بل أقول: مَن ثبت عند أهل العلم المتثبِّتين الذين لم يغلب عليهم سلطان الهوى أنه بلغ من حاله في الوقوع في غيره ما يُسقط عدالتَه، فهو مجروح لا يقبل توثيقه لموافقٍ ولا مخالف. غايةُ الأمر أن يُستأنس بثنائه على مخالفه استئناسًا.

فأما مَنْ لم يبلغ ذلك، ولكن عُرِف بمَيلٍ، فإنما يجب التثبُّت في قوله الذي يوافق ميله، ويُتَروَّى فيه، فإن ظهر ما يدلّ على خطائه أو تساهله أو تسرُّعه، وخالفه مَنْ هو مثله في العلم والفضل، أو أقوى منه= ترجح قول المخالف.

وأما إذا لم يكن هناك مرد لقوله إلا اتهامه بأنه كذب أو تعمَّد الحكمَ بالباطل؛ فلا سبيل إلى هذا بعد تسليم أنه ثقة في نفسه.

(1)

(رقم 200).

ص: 199

وهذه القاعدة قد حررتُها في قسم القواعد من «التنكيل»

(1)

، وحشدتُ هناك ما حضرني من النقل والنظر والشواهد.

والخطيب إذا اتفق أنه وثَّق بعضَ الرواة الذين اتفق أنْ كانوا من رواة المغامز= فليس هذا عند الإنصاف من مَظنَّة ميله؛ لأن الراوي لم يقتصر على تلك الرواية، بل له روايات [ص 9] أخرى كثيرة قد يكون فيها ما يخالف ميل الخطيب. فاتهام الخطيب أنه وثقه لأنَّ عنده رواية موافقة لميله إسرافٌ وتعدٍّ.

على أنني قد بسطت ترجمة الخطيب في «التنكيل»

(2)

بما يَعْرِف به المنصف جليَّة الحال.

والتوسُّع في ردّ رواية العالم لما فيه غضّ من مخالفه، يلزمه ردّ رواية العالم فيما فيه مدحٌ لموافقه، ثم يجرُّ هذا إلى ما لا نهاية له إلا إسقاط السنة النبوية ألبتة، فضلًا عن غيرها من علوم الرواية، حتى الفقه نفسه. وهذا ما لا سبيل إليه.

فعلى المتثبت أن يقف عند الحق، ومن لم يَسَعْه الحقّ، فلا وسَّع الله عليه! فإن غالبته نفسُه على التطرُّف بدا

(3)

فنظر ما يجر إليه تطرُّفه.

قال: «ومثل أبي الشيخ صاحب كتاب «العَظَمة» ».

أقول: هذا مما لا أوافق الأستاذ عليه، وترى ترجمة أبي الشيخ في «التنكيل»

(4)

.

(1)

(1/ 88 - 99).

(2)

(رقم 26).

(3)

كذا.

(4)

(رقم 129).

ص: 200

قال: «ومرادي من كون الرجل غير موثَّق كونه غير موثَّقٍ مِن أهل الشأن» .

أقول: أما مَنْ لم يكن عندك ولا عند غيرك من أهل الشأن ــ أي ممن يقبل ثوثيقهم ــ، فقد يسوغ لك أن تقول فيمن لم يوثقه غيره:«غير موثَّق» .

وأما من كان عند غيرك من أهل الشأن، فإنه إذا وثَّق رجلًا لم يسغ لك أن تطلق تلك الكلمة.

على أنه لعلك إذا راجعت كلامك تبين لك أن جماعةً ممن تزعم ــ عند حاجتك ــ أنه لا يعتدّ بتوثيقهم، قد احتججتَ أنتَ مرّةً أخرى ــ أو مرارًا ــ بتوثيقهم!

فإن لم يكن هذا قد وقع منك، فعسى أن تحتاج إليه فيما بعد، فتحرِّي الحقّ خيرٌ وأسلم.

قال

(1)

: «وكم من راوٍ يوثق ولا يحتج به، كما في كلام يعقوب الفسوي» .

أقول: سيأتي ما في هذا.

قال: «بل كم ممن يوصف بأنه صدوق ولا يعدّ ثقةً، كما قال ابن مهدي: أبو خَلْدة صدوق مأمون، الثقة سفيان وشعبة» .

أقول: لا ريب أن كلمة «صدوق» دون كلمة «ثقة» . هذا هو الاصطلاح الغالب، فإذا قام دليل اتبع.

فكلمة ابن مهدي التي ذكرها الأستاذ حملها أهلُ العلم على أن ابن مهدي أراد بالثقة هنا ما هو أجل وأكبر مما عليه الاصطلاح الغالب، ولهذا ضرب المثل بـ «شعبة» ، و «سفيان» ، وهما الغاية في الثقة.

(1)

كتب على طرة الصفحة تجاهها: «مقدمة» ، وكذا مقابل كلامه الآتي بعد سطر.

ص: 201

وقد قال يزيد بن زُرَيع، والنسائي، وابن سعد، والعجلي، والدارقطني، في أبي خلدة:«ثقة» . وقال ابن عبد البر: «هو ثقة عند جميعهم، وكلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ»

(1)

.

وقد تتبع كلام جماعة من الأئمة في الجرح والتعديل، ليعرف اصطلاحهم، [ص 10] فوجدت منهم مَن يطلق «ثقة» على معنى أنه صالح في دينه، حتى ربما صرَّح بعضهم فقال في الرجل:«ثقة ضعيف الحديث» ، أو «ثقة ضعيف جدًّا» . وسترى ذاك الفصل في «التنكيل»

(2)

، إن شاء الله تعالى.

قال (ص 15 - 16): «ومنها: أن خبر الآحاد يكون مردودًا عند مصادمته لما هو أقوى منه

ففي هذا الموضع لا داعي للبحث عن رجال السند من كل ناحية

».

أقول: قد تقدم ما هو قريب من هذا، ونبَّهتُ على ما فيه، وأنا فلم أناقش الأستاذ في عدم ذكره روايات التوثيق فيمن يريد جرحه، لكن إذا كان فيما سكت عنه ما يدفع ما ذَكَرَه، فلا بدّ من المناقشة، وذلك ليُعْطَى ذاك الراوي ما هو حقه في نفس الأمر، ويبين مع ذلك أن روايته معارضة لما هو أقوى منها، ويبين ذاك الأقوى؛ ليعرف الناظر ما له وما عليه.

قال (ص 16): «وأما مراعاة حرفية الجرح فغير ميسورة كل وقت، وكفى الاحتفاظ بجوهر المعنى» .

أقول: الأستاذ يعلم ما في الرواية بالمعنى عن الكتب المؤلفة المتيسِّر الوقوف عليها كل وقت! فإن أبى إلا الرواية بالمعنى، فعلى الأقل يحافظ

(1)

انظر الأقوال فيه في «تهذيب التهذيب» : (3/ 88).

(2)

(1/ 120 - 123).

ص: 202

على جوهر المعنى تمامًا.

قال (ص 16) أيضًا: «فطريقتي على هذا في البحث عن رجال المثالب: النظر أولًا في متن الخبر، لأستجلي مبلغ مخالفته للعقل

(1)

فإن كان الخبر ظاهر السقوط، بمخالفته للعقل أو للنقل، فلا أرى داعيًا إلى التوسع في إبداء وجوه الخلل في السند، بل أكتفي ببعض مآخذ في الرجل، مدونة في كتب أهل الشأن

غير مستقصٍ».

أقول: قد أحسن الأستاذ بالتصريح بهذا، أما أنا فإني في نقد «التأنيب» لم ألتفت إلى متون الحكايات، وإنما كنت أنظر كلام الأستاذ في السند، ثم أراجع المظان، وأكتب ما تبين لي.

هذا، وقد كان الأولى بالأستاذ أن يبيِّن البرهان العقلي أو النقلي، لسقوط المتن، ثم يكتفي به، فإن لم يكن وثوقه بقوة تلك الحجة فعلى الأقل يلزمه تحرِّي الحقّ في الكلام في الرواة، فإن رأى أن تحرِّي الحق لا يكفي لسقوط السند، قال: رجال السند ثقات، والمتن باطل؛ لمعارضته الحجة القطعية، أو نحو ذلك.

[ص 11] قال (ص 16) أيضًا: «وعادتي أيضًا في مثل تلك الأخبار تطلُّب ضعفاء بين رجال السند بادئ بدء، ضرورةَ أنّ الخبر الذي ينبذه العقل أو النقل لا يقع في رواية الثقات» .

أقول: لك الحقّ في ذلك، ولكن لكل شيء حدّ، وعلى العاقل المتثبِّت أن لا يغلو في حسن الظن بنفسه في مظنة هواه، فلعل بعض ما ترى أن العقل

(1)

في «الترحيب» : «أو» .

ص: 203

ينبذه لو عرضته على معتدل المزاج، عارف بأحوال الناس، لما وافقك على رأيك، فأما مخالفك فأبعد وأبعد.

وأنت أيها الأستاذ تكرر قولك: «إنا ننظر إلى فلان بغير العين التي تنظرون إليه» . هذا أو معناه. وهو حقّ لا ريب فيه. فمخالفك إذا رآك تسامحت لا يعذرك، كما أنه إذا وقع منه مثل ذلك لا تعذره، فأما إذا بلغ الأمر المغالطة فالأمر واضح.

قال: «ومجرد التوافق في الاسم لا يبرِّر نسبة الخبر التالف إلى الثقات، لأجل تصحيح الأخبار الكاذبة» .

أقول: لا ريب أن التوافق في الاسم لا يجوِّز تعيين أحدهما بغير حجة، وأبعد من ذلك وأَبْطَل تعيين أحدهما والدلائل العلمية والقرائن المستند إليها في مثل تلك المباحث تقضي بأنه غيره.

أما قولك: «لأجل تصحيح الأخبار الكاذبة» فهذه تهمة ترميني بها، والله عز وجل أعلم بحقيقة الحال.

وأما أنت أيها الأستاذ فشدّة حرصك على إسقاط تلك الروايات مما تعترف به، ولا ألومك في ذلك، ولكن لكلِّ شيء حد!

قال (ص 17): «وإني أرى الأصل في أنباء أبي حنيفة هو الفضل والنبل

بخلاف الأستاذ اليماني، فإنه يرى الأصل هو الشر، فيحاول إثبات كلّ شر .... ».

أقول: أما الفضل والنبل فمما أعتقده إلى الحدِّ الذي يعتقده مَنْ لا هوى له في التعظيم بغير حق، ويزعم ــ والله رقيبه وحسيبه ــ[ص 12] أنه لا هوى له في الغضّ، وإنما يستقي معلوماته من المصادر التي يرى صحتها، ويثق

ص: 204

بصحّة دلالتها. فقولك: «إني أرى الأصل هو الشر، فأحاول إثبات كل شر» لا أوافقك عليه.

على أنك إنما رأيت من كلامي «الطليعة» ، وهي في متناول أهل العلم، فلينظروا فيها، وليوازنوا بين حالي وحال غيري، والله المستعان.

قال (ص 17): «والمسيء حقًّا إلى نفسه وإلى الأئمة هو الناقد المنتهج منهج تركيز المثالب على أكتاف أبي حنيفة، بتصحيح الكلمات النابية على ألسنة أئمة كبار، بمحاولة توثيق رواتها

».

أقول: أما أنا فقد قدمت أني لم ألتفت إلى وزن الروايات بعقلي ولا هواي، وإنما كان همي مناقشة الأستاذ في طعنه في أئمة السنة.

على أني أزعم أني لو وقفت على كلمة أرى أنها تضرُّ قائلها، كالشافعي ــ إمام مذهبي ــ، أو الحميدي، أو غيرهما، فإنه لا يجرمني ذلك على أن أحيف في النظر في رجال السند، وأتخبَّط في الكلام فيهم، بل أقول ما يقتضيه النظر، فإن ظهر لي أنهم ثقات، قلت: إنهم ثقات، ثم إن احتجت إلى أن أنظر في حال قائل تلك الكلمة، حَرَصت على توخي العدل، إن شاء الله تعالى.

ولست أدَّعي براءتي من الهوى، ولا تمكّني من التغلُّب عليه كما يجب، ولكن الناس متفاوتون في اتباع الهوى، فعلى المنصف أن يتدبر «الطليعة» ، ثم ينظر نسبة حظي من اتباع الهوى إلى حظ غيري.

[ص 13] ثم قال الأستاذ (ص 17 - 18): «ثم إن محاولة الاختفاء وراء الرجال في معامع الجدل ليست من شأن الأبطال

ثم إن كل واحد من الأمة فيه ما يؤخذ أو يرد، فمحكّ القول هو الحجاج في كلِّ موقف، ومنزلة كلِّ عالم إنما تتبين بقرع

ص: 205

الحجة بالحجة

».

والذي فهمته من هذا الكلام: أن التمسك في الغضِّ من أبي حنيفة بالمقالات المروية، وبتوثيق رواتها، عجزٌ من صاحبه، وطريق معرفة منزلته إنما هو قرع الحجة بالحجة.

فأقول: قد علمت أنه لا شأن لي في الغضِّ من أبي حنيفة، وإنما اضطرني إلى مناقشة «التأنيب» ما فيه من الغضِّ من أئمة السنة بما لا أرى له مسوِّغًا. هذا هو مقصودي، ولو كان لي هوًى في الغضِّ من أبي حنيفة لكان لي شأن آخر. لكن الأستاذ يحرص ــ كما يتراءى لي ــ في أن يضطرني إلى سلوك تلك الطريق، لمغزًى يرمي إليه!

ولا يدري لعله لولا أن ديني يحجزني عن ذلك للبّيْتُ طلبه، ثم لعله لا يحمد مغبَّة ذلك.

ومَن ظنّ ممن يلاقي الحروبَ

بأنْ لا يُصابَ فقد ظنّ عجزا

(1)

فأما الدنيا فالأستاذ يعلم أن لكلِّ بضاعة سوقًا!

ذكر قال (ص 18 - 19): «

يحتم على الناقد

أن يدرس ملابسات فتنة القول بخلق القرآن، وما ترتَّب عليها

».

وحاصل هذه العبارة ــ فيما أفهم ــ أن الخلاف الاعتقادي بين أتباع أبي حنيفة وأهل الحديث أدَّى إلى كلام بعضهم في أبي حنيفة، واختلاق بعضهم الروايات عن السابقين، ثم غلوّ بعض المشاهير من أهل الحديث في المقالات التي يسميها الأستاذ «التجسيم» ، وحشد الروايات فيها.

(1)

البيت للخنساء «الديوان» (ص 273 - دار عمار).

ص: 206

وأقول: فتنة القول بخلق القرآن المشؤومة لم يقتصر أثرها على أحد الجانبين، بل عملت عملها هنا وهنا، ولعل عملها في جانب الأستاذ أشد.

ولا أحبّ أن أخوض في ذلك هنا، فأما المعتقد فقد أودعتُ قسم الاعتقاد من «التنكيل» ما فيه كفاية لاستقاء الحقِّ من معدنه، والله ولي التوفيق.

ثم ذكر كلامًا، قد تقدم حاصله، فلا أعيده.

ثم قال: «ومن المضحك تظاهره (يعنيني) بأنه لا يعادي النعمان، مع سعيه سَعْي المستميت في توثيق رواة الجروح، [ص 14] ولو بالتحاكم إلى الخطيب نفسه المتهم فيما عمله» .

أقول: يأبى الأستاذ إلا أن يستغلَّ محبّة الناس لأبي حنيفة، وتوقيرهم له، في قطع ألسنة الصِّدق عن الدفاع عن أئمة السنة، كأنه لا يبالي أن يسقطوا، أو تسقط بسقوطهم السنة النبوية، وتسقط علوم الرواية، حتى الفقه نفسه.

أما أنا فقد قدمتُ أن غاية مقصودي تبرئة أئمة السنة عما نسبه إليهم الأستاذ وهم في نظري براء منه، وأحوجني ذلك ــ كما قدمت ــ إلى تتبع عثرات الأستاذ؛ ليُعْلَم مقدار تحرِّيه وتثبُّته.

فأما الاستماتة، فإن كانت في حشد الأدلة لإحقاق الحق، فلا حرج فيها، والمذموم هو الاستماتة الموقعة في التهوّر والمغالطة.

والخطيب ــ في نظري ونظر أئمة الحديث في عصره وما بعده ــ غير متهم بتعمّد الكذب، أو تعمّد حكم بباطل. وهواه له حدّ لا يقتضي اتهامه بما

ص: 207

ذكر، وقد بسطت ترجمته في «التنكيل»

(1)

.

قال الأستاذ: «مع أنه لو ثبتت ثقة حَمَلتها ثبت مقتضاها» .

أقول: هذا ينافي ما ادعاه الأستاذ مرة بعد مرة، من معارضة تلك الروايات للمعقول والمتواتر، أو على الأقل لما هو أقوى منها؛ فإن الرواية إذا كانت مخالفة لما هو أقوى منها رُدَّت، ولم يلزم من ذلك جرح رواتها، إذا كان قد عُرِف أنهم ثقات، بل تُحْمَل على سهو أو خطأ، أو رواية بالمعنى، أو حمل على معنى غير ظاهر، أو غير ذلك مما هو معروف.

لكني كما لم أُعْنَ بالغض لم أُعْنَ بالذبّ.

قال الأستاذ (ص 19 - 20): «وحذفه للمتون لأجل إخفاء مبلغ شناعتها عن نظر القارئ، فلو ذكرها كلها مع كلام الكوثري في موضوع المسألة لنبذ السامع نقد هذا الناقد في أول نظرة» .

[ص 15] أقول:

إذا محاسنيَ اللّاتي أُدِلّ بها

عُدّت ذنوبًا فقلْ لي كيفَ أعتذرُ

(2)

كأنّ الأستاذ يظنُّ الناسَ كلّهم حنفيةً متحمِّسين، ولا يدري أن في الناس كثيرون

(3)

ليسوا بحنفية، وكثيرون منهم حنفية غير ناضجين، وفيهم وفيهم.

وقد سمعت من أهل العلم والرزانة من يقول: إن الأستاذ أساء إلى أبي حنيفة وأصحابه بنقله نصوص تلك الروايات في «التأنيب» ، فإن تلك

(1)

رقم (26).

(2)

البيت للبحتري «ديوانه» (2/ 308).

(3)

كذا في الأصل، والوجه «كثيرين» .

ص: 208

الروايات كان معظمها مدفونًا في «تاريخ بغداد» ، حتى بعد أن طبع «تاريخ بغداد» ؛ فإنه كتاب كبير لا يتيسر تحصيله إلا لأفراد قليلين.

لكن الأستاذ أثبت تلك الكلمات في كتاب صغير، وسعى في تكثير نسخه، وزيادة انتشاره، فوصل إلى أيدي أناس كثير، فإن كان منهم الموافق الذي لا يتأثر بذلك، فمنهم غيره ممن ذكرت سابقًا، وكثير منهم لا يقنعهم ردّ الأستاذ، وهب

(1)

أنهم لا يميلون إلى بطلانه، لكنهم متوقفون، وتفعل تلك الكلمات في أنفسهم فعلها.

وبعد، فلو أني ذكرت تلك المقالات لكان للأستاذ أن يتهمني بأنني ذكرتها تشفيًا وتشنيعًا، ولا ريب أن قوله هذا يكون أولى بالقبول.

فأما ذكرها مع كلام الأستاذ فيها، فقد أوضحتُ أن ذلك ليس من مقصودي، على أنه ليس من الضروري أن أوافق الأستاذ في كلِّ كلام تكلم به في تلك المقالات، فذكري لها يستدعي أن أناقش الأستاذ فيما لا أوافقه عليه. وهذا أبعد عن مقصودي وأبعد.

ثم قال (ص 20): «وهو يسعى في تحميل الروايات الكاذبة على أكتاف ثقات يضعهم في الأسانيد بدل الضعفاء، وأنا أسعى في رد البضاعة الزائفة إلى أصحابها المتهمين

».

[ص 16] أقول: قد قدّمتُ أنه لا شأن لي بمتون الروايات أكاذبة زائفة، أم على خلاف ذلك، وإنما اعتنيت بإثبات تطرُّف الأستاذ. وعلى فَرْض أن تلك الروايات ــ أو بعضها ــ كاذبة زائفة، فإنما الحق تركها لصاحبها الذي هي له في نفس الأمر، وإن ضرته أو ضرت غيره.

(1)

رسمها في الأصل: «وهم» ولعله سبق قلم.

ص: 209

فأما جعلها لغيره، انتصارًا للهوى، فعدوان لا ريب فيه، سواء أكان الهوى حقًّا أم باطلًا.

هذا رأيي، فإن كان الأستاذ يستحلُّ مثل هذا العدوان، اتباعًا للمثل العصري:«الغاية تبرر الواسطة» ، فله رأيه!

وأقول ما قال الأستاذ في خاتمة هذا الفصل: «هذا طريق، وذاك طريق، والله المستعان» .

ثم ذكر الأستاذ (ص 21 - 23) الفصل الثاني في تتبُّع اعتراضاتي.

قال: «فمن ذلك رميه إياي في مفتتحي القسمين من طليعته بالطعن في الأئمة، من غير ذكر أي دليل» .

[ص 17] وفي (ص 36، 143) من «التأنيب» شيء عن أحمد، وكفى بالطعن في اعتقاد أخصّ الناس به، كابنه عبد الله، وخواصّ أصحابه، مع محاولة استيعابهم= محاولة للطعن فيه.

وفي الكلام في محنة خلق القرآن من الرمز والهمز ما لا يسع المناقش أن لا يعتدّ به.

وفي (ص 116، و 100، و 105) من «التأنيب» بعض ما يتعلق بمَالِك، وكلامُه في الشافعيّ لا يقلُّ عن ذلك، بل لعله أكثر، وحسبك بطعنه في نَسَبِه. وقد شرحتُ ذلك في ترجمة الشافعي من «التنكيل»

(1)

، ورأيت أن أفردها عن «التنكيل» لطولها

(2)

.

(1)

(رقم 189).

(2)

تقدمت إشارة المؤلف إلى ذلك (ص 9).

ص: 210

وكأنَّ الأستاذ يتجاهل هنا أن الإسراف في رفع إحدى الكفتين إبلاغ في حط الأخرى. والإسراف في رفع أحد العِدْلين إسقاط للآخر، قد يؤدّي إلى إسقاطهما معًا. أولا يسمح لي الأستاذ ــ وأنا شافعي ــ بأن أعتقد رُجحان الشافعي على ما قرره الفقهاء؟ !

وإن صحّ ما تظنَّاه أنني من اللامذهبية الحدثاء، يعني الذين يقولون: لا تقلد أحدًا، أو الذين ينتسبون إلى مذهب، ولكن إذا بان لهم رُجحانُ دليلِ غيره اختاروه؛ فالغالب في هؤلاء اتباع النصوص. وتفاوت الأئمة فيما يتعلق بالرواية، ومعرفة النصوص ــ على ما هو الظاهر المشهور ــ معروف.

ومن المعلوم أن الفريقين لا يوافقون الأستاذ على استنباطاته، بل يعدون بعضها مكابرة.

هذا، وقد ضاق الأستاذ ذرعًا بتقديم

(1)

ابن عبد البر في «الانتقاء» مالكًا، فالشافعي، على أبي حنيفة في الذِّكْر، فذهب يتمحَّل لذلك وجهًا في تعليقه عليه، غير مبالٍ بمخالفته للظاهر الذي يدلّ عليه حال ابن عبد البر وقاله.

وقد غضب الأستاذ على إمام الحرمين تلك الغضبة، لسعيه في ترجيح مذهب الشافعي.

[ص 18] وإن كلفني الأستاذ أن أكتفي بإظهاره الثناء على الأئمة في بعض المواضع، على ما فيه من دخائل، وأغضُّ النظر عمّا وراء ذلك= فهلّا حَجَزه

(1)

تفشى المداد عند هذه الكلمة ولعلها ما أثبت.

ص: 211

ما يراه في «الطليعة» (ص 4)

(1)

: «فرأيت الكوثري تعدّى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير أبي حنيفة، وحسن الذبِّ عنه، إلى ما لا يرضاه عالم متثبِّت» ؟ !

هلَّا حَجَزه هذا عن رميي بمعاداة أبي حنيفة، وأنني إنما بينت ما وقع في «التأنيب» من تبديل الثقة بالضعيف، ونحو ذلك؛ لتثبيت تلك المتون؟ ! مع أنه لو لم يكن لي مغزى في ذلك إلا بيان الواقع لكفاني عذرًا، كيف ولي مغزى آخر كما تقدم؟ !

ثم قال (ص 24): «وكذلك ليس من معتقد أهل الحق رفع الصحابة رضي الله عنهم إلى مستوى العصمة» .

أقول: ولا أنا ادعيتُ ذلك.

ولم يقتصر الأستاذ في كلامه في أنس على أن يقول: «ليس بمعصوم» ، بل قال ما تراه في «الطليعة» (ص 99)

(2)

.

(1)

(ص 3).

(2)

(ص 77).

ص: 212