الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[القسم الثالث في التفسير]
[الخطبة الأولى في تفسير آيات من سورة ق]
القسم الثالث
في التفسير الخطبة الأولى
في تفسير آيات من سورة ق الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا أنزله هدى للمتقين وعبرة للمتعظين فأحيا به القلوب وأصلح به الأعمال وذكر به من الغفلة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ الناس بهذا القرآن الذي جعله الله تعالى نورا وهداية فلا شيء أشفى لمرض القلوب من القرآن ولا شيء أقوم للأحوال من القرآن: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بسورة ق والقرآن المجيد لأنها سورة عظيمة ذكر فيها المبدأ والمعاد مبدأ الإنسان منذ خلقه الله وذكر أحواله وأعماله وغايته.
ابتدأ الله هذه السورة بالانكار على المكذبين الذين كذبوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وانكروا ما جاء به من البعث والحساب وقالوا أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد. فبين الله تعالى أنهم حينما كذبوا بالحق لما جاءهم اختلط عليهم الأمر والتبست عليهم الحقائق فهم في أمر مريج وهكذا كل من كذب بالحق لا بد أن تلتبس عليه الحقائق وتختلط عليه الأمور فلا يعرف الحق من الباطل ولا الصالح من الفاسد.
ولقد نبه الله هؤلاء المكذبين بالبعث على قدرته على ذلك بما يشاهدونه من هذه المخلوقات العظيمة الدالة على قدرته البالغة: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ - وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [ق: 6 - 7]- وهي الجبال - {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ - تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 7 - 8]
ففي مد الأرض وبناء السماء وتزيين الأرض بالنبات البهيج وتزيين السماء بالنجوم النيرة في كل هذا كله تبصرة وذكرى يتبصر بعقله ويتذكر بفكره تمام قدرة الله تعالى وحكمته ونبه سبحانه على قدرته على البعث بما يشاهده الناس من إنزال المطر من السماء وإخراج النبات به من البساتين والحبوب: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ - رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 10 - 11] ثم حذر الله هؤلاء المكذبين مما فعله بالمكذبين السابقين الذين حق عليهم وعيد الله بعذابه ونكاله بهم وقرر الله سبحانه وتعالى قدرته على إعادة الخلق مرة ثانية بقدرته على
الخلق الأول فتقرر بهذا قدرته تعالى على البعث بالأدلة العقلية والحسية.
ثم بين الله في هذه السورة حال الإنسان من أول خلقه وعلم الله سبحانه بتلك الحال وقربه منه وأنه سبحانه يعلم ما توسوس به نفس الإنسان فضلا عما يعمله ويظهره {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وبين الله تعالى أن مع كل إنسان ملكين يتلقيان ما يعمله من قول أو فعل {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ - مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17 - 18] رقيب حاضر يكتب كل ما يلفظ به وكل ما يفعله ونهاية هذا الإنسان فراق دار العمل إلى دار الآخرة فراق الدنيا إلى الآخرة.
: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19] إنها سكرة فراق الأهل إنها سكرة فراق المال إنها سكرة فراق الدار، الدار التي ألفها منذ خروجه من بطن أمه إنها سكرة فراق العمل الذي كان يؤمله ويتمناه لا أقول العمل من أجل الدنيا التي هو حينذاك مودع لها ولكنه العمل من أجل الآخرة التي هو حينذاك مستقبل لها:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ - لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99 - 100]
إنها سكرة الموت بالحق لا سكرة الهوى ولا سكرة الخمر واللذة: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] وتهرب ولكن لا مفر من الموت ولا مهرب: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة: 8] إنه ملاقيكم من أمامكم وهل يمكن أن تفر مما هو ملاق لك؟ ثم يبين الله تعالى في هذه السورة حال يوم القيامة يوم الحساب والجزاء.
: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ - وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ - لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق: 20 - 22] في الدنيا نسيت يوم القيامة وغفلت عنه حتى فاجأك: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] وفي ذلك اليوم تحضر الأعمال ويجازى العامل ويلقى في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله آلها آخرا: {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق: 26] وفي ذلك اليوم تقرب الجنة للمتقين غير بعيد يسكنها كل من خشي الرحمن بالغيب وجاب بقلب منيب.
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى اعملوا لذلك اليوم واستعدوا له فإنه اليوم الذي يحق لكل عاقل أن يعمل له ولكل حلزم أن يستعد له.
وفقني الله وإياكم لاغتنام الأوقات والسعي في الأعمال الصالحات واجتناب الخطايا والسيئات إنه قريب مجيب الدعوات.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. . الخ.