المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخطبة الثانية في بعض ما يحرم من اللباس] - الضياء اللامع من الخطب الجوامع - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌[الخطبة الثامنة في الحث على الجمعة والجماعة]

- ‌[الخطبة التاسعة في صلاة الكسوف]

- ‌[الخطبة العاشرة في أن ذكر الله يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح]

- ‌[الخطبة الحادية عشرة في أذكار معينة وعامة]

- ‌[الخطبة الثانية عشرة في التحذير من بعض الألبسة]

- ‌[الفرع الثالث في الزكاة]

- ‌[الخطبة الأولى في بيان الأموال الزكوية]

- ‌[الخطبة الثانية في بيان زكاة النخيل]

- ‌[الفرع الرابع في الصيام وزكاة الفطر وعيد الفطر]

- ‌[الخطبة الأولى في استقبال شهر رمضان المبارك]

- ‌[الخطبة الثانية في نماذج من نعم الله في شهر رمضان]

- ‌[الخطبة الثالثة في بيان شيء من آداب الصيام ومفطراته]

- ‌[الخطبة الرابعة في فضل قراءة القرآن]

- ‌[الخطبة الخامسة في فضل ليلة القدر وقيام الليل]

- ‌[الخطبة السادسة في أحكام زكاة الفطر]

- ‌[الخطبة الأولى لعيد الفطر المبارك]

- ‌[خطبة أولى لعيد الفطر أيضا]

- ‌[الخطبة الثانية لعيد الفطر المبارك]

- ‌[الفرع الخامس في الحج والأضحية]

- ‌[الخطبة الأولى في شروط وجوب الحج]

- ‌[الخطبة الثانية في صفة الحج والعمرة]

- ‌[الخطبة الثالثة في نماذج من محظورات الإحرام]

- ‌[الخطبة الرابعة في التنبيه على بعض أمور يعتقدها العوام وهي مخالفة للشرع]

- ‌[الخطبة الخامسة في حكم الأضحية وصفاتها]

- ‌[خطبة أولى لعيد الأضحى]

- ‌[الخطبة الثانية لعيد الأضحى]

- ‌[الفرع السادس الجهاد]

- ‌[الخطبة الأولى في وجوب إعداد القوة للأعداء]

- ‌[الخطبة الثانية في بيان أسباب الهزيمة وما قد تؤدي إليه من نتائج]

- ‌[الخطبة الثالثة في بيان خيانة اليهود]

- ‌[القسم الرابع في المعاملات]

- ‌[الفرع الأول النصيحة والأمانة]

- ‌[الخطبة الأولى في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة]

- ‌[الخطبة الثانية في وجوب التناصح بين الرعية والرعاة]

- ‌[الخطبة الثالثة في معنى الأمانة وشمولها لجميع الأعمال]

- ‌[الخطبة الرابعة في المشورة]

- ‌[الخطبة الخامسة في أداء الأمانة]

- ‌[الخطبة السادسة في وجوب سلوك الحكمة في المعاملات وغيرها]

- ‌[الخطبة السابعة في حال الناس بالنسبة لولاتهم وحال أهل الخير]

- ‌[الخطبة الثامنة في استعمال الحكمة في الأمور]

- ‌[الفرع الثاني البيوع واكتساب المال]

- ‌[الخطبة الأولى المال فتنة انقسم الناس فيها]

- ‌[الخطبة الثانية في أحوال السابقين في الورع ونماذج من المعاملات المحرمة]

- ‌[الخطبة الثالثة في بعض شروط البيع]

- ‌[الخطبة الرابعة في حكم التحيل على الربا]

- ‌[الخطبة الخامسة في نماذج من البيع المحرم وعقوبة الربا]

- ‌[الفرع الثالث في الوقف والوصية]

- ‌[الخطبة الأولى في تحريم الوصية لبعض الورثة]

- ‌[الخطبة الثانية في التحذير من الوصية لبعض الورثة]

- ‌[الخطبة الثالثة في حكم التصرف في الوقف]

- ‌[القسم الخامس النكاح]

- ‌[الفرع الأول شروط النكاح]

- ‌[الخطبة الأولى في نماذج من شروط النكاح وكيفية طلاق السنة]

- ‌[الخطبة الثانية في شروط النكاح وكيفية طلاق السنة أيضا]

- ‌[الخطبة الثالثة في تربية الأولاد وتعليمهم أيضا]

- ‌[الفرع الثاني في الصداق]

- ‌[الخطبة الأولى في مشكلة مغالاة المهور ومنع الأولياء]

- ‌[القسم السابع في الحدود والقصاص]

- ‌[الفرع الأول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الخطبة الأولى في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الخطبة الثانية في التحذير من إضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الخطبة الثالثة في أن الأمر بالمعروف واجب على الجميع]

- ‌[الخطبة الرابعة في أقسام الناس بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الفرع الثاني في القصاص والحدود]

- ‌[الخطبة الأولى في الحكمة في القصاص والحدود]

- ‌[الخطبة الثانية في عقوبة الزنا واللواط]

- ‌[القسم الثامن في النفقات والأطعمة]

- ‌[الخطبة الأولى في تنوع إنفاق المال]

- ‌[الخطبة الثانية في حكم شرب الدخان ومضاره]

- ‌[الخطبة الثالثة في مضار الخمر والتحذير منه]

- ‌[القسم التاسع في مواضيع عامة]

- ‌[الخطبة الأولى في نجاة المتقين]

- ‌[الخطبة الثانية في انهماك الناس في الدنيا وتحصيل المال]

- ‌[الخطبة الثالثة في التحذير من إطلاق اللسان]

- ‌[الخطبة الرابعة في حديث عبد الرحمن بن سمرة في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم عجبا]

- ‌[الخطبة الخامسة في نماذج من أنواع الظلم]

- ‌[الخطبة السادسة في أن ترقي علوم الصناعة من تعليم الله]

- ‌[الخطبة السابعة في حكم استماع آلات اللهو]

- ‌[الخطبة الثامنة في بيان الحكمة في تفاوت الناس في الرزق]

- ‌[الخطبة التاسعة في أن تطبيق الإسلام هو الكفيل للأمة بالنصر]

- ‌[خطبة استسقاء]

- ‌[خطبة ثانية في الاستسقاء]

- ‌[القسم العاشر في خطب لشهور معينة]

- ‌[الخطبة الأولى في شهر محرم ومبدأ التاريخ الإسلامي]

- ‌[الخطبة الثانية في قصة موسى مع فرعون]

- ‌[الخطبة الثالثة في شوال]

- ‌[الخطبة الرابعة في وداع العام]

- ‌[القسم الثاني من الضياء اللامع من الخطب الجوامع]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[القسم الأول في العلم والإفتاء]

- ‌[الخطبة الأولى في الحث على طلب العلم]

- ‌[الخطبة الثانية في تحريم الإفتاء بغير علم]

- ‌[القسم الثاني في أصول الدين]

- ‌[الخطبة الأولى في كمال الإسلام ويسره وسهولته]

- ‌[الخطبة الثانية في حماية الإسلام للدين والنفس والعرض والمال]

- ‌[الخطبة الثالثة في وجوب شكر نعمة الإسلام بالعمل به]

- ‌[الخطبة الرابعة في تحقيق التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك]

- ‌[الخطبة الخامسة في شيء من آيات الله تعالى الدالة على قدرته]

- ‌[الخطبة السادسة في شيء من آيات الله الدالة على قدرته أيضا]

- ‌[الخطبة السابعة في شيء من آيات الله تعالى أيضا]

- ‌[الخطبة الثامنة في خلق السماوات والأرض]

- ‌[الخطبة التاسعة فيما سخره الله لبني آدم وأكرمهم به]

- ‌[الخطبة العاشرة في الإيمان بالقدر]

- ‌[الخطبة الحادية عشرة حقيقة الإيمان وعلاماته]

- ‌[الخطبة الثانية عشرة في الحذر من أعداء المسلمين]

- ‌[الخطبة الثالثة عشر اتخاذ الحذر من الأعداء بمقابلتهم بمثل سلاحهم]

- ‌[الخطبة الرابعة عشرة في شيء من أسباب النصر على الأعداء وإبطال كيدهم]

- ‌[الخطبة الخامسة عشرة في تحقيق نصر الله تعالى لمن ينصره]

- ‌[الخطبة السادسة عشرة في تخلف النصر عمن لم يقم بأسبابه]

- ‌[الخطبة السابعة عشرة في ذكر الله تعالى]

- ‌[القسم الثالث في التفسير]

- ‌[الخطبة الأولى في تفسير آيات من سورة ق]

- ‌[الخطبة الثانية في تفسير بعض الآيات من سورة الطور]

- ‌[الخطبة الثالثة في تفسير آيات من سورة الواقعة]

- ‌[الخطبة الرابعة في تفسير سورة العصر]

- ‌[الخطبة الخامسة في الحث على التمسك بكتاب الله والتحذير من مخالفته]

- ‌[القسم الرابع في الفقه]

- ‌[الفرع الأول في الصلاة]

- ‌[الخطبة الأولى في فضل الصلاة وكفر تاركها]

- ‌[الخطبة الثانية في التحذير من إضاعة الصلاة]

- ‌[الخطبة الثالثة فيما يتهاون به بعض الناس من شؤون الصلاة]

- ‌[الخطبة الرابعة في صفة الصلاة]

- ‌[الخطبة الخامسة في الحث على إقامة الصلاة مع الجماعة]

- ‌[الخطبة السادسة في مسؤولية الإمام والمأموم]

- ‌[الخطبة السابعة في صلاة الكسوف]

- ‌[الفرع الثاني في اللباس]

- ‌[الخطبة الأولى فيما يحرم من اللباس]

- ‌[الخطبة الثانية في بعض ما يحرم من اللباس]

- ‌[الخطبة الثالثة في تحريم لبس الذهب على الرجال]

- ‌[الخطبة الرابعة في التحذير من تشبه الرجل بالمرأة]

- ‌[الخطبة الخامسة في وجوب رعاية المرأة ومنعها من التبرج]

الفصل: ‌[الخطبة الثانية في بعض ما يحرم من اللباس]

[الخطبة الثانية في بعض ما يحرم من اللباس]

الخطبة الثانية

في بعض ما يحرم من اللباس عن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعد: فقد قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26] في هذه الآية الكريمة بين الله تعالى ما من به على عباده حيث أنزل عليهم ثلاثة أنواع من الألبسة نوعان حسيان ونوع معنوي، فأما النوعان الحسيان فهما لباس ضروري يواري الإنسان به عورته يكسو به بدنه لا بد له منه ولباس ريش، ويقال: رياش وهو لباس الجمال والزينة الزائد عن اللباس الضروري، وأما النوع المعنوي، فهو لباس التقوى تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه، وهذا اللباس خير من النوعين الحسيين ذلك؛ لأنه يواري سوأة الإنسان في الدنيا والآخرة:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ - وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا - ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 2 - 5] إن هذا اللباس هو الزينة التي أخرج الله لعباده، وأحلها لهم، وأنكر على من يحرمها بدون برهان:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32] إن في إضافة هذه الزينة إلى الله ووصفها بأنه الذي أخرجها لهم لأكبر برهان على أنه ليس من حقنا أن نتحكم بهذه الزينة في تحليل أو تحريم، وإنما حكمها إلى الله وحده؛ لأنه الذي أخرجها لعباده وحده، وليس من حقنا كذلك أن نستعملها كما نشاء، وإنما نستعملها على الوجه الذي حدد لنا بدون تعد:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] لقد حدد الله لنا استعمال هذا اللباس نوعا، وكيفا حلا وحرمة لئلا نتجاوز بها إلى حد لا يليق بنا أما الحل، فإن الحلال من هذا اللباس هو الأصل؛ لأن الله يقول:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]

ص: 419

واللباس مما خلق الله لنا في الأرض، فهو حل لنا حتى يقوم دليل على تحريمه، ولهذا كان الحل من اللباس أكثر بكثير من المحرم، وأما المحرم فهو قليل بالنسبة إليه؛ لأن عطاء الله سبحانه أوسع من منعه، ولا يمنع إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع.

فمن المحرم لباس الصور، ولباس ما فيه صورة؛ لأن «عائشة رضي الله عنها اشترت نمرقة، والنمرقة الوسادة أو المخدة، وكان فيها تصاوير، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآها قام على الباب، ولم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال هذه النمرقة؟ " فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها، وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم " ثم قال: " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة» . رواه البخاري ومسلم. النبي صلى الله عليه وسلم قام على الباب، ولم يدخل؛ لأن في البيت مخدة فيها صورة ظهرت كراهية ذلك على ملامح وجهه حتى أعلنت أم المؤمنين عائشة التوبة من أجل ما رأت في وجهه. ومن أمة محمد ومن المؤمنين من يصطحبون الصور في ملابسهم فيلبسون الصور، أو يلبسون ما فيه الصور نعم لقد غزانا أعداء الإسلام بفتنة هذه الصور، فأتونا بها من كل فج، ورمونا بها من كل ناحية، وضعوا هذه الصور في ملابسنا، فكان في بعض الأقمشة صور الحيوانات الكبيرة أو الصغيرة بالتلوين تارة، وبوضع قصاصات أو مطاط على صورة حيوان تارة، وتجدون ذلك ظاهرا في الألبسة الجاهزة، وصنعوا لنا حليا من الذهب أو غيره على صورة الحيوانات على صورة فراشة أو سمكة لتلبسه، فتفارقنا الملائكة بلبسه، صنعوا لنا ذلك كله، وأكثروا علينا ليهون علينا أمره، وننسى أمر الله ورسوله فيه، أو نتهاون في أمر الله ورسوله، وإن لباس هذه المصورات محرم بيعها وشراؤها محرم؛ لأنه إعانة على الإثم، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2] وكما لا يجوز للمسلم أن يلبس الصورة، أو ما فيه صورة، فإنه لا يجوز له أن يلبسها صبيه الصغير ذكرا أم أنثى. والخلاص من ذلك إذا كانت عند الإنسان الآن أن يقطع رأسها إن كانت حليا أما إن كانت في قماش فإن كانت ملصقة إلصاقا قلعها، أو قلع رأسها، وإن كانت مرسومة باللون وضع على الرأس لونا يطمسه. وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي «أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له: ألا أبعثك على ما بعثني عليه

ص: 420

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته» . ومن المحرم أيضا ما يحرم على الرجال خاصة، وهو لبس ما نزل عن الكعبين من سروايل أو قميص أو مشلح أو غيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما أسفل من الكعبين من إزار ففي النار» . رواه البخاري. وقال ابن عمر رضي الله عنهما ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص، فلا يحل للرجل أن ينزل شيئا من ثيابه أسفل من الكعبين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد على ذلك بالنار، ولا وعيد إلا على فعل محرم. ولقد ظن بعض الناس أن هذا الحديث فيمن نزل ثيابه خيلاء. والخيلاء أن يتخيل الشخص لنفسه منزلة عالية، فيتعاظم في نفسه، ويعجب بها ظن أن هذا الحديث، فيمن نزل ثيابه خيلاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم:«قال من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» . فاراد أن يحمل ذاك المطلق على هذا القيد، ولكن هذا ليس بصحيح، فإن الوعيد فيهما مختلف وسببه مختلف، الوعيد فيمن جر ثوبه خيلاء أن الله لا ينظر إليه، والوعيد فيمن نزل ثوبه عن كعبيه أن ما نزل في النار، فالعقوبة جزئية، والعقوبة الأولى، أن الله لا ينظر إليه، وهو أعظم من تعذيب جزء من بدنه بالنار، وأما السبب فمختلف أيضا، فأحدهما أنزله إلى أسفل من الكعبين، والثاني جره خيلاء، وهذا أعظم، ولذلك كانت عقوبته أعظم. وقد قال علماء أصول الفقه: إنه إذا اختلف السبب والحكم في الدليلين لم يحمل أحدهما على الآخر. فلا يحل للرجل أن ينزل شيئا من ثيابه تحت الكعبين سواء كان ذلك سراويل أم قميصا أم مشلحا أم غيرها، فإن فعل فعقوبته أن يعذب موضع النازل بالنار، ولا يحل له أن يجر شيئا من ذلك خيلاء، فإن فعل فعقوبته أن لا ينظر الله إليه بل في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قالها ثلاثا، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» . ودخل شاب من الأنصار على عمر بن الخطاب رضي الله عنه يثني عليه مع الناس حين طعن رضي الله عنه، فلما أدبره إذا إزاره يمس الأرض، فقال: ردوا علي الغلام، فردوه عليه، فقال يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربك. فائدتان في رفع الثوب ينبه عليهما أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بقاء الثوب، حيث لا تتلف الأرض أسفله. وتقوى الله عز وجل {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] قد يقول متهور: أنا لا أبالي إذا أتلف أسفل ثوبي وجوابنا

ص: 421

فهل لا تبالي أيضا إذا أضعت تقوى الله، واستعنت بنعمه على معاصيه، فانقلبت النعم نقما والمتعة ألما؟

فاتقوا الله عباد الله، واستعينوا بنعمه على طاعته، واحفظوا حدوده، وأقيموا فرائضه، واعبدوه حق عبادته ما استطعتم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . الخ.

ص: 422